القديس مار بطرس هامة الرسل

القديس مار بطرس هامة الرسل

في كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية

 

تمهيد:

هو سمعان بطرس أحد رسل السيد المسيح الاثني عشر، ومن شخصيات الكتاب المقدس البارزين، كان وما يزال موضع جدال علماء الكتاب ومفسّريه، ومؤرخي الكنيسة ولاهوتيّيها، فيغدق عليه بعضهم النعوت السامية، مسلّطين الأضواء على اعترافه الشهير بالسيد المسيح بقوله له: «أنت هو المسيح ابن اللّـه الحي» (مت 16: 16)، فاستحق بذلك إطراء الرب إياه وإعطاءه الطوبى، الأمر الذي يستند إليه هؤلاء فيضعون بطرس في مكانه اللائق في الكنيسة، غير ناسين دوره الفعّال في تأسيسها، وازدهارها، وفتح أبوابها للأمم كافة، فهو البطل الذي خوّله الرب يسوع أن يلعب أهم الأدوار في ملكوت اللّـه على الأرض، وستكون له الوجاهة اللائقة في هذا الملكوت في السماء، لأنه زعيم رسل الرب يسوع ومقدامهم وهامتهم.

ويبخل عليه بعضهم بأبسط التسميات، ويضخّمون أخطاءه، وبخاصة إنكاره سيده أمام جارية حقيرة في دار رئيس الكهنة ليلة محاكمة الرب يسوع، ناسين أو متناسين توبته النصوح التي جعلت منه المثال الحي للتائب الصادق، وفتحت باب التوبة على مصراعيه أمام الخطاة التائبين، منيرة ظلمة قلوبهم بنور الرجاء الذي لا يخيب برحمة اللّـه تعالى الواسعة، قبوله التائبين الصادقين، وإعادتهم إلى رتبة البنين.

 

القديس مار بطرس هامة الرسل

 

في بحثنا هذا نبسط أمام القارئ الكريم بأمانة وتجّرد، الحقائق المستقاة من الإنجيل المقدس، وسائر أسفار العهد الجديد، وتعاليم آباء الكنيسة السريانية الميامين، فندرس حياة الرسول بطرس من خلال حياة الرب يسوع على الأرض، وما دوّنه علماء كنيستنا عنه، في الطقس البيعي خاصة.

 

ما معنى اسمه؟

هو سمعان بن يونا المسمّى كيفا أي بطرس، ولفظة سمعان بالآرامية السريانية (شمعون) تعني السامع والطائع والخاضع، ولفظة (يونا) بالسريانية تعني (الحمامة). وقد سمّاه الرب يسوع (كيفا)، وهذه أيضاً لفظة سريانية تعني الحجر أو العمود أو الصفا، ونقلت إلى اليونانية فصارت بتروس Petros وبالعربية بطرس.

 

موطنه:

كان سمعان بطرس من قرية بيت صيدا الواقعة على بحيرة طبرية (جناشار) في بلاد الجليل. وسكن كفرناحوم، وجاء في الإنجيل المقدس، أن الرب يسوع دخل كفرناحوم يرافقه تلاميذه، «ولما خرجوا من المجمع جاءوا للوقت إلى بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنا، وكانت حماة سمعان مضطجعة محمومة فللوقت أخبروه عنها فتقدّم وأقامها ماسكاً بيدها فتركتها الحمى حالاً وصارت تخدمهم» (مر 1: 30، 31) (لو 4: 38). فقد كان سمعان بطرس متزوجاً ورزق ابنة.

 

مهنته:

كان سمعان صياد سمك وكان مع أخيه أندراوس يملكان سفينة صغيرة في بحر الجليل. ولم يكونا فقيرين مدقعين كما يتبادر إلى ذهن بعض الناس.

ثقافته:

ولم يكن سمعان عالماً من علماء الناموس. ولم تكن له رتبة دينية. فلم يكن كاهناً أو لاوياً. كما لم يكن كاتباً أو فريسياً. وقيل إنه كان أمميّاً. ولكن كأغلب أترابه في ذلك الزمن كان يعرف اللغة الآرامية السريانية التي كان أبناء جلدته يتكلمونها، كما يؤكّد ذلك المؤرخ الكبير أوسابيوس القيصري المتوّفي عام 340م في تاريخه الكنسي. وقد تلّقن سمعان منذ نعومة أظفاره مبادئ علوم الشريعة والناموس في مدرسة مجمع قريته.

 

عضو من جماعة المنتظرين:

لم يكتفِ سمعان بما تعلمه في صغره من مدرسي الشريعة، بل انضمّ مع أخيه أندراوس إلى جماعة المنتظرين، وهم اليهود الذين تعمّقوا بدراسة النبوات المختصة بمجيء (ماشيحا) المسيح المخلص المنتظر، وتوقعوا إتمام هذه النبوات في عصرهم، ولكنّ فكرتهم في الخلاص كانت مادية صرفة.

 

تلميذ يوحنا المعمدان:

وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان، يكرز في بريّة اليهودية قائلاً: «توبوا لأنه اقترب ملكوت السموات» (مت 3: 1، 2). وبدأ يوحنا يعمّد من يقصده، فتاب على يديه أناس كثيرون، وتتلمذ له بعضهم، ومن جملتهم سمعان وأخوه أندراوس اللذان لم يتركا مهنتهما فكانا يعملان في صيد السمك، وبين الفينة والفينة يقصدان يوحنا المعمدان لسماع تعاليمه.

تتلمذ للرب يسوع:

لا بدّ من أن سمعان سمع يوحنا المعمدان، يشهد للرب يسوع أنه المسيح، فقد قال يوحنا: «يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحلّ سيور حذائه، أنا عمّدتكم بالماء، وأما هو فسيعمّدكم بالروح القدس» (مر 1: 7، 8). ولا نعلم فيما إذا كان سمعان قد رأى المسيح يسوع وهو يعتمد من عبده يوحنا، ولكنّنا نعلم أنه «بعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت اللـه، ويقول: «قد كمل الزمان واقترب ملكوت اللّـه فتوبوا وآمنوا بالإنجيل» (مر 1: 14، 15) وأن أندراوس التقى الرب يسوع، وآمن به، وأتى إلى أخيه سمعان مبشّراً وقائلاً: لقد وجدنا ماشيحا، أي المسيح المنتظر. وجاء أندراوس بأخيه سمعان إلى الرب يسوع، ولعل سمعان جثا أمام الرب فرحاً، فقال له الرب: أنت سمعان بن يونا، أنت تدعى «كيفا» أي بطرس. وأحبّ سمعان السيد المسيح كثيراً، واعتبره معلمه الجديد، وبدأ مع أخيه أندراوس يترددان إليه ويسمعان تعاليمه ويشاهدان معجزاته. وفي الوقت نفسه كانا يمارسان مهنتهما صيد الأسماك. كانت دعوة الرب لبطرس ليكون رسولاً له، كدعوته لكل رسله. فقد كان الرب يتعرف أولاً على التلميذ، ثم يدعوه، فيلبّي التلميذ الدعوة، ويرافق الرب فترة من الزمن دون أن يترك مهنته. وبعد أن يتردد إلى الرب ويسمع تعاليمه، وتنمو بذرة الإنجيل في قلبه ويكون قد استعدّ لفرز نفسه للبشارة، يدعوه الرب ثانيةً، فيترك كل شيء ويتبعه. وفيما يأتي نرى كيف دعاه الرب ثانيةً، فيترك كل شيء سمعان ليكون تلميذاً له. قد حدث مرة أن «كان الجمع يزدحم على يسوع ليسمع كلمة الله. كان (يسوع) واقفاً عند بحيرة جنيشارت فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة، والصيّادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشباك، فدخل إحدى السفينتين التي كانت لسمعان وسأله أن يبعد قليلاً عن البرّ. ثم جلس وصار يعلّم الجموع من السفينة. ولما فرغ قال لسمعان: أبعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد. فأجاب سمعان وقال له: يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك ألقي الشبكة. ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهم تتخرق. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى، أن يأتوا ويساعدوهم. فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذنا في الغرق. قلما رأى سمعان بطرس ذلك خرّ عند ركبتي يسوع قائلاً: أخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ. إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه. وكذلك أيضاً سمعان ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان. فقال يسوع لسمعان لا تخف. من الآن تكون تصطاد الناس. ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيء وتبعوه » (لو 5: 1ـ 11). ويذكر متى ومرقس في بشارتيهما، أن الرب قال لسمعان ولأخيه أندراوس « هلمّ ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه » (مت 4: 19 و20)
و(مر 1: 16ـ 18).

وهكذا انضم سمعان إلى تلاميذ الرب يسوع ثم اختير بعدئذ ليكون في تعداد الاثني عشر رسولاً (مت 10: 2) وفي هذا الصدد يكتب البشير لوقا ما يأتي: « وفي تلك الأيام خرج (يسوع) إلى الجليل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة لله. ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سمّاهم أيضاً رسلاً. سمعان الذي سمّاه أيضاً بطرس. وأندراوس أخاه…» (لو 6: 12ـ 16).

يتأمل المؤمن بالصلاة، بحدث دعوة الرب يسوع لسمعان بطرس ليكون تلميذاً له فيقول بالسريانية[1]:

«ܫܶܡܥܽܘܢ ܟܺܐܦܳܐ ܢܽܘܢ̈ܶܐ ܒܝܰܡܳܐ ܨܳܐܶܕ ܗ̱ܘܳܐ ܘܰܩܪܳܝܗ̱ܝ ܡܳܪܶܗ ܗܳܟܰܢ ܐܶܡܰܪ ܠܶܗ: ܬܳܐ ܠܳܟ ܫܶܡܥܽܘܢ. ܘܶܐܬܶܠ ܠܳܟ ܨܰܝܕܳܐ ܕܪܽܘܚܳܐ. ܕܰܬܨܽܘܕ ܐ̱ܢܳܫ̈ܐ ܡܶܢ ܡܰܘܬܳܐ ܠܚܰܝ̈ܶܐ. ܘܥܺܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ. ܥܠܰܝܟ ܫܶܡܥܽܘܢ ܒܳܢܶܐ ܐ̱ܢܳܐ ܠܳܗ̇ ܘܡܽܘܟܠܶܝ̈ܗ̇ ܕܰܫܽܝܘܠ ܠܳܐ ܡܶܨܝܢ ܚܳܣܢܺܝܢ ܠܳܗ̇»

وتعريب ذلك: «بينما كان سمعان كيفا يتصيد السمك في البحر، ودعاه ربه قائلاً له: هلّم يا سمعان فأهبك الصيد الروحاني، لتصطاد الناس(آتياً بهم) من الموت إلى الحياة، ولأبني عليك الكنيسة المقدسة وأبواب الجحيم لن تقوى عليها».

 

مشي سمعان على الماء:

حدث مرة أن كان يسوع يصلي على الجليل ليلاً، وكان التلاميذ في السفينة في بحر الجليل أو جنيشار، وهاج البحر وماج وكانت الرياح شديدة، والأمواج عاتية، وهي تتقاذف السفينة الصغيرة تريد ابتلاعها. وصارع التلاميذ النوء حتى الساعات الثلاث الأولى التي فيها يبتدئ الصباح… فلما رأى يسوع اضطرابهم والخطر المحدق بهم، نزل من الجبل، ومشى على البحر كأنه يمشي على اليابسة، ومضى إليهم، فلما أبصروه ارتعبوا واضطربوا قائلين: «إنه خيال». ومن الخوف صرخوا. فللوقت كلّمهم يسوع قائلاً: تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا، فأجابه بطرس من السفينة وقال: يا سيد إن كنت أنت هو فمرني أن آتي إليك على الماء. فقال تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي إلى يسوع. ولكن لما رأى الريح شديدةً خاف، وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً: يا رب نجّني. ففي الحال مدّ يسوع يده وأمسك به وقال له: يا قليل الإيمان لماذا شككت. ولما دخلا السفينة سكتت الريح. والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين: بالحقيقة أنت ابن اللّـه (مت 14: 22ـ 23). في هذا الحدث أراد بطرس أن يتشبّه بسيده في المشي على الماء… فلما قال له الرب تعال. تجاسر،و بشجاعة فائقة نزل إلى الماء، ونجح أولاً وسار على الماء باتجاه الرب، ولكن ساورته الشكوك التي بدت منه في بدء كلامه مع الرب إذ قال له: «إن كنت أنت هو» بعد أن كان قد سمع من الرب قوله «أنا هو لا تخافوا» ولما ابتدأ بالمشي على الماء وهو ناظر إلى يسوع لم يغرق، ولكن لما حوّل نظره من الرب إلى الذات وتأمل قوة الأمواج ارتعب وابتدأ يغرق، ولم تفده معرفته بالسباحة في هذا النوء الشديد فصرخ قائلاً: «يا رب نجّني، ففي الحال مدّ يسوع يده وأمسك به ونشله». ثم وبّخه بقوله: «يا قليل الإيمان لماذا شككت»… وسكنت الريح بمجرد صعود الرب إلى السفينة.

 

اعتراف سمعان بألوهة الرب يسوع:

من أهم أحداث تاريخ سمعان في مرافقته الرب يسوع مدة ثلاث سنين، تلك اللحظة التي اعترف فيها بألوهة الرب يسوع معلناً أنه «المسيح ابن اللّـه الحي».

كان ذلك في نواحي قيصرية فيلبس حيث انفرد يسوع برسله الاثني عشر، وكان يصلّي (لو 9: 18) قبل اتخاذه القرارات الحاسمة رأيناه يصلّي أولاً على انفراد، ليختلي بأبيه السماوي. فبعد أن صلّى الآن أيضاً، انتهز خلوته برسله، فسألهم قائلاً: «من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان» (مت 16: 13) وكعادته لم يكن سؤاله للاستفهام بل لخير الذين يطلب منهم الجواب. فطلب منهم أن يفكروا بأمر مهم جداً، هو رأي الناس به كابن الإنسان لأن العامة لا يرونه إلا كبشر. فأجاب التلاميذ أن الناس في حيرة من جهته، فقوم يقولون إنه يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء (مت 16: 14) إي واحد من الأنبياء القدامى قد قام من الأموات، ذلك أن في تقليدهم أن نبياً يقوم من الأموات ولعله إرميا قبيل مجيء مشيحا المنتظر، ويظهر قبة الزمان المحتوية على قسط المن، وعصا هارون، ولوحي الشهادة، التي أخفاها إرميا في الجبل لتظهر قبيل ظهور المسيح. لذلك قالوا عن الرب يسوع إنه النبي الذي يظهر قبيل مجيء المسيح قد ظهر الآن. والقليل القليل منهم فقط كانوا يقولون إنه المسيح المنتظر، ذلك أن أعماله الصالحة وتواضعه ووداعته لم تطابق الصورة المادية الصرفة التي طبعت في أذهانهم للمسيح الذي ينتظرونه، كما رسمها لهم رؤساؤهم في تعاليمهم المعوّجة وتفاسيرهم المغلوطة لنبوات الأنبياء.

وكان سؤال الرب لرسله عن رأي الناس فيه هو مقدمة لسؤاله الأهم عن رأي رسله فيه، بعد تتلمذهم على يديه مدة سنتين ونصف السنة تقريباً. فسألهم قائلاً: «وأنتم من تقولون إني أنا» (مت 16: 15) لا بدّ أنهم كأغلب بني قومهم كانوا متمسكين طوال حياتهم بالآمال السياسية الدنيوية المتعلقة بمجيء المسيح، ومن الصعب جداً ترك هذه الآراء فجأة… وفي هذه اللحظات العصيبة لا بدّ أن يسجّل الإنسان موقفاً حاسماً فيبتّ في الأمر بسرعة فائقة، وإلا خسر المعركة، ورسب في الامتحان، ويتقدّم سمعان الشجاع لينوب عن رفقائه تبرعاً كما فعل في مناسبات أخرى، إما لأن يسوع نظر إليه كأنه يكلّفه بالجواب نيابة عن الآخرين، وبالأصالة عن نفسه، أو أن رفقاءه طلبوا إليه أن يمثّلهم في الجواب، المهم أنه نجح في الامتحان نجاحاً باهراً، حيث قال للرب: «أنت هو المسيح ابن اللّـه الحي» (مت 16: 16).

كان سؤال الرب يسوع ما القول فيه كابن الإنسان (مت 16: 13) فجاء الجواب «أنت هو المسيح ابن اللّـه الحي» (مت 16: 16) إن القولين في يسوع المسيح صادقان، على الرغم من التناقض الظاهر فيهما. فإن اتحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح الواحد، يسوّغ لنا أن نطلق عليه هاتين الصفتين في آن واحد فهو ابن اللّـه وابن الإنسان بأقنومه الواحد، وطبيعته الواحدة ومشيئته الواحدة.

كانت الشياطين سابقاً قد اعترفت بلاهوت السيد المسيح (مت 8: 29) و(مر 3: 11) و(لو14: 14). وكذلك نثنائيل (يو 1: 49) وبطرس ذاته أجاب قبلاً بهذه الألفاظ (يو 6: 19) ولكن الرب أظهر عظمة جواب بطرس في هذه المرة ذلك أن استحق أن يلهم من السماء، وتجاوب مع الإلهام السماوي، لذلك أجابه يسوع قائلاً: «طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات» (مت 16: 17) فقد أعلنت السماء هذه الحقيقة الإيمانية فصارت مبدأ لا ينقض، وأساساً للكنيسة المقدسة ثابتاً لا يتزعزع، لأن الرب قال لسمعان: «وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات» (مت 16: 18، 19).

 

تفسير لفظة بطرس (كيفا):

أطلق الرب على سمعان اسم «كيفا» ولهذه اللفظة السريانية معنيان، فهي تعني الحجر الواحد المقطوع من حجر كبير أو جزء من صخرة. وقد ترجمت إلى اليونانية بلفظة بيتروسPetros  وهي بصيغة المذكر. وكانت عادة الأقدمين أن يترجموا الأسماء إلى اللغة التي يتكلمون بها. وإن بولس الرسول الذي كتب باليونانية سمّى سمعان تارة «بطرس» وتارة «كيفا» (غلا 2: 7، 8). أما المعنى الثاني للفظة «كيفا» فهو الصخرة الثابتة في مكانها الطبيعي، وترجمت بهذا المعنى إلى اليونانية فصارتPetra  وهي بصيغة المؤنث، وفي آية الرب الموجهة إلى سمعان بطرس صارت تشبيهاً للعقيدة الإيمانية الثابتة التي نطق بها سمعان إذ قال للسيد: «أنت المسيح ابن اللّـه الحي»، فالكنيسة أسست على مبدأ سام نطق به إنسان مؤمن هو سمعان بطرس الذي لإيمانه وتجاوبه مع الوحي الإلهي استحق أن يدعى «كيفا».

 

السيد المسيح هو أساس الكنيسة:

«مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية» (أف 2: 20). فالكنيسة مبنية على المسيح فهو أساسها، وحجر الزاوية فيها، «من هو إله غير الرب ومن هو صخرة غيره» (2صم 22: 23) قال الرسول بولس: «فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح» (1كو 3: 11) ويدعو الرسول بطرس الرب يسوع بحجر الزاوية بقوله: «الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية»
(1بط 2: 7).

وبهذا المعنى يترنم المصلي صباح كل يوم سبت[2] قائلاً:

ܟܺܐܦܳܐ ܒܕܰܒܪܳܐ ܝܶܠܕܰܬ ܗܘܳܬ ܢܰܗܪ̈ܳܬܐ. ܘܨܳܪܰܬ ܛܽܘܦܣܶܟܝ ܓܰܠܝܳܐܺܝܬ ܒܬܽܘܠܬܳܐ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ. ܕܰܕܢܰܝ ܡܶܢܶܟܝ ܒܰܒܪܺܝܬܳܐ ܒܪܳܐ ܕܰܐܠܳܗܳܐ ܕܗܽܘܝܽܘ ܟܺܐܦܳܐ ܕܰܫܪܳܪܳܐ. ܐܰܝܟ ܕܶܐܡܰܪ ܦܰܘܠܳܘܣ܀

وتعريب ذلك: إن الصخرة التي دفقت أنهاراً في البرية، ترمز إليكِ بوضوح أيتها العذراء القديسة. فقد أشرق منك العالم ابن اللّـه الذي هو الصخرة الحقيقية على حدّ قول الرسول بولس.

فأساس الكنيسة إذاً الرئيس والأول هو يسوع ذاته الذي هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، الحي الذي يمنح الكنيسة حياة، الصخرة التي لا تتزعزع. يقول الرسول بولس: «فلستم إذاً بعد غرباء ونزلاً بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله. مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب، الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً مسكناً لله في الروح» (أف 2: 20ـ 22). فلا يمكن أن تبنى الكنيسة إلا على شخص المسيح يسوع، ولما يتكلم الرب يسوع كالباني بقوله: «أبني كنيستي» إنما يعني أنه يبنيها على مبدأ روحي، لأن الكنيسة هي بناء روحي. فالأساس الروحي هو حقيقة التجسّد المعلنة في العبارتين «ابن الإنسان» و«ابن اللّـه الحي»، ولما يذكر آباء الكنيسة الرسول بطرس كأساس أيضاً في الكنيسة، إنما ذلك لإعلانه حقيقة التجسد الإلهي، ويستمدّ قوة وجوده كحجر في أساس الكنيسة من المسيح يسوع الذي هو أساس الكنيسة وحجر الزاوية فيها. وبهذا الصدد قال العلامة ابن الصليبي (ت1171): «إن (الرب) لم يقصد بالصخرة أقنوم بطرس بل الاعتراف والإيمان الصحيح به (وكأني به يقول) على الإيمان الذي اعترفت به أنني ابن اللّـه الطبيعي أبني بيعتي» والسيد المسيح يوضّح لنا سبب تطويبه لسمعان وتسميته «كيفا أي بطرس، الحجر»، بقوله لسمعان: «إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات» فالإعلان سماوي، وقد خضع سمعان له فصار واسطة لإذاعته، فنال الطوبى. والآباء أحياناً يشكرون بقية الرسل مع بطرس جاعلين إياهم أساساً في الكنيسة. فقد جاء في صلاة مساء يوم الثلاثاء في كتاب الإشحيم[3] ما يأتي:

ܒܪܺܝܟܽ ܗ̱ܘ ܕܰܒܢܳܗ̇ ܠܥܺܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ ܥܰܠ ܦܰܣܰܬ ܐܺܝܕܰܘ̈ܗ̱ܝ. ܘܣܳܡ ܫܶܬܐܣܶܝ̈ܗ̇ ܢܶܒܝ̈ܶܐ ܫܠܺܝ̈ܚܶܐ. ܘܣܳܗ̈ܕܶܐ ܩܰܕܺܝ̈ܫܶܐ. ܘܟܰܢܶܫ ܘܰܡܠܳܗ̇ ܟܽܠ ܥܰܡܡܺܝ̈ܢ. ܘܗܳܐ ܡܰܣܩܺܝܢ ܒܳܗ̇ ܬܶܫܒܽܘܚܬܳܐ ܒܠܺܠܝܐ ܘܒܺܐܝܡܳܡܳܐ܀

وتعربيه: مبارك (المسيح) الذي بنى كنيسته على راحة يديه[4]. ووضع الأنبياء والرسل والشهداء القديسين أساساً لها وجمع فيها الشعوب كافة فامتلأت منهم وهم يصعدون المجد ليلاً ونهاراً.

وفي المعنى نفسه جاء في صلاة صباح يوم الثلاثاء[5] ما يأتي:

ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܰܡܫܺܝܚܳܐ ܕܥܰܠ ܦܰܣܰܬ ܐܺܝܕܰܘ̈ܗ̱ܝ. ܒܢܳܐ ܠܥܺܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ ܘܰܐܬܩܶܢ ܒܳܗ̇ ܡܰܕܒܚܳܐ. ܘܣܳܡ ܒܳܗ̇ ܣܺܝ̈ܡܳܬܳܐ ܢܒܺܝ̈ܶܐ ܘܰܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܘܣܳܗ̈ܕܶܐ ܩܰܕܺܝ̈ܫܶܐ ܕܰܢܨܰܚܘ ܘܶܐܬܟܰܠܠܰܘ ܗ̄ܘܗ̄ ܒܪܺܝܟ ܕܰܒܢܳܐ ܠܥܺܕܬܶܗ ܘܰܐܬܩܶܢ ܒܳܗ̇ ܡܰܕܒܚܳܐ܀

وتعريب ذلك: المجد للمسيح الذي بنى الكنيسة المقدسة على راحة يديه ونصب فيها مذبحاً، ووضع فيها ذخائر هو الأنبياء والرسل والشهداء القديسون المظفرون مبارك الذي بنى كنيسته وأقام فيها مذبحاً.

وجاء في صلاة صباح يوم السبت[6] ما يلي:

ܥܰܠ ܗ̇ܳܝ ܟܺܐܦܳܐ ܕܒܶܝܬ ܫܶܡܥܽܘܢ. ܪܺܝܫ ܬܰܠܡܺܝ̈ܕܶܐ ܒܰܢܝܳܐ ܐ̱ܢܳܐ ܘܠܳܐ ܕܳܚܠܳܐ ܐ̱ܢܳܐ ܥܺܕܬܳܐ ܥܢܳܬ݀ ܘܶܐܡܪܰܬ݀. ܛܰܪܘ ܒܺܝ ܓܰܠـ̈ܠܶܐ ܘܰܡܚܫܽܘ̈ܠܐ ܘܠܐ ܐܰܙܺܝܥܽܘܢܝ ܘܰܐܩܪܶܒ ܥܡܰܝ ܢܶܣܛܽܘܪ ܠܺܝܛܳܐ ܘܰܗܘܳܬ ܡܰܦܽܘܠܬܶܗ܀

وتعريب ذلك: قالت الكنيسة: إني مشيّدة على صخرة زمرة سمعان رئيس التلاميذ، فلن أفزع أبداً، لقد لطمتني الأمواج والأنواء فلم تزعزعني، وحاربني نسطور اللعين فهوى ساقطاً.

وفي هذا البيت نلمس تساوي نصيب الرسل في بناء الكنيسة، ولكن في أبيات أخرى يصرّح الآباء بأن بطرس هو الأساس فيها. فقد جاء في صلاة يوم الجمعة[7] ما يأتي:

ܥܰܠ ܬܰܪ̈ܥܰܝܟܝ ܥܺܕܬܳܐ ܢܳܛܽܘܪ̈ܶܐ ܩܳܝܡܺܝܢ. ܒܠܺܠܝܳܐ ܘܒܺܐܝܡܳܡܳܐ ܡܶܢ ܒܺܝܫܳܐ ܢܳܛܪܺܝܢ. ܫܶܡܥܽܘܢ ܫܶܬܶܐܣܬܳܐ ܘܦܰܘܠܳܘܣ ܐܰܪܕܺܝܟܠܳܐ. ܘܝܽܘܚܰܢܳܢ ܕܰܥܒܺܝܕ ܫܰܘܫܒܺܝܢܳܐ ܘܪܳܚܡܳܐ ܗ̄ ܘܕܰܘܺܝܕ ܟܶܢܳܪܳܐ ܕܪܽܘܚܳܐ ܩܰܕܺܝܫܳܐ܀

ܥܰܠ ܫܶܡܥܽܘܢ ܟܺܐܦܳܐ ܡܳܪܰܢ ܥܺܕܬܶܗ ܒܢܳܐ. ܘܥܰܠ ܫܰܒܥܺܝܢ ܘܰܬܪܶܝܢ ܥܰܡܽܘܕܺܝܢ ܐܰܬܩܢܳܗ̇. ܡܶܢ ܛܽܘܪܳܐ ܕܩܰܪܕܽܘ ܪܳܡܳܐ ܘܰܡܥܰܠܝܳܐ ܐܰܪܕܺܟܠܳܐ ܕܰܒܢܳܐ ܒܰܡܪ̈ܰܘܡܶܐ ܡܰܥܡܪܶܗ ܗ̄ ܒܪܺܝܟ ܕܰܒܢܳܐ ܠܥܺܕܬܶܗ ܘܰܐܬܩܶܢ ܒܳܗ̇ ܡܰܕܒܚܳܐ܀

وهذا تعريب ذلك: على أبوابك أيتها الكنيسة يقف الحراس ليلاً ونهاراً، حافظين إياك من الشرير. فسمعان أساسك، وبولس مهندسك، ويوحنا عرّابك (رفيق الختن) وصديقك هللويا وأما داود فهو كنّارة الروح القدس.

لقد بنى ربنا كنيسته على سمعان كيفا، وثبّتها على اثنين وسبعين عموداً، فهو أكثر ارتفاعاً من جبل قردو، لأن مهندسها قد شيّد مسكنه في الأعالي هللويا مبارك هو الذي بنى كنيسته ونصب فيها مذبحاً.

 

مفاتيح ملكوت السموات:

لم يكتف الرب يسوع بإطلاق اسم «كيفا» أو بطرس على سمعان، بل أعطاه أيضاً منفرداً سلطاناً روحياً بقوله له «وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكلّ ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات، وكلّ ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات» (مت 16: 19). والمفاتيح هي علامة السلطة، وهي هنا سلطة التعليم والتبرير والتقديس. وقد فتح بطرس باب الإيمان أمام اليهود يوم الخمسين، وكان أول من خطب فيهم رسل الرب، ولما نخسوا في قلوبهم، قالوا له ولسائر الرسل ماذا نفعل أيها الرجال الأخوة، فقال لهم بطرس: «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كلّ من يدعوه الرب إلهنا… فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس» (أع 2: 38ـ 41). كما فتح بطرس باب الإيمان للأمم إذ هدى في قيسارية كرنيليوس قائد مئة من الكتيبة التي تدعى الإيطالية، ومعه أهل بيته وأقرباؤه وأصدقاؤه، وأمر أن يعتمدوا باسم الرب (أع 10: 48) فصاروا في تعداد أبناء الملكوت. جاء في صلاة صباح يوم السبت من كتاب الإشحيم[8] ما يأتي:

ܪܓܺܝܓ ܗ̱ܘܳܐ ܩܳܠܶܗ ܕܡܳܪܰܢ ܟܰܕ ܐܶܡܰܪ ܗܘܳܐ ܠܫܶܡܥܽܘܢ ܪܺܝܫܳܐ ܕܰܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܡܶܛܽܠ ܟܳܗܢܽܘܬܐ. ܕܗܳܐ ܥܒܰܕܬܳܟ ܠܺܝ ܪܰܒܒܰܝܬܳܐ ܝܶܗܒܰܬ ܒܺܐܝܕܰܝ̈ܟ. ܩܠܺܝ̈ܕܶܐ ܕܪܰܘܡܳܐ ܘܰܕܥܽܘܡܩܳܐ ܕܬܶܐܣܽܘܪ ܐܳܦ ܬܶܫܪܶܐ. ܐܶܢ ܬܶܐܣܽܘܪ ܐܶܢܳܐ ܐܳܣܰܪ ܐ̱ܢܳܐ ܘܶܐܢ ܬܶܫܪܶܐ ܐܶܢܳܐ ܫܳܪܶܐ ܐ̱ܢܳܐ. ܘܐܶܢ ܬܦܺܝܣ ܚܠܳܦ ܚܰܛܳܝ̈ܶܐ ܫܡܺܝܥܳܐ ܗ̱ܝ ܒܳܥܽܘܬܳܟ܀

وتعريب ذلك: كان صوت ربنا عذباً جداً لما تكلّم سمعان رئيس الرسل في شأن الكهنوت قائلاً له: لقد أقمتك وكيلاً عني، ووهبتك مفاتيح العلاء والعمق، لتربط وتحلّ، فإن ربطتَ، ربطتُ أنا أيضاً، وإن حللتَ، حللتُ أنا أيضاً، وإذا ما شفعت في الخطاة تستجاب طِلبتك.

وقال العلامة مار ديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي مطران آمد (ت1171) في تفسيره الآية «وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات…» (أنه بوساطة سمعان، خوّل الرب ذلك السلطان لجميع الكهنة القويمي الرأي).

إن صاحب المفاتيح، أي السلطة المطلقة، هو الرب يسوع المسيح نفسه، كما قيل عنه في سفر أشعيا النبي (22: 22) «وأجعل مفاتيح بيت داود على كتفه فيفتح وليس من يغلق، ويغلق وليس من يفتح» وجاء في سفر الرؤيا: «هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح» (رؤ 3: 7) فسلطة بطرس الروحية في الكنيسة بالمقارنة مع سلطة الرب يسوع نسبية ومستمدة من سلطة الرب يسوع المطلقة. وقد منح الرب تلميذه بطرس هذه السلطة منفرداً، وأعطاه إياها ثانية مع الرسل مجتمعين، وفي هذه المرة كان الرب يتكلم عن مغفرة الخطايا حيث قال: «وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما، إن سمع منك فقد ربحت أخاك، وإن لم يسمع فخذ معك أيضاً واحداً أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أن ثلاثة وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة، وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عنك كالوثني والعشار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء»
(مت 18: 15ـ 18).

وقد منح الرب يسوع رسله الأطهار كافة، سلطة التعليم والتبرير والتقديس، وذلك قبيل صعوده إلى السماء بقوله لهم: «دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعلّموهم جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر» (مت 28: 18ـ 20).

وبهذا الصدد جاء في صلاة صباح يوم الاثنين[9] ما يأتي:

ܬܶܪܥܣܰܪ ܐܳܣܰܘ̈ܳܬܐ ܫܰܕܰܪ ܡܳܪܰܢ ܝܶܫܽܘܥ ܠܰܐܪ̈ܒܰܥܦܶܢܝܳܢ ܕܰܒܪܺܝܬܳܐ ܘܗܳܟܰܢ ܐܶܡܰܪ ܠܗܽܘܢ. ܛܪܽܘܕܘ ܫܺܐܕ̈ܶܐ ܡܶܢ ܐ̱ܢܳܫ̈ܳܐ. ܘܰܐܣܰܘ ܠܰܐܝܠܶܝܢ ܕܰܟܪ̈ܺܝܗܺܝܢ ܡܰܓܳܢ ܢܣܰܒܬܽܘܢ ܡܰܘܗܰܒܬܳܐ ܡܰܓܳܢ ܗܰܒܽܘܢܳܗ̇܀

ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܶܗ ܠܒܰܪ ܐܰܠܗܳܐ. ܕܰܒܝܰܡܳܐ ܘܝܰܒܫܳܐ ܫܰܠܺܝܛ ܘܰܓܒܳܐ ܠܶܗ ܐ̱ܢܳܫ̈ܳܐ ܦܫܺܝ̈ܛܶܐ ܕܢܶܗܘܽܘܢ ܟܳܪ̈ܽܘܙܰܘܗ̱ܝ. ܡܶܢ ܝܰܡܳܐ ܓܒܳܐ ܠܶܗ ܦܶܛܪܽܘܣ ܘܡܶܢ ܒܶܝܬ ܐܽܘܪ̈ܚܳܬܳܐ ܦܰܘܠܳܘܣ ܘܰܥܒܰܕ ܐܶܢܽܘܢ ܟܳܪ̈ܽܘܙܶܐ ܕܥܺܕܬܐ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ܀

وتعريب ذلك: أرسل ربنا يسوع اثني عشر طبيباً إلى جهات العالم الأربع قائلاً لهم: اطردوا الشياطين عن الناس واشفوا المرضى. مجاناً أخذتم الموهبة فمجاناً أعطوها.

المجد لابن اللّـه الذي له سلطانه يشمل اليمّ واليابسة. وقد اختار له أناساً بسطاء ليصيروا له رسلاً (ينشرون بشارته الإنجيلية) فاختار بطرس من على شاطئ البحر، كما اختار بولس من على مفرق الطرق، وجعلهما كاروزين في الكنيسة المقدسة.

وجاء في صلاة صباح يوم الجمعة[10] ما يأتي:

ܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܩܰܕܺܝ̈ܫܶܐ. ܟܳܪ̈ܽܘܙܶܐ ܕܗܰܝܡܳܢܽܘܬܐ ܕܰܐܝܟ ܐܰܟܳܪ̈ܶܐ ܠܰܐܪܥܳܐ ܢܦܰܩܘ. ܨܰܠܰܘ ܕܢܶܬܥܰܩܪܽܘܢ ܙܺܝܙܳܢ̈ܶܐ ܡܶܢ ܒܰܝܢܳܬܰܢ ܕܙܰܪܥܳܐ ܛܳܒܳܐ ܠܳܐ ܢܶܬܚܢܶܩ ܗ̄ ܒܪܺܝܟܽ ܗ̱ܘ ܕܙܰܪܥܳܗ̇ ܠܰܣܒܰܪܬܶܗ ܡܶܢ ܣܰܘ̈ܦܶܐ ܠܣܰܘܦܶܝ̈ܗ̇ ܕܰܐܪܥܳܐ܀

وتعريب ذلك: أيها الرسل القديسون المنادون بالإيمان، يا من خرجتم إلى العالم كالزارعين (لبذار الإنجيل) صلوا لكي يُقلع الزؤان من بيننا لئلا يُخنق الزرع الجيد هللويا مبارك هو الذي زرع بذور بشارته في أقطار المسكونة قاطبة.

وجاء في صلاة ليلة يوم الخميس[11] طلبة للملفان القديس مار يعقوب السروجي وهي مناجاة على لسان الكنيسة قائلة:

ܗܳܐ ܪܕܺܝܦܳܐ ܐ̱ܢܐ ܡܶܢ ܟܽܠ ܓܰܒܺܝ̈ܢ ܩܳܥܝܳܐ ܥܺܕܬܳܐ، ܫܠܺܝ̈ܚܰܘܗ̱ܝ ܕܰܒܪܳܐ ܥܰܕܪܽܘܢܳܢܝ̱ ܒܰܨܠܰܘ̈ܳܬܟܽܘܢ. ܕܟܰܕ ܐܶܬܥܰܠܝ ܒܪܳܐ ܠܘܳܬ ܫܳܠܽܘܚܶܗ. ܠܟܽܘܢ ܐܰܪܦܺܝ ܒܺܝ ܚܶܣ̈ܢܶܐ ܡܪ̈ܺܝܪܶܐ ܕܠܳܐ ܡܶܬܟܰܒܫܺܝܢ܀

وتعريب ذلك: تتضرع الكنيسة متشفعة برسل ابن (الله) قائلة: إنني مضطهدة من سائر الفرق، فاعضدوني بصلواتكم، فإن ابن اللّـه لما صعد إلى السماء عائداً إلى (الآب) مرسله، أودعني أمانة بأعناقكم أيها الحصون المنيعة الصامدة التي لا تقهر.

وكما تلتجئ الكنيسة إلى الرسل كافة متشفعة بهم، كذلك تؤمن بأنهم سينالون مكافأتهم المتساوية في السماء نتيجة لوعد الرب يسوع لهم، وبهذا المعنى يترنم المؤمن في الصلاة بالقومة الثالثة من ليل يوم الأربعاء[12] قائلاً:

ܐܳܡܪܺܝܢ ܠܶܗ ܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܠܡܳܪܰܢ. ܡܽܘܢ ܝܳܗܒܰܬ ܠܰܢ ܕܰܪܚܶܡܢܳܟ. ܘܰܥܢܳܐ ܦܳܪܽܘܩܰܢ ܘܗܳܟܰܢ ܐܶܡܰܪ ܠܗܽܘܢ: ܕܥܰܠ ܟܽܘܪ̈ܣܰܘܳܬܐ ܬܶܪܥܣܰܪ ܒܡܶܐܬܺܝܬܝ ܐܰܘܬܶܒܟܽܘܢ. ܘܰܬܕܽܘܢܽܘܢ ܬܪܶܥܣܰܢ ܫܰܒ̈ܛܶܐ ܕܰܒܢ̈ܝ ܝܺܣܪܳܐܺܝܠ. ܘܥܰܡܝ ܬܺܐܪܬܽܘܢ ܡܰܠܟܳܘܬ ܪܰܘܡܳܐ. ܘܥܰܠ ܦܳܬܽܘܪܝ ܡܶܬܒܰܣܡܺܝܢ ܐܢ̱ܬܽܘܢ. ܘܶܐܬܶܠ ܠܟܽܘܢ ܐܰܓܪܳܐ ܛܳܒܳܐ. ܒܰܬܠܳܬܺܝܢ ܘܒܶܫܬܺܝܢ ܘܒܰܡܐܐ ܕܰܢܛܰܪܬܽܘܢ ܦܽܘܩܳܕܢܝ ܘܥܒܰܕܬܽܘܢ ܨܶܒܝܳܢܝ܀

وتعريب ذلك: يقول الرسل لربنا ماذا تهب لنا لقاء محبتنا لك؟ فأجاب مخلصنا قائلاً: في مجيئي الثاني أجلسكم على اثني عشر كرسياً لتدينوا أسباط إسرائيل الاثني عشر، وترثوا معي ملكوت السماء وتنعموا على مائدتي. كما أفيكم الأجر الصالح بثلاثين وستين ومائة، لقاء حفظكم وصيتي وإتمامكم إرادتي.

وجاء في صلاة صباح يوم الجمعة[13] ما يأتي:

ܡܰܢܽܘ ܕܠܳܐ ܢܶܬܗܰܪ ܟܰܕ ܚܙܳܐ ܠܗܽܘܢ ܠܰܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܕܥܰܠ ܟܽܘܪ̈ܣܰܘܳܬܐ ܝܳܬܒܺܝܢ. ܘܠܒܺܝܫܺܝܢ ܢܽܘܪܳܐ ܕܰܡܥܰܛܦܺܝܢ ܫܰܠܗܶܒܺܝܬܐ ܕܰܠܕܒܶܝܬ ܐܺܝܣܪܳܐܺܝܠ ܕܺܝܢܺܝܢ ܗ̄ ܒܪܺܝܟܽ ܗ̱ܘ ܕܰܐܓܥܶܠ ܒܺܐܝܕܰܝ̈ܗܽܘܢ ܫܽܘܠܛܳܢܳܐ ܕܪܰܘܡܳܐ ܘܥܽܘܡܩܳܐ܀

وتعريب ذلك: من لا يندهش حينما يرى الرسل جالسين على كراسيّ (في السماء) وقد اتشحوا بالنور وتجللوا بالسلهبة وهم يدينون آل إسرائيل هللويا مبارك الذي أودع بأيدي رسله سلطة (في) العلاء والعمق.

 

 

تهوّر بطرس بكلامه:

بعد أن اعترف بطرس بأن يسوع هو المسيح ابن اللّـه الحي، أوصى الرب تلاميذه بألاّ يقولوا ذلك لأحد «لأن ساعته لم تأتِ بعد» وكان هذا الإقرار من رسله، بلاهوته، قد مهّد له الطريق لإعلان سر الفداء، فأنبأهم لأول مرة بموته وقيامته. ويقول البشير متى: «من ذلك الوقت ابتدأ (يسوع) يعلّمهم أنه سيتألم كثيراً في أورشليم ويُرفض من الرؤساء ويقتل ثم يقوم في اليوم الثالث» (مت 16: 21).

استغرب الرسل كثيراً كلام الرب هذا، وتهّور بطرس فأنكر على الفادي الآلام والموت. ويصف الإنجيلي ذلك بقوله: «وابتدأ (بطرس) ينتهر بقوله له حاشاك يا رب لا يكون لك هذا» (مت 16: 22) فما رآه بطرس في نفسه غيرة حبيّة نحو سيده، كان الحقيقة من حيل الشيطان لإسقاط بطرس، لذلك «التفت (يسوع) وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن لما للناس» (مت 16: 23). استحق بطرس هذا التوبيخ لحبه للمجد العالمي. «ودعاه شيطاناً» لأن الشيطان حاول تجربة الرب يسوع في البرية ففشل، وأعاد الكرة بوساطة بطرس الآن، فانتهره الرب يسوع كما انتهر إبليس في البرية طارداً إياه.

كان خطأ بطرس أنه لم يدرك سرّ الصليب الذي هو إيفاء العدل الإلهي حقه بموت السيد المسيح، وتحصيل الحياة الأبدية للمؤمنين به. ذلك أن سريّ التجسّد والفداء مرتبطان بعقيدة ألوهة السيد المسيح، فمن أنكر كفارته الإلهية أنكر ألوهته. ومن اعترف به مخلصاً، اعترف بسرّ تجسده الإلهي وبالتالي بآلامه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء.

وبعد توبيخ بطرس، يشرح الرب يسوع شروط التلمذة الحقيقية له، من إنكار الذات وحمل الصليب يومياً وإتباعه له المجد أي السير في طريقه وتتبع خطواته في طريق الآلام دون ملل ولا كلل.

تجلي الرب يسوع على الجبل:

كان الرب يسوع قد خصّ بطرس ويعقوب ويوحنا بمشهد عظام الأمور كالتجلي على الجبل، وإحياء إبنة يايرس والصلاة الأخيرة في البستان. وقد أخطأ بطرس في أقواله خلال حادثة تجلي الرب يسوع على جبل تابور أو جبل الشيخ (حرمون) حيث تغيرت هيئته قدام تلاميذه الثلاثة المذكورة أسماؤهم، فصار وجهه يلمع كالشمس، ثيابه بيضاء كالثلج، وظهر معه موسى وإيليا يكلمانه عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكلمه في المدينة المقدسة، وكلمة الخروج هنا تعني الخلاص والفداء وعمل الكفارة الذي كان الرب يسوع عتيداً أن يكمّله بموته الاختياري. وتسرّع بطرس، إذ أخذ بروعة المنظر، فقال: «يا رب حسن أن نكون ههنا، وإن شئت فلنصنع ههنا ثلاث مظال واحدة لك وواحدة لموسى، وواحدة لإيليا» (مت 17: 4).

أراد بطرس بكلامه هذا تكريم الرب والنبيين موسى وإيليا، وإبعاد الرب عن مواطن التهلكة، ليمكث في الجبل ولا ينزل ليتألّم من اليهود ويموت، ولكنه أخطأ إذ جعل الرب يسوع بمستوى النبيين موسى وإيليا الأمر الذي رفضته السماء لذلك سمع صوت الآب السماوي من سحابة يقول: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت فله اسمعوا» (مت 17: 5) وبذلك أعلنت السماء أن يسوع هو ابن اللّـه ولئن ظهر أمام الناس كإنسان. وبينما كان التلاميذ الثلاثة ساقطين على وجوههم خوفاً، ارتفعت السحابة تقلّ النبيين رجوعاً إلى حيث كانا إذ قد أتمّا رسالتيهما بالشهادة ليسوع. ووجد يسوع وحده لا شريك له ابناً وحيداً لله الآب السماوي.

في حادثة التجلي وقف بطرس بين الصليب والمجد، سمع عن الصليب والموت، كما رأى المجد العظيم، وتعلّم الدرس الخالد أن لا مجد دون صليب، وكان لحادثة التجلي التأثير الكبير في حياة بطرس بعدئذ حتى أنه كتب في رسالته الثانية قائلاً: «لأننا لم نتبع خرافات مصنّعة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته لأنه أخذ من اللّـه الآب كرامة ومجداً إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به، ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس» (2بط 1: 16ـ 18).

 

المعجزة لإيفاء الجزية:

حدث مرة في كفرناحوم أن طلب جباة مال هيكل ليدفع لهم الرب يسوع الدرهمين المفروض دفعهما على كل يهودي فوق سن العشرين لنفقات الهيكل. ربما طلبت هذه الجزية من الرب يسوع لأول مرة بتحريك من رؤساء الكهنة وكتبة الشعب والفريّسيين، محاولة منهم لتصغير شأن الرب بحرمانه من حقوق الإعفاء المنوحة للأنبياء ومعلمي الشريعة والكهنة واللاويين، أو لاتخاذ حجة لإيقاع الضرر به إن هو أبى دفع هذه الجزية. وقد يكون الرب عوّدهم دفع هذه الجزية سنوياً. فالتقى الجباة بطرس خارجاً وسألوه «أما يوفي معلمكم الدرهمين؟» (مت 17: 24) ودون أن يسأل بطرس معلمه، أجابهم «بلى» فلما عاد إلى البيت سبقه يسوع قائلاً: «ماذا تظن يا سمعان، ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية أمن بنيهم أم من الأجانب، قال له بطرس: من الأجانب، قال له يسوع فإذاً البنون أحرار». بهذا بيّن الرب لبطرس خطأه بتسرعه، وقبل أن يفاتح بطرس الرب بموضوع الجزية أعلمه الرب أنه عارف الخفايا، وبحوار الرب مع بطرس صرّح بحقوقه وأنه لا يحقّ لأحد أن يطلب منه جزية للهيكل الذي هو بيت أبيه السماوي. ولكن يسوع في الوقت نفسه لم يتشبث بحقه، لأنه إن أصرّ على عدم دفع الجزية يُعثر الآخرين، لأن فئات رؤساء الكهنة والكتبة وغيرهم وكذلك عموم الشعب لا يعترفون به بعد مسيحاً، فيكون رفضه إيفاء الجزية في اعتبارهم تمرداً وتحقيراً للهيكل وأخيراً للدين، خاصة وأن هذه الجزية هي من النظام الأصلي وليست من تعليم الشيوخ… وأراد الرب يسوع أن يقرن خضوعه للنظام بمعجزة تقوّي إيمان بطرس وتعلن أن هذا الخضوع لم يكن قسراً، لذلك أمر بطرس أن يُحضر المطلوب فقط بوساطة مهنته بصيد السمك بالصنارة لأجل السرعة وأخبره أنه عند فتحه لفم أول سمكة يصطادها يجد استاراً يساوي أربعة دراهم تكفي لإيفاء المفروض عليه وعلى سيده وقال: «أعطِهم عنّي وعنك» وهكذا كان. وكانت الفائدة من هذه المعجزة لا المنفعة الشخصية بل المحافظة على صدق بطرس وكرامته وتقديم قدوم النظام الموسوي بتدقيق.

 

تمسك بطرس وإيمانه بالرب يسوع:

حدث مرة أن كان الرب يسوع يعلّم في مجمع كفرناحوم، موضحاً عقيدة سر جسده ودمه الأقدسين ومما قاله للجمع: «الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير» (يو 6: 53، 54) فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا إن هذا الكلام صعب. من يقدر أن يسمعه… من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنت أيضاً تريدون أن تمضوا. فأجابه سمعان بطرس: يا رب إلى أين نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك ونحن قد آمنّا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن اللّـه الحي (يو 6: 60ـ 68).

قال بطرس هذا الكلام بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن سائر الرسل، الذين أحبوا الرب أكثر من كل شيء في العالم، وقد تركوا كل شيء وتبعوه، وقد اختارهم الرب وهو يعرفهم لأنه فاحص القلوب والكلى، ولذلك فيوحنا الإنجيلي وهو يكمّل سرد الحادثة يقول: «أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان. قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي لأن هذا كان مزمعاً أن يسلّمه وهو واحد من الاثني عشر» (لو 6: 70، 71).

ولما ضرب الرب يسوع مثل العبيد الذين ينتظرون رجوع سيدهم من العرس، ليفهم تلاميذه أن مجيئه الثاني سيكون مباغتاً، وأن عليهم أن يكونوا مستعدين لاستقباله لأن ابن الإنسان يأتي في ساعة لا يظنونها (لو 12: 35ـ 40) قال له بطرس يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً (يو 12: 41).

وعلى أثر كلام الرب يسوع عن مغفرة الخطايا، ومنحه سلطان الربط والحلّ لرسله، سأله بطرس عن عدد المرات التي يغفر فيها لمن أخطأ إليه، بقوله: «كم مرة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له، هل إلى سبع مرات؟ قال له يسوع لا أقول إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات» (مت 18: 21، 22).

ولما تكلّم الرب عن صعوبة دخول الغني إلى ملكوت السموات، تكلّم بطرس بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن رفقائه قائلاً للرب يسوع: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا؟ فقال لهم يسوع أقول لكم أنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكل من ترك بيوتاً أو أخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. ولكن الكثيرون أولون يكونون آخرين، وآخرون أولين» (مت 19: 27ـ 30).

اعتراض بطرس على الرب في حادثة غسل أرجل التلاميذ:

كان ذلك ليلة آلام الرب يسوع، وكان يسوع قد اتكأ على مائدة الفصح، كرب العائلة، وحوله تلاميذه يشاركونه أكل الخروف. وقبل أن يمنحهم سر جسده ودمه تحت شكلي الخبز والخمر، نهض يسوع من مكانه، وخلع الرداء المختص به كملعم، واتّزر بمنشفة كعبد، وتناول إبريق الماء والمغسل، وأخذ يغسل أرجل التلاميذ مبتدئاً من الصغير فلما جاء الدور إلى سمعان اعترض على يسوع موجهاً إليه سؤالاً بصورة الاستفهام والتعجب قائلاً: «أأنت يا سيد تغسل لي رجليّ؟ ولم يقنع بكلام الرب بأنه سيفهم فيما بعد سرَّ عمله بل جدد اعتراضه بصورة الجزم قائلاً ليسوع: لن تغسل رجليّ أبداً». وبهذا الكلام يخطئ بطرس سيده من حيث يدري أو لا يدري، ويذمّ عمل رفقائه الذين رضخوا لإرادة الرب فغسل لهم أرجلهم، وأظهرهم بطرس وكأنهم أقل إدراكاً منه. فوبّخه الرب بقوله: «إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب» عند ذلك كما تهوّر في الممانعة زاد فتهّور في عكسها أي في المطالبة بأكثر مما قصد يسوع أن يفعله، لأنه أجاب: «ليس رجليّ فقط بل أيضاً يديّ ورأسي»، وهذا ما ندعوه الكبرياء في ميدان التواضع، ولئن كان فعله قد صدر عن حسن نية فهو يُعّد خطأ أيضاً، ولذلك خطّأه يسوع مبيّناً أن لا حاجة لغسل يديه ورأسه بقوله له: «إن الذي قد اغتسل لا يحتاج إلا إلى غسل الأرجل لأنه كله نقي وأنتم أنقياء ولكن لا جميعكم» (يو 13: 5ـ 10). ذلك أن الرجل المهذب يغتسل قبل ذهابه إلى زيارة أو يلبي دعوة أحد في الاشتراك في وليمة. وهذه السفرة القصيرة لا تغبّر إلا الرجلين فقط فيحتاج المرء إلى غسلهما.

 

قبل السقوط: الكبرياء

على مائدة العشاء الأخير يتكلم الرب بالتفصيل عن آلامه ويصرّح لتلاميذه أنهم سيتركونه ويهربون حالما يلقى القبض عليه. ويردف قائلاً: كلكم تشّكون فيَّ في هذه الليلة لأنه مكتوب إني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل (مت 26: 31). فلم يستطيع بطرس أن يصدّق أنه هو نفسه يكمن أن يعمل عملاً مشيناً كهذا ولذلك قال للرب: «وإن شكّ فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً. قال له يسوع: الحق أقول أنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات. قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك. هكذا قال جميع التلاميذ» (مت 26: 33ـ 35).

إن جواب بطرس للرب يدلّ على بساطة ومحبة في آن واحد. فهو كعادته يتسرّع بالكلام، ولكنه نفي القلب، ودود، ويُلام على كلامه لأنه لم يفهم أن قول الرب لتلاميذه عن شكوكهم وهروبهم هو نبوة لا بدّ أن تتمّ. وقد شكّ بطرس بصدق هذه النبوة وكذّبها من حيث يدري أو لا يدري. كما أظهر غروراً وكبرياء كأنه أفضل من رفقائه فهم قد يتركون سيدهم ويهربون، أما هو فيحسب نفسه أكثرهم جميعاً محبة للرب وتمسكاً به.

ثم خرج الرب مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون على جبل الزيتون حيث كان بستان جثسيماني فدخله وتلاميذه (يو 18: 1). «ولما صار إلى المكان قال لهم صلّوا لكي لا تدخلوا في التجربة» (لو 22: 40) واختص بطرس ويعقوب ويوحنا ليشاهدوه وهو يتألّم، ويسمعوه وهو يتكلم، ويشهدوا لتسليمه إرادته بيد أبيه، وقبوله باختياره شرب كأس الموت نيابة عن البشرية. ومما يلاحظ أن يسوع ترك هؤلاء التلاميذ الثلاثة وذهب ليصلّي للأب السماوي. ولما عاد إليهم وجد بطرس والذين معه نيّاماً. فقال لبطرس: «أهكذا ما قدرتم أن تسهروا ساعة واحدة. اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في التجربة. أما الروح فنشيط وأم الجسد فضعيف.» (مت 26: 40، 41).

ولما جاء يهوذا وهو يقود الجند الموضوعين تحت أمرة رؤساء اليهود ومعهم خدام من عند رؤساء الكهنة والكتبة والفرّيسيين وشيوخ الشعب حتى أصبحوا جمعاً غفيراً يحملون مشاعل ومصابيح وسلاحاً جاؤوا جميعاً للقبض على يسوع. وفكّر بطرس أنه ينبغي أن يدافع عن سيده فاستل السيف الذي معه وضرب عبد رئيس الكهنة المسمّى ملخس على رأسه بقصد قتله ولكنه لم يصب إلا أذنه اليمنى فقطعها، فأظهر يسوع أولاً استياءه من فعل تلميذه الغيور وأمره أن يرد سيفه إلى غمده وذكره بالحكمة القديمة القائلة: «إن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون»، أي أن الانتقام يولد الانتقام. ثم سأله إن كان لا يعلم أن سيده لا يحتاج إلى من ينصره من البشر فهو لا ينتظر من رسله أن يعينوه بالقوة، فلو شاء التخلص من أعدائه لما كان عليه إلا أن يطلب من أبيه فيرسل له أكثر من أثني عشر جيشاً من الملائكة. أو لا يعلم تلميذه حتى الآن أن هذا القبض على سيده ينبغي أن يكون لكي تكمل الكتب، وان سيده لهذا أتى إلى العالم ليفتدي العالم بموته وقيامته.

ومدَّ يسوع يده وأبرأ ملخس معيداً أذنه إلى مكانها، ليعلمنا محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين، وكانت تلك الأعجوبة خاتمة معجزاته قبل الصلب.

 

بطرس ينكر سيده:

وألقى الجند القبض على الرب يسوع ليلاً، وحينئذ تركه تلاميذه كلهم وهربوا، أما بطرس فتبعه من بعيد، وعندما أتوا بيسوع إلى دار رئيس الكهنة، وحكم عليه بالموت، بعد أن أهانه رؤساء الكهنة والكتبة والفرّيسيون، واستهزؤوا به وضربوه ضربات موجعة، «أما بطرس فكان جالساً، خارجاً في الدار، فجاءت اليه جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي، فأنكر قدّام الجميع قائلاً: لست أدري ما تقولين. ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضاً بقسم: إني لست أعرف الرجل. وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: حقاً أنت أيضاً منهم فإن لغتك تظهرك. فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف إني لست أعرف الرجل ( متى 26: 72) وللوقت صاح ديك. فالتفت يسوع ونظر إلى بطرس فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له: إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. فخرج إلى خارج وبكى بكاءً مراً» (مت 26: 69ـ75) وصار بطرس بذلك أول التائبين من أتباع الرب يسوع ومثالاً للخطاة النادمين على خطاياهم العائدين إلى اللّـه بتوبة واسعة. وهكذا ذهب الرب يسوع وحده إلى الصليب ومات كفّارة عن خطايا العالم وفدى العالم بموته.

 

بطرس يؤمن بقيامة الرب:

ولما قام الرب يسوع من الأموات في اليوم الثالث، وأخبرت النسوة بطرس بذلك، ذهب بطرس ويوحنا إلى القبر ليتأكدا من حقيقة القيامة. وسبق يوحنا بطرس إلى القبر، ولكنه لم يدخله لرهبة الموقف، ولإحترامه بطرس الذي كان أكبر منه سناً، وجاء بطرس ودخل القبر أولاً، ثم تبعه فوجدا القبر فارغاً من جسد الرب، ووجدا الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأس الرب ملفوفاً وموضوعاً وحده، دلالة على أن الذي جرى في القبر كان بكل تأنٍّ ونظام وأن الرب حقاً قد قام، وان جسده لم يؤخذ لا من أصدقاء ولا من أعداء. فلو سرق لسرق مع الأكفان، وحتى لو تركت الأكفان، وليس حلها هيّناً، لما وضعت بالترتيب بحيث أنها كانت موضوعة وكأن الشخص باق في داخلها. فإن الرب لما قام خرج من أكفانه وهي باقية مرتبة منظمة، فرأى سمعان بطرس ذلك وآمن بأن يسوع قام من الأموات وأنه حي لا محالة وأنه هو المسيح ابن اللّـه الحي، وزالت شكوك بطرس التي ساورته لما شاهد الرب يُلقى عليه القبض ويتألم ويموت، وإن سمعان بطرس أول من آمن من الناس بقيامة الرب يسوع من الأموات.

قبول الرب العلني لبطرس التائب:

في ليلة ألامه اتكأ الرب مع الاثني عشر رسولاً على مائدة العشاء الأخير، وأكل معهم الفصح بحسب العهد القديم، وسلمهم سر القربان المقدس، وتنبأ عن يهوذا الذي يسلمه إلى يد أعدائه، وأعطاه الويل. ويذكر البشير لوقا المشاجرة التي جرت بين الرسل عمن هو الأعظم بينهم فقال لهم يسوع موبّخاً: «ملوك الأمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يدعون محسنين، وأما أنتم فليس هكذا، بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر والمتقدم كالخادم، لأن من هو أكبر الذي يتكئ أم الذي يخدم؟ أليس الذي يتكئ، ولكني أنا بينكم كالذي يخدم» (لو 22: 24ـ 27). وبهذا يضع السيد المسيح نفسه مثالاً لرسله في كيفية إدارة الكنيسة فقد قال سابقاً: «إن ابن الإنسان لم يأت ليُخْدَم بل ليَخدُم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مت 20: 28) وكان الأوان قد آن لذلك البذل والتضحية وقبل أن يكمله عملياً، برهن لهم عن صدق كلامه أنه جاء ليَخدُم لا ليُخْدَم فغسل أرجلهم، وأوصاهم بالتواضع والآن وهو يراهم ويسمعهم يتشاجرون فيمن هو الأكبر بينهم، يضع لهم القاعدة الذهبية لإدارة الكنيسة، وهو يود أن يُفهم تلاميذه أن الرئاسة في الكنيسة هي الخدمة لا السلطة، مع سمو الموهبة التي ينالها الإنسان من السماء بنيله رتبة الرسولية لذلك يقول لهم: «أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي. وأنا أجعل لكم كما جَعَل لي أبي ملكوتاً. لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي. وتجلسوا على كراسيَّ تدينون أسباط بني إسرائيل الاثني عشر» (لو 22: 28ـ 30).

وفي تلك المناسبة التاريخية المقدسة، يتنبأ الرب يسوع عن سقوط تلاميذه في التجربة الكبرى، بتركهم إياه وهروبهم أثناء آلامه وصلبه وموته. ويذكر سمعان بطرس خاصة إنكاره المشين لسيده وهو ينذره ويحذره وفي الوقت نفسه ينبئنا عن توبته وعودته إليه فيحمله مسؤولية تثبيت التلاميذ وبهذا الصدد يقول الرب لبطرس: «سمعان، سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك وأنت متى رجعت ثبِّت أخوتك»
( لو 22: 31 ـ 32).

ما أعظم النعمة التي نالها سمعان بطرس إذ صلّى الرب لأجله ليجتاز التجربة القاسية بل المحنة الصعبة التي صادفته في حياته ويتخلص من الشيطان اللعين الذي طلبه ورفقاءه ليغربلهم كما طلب في الماضي أيوب الصديق، ولما سمح له اللّـه أن يجربه قسا إبليس جداً عليه وعذبه بشتى التجارب، التي تحمّلها أيوب بصبر جميل فصار مثال الصابرين الصالحين المنتصرين على إبليس بتمسكهم باللّـه واتكالهم عليه تعالى. وهكذا انتصر سمعان على الشيطان بقوة صلاة الرب يسوع لأجله. وهنا نلاحظ الفرق بين يهوذا الإسخريوطي الخائن الذي تنبأ عنه الرب بأنه يسلمه إلى يد أعدائه، ولعنه بقوله: «ابن الإنسان ماضٍ كما هو محتوم ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه» (لوقا 22: 22). فيهوذا بعد سقوطه الهائل لم يعد إلى رفقائه الرسل مع كونه ندم كل الندم على ما فعل، ولكنه بقي خاضعاً لإبليس فسيطر اليأس على قلبه ولم يذكر رحمة اللّـه بالخطاة، ودعوة المسيح إياهم ليأتوا إليه، فذهب وشنق نفسه.

أما سمعان فقد أحاطته العناية الربانية وصانته، فانسحق قلبه ندامة على نكرانه سيده وبكى بكاءً مراً ولكنه لم يسمح لليأس أن يستولي عليه، ولم يترك رفقاءه محبي الرب بل رأيناه ملتصقاً بهم وخاصة بيوحنا الأقرب إليه فيهم فلم يفن إيمانه استجابة لطلبة الرب لأجله والتي كانت نتيجة لمعرفة الرب ببساطة قلبه وطهره فما صدر منه كان إذن لضعفه البشري وإذ عاد إلى الرب نادماً غفرت له خطيته، وليس هذا فقط بل أعلن قبوله أمام رفقائه راعياً لهم ولخراف الكنيسة ونعاجها كما سنرى فيما يأتي.

كان الرب يسوع بعد قيامته، قد ظهر لبطرس ولسائر التلاميذ مرات عديدة في أماكن شتى، وأزمنة مختلفة، وبأشكال متنوعة، فبعد قيامته لم يكن يظهر نفسه إلا لمن يشاء ومتى شاء أي في الزمن الذي يريده وبالهيئة الجسدية التي يختارها ولذلك يصف الإنجيل ظهوره بقوله: «أظهر نفسه» ( يو 21: 1) وقد أظهر نفسه في إحدى المرات كالآتي: كان بطرس قد قاد رفقاءه إلى بحيرة طبرية في الجليل بقوله لهم: «أنا ذاهب لأتصيد» فأجابوه: «نذهب بحب أيضاً معك». وذهبوا لم يصطادوا شيئاً طيلة الليل، وفي الفجر سحبوا الشباك إلى السفينة توجهوا نحو البر، فبينما هم على بعد نحو مئتي ذراع عن البّر جاءهم صوت من شخص غريب كان واقفاً على الشاطئ يناديهم: «يا غلمان ألعلَّ عندكم إداماً؟» لما أجابوه: لا، قال لهم أن يلقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فيجدوا، ففعلوا. فامتلأت الشبكة سمكاً حتى أنهم لم يعودوا يقدرون أن يجذبوها. فقال يوحنا لبطرس: «هو الرب». كانوا سابقاً يدعون الرب يسوع «المعلم» ولكن بعد قيامته من الأموات وبتأثير هذه القيامة على نفوسهم صار اسمه لديهم «الرب». ونتيجة لهذه المعجزة نرى يوحنا الذكي يكتشف أن الشخص الذي كان على الشاطئ هو الرب ذلك أن يسوع قبل ثلاث سنين وفي هذه البحيرة بالذات كان قد اجترح معجزة مماثلة لهذه المعجزة وعلى أثرها دعا سمعان بطرس وأندراوس أخاه ويوحنا ويعقوب ابني زبدي ليكونوا تلاميذه وليجعلهم صيادي الناس، وبالمعجزة برهن لهم أنه سيكون معهم وهو الذي يدلهم فسيصطادون الكثيرين من الناس. وبإعطائهم إياه وبتعاونهم بعضهم مع بعض سيربحون النفوس الكثيرة.

صدّق بطرس حالاً قول يوحنا رفيقه، فأتزر بثوبه وألقى بنفسه في البحر ليأتي يسوع لمحبته له ولشوقه الشديد إليه. وكعادته بتسرّعه قد يكون أخطأ في تركه السفينة، وعدم تعاونه مع رفقائه بسحب الشبكة الملأى سمكاً إلى السفينة، فالمسيح هداهم إلى السمك ليجمعوه لا ليتركوه. فبعدما جرّ رفقاؤه الشبكة مسافة المئتي ذراع، وداست أقدامهم الشاطئ تركوا الشبكة الملأى في البحر ليقدموا واجباتهم إلى سيدهم. فنظروا عند ذلك «جمراً موضوعاً وسمكاً موضوعاً عليه وخبزاً». فأمرهم الرب أن يقدموا من السمك الذي في الشبكة، فأنتبه بطرس لغلطه وأسرع كعادته للعمل وجذب الشبكة إلى الأرض ولما أحصي السمك وجد عدد مئة وثلاثة وخمسين سمكاً كبيراً. فاندهشوا وعلموا أن الرب عندما سألهم ألعل عندكم إداماً؟ لم يكن لحاجة له، إنما ليعرفهم بنفسه وباهتمامه بمصالحهم الزمنية، خاصة وقد رأوا جمراً موضوعاً وسمكاً موضوعاً عليه وخبزاً، وكانت سلامة الشبكة من التمزيق على الرغم من كثرة السمك التي فيها معجزة ثانية.

علم يسوع أنهم قد تعبوا طوال الليل، فبحكمته أهتمّ أولاً بحاجاتهم الزمنية، فقال لهم: «هلمّوا تغدّوا» وأخذ الخبز وأعطاهم وكذلك السمك.

 

بطرس الراعي:

وبعدما تغدّوا أعار الرب يسوع بطرس التفاتاً خصوصياً ليعلن توبته على أثر انسحاق قلبه وندامته الصادقة على الخطية الكبرى التي اقترفها بنكرانه سيده. وأنه لم يغفر له وحسب بل قبله في مركزه الرسولي رفع رتبته من صيد النفوس إلى رعايتها وأوكله على أخوته «فبعدما تغدّوا قال يسوع لسمعان بطرس:يا سمعان بن يونا أتحِبُني أكثر من هؤلاء؟ قال له نعم يا رب أنت تعلم أني أحبك. قال له إرعَ غنمي. قال له ثالثة يا سمعان بن يونا أتحبني، فقال له : يا رب أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف إني أحبك. قال له يسوع: إرعَ غنمي الحق الحق أقول لك لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شختَ فإنك تمد يديك وآخر يُمنطقك ويحملك حيث لا تشاء. قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يمجد اللّـه بها. ولما قال هذا قال أتبعني» (يو 21: 15ـ19). فتبع بطرس الرب يسوع كتلميذ مقتدياً بمعلمه بالتضحية ونكران الذات في سبيل خلاص النفوس. «والتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يحبه يتبعه وهو أيضاً الذي اتكأ على صدره وقت العشاء وقال يا سيد من هو الذي يسلمك. فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع : يا رب وهذا ماله؟ قال له يسوع: إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك؟ اتبعني أنت»
(يو 21: 20ـ22).

على شاطئ بحيرة طبرية تسلم سمعان بطرس مهام وظيفته لأول مرة وهو يصطاد سمكاً (لو 5: 10) وعلى شاطئ هذه البحيرة ذاتها استردّ سمعان بطرس مقاليد وظيفته وهو يتصيد أيضاً (يو 21: 15ـ 19). ولكن لا ليكون صياد الناس فحسب، بل راعي النفوس أيضاً.

تعد صفة الرعاية من الصفات السامية والأسماء السنية التي في الكتاب المقدس على الذات الإلهية. فداود النبي الراعي دعا اللّـه تعالى راعياً، ليعبر بهذه الصفة عن عناية اللّـه به بقوله: «الرب راعيّ فلا يعوزني شيء» (مز 23) والنبي حزقيال يقول على لسان الرب: «أنا أرعى غنمي وأنا أربضها يقول السيد الرب، وأقوي الضعيفة، وأحفظ السمينة والقوية وأرعاها بعدل» (حز 34: 15ـ16). وقد تنبأ أشعيا النبي عن الرب يسوع بقوله: «هوذا السيد الرب بقوة يأتي وذراعه تحكم له… كراع يرعى قطيعه، بذراعه يجمع الحملان، وفي حضنه يحملها، ويقود المرضعات» (أش 40: 9ـ11).

وأعلن الرب يسوع نفسه راعياً صالحاً بقوله: «أنا هو الراعي الصالح، وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني، كما أن الأب يعرفني وأنا أعرف الأب. وأنا أضع نفسي عن الخراف» (يو 10: 14ـ 15). وقال لجماعة المؤمنين به: «لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم سر أن يعطيكم الملكوت» (لو 12: 32) فالمسيح راعي الخراف، والمؤمنون به قطيعه ولذلك فالرسول بطرس يقول للمؤمنين: «لأنكم كنتم كخراف ضالة لكنكم رجعتم إلى راعي نفوسكم وأسقفها» ( 1بط 2: 25) فالمسيح هو صاحب الخراف وهو راعيها، وهو وحده له الحق بإقامة رعاة لرعاية رعيته المباركة المفتداة بدمه الأقدس. وقد أقام بطرس راعياً للخراف والكباش والنعاج.

قال العلامة مار غريغوريوس  يوحنا ابن العبري (ت1286) في كتاب كنز الأسرار: «وأشار (الرب) بالخراف إلى الصبيان وبالكباش والنعاج إلى الرجال والنساء. وبهذا السؤال والاعتراف الثلاثي شفى جحود بطرس الثلاثي».

أما العلامة مار موسى ابن كيفا (ت 903) في تفسيره قول الرب لسمعان بطرس: «ارعَ خرافي» (يو 21: 15ـ19) فيقول[14]: «أما الخراف فهم رعاة البيعة ومدبروها، وأما الكباش فهم الرجال المؤمنون، والنعاج النساء بنات حوّاء الضعيفات، ثم أراد بالخراف أيضاً التلاميذ الاثنين والسبعين والكهنة ومعلمي الكنيسة ورؤساءها الذين يرشدون أغنام المسيح (إلى سبل الهدى)، وأراد من المؤمنين القديسين كافة»، ويتابع ابن كيفا كلامه قائلاً: «إن المرتسم بطريركاً… يمسك بيده «عكازة» ويقال له ما قاله الرب لبطرس فقط «ثبِّت أخوتك»
(لو 22: 32).

ولم يأخذ البطريرك هذا الامتياز في الرئاسة والرسامة أو حفل التنصيب ـ إن كان مرسوماً أسقفاً ـ إلا لكونه خليفة الرسول بطرس هامة الرسل ورئيسهم.

وينجلي رأي الكنيسة السريانية بحقيقة رئاسة مار بطرس الرسول لسائر الرسل رفقائه من الطقس الكنسي فقد جاء في صلاة ليلة الاثنين[15] ما يأتي:

ܡܽܘ̣ܫܶܐ ܪܺܝܫܳܐ ܕ݂ܥܰܬ݁ܺܝܩܬ݁ܳܐ ܘܫܶܡܥܽܘ̇ܢ ܕ݁ܰܚܕ݂ܰܬ݁ܳܐ. ܬ݁ܪ̈ܰܝܗܽܘ̇ܢ ܕ݁ܳܡܶܝܢ ܠܰܚܕ݂ܳܕ݂̈ܶܐ ܘܰܐܠܳܗܳܐ ܒ݂ܗܽܘ̇ܢ ܫܪܶܐ. ܡܽܘ̣ܫܶܐ ܐܰܚܶܬ݂ ܠܽܘ̣̈ܚܶܐ ܕ݂ܢܳܡܽܘ̇ܣܳܐ. ܘܫܶܡܥܽܘ̇ܢ ܩܰܒ݁ܶܠ ܩܠܺܝ̣ܕ݂̈ܶܐ ܕ݂ܡܰܠܟ݁ܽܘ̣ܬ݂ܳܐ. ܡܽܘ̣ܫܶܐ ܒ݂ܢܳܐ ܡܰܫܟ݁ܰܢ ܙܰܒ݂ܢܳܐ ܘܫܶܡܥܽܘ̇ܢ ܥܺܕ̱݁ܬ݁ܳܐ ܒ݂ܢܳܐ. ܡܶܢ ܥܰܬ݁ܺܝ̣ܩܬ݁ܳܐ ܘܰܚܕ݂ܰܬ݁ܳܐ ܠܳܟ݂ ܫܽܘ̣ܒ݂ܚܳܐ ܡܳܪܝܳܐ ܗ̄ ܨܠܽܘ̇ܬ݂ܗܽܘ̇ܢ ܬ݁ܥܰܕ݁ܰܪ ܠܰܢ ܀

وتعريب ذلك : إن موسى هو رئيس العهد القديم، أما سمعان فهو رئيس العهد الجديد ويشبه أحدهما الآخر، وقد حلَّ  اللّـه فيهما.

فموسى أنزل لوحي الناموس، وسمعان تسلم مفاتيح الملكوت. موسى بنى قبة العهد، وسمعان بنى الكنيسة، (يرفع) إليك المجد يا رب من (الكنيستين) القديمة والجديدة هللويا لتعضدنا صلاة ( موسى وسمعان).

وجاء في صلاة يوم الاثنين[16] ما يأتي:

ܫܡܥܘܢ ܪܝܫܐ ܕܫܠ̈ܝܚܐ ܘܦܘܠܘܣ ܓܒܝܐ. ܝܘܚܢܢ ܕܐܥܡܕ ܡܪܗ ܗܘܘ ܒܥܝ̈ܐ ܚܠܦ ܥܢ̈ܐ ܗܝ ܕܪܥܝܬܘܢ. ܥܠ ܡܪ̈ܓܐ ܕܗܝܡܢܘܬܐ ܘܕܒܪܘܢܗ̇܀

وتعريب ذلك: أيا سمعان رئيس الرسل، وبولس المختار ويوحنا الذي عمّد سيده، صلوا لأجل الخراف التي رعيتموها في مروج الإيمان هللويا فأرشدوها ودبروها. ويطلق الطقس الكنسي على الرسولين مار بطرس ومار بولس صفة هامتي الرسل، أو رئيسيهما، ويكرر هذا خاصة في طقس عيد استشهادهما الواقع في 29 حزيران من كل عام. وفي الشملاية أو الدبختا) الرابعة في خدمة القداس الإلهي حيث يقول الشماس:

ܘܠܪܝܫܝ ܫܠ̈ܝܚܐ ܡܪܝ̱ ܦܛܪܘܣ ܘܡܪܝ̱ ܦܘܠܘܣ.

وتعريب ذلك: (ونذكر) رئيسي الرسل الساميين مار بطرس ومار بولس.

إن مفهوم الرئاسة في الكنيسة هو خدمة المؤمنين ويتضح ذلك من وصية الرب القائل: «من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً» (مت 20: 26و 23: 11ومر 9: 53). ونلمس من سفر أعمال الرسل تعاون الرسل جميعاً في إدارة الكنيسة، كما يتبين من حادثة انتخاب متياس (أع 1) ليأخذ مكان يهوذا الخائن الذي شنق نفسه. وفي اختيار الشمامسة السبعة ( أع 6) وفي مجمع أورشليم عام 51 (أع 15) وفي إرسال بعضهم بعضاً للخدمة في أماكن عديدة كما أرسل بطرس ويوحنا إلى السامرة ليمنحا الروح القدس للمهتدين من أهلها إلى المسيحية الذين عمّدهم الشماس فيلبس.

وإن الرسول بولس يشرك الرسولين يعقوب ويوحنا مع الرسول بطرس في زعامة الرسل بقوله: «فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان» (غل 2: 9)، ويقول الرسول بولس أيضاً: «فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان، عمل فيَّ أيضاً للأمم» (غل 2: 8). إن ذلك جرى لتنسيق العمل التبشيري. ويتكلم بولس عن تحزب بعضهم له أو لأبولس أو للصفا(1كو 1: 12) وكيف أنه أي بولس قاوم بطرس مواجهة لأنه كان ملوماً (غل 2: 11).

كل هذه الأمور لا تقلل من مكانة بطرس في الكنيسة فبطرس نفسه لم يدع أنه يملك الكنيسة بل كان يتعاون مع رفقائه وهو يقول عن نفسه: «إنه الشيخ» أي القسيس (الكاهن) نظير بقية الشيوخ. ويوصي الشيوخ بقوله: «ارعوا رعية اللّـه التي بينكم نظاراً لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا لربح قبيح بل بنشاط، ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى» (1بط 5: 2ـ4). وقال الرسول بولس لقسوس أفسس: «احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة اللّـه التي اقتناها بدمه» (أف 20: 28).

فاللّـه يدعو الإنسان بعد أن يختاره لخدمة رعيته ويعطيه هذه الوظيفة كقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من اللّـه كما هرون أيضاً» (عب 5: 4)، هؤلاء المدعوون من اللّـه ليسوا متساوين بالسلطة ولا بالرتبة الكهنوتية بل لأجل حفظ النظام في الكنيسة لا بدَّ من أن يكون رئيس ومرؤوس وبهذا الصدد قال مار أفرام السرياني(ت 373) في القديس بطرس:

ܛܘܒܝܟ ܕܓܒܟ ܒܪ ܐܠܗܐ ܘܠܬܠܡܝܕ̈ܘܗܝ ܪܝܫܐ ܥܒܕܟ.

ܛܘܒܝܟ ܕܐܢܬ ܗ̱ܘ ܗܘܝܬ ܐܝܟ ܪܝܫܐ ܘܐܝܟ ܠܫܢܐ ܠܓܘܫܡܐ ܕܐܚܝ̈ܟ[17].

وتعريب ذلك: طوباك يا بطرس لأن ابن اللّـه اصطفاك فنصبك رئيساً لتلاميذه.

طوباك فقد صرت رئيساً لجماعة أخوتك، ولساناً (ناطقاً باسمهم).

وجاء في كتاب الرسامات الكهنوتية وخدمة الأسرار المختصة بالأحبار ضمن الصلوات التي تتلى في أثناء رسامة الأسقف ما يأتي:

ܐܶܡܰܪ ܠܶܗ ܪܰܒ ܪ̈ܳܥܰܘܳܬܳܐ ܠܫܶܡܥܽܘܢ ܪܺܝܫܳܐ ܕܰܫܠ̈ܺܝܚܶܐ. ܚܙܺܝ ܫܶܡܥܽܘܢ ܡܳܢܳܐ ܥܳܒܶܕ ܐܰܢ̱ܬ ܠܓܽܘܥܠܳܢܳܐ ܕܝܶܗܒܶܬ̥ ܒܐܝܕ̈ܰܝܟ ܒܥܺܝܪܽܘܬ̥ܳܐ ܛܰܪ ܡܰܪܥܺܝܬ̥ܳܟ ܡܶܢ ܣܽܘܓܦܳܢ̈ܶܐ ܘܚܺܪ̈ܝܳܢܶܐ. ܕܚܽܘܫܒܳܢܳܐ ܐܺܝܬ̥ ܠܳܟ ܕܬܶܬܶܠ ܩܕܳܡ ܕܰܝܳܢܳܐ ܕܟܺܐܢܽܘܬ̥ܳܐ ܕܠܰܝܬ ܒܕܺܝܢܶܗ ܡܰܣܰܒ ܒܰܐܦ̈ܶܐ܀

ܟܰܕ ܡܰܟܪܳܗ̇ ܚܰܬܢܳܐ ܫܡܰܝܳܢܳܐ ܠܥܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ ܡܗܰܝܡܰܢܬܳܐ. ܩܪܳܐ ܠܫܶܡܥܽܘܢ ܘܰܩܪܳܐ ܠܝܽܘܚܰܢܳܢ ܘܦܰܩܶܕ ܐܶܢܽܘܢ ܫܰܘܝܳܐܺܝܬ. ܠܫܶܡܥܽܘܢ ܥܰܒܕܶܗ ܪܰܒ ܒܰܝܬܳܐ. ܘܰܠܝܽܘܚܰܢܳܢ ܟܳܪܽܘܙܳܐ. ܩܪܳܐ ܐܶܢܽܘܢ ܘܦܰܩܶܕ ܐܶܢܽܘܢ ܕܰܙܗܺܝܪܳܐܺܝܬ ܢܰܛܰܪܽܘܢܳܗ̇ ܠܥܺܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ ܡܗܰܝܡܰܢܬܐ܀

ܟܰܕ ܩܰܒܶܠ ܫܶܡܥܽܘܢ ܒܰܪ ܝܰܘܢܳܐ ܩܠܺܝܕ̈ܶܐ ܕܪܰܘܡܳܐ ܘܰܕܥܽܘܡܩܳܐ. ܐܶܡܰܪ ܠܶܗ ܪܰܒ ܪ̈ܳܥܰܘܳܬܳܐ ܚܙܺܝ ܫܶܡܥܽܘܢ ܡܽܘܢ ܥܳܒܶܕ ܐܰܢ̱ܬ. ܝܗܺܝܒܳܐ ܠܳܟ ܡܰܪܥܺܝܬܳܐ. ܪܰܒ ܠܺܝ ܐܶܡܪ̈ܰܝ ܘܰܢܩܰܘ̈ܳܬܝ. ܕܚܽܘܫܒܳܢܳܐ ܐܺܝܬ ܠܳܟ ܕܬܶܬܶܠ ܩܕܳܡ ܒܐܡܰܐ ܕܰܐܳܠܗܽܘܬܳܐ ܕܠܰܝܬ ܩܕܳܘܡܝܗ̇ ܡܰܣܰܒ ܒܰܐܦ̈ܶܐ܀

وتعريب ذلك:

قال عظيم الرعاة ( الرب يسوع) لسمعان رئيس الرسل، احترز يا سمعان بالأمانة التي أودعتها في يديك فارعَ رعيتك متيقظا وصنها من الآفات والهرطقات، فإنك ستحاسب عنها أمام الحاكم العادل الذي لا محاباة في حكمه.

لما خطب الختن البيعة الأمينة والمقدسة، دعا سمعان، ودعا يوحنا، وأمرهما معاً، فأقام سمعان وكيلاً، ويوحنا كارزاً، وأمرهما أن يصونا الكنيسة المقدسة الأمينة ساهرين على خدمتها بانتباه.

لما تسلم سمعان ابن يونا مفاتيح العلاء والعمق قال له عظيم الرعاة احذر يا سمعان منتبهاً فيما تفعله فقد وهبتك الرعية فارعَ خرافي ونعاجي، وسوف تعطي حساباً أمام المنبر الإلهي بدون محاباة.

قال ابن العبري العلامة الشهير ( ت 1286) ما نصه:[18]

ܒܳܬܰܪ ܪ̈ܺܝܫܰܝ ܟܳܗܢ̈ܶܐ ܕܕܝܰܬܺܝܩܝ ܥܰܬܺܝܩܬܳܐ ܦܶܛܪܽܘܣ ܪܺܝܫ ܟܳܗܢ̈ܶܐ ܕܕܝܰܬܺܝܩܺܝ ܚܕܰܬܳܐ܀

وتعريب ذلك: «بعد رؤساء كهنة العهد القديم( قام) بطرس رئيس كهنة العهد الجديد».

 

انتخاب متيَّاس رسولاً:

بعد صعود الرب يسوع إلى السماء اهتَّم بطرس مع رفقائه بانتخاب متياس رسولاً بدلاً من يهوذا الخائن، لاعتقادهم أنه لا بدّ من أن يكملوا عدد الرسل الاثني عشر الذين كان الرب يسوع قد وعدهم بالجلوس على اثني عشر كرسياً ليدينوا الأسباط الاثني عشر وبهذا الصدد يكتب لوقا في سفر أعمال الرسل ما يأتي: «وفي تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين، فقال: أيها الرجال الأخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع. إذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة. فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه أنشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها. وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما أي حقل دَم. لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته أخر. فينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج. منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحدٌ منهم شاهداً معنا بقيامته.  فأقاموا اثنين يوسف الذي يدعى بارسابا الملقب يوستس ومتياس. وصلوا قائلين أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أياً اخترته. ليأخذ قرعة هذه الخدمة والرسالة التي تعدَّاها يهوذا ليذهب إلى مكانه. ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة على متياس فحسب مع الإحدى عشر رسولاً (أع 1: 15ـ26).

 

بطرس الواعظ الناجح:

كان الرب يسوع قبيل صعوده إلى السماء قد أمر تلاميذه ألا يغادروا المدينة المقدسة حتى يأخذوا قوة من العلاء. فكانوا مجتمعين في العلية نحو مئة وعشرين نفساً، مواظبين على الصلاة والطلبة بنفس واحدة، فحلَّ الروح القدس في يوم الخمسين أي بعد عشرة أيام من صعود الرب يسوع إلى السماء.

ومما كان الرب قد قاله قبل صعوده إلى السماء «لأن يوحنا عمَّد بالماء وأما أنتم فستتعمّدون بالروح القدس… وستنالون قوة متى حلَّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً… وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض…» (أع 1: 5ـ8).

وعلى أثر حلول الروح القدس على التلاميذ اجتمع جمهور من اليهود من الأتقياء من سكان المدينة المقدسة والقادمين إليها من كل أمة تحت السماء وسمع كل واحد منهم التلاميذ يتكلمون بلغته فبهتوا وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين، فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها… ما عسى أن يكون هذا… وكان آخرون يستهزئون قائلين: «أنهم قد امتلأوا سلافة» (أع 2: 1ـ13).

فوقف بطرس وبإلهام الروح القدس ألقى عظته الشهيرة التي برهن بها على أن التلاميذ ليسوا سكارى، واقتبس من أسفار العهد القديم كما فعل بكل عظاته بعدئذ (أع 1: 14 و15) وذكر الجمهور هنا بإتمام نبؤة يوئيل النبي القائل: «يقول اللّـه ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً وعلى عبيدي أيضاً وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون.. ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص» (أع 2: 17ـ18). أما عن السيد المسيح فيقول بطرس لليهود: «يسوع الناصريُّ رجلٌ قد تبرهن لكم من قِبَلِ اللّـه بقوات وعجائب وآيات صنعها اللّـه بيده في وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون. هذا أخذتموه مسلّماً بمشورة اللّـه المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه الذي أقامه اللّـه ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه» (أع 2: 22 و24) ويشهد بطرس بقول النبي داود القائل على لسان الرب: «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فساداً» (مز 16: 10) ( أع 2: 27).

وكان لعظة بطرس تأثير بالغ في سامعيه حتى أنهم نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة: فقال لهم بطرس: «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس، لأن الموعد هو لكم ولأولادكم، فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة ألاف نفس» (أع 2: 37ـ42).

وهكذا فتح بطرس باب الإيمان لليهود.

 

أعجوبة شفاء الأعرج:

بعد حادثة حلول الروح القدس بخمسة أيام صعد بطرس ويوحنا إلى الهيكل في صلاة الساعة التاسعة أي في الساعة الثالثة بعد الظهر بحسب توقيتنا في هذه الأيام. وعند باب الهيكل الذي يُدعى الجميل، وجدا رجلاً أعرج من بطن أمه، فتطلع إليهما وطلب منهما صدقة، فتفرسا فيه وقالا انظر إلينا. فلاحظهما منتظراً منهما شيئاً. فقال بطرس: «ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك. باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش. وامسكه بيده اليمنى وأقامه ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه. فوثب ووقف وصار يمشي ودخل معهما إلى الهيكل وهو يمشي ويطفر وبسبح اللـه» (أع 3: 1ـ 10) وكان الشعب يعرفه جيداً فمجدوا اللـه، وتراكضوا إليه وهم مندهشون. ونظروا إلى بطرس وسونا بخشوع لأنهما يملكان قوة خارقة فخاطبهم بطرس قائلاً: «ما بالكم تتعجبون من هذا ولماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا جعلنا هذا يمشي»
( أع 3: 12).

ثم بشرهم بالمسيح يسوع بقوله: «إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي اسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجلٌ قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه اللّـه من الأموات ونحن شهود لذلك… وبالإيمان الذي بواسطته أعطاه هذه الصحة أمام جميعكم» (أع 3: 1ـ 16). ثم دعاهم إلى التوبة والإيمان بالمسيح فآمن نحو ألفي رجلٍ وصار عدد الرجال الذين سمعوا الكلمة وأمنوا نحو خمسة آلاف (أع 4: 4).

ولطمس خبر الأعجوبة ألقي القبض على بطرس ويوحنا من قبل رؤساء الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيين، وفي اليوم التالي أنعقد مجلس السنهدريم لمحاكمتهما ووجه إليهما السؤال الأتي: «بأية قوة وبأي اسم صنعتما أنتما هذا؟» (أع 4: 7).

إن اسم اللّـه هو سر قوته تعالى فالسؤال يعني ما مصدر هذه القوة الفائقة للطبيعة. حينئذ امتلأ بطرس من ا لروح القدس ووقف وألقى خطاباً دافع فيه عن أمرهما، ودعاهم إلى الإيمان بالمسيح يسوع ومما قاله لهم: «أنه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم الذي أقامه اللّـه من الأموات، بذاك وقف هذا أمامكم هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية. وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس أسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أع 4: 5ـ12). وأرتبك أعضاء المجلس وكان بينهم من هو متعاطف مع تلامذة الرب فأخرجوا بطرس ويوحنا خارجاً وتآمروا فيما بينهم قائلين ماذا نفعل بهذين الرجلين لأنه ظاهر للجميع أن آية معلومة قد جرت بأيديهما ولا نقدر أن ننكر. ولكن لئلا تشيع أكثر في الشعب لنهددهما تهديداً أن لا يكلما أحداً من الناس فيما بعد بهذا الاسم. فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلِّما باسم يسوع. فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا: إن كان حقاً أمام اللّـه أن نسمع لكم أكثر من اللّـه فأحكموا. لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا. وبعدما هددوهما أيضاً أطلقوهما إذ لم يجدوا البتة كيف يعاقبونهما بسبب الشعب لأن الجميع كانوا يمجدون اللّـه على ما جرى» (أع 4: 15ـ 21).

 

بطرس يحارب المراءاة في الكنيسة:

عاش المؤمنون بالمسيح في شركة تامة ولم يكن بينهم معوز أو فقير، وكانوا كلهم أخوة، فالأغنياء فيهم يأتون بأموالهم ويضعونها عند أقدام الرسل لتنفق على سائر المؤمنين. وكان الرسل رقباء على حفظ الإيمان والسيرة الصالحة وإذ لمس بطرس روح الكذب متجسدة في حنانيا وامرأته سفيرة اللذين باعا حقلهما ولم يأتيا بكل ثمنه إلى الرسل وتأكد بطرس أن هذه هي روح إبليس، استجوبهما أمام التلاميذ فأنكشف كذبهما ولعنهما لتواطئهما على الكذب على الروح القدس فهلكا حالاً. وصار خوف عظيم على جميع الكنيسة وعلى جميع الذين سمعوا بذلك (أع 5: 1ـ 11) وتعلم المؤمنون درساً خالداً بأن اللّـه يبغض المراءاة ويرفض المرائين.

 

بطرس يجترح المعجزات:

كان بطرس أول من أيد البشارة من رسل الرب يسوع بإجتراح المعجزات. وعظم اللّـه تعالى هذه الموهبة لديه «حتى أنهم كانوا يحملون المرضى خارجاً في الشوارع ويضعونهم على فراش وأسرَّة حتى إذا جاء بطرس يخيم ولو بظله على أحد منهم. واجتمع جمهور المدن المحيطة إلى أورشليم حاملين مرضى ومعذبين من أرواح نجسة وكانوا يُبْرأون جميعهم» (أع 5: 15ـ16).

وأثناء وجود بطرس في اللد جاء من يافا رجلان يخبرانه عن موت أمرأة فاضلة اسمها طابيثا أي (غزالة) «كانت ممتلئة أعمالاً صالحة وإحسانات كانت تعملها» (أع 9: 36) وأرادت الكنيسة أن تكرمها بعد مماتها فأرسلت تستدعي بطرس. فقام بطرس وجاء مع الرجلين فلما وصلوا جميعاً إلى يافا أصعداه إلى العلية حيث كان جثمان طابيثا ووقفت لدى بطرس الأرامل يبكين ويرين أقمصة وثياباً مما كانت تعمل طابيثا وهي معنا فتألم بطرس وطلب من الجميع ان يتركوه لوحده، وجثا على ركبتيه وصلى بدموع… والتفت إلى جسد طابيثا وقال لها بالسريانية الآرامية «طابيثا قومي» يا غزالة لك أقول أنهضي، ففتحت طابيثا عينيها فمد يده لها وأعانها على القيام. فرح المؤمنون كثيراً وسمع كثيرون بهذه الأعجوبة فآمنوا بالرب يسوع.

ويصف البشير لوقا في سفر أعمال الرسل تأثير الآيات التي أتاها الرسل على الجمهور وإيمانهم وتوبتهم ودخولهم في حظيرة المسيح، كما يصف تأثير ذلك على الكتبة والفريسيين ورؤساء كهنة اليهود واضطهادهم الرسل وسجنهم إياهم وكيف أن ملاك الرب في الليل فتح أبواب السجن وأخرجهم وقال: اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة… وجعلوا يعلمون (أع 5: 17ـ23) وكيف أحضر التلاميذ بعنف أمام مجمع اليهود فسألهم رئيس الكهنة قائلاً: «أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم (اسم الرب يسوع) وها أنتم ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان. فأجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي أن يطاع اللّـه أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة، هذا رفعه اللّـه بيمينه رئيساً ومخلصاً ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضاً الذي أعطاه اللّـه للذين يطيعونه»
( أع 5: 28ـ32).

واستشاط رئيس الكهنة وأعضاء مجمع اليهود غضباً وأرادوا أن يقتلوا الرسل فقام في المجمع رجل فريسي اسمه غمالائيل معلم الناموس مكرم عند جميع الشعب وأمر أن يخرج الرسل قليلاً وتكلم بحكمة وعدالة ومما قاله: «الآن أقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم، لأنه إن كان هذا العمل من الناس فسوف ينتقض. وإن كان من اللّـه فلا تقدرون أن تنقضوه. لئلا توجدوا محاربين لله أيضاً، فانقادوا إليه ودعوا الرسل وجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم. أما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه. وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح» (أع 5: 33ـ 42).

 

اختيار الشمامسة السبعة:

واشترك بطرس مع رفقائه الرسل بتنظيم الكنيسة، وإصلاح ذات البين فيها، فلما تذمر اليونانيون المتنصّرون على العبرانيين لإغفال أراملهم في الخدمة، أمر الرب جماعة المؤمنين أن يختاروا سبعة رجال مشهوداً لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة، ففعلوا وصلى عليهم الرسل ووضعوا عليهم الرسل ووضعوا عليهم الأيدي وأقاموهم شمامسة لمعاونتهم في خدمة المعمودية والوعظ وخدمة الموائد التي هي تقسيم الخبز اليومي على الفقراء والمعوزين ( أع 6).

 

إرسال بطرس ويوحنا إلى السامرة:

وحدث اضطهاد عنيف شديد من اليهود على أتباع الرب يسوع في المدينة المقدسة، تبدد من جرائه المؤمنون، ما عدا الرسل، في اليهودية والسامرة. فانحدر فيلبس أحد الشمامسة إلى السامرة وكرز بالمسيح يسوع فاعتمد كثيرون من الرجال والنساء. «ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة اللّـه أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس. لأنه لم يكن قد حلَّ بعد على أحد منهم. غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس»
( أع 8: 14ـ 17).

 

بطرس يفتح باب الإيمان للأمم:

كان بطرس في يافا نازلاً في بيت رجل دباغ اسمه سمعان، بيته عند البحر وكان يصلي على سطح الدار نحو الساعة السادسة. وجاع كثيراً، وبينما هم يهيئون له طعاماً، وقعت عليه غيمة فرأى السماء مفتوحة، وإناءً نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض. وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء، وصار إليه صوت: «قم يا بطرس اذبح وكل» وارتعب بطرس وقال: «كلا يا رب لأني لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً» فصار إليه الصوت: «ما طهره اللّـه لا تدنسه أنت» وكان هذا ثلاث مرات ثم أرتفع الإناء أيضاً إلى السماء. واستيقظ بطرس وهو لا يعلم تفسيراً لهذه الرؤيا. فإذا ثلاثة رجال يقرعون الباب، باب الدار يطلبون بطرس… لقد أرسلهم كرنيليوس قائد المائة في الفرقة المعروفة بالإيطالية، والتي مقرها قيصرية، وهو رجل وثني، ولكنه كان يصوم ويصلي ويوزع الصدقات على الفقراء. وفيما كان صائماً إلى الساعة التاسعة من النهار أي قرب الغروب، وإذا به يبصر في رؤيا ملاكاً من اللّـه داخلاً إليه وقائلاً له: يا كرنيليوس. أجاب كرنيليوس ماذا يا سيد. وقال له الملاك:  صلاتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام اللّـه والآن أرسل إلى يافا رجلاً واستدع  سمعان الملقب بطرس انه نازل عند سمعان رجل دباغ بيته عند البحر.

أخبر الرجال الثلاثة بطرس بكل هذا فقام بطرس ومن معه وجاءوا إلى قيصرية ودخلوا بيت كرنيليوس فلما دخل بطرس استقبله كرنيليوس وخرَّ ساجداً عند قدميه. فأنهضه بطرس قائلاً: «قم فإني أنا أيضاً إنسان» (أع 10: 25ـ26) وقال بطرس: «أنتم تعلمون كيف أنه محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي ويأتي إليه. أما أنا فقد أراني اللّـه أن لا أقول عن إنسان ما أنه دنس أو نجس فلذلك جئت من دون مناقضة إذ استدعيتموني. فأستخبركم لأي سبب استدعيتموني؟! فقصّ عليه كرنيليوس قصة الرؤيا التي رآها قبل أربعة أيام فتعجّب بطرس لدى سماعه كلمات كرنيليوس وقال: بالحق أنا أجد أن اللّـه لا يقبل الوجوه، بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده (أع 10 : 35) وألقى بطرس رسالته الإنجيلية وأعلن شهادته عن الرب يسوع الذي مات لأجل خلاص البشرية وقام من الأموات في اليوم الثالث المعين من اللّـه دياناً للأحياء والأموات. له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا ( أع 10: 34ـ43).

فبينما كان بطرس يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة فقال بطرس لرفقائه: «أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضاً. وأمر أن يعتمدوا باسم الرب. حينئذ سألوه أن يمكث أياماً» (أع 10: 47ـ48).

وهكذا فتح مار بطرس رسول الختان باب الإيمان للأمم. وسخطت عليه الكنيسة في المدينة المقدسة معترضة بادئ بدء على عمله بقولها له: «أنك دخلت عند رجال ذوي غلفة وأكلت معهم» (أع 11: 3) فشرح لهم بطرس بالتفصيل ما جرى معه والرؤيا التي رآها وكيف الروح القدس حلَّ على الأمم، فلما سمعوا هذه الأمور مجدوا الله.

 

ملاك الرب يخرج بطرس من السجن:

في سنة 43 للميلاد وهي السنة الأولى من ملك هيرودس أغريباس الأول حفيد هيرودس الكبير الذي قتل الرسول يعقوب الذي كان قطباً من أقطاب المسيحية هناك وهو أخو يوحنا (أع 12: 1) ولما رأى هيرودس أن ذلك يرضي اليهود، ألقى القبض على بطرس وزجه في السجن وسلمه في السجن إلى أربعة من العسكر ليحرسوه، فكان بطرس مربوطاًً حسب العادة بسلسلتين إلى عسكريين واحد من هنا وواحد من هناك، وبينه وبين باب السجن أربع نقط للحراسة في كل نقطة أربعة عساكر وقد سجن بطرس في أيام العيد وكان الملك مخططاً تقديمه إلى الشعب بعد الفصح.

أما الكنيسة فكانت تصلي بلجاجة من أجل بطرس. وصعدت صلاتها إلى السماء فقبلت واستُجيبت. ففي منتصف الليل أرسل اللّـه ملاكه إلى السجن المظلم فملأه نوراً.وضرب جنب بطرس وأيقظه قائلاً قم عاجلاً، وعند ذاك انحلت السلسلتان من يديه أما الحرس فقد سقطوا في سبات عميق، وقال الملاك لبطرس تمنطق وألبس نعليك، ففعل هكذا. وهو ما يزال بين الصحو والمنام ولا يعلم فيما إذا كان ينظر رؤيا أو أن الذي يجري هو حقيقي. فجازا المحرس الأول والثاني ثم الثالث والرابع وانفتح الباب أمامهما باب الحديد من  ذاته فخرجا، وتقدما زقاقاً واحداً وللوقت فارقه الملاك وعلم بطرس ان ما جرى هو حقيقي. فجاء إلى بيت مريم أم يوحنا مرقس حيث كان الإخوة مجتمعين وهم يصلون. فلما قرع باب الدهليز جاءت روَدَا الجارية لتستفسر عن الطارق فلما سمعت صوت بطرس لم تفتح الباب من الفرح بل ركضت إلى داخل وأخبرت أن بطرس واقف قدام الباب، فلم يصدقوها بل قالوا لها أنت تهذين وقال قوم منهم لعله ملاكه. وظل بطرس يقرع الباب فلما فتحوا الباب ورأوه اندهشوا فأشار إليهم بيده ليسكتوا، وحدثهم كيف أخرجه الرب من السجن وطلب منهم أن يخبروا يعقوب أخا الرب والإخوة بهذا، أما هو فخرج وذهب إلى موضع آخر (أع 13: 1ـ7).

 

مار بطرس في أنطاكية:

قال المؤرخ الكبير البطريرك أفرام الأول برصوم (ت 1957): «أما كنيسة أنطاكية فقد أثبت التقليد الكنائسي القديم الراهن، الذي أجمعت عليه نخبة ممتازة من أئمة النصرانية الأولين، وعلمائها ومؤرخيه الأقدمين، أن القديس بطرس الرسول بشرَّ فيها بالدين المسيحي وهدى وعمَّدَ فيها خلقاً كثيراً وبنى أول كنيسة وسنّ للمؤمنين الاتجاه في الصلاة إلى الشرق وأسس فيها كرسيه الرسولي الأول وكان هو أول أساقفتها أي بطاركتها الذين إليه يتسلسلون وممن صرح بهذا، العلامة أوريجانس (256+) وأوسابيوس القيصري (340+) والقديس أفرام السرياني (373+) ومار يوحنا ذهبي الفم (407+) والمعلم هيرنيمس (420+) ولا سيما مار سويريوس الأنطاكي (538+) الذي أيد هذه الحقيقة في خطبه ورسائله سبع مرات وذكر رئاسته على الرسل وتقدمه ثماني مرات[19].

كانت المسيحية قد دخلت أنطاكية على يد تلاميذ السيد المسيح الذين تشتتوا هاربين من[20] أورشليم بسبب الاضطهاد الذي أثاره اليهود ضدهم بعيد استشهاد إسطيفانوس رئيس الشمامسة (أع 11: 19) ثم بعث الرسل إليهما برنابا أحد التلاميذ السبعين، ولما رأى أن خدمة الكلمة مزدهرة فيها ذهب فأحضر بولس الرسول من طرسوس ومكثا فيها سنة كاملة مبشرين (أع 11: 22ـ26).

وقد أرتاى بعض المؤرخين أن بطرس جاء إلى أنطاكيا سنة 34م ذلك أن صعود الرب يسوع إلى السماء كان سنة 30 للميلاد[21] وأن بولس آمن بالرب يسوع بعد ذلك بسنة واحدة وجاء إلى أورشليم بعد إيمانه بثلاث سنين، أي سنة 34 ليتعرف على بطرس فمكث عنده خمسة عشر يوماً ولم يرَ غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب ( غل 1: 18ـ19) وفي السنة ذاتها جاء بطرس إلى أنطاكيا ومكث فيها سبع سنين أي حتى السنة 41 للميلاد. ثم عاد إلى أورشليم[22].

وبعد ان بشر في أماكن شتى، في بلاد فلسطين، من سامرة ولد ويافا وقيصرية، حاول هيرودس أغريبا ملك اليهودية أن يقتله فسجنه في أورشليم في أواخر السنة الثالثة والأربعين أو أوائل الرابعة والأربعين للميلاد هلك هيرودس أغريبا في قيصرية (أع 12: 23).

قال ابن العبري المؤرخ الشهير( 1286+) في تاريخه الكنسي «في السنة الأولى من ملك أغريبا في اليهودية قتل يعقوب ابن زبدي وسجن بطرس وإذ أنقذ ملاك اللّـه بطرس من السجن برح أورشليم وكان يسير مبشراً في الطريق مدة سنتين ثم بلغ أنطاكية».

إن كثرة أشغال بطرس التبشيرية اضطرته إلى التغيب عن أنطاكية أحيانا فسام أفوديوس أسقفاً نائباً عنه وخلفاً له[23]. وخرج بطرس يجول بين اليهود والمتشتتين في بلاد الشام كطرابلس وجزيرة أرواد وغيرهما. ثم شخص إلى بلاد البنطس على البحر الأسود وغلاطية وقبادوقية وإقليم آسيا الصغرى وبيثينية.

وفي السنة الحادية والخمسين عاد إلى أورشليم حيث حضر المجمع الرسولي الذي عقد على أثر محاولة بعض المتنصرين من اليهود إلزام المتنصرين من الأمم أن يختتنوا أي أن يتهوّدوا قبل أن يتنصروا فقرر المجمع: «ألا يثقل على الراجعين إلى اللّـه من الأمم بل أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم، وأرسل هذا القرار إلى أنطاكية بيد بولس وبرنابا ومعهما يهوذا الملقب برسابا وسيلا» (أع 15) وأفرز بطرس مع يعقوب ويوحنا لرسالة أهل الختان كما أفرز بولس وبرنابا لرسالة أهل الغرلة ( غل 2: 7ـ9).

وفي السنة الثانية والخمسين وجد بطرس في أنطاكيا وكان بولس أيضاً هناك. والأظهر أنهما في تلك الأثناء اجترحا معجزة إحياء فتى وحيد لأهله اسمه قسيان وأنشأ بطرس بيعة في داره عرفت ببيعة القسيان في ما حكاه القديس يعقوب السروجي[24] الملفان (521+) وقد ظلت عامرة حتى النصف الثاني من القرن الثالث عشر.

ويكتب الرسول بولس إلى أهل غلاطية عمّا جرى بينه وبين الرسول بطرس في أنطاكيا قائلاً: «فلما قدم كيفا (بطرس) إلى أنطاكيا قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً، لأنه قبل قدوم قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم. فلما قدموا تنحى وأعتزل مخافة من أهل الختان، وتظاهر معه سائر اليهود حتى أن برنابا أيضاً انجذب إلى تظاهرهم فلما رأيت أنهم لا يسيرون سيراً مستقيماً إلى حق الإنجيل قلت لكيفا أمام الجميع، أن كنت أنت مع كونك يهودياً قد عشت عيش الأمم لا كاليهود، فلم تلزم الأمم أن يسلكوا مسلك اليهود» (غل 2: 11ـ14). إن الهام الرسل يستلزم عصمتهم في التعليم الديني لا في أعمالهم الشخصية الأدبية فالوحي لا يستلزم العصمة من الخطأ في كل شيء وحيث أن بطرس – كما نلمس في حادثة تنصر كرنيليوس – كان مؤمناً أن الخلاص بالمسيح هو للعالم أجمع، لذلك قبل لوم بولس إياه بفرح وبذلك اعترف بذنبه. وإذا صح نسب الرسالة المسماة برسالة بطرس الثانية، إلى بطرس، فإننا نقرأ له مدحاً لبولس يقول فيه: «واحسبوا أناة ربنا خلاصاً كما كتب أليكم أيضاً أخونا الحبيب بولس على حسب الحكمة التي أوتيها كما في رسائله كلها أيضاً متكلماً فيها على هذه الأمور، إلا أن فيها أشياء صعبة الفهم يحرفها الذين لا علم عندهم ولا رسوخ كما يفعلون في سائر الكتابات لهلاك نفوسهم» (2بط 3: 15ـ16).

وكان بطرس وحده في أنطاكية من السنة الثالثة والخمسين حتى الستين كما يؤيد أغلب المؤرخين الثقات، فأن بولس أتى إلى أورشليم سنة 58م واجتمع هناك بيعقوب أخي الرب ( أع 21: 18) ولم يذكر أنه وجد بطرس لأن بطرس كان في أنطاكية.

 

مار بطرس في روما:

ولئن ارتأى أغلب المؤرخين أن الرسول بطرس قد زار روما واستشهد فيها، إلا أنهم أجمعوا على أن الرسول بطرس لم يصل هناك قبل أواخر حكم نيرون الطاغية الذي ملك من سنة 54 واستمر إلى سنة 86م. أما زعم بعضهم بأن مار بطرس كان في روما في عهد قلوديوس قيصرـ الذي بدأ حكمه سنة 41م واستمر إلى سنة 54م ـ أنه ظلَّ أسقفاً فيها مدة خمس وعشرين سنة، فهذا الزعم لا يتفق مع ما دوّنه كتبة أسفار العهد الجديد عن القديس بطرس حيث يتبين أنه كان في سنة 43ـ 44م في أورشليم وفقاً لما ورد في (أع 12: 3) وكان هناك أيضاً في سنة 51 وفقاً لما ورد في (أع 15) وبعد ذلك كان في أنطاكية وفقاً لما ورد في (غل 1: 11 وإلخ).

وعلاوة على هذه فقد بشّر المؤمنين في مقاطعات كثيرة من آسيا الصغرى وتفقدهم كما نرى من رسالته الأولى التي كتبها بين سنتي 63 و67م ووجّهها إلى المتغربين في شتات بنتس وغلاطية وكبدوكية وآسيا وبيثينية (1بط1: 1) ويظهر من العدد الثالث عشر من الإصحاح الخامس من الرسالة أنها كتبت في بابل هذه إمّا هي بابل الأصلية التي تقع على نهر الفرات، والتي أُخذ إليها اليهود أسرى، وبقي منهم كثيرون فيها وكانت مركزاً للدراسات اليهودية فلا يستبعد أن يكون بطرس قد زارها.

أو قد تكون (بابليون) في مصر القريبة من القاهرة والتي كان قد أسسها اللاجئون البابليون ودعيت باسم مدينة أسلافهم.

كما أن روما سُمِّيت بابل من اليهود والمسيحيين على السواء، فإننا نجد في سفر الرؤيا وصفاً لها (رؤ 17، 18). ولكن الاحتمال بأن تكون الرسالة قد كتبت هناك ضعيف جداً[25]. ولا يكمن القول إن بطرس كان في روما عندما كتب الرسول بولس رسالته إلى أهلها حوالي سنة 57 أو 58 لأنه لم يرد أي ذكر لاسمه بين الأخوة الذين بعث إليهم بتحياته.

ولم يكن في روما عندما كتب بولس رسائله منها أثناء حبسه (من سنة 61 أو 62 إلى سنة 63 أو 64).

هل يعقل أن يلتقي الرسولان في روما ولو مدة قصيرة ولا يشير أحدهما عن الثاني في رسائله إلى الكنائس، ولاسيما بولس الذي أثبت في رسائله حتى الأمور الخصوصية البسيطة فكيف يغفل عن ذكر زميله بطرس إن كان معه في روما؟!.

لذا يستنتج أغلب الباحثين المدققين في أن الرسول بطرس لم يذهب إلى روما إلا قبيل استشهاده، كما يؤكد أغلب المؤرخين أنّ سيمون الساحر لم يذهب إلى روما إلا في حكم نيرون.

 

سيمون الساحر:

للرسول بطرس مع سيمون الساحر صولة وجولة، فقد جاء في سفر أعمال الرسل عن سيمون الساحر هذا ما يأتي: «فانحدر فيلبس إلى مدينة السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح… وكان قبلاً في المدينة رجل اسمه سيمون يستعمل السحر ويدهش شعب السامرة قائلاً أنه شيء عظيم. وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير قائلين هذا هو قوة اللّـه العظيمة. وكانوا يتبعونه لكونهم قد اندهشوا زماناً طويلاً بسحره. ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت اللّـه وباسم يسوع المسيح اعتمدوا رجالاً ونساءً. وسيمون أيضاً نفسه آمن. ولما أعتمد كان يلازم فيلبس. وإذ رأى آيات وقوات عظيمة تجرى اندهش.

ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة اللّـه أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذين لمّا نزلا صليّا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس. لأنه لم يكن قد حلّ على أحدٍ منهم. غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس. ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدي الرسل يعطي الروح القدس قدّم لهما دراهم قائلاً أعطياني أنا أيضاً هذا السلطان حتى أيّ من وضعت عليه يدي يقبل الروح القدس فقال له بطرس لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتني موهبة اللّـه بدراهم. ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماً أمام الله. فتُب من شرّك هذا واطلب إلى اللّـه عسى أن يظهر لك فكر قلبك. لأني أراك في مرارة المرّ ورباط الظلم. فأجاب سيمون وقال اطلبا أنتما إلى الرب من أجلي لكي لا يأتي عليّ شيء مما ذكرتما» (أع 8: 5ـ 24).

وجاء في تاريخ أوسابيوس القيصري (+340) نقلاً عن احتجاجات يوستينوس[26] ما يأتي: «وبعد صعود الرب إلى السماء دفعت الشياطين رجالاً معينين قالوا أنهم آلهة، ولم يسمحوا لهم فقط بأن يظلوا غير مضطهدين. بل اعتبروا أيضاً مستحقين الإكرام، كان أحدهم سيمون، وهو سامري من قرية جتو. وعلى عهد كلوديوس قيصر أجرى في مدينتك[27] الإمبراطورية لعض أعمال السحر العجيبة بفضل الشياطين التي كانت تعمل فيه واعتبر إلهاً، وكإله أكرمته بتمثال أقيم في نهر التيبر بين القنطرتين، ونقشت عليه باللاتينية الكتابة (إلى سيمون الإله القدوس). وصار كل السامريين تقريباً، وقليلون حتى من الأمم الأخرى، يعترفون به ويعبدونه كالإله الأول. وجالت معه في ذلك الوقت امرأة تدعى هيلانة كانت سابقاً عاهرة في مدينة صور من أعمال فينيقية، وهم يدعونها«الفكرة الأولى التي برزت منه». وقد روى هذه الأمور يوستينوس، واتفق معه أيضاً ايريناوس في الكتاب الأول من مؤلفه «ضد الهرطقات» حيث تحدث عن هذا الرجل وعن تعاليمه الفاسدة[28].

ويشهد بعض المؤرخين أن الرسول بطرس جاء إلى روما لمطاردة سيمون الساحر وقد جاء في بعض الكتب غير القانونية كسفر أعمال بطرس، ورسالة الرسل، أن سيمون هذا ذهب إلى روما وخدع أهلها بسحره وضللّهم وجعلهم يحسبونه إلهاً. وإن الرسول بطرس تبعه إلى روما وأخذ يجترح المعجزات الباهرات فتقلص ظلَّ سيمون الساحر وتبع الجمهور بطرس. فحاول سيمون جذب الأنظار إليه وأعلن عن موعد لصعوده إلى السماء على مرأى من أهل رومية وملكهم وعظمائهم فدعا شياطين سحره ليرفعوه عن الأرض فحملوه على مناكبهم وارتفعوا به في الفضاء، فازداد عجب الرومانيين به وصاحوا بصوت واحد قائلين: عظيمة هي قدرة سيمون. وكان الرسول بطرس بين الجمهور فجثا على الأرض وصلى بحرارة ليتمجد اسم الرب الإله. فاستجاب الرب صلاته ويقال أيضاً وصلاة مار بولس الرسول، وأخزى الرب الشياطين فتركت سيمون فهوى إلى الأرض فتهشَّم وانكرست ساقاه، وصار هزءاً وسخرية أمام الناس. فحمله تلاميذه إلى بيت مجاور ثم هلك منتحراً إذ ألقى بذاته من سطح الدار إلى الأرض.

 

استشهاد مار بطرس:

وسام مار بطرس ليُنس أسقفاً لروما ويقال أن مار بولس شاركه بهذه الرسامة. وكان مار بطرس زاهداً يقتات بالترمس فقط. ولما سُعي به إلى نيرون الطاغية، طرحه في السجن في روما وبعد تسعة أشهر قضى عليه بالموت مصلوباً منكّساً رأسه بحسب رغبته في مكان مرتفع يسمّى بالواتقان وذلك في 29 حزيران عام 67م[29].

قيل لمّا اشتدّ اضطهاد نيرون ضد المسيحيين خاف المؤمنون على حياة القديس بطرس، فألّحوا عليه بأن يهرب من روما، فهرب، وبينما هو خارج من المدينة شاهد السيد المسيح حاملاً صليبه ومتجهاً نحو المدينة، فسأله بطرس إلى أين أنت ماضٍ يا رب؟! أجابه يسوع إلى روما لأصلب مرة ثانية. ففهم بطرس كلام الرب وقفل راجعاً إلى روما فألقي القبض عليه وسجن ثم استشهد. وقيل أنه اجتذب الحرس والجند إلى الإيمان في الفترة التي قضاها في السجن[30].

وكتب بطرس رسالة للكنيسة سبق الكلام عنها. وتعتبر ضمن الرسائل التي تسمى العامة أو الجامعة. وهي مشبعة بالروح الرعوية، وخير مشجع على تحمل الضيقات، ونقاء السيرة. قال أوسابيوس القيصري (+340) «أن رسالة بطرس الأولى معترف بصحتها وقد استعملها الشيوخ الأقدمون في كتابتهم كسفر لا يقبل أي نزاع. على أننا علمنا أن رسالته الثانية الموجودة بين أيدينا الآن ليست ضمن الأسفار القانونية»[31].

كانت هذه الرسالة الثانية، منذ فجر النصرانية، موضوع جدل بين بعض آباء الكنيسة، فقد أنكر بعضهم قانونيتها، وما يزال كثيرون إلى اليوم يعتقدون أن كاتبها لم يكن الرسول بطرس نفسه بل أحد أتباعه الذين ظن أنه يحق له أن يكتب باسم مار بطرس لأن ما كتبه كان مشرباً بروحه. ولم يضم آباء كنيستنا السريانية هذه الرسالة إلى أسفار العهد الجديد القانونية في الترجمة السريانية البسيطة[32]. وحيث أن قانونية سفر من الأسفار لا تتوقف على هوية كاتبه بل على مضمونه، لذلك قبلتها الكنائس، واعتبرتها ضمن الأسفار القانونية.

أما ما يسمّى بـ «أعمال بطرس» و«إنجيل بطرس» والرسالة إلى اكليمنضس و«الرؤيا» وغيرها فهي من الكتب الأبوكريفا أي غير القانونية التي لم تقبلها الكنيسة.

هذا ما بدا لنا أن نكتبه عن القديس بطرس هامة الرسل معتمدين بذلك مؤلفات آبائنا الميامين ملافنة كنيستنا السريانية المقدسة، توضيحاً للحقائق التاريخية وتثبيتاً للعقائد الإيمانية.

الهوامش

—————————————————————

(1)ـ كتاب الإشحيم  وهو مجموعة الصلوات الأسبوعية حسب طقس كنيسة أنطاكية السريانية. طبعة القدس سنة 1936 ص 141 صلاة القومة الثانية من ليلة الخميس بلحن (موريو موران). علماً أن مؤلفي صلوات الإشحيم وترانيمه هم  مار أفرام  السرياني (+373) ومار يعقوب السروجي (+521) ومار اسحق (363ـ 418) وبالاي أسقف بالش في القرن الخامس، وشمعون الفخاري (ت 514)، وقد جمعه مار يعقوب الرهاوي في أواخر القرن السابع (انظر اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية للبطريرك أفرام الأول برصوم طبعة بغداد 1976 ص 57).

(2)ـ كتاب الإشحيم طبعة القدس 1936 ص 225.

(3)ـ  الإشحيم ص 53.

(4)ـ  وهذا يتضمن لوعد الرب في سفر إشعيا النبي القائل: «هوذا على كفي نقشتكِ. أسوارك أمامي دائماً» (اش 49: 16).

(5)ـ الإشحيم ص 73.

(6)ـ الإشحيم ص 226.

(7)ـ الإشحيم ص 194.

(8)ـ طبعة القدس عام 1936 ص 236.

(9)ـ كتاب الإشحيم ص 40.

(10)ـ فيه ص 189ـ 190.

(11)ـ الإشحيم ص 146.

(12)ـ فيه ص 101.

(13)ـ الإشحيم ص 190.

(14)ـ الفصل الثالث من كتاب تفسير أسرار الرسامات الكهنوتية لمار موسى ابن كيفا والأشحيم ص 22.

(15)ـ الإشحيم ص 22.

(16)ـ الإشحيم ص 9 أنظر أيضاً صلاة صباح يوم الخميس ص 153.

(17)ـ صلاة الليل في يوم عيد الرسولين بطرس وبولس.

(18)ـ الميمر الأول من كتابه التاريخ البيعي.

(19)ـ الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام الأول برصوم طبعة حمص  1940 مج 1 ص 44و 45.

(20)ـ تاريخ أوسابيوس القيسري (430+) الكتاب الثاني، الفصل الثالث، الفقرة الثالثة.

(21)ـ إن ميلاد السيد المسيح بالجسد جرى قبل التاريخ المسيحي المتداول بأربع سنين، فأضيفت هذه السنين إلى حساب العالم قبل الميلاد.

(22)ـ كنيسة مدينة الله أنطاكية لأسد رستم بيروت ج 1 ص 19و20 وتاريخ الكنيسة السريانية للبطريرك يعقوب الثالث ( في عهد مطرنته) بيروت 1953 ج 1 ص 55.

(23)ـ كنيسة مدينة الله أنطاكية لأسد رستم ج1 ص 20.

(24)ـ الدرر النفيسة ص 46و 47.

(25)ـ تفسير رسالة بطرس الأولى لوليم باركلي بيروت 1960.

(26)ـ تاريخ أوسابيوس القيصري الكتاب الثاني الفصل الثالث عشر من (احتجاجات يوستينوس 1: 26).

(27)ـ الكلام موجّه إلى الإمبراطور.

(28)ـ الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة للأسقف أيسدورس، القاهرة 1923 ج1 ص 37 و 38 وسير الشهداء والقديسين بالسريانية طبعة بيجان سنة 1890 الجزء الأول.

(29)ـ الدرر النفيسة ص 47 و 48 و 49.

(30)ـ الخريدة النفيسة ص 42.

(31)ـ تاريخ أوسابيوس القيصري الكتاب الثالث الفصل الثالث. ومرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين بيروت 1937 ص 268.

(32)ـ أنظر مصابيح على الطريق للمؤلف دمشق عام 1984 ص 180.

 

للأعلى