الزيارة الرسولية للهند

نهدي البركة الرسولية والادعية الخيرية الى اصحاب النيافة الاخوة المطارنة الجزيل وقارهم,

وحضرات ابنائنا الوحيين نواب الابراشيات والخوارنة والرهبان والقسوس والشمامسة الموقرين,

ولفيف افراد شعبنا السرياني الارثوذكسي المكرمين.

شملتهم العانية الربانية بشفاعة السيدة العذراء والدة الآله وسائر الشهداء والقديسين آمين

بعد تفقد خواطركم  العزيزة نقول: تعلون ولا شك ان خصاماً كان قد نشب في كنيستنا السريانية في الهند منذ حوالي خمسين عاماً, انقسم فيه المؤمنون قسمين, قسم يراجع كرسينا الرسولي وقسم مستقلٌ بأموره البيعية, وغايته الحصول على نوع من الاستقلال الداخلي تحت سلطة الكرسي الانطاكي. وقد أضعف هذا الأمر الكنيسة مادياً ومعنوياً, بل أفقدها عدداً من ابنائها الذين لجأوا الى الطوائف الغريبة, ما دعا الطيب الذكر البطريرك الياس الثاث الى زيارة الهند سنة 1931 رغبة منه في معالجة هذا الداء وتوطيد دعائم السلام في الكنيسة. ولكنه بعد أن أرسى الحجر الاساسي في صرح السلام المنشود غادر هذه الحياة قبل أن يبلغ الهدف الاسمى. ولما نُصب سلفنا البطريرك افرام الاول سنة سنة 1933 وضع هو الآخر هذا الهد المبارك نُصب عينيه, فاستدعى اليه في السنة التالية رئيس القسم المستقل وفاوضه في أمر السلام. غير ان النتيجة أسفرت عن لاشيئ. وهكذا ظلت العلاقات ما بين الفريقين متوترة والمرافعات في المحاكم المدينة بينهما على أشدها, حتى اذا نُصبنا بطريركاً بنعمة الله في تشرين الاول سنة 1957 أصدرنا الى الكنيسة في الهند منشورنا الرسولي داعسن فيه الك منين الى السلام والوئام. ثم  أردفناه في كانون الاول سنة 1958 بمنشور آخر فيه قلبنا رئيس القسم المنشق باسم “الجاثليق مار باسيليوس كوركيس”. بيد أن كثيراً من الرواسب القديمة بقى قائماً. وفي أوائل كانون الثاني سنة 1964 توفى الجاثليق المشار اليه, فاتفق الفريقان على أن يلتمسا منا السفر الى الهند لاحلال السلام التام رسامة الجاثليق الجديد. واجابة الى ملتمسهما الملحاح, استشرنا بذلك أصحاب النيافة الاخوة المطارنة الاجلاء أعضاء مجمعنا المقدس, الذين أجمعو على ضرورة السفر حباً بمصلحة الكنيسة. فغادرنا بيروت في 15 أيار جواً الى دلهي الجديدة عاصمة الجمهورية الهندية الكبرى, يرافقنا أصحاب النيافة الاخوة المطارنة الاجلاء: مار اسطاثاوس قرياقس مطران الجزيرة والفرات, مار غريغوريوس بولس  مطران بغداد والبصرة, ومار سويريوس زكا مطران الوصل, والربان صليبا شمعون سكرتيرنا الخاص, وذلك على نفقة الكنيسة في الهند ذهاباً واياباً. وفي نحو الساعة العاشرة من صباح  اليوم التالي وصلنا الى دلهي حيث جرى لنا استقبال رسمي وشعبي, اشترك فيه ثلاثة من مطارنتنا في الهند هم ما غريغوريوس كوركيس مطران ابراشية انكمالي, مار فيلوكسنيوس دانيال مطران أبرشية طومبون ومار اثناسيوس ماتيوس مطران ابراشية شمالي الهند, وكل من سفراء الجمهورية العربية السورية ولبنان والاردن والحبشة. ومثّل الحكومة الهندية فيه السيد أي. أم توماس السرياني الارثوذكسي وزير الدولة في وزارة الدفاع المركزية. وقد ذهبت عشرات المصورين السينمائيين وغيرهم يلتقطون الصور التذكارية كما أخذ مندوبو الصحف المحلية والاجنبية يصفون مشهد الاستقبال الرائع. ثم ابلغ الينا الوزير دعوة الحكومة الهندية لنكون مع مرافقينا ضيوفاً عليها مدة اقامتنا في دلهي. فنزلنا في فندق “اشوكاً” الشهير ثلاثة ايام, زرنا خلالها فخامة الدكتور الفيلسوف راداكريشنان رئيس الجمهورية الهندية, ونائبه الدكتور زاكر حسين والسياسي الكبير البانديت جواهر لال نهرو رئيس مجتمعه, حضرها فضلا عن الشخصيات المدنية البارزة والرجال الرسميين, حاكم الولاية او رئيس وزرائها وبعض وزرائها ورؤساء, بلدياتها واعضاء المجلس البلدي, وتبودلت فيها الخطب المناسبة. وهكذا كنا طيلة المدة التي قضيناها في دلهي الجديدة وفي ولايات كيرالا, ميسور, مدارس وبمباي ضيوفاً على الحكومة الهندية التي أنزلتنا في أعظم فنادقها, ووضعت تحت تصرفنا سيارتين وثلاثا.

أما الجاثليق الذي رسمناه فهو السيد طيمثاوس أوجين مطران ابرشية كندناط سابقاً, وقد سميناه مار باسيليوس اوجين الاول جاثليق المشرق. وهو في الثامنين من عمره. يتقن السريانية فضلاً عن المليالم والانكليزية, وله معرفة جيدة بالطقوس البيعة واللاهوت والتاريخ الكنسي. وأما رتبه الجاثليق فهي نفس المفريانية التي تنقلت ما بين تكريت والموصل حتى ألغيت بقرار مجمعي سنة 1860 بعد وفاة المفريان بهنام الرابع الموصلي. بي\ ان حدود هذه الجثلقة هي الهند وشرقيها فقط كما أقر المجمع الاسقفي في كوطيم في الحادي والعشرين من ايار سنة 1964.

والجدير بالذكر ان اصحاب النيافة الاخوة المطارنة الاجلاء الذين رافقونا في هذه الزيارة الرسولية, كانت لهم اليد الطولى في ما تم من تقارب القلوب والسلام, بل كانوا تعزية لنا في تلك البلاد النائية. فازاء ذلك  لا يسعنا إلا ان نجزل لهم الثناء داعين لهم بالعمر الطويل والتوفيق الجليل في رعاية ابرشياتهم العامرة.

وفي إثناء وجودنا في الهند قمنا بأعمال جليلة لرفع شأن الكنيسة. ففضلاً عن رسامة الجاثليق واصلاح ذات البين, فقد ترأسنا المجمع الاسقفي في كوطيم تدراسنا فيه بعض الأمور التي تعود بالخير على الكنيسة, وأرسينا الحجر الأساسي لعديد من الكنائس والمدارس والكليات الجامعية والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الخيرية, كما دشنا كثيراً من المؤسسات الاخرى المنجزة. وفي 22 حزيران غادرنا بومباي الى البحرين اجابة الى ملتمس جاليتنا الهندية فيها. وكان في توديعنا في المطار, قناصل الجمهورية السورية العراقية والكويت والسودان, ووزيرنا المحبوب توماس, وممثل عن حاكمة ولاية بومباي, ونائبه رئيس مجلس النواب الهندي, وفريق من أبناء الملة يتقدمهم ثلاثة مطارنة هم: فيلو كسينوس فولوس مطران كندناط وفيلوكسينوس دانيال واثناسيوس ماتيوس الآنفا الذكر.

وفي البحرين حللنا ضيوفاً لمدة ثلاثة ايام على حاكمها صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان الخليفة الذي أحطنا بضروب التجلة والاكرام. وفي 25 منه غادرنا البحرين الى الدولة الكويت حيث قابلنا اميرها صاحب السمو الشيخ عبدالله جابر الصباح وامضينا يومين مع جاليتنا الهندية واولادنا العرب. ثم غادرناها الى بيروت. وفي مطار بيروت الدولي كان في استقبالنا السيد عزت خورشيد ممثلا فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية, وجمهور غفير من ابناء الملة. وقد اخذت لنا التحية ثلة من حرس الشرف. ثم انتقلنا من المطار الى دار المطارنة بسيارة فخامة الرئيس شهاب تتقدم الموكب ست دراجات بخارية رسمية. ويوم الثلاثاء الواقع في 30 حزيران وصلنا الى دمشق حث اجرى لنا أبناء الملة استقبالا حافلا اشترك فيه فيه ممثلو الطوائف الشقيقة وبعض شخصيات العاصمة.

والآن وبعد ان استعرضنا أهم ما تم في زيارتنا الرسولية لكنيستنا في الهند, لابد لنا من رسم صورة مصغرة لهذه الكنيسة أمام المؤمنين كي تتكون لديهم فكرة عنها. لنا في الهند حوالي مليوني سرياني ارثوذكسي, معظمهم في ولاية كيرالا كما ألمعنا, وجاثليق وتسعة مطارنة, وألف كنيسة واكثر من الف كاهن وسبعة وعشر ديراً’ وخمسة مستشفيات, ومئات من المدارس الابتدائية والثانوية, وثماني كليات جامعية تزود الطلاب بشهادة ليسانس في العلوم او الآداب والهندسة وما اليها, وكلية لاهوتية واحدة.

والسريان في الهند اجمالاً يتحلون بالايمان والتقوى والتعلق بأهداب الكرسي الرسولي, ويمارسون الصلوات والأصوام المفروضة وغيرها من الشعائر الدينية في أوقاتها, ويصغون الى التراتيل البيعية بكل احتشام إذا أنشدت بالسريانية, إذا أنشدت بالمليالم اشتركوا فيها جميعاً. أما اللغة السريانية فيدرسها الاكليركيون فقط, وبعضهم يتقنونها. وأما في حقل الثقافة العالمية فهم يتبوأون منزلة مرموقة, ذكوراً واناثاً, ويشغلون مناصب رفيعة في طول الجمهورية الهندية وعرضها, ولهم وزيران احدهما المستر توماس الآنف الذكر والآخر هو المستر اي. بي فولوس وزير التموين والزراعة في حكومة كيرالا.

ونحن إذ نزف اليكم هذه الأخبار السارة, ندعوكم لتفرحوا معنا بالسلام الذيالذي رفع ألويته الخفاقة فوق صروح الكنيسة, وتدعوا الله ليوفقنا في رعاية الغنام الناطقة التي ائتمنا أمر رعايتها, ويسدد خطانا في كل ما يؤول الى تمجيد اسمه وخير كنيسته. بارككم الله وصايكم من جميع الآفات وأبقاكم أعضاء حية ي جسم كنيسته, بنعمته تعالى آمين.

صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق في الثاني عشر من شهر تموز سنة اربع وستين وتسعمائة والف وهي السنة السابعة لبطريركيتنا.

 

%d bloggers like this: