القديس مار غريغوريوس ابن العبري

القديس مار غريغوريوس ابن العبري

مفريان المشرق (1226 ـ 1286)

 

تمهيد:

يعد ابن العبري فارس كتبة السريانية الذي لا يجارى، وأشهر علمائها على الإطلاق. فاز لنبوغه وعبقريته بإعجاب المهتمّين بالدراسات السريانية من شرقيين ومستشرقين، فلقبه بعضهم بدائرة معارف القرن الثالث عشر للميلاد[1]. ولا غرو من ذلك فقد تبحّر ابن العبري في علوم الكتاب المقدس، واللاهوت، والمنطق، والفلسفة، والطب، والهيئة، والفلك، والتاريخ، والشرع البيعي، والبيان والنحو والشعر. ودبّجت يراعته في هذه العلوم وغيرها ستة وثلاثين كتاباً تعدّ جميعها في القمة مقاماً وأهمية. كما أتقن اللغات السريانية التي ألّف بها أغلب مصنفاته، والعربية التي وضع بها كتابه (تاريخ مختصر الدول) وغيره، واليونانية التي نقل عنها بعض ما كتب وصنّف. وقد أجاد النثر في هذه اللغات وكتب الشعر البديع بالسريانية خاصة وتعمّق بنحوها جميعاً وصرفها وبيانها وبديعها. كما ألمّ بالفارسية والأرمنية. فهو حقاً فريد زمانه ووحيد دهره.

ويمتاز ابن العبري بمزجه الفكر العربي الصوفي بالفكر السرياني النسكي، ويظهر ذلك واضحاً في كتابيه (الايثقون) و(الحمامة) بالمقارنة بكتاب العلامة الشهير أبي حامد الغزالي (1058ـ1111م) (إحياء علوم الدين). فبين هذه الكتب علاقة أدبية قوية لا سيما في موضوع تنظيم الحياة الأدبية والروحية للإنسان، وفلسفة التصوّف.

مراجع ترجمته:

تناول أدباء السريانية وبعض المؤرّخين القدامى والمعاصرين ترجمة ابن العبري بالدرس، وبذل بعضهم جهداً كبيراً في ذلك يستحقون عليه الثناء العطر. أما الينبوع الرئيس الذي نستقي منه الحقائق الناصعة في هذا الميدان فهو ما كتبه ابن العبري عن نفسه في تاريخه الكنسي وكتابه (الحمامة) وقصائده السريانية، وتكملة ترجمته بقلم أخيه (الصفا)، وسيرته المنظومة بالسريانية بقلم تلميذه المطران جبرائيل البرطلي، وبتناولنا ترجمته بالتفصيل، لا بد أن نستعرض باختصار أحداثاً تاريخية كنسية ومدنية ذات علاقة بحياته.

 

ولادته وأسماؤه:

هو مار غريغوريوس يوحنا، أبو الفرج، جمال الدين، المعروف بابن العبري.

ولد في ملطية[2]. قاعدة أرمينيا الصغرى سنة 1226م من أبوين مسيحيين، وسمي بالمعمودية يوحنا. وكان أبوه تاج الدين هرون بن توما طبيباً ماهراً، وشماساً، ذا مكانة اجتماعية مرموقة في بلدته وكنيسته.

توهّم بعضهم بأن هرون أبا ابن العبري كان من أصل يهودي وتنصّر ومن هنا جاءت نسبة المترجم بالسريانية ܒܪ ܥܒܪܝܐ (بار عبرويو) وبالعربية (ابن العبري) وأن ابن العبري كان متزوجاً، له ابن اسمه فرج، ولذلك لقّب بـ (أبي الفرج)[3]. وقد دحض ابن العبري هذه التهمة ببيت شعر قاله بالسريانية عن نفسه وهو:

ܐܢܗܘ ܕܡܪܢ ܩܢܘܡܗ ܟܰܢܝ ܠܡ ܫܡܪܝܐ

ܠܐ ܬܨܛܡܥܪ ܐܢ ܢܩܪܘܢܟ ܒܪ ܥܒܪܝܐ

ܦܪܳܬܝܐ ܗܘ ܓܝܪ ܗܢ ܫܘܡܗܐ ܐܦ ܢܗܪܝܐ

ܠܐ ܕܬܘܕܝܬܐ ܡܘܡܬܢܝܬܐ ܘܠܐ ܣܦܪܝܐ[4]

وتعريبه: «إذا كان سيدنا (المسيح) سمى نفسه سامرياً، فلا تخجلن إذا دعوك ابن العبري، فإن هذه التسمية صادرة عن نهر الفرات لا عن عقيدة معيبة ولا عن لغة».

من هنا نعلم أن تسميته بابن العبري جاءت لا لكونه من أصل يهودي أو تكلمه بلغة عبرية، بل لأنه ولد في أثناء عبور نهر الفرات[5]. أو لأصل عائلته من قرية (عبرة)[6] الواقعة على نهر الفرات بالقرب من ملطية التي جلا إليها جده.

أما اسم (هرون) الذي دعي به أبوه، فقد استعمله المسيحيون والمسلمون معاً كما استعملوا اسم موسى مثلاً. وهو لا يدل على انتمائهم إلى الدين اليهودي أبداً. فمن المسلمين نذكر الخليفة هرون الرشيد، ومن المسيحيين نذكر على سبيل المثال لا الحصر البطريرك ديونيسيوس هرون عنجور (ت1280م) والبطريرك يوحنا هرون بن المعدني (ت 1264م).

أما كنيته (أبو الفرج) فلا تدل على أنه كان متزوجاً أو كان له ابن اسمه فرج[7]. فمن الثابت أن ابن العبري كان متبتلاً، وأن أمثال هذه الألقاب والأسماء والتكني (بابن فلان وبأبي فلان) اقتبسها السريان من العرب الذين يستعملونها كثيراً.

 

نشأته:

نشأ ابن العبري في بيت رفيع العماد تتضوع في جوانبه رائحة العلم والفضيلة، وشغف باكتساب المعرفة ومحبة الخير. ولقّنه أبوه الطبيب مبادئ الطب، وسلّمه إلى أمهر الأساتذة، فأتقن على يدهم اللغات الثلاث: السريانية والعربية واليونانية، كتابة وخطابة وهو لمّا يزل شاباً يافعاً غض الإهاب. ثم درس الأرمنية والفارسية وتعمق بالعلوم الدينية والمدنية المعروفة عصرئذ[8].

 

هجرته إلى أنطاكية:

وفي سنة 1243م رحل ابن العبري برفقة أبيه هرون وأسرته إلى مدينة أنطاكية سورية[9]، على أثر الغارات التي شنّتها جيوش هولاكو على مدينة ملطية. وأخذ ابن العبري عن علماء أنطاكية الشيء الكثير من العلوم والمعارف.

 

نسكه:

وفي سنة 1244م قصد ديراً بجوار أنطاكية حيث تنسّك في مغارة بقربه منكبّاً على أعمال الزهد والتقشّف واكتساب العلم الروحي والفضيلة، فذاع صيته في الأصقاع وزاره في مغارته البطريرك إغناطيوس الثالث داود (ت 1252م). ونظم ابن العبري بالسريانية بيت شعر يصف به هذه الزيارة وهو:

ܐܒܐ ܕܓܘܐ ܒܬܒܝܪܘܬ ܠܒܝ ܐܬܡܠܝ ܣܡܟܢܝ

ܘܠܘܬܝ ܟܕ ܥܠ ܢܘܗܪܗ ܐܙܠܓ ܒܐܣ̈ܝ ܡܫܟܢܝ

ܗܢܐ ܟܠܗ ܛܝܒܘ ܡܢܗ ܠܝ ܐܫܬܟܢ

ܕܡܢ ܬܚܡܨܬܐ ܩܕܡܝ ܥܕ ܗܫ ܪܝܫ ܗܐ ܡܪܟܢ[10]

وتعريبه: «زارني البطريرك أمس فأضاءت جوانب منسكي متلألئة بوجوده، وعضدني وأنا في غمرة اتضاعي لذلك فإن رأسي لا يزال حتى الآن مطأطئاً حياءً للنعمة الفائقة التي غمرني بها».

ولعل ما صادفه ابن العبري من المصاعب والمتاعب، والكوارث الناجمة عن غزوات المغول، زهّده بالدنيا فترفّع عن المادة حتى أنه لم يأخذ درهماً بيده طوال أيام حياته، وأحبّ حياة التصوف، وعلى الرغم من تبوُّئِه مركزاً دينياً رفيعاً في الكنيسة، ظل يتذوّق حلاوة الاختلاء باللّـه فوصفها في كتابه (الحمامة)[11] وصف خبير متمرّس.

أسقفيته:

بعد أن قضى ابن العبري سنة كاملة متعبّداً في مغارته في أنطاكية، غادر الدير سنة 1245م وجاء إلى طرابلس الشام حيث أكمل دراسته على يعقوب الأستاذ النسطوري، والتقى هناك بصليبا بن يعقوب من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في الرها الذي كان مثله يدرس علوم الطب والبيان والمنطق على يد الأستاذ يعقوب. وبلغ البطريرك إغناطيوس الثالث داود (ت 1252م) خبر تقدم الطالبين النجيبين بالعلم والمعرفة فاستدعاهما إلى أنطاكية ورسمهما كاهنين ثم أسقفين في 14 أيلول 1246م وعين صليبا على أبرشية عكا وسمّاه مار باسيليوس ولكنه لم يدخلها ونقل إلى أبرشية حلب. وعيّن يوحنا ابن العبري على أبرشية جوباس من أعمال ملطية وسمّاه مار غريغوريوس، ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره. قال ابن العبري في ذلك ما يأتي: «ولما بلغت العشرين من عمري اضطرني البطريرك المعاصر إلى أن أتقلّد رئاسة الكهنوت، حينئذ ألجأتني الضرورة إلى أن أجادل ذوي المعتقدات المخالفة من مسيحيين وغرباء، مجادلات مبنية على القياس المنطقي والاعتراضات. وبعد دراستي هذا الموضوع مدة كافية وتأملي فيه ملياً تأكّد لدي أن خصام المسيحيين بعضهم مع بعض لا يستند إلى حقيقة بل إلى ألفاظ واصطلاحات فقط… لذلك استأصلت البغضة من أعماق قلبي وأهملت الجدال العقائدي مع الناس»[12].

ويعترف ابن العبري بضعفه أمام الشكوك التي ساورته روحياً وأحجم عن ذكر نوعها وتفصيلها لئلا يصير ذلك سبب عثرة للبسطاء، ولكنه ينوّه بجانب منها فيقول: «واجتهدت على أن أدرك فحوى حكمة اليونان، أي المنطق والطبيعيات والإلهيات والحساب والآداب وعلم الفلك، وحركات الكواكب… ولم أجد ضالتي المنشودة في العلوم الخاصة والعامة كافة. فقد أوشكت أن أهلك هلاكاً تاماً حيث اصطادتني فخاخ هذه العلوم وكأنها قد رصدتني وإنني أمسكت عن ذكر ذلك وإيضاحه لئلا يضرّ بكثير من الضعفاء. والخلاصة أنه لو لم يعضد الرب ضعف إيماني في الأزمنة الخطرة ولو لم يرشدني إلى التأمل في كتب العلماء كالأب أوغريس وغيره من المغاربة والمشارقة وينتشلني من هوة الهلاك والدمار، لكنت قد يئست من الحياة الروحية لا الجسدية. فقد درست تلك الكتب في غضون سبع سنين»، ويتابع قوله بوصف حالته في شكوكه: «وكان ضميري يؤنبني أحياناً وهو يخاطبني بقوله: لا تهذِ ولا تظن أن كل ما لا تعرفه ليس بموجود، لأن ما تعرفه هو أقل بكثير مما لا تعرفه. وكنت بشكوكي هذه أعرِّج على الجانبين حتى أشرقت علي كالبرق أشعة نور خاطف لا يوصف، فتناثر جزء من القشور التي كانت متلبّدة على عينيَّ فانفتحتا. وأبصرت قليلاً، وكنت أصلي بلا فتور ليتداعى كلياً السياج القائم في الوسط لأرى المحبوب غير المنظور لا بالظلام بل علناً».

وحفر في أعلى عصا الرعاية التي يمسك بها الأسقف عادة بيتاً من الشعر السرياني يناجي به ربه قائلاً:

ܚܘܒܟ ܢܓܕܢܝ ܠܡܟܗܢܘ ܠܟ ܥܙܝܙܐ

ܕܒܚ̈ܐ ܫܰܠܡ̈ܐ ܠܐ ܬܪܦܝܢܝ ܡܪܝ ܐܗܘܐ ܒܙܝܙܐ

ܒܓܘܕܐ ܕܟܗܢܝ̈ܟ ܛܟܣܝܢܝ ܡܪܝ ܘܐܗܘܐ ܚܪܝܙܐ

ܘܒܟ ܐܬܦܨܐ ܡܪܝܐ ܡܢܗ ܕܗܘ ܬܰܙܝܙܐ[13]

وتعريب ذلك: «اللهم أيها القوي إن حبك جذبني لأقدم لك الذبائح التامة. فلا تهملني لئلا يزدرى بي، ضمّني إلى جوقة كهنتك فانتظم في صفهم وأنجو بوساطتك يا رب من إبليس المارد».

وبعد سنة من رسامته أي في سنة 1247م نقل ابن العبري إلى أبرشية لاقبين من أعمال جوباس فدبّرها مدة خمس سنوات.

وفي سنة 1252م انتقل البطريرك إغناطيوس الثالث داود إلى جوار ربه، واختلف آباء الكنيسة في انتخاب من يخلفه في البطريركية فوقع اختيار بعضهم على ديونيسيوس هرون عنجور مطران ملطية. أما الآخرون فعلى المفريان يوحنا هرون ابن المعدني، ويذكر التاريخ أن ابن العبري وقف إلى جانب ديونيسيوس عنجور، ولعل ذلك لأنه كان مطران ملطية وصديقاً للشماس هرون والد ابن العبري. وتظهر لنا أطوار عنجور الغريبة من بيت شعر سرياني نظمه ابن العبري في هجائه قائلاً:

ܕܐܗܘܐ ܪܚܡܟ ܐܘ ܒܪ ܐ̱ܪܙܟ ܢܝܫܐ ܠܝܬ ܠܝ

ܕܓܢܬܐ ܕܡܘܥܝܐ ܟܠ ܝܘܡ ܪܝܫܐ ܚܕܬܐ ܠܝܬ ܠܝ

ܗܐ ܢܝܫ̈ܢܐ ܐܝܬ ܠܟ ܘܐܢܐ ܢܝܫܐ ܠܝܬ ܠܝ

ܘܡܛܠܗܕܐ ܒܕܡܘܬ ܫܥܝܐ ܟܘܫܐ ܠܝܬ ܠܝ

ܐܢܬ ܗܘ ܐܝܢܐ ܕܡܢ ܡܚܒ̈ܢܐ ܥܓܠ ܣܒܥ ܐܢܬ

ܘܠܚܫ̈ܢܐ ܘܐܟ̈ܠܝ ܩܖ̈ܨܐ ܥܓܠ ܫܡܥ ܐܢܬ

ܠܡܘܢ ܠܣܝܓܐ ܕܚܘܒܝ ܫܪܝܪܐ ܥܓܠ ܬܪܥ ܐܢܬ

ܕܐܢܐ ܐܝܬܝ ܗܘ ܕܥܕܟܝܠ ܠܐ ܝܕܥ ܐܢܬ[14]

وتعريب ذلك: «لم يخطر ببالي قط أن أتخذك صديقاً أو نديماً لأنني لا أمتلك جنينة تنبت كل يوم رأساً جديداً. فأنت ذو أغراض، أما أنا فليس لي غرض، ولا استقرار لي (معك) وكأني في لعب، أنت يا هذا تمل من الأحباء سريعاً، وتسمع (مصدقاً) بسرعة المغرضين والثلابين. لماذا بسهولة تنقض سياج محبتي الصادقة؟ فأنا من لم تعرفه بعد».

في سنة 1253م رقّى البطريرك ابن المعدني باسيليوس صليبا بن يعقوب وجيه أسقف حلب إلى رتبة المفريانية[15] وسمّاه إغناطيوس. وجاء هذا إلى الموصل محملاً بالهدايا الثمينة، فقوبل بإكرام من بدر الدين لؤلؤ واليها، الذي خلع عليه حلة، وأعجب بلباقته وعلمه الواسع، فقد كان يجيد العربية وصناعة الطب والعلوم الفلسفية، كما كان رخيم الصوت جميل الصورة. ولكنه كان ضعيفاً في العلوم الدينية. وصعد إلى دير مار متى ليحتفل بتجليسه على كرسي المفريانية بحسب العادة المتبعة يومذاك، فاستقبله الرهبان برئاسة أبي الحسن بن شماع بخشونة بلغت درجة الوقاحة، الأمر الذي امتعض منه المفريان، وغادر الدير متفقداً الكنائس، فأحبه أغلب الشعب. ولكن لكثرة الشغب والفتن غادر بلاد المشرق بعد سنة ونصف راجعاً إلى حلب. وكان على كرسيها زميله في الدراسة في طرابلس المطران غريغوريوس يوحنا ابن العبري الذي نقل إلى كرسيها سنة 1253م بأمر ديونيسيوس عنجور على أثر خلوه برسامة صليبا مفرياناً. أما المفريان صليبا فاستأجر داراً خارج الكنيسة وأخذ يتعاطى الطب. وبعد سنة ذهب إلى دمشق، وبالرشوة استحصل على أمر من سلطانها يخوّله الاستيلاء على كرسي حلب وإبطال ولاية ديونيسيوس عنجور على كنائس سورية. فآثر ابن العبري اعتزال العمل الإداري اجتناباً للخصام وعاد إلى ملطية وخلا في دير مار برصوم لدى البطريرك ديونيسيوس عنجور، وبعد سنة ذهب إلى دمشق برفقة سفراء من التتر ونال من الملك الناصر تأييداً لديونيسيوس عنجور، فجاء هذا إلى حلب وتبوّأ كرسيها فغادرها المفريان إغناطيوس صليبا إلى طرابلس، وبعد مدة مرض مرضاً عضالاً وانتقل إلى جوار ربه يوم الأربعاء 12 حزيران سنة 1258م[16] ورثاه ابن العبري خدينه في الدروس الطبية والفلسفية بقصيدة سريانية عصماء جاء في مطلعها:

ܕܫܢܝܬ ܚܒܝܒܝ ܚܫܟܐ ܠܥܠܡܐ ܗܘ ܡܬܚܘܐ

ܣܗܪܐ ܕܐܚ̈ܐ ܐ̱ܡܪ ܠܝ ܕܢܚܟ ܐܡܬܝ ܗܳܘܐ

ܕܠܟ ܡܥܒܪܬܐ ܒܚܳܙܝ̈ܬܝ ܐܥܒܪ ܐܝܟ ܕܒܟܘ̈ܐ

ܘܡܐܢ̈ܐ ܕܒܣܪܐ ܐܦܝ̈ ܒܐܘܪܚܟ ܠܟ ܐܶܫܰܘܶܐ[17]

وتعريب ذلك: «خيّم الظلام على العالم بانتقالك منه يا حبيبي يا قمر الإخوان قل لي متى يكون موعد ظهورك!؟ لأجعل لك بناظري جسراً (فأراك) كما من وراء النوافذ وكأعضاء للجسد أعد لك وجهي طريقاً».

ولما اغتيل البطريرك عنجور في شهر شباط من سنة 1261م قال فيه ابن العبري البيت السرياني الآتي:

ܗܐ ܗܘ ܐܝܢܐ ܕܩܛܠ ܐܠܦܐ ܒܥܘܡܪܐ ܘܦܝܠܐ

ܒܩܕܘܫܩܘ̈ܕܫܝܢ ܗܝ ܟܘܬܝܢܗ ܒܕܡܗ ܦܝܠܐ

ܕܚܠܨ ܥܕܬܐ ܡܢ ܩܢܕ̈ܝܠܐ ܘܟܣ ܘܦܝܠܳܐ

ܒܗܝܟܠ ܩܘܕܫܐ ܟܕ ܡܬܗܕܡ ܓܥܐ ܐܝܟ ܦܝܠܐ[18]

وتعريبه: «هوذا من قتل في الدير ألف شخص وفيلاً، لطخ ثوبه في قدس الأقداس بدمه. إن من سلب الكنيسة قناديلها وكؤوسها وصوانيها، يستغيث كفيل وهو يقطع في قدس الأقداس إرباً إرباً».

وبعد موت عنجور أجمعت الآراء على البطريرك يوحنا هرون ابن المعدني، وقدّم له ابن العبري آيات الولاء وواجب الطاعة، فسرّ به ابن المعدني كثيراً وفكّر في ترقيته إلى منصب المفريانية، ولكن المنية حالت دون ذلك، فقد انتقل ابن المعدني إلى جوار ربه سنة 1263م، ورثاه ابن العبري بقصيدة بليغة جاء في مطلعها:

ܠܡܘܢ ܐܟܪܝܬܢܝ ܗܢܐ ܟܠܗ ܡܠܐܟ ܡܘܬܐ

ܘܕܠܐ ܖ̈ܚܡܐ ܦܪܥܬܢܝ ܗܕܐ ܟܠܗ̇ ܒܝܫܬܐ

ܠܫܡܫܐ ܕܙܒܢܐ ܘܠܢܗܝܪܐ ܘܣܳܡܟܐ ܕܥܕܬܐ

ܠܪܝܫܐ ܕܢܦܫܐ ܘܢܦܩܐ ܕܪܘܚܐ ܘܪܘܚܐ ܬܪܝܨܬܐ[19]

وتعريبه: «لما أحزنتني إلى درجة كهذه يا ملاك الموت، وبدون رحمة أصبتني بهذا الشر (فأخذت) شمس الزمان المنير وسند البيعة وراس النفس ونفس الروح والروح المستقيمة؟!».

وقضى ابن العبري اثنتي عشرة سنة في تدبير أبرشية حلب، وأسس بالقرب من كنيستها فندقاً كمستشفى للمرضى، ومأوى للغرباء، ولقي شدائد كثيرة، وظروفاً صعبة بسبب الحروب المتتالية والاضطرابات السياسية إبّان الغزو المغولي، وكان ذلك الرجل الحازم المملوء حكمة وتواضعاً.

ففي سنة 1258م احتلّ المغول بقيادة هولاكو مدينة بغداد وانقرضت دولة العباسيين وسادت الفوضى جميع بلاد العراق وسورية، وعاث جيش هولاكو فساداً. وعند وصولهم إلى حلب خرج ابن العبري للقاء هولاكو يستعطفه على رعيته من ظلم المغول، وأنشد أمامه بالسريانية بيت شعر نقله عن الفارسية وهو:

ܐܝܟ ܨܝܕ ܐܣܝܐ ܠܘܬܟ ܐܢܐ ܡܪܥܐ ܐܬܝܬ

ܐܘ ܡܠܟ ܡܠܟ̈ܐ ܕܐܩܢܐ ܚܝ̈ܐ ܠܐܘܪܥܟ ܐܬܝܬ

ܕܐܩܛܘܦ ܦܐܖ̈ܐ ܚܘܠܡܢܝ̈ܐ ܕܙܪܥܟ ܐܬܝܬ

ܘܐܠܐ ܒܐܝܕܐ ܟܝ ܬܐܓܘܪܬܐ ܠܐܪܥܟ ܐܬܝܬ[20]

وتعريبه: «يا ملك الملوك، لقد قصدتك كما يقصد المريض الطبيب، وخرجت للقائك لأنال حياة وأجتني ثمار زرعك التي تشفي العليل، وإلاّ فلأي تجارة أخرى وطئت أرضك؟».

ولم تجد شفاعة ابن العبري بشعبه نفعاً، فقد سبق السيف العذل، وقتل المغول العديد من السريان والروم وغيرهم في حلب، وكان عدد الذين قتلوا في حلب لا يقل عمن قتل في بغداد[21].

مفريانيته:

ولما تبوّأ الكرسي البطريركي إغناطيوس الرابع يشوع (ت 1283م) خلفاً لابن المعدني سنة 1264م أجمع أساقفة المجمع الأنطاكي على انتخاب ابن العبري مفرياناً على المشرق بعد خلو هذا الكرسي مدة ست سنوات على أثر وفاة المفريان إغناطيوس صليبا (ت 1258م).

وجرت حفلة رسامة ابن العبري مفرياناً على المشرق في 19 كانون الثاني سنة 1264 في سيس قاعدة قيلقية وحضرها هيوم ملك قيلقية وأولاده وأعيان دولته وأساقفة من الأرمن، إلى جانب أساقفة السريان وجمهور غفير من الشعب. والقى فيها ابن العبري خطاباً بليغاً بموضوع رئاسة الكهنوت، استهله بآية المرتل: ܓܒܠܬܢܝ ܘܣܡܬ ܥܠܝ ܐܝܕܟ أنت يا رب أنشأتني ووضعت علي يدك»[22].

وقام ابن العبري على أثر رسامته بزيارة هولاكو، فاستقبله بحفاوة لائقة لمكانته العلمية والدينية. واهتمّ ابن العبري بتثبيت رئاسة البطريرك إغناطيوس الرابع يشوع (ت1283م) الروحية، ومهّد لزيارته لهولاكو، فلما وصل البطريرك رحّب به هولاكو أجمل الترحيب ومنحه براءة تثبّت حقوقه، كما أثنى ببراءة أخرى على المفريان ابن العبري وخلع عليهما، ومنح براءة ثالثة لأسقف قيسارية قبادوقية السرياني، وفي السنة التالية توفي هولاكو وخلفه بالملك ابنه أباقا الذي نسج على منوال أبيه في إكرام البطريرك والمفريان.

وبعد مقابلة هولاكو بمدة وجيزة توجّه ابن العبري إلى العراق ليتولّى كرسي المفريانية، فرحّب به رجال الدولة وأبناء الكنيسة في الموصل، وقوبل باحترام لائق في دير مار متى. وزار بغداد فكرّمه مكيخا جاثليق النساطرة، وكان زمن الفصح قد حلّ، فكان السريان والنساطرة يحتشدون في كنيسة مار توما السريانية في محلة المحول[23] لسماع الطقوس الدينية التي كانت تتلى برئاسة المفريان ومن جملتها طقس تقديس الميرون. وأمضى ابن العبري الصيف كله في بغداد، ورسم مطرانين أحدهما لبغداد، والآخر لأذربيجان وغادرها في الخريف، ولما زارها ثانية سنة 1277م، قال فيه دنحا جاثليق النساطرة «طوبى لشعب أصاب مثل هذا»[24].

ونهض ابن العبري لتدبير أبرشيات المشرق العديدة الواسعة مدة اثنتين وعشرين سنة، ورسم لها اثني عشر أسقفاً اتصفوا بالتقوى والعلم الغزير، ورمّم وجدّد كنائس وأديرة في نينوى وبغداد وأربيل وتبريز ومراغة. وكان مولعاً بحسن هندسة الكنائس وزخرفتها، وحتى أنه طلب مرة من هوسبينا خاتون ابنة ملك المغول، فأرسلت إليه أحد المصوّرين اللذين كانت قد استقدمتهما من القسطنطينية من لدن أبيها لزخرفة كنيسة اليونان في تبريز، كلّفه ابن العبري بزخرفة كنيسة مار يوحنا ابن النجّارين التي شيّدها جنوب غربي برطلة، ونقل إليها ذخيرة الشهيد ابن النجارين[25].

الخلاف بين البطريرك وابن العبري:

دوَّن ابن العبري في تاريخه ما عاناه من أوصاب في عمله الرسولي، وما جرى بينه وبين البطريرك إغناطيوس الرابع يشوع من خلاف، ذلك أن البطريرك لم يعر أذناً صاغية إلى آراء ابن العبري الصائبة التي تتوخّى خير الكنيسة وازدهارها وحفظ كرامتها. وتفاقم الخلاف بينهما، وكاد يؤدي إلى شقاق.

وقد أصيب ابن العبري بمرض الديسنطاريا، وكان يومئذ في سيس بقيلقية، وصار قاب قوسين أو أدنى من الموت، ولكن العناية الإلهية شفته، فأرسل إليه البطريرك رسالة يهنئه بالشفاء، فعادت بينهما المياه إلى مجاريها، إذ زاره المفريان في دير مار برصوم.

 

وفاة البطريرك يشوع وتنصيب البطريرك فيلكسين:

ولما شعر البطريرك إغناطيوس الرابع يشوع بدنو أجله، أرسل يستدعي ابن العبري ليسلّمه إدارة البطريركية، فلم يتمكن هذا من السفر لاضطراب حبل الأمن في تلك الفترة بسبب الحروب المتواصلة. وتوفي البطريرك سنة 1283م في دير فقسيماط من أعمال قيلقية. واجتمع بعض الأساقفة في دير مار برصوم، وخلافاً لقوانين الكنيسة رسموا فيلكسين نمرود بطريركاً دون علم المفريان ابن العبري، وذلك في أوائل سنة 1283م واستحصلوا له على براءة من ملك المغول، فامتعض ابن العبري من هذا العمل المشين، الذي جاء ضد ما سنّته المجامع الكنسية.

وحاول البطريرك الجديد وأساقفته ترضية المفريان ابن العبري معتذرين إليه عما جرى، وأرسلوا إليه وفداً إلى تبريز حيث كان يومئذ فلم يستقبله. ثم قصده الأستاذ شمعون الطبيب، وهو عم البطريرك الجديد برفقة بعض الأساقفة مستعطفين، فرفض طلبهم أيضاً قائلاً: «إن الآباء القديسين حددوا منذ زمن بعيد ألاّ يقام مفريان بدون البطريرك، ولا يقام بطريرك بدون مفريان، وحيث أن هؤلاء الأساقفة قد تعدوا الشريعة وقوانين الآباء فليس لي معهم نصيب ولا أشاركهم في مخالفتهم الشريعة»، ثم جاء تاج الدولة ابن الأستاذ شمعون الذي كان تلميذه وطلب إليه متضرعاً فاستقبله ابن العبري ولم يرد طلبه. وكتب إلى البطريرك فيلكسين نمرود رسالة شرح فيها أسباب عدم مصادقته على رسامته البطريركية، وموضّحاً استياءه من استئثار بعض الأساقفة بأمر الانتخاب والرسامة، ضاربين بالقوانين الكنسية عرض الحائط، وأن امتعاضه منهم ليس بسبب طموحه إلى درجة البطريركية كما يظن بعضهم، فهو لم يكن يوماً ما يرغب في البطريركية. ومما قاله: ربما ظننت أن لي رغبة في البطريركية فلم أصادق على انتخابك ورسامتك بطريركاً. إن اللّـه فاحص القلوب، يعلم انه ولا عضو من أعضائي يتوق إلى هذه الدرجة، لأسباب شتى، منها أولاً: أنني قد اؤتمنت على رئاسة الكهنوت منذ أربعين سنة تقريباً، قضيت عشرين منها في الغرب، وعشرين في الشرق، وقد سئمت الأعمال الإدارية، ولذلك أطمح الآن إلى العزلة وأتوق إلى الراحة والحياة الهادئة، استعداداً للحصول على النهاية الصالحة المحفوظة لآل السلام. ثانياً: أنا بنعمة اللّـه أتنعّم براحة تامة برعاية الكنيسة في الشرق، فلا داعي لاستبدالها بأخرى كما فعل أسلافي المرحومون. وإن ما حصلت عليه من الراحة في الشرق لم يحصل عليه غيري على الرغم من اضطراب الزمان. ثالثاً: ولو افترضنا أنه كانت لي رغبة في البطريركية كسائر البشر الذين يطمحون إلى درجة أعلى، غير أن الخراب الذي عمَّ أبرشيات المغرب منذ أمد بعيد، كفيل بإزالة هذه الرغبة. فهل أرغب في أنطاكية التي يبكى عليها ويناح؟ أم في أبرشية كومايا الكهنوتية التي لم يبقَ فيها بائل على حائط، أو برؤة أو منبج أو قلونيقوس أو الرها أو حران التي أقفرت جميعها؟ أو الأبرشيات السبع[26] المحيطة بملطية التي لم يبق فيها بيت واحد؟. من هنا يعرف أن سبب حزني هو عملكم غير الممدوح بل الذميم، إذ بدون رضى الغربيين والشرقيين عملتم ما عملتم. يرجى علمكم، وربكم الذي لا يحابي الوجوه يعلم كل شيء[27].

وفي سنة 1286 بلغ المفريان ابن العبري الستين من عمره، وروى أخوه برصوم الصفا أن ابن العبري كان يتوقّع حلول أجله في تلك السنة، وكان يردد القول إنني بحسب علم الفلك ولدت في السنة التي بها اجتمع زحل والمشتري في برج الدلو، ورسمت مطراناً بعد عشرين سنة، وهي السنة التي اجتمع بها زحل والمشتري في برج الميزان. ونصبت مفرياناً بعد عشرين سنة من ذلك التاريخ، وهي السنة التي اجتمع بها زحل والمشتري في برج الجوزة. وأتوقع انتقالي من هذا العالم في سنة 1286م، وهي السنة التي يجتمع فيها زحل والمشتري في برج الدلو، كما اجتمعا في سنة ميلادي. وإلى هذا أشار ببيت شعر نظمه بالسريانية وهو:

ܡܨܝܕܬ ܥܠܡܐ ܒܫܢܬ ܐܢܠܙ ܨܕܢܝ ܢܫܒܟܝ

ܘܣܒܪ ܐܢܐ ܠܝ ܕܒܫܢܬ ܐܢܨܙ ܠܐ ܐܗܘܐ ܒܟܝ[28]

وتعريبه: أيا صنارة العالم لقد اصطادني شركك في سنة 1537 يونانية (=1226م) وأظن أنني سأغادرك في سنة 1597 ي (=1286م).

ويروي لنا برصوم الصفا أن أخاه ابن العبري كان يتوجس شراً من سنة 1286م، فلما حلّت أيام الصيف كان يؤكّد بأن لا مناص من الموت خلالها. وكانت الموصل مقره تتعرض أيام الصيف لهجمات اللصوص الذين يأتونها من سورية. وفي تلك السنة كثرت في الموصل حوادث العنف من سلب ونهب وسبي وقتل. فخاف برصوم الصفا على أخيه ابن العبري لئلا يطرأ عليه ما يعرض حياته للخطر فتتم تكهناته. لذلك ألحّ عليه بالانتقال إلى مراغة في أذربيجان ففعل. وقوبل بالترحاب من أهل مراغة على مختلف مذاهبهم. وطلب إليه علماء المسلمين تعريب كتابه السرياني في التاريخ العام، فلبّى طلبهم وأتمّ نقله إلى العربية ما خلا ثلاث صفحات في نحو شهر بلغة عربية بليغة، وأسماه (تاريخ مختصر الدول).

 

انتقاله إلى جوار ربه:

وانتابته الحمى الشديدة ليلة السبت 28 تموز سنة 1286م، وفي اليوم التالي وصف له الأطباء دواء رفض تناوله قائلاً: لا فائدة من ذلك لأن الأوان آن للانتقال من هذا العالم. ولازمته الحمى ثلاثة أيام. وطلب قلماً وورقة ليكتب وصيته، فلم يقوَ على الكتابة. وكان يجس يده اليسرى بيده اليمنى ويقول: «لقد هدَّ حيلي وخارت قواي، ظلمتني يا أخي فلم تتركني أموت بين جمع الأساقفة والرهبان والكهنة والشمامسة الذين خدمتهم كرئيس عليهم مدة اثنتين وعشرين سنة، ليحتفلوا بتشييع جثماني. لقد هربتني يا أخي من الموت فلم يجدِ تهريبك إياي شيئاً. فتقوَّ إذن وتشجّع، ولا تبكِ ولا تكتئب بإفراط كأن هذا الأمر جديد في العالم». وكان يتلفّظ بمثل هذا الكلام طوال ذلك النهار وهو مبتسم الثغر مبتهج غير خائف من الموت. ثم نادى كاتبه الشماس سعيد الطبيب، وطلب إليه أن يكتب ما يمليه عليه وابتدأ كلامه بالسريانية بقول أشعيا النبي:

ܒܪܢܫܐ ܐܝܟ ܥܡܝܪܐ ܝܘܡ̈ܘܗܝ ܘܐܝܟ ܥܘܦܝܐ ܕܚܩܠܐ ܗܟܢ ܝܳܥܐ[29].

وتعريبه: «الإنسان كالعشب أيامه وكزهر الحقل هكذا ينمو». ثم أعلن صورة إيمانه وهيّأ بذلك كراساً للكرسي البطريركي، وآخر لكرسي المفريانية لتدبير قلايته، وسلمهما بيد أخيه. كما أوصى تلاميذه على الثبات بالمحبة بعضهم مع بعض، وعدم التفرق قائلاً: ما دمتم ثابتين بالمحبة فأنا أكون بينكم، ولما سمعوا وصيته مزّقوا ثيابهم وعفّروا وجوههم بالتراب، وأجهشوا بالبكاء. أما هو فاستمر يتحدّث إليهم وهو يبتسم حتى ساعة متأخرة من الليل إذ انطفأ نور المصباح الوهاج وسقط عمود الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الثابت المتين. وهكذا انتقل إلى جوار ربه ليلة الثلاثاء المصادفة 30 تموز من السنة 1286م. وكان في مراغة يومذاك يهبالاها جاثليق النساطرة المكرم الذي لما بلغه نعي ابن العبري حزن حزناً شديداً وأمر بألاّ يخرج أحد إلى عمله ذلك النهار وأن تغلق الأسواق وأن يلبس الناس ثياب الحداد، وتقرع أجراس الكنائس حزناً، وأرسل مطرانين يمثّلانه في مراسم الجناز. كما أرسل شموعاً كبيرة لهذه المناسبة. وبعد أن اجتمع ما يقارب مئتين من جميع الملل بمن فيهم الأرمن واليونان، وكان للسريان في مراغة أربعة كهنة فقط، نهضوا للصلاة من الصباح وحتى العصر، ثم واروا جسده التراب تحت مذبح الكنيسة. ونقل جثمانه الطاهر بعدئذ إلى دير مار متى بجوار الموصل بهمة أخيه برصوم الصفا.

 

مؤلفاته:

وضع ابن العبري بالسريانية والعربية ستة وثلاثين كتاباً يعد بعضها من أمهات المراجع، تناول فيها شتّى العلوم المعروفة في عصره وهي:

أولاً: المؤلفات الدينية:

1 ـ تفسير الكتاب المقدس: يعد كتابه ܐܘܨܪ ܐܖ̈ܙܐ كنز الأسرار موسوعة كتابية تفسيرية مهمة في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. تناول فيه تفسير أسفار الكتاب المقدس بعهديه العتيق والجديد ما عدا سفر الرؤيا. وذلك بحسب الترجمة السريانية المسماة بالبسيطة ܦܫܝܛܬܐ فشيتا مقارناً إياها بالترجمة السبعينية وبغيرها من النصوص والترجمات، منوهاً بفضل السبعينية على البسيطة[30]، ونهجه بالتفسير لغوي ولفظي ورمزي، ومصادره كتابات الآباء السريان: أفرام والسروجي وفيلكسينوس وسويريوس وموسى بن كيفا وديونيسيوس ابن الصليبي ودانيال الصلحي ويعقوب الرهاوي وجرجس أسقف العرب ويشوعداد المرزوي النسطوري وبعض الآباء اليونان.

أهم مخطوطاته: نسخة خزانة فلورنسة، أنجزت عام 1275 أو 1278م في حياة المؤلف[31] وبرلين عام 1298م، وأوكسفورد سنة 1498م، وبرمنكهام ـ منغانة ـ في القرن الخامس عشر على ما يظن، والخزانة البطريركية السريانية الأرثوذكسية في دمشق سنة 1567م، ودير الزعفران سنة 1569.

وقد نشرت أجزاء منه بالطبع ونقلت إلى لغات أوربية، من ذلك ما نشره المستشرقان مارتين سبرنكنلن ووليم كريهام في شيكاغو عام 1931 مترجمين إلى الإنكليزية من سفر التكوين حتى سفر صموئيل الثاني ومصورين النص السرياني في طبعة أنيقة وقعت بـ 393 صفحة من الحجم الكبير.

2 ـ اللاهوت النظري:

1 ـ كتاب ܡܢܪܬ ܩܘܕ̈ܫܐ أي منارة الأقداس وهو موسوعة لاهوتية ضخمة، ويعد أهم كتاب وضع في هذا الميدان في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، قسّمه إلى اثني عشر ركناً أو باباً وتناول فيه الموضوعات اللاهوتية النظرية وهي العلم، ووجود اللّـه، وخلق العالم، والتثليث والتوحيد وسرّ التجسّد، والملائكة والشياطين، والنفس البشرية، ورئاسة الكهنوت، والحرية وقيامة الأموات والدينونة العامة والفردوس وغيرها.

مخطوطات هذا الكتاب كثيرة أهمها في مكتبات فلورنسة أنجزت سنة 1388م، والفاتيكان في القرن الرابع عشر، وبرلين سنة 1403م، وكمبردج في القرن الخامس عشر، والقدس سنة 1590م، ودير الزعفران وهي سريانية وكرشونية[32] سنة 1674م، والشرفة في القرن السابع عشر.

نقل المستشرق جان باكوس سنة 1930م الركنين الأولين منه إلى الفرنسية ونشر ذلك مع النص السرياني.

وكان الشماس سرجيس ابن الأسقف يوحنا بن غرير الدمشقي قد نقله إلى العربية سنة 1661م ونسخه كثيرة، منها مخطوطتا الشرفة سنة 1691م و1761م ومخطوطة خزانتي الخاصة سنة 1858م.

2 ـ كتاب ܙܠܓ̈ܐ أي الأشعة وهو ملخّص كتاب منارة الأقداس قسمه على عشرة أبواب وتناول فيه أهم المواضيع اللاهوتية باختصار.

من مخطوطاته المهمة، الفاتيكانية أنجزت عام 1330م، وباريس عام 1353م، والزعفرانية عام 1509م.

نقل إلى العربية ومن نسخه مخطوطة دير الشرفة أنجزت أواسط القرن الثامن عشر.

3 ـ ولابن العبري في اللاهوت أيضاً رسالة سريانية تدعى «دستور الإيمان» تحتوي على صورة الإيمان الأرثوذكسي. ورسالة منظومة جواباً لمار دنخا الجاثليق النسطوري يعرض فيها بالبراهين العقلية والنقلية صحة العقيدة الأرثوذكسية[33]، ومع أن ابن العبري أدرك اللغة السريانية وهي في أوج عزها، وجعل منها آلة طيعة لأبحاثه العلمية ولا سيما اللاهوتية، فقد استعمل الكلمات اليونانية إلى جانب السريانية في أبحاثه اللاهوتية للتدقيق بالتعبير والتحديات اللاهوتية.

3 ـ الشرع الكنسي والمدني:

لابن العبري في الشرع الكنسي والمدني كتاب أسماه ܗܘܕ̈ܝܐ أي الهدايات، كتبه بالسريانية وطواه على أربعين باباً و147 فصلاً في القوانين الدينية الكنسية وما يتعلق بالكنيسة وأتباعها من الرسوم والنظم المدنية. ومصادره فيه، الكتاب المقدس والقوانين الرسولية والمجامع المقدسة الإقليمية والمسكونية وبعض قوانين وضعها بطاركة أنطاكية والإسكندرية وآباء الكنيسة ومراسيم ملوك الروم وفتاوى خاصة. وأضحى هذا الكتاب الجامع الشامل دستوراً للكنيسة السريانية الأرثوذكسية[34].

أقدم مخطوطاته نسخة نفيسة جداً أنجزت سنة 1290م، وهي الآن في خزانة الخوري متى كوناط في بلدة بامباكودا ـ كيرالا ـ الهند[35] ونسخة في مكتبة مديشيس[36] بروما خطت سنة 1357م، ومخطوطة خزانة دير مار مرقس بالقدس أنجزت سنة 1391م، ونسخة دير مار أوكين سنة 1354م، ومطرانية السريان الأرثوذكس في الموصل عام 1483م، وباريس سنة 1488م، وأكسفورد سنة 1498م، والشرفة في القرن الخامس عشر.

نقل إلى العربية في أواخر القرن السادس عشر ونسخه عديدة ومنتشرة، منها نسخة الشرفة الكرشونية التي جاء فيها ما يأتي: «نقله إلى العربية الخوري يوحنا ابن المعلم عبود بن الجرير الزربابي في كنيسة مار بهنام بدمشق، كتبه الشماس يوحنا بن جبرائيل خادم الكنيسة المذكورة. وكان الفراغ من الكتابة في الثامن من شباط يوم عيد مار سويريوس سنة 1964ي = 1635م».

نشره الأب بولس بيجان سنة 1895م، معتمداً على نسخة باريس المخطوطة عام 1488م، وكان قبله السمعاني قد نقله إلى اللاتينية نقلاً وقع فيه تحريف وتشويه[37].

4 ـ اللاهوت الأدبي:

أ ـ كتاب ܐܝܬܝܩܘܢ الإيثيقون وضعه ابن العبري بلغة سريانية بليغة وهو في علم الأخلاق لحسن السلوك في الدين والدنيا. أي تنظيم الحياة الأدبية والروحية للإنسان. وقد أكثر فيه من أخبار النساك، وسرد حكماً لهم. وهو مثل كتاب «إحياء علوم الدين» للغزالي. فالكتابان يبحثان في حياة الإنسان التي هي ليست صلاة وصياماً ومحبة وصدقة وحسب، بل هي أيضاً تجارة وزواج وغذاء الجسد وتعليم الأطفال والخ…

يقسم كتاب الإيثيقون إلى أربع مقالات كبرى، تحوي كل منها أبواباً وفصولاً شتى. المقالة الأولى في ترويض الجسد وتنظيم حركات تمرينه، المقالة الثانية تقويم الجسد وترتيب أعماله، المقالة الثالثة تنقية النفس من الميول الشاذة، والمقالة الرابعة تجميل النفس بأنواع الفضائل، تحتوي المقالة الأولى والثانية على 204 فصول، والمقالة الثالثة والرابعة على 237 فصلاً.

أنجز ابن العبري كتابه هذا في مراغة في 15تموز سنة 1279م، أي قبل وفاته بسبع سنوات.

أهم النسخ وأقدمها هي مخطوطة خزانة البطريركية الكلدانية في بغداد، أنجزت سنة 1292م، أي بعد وفاته بست سنوات، ومخطوطتا أكسفورد أنجزتا سنة 1323 و1332م، وثلاث مخطوطات في المتحف البريطاني، خطت الأولى سنة 1335م في القدس، أما الثانية فكتبت سنة 1904م وكانت قبلاً ضمن مخطوطات دير السريان في مصر. وفي دار البطريركية السريانية الأرثوذكسية في دمشق مخطوطة جيدة أنجزت سنة 1576م.

عرّبه الراهب داود الحمصي ومنه نسخة في أكسفورد[38]. وفي دير الشرفة مخطوطة عربية بعنوان (كتاب الآداب وذوي الفهم والألباب) الذي هو كتاب الإيثيقون[39] أنجزت سنة 1699م يقول فيها الأب شيخو، لعل ابن الحطّاب نقلها إلى العربية في أيام ابن العبري، فإن في مكتبة الفاتيكان نسخة معرّبة بقلم ابن الحطاب، كما أن في الفاتيكان نسخة أخرى نقلها إلى العربية القس يوحنا بن جرير أنجزت سنة 1645[40].

أما أفضل تعريب له فهو بقلم المرحوم العلامة الملفان مار غريغوريوس بولس بهنام مطران بغداد والبصرة على السريان الأرثوذكس، وقد نشره سنة 1966م في مطبعة الشباب في القامشلي ـ سورية.

ونشر الأب بيجان النص السرياني سنة 1898م.

ب ـ كتاب ܝܘܢܐ أي الحمامة. وهو مختصر في ترويض النسّاك ومختص بالرهبان الذين ليس لديهم مرشد روحاني، ألّفه بعد كتابه (الإيثيقون) بإنشاء سرياني جزل، وأسماه (الحمامة) رمزاً إلى الروح القدس الذي هبط على هامة السيد المسيح أثناء العماد بشبه حمامة. وقد قسّمه إلى أربعة أبواب، الباب الأول تعليم الفعل الجسدي الذي يتمّ في دار المبتدئين، الباب الثاني، كيفية ممارسة السيرة الروحية في الصومعة، الباب الثالث، شرح الاستقرار الروحي للحمامة المعزية، الباب الرابع، قصة تدرج المؤلف بالعلوم، ثم أقوال إلهامية، وعدد هذه الأقوال مئة، وقد أعطت كتاب الحمامة أهمية فاقت أهمية (الإيثيقون) ووضعت ابن العبري في الرعيل الأول بين النسّاك[41].

ولكتاب الحمامة مخطوطات قديمة، أقدمها مخطوطة المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو. أنجزت سنة 1290م، أي بعد انتقال ابن العبري إلى جوار ربه بأربع سنوات فقط. وقد حققناها على مخطوطة جامعة أكسفورد التي أنجزت سنة 1499م وغيرها من المخطوطات وعرّبناها ونشرنا النص والترجمة سنة 1974م، ضمن مطبوعات مجمع اللغة السريانية في بغداد مع مقدمة مستفيضة في النسك السرياني المسيحي وعلاقته بالتصوف العربي الإسلامي، لخّصناها عن مقدمة المستشرق الهولندي ونسنك A. J. Wensinch الذي نقل الكتاب إلى الإنكليزية ونشره سنة 1909م.

وقد نشر الأب بولس بيجان نص كتاب (الحمامة) بالسريانية سنة 1898م في باريس، والأب جبرائيل قرداحي سنة 1898م أيضاً في روما، والأب يوحنا دولباني (مطران ماردين بعدئذ) سنة 1916م.

ونقل إلى العربية حوالي سنة 1299م، وسمي كتاب الورقاء في علم الارتقاء[42]، وله نسخ عديدة ثلاث منها في الشرفة الأولى ترتقي إلى القرن السابع عشر وهي كرشونية. ونشر الأب يوسف حبيقة، ترجمة عربية لهذا الكتاب في مجلة (المشرق 50 [بيروت 1956] ص 17 ـ 66).

ج ـ ملخّص تفسير الكتاب المنحول إيرثاوس، وهو صغير الحجم ينطوي على 22 فصلاً، ويقع في 190 صفحة، ولا علاقة له بما احتواه من آراء (بانثيئستية)[43]، أقدم مخطوطة له في لندن أنجزت حوالي سنة 1330م[44].

5 ـ الكتب الطقسية:

هذّب ابن العبري وأوجز سنة 1282م ليترجية[45] مار يعقوب الرسول الملقب بأخي الرب، نسخها لا تحصى، فهي مستعملة في الكنائس السريانية الأرثوذكسية في العالم، ترجمت إلى العربية والإنكليزية والمليالم (لغة جنوب الهند) وطبعت، والإسبانية والبرتغالية ولم تطبع بعد بهاتين اللغتين. وهذه الليترجية تعرف بليترجية مار يعقوب الرسول الصغرى.

ووضع ابن العبري ليترجية مطلعها «رحيم أنت أيها الرب ورحمتك منشورة على العالمين» ومنها نسخة في باريس تاريخها 1454م، نقلها إلى اللاتينية رينودوت ونشرها والنص السرياني مع ليترجية مار يعقوب الرسول التي أوجزها ابن العبري، وذلك في مجموع ليترجيات المشرق[46].

ولابن العبري تعليق على طقس تبريك الماء في عيد الدنح[47] كتبه سنة 1283م. كما أوجز كتاب رتبة المعمودية لمار سويريوس الأنطاكي[48] ونسب بعضهم هذا الموجز إلى يعقوب الرهاوي.

6 ـ الخطابة:

كان ابن العبري واعظاً ناجحاً وخطيباً مصقعاً ذكر له موقفه الخطابي يوم رسامته مفرياناً. ولم يصل إلى يدنا من خطبه سوى النذر اليسير، من ذلك خطبة عربية بليغة لعيد الشعانين حققها ونشرها البطريرك أفرام الأول برصوم[49]، وخطبة في التوبة وردت في بعض كتب باريس بالكرشونية تقرأ كمرثاة في الجنازة[50].

ثانياً: التاريخ المدني والديني:

1 ـ تاريخ الزمان (السرياني): كتاب ضخم كتبه بالسريانية وأسماه ܡܟܬܒܢܘܬ ܙܒܢ̈ܐ أي تاريخ الزمان، بدأ فيه من خلق العالم إلى أيامه، وروى أهم حوادث العالم دولاً وملوكاً، وعلماء ورؤساء إلى سنة 1285م، وضمن ذلك 332 فصلاً. ومصادره في ذلك تاريخا يعقوب الرهاوي وميخائيل الكبير وتواريخ سريانية وعربية وغيرها. وأقدم مخطوطاته مخطوطة مكتبة الفاتيكان كتبت قبيل سنة 1357م، وأكسفورد وأنجزت سنة 1498م، والقدس أواخر القرن الخامس عشر، وهذه المخطوطات تضمّ أيضاً التاريخ الديني بجزأيه. والكتاب في جملته مهم ومفيد جداً، وهو يتناول بوجه خاص منطقة الشرق وما يتعلق بها من حوادث في العالم المعروف يومذاك. وتتجلى أهمية الكتاب بالتفاصيل التي أوردها ابن العبري للحوادث التي عاصرها أو التي جرت أمامه وبالكلام على الأشخاص الذين عرفهم أو سمع عنهم.

2 ـ تاريخ مختصر الدول (العربي):

وقد طلب علماء المسلمين العرب في مراغة إلى ابن العبري أن ينقل كتابه (تاريخ الزمان) من السريانية إلى لغة الضاد فلبّى طلبهم وأتمّ تعريبه إلا بعض صفحات، وذلك في نحو شهر من الزمان، أفرغه في لغة بليغة وسمّاه (تاريخ مختصر الدول) وهو وإن توخّى فيه الإيجاز، إلاّ أنه أضاف إليه أموراً كثيرةً لا توجد في المطول (السرياني) ولا سيما ما يتصل بتحرير العرب أراضيهم من الفرس والرومان في أيام الفتوحات الإسلامية، وتاريخ دولتي الإسلام والمغول، وتراجم العلماء والأطباء، مستقياً الحقائق التاريخية من ينابيع المؤرّخين العرب كالطبري، وابن الأثير، وغيرهما.

نشر برنس وكيرش التاريخ السرياني بجزأين في ليبسيك سنة 1789م وجدد طبعه الأب بيجان اللعازري سنة 1890م، ونشره واليس بج مع ترجمته الإنكليزية في مجلدين في أكسفورد سنة 1932، ونقله القس اسحق أرملة إلى العربية، ونشره تتابعاً في مجلة المشرق البيروتية في المجلدات 43 ـ 50 للسنوات 1949 ـ 1956.

أما تاريخ مختصر الدول (العربي) فمخطوطاته كثيرة في فلورنسا وباريس ولندن وأكسفورد. طبع العلامة إدوار بوكوك موجزاً عنها، أسماه «مختصر تاريخ العرب» لابن العبري، في مدينة أكسفورد سنة 1650م، ثم طبع الكتاب بالعربية واللاتينية سنة 1663م بمراجعة بوكوك نفسه، وقد ترجمه بور إلى الألمانية وطبع سنة 1783م. ثم طبع الأب أنطون صالحاني اليسوعي النسخة العربية في بيروت سنة 1890م، وأعيد طبعه سنة 1958م. وهذه الطبعة الأخيرة نشرت بعد ذلك بالأوفست في بيروت.

3 ـ التاريخ الكنسي بالسريانية وهو مجلدان، يتضمن المجلد الأول تاريخ بطاركة أنطاكية، فبعد أن يتناول تاريخ الأحبار في العهد القديم بدءاً من هرون حتى حنان في عصر السيد المسيح يبدأ بأخبار العهد الجديد بدءاً من الرسول بطرس، ويستطرد مفصلاً تاريخ بطاركة أنطاكية حتى فيلكسينوس نمرود المتوفى سنة 1285م.

أما المجلد الثاني فهو تاريخ جثالقة المشرق، وابتدأ به بترجمة الرسول توما وختمه بترجمة نفسه التي أكملها بعد وفاته أخوه برصوم الصفا.

نسخ المجلدين ضمن النسخ التي ذكرناها آنفاً وتضم التاريخ المدني أيضاً، ونضيف إلى ذلك نسختنا التي أنجزت سنة 1858م، وتضمّ التاريخ البيعي بجزأيه فقط[51].

نشره المستشرقان ابيلوس ولامي بجزأين في لوفان سنة 1872 ـ 1877 ولخّصه الخوري اسحق أرملة، وعرّبه ونشره تباعاً في مجلة المشرق البيروتية لعامي 1923 و1924.

ثالثاً: قواعد اللغة السريانية:

لابن العبري في هذا الميدان كتابان، الأول وهو كتاب أمحًا أي اللمع، والثاني كتاب ܡܥܠܬܐ أي المدخل.

ويعد ابن العبري إمام النحويين السريان، وهو بكتابه (اللمع) يحذو حذو جاراللّـه الزمخشري (ت1144م) بكتابه (المفصل). فقسّم ابن العبري مثله كتابه إلى أربعة أقسام بحث فيها الأسماء والأفعال والحروف والمشترك. وأخذ أيضاً عن العرب اصطلاحاتهم بهذا الباب[52].

أما كتاب (المدخل) فهو ملخص كتاب (اللمع) نظمه ابن العبري على البحر الأفرامي، وأتمه في مدة أسبوعين اثنين، فهو قصيدة لغوية مطولة تنيف على ستمائة بيت. وعلّق عليه شروحاً وتفاسير، وأتبعه بمقالة في الألفاظ المهمة. وقد نسج به على منوال أبي عبداللّـه محمد بن مالك (نحو 1203 ـ 1274) بكتابه (الألفية).

من أهم مخطوطات (اللمع) نسخة دير الزعفران أنجزت سنة 1298م وفلورنسة سنة 1392، ولندن سنة 1332، والقدس وبوسطن وأكسفورد والخزانة البطريركية بدمشق، والشرفة. نشره المستشرق الفرنسي مارتان في باريس سنة 1873م على مطبعة حجرية، ونشره اكل موبرغ في ليبسك مع ترجمته الألمانية سنة 1907 ـ 1913م.

أما مخطوطات (اللمع) فأقدمها نسخة في جامعة شيكاغو أنجزت سنة 1290م، وفلورنسة سنة 1360م، والخزانة البطريركية في دمشق سنة 1371م، وفي الشرفة خمس نسخ أقدمها أنجزت سنة 1581م، والقدس سنة 1586م، وبرمنكهام سنة 1585م، ولندن ودير الزعفران وباريس. نشره في باريس سنة 1873م المستشرق مارتان على مطبعة حجرية.

وقد ابتدأ ابن العبري بتأليف كتاب ثالث في قواعد اللغة السريانية وسمّاه ܒܠܨܘܨܝܬܐ أي (شرارة) ليكون خلاصة لهذا العلم، ولكن الموت عاجله قبل إتمامه وهذا الكتاب مفقود.

رابعاً: الفلسفة:

1 ـ زبدة الحكمة ܚܘܬ ܚܟܡ̈ܬܐ وضعه ابن العبري بالسريانية وهو من أبدع ما صنّف، بل أروع ما كتب في الفلسفة باللغة السريانية، قوامه جزءان في 951 صفحة تضمن الجزء الأول العلم المنطقي الفلسفي: أيساغوجي، وكتاب المقولات العشر، والعبارة، وتحليل القياس، والبرهان والجدل والمغالطة والخطابة والشعر، وهو مجمل نظام الفلسفة الأرسطاطالية. والجزء الثاني تضمن العلم الثاني من الطبيعيات وجعله قسمين، تناول في الأول: الأمور العامة لجميع الطبيعيات كالمادة والصورة والحركة والخ. وكذلك السماء والعالم والكون والفساد للنشوء والفناء، ثم المعادن والينابيع والعناصر الأربعة، والشهب والغيوم والصواعق والرياح والزلازل والبحار والجبال. وشرح موضوع النبات والكائنات النامية، وموضوع الحيوان وطبائعه، وحال الكائنات الحيوانية، وكذلك النفس معرفتها والقوى المدركة والمحركة التي في الحيوان، وخاصة في الإنسان. وتناول في الجزء الثاني الفلسفة والعلم الإلهي، أي ما وراء الطبيعة. وعلم الأخلاق وتدبير الذات والمنزل، وسياسة المدن وطبائع الأمم[53].

للجزء الأول نسختان في فلورنسة أقدمها مؤرّخة بسنة 1340م، وأكسفورد سنة 1498م، وللجزء الثاني نسخة في مكتبة بطريركية أنطاكية السريانية الأرثوذكسية بدمشق خطت سنة 1285 ـ 1286م في حياة مؤلفه ابن العبري، ونسخة الخزانة الكلدانية بآمد سنة 1389م[54].

وقد اختصر ابن العبري هذا الكتاب بوضع كتابه الثاني الذي أسماه ܬܓܪܬ ܬܓܖ̈ܬܐ أي (تجارة الفوائد) فجاء مجلداً وسطاً في المنطق والفلسفة، وكتبه قبل سنة 1276م. أهم مخطوطاته نسخة كمبردج التي أنجزت سنة 1276م، وفلورنسة: القرن الرابع عشر، والقدس سنة 1574م.

ووضع ابن العبري كتيباً أسماه ܒܒܬܐ (البؤبؤة أو الاحداق) في المنطق والفلسفة ينطوي على سبعة أبواب بأربعين صفحة صنّفه بعد سنة 1275م، أهم مخطوطاته إحدى ثلاث نسخ في جامعة روكفلر بشيكاغو أنجزت سنة 1290م، ولندن وكمبردج سنة 1579م، والخزانة البطريركية بدمشق والشرفة.

وكتاب آخر صغير أسماه ܣܘܕ ܣܘܦܝܐ أي (حديث الحكمة) وينطوي على أربعة أبواب لكل منها فصول، ويتناول: 1 ـ علم المنطق، 2 ـ الطبيعيات، 3 ـ ما وراء الطبيعة، 4 ـ النفس والثواب والعقاب والخ… ألّفه بعد سنة 1275م، وأقدم مخطوطاته نسخة شيكاغو التي خطّت سنة 1299م، ولندن حوالي سنة 1330م، نشر العلامة البطريرك أفرام الأول برصوم سنة 1940م ترجمته العربية الفصيحة اعتماداً على نسخة أنجزت سنة 1608م أصابها في ماردين. ونقله هرمن جانس إلى الفرنسية سنة 1937م، ونشره مع النص السرياني.

أما بالعربية فلابن العبري رسالتان في النفس مختصرة، ومطوّلة، يستعرض فيهما آراء العديد من الفلاسفة القدامى، ثم يأخذ برأي أرسطو في تحديد النفس، كما فعل الشيخ الرئيس ابن سينا الفيلسوف العربي[55] وابن العبري في أبحاثه الفلسفية يعتمد على ابن سينا، ولا سيما فيما يخص النفس.

أما الرسالة المختصرة فهي 12 فصلاً و26 صفحة نشرها شيخو في بيروت سنة 1898، وقال غراف GRAF أن ابن العبري اقتدى فيها برسالة سريانية بالعنوان نفسه للكاتب السرياني موسى ابن كيفا، الذي نقل بدوره عن كتاب يوناني «في النفس البشرية» لططيانس نسب خطأ لغريغوريوس العجائبي.

والرسالة الثانية المطولة في علم النفس البشرية تنطوي على 26 فصلاً و74 صفحة، نشرها القس بولس سباط في مصر سنة 1928، ونشرها البطريرك أفرام الأول برصوم سنة 1938م، معتمداً على نسخة من القرن الثالث عشر حظي بها في هريست نيويورك ـ أميركا، وعلّق عليها مستدركاً أغلاط الناشر الأول[56].

ونقل ابن العبري من العربية إلى السريانية كتاب الإشارات والتنبيهات للفيلسوف العربي الشيخ الرئيس ابن سينا وسمّاه بـ ܟܬܒܐ ܕܖ̈ܡܙܐ ܘܡܥܝܖ̈ܢܘܬܐ وهو كتاب ضخم يقع في 218 صفحة من الحجم الكبير يتناول المنطق والفلسفة وما وراء الطبيعة، أنجز ابن العبري سَرْيَنته قبل سنة 1278م بلغة بليغة. قال البطريرك أفرام الأول برصوم[57]: «وهذه الترجمة الحرية بالذكر لم ينوّه بها المعاصرون من كتّاب الفلسفة العربية». أهم مخطوطاته نسخة فلورنسة أنجزت عام 1278م، وملبار عام 1547م، وباريس عام 1633م، والفاتيكان عام 1654م.

ونقل ابن العبري أيضاً من لغة الضاد إلى السريانية كتاب (زبدة الأسرار) لأثير الدين الأبهري (ت 1264م) وهو مفقود.

وفي ديوانه أيضاً عدة قصائد فلسفية.

خامساً: علم الهيئة والرياضيات:

لابن العبري في علم الهيئة، أي الفلك، ثلاثة كتب هي:

1 ـ تفسير كتاب (المجسطي) لبطليموس القلوذي، وهو بحث في علم النجوم وحركات الأفلاك. نهض ابن العبري بشرحه شرحاً وافياً، وعلّق عليه وأنجزه في مراغة سنة 1273م وهو مفقود.

2 ـ وله كتاب (الزيج الكبير) ܟܬܒܐ ܪܒܐ ܕܙܝܓ أي معرفة حركات الكواكب لاستخلاص التقويم السنوي وتعيين الأعياد المتنقلة، ويقع بأربعين صفحة، ومخطوطته اليتيمة في الفاتيكان[58].

3 ـ كتاب ܣܘܠܩܐ ܗܘܢܢܝܐ أي الصعود العقلي. وضعه بالسريانية سنة 1279م. أما المصطلحات العلمية فكتبها بالسريانية واليونانية زيادة بالفائدة، وفصل فيه العلوم الفلكية. والكتاب جزءان يحتوي أولهما على ثمانية فصول، ويستعرض أقوال القدامى عن هيئة السماء والأرض، ومطالعة ابن العبري على هذه الأقوال، ثم كلامه على الشمس والقمر والسيارات وأفلاكها الخاصة، وما يختصّ بالنجوم الثوابت. أما القسم الثاني ففيه سبعة فصول، ويبحث في هيئة الأرض والأجرام العلوية والجزائر والبحار والأنهار والظل وأقسام الزمن. ولزيادة الفائدة فقد رسم المؤلف أشكالاً هندسية ورسوماً حيثما اقتضت الحاجة. يقول ابن العبري في مقدمة الكتاب أنه يبحث في: «أشكال الأجرام والحركات الجوية وأبعاد الأجرام السماوية عن بعضها وحجومها بصورة مختصرة، وترك البحوث الهندسية والفلكية الكبرى إلى الموسوعة الكبرى المسماة (المجسطي) وسميته الصعود العقلي، لأنه به يتصاعد العقل إلى السماء العالية تصاعده فوق عجلات ناطقة، وقد قسّمته إلى قسمين: الأول يبحث شكل السماء، والثاني شكل الأرض».

يقول شيخو: «وفي هذا التأليف إشارات إلى بعض الاكتشافات الحديثة أخذنا العجب لما اطلعنا عليها»[59].

نشر منه المستشرق (غوتل) فصلاً في رسم الأرض ونقله إلى الإنكليزية سنة 1890، كما نشره القس فرانسوا نو ونقله إلى الفرنسية سنة 1895 معتمداً على أربع مخطوطات في باريس واكسفورد وكمبردج أقدمها أنجزت في القرن الرابع عشر[60].

عرب الأب (المطران بعدئذ) الملفان بولس بهنام فصولاً يسيرة منه ونشرها[61]. ولابن العبري في الرياضيات تفسير كتاب اقليدس في المساحة أتمه سنة 1272م وهو مفقود.

سادساً: الشعر:

يعد ابن العبري في الرعيل الأول بين شعراء السريانية، فشعره سلس، دسم، معبّر، بليغ، استعمل فيه القافية[62] وتفنّن بذلك كثيراً، وقد أجاد في كل أبواب الشعر التي طرقها من مديح وهجاء ووصف ورثاء وإخوانيات وزهد وحكمة وفلسفة. ونظم أكثر قصائده على البحر السروجي، ولا يعاب باستعماله الألفاظ اليونانية بكثرة مع وجود ما يقابلها أو يقاربها بالسريانية.

وقد سارت بقصائده الركبان، وانتشرت كثيراً، وحفظها السريان عن ظهر قلب وأنشدوها في مناسبات الأفراح والأتراح وتهافت الخطاطون على نسخها، فوجد منها مخطوطات كثيرة أهمها مخطوطة فاتيكانية تضمّ 308 مقاطيع وإحدى مخطوطتي اكسفورد أنجزت سنة 1498م. ويحوي ديوان شعر ابن العبري ثلاثين قصيدة وأكثر من مائة مقطوعة شعرية تتراوح بين البيتين والعشرة. نشر «لنجرك» معظم هذه الأشعار في «كنغسبر» سنة 1826 ـ 1838م، كما نشرها الأب أوغسطينوس شبابي الراهب الماروني في روما سنة 1877م، ونشر له «بج» سنة 1897م مقتطفات شعرية. وطبع له القس يعقوب منا منتخبات شعرية في (المروج النزهية). ونشر شابو وهارلز قصيدة شعرية له في ليدن سنة 1896م.

ونشر الأب (المطران بعدئذ) يوحنا دولباني سنة 1929م ديوان ابن العبري الشعري في مطبعة مار مرقس بالقدس بطبعة أنيقة ومتقنة. وأجاد تبويبه، وذيله بفهارس القصائد وبدء أبياتها وختامها، وبجدول بمعاني الكلمات السريانية والأعجمية الصعبة الواردة فيه. وقد خلت هذه الطبعة وطبعة شبابي من قصيدتين أفراميتين إحداهما في الثالوث الأقدس ذكرت في مخطوطة أكسفورد، والثانية في موضوع لاهوتي جدلي تضمّنت الحجج الدامغة المعززة بشواهد من الكتاب المقدس وتعاليم الآباء وهي رسالة نظمها ابن العبري حوالي سنة 1282م جواباً للجاثليق دنحا الأول النسطوري، كما مرّ بنا آنفاً.

ولابن العبري في ميدان الشعر أيضاً كتاب (المدخل) الذي ذكرناه في كلامنا على قواعد اللغة، وقصيدة تزيد على ستمائة بيت مرتبة على أحرف المعجم جمع فيها الألفاظ المتشابهة بالحروف في اللغة السريانية على طريقة الجناس اللفظي في علم البديع بالعربية، وألحق بها تفسيراً لتلك الألفاظ وضمّها إلى كتاب المدخل.

أما قصيدته المشهورة في (الحكمة الإلهية) فقد نظمها على طريقة الصوفيين العرب، فتغزّل بها بالكمالات الإلهية كعمر بن الفارض (ت 632هـ) مشبهاً إياها بفتاة جميلة المنظر سامية الخصال، وهي في 160 بيتاً، طبعها جبرائيل الماروني بباريس سنة 1626م، والقس يوحنا نطين الراهب الماروني برومة سنة 1880م، ونشر الأب جبرائيل قرداحي مقتطفات منها. كما نشرها الأب بطرس سارة اللبناني في مجلة المشرق البيروتية 51 (1957) ص (707 ـ 735) مع الترجمة العربية. وعرّب بعضهم أبياتاً منها شعراً.

وقد أجاد بتعريبها شعراً والتعليق عليها العلامة المطران بولس بهنام السرياني(الملحمة الحمراء) ونشرها بعدد ممتاز من مجلته لسان المشرق الموصلية 3 (1950)، كما نشر النص السرياني والترجمة في كتاب عنونه بـ (ابن العبري الشاعر) مطبعة الشباب في القامشلي سنة 1965 وضمّ إلى ذلك ما كان قد عرّبه شعراً من قصائده وهي: الشمعة الذابلة والمروحة.

سابعاً: الطب:

درس ابن العبري الطب على أبيه وعلى أمهر أطباء زمانه كما مرّ بنا. وله فيه ثمانية كتب وهي:

1 ـ كتاب كبير ألّفه بالسريانية جمع فيه آراء الأطباء في المواد الطبية بغاية التفصيل وهو مفقود.

2 ـ كتاب ألّفه بالعربية بعنوان منافع أعضاء الجسد ܟܬܒܐ ܕܬܢܝܢ ܝܘܬܖ̈ܢܐ ܕܗܕ̈ܡܝ ܦܓܪܐ وهو مفقود.

3 ـ كتاب شرح فيه فصول أبقراط بالعربية وهو صغير. نسخته اليتيمة في مكتبة بطريركية أنطاكية السريانية الأرثوذكسية بدمشق أنجزت سنة 1640م.

4 ـ كتاب تفسير مسائل حنين بن اسحق الطبيب (ت 878م) بالسريانية وهو مفقود[63].

5 ـ كتاب تحرير مسائل حنين بن اسحق الطبية بالعربية وهو صغير الحجم نسخته اليتيمة في البطريركية بدمشق.

6 ـ اختصر كتاب ديوسقوريدس الطبيب العينزربي اليوناني المشهور ونقله من العربية إلى السريانية ودعاه بـ (كتاب انتخاب ديوسقوريدس) وهو في صور النباتات التي تصلح للمعالجة وتعريف خواصها ومنافعها وقوتها واختيارها وإصلاحها وإتقانها وهو مفقود.

7 ـ منتخب كتاب جامع المفردات، أي الأدوية بالعربية، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن خليد الغافقي من أعيان الأندلس (ت560هـ) الذي استقصى فيه ما ذكره ديوسقوريدس وجالينوس وغيرهما في ثلاثة مجلدات، فاختصره ابن العبري، وسهل بذلك الانتفاع به وعنونه بـ (منتخب الغافقي) في الأدوية المفردة. أقدم مخطوطة له في دار الكتب بالقاهرة، أنجزت سنة 1285م، أي في عصر المؤلف وهي في 146 ورقة نشر الدكتوران ماكس مايرهوف وجورجي صبحي، جزأين منه مع ترجمة إلى الإنكليزية سنة 1932 ـ 1937. ومخطوطة ثانية في خزانة الكراندوك في مدينة غوثا بألمانية، كتبت سنة 1694م.

8 ـ كتاب القانون لأبي علي ابن سينا الشيخ الرئيس، نقل عنه ابن العبري من العربية إلى السريانية أربعة كراريس، وحالت المنية دون إنجازه وهو مفقود.

ثامناً: منوعات:

1 ـ كتيب الأحاديث المطربة. وضعه بالسريانية وسمّاه ܬܘܢܝ̈ܐ ܡܦܝܓܢ̈ܐ ةونيًا مفيجًنا قسمه إلى عشرين باباً، ويقع بأربعين صفحة، وانتخب فيه فوائد من أناس ينتمون إلى حضارات مختلفة. من ذلك فلاسفة اليونان وحكماء الهند، وملوك العرب، ورهبان ونساك وأطباء، وأسخياء وبخلاء وفكاهات المشعوذين والمضحكين وغير ذلك، أهم مخطوطاته إحدى نسختي دير الشرفة أنجزت على الأغلب في القرن الخامس عشر، جلدت عام 1713م. ونسخة مخرومة في استنبول أنجزت عام 1605م، وباريس 1670م. نشره (بج) عام 1897، ونشر له الأب لويس شيخو ترجمة عربية قديمة في مجلة (المشرق) البيروتية 20 (1922)، ص 709 ـ 717 و767 ـ 779.

2 ـ كتيب في تفسير الأحلام ألّفه في صباه، وبناه على مراقبة ورصد البروج ككتاب ابن سيرين (ت110هـ) عند العرب.

فبعد أن استعرضنا حياة العلامة ابن العبري العلمية والعملية، لا يسعنا إلاّ أن نردد مع المرحوم البطريرك دنحا أحد معاصريه القائل: «طوبى لشعب أصاب كمثل هذا».

 

مختصر بيبلوغرافيا ـ ابن العبري

BIBLIOGRAPHY (BARHEBRAEUS)

1 – L. CHEIKHO, Une version arabe des Recits Plaisants de B.H., Al-Machriq 20 (1922), 709ss, 767ss.

2 – W. M. CARR, Greg. A. Faradj commonly called B.H. : Commentary on the Gospels from the Horreum Mysteriorum, London 1925.

3 – F. S. MARSH, The book which is called The Book of the Holy Hierotheos With Extracts from the Prolegomena and Commentary of Theodosios of Antioch and from the “Book  of Excerpts” and other Works of Gregory B.H., London-oxford 1927.

4 – G. Furlani, Die Physiognomik des B.H. in syricher Sprache, Zeitsch. f. Semitistik 7 (1929), 1-16.

5 – G. Furlani, La psicologia di Barhebreo secondo il libro “la crema della sapienza”, RSO 13 (1931), 24-52.

6 – M. Sprengling – W. C. Graham, B. H. Scholia on the Old Testament (Genesis – II Samuel), Chicago 1931.

7 – G. Furlani, B. H. sull, anima razionale, Orientalia 1 (1932), 1-23, 97-115.

8 – H. F. Janssens, B. H. Book of the pupils of the eye, Oxford 1932.

9 – H. Koffler, Die Lehre des B. H. von der Auferstehung der Leiber, Rom 1932, Or. Christ, 81.

10 – G. Furlani, Avicenna, B.H., Cartesio, RSO 14 (1933), 21-30.

11 – G. Furlani, De tre scritti in lingua siriaca di B.H. sull’anima, RSO 14 (1933), 284-308.

12 – G. Furlani, La demonologia di B. H. RSO 16 (1935), 375-387.

13 – H. f. Janssens, l’Entretien de la Sagesse (Introduction aux œuvres philosophiques de B. H.), Bibl, de la Fac. De Philes et Lettres de l’Univ-de Liege, t. 75 (1937).

14 – J. Bakos, Die Einleitung zur Psychologic des B. H. im achten Fundamente seines Buches der “Leuchte des Heiligtums” Archiv. Orientalia 10 (1938), 121-127.

15 – E. Honigmann, Zur Chronographie des B.H., Or. Lit. Zeit. 37 (1934), 273-283.

16 – J. Bakos Psychologie de G. A. dit B. H. d’apres la huitieme base de l’ouvrage Le Candelabre des Sanctuaires, Leiden 1948 (syr. & fr.).

17 – A. Torbey, Les preuves de l’existence des anges d’apres le traite de G.B.H. sur les anges, OC 39 (1955), 119-134.

الهوامش

———————————————–

([1])ـ مقدمة الترجمة الإنكليزية لكتاب (الحمامة) بقلم المستشرق الهولندي ونسنك A. J. Wensinck طبعة ليدن 1909.

([2])ـ مَلَطية: مدينة على الفرات، قال ياقوت الحموي في «معجم البلدان» (4[ليبسك 1869] ص 634) «مَلَطية: بلدة من بلاد الروم مشهورة مذكورة، تتاخم الشام، وهي للمسلمين». ولملطية أهمية كبيرة لدى السريان حيث غدت مصدر إشعاع للعلم والمعرفة بعد الرها. وممن لمع فيها البطريرك ميخائيل الكبير (ت1199م) المؤرّخ الشهير الذي يظن أنه كان عم ابن العبري كما ذكر المطران يوسف الدبس (ت1907) في كتابه «تاريخ سورية» ـ (6[بيروت 1895] ص 348) نقلاً عن كتاب الليتورجيات لرينودوسيوس ص 469 الذي روى أنه وجد في نسخة أحد كتب ابن العبري، في باريس، أنه كان ابن أخي البطريرك ميخائيل الكبير.

([3])ـ دحض البطريرك أفرام الأول برصوم رأي الذين تجنّوا على ابن العبري بقولهم أنه من أصل يهودي، في مقال نشره بمجلة «الكلية» الصادرة في بيروت سنة 1927، ومجلة الحكمة في سنتها الثانية عام 1927، وبكتابه «اللؤلؤ المنثور» طبعة بغداد سنة 1976 ص 413 ومنه اقتبس البطريرك يعقوب الثالث بكتابه «الحقائق الجلية» 1972 ص 25 ـ 37.

([4])ـ ديوانه السرياني طبعة الأب الربان يوحنا دولباني (مطران ماردين بعدئذ) ـ القدس 1929 ص 71.

([5])ـ اللؤلؤ المنثور للبطريرك أفرام الأول برصوم طبعة بغداد 1976 ص 413.

([6])ـ المجلة البطريركية ـ دمشق العدد 13 السنة الثانية.

([7])ـ كما ادعى المستشرق (برنستين) وفنّد رأيه هذا علماء الأدب السرياني من شرقيين ومستشرقين. (انظر الأب لويس شيخو ـ مجلة المشرق البيروتية سنة 1898 ص 291و292).

([8])ـ كتابه الحمامة يونا تحقيق وتعريب كاتب هذه السطور طبعة بغداد 1974 ص 203.

([9])ـ كتابه (تاريخ مختصر الدول) بالعربية طبعة بيروت 1958 ص 446.

([10])ـ ديوانه السرياني ص 48.

([11])ـ (الحمامة) ص 89 و90.

([12])ـ فيه ص 201 ـ 207.

([13])ـ ديوانه ص 125.

([14])ـ فيه ص 54.

([15])ـ رتبة المفريانية هي الرتبة الثانية بعد البطريركية في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكان لصاحبها السلطة على الأساقفة في منطقة ما بين النهرين الشرقية والعراق وفارس أي كل ما كان يدخل سابقاً في المملكة الساسانية.

([16])ـ التاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية (المفارنة) في ترجمة اغناطيوس صليبا.

([17])ـ ديوانه ص 31.

([18])ـ فيه ص 55.

([19])ـ ديوانه ص 33 ـ 35.

([20])ـ ديوانه ص 165.

([21])ـ تاريخ الدول بالسريانية.

([22]) ـ مزامير داود (138: 5).

([23])ـ وتدعى أيضاً قطيعة الدقيق وهي في جانب الكرخ.

([24])ـ المشرق 1 (بيروت 1898) ص 415.

([25])ـ التاريخ الكنسي (المفارنة) لابن العبري ـ ترجمة حياته بقلمه.

([26])ـ وهي لاقبين، وعرقا وقليسورا، وجوباس  وصمحا، وقلوديا، وجرجر.

([27])ـ سيرته بقلمه في كتاب التاريخ الكنسي (المفارنة).

([28])ـ ديوانه ص 73.

([29])ـ تضمين العدد 6 من الاصحاح 40 من سفر نبوة اشعيا.

([30])ـ اللؤلؤ المنثور ص 414.

([31])ـ فيه ص 415.

([32])ـ أي أن اللغة عربية مكتوبة بحروف سريانية.

([33])ـ الأب لويس شيخو، المشرق البيروتية 1 (1898) ص 415 و451.

([34])ـ اللؤلؤ المنثور ص 422.

([35])ـ لسان المشرق الموصلية 1 (1949) ع 10 ص 47 ـ 48.

([36])ـ تاريخ سورية للدبس مج 6 ص 352.

([37])ـ اللؤلؤ المنثور ص 423.

([38])ـ فيه ص 423.

([39])ـ الطرفة في مخطوطات دير الشرفة ـ للخوري اسحق أرملة ـ مطبعة جونية 1936 ص409.

([40])ـ مجلة «المشرق» البيروتية 1 (1898) ص 452.

([41])ـ الحمامة تحقيق كاتب هذه السطور وتعريبه بغداد 1974 المقدمة ص 10 ـ 14.

([42])ـ اللؤلؤ المنثور ص 424.

([43])ـ البانثيئستية هي الاعتقاد بأن كل طبيعة هي مساوية في الجوهر للذات الإلهية والجوهر الإلهي، انظر اللؤلؤ المنثور ص 428.

([44])ـ عن اللؤلؤ المنثور ص 428.

([45])ـ كلمة يونانية تعني الخدمة الجمهورية وهي مجموع صلوات القداس ويقال لها أيضاً أنافورة وهي أيضاً لفظ يوناني معناه رفع القربان (اللؤلؤ المنثور ص 503).

([46]) ـ Renaudotu, Liturgiarum Orient Collectio 11, 456.

([47])ـ اللؤلؤ المنثور ص 429 عن معذعذان في دير الزعفران والخزانة البطريركية في دمشق.

([48])ـ شيخو ـ المشرق (1898) ص 453.

([49])ـ المجلة البطريركية السريانية ـ القدس 2 (1935) ص 228 ـ 235.

([50])ـ المشرق البيروتية 1 (1898) ص 606.

([51])ـ أهدانا هذه النسخة الأستاذ الفاضل متى المقدسي جرجيس فندقلي.

([52])ـ اللؤلؤ المنثور ص 425 وشيخو ـ المشرق البيروتية 1 (1898) ص 507 عن تاريخ اللغة السريانية للدكتور ماركسي.

([53])ـ لخصنا وصف الكتاب عن اللؤلؤ المنثور ص 417 ـ 418.

([54])ـ عنه ص 419.

([55])ـ المشرق الموصلية (1947) ص 819 ـ 825 عن النجاة لابن سينا مطبعة السعادة القاهرة 1331م هـ ص 258.

([56])ـ اللؤلؤ المنثور ص 420.

([57])ـ فيه.

([58])ـ مجلة المشرق البيروتية 1 (1898) ص 508.

([59])ـ «المشرق» البيروتية 1 (1898) ص 508.

([60])ـ اللؤلؤ المنثور ص 426.

([61])ـ مجلة «لسان المشرق» الموصلية 2 (1949 ـ 1950) ص 21 ـ 24 و48 ـ 50 و103 ـ 104 و244 ـ 247.

([62])ـ نظم السريان قصائدهم دون التزام بقافية، وكان الشعر لديهم سليقة فجاءت قصائدهم سلسة بديعة معنى ومبنى كقصائد مار أفرام السرياني واسحق الآمدي وبالاي ويعقوب السروجي والقواقين ويعقوب الرهاوي وغيرهم. وفي القرن التاسع للميلاد بدأوا باستعمال القافية مقلّدين بذلك العرب. ولعل أنطون التكريتي الفصيح أحد مبتكريها. واستعمال القافية أفقد الشعر سلاسته فبدت على أغلبه ظاهرة التكلّف.

([63])ـ المجلة البطريركية القدسية 7 (1940) ص 149.

 

للأعلى