فهرس رائحة المسيح الذكية

رائحة المسيح الذكية

تمهيد

 

بعد حمد اللّه تعالى، نقول:

لا يُخفى ما للمطالعة من تأثير بالغ في البناء الفكري للإنسان، إذ تطبع سلوكه اليومي بطابع خاص، فينعكس ذلك على مجتمعه سلباً أم إيجاباً، بمقدار قيمة المادة التي طالع، ونوعيتها ومدى ملامستها أعماق الذات البشرية.

وهنا يبرز واضحاً دور أصحاب الأقلام والموجّهين الروحيين الاجتماعيين في إعداد الإنتاج الصالح وتقديمه للقارئ بأسلوب سهل ممتنع وهادف إلى تقدّم المجتمع الإنساني نحو الخير والعطاء.

وأفضل ما يفعله المسؤول الروحي المسيحي في هذا الميدان هو توجيه المؤمنين إلى التأمل بسير القديسين بعيداً عن الأوهام والمبالغات.

 

قصص القديسين في الأدب السرياني:

ولا نغالي إذا قُلنا إن الأدب السرياني المسيحي زاخرٌ بالقصص الشائقة سواء وُضعت أصلاً بالسريانية أم نقلت إليها، ليجتني المؤمنون منها فوائد روحية جليلة… تلك القصص التي تناقلتها الألسن وتوارثتها الأجيال ودوِّن جزء كبير منها في عصر أبطالها أو بعدهم بمدة قصيرة، وهي تتناول سير بعض الآباء الأولين ورجالات الكنيسة الميامين والشهداء والمعترفين والقديسين والنساك الفضلاء والنسوة الفاضلات.

ولا يُنكر ما طرأ على بعض هذه القصص من زيادة أو نقصان أتياها عن طريق الكُتَّاب أو النسَّاخ الذين أرخوا لمخيلتهم العنان، فسبحت في أجواء الخيال وأضافت إلى الحوادث أخباراً هي أقرب إلى الأساطير منها إلى الواقع التاريخي، ومع كل ذلك، فبإمكان المؤرخ المدقق الذي يهمّه كثيراً تحري الحقيقة أن يقع عليها مجردة، فيقبلها وحدها ويرفض سواها..

وها نحن في هذا الكتاب نقدّم للقراء الأعزاء نخبة من قصص بديعة، هي سير لبعض القديسين والقديسات، وبعض رجالات الكنيسة الأبرار، ضمتها المخطوطات السريانية القديمة التي اعتمدناها في كتابة هذه القصص والسير، كما اعتمدنا مصادر أخرى بالعربية والإنكليزية، وتحرينا النصوص متجنبين المبالغات والزيادات التي طرأت عليها بفعل النساخ البسطاء..

وكل من هذه القصص والسير، يعتبر رواية حقيقية تاريخية نقية من الشوائب، وهي ولئن كانت مليئة بأخبار العجائب والمعجزات، فليس هذا غريباً عن روح الإنجيل وسير الرسل والآباء والحياة المسيحية..

 

القديسون هم رائحة المسيح الذكية:

إن أبطال هذه القصص وشخصياتها، انتخبهم اللـه ليصيروا نبراساً في الفضائل بالإيمان القويم وبخاصة بطهارة السريرة وقداسة السيرة، وقد أظهروا في حياتهم على الأرض سيرة الرب يسوع بالجسد. فالاقتداء بهم ينفع المؤمنين للبلوغ إلى ينابيع الخلاص إذ أن هؤلاء القديسين اقتدوا بالرب يسوع، وهذا ما عناه كاتب الرسالة إلى العبرانيين بقوله:

«اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة اللـه، انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم» (عب13: 7).

ويقول الرسول بولس: «حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا» (2كو4: 10)، «فكونوا متمثلين بالله كأولاد أحباء واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا ذبيحة لله رائحة طيبة» (أف5: 2).

«ولكن شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان، لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون» (2كو2: 14 و15).

 

القديسون مثال لنا في الحياة:

فما أطيب أخبار القديسين في مسامع المؤمنين الصالحين، وما ألذّ قصصهم تسرد في مجالس الأتقياء أو تقرأ بتأمل في مخادع الصديقين، فتكون وازعاً لهم على مواصلة مسيرتهم المقدسة في طريق البر ومخافة الرب.

إن كنيستنا السريانية المقدسة غنية جداً بقديسيها، وقد دوّنت أسماءهم الكريمة بأحرف من نور في أنصع صفحات تاريخها المجيد، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى فتح هذه السجلات عملاً بوصية الرب يسوع القائل: «ليس أحد يوقد سراجاً ويغطيه بإناء أو يضعه على منارة لينظر الداخلون النور» (لو8: 16 و11: 33) فالقديسون هم مختارو الرب الذين يتم فهم قوله: «أنتم نور العالم» (مت5: 14) ففي سردنا أخبارهم وتأملنا سيرهم نزيح الستار عن دقائق حياتهم المقدسة كما فعل كاتب الرسالة إلى العبرانيين بقوله: «وماذا أقول أيضاً لأنه يعوزني الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا براً نالوا مواعيد، سدوا أفواه أسود، أطفأوا قوة النار، نجوا من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا أشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء.. وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم..» (عب11: 32ـ 38).

وفي دراسة أخبار القديسين، والتأمل بما انتهت إليه حياتهم، يشعر المؤمنون بأنهم محاطون بعناية الرب الذي لم يترك أتقياءه دون رعاية ولم يهمل المتكلين عليه بل يصونهم في كل حين لئلا يوقع بهم، وهو حصنهم الحصين، وحارسهم الأمين، وعينه الساهرة ترمقهم، فإذا دمعت عينا أحد الأتقياء في سبيل المسيح، ابتسمت شفتاه وهو يرى الرب عن يمينه يشجعه ويعزيه ويعطيه الطوبى التي أعطاها للمضطهدين من أجل ابن الإنسان بقوله: «طوباكم إذا أبغضكم الناس وإذا أفرزوكم وعيَّروكم وأخرجوا اسمكم كشرير من أجل ابن الإنسان، افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا فهوذا أجركم عظيم في السماء لأن آباءهم هكذا كانوا يفعلون بالأنبياء» (لو6: 22 و23)، فلا مهرب للبار من المصائب والمصاعب والتجارب «وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون» (2تي3: 12) وقد وضع الرب يسوع شرطاً للتلمذة له بقوله: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها» (مت16: 24 و25).

وقد أمرنا الرب أن ندخل من الباب الضيق، وأن نسلك الطريق الصعبة، والرسول بولس يوصي تلميذه طيمثاوس أن «يتحمل المشقات كجندي صالح للمسيح يسوع» (2تي2: 3).

وفي تأملنا سير هؤلاء الصديقين والصديقات نمجد الله الذي اصطفاهم، وساعدهم في جهادهم فغلبوا إبليس، وانتصروا على العالم، وصار ذكرهم للبركة (أم10: 7) لأنهم زهدوا في الدنيا وعاشوا كما يحق لإنجيل المسيح (في1: 27) وكانوا حجارة حية في جسد المسيح السري الذي هو الكنيسة، بل أظهروا بسيرتهم الطاهرة سيرة المسيح يسوع على الأرض، لذلك فالتأمل في مراحل حياتهم يبعث فينا روح القداسة، فقد كانوا بشراً مثلنا تحت الآلام والتجارب،  غلبوا إبليس، فنحن أيضاً، رغم ضعفنا، يمكننا، بقوة الرب أن نقتدي بهم، ولكن لو عقدنا الآن المقارنة بيننا وبينهم لرأينا الفرق الشاسع بين ما كانوا عليه من إيمان ورجاء ومحبة وما نحن عليه اليوم من نكران وأثرة وأنانية. فقد أنكروا ذواتهم، واعتبروا عار المسيح أفضل من أمجاد العالم لأن «العالم يمضي وشهواته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد» (1يو2: 17). لقد كانوا أعضاء في الكنيسة المجاهدة على الأرض، كما نحن الآن، وانتصروا، وانتقلوا إلى السماء، فانضموا إلى كنيسة الأبكار حائزين على إكليل البر الذي يهبه الرب الديان العادل يوم مجيئه الثاني لكل من ينتظر هذا المجيء بسهر.

إن الشركة القائمة بين الكنيستين المجاهدة في الأرض والمنتصرة في السماء تجعل من الكنيستين كنيسة واحدة تشترك بتمجيد الله ليل نهار. فبدراستنا قصص القديسين وسير النسَّاك والعوابد نشعر بشركتنا معهم في العائلة الواحدة، أي الكنيسة التي أسسها الرب في الأرض وتمتد جذورها فيها، أما أغصانها فتسمو شامخة نحو السماء بل تبلغ عرش العظمة في العلاء، لأن هذه الكنيسة هي جسد المسيح السري ورأسها المسيح يسوع الجالس عن يمين العظمة، وحجارتها هم القديسون المكتوبة أسماؤهم في السماء (رؤ17: 8).

إن دراسة تاريخ هؤلاء الأبطال الروحيين هي دراسة تاريخ الحياة المسيحية ومعرفة ذلك جيداً يساعدنا على إعداد أنفسنا لمجابهة كل ما يحيق بنا في حياتنا الروحية من صعوبات.

وعندما ندون سيرهم وننشرها متأملين في دقائق مراحل حياتهم ونقائص بعضهم كبشر، وعودتهم إلى الله بالتوبة النصوح نقتدي بهم لأن سيرهم تتلألأ قداسة، فقد عاشوا السماء وهم على الأرض واستحقوا التطويبات التي أعطاها  الرب: للمساكين بالروح، للحزانى، للودعاء، للجياع والعطاش إلى البر، للرحماء، لأنقياء القلب ولصانعي السلام وللمطرودين من أجل البر (مت5: 3ـ 12) وهم الفعلة الأمناء الذين يعملون في كرم مسيحنا، والمعترفون الصابرون المعلنون إيمان إلهنا، والشهداء البسلاء الذين سفكوا دماءهم دفاعاً عن العقيدة المسيحية السمحة.. فسقت دماؤهم الأرض وكانت بذاراً صالحاً للإيمان القويم، كما قال الآباء القديسون، فأتت بثمار شهية.

بقي أن نقول: إننا كنّا قد نشرنا بعضاً من هذه القصص والسير في كتابنا «رائحة المسيح الذكية»، وبعضها الآخر في كتاب «نفحات قداسة» الذي قدّم له ونشره الأب الفاضل الدكتور متري هاجي أثناسيو، وبعضها في كتاب «صفحات مشرقة من تاريخ الكنيسة في القرنين الثاني والثالث للميلاد»، وبعضها نشر على صفحات مجلتنا البطريركية الدمشقية. سائلين الرب الإله أن يجعلها سبب بركة للقارئ الكريم.

دمشق في 11 تموز 2008

البطريرك زكا الأول عيواص

 

محتويات الكتاب

القديس مار بطرس هامة الرسل في كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية

مار توما الرسول

القديس مار إغناطيوس النّوراني (107+)

القديس ثاوفيلوس البطريرك الأنطاكي السابع – أحد آباء الدفاع عن المسيحية (169 ـ 181 أو 185+)

القديس يوستينوس الفيلسوف (167+)

القديسة الشهيدة بربارة (+235)

أهـل الكهف في المصادر السريانية

مار أفرام السرياني (سيرته ـ مؤلفاته ـ أقوال مأثورة له ـ بعض ما قيل عنه)

القديس أنطونيوس الكبير (أبي الرهبان وكوكب البرية 356+)

قصة مار متى الناسك والشهيدان مار بهنام وسارة ورفاقهما الأربعين

القديس موسى الحبشي

قصة مار إبراهيم القيدوني (أحد نساك المشرق الشهيرين ت 366+)

قصة مار نيقولاوس أسقف ميرا (المعروف بين القديسين السريان بمار زوخي 341+)

القديسة مريم المصرية

القديس مـار فيلكسينوس المنبجي (وكتابه طريق الكمال)

القديس مـار يـعـقـوب الـرهـاوي

مار جاورجي الأول بطريرك أنطاكية (790+)

البطريرك ديونيسيوس التلمحري

البطريرك يوحنا ابن المعدني (1263+)

القديس مار غريغوريوس ابن العبري مفريان المشرق (1226 ـ 1286)

مار باسيليوس بهنام الرابع مفريان المشرق (1852 ـ 1859)

رجل النهضة والإصلاح في كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية في القرن العشرين للميلاد مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم (1957)

كاهن اللّـه البار المرحوم الخوري موسى توما حكيم

العلامة الأرخدياقون نعمة الله دنو

%d مدونون معجبون بهذه: