الكلمة التأبينية التي ألقاها في مدينة القامشلي بمناسبة مرور خمسة عشر يوماً على رقاد
بطريركنا المعظم مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم .
أذكروا مدبريكم الذين كلموكم بكلمة الحق , وأنظروا إلى نهاية حياتهم لكي تتمثلوا بهم .
أجل إننا نذكر حياتك المملؤة بجلائل الأعمال أيها الحبر الجليل الراحل لنتمثل في نهايتها الحافلة بكل جليل وكل عظيم , وستبقى هذه الذكرى في قلوبنا ما زالت قلوبنا موجودة وستبقى ذكراك المقدسة في رعيتك ما زالت تخفق قلوب أبنائها بالحب والتقدير والاحترام والذكر الجميل .
إيه : سيدي الراحل , هذا طيفك الحبيب بيننا متنصب كما ينتصب عمود النور في غياهب الظلام وهذا ثغرك تعلوه ابتسامة الفرح والسرور لكي يَبلُ ثغورنا الظمأى إلى فرح والسرور . وهاتان عيناك الصافيتان المتألقتان تنظران عيوننا المليئة دماً ودموعاً وهذا رأسك الجليل ينتصب بيننا وكان يحوي كنوزاً من الحكمة وطيوباً من المعرفة والعلوم ولكن …. وا أسفاه أين نحن الآن ؟ هل نحن في حلم لذيذ أم في يقظة مؤلمة ؟ أيها الناس إننا الآن في حلم لذيذ وفي يقظة مؤلمة بآن واحد . هو الحلم اللذيذ يحدو بنا إلى تذكر أبينا الحبر العظيم الذي عاش بيننا وكان مثل العبير بين زهور الربيع , أجل إنه حلم لذيذ أن نذكر تلك الأيام ونعيش في هذا الحلم آخذين لقلوبنا عزاءً ولنفوسنا شيئاً من الفرح .
أفرام البطريرك الأنطاكي العظيم يعيش بيننا أيها الناس يُسمِعنا نغماته الصادقة وفصاحته الخلابة وبيانه الساحر , أفرام العظيم هذا صرير يراعك يملؤنا قوة ورجاء .
أين ذلك الوجه الكريم يا ترى ؟ وأين ذياك الجبين الناصع ……. وا أسفاه فقد تعفر في التراب , وذهب البطريرك الجليل إلى أعماق هذه الأرض .
هذه هي اليقظة المؤلمة أيها السامعون ولكن ما هو درسنا يا ترى من ذلك الحلم اللذيذ المجنح , ومن هذه اليقظة المؤلمة ؟ الدروس الخالدات سمعناها من فمك الأقدس يا بطريركنا الراحل وإنك الآن بصمتك الرهيب لا خطب منك يوم كنت تقف بيننا خطيباً مصقعاً , إن لسانك الذي توقف الآن لأوفر بياناً من ذلك اليوم الذي وقفت فيه في هذا المكان عينه , ونثرت تلك الجواهر الكريمة على هذه النفوس الكئيبة الباكية . ويراعك .. أين يراعك ؟ يا سيد المحابر والمنابر واليراع , واحسرتاه لقد تكسر ذلك اليراع وقد تمزقت تلك الطروس وقد انسكبت تلك المحابر باكية على سيدها الذي أنعشها مدة نصف قرن كامل , ولكن الآن درسنا منك يا سيدنا الراحل إنك كنت قوياً بروحك , عظيماً بذهنك , رهيباً بصوتك وكنت أباً لنا وكنتً صديقاً لكل واحد منا , وقد ضميتنا إلى صدرك كما يضم الأب الحنون أبنائه الأحباء ولكننا الآن بعيدون عن صدرك الحنون فوا أسفاه عليك .
هذه أمتك الباكية ستذكر أعمالك البطريركية الجليلة , وستتبارك بقداستك الرسولية المعظمة , وستضعك في مصاف احبارها الأعظمين الذين زينوا تاريخها بالقداسة والعلم والعرفان , وهؤلاء أبناؤك الذين عشت في بلادهم ومت لأجلهم يطلقون دموعهم السخية عليك .
يا سيدي هذه هي القامشلي وهؤلاء أبناؤك في القامشلي بشيبهم وشبابهم بمسلميهم ومسيحييهم , هؤلاء أبناؤك الذين استقبلوك قبل أربع سنوات , يوم خرجوا زرافات … زرافات وقد نودي بهم أن البطريرك أفرام سيزور مدينتكم .
إيه : … أيها الزمن ! أيتها الساعات المفرحة أين ذهبت ؟ يوم دخل البطريرك العظيم هي المدينة للمرة الأولى فحرجت تستقبلينه بشيبك وشبابك , بحكومتك وشعبك ورأيته باسماً متهللا , باسماً أمام وجوه أبنائك الباسمة ومتهللاً أمام صبيانك وفتياتك المتهللات ,
وا أسفاه لقد ذهبت تلك اللحظات المنعشة , وإننا الآن في لحظات كئيبة يا أبناء القامشلي الأحباء هذا هو بطريرككم الراحل وقد رأيتموه قبل أربع سنوات , وكأني بكم ودعتموه بحبكم العميق وأغاريدكم العذبة , وأناشيدكم التي شقت عناء السماء , كأني بكم ودعتموه في تلك الأيام لكي تجدوه الآن جالساً صامتاً أمامكم .
أواه ….. كيف تجمدت تلك الحركة المنقطعة النظير ؟ وكيف صمت ذلك البلبل الصداح ؟ وكيف يموت ذلك البيان الساحر .
—————————————————–
نقلها بخط يده المرحوم الشماس إبراهيم ميشاخ
منقول من الموقع الرسمي لمحبي المطران بولس بهنام