كتاب الحسايات الخاص بأسبوع الآلام الخلاصي

كتاب الحسايات الخاص بأسبوع الآلام الخلاصي

ترجمة: مثلث الرحمات مار ديونوسيوس بهنام ججاوي

إعداد وتقديم: الشماس الإكليريكي ملكي كارات،

 والشماس كابي يوسف

تصويب وتدقيق اللغة العربية: الشماس عبود سعدو

 

 

 

2022

مساء يوم الإثنين

صلاة الابتداء:

أهلنا يا ربُّ أن نشارككَ آلامَكَ، ونشابهَكَ بتواضُعك لأجلنا، ونتفاخر بصليبكَ الذي حملتهُ عنّا، مستمدّين الشفاءَ من جراحاتِكَ لأسقامِنا فنحيا بموتِكَ مجدِّد حياتنا، ونبتهجَ بقيامتكَ مبددِّة أحزانِنا ومعيدةِ آمالنا، ربنا وإلهنا إلى الأبد.

فروميون:

التسبيحُ للمتسامي عن الآلامِ بأزليّتهِ، الذي أَقبَلَ إليها إرادياً بتجسُّدهِ، ليجعلنا أحياءً غير متألمين، وبها مزّقَ صكَّ آثامِنا، ومنحَ جنسنا الضعيفَ القوةَ والعزيمة، وصالحَ بواسطتها العلوييّنَ مع الأرضييّنَ، الذي يليق به المجدُ والوقارُ في هذا المساء العظيم، وفي كل وقتٍ وحينٍ، وإلى أبد الآبدين.

السدر:

أيها المسيحُ إلهَنا، الرحيمُ والجزيلُ النعمةِ والحقِّ، معينُ الحنانِ والعطفِ ومصدرُ العطفِ والأناةِ، القويُّ الذي تردّدَ معنا نحن البشر تدبيريّاً، وتألّم متجسّداً بإرادتهِ لأجلِ خلاصِنا، وهو غير المتألّمِ بطبعهِ ويسمو عن الآلام، قد علّمنا أن نطهّرَ نفوسنا من أهواءِ الخطيئةِ لكي لا نُستَعبدَ لها، وبما أننا افتُدينا بآلامِهِ، وشُفينا بحُبرِهِ، نسجدُ لهُ شاكرينَ، ونرحّبُ بها مغتبطينَ، وبفرحٍ وسرورٍ نصرخُ قائلين: أهلاً بكِ أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من فديتِنا من أهواءِ الخطيئةِ، وفيكِ وجدنا ضالّتَنا وهي الحياةُ الخالدةُ، أهلاً بكِ أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من فتحتِ لنا خزانةَ النِّعمِ الروحيّةِ، وأجزلتِ لنا التطهيرَ من الرذائلِ. تعالي بالسلامِ أيتها الآلامُ الخلاصيةُ يا من مهدّتِ لنا طريق الملكوت، وبكِ حصلنا على الخيراتِ والمواهبِ من خزائنِ اللاهوت، تعالي بالسلام أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من صرتِ لنا سلاحَ الخلاصِ، وبكِ رُفع عنا القُصاصُ باجتياز الوصيةِ، هلمّي بالسلام أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من بكِ اضمحلَّ ضلالُ إبليس وانتصرَ الملكُ المسيحُ كرماً من كلِّ الشعوبِ، هلمّي بالسلام أيتها الآلامُ الخلاصيةُ يا من بكِ شُفيَتْ أوجاعُ جنسنا البشريِّ، وبكِ اجتزنا أمواجَ الإثمِ والخطيئةِ إلى ميناءِ الراحةِ والسلامِ، أقبِلي بالسلام أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من تطهَّرتْ بكِ ذنوبَنا، وأشرقَ بواسطتِكِ نور الحياةِ على كلِّ البشريةِ، أقبلي بالسلامِ أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من بكِ تقطّعتْ أغلالُ الخطيئةِ التي كانتْ تقيّدُنا، ونِلنا بواسطتكِ مختلفَ الإعاناتِ والمساعداتِ، بادري بالسلامِ أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من صرتِ بخوراً مرضيّاً للآب عوضَنا، وبكِ نال آدمُ أبونا تجديداً وتحريراً، بادري بالسلام أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من مُنِحنا بكِ البرَّ والقداسةَ، واستطعنا أن نرتفعَ ثانيةً إلى السماء حيثُ بيتنا الأولُ، تعالي بالسلام أيتها الآلامُ الخلاصيةُ، يا من بكِ تمَّت المصالحة مع السماوييّن، وفُتِحَ أمامنا البابُ الذي أوصدهُ آدم بتعدّيهِ الوصيةَ.

والآن نتضرّعُ إليكَ أيها المسيح إلهنا، يا من تألمتَ عنّا إرادياً، أن تقبلَ منّا هذا البخور، وتجعلنا أهلاً لنتمنطقَ بآلامكَ درعاً، ونحملَ عارَكَ شعاراً ونتشبّهَ بتواضعكَ ونفخرَ بصليبكَ، ونتطهر بحنانك ونكون مدعوّينَ في مائدتك، ونحن وأمواتنا نقومُ عن جانبكَ الأيمن ونعاين نور وجهكَ، ونرفع لكَ حمداً وشكراً، ولأبيك ولروحكَ القدوس الآن وكل أوان وإلى أبد الأبدين… آمين.


 

العطر:

تقبّل يا رب بحنانكَ بخور بيعتكَ المقدّسة، وأنصِت إلى توسّلاتِ أغنامِكَ الناطقة الذين يسجدون لآلامِك، ويقبّلون جراحاتِك، ويعانقونَ صليبَكَ مفتخرين متباهين، ارفع شأنها في كل الأقطارِ لتقدّمَ لك مع بنيها ثمار الشكر بدل خرنوبِ النكرانِ الذي قدّمَتهُ لكَ تلك الآثمةُ، أيها الابن المعبود وريث الحقِّ، يا من يُسجَدُ لك مع أبيك وروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

صلاة الستار ليوم الإثنين

فروميون:

سبحاً ومديحاً لا ينتهيانِ، وشكراً وسجوداً متواصلين، حُقَّ أن نقدّمَ لذلك العالي بطبعه عن الآلام، والبعيدِ عن الموت، قد شاءَ وماتَ متجسّداً ليحيا بالروح، ربُّ المجد الذي ارتفعَ على عودِ الصليب كمذنبٍ، وأبادَ آلامَنا بآلامهِ، وخضعَت شوكةَ الموتِ بموته عنّا، وحطَّمَ بصليبهِ سلطانَ إبليس وزحزحَ كابوسهُ عن كواهِلِنا، وبتعرّيهِ على الخشبة أذلَّ الحكّام والرؤساءَ. ولهذا نقدّمُ له الشكر والامتنان الجزيلَين لأجلِ آلامهِ وموتهِ وصليبهِ وخلاصهِ، في هذا الوقت وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها الإله الرحيمُ والرهيب، يا من تردّد معنا تدبيريّاً لأجلِ تقويمنا، وتألمَّ متجسّداً لخلاصنا وهو المتعالي عن الآلامِ، قد شاء أن يعلّمنا لنطهّر نفوسَنا من أهواءِ الخطيئة بواسطة الأعمال الصالحة. إذاً نصرخُ بقلوبٍ نقيّةٍ وسرورٍ عظيمٍ قائلينَ: أيتها الآلام الخلاصية بكِ خُلِّصنا من السجودِ للأصنامِ والمنحوتاتِ، مباركةٌ أنتِ أيتها الآلامُ يا من نجيتِنا من خِدَع إبليس، أيتها الآلام الخلاصية، يا من صرتِ لنا طريقَ الحياةِ والخلاصِ، وبكِ تطهّرَت أدناسُنا وغُفِرَت آثامُنا، أيتها الآلام الخلاصية، يا من بواسطتكِ تشدّد ضَعفُنا، واستقامتْ رخاوتنا وتبلوَرت سذاجتُنا. ولأجل هذا نلتمسكَ أيها المسيح إلهنا، أن تُشرِكنا بآلامكَ، وتقدِّسَ نفوسَنا بأوجاعكَ وموتِكَ، فنحظى بالدعوة الكبرى إلى عرسك الإلهيِّ، ونرفع لك حمداً لائقاً وشكراً واجباً، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

اقبل بخورنا أيها المسيح الإله في هذا الوقت الذي به نكرِّمُ آلامكَ، ونعترفُ بموتك الفدائيِّ لأجلنا، متأمّلين بكَ في قلوبنا دائماً، سائلين الصَّفحَ والغفرانَ عمّا اقترفناهُ أمامك من العصيانِ والنكرانِ، واقبل توبتَنا مثلما قبلتَ توبةَ التائبين الذين رجعوا إليك نادمين، لنستحقَّ مثلهم أن نشكرك ونسبّح اسمك وأباك وروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

القومة الأولى من الليل ليوم الإثنين (على الكرم)

فروميون:

أيها الكلمةُ البسيط والروحاني بطبعهِ، يا من جاءَ إلى التركيبِ الجسدي بإرادته ليقرِنَ الترابيين بشبههِ، ويَنسُب المطرودين والغرباء إلى نَسبِهِ، ويقرّبَ البعيدينَ والمنبوذين إليه، فيجمعهم في لوائه، ويغرسَهُم في كَرمِ ميراثهِ، ويهيئ منهم فعلةً لحقلهِ وكرمهِ، ويورثَهُم نعيمَ ملكوتهِ، ويلذّذهَم ببهاءِ مجدهِ، له يليق المجد والسجود في هذا وقت القومة الأولى من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

 السدر:

أيها الإله الآبُ خالقَ البرايا الروحية والمحسوسة، يا من بأريحيّتُكَ ولطفكَ غرستَ كرماً معنوياً في هذه الأرض وهو شعبُكَ إسرائيل، وأحطتّهُ بالسّياج الذي هو الشريعة الموسوية، وحفرتَ فيها معصرةً وهي الكهنوت الهاروني مكمّل الذبائح الناموسيّة وبنيتَ فيهِ برجاً عالياً من النبوءاتِ كاشفةً الخفايا، وأسلمتهُ لفعلة هم كهنةُ وكتبةُ لاوي، ليفلحوهُ ويخدموهُ ويثبّتوهُ بالتعليمِ والإرشادِ، والوعدِ والوعيد، وليعطيَ ثمار البرِّ، وعندما دنا أوان الغنيِّ أرسلتَ عبيدكَ الأنبياء القديسين إلى الفعلةِ. ليعطوهم ثماراً روحيةً لائقةً، فأمسكُ بهم الفعلة وقتلوا بعضاً وضربوا بعضاً، ثمَّ أرسلتَ عبيداً آخرين فكان نصيبهم كالأوّلين، وأخيراً أرسلتَ إليهم ابنك الحبيب ليخجلوا من رؤيته فيقدّموا الثمار، ولمّا أبصروه وتأكدوا أنه الوارث، أخرجوه خارج الكرم وضربوه وصلبوه، فغضبتَ واستأصلت هذا الكرم اللّعين، الذي عوض عنبِ الفضيلة أعطى خرنوبَ الرذيلة، فهدمتَ سياجهُ وأخربتَ برجه النبويَّ العالي، وجعلته موطئاً للأقدام، وحبستَ عنه غيثَ المعرفة الإلهية، وغرستَ محلّه جفنةً مختارةً هي بيعَتُكَ المقدسةُ ابنةً للشعوبِ، وسوّرتها من جديدٍ بسياجِ الشريعةِ الإنجيلية، وزيّنتها بالكهنوت الملائكي، ثبَّتَ صليبكَ فيها سوراً وبرجاً حصيناً، وأودعتها للفعلةِ الجدُد الرسل والمبشّرينَ والرعاةِ والآباءِ والكهنة المختارين ليقدّموا لك ثماراً روحيّةً تليق بألوهيّتكَ، ثبِّتها على صخرة الإيمان بكَ، تلك الصخرة التي رفضها الأبناء ورؤساء اليهود فجعلتَها رأسَ الزاوية، منحتها قوةً لتوحيد السماوييّن بالأرضييّن، والشعبِ مع الشعوبِ، ولتؤدِّبَ وتوبِّخَ جميع المتذبذبين، فأصبَحتْ بقوّتك الإلهية آيةً في العالم. ولذلك نتضرعُ إليك أيها الربُّ العطوف بواسطة هذا البخور أن تجعلنا كرماً مختاراً يأتي بثمارِ البرّ، لنستحقَّ مع الفعلة المجتهدين الذين عملوا بكرمك من الصباح حتى المساء الأجر الروحي الكامل، وأن نشربَ الخمرةَ الجديدةَ الروحيةَ على مائدتك السماوية المعدّةِ للذين تتلمذوا لكَ بطهرٍ وقداسةٍ وإخلاصٍ، فنكون شركاء لآلامه وموته، وسعداء يوم قيامته المنتظرة، وبواسطته ومعه نرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك وروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

 العطر:

تقبّل منّا ربّنا ثمار شفاهِنا واعترافَ ألسنتنا ذبيحةً مرضيّةً وعطراً هنيّاً يرضي لاهوتَكَ، بارك واغفر زلّات المساكين، لأنك أنت القائل: اذبحوا له ذبيحة الشكر، فإنَّ ذبيحةَ الربِّ روحٌ منسحقةٌ، يا من لم تشأ بالذبائح الناموسيّة ولا بالمحرقاتِ، بل بذبيحةِ ابنك الحبيب الغافرةِ، الذي حملَ خطايا العالم، فنرفع لكَ ولأبيك ولروحك القدوس إكراماً وسجوداً متواصلاً، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

القومة الثانية من الليل ليوم الإثنين

فروميون:

يا من غرسَ جنّة عدن بحكمتهِ، قد شاءَ أن يغرسَ كرماً ناطقاً على الأرض وهو شعب إسرائيل في تربةٍ مخصبةٍ، وأحاطهُ بسياجِ الناموسِ، وبنى فيهِ برجاً لحفظ الوصايا، وحفرَ في وسطهِ معصرةً هي المذبحُ الذي تقدَّم عليه التقدمات والقرابين، وأقامَ فيه الأنبياء ليُمطروه بغيثِ التعاليم الحيّة، وسلّمهُ إلى فعلةٍ هم الكتبة والكهنة، ليفلحوهُ وفقَ مشيئتهِ، وتوقّع منه عنباً لذيذاً، فقدّموا له خرنوباً، انتظرَ منه ثمار البرّ فجنى منه شغباً وضجيجاً أثاروه على وارثه، حتى سفكوا أخيراً دمه خارج الكرم بعد أن فظّعوا به، فحكمَ عليهِ بالخراب، وغرسَ محلّهُ كرماً آخر، يعطي ثمار الإيمانِ الشهيّةِ، إياه نسجد وله نشكر في هذا وقت القومة الثانية من الليل، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

لكَ التسبيح أيها الإله الكلمة المُرسَلُ من الآب لأجل خلاص خلائقه، الابن الحبيب الذي أتى في آخر الأزمان لافتقادِ الكرمِ الذي غرسهُ أبوهُ فوق الرابيةِ الخِصبةِ، الجفنة الممجّدة التي غُرسَتْ بين الشعوب والأمم، عوضاً عن ذلك الكرم الأول الذي خُرِّب بأيدي الفعلة الأشرار، الحاكمُ العادلُ الذي أبلغَ العمّال قضاءهُ، وأعلنَ لهم هلاكهُم المحتَّمَ، لأنه جاء ليطلب الثمار في حينها فلم يجد في الكرم إلا خُرنوباً، وصرّحَ لهم أنه الوارث الوحيد الذي تقدمَ في طلب ميراثه، يا مصدر الحياةِ الذي شعرَ فيهِ أبناء قايين أنه الوارث، فأضمروا له السوء وقتلوه ليحرموه من الميراثِ، البريءُ الذي دانَ الفعلةَ المذنبينَ على سوء تفكيرهم، وبيّنَ لهم أنه حجر الزاوية الذي رذلهُ البنّاؤونَ، ينبوع الحنان الذي أظهر لأبناء قايين محبّتهِ، فرذلوه مجاناً، والصالح الذي أفاض خيراته على الأشرار فكافَؤوه شرّاً وهواناً. وريثُ الآب الذي جاءَ يطلب ثماره الغنيّة من كرمه، فسقاه الفعلةُ الأردياءُ خلّاً ومرارةً، البارُّ الذي لم يأتِ إثماً ولم يوجد في فمه غشٌّ، دينَ مع الأثمة وحُكِمَ عليه بالموت. معزّي الحزانى وشافي المرضى، احتمل الآلام والضربات واللطمات من الحاسدين بني جنسهِ. مصدر الحياة الذي أقامَ أمواتَ إسرائيل، تآمر عليه كهنةُ الشرِّ ليقتلوهُ ويُبيدوا ذكرهُ، رجاء الأجيال الذي انتظره الآباء الأبرار، فأعدَّ له الأثمة خشبة الصليب. أصل يسّى وقضيب يهوذا الذي جاء لتجديد مملكة داود أبيهِ، فأنكره شعبه واستعاضوا عنه بلصٍّ قاتلٍ، المخلّصُ الذي جاء لخلاص شعبه فلم يأبه به الشعب القاسي. شعاعُ الآب الذي أتى لينيرَ المظلمينَ، فقام ضدَّهُ أبناء الظلمة، وأطفؤوا أنوار مصابيحهِ، القدوس الذي قدّس الدنسين بقداستهِ. اللطيف بالعبادِ الذي جاءَ ليرضي أباه مع خليقته بدم ذاته، فأهرقوا دمهُ الزكيَّ كقايينَ لهابيلَ، ونالوا الويل والشقاء الأبدييَّن، مصدر الأمن السماويِّ الذي جاءَ ينطقُ بالسلام مع شعبهِ، فخاصمه الأشقياء كآبائهم. الرحيمُ الذي أفاضَ ينبوعَ خيراتهِ على المحتاجينَ فقابلهُ العبيدُ الأشرارُ بالعداء والجحود، ضابط الكل الذي جاءَ إلى خاصّته ولم تقبله خاصّتهُ، ونحن الذين قبلناه في عقولنا وأحببناه من كل نفوسنا، وبجّلناه في أفئدتنا، فغرسَنا بنعمتهِ كرماً جديداً في أرض الأفراحِ، وأحاطنا بسياج الرحمة والحنان، وجَعَلَنا مذبحاً ناطِقاً لتقديم ذبائحِ الحمدِ والشكرانِ، وأفاضَ مياهَ الروح والحياة من فيضه العميم. والآن أهلنا ربّنا لنقدّم لكَ عنباً لذيذاً يُسِرُّ سيادتكَ ولنخدمك بطهرٍ ونقاءٍ، ونعصر لك خمرة المحبة اللذيذة، ونرضخُ بأعمالنا الصالحة، سائلين أن تطهرنا من الأعمال الشريرة، وتبعدنا عن نفاق زمرة قيافا، وتحررنا من أفكار المرائين الملتويةِ، وتحفظنا من سافكي الدماء، واجعلنا من أبناء هابيل ذلك الحمل الوديع، ولذّذنا مع اللص اليمين وسائر الذين أرضوك في ملكوتك، فنرفع لك حمداً وشكراً الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

يا مصدر الحياة وميناءَ الخيرات، يا من يرتاحُ بك المتعبون والمبتعدون بين لججِ وأمواج الخطيئةِ. تقبّل منّا هذا البخور الذي قدّمناه أمامك، وطهّرنا من كل إثمٍ اقترفناه ضدك، وأهلنا أن نتمتّع بنعمتك في خدر الأفراح الذي هيأته لأبناء الحقِّ الذين تراءوا أمامكَ بالطهر والنقاء، يا من تشاءُ بحياة البشر، ولك نرفع مجداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

القومة الثالثة من الليل ليوم الإثنين

فروميون:

أيها المبدعُ الحكيم، الذي بنعمتهِ جاءَ بكلِّ شيءٍ إلى الوجود، المنقذ الجبّار الذي بلطفهِ العميم ضحّى بذاته لأجل الخلاص، ميناء الأمنِ الذي عندهُ يجد المرهَقونَ من الخطية راحةً لنفوسِهم، موئلُ الهدوء والطمأنينة الذي يستريح في ظلّه ذوو الأعباء الثقيلة من الناموس ويجدون تحريراً، البارُّ الذي قَبِلَ أن يكونَ خطيئةً لأجل تبرير الخطأةِ، والآسي الحكيم الذي اعتبرَ ذاتهُ مريضاً ليشفي أوجاع وأسقام سائر المرضى، الذي به يجب الحمد والتسبيح في هذا وقت القومة الثالثة من الليل، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها النور الحقيقيُّ غير المُدرَكِ، يا من يهتّمُ ويعين كلَّ بشرٍ، يا من بإشراقِكَ تنيرُ الخلائق، وقد أحببتَ الإنسان منذ البدء وملأته بنعمِ روحكَ القدوس، ولما حنِثَ وصيّتك رذلتهُ وطردتهُ من الفردوس أرض الحياة، وأشفقتَ عليهِ أخيراً بمراحمك بعد أن رأيته قد بليَ بالفسادِ، وأرسلتَ ابنك الحبيب لخلاصهِ، فولدَ من البتول القديسة، ومُنحَ بتدبيره الخلاصي ضماداً وشفاءً لكلّ من لسعَتهُ الخطيئةُ، وتمرَّغَ في حمأتها، مدَّ إليه يد المساعدة، ونضحَ على جراحاتهِ خمراً وزيتاً، وبدّدَ سحابة الحزن الكثيفة عنه بآلامهِ، وملأ بنور معرفتهِ كلَّ من كان تحت السماء، تراءى شعاعاً مشرقاً وأنارَ لنا طريق الحياة لنسلكَ فيها، وهدانا إلى الحقِّ وأصبحَ لنا موئلاً للصالحاتِ الباقياتِ، فاتخذناهُ ميناءً ينجّينا من لجج بحر العالم وأمواجهِ الصاخبةِ وملجأً نرتاحُ فيهِ من أعبائنا وأثقالنا، لأنه علّمنا شريعةً جديدةً بحمل نيره الخفيف بالفكر المتواضع والهدوء الكامل. والآن بفرح القلب وابتهاج الفكر نسعد بالخلاص الذي مُنحناه، ونلهجُ بشفاهنا علناً، ونشكر جهارةً مضيئين مصابيحنا بعد خلعنا إنساننا العتيق، ونتراءى بالهيئة الجديدة، فنصل إلى محطة المجد، ونصرخ مع المرتِّل الإلهي قائلين: بنورك نستنير في الأنوار، ونسلُكَ بك كعمود النور في الليل، بك تُشرِقُ أذهانُنا يا نور الحقِّ، ونعبدُكَ بالبر وأعمال الصلاح، ونقتبل آلام ابنك الخلاصية، التي بها نبلغُ إلى ملكوتك السرمديِّ، ونلاقيكَ مع البتولات الحكيمات بالمصابيح غير المنطفئة العامرة بزيت الفضائل، في بيعَتِكَ هذه الأرضية، كي تستنيرَ وتضيءَ مصابيحَ نفوسنا بزيت الرحمة في خدرك المجيد، وبطهرِ القلبِ ونقاءِ الفكرِ وللتحرّر الكامل من الشرور والأهواء، نرفع لك هناك حمداً ومجداً، ولِوحيدِكَ وروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

يا بحر الرحمةِ والحنان، يا من تريح جميع المتضايقين والمبعدينَ الذين يلتجئونَ إليك بفيضِ حنانكَ، كُن لنا عوناً ومنقذاً بواسطةِ هذا البخور الذي رفعناهُ إليكَ، حرّرنا من أهواء الخطيئة، وامنحنا به تطهيراً كاملاً من الآثام والمعاصي يا ختن الحقِّ، لكي مع البتولات غير المتوانيات نسبّحك ونمجّدك بفرح القلب وصفاء الفكر، ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.

القومة الرابعة من الليل ليوم الإثنين (على البتولات)

فروميون:

 المجد لكَ يا من بحبّك وجزيل لطفكَ ترددّتَ معنا تدبيريّاً، وضربتَ أمثلةً كثيرةً لأجل خلاصنا، وقلت لنا في بشارتك الخلاصية: استيقظوا لأنكم لا تعلمونَ متى يأتي العريسُ، ولا تتشبّهوا بالجاهلاتِ. فإليكَ نتضرّعُ أيها المسيح إلهنا أن تؤهلنا لكي بمصابيحَ البرِّ المضيئة نخرج إلى لقائكَ الرهيب، ونُشرَكُ بين جمهور قدّيسيك في خدرك المنير، ونرفع لك حمداً وتسبيحاً الآن وكلَّ أوان وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهَنا يا من بتجلّيك متجسداً أعلنتَ لنا عن الحلّة التي سنظهرُ بها، والحكم العتيد الذي ينتظرُنا، أيها الكلمة الوحيد، يا من تأنّستَ من البتول لأجلنا، فرفعتَ منزلةَ البتولية، وجعلتها شبيهةً بالله ورفيقةً للملائكة، فشبّهتَ الملكوت السماوي بالبتولاتِ كالقديسينَ العفيفينَ المتجرّدينَ من الخطيئة، يا من رمزتَ بالبتولات العشر حاملاتِ المصابيحِ إلى نهاية العالم، فمُثّلتِ اللواتي خدمنَ بحرارةِ الحواسِ والبرِّ والتقوى بالحكيمات، ومثّلتِ المفتقراتُ الخالياتُ من زيتِ الفضيلةِ بالجاهلاتِ، ودعوتَ ذاتكَ عريساً بنعمتكَ حباً بنا وعطفاً علينا، وجعلت مدّة الإبطاء لفترةٍ بين صعودك إلى السماء ومجيئك الثاني، ووصفتَ الموت الذي يقودُ كل إنسانٍ بالنومِ والرُقاد، وأوضحتَ بالصراخ والخروج إلى لقاء العريس والعروس بالبوق الأخير، ونفير رئيس الملائكةِ الذي يدعو بالانبعاث من القبر، وأشرتَ بانعدام الزيت من مصابيح ِالجاهلات وطلبهنَّ إياه إلى نوعية الأعمال التي فعلها كلُّ فردٍ في هذه الحياة ومحاكمته عدلاً، فشبّهتَ اللواتي كنَّ مضيئات مصابيحهنَّ إلى الذين سيسرُّون بأعمالِ النور عند دخولهم إلى العرس الروحاني في ملكوتك، والذين أُظلِمَت مصابيحهم بأعمالهم الشريرة الخالية من زيت الفضائل، وطردتهم من باب الخدر المقدّس إلى الظلمة الخارجية مكتئبين متألمين. ولهذا نتضرع إليكَ أيها الإله الرحيم وختنُ الحق، يا من يدعو إلى عرسه المجيد وينادي الشعوب والأمم، أن ترضى منّا هذا البخور الذي نقدّمهُ أمامك، لكي في ذلك الليل الذي ينادي فيه البوقُ معلِناً عن مجيئك الرهيب وساعة قدومك، عندما تعتّزُ الحكيمات مبتهجاتٍ بالفرح المنتظر، وتلتحف بالكآبةِ الجاهلات بالعذاب المرتقب، عندما تنقضُّ ساعة قدومك ويُشرقُ ميعاد ظهوركَ، عندما تخرج الحكيمات مشرقاتِ الوجوه، وتبقى الجاهلاتُ في الظلماتِ، عندما تسطعُ حكمة الحكيمات بنورٍ ساطعٍ، وتُظلَمُ جهالة الجاهلات بظلامٍ دامسٍ، عندما تتوهّجُ مصابيح الحكيمات نوراً، وتُظلَمُ مصابيحُ الجاهلات. عندما تُفرَزُ الحكيماتُ المستنيراتُ، وتُرفضُ الجاهلاتُ المظلماتُ، عندما تبتهج الحكيمات بنورهنَّ، وتحزنُ الجاهلات بظلام مصابيحهنَّ، عندما تتهيّأ الحاضراتُ للدخول وتبقى المتوانياتُ بالخجل والذهول، عندما تدخل الحكيمات بفرحٍ ويوصَدُ الباب أمام الجاهلات بمرارةٍ، عندما تجد الجاهلات باب العرس مغلقاً في وجوههنَّ، وينظرنَ إلى مصابيحهنَّ المطفأة، عندما ترتقي الحكيماتُ داخل الخدر السماوي، وتضطربُ الجاهلاتُ في أعماق الجحيم، عندما تتمتّع الحكيماتُ معك بالمجد، وتندبكَ الجاهلات بالندامة، عندما ترتّل لكَ الحكيمات المستعدّات، وتنتحبُ الجاهلاتُ خارج الباب متحسّراتٍ، لا تطرحنا ربنا في تلك الساعة الرهيبة خارج الباب، لا تطفئ سراج نفوسنا في عرسك، لا توصد أمامنا باب رحمتك، لا تطردنا بجزم عدالتك، بل أهلنا أن نلقاك عند إشراقك متزوّدين بالصالحاتِ، مرتدينَ ثياب الطهر ومصابيحنا مضيئةٌ، فنستقبلك مع الأبرار والصدّيقين بلا خزيٍ، ونرتّل لك مع المدعوين إلى وليمتكَ والمتّكئين المتمتّعين في خدركَ، تسبيحاً وتمجيداً، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها المسيح إلهنا ختنُ الحقِّ، يا من علّمتنا أن نهيِّئَ كالبتولاتِ الحكيماتِ مصابيحنا للقائك عند مجيئك الثاني، فلا توصِد بابكَ في وجوهنا كالذين لا يستحقون الدخول إلى خدر أفراحك، بل تقبّل بخور ساجديكَ، وأهلنا بنعمتك لنخرجَ إلى لقائك يوم ظهورك العظيم بمصابيحَ مضيئةٍ ووجوهٍ سافرةٍ، ونحن محررَّون من كل حزنٍ وكآبةٍ، فنرفع لك حمداً وشكراً مع الأبرار والصدّيقين ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

صباح يوم الإثنين (على كرمه الحبيب)

صلاة الابتداء:

لا تدع ربَّنا أرضنا عديمة الثمار مثل كرم الشعبِ الإسرائيلي الذي أعطى بدل العنب خرنوباً، بل جفناتٍ مغروسةً في تُربتكَ المقدسة كالجفنةِ الأولى فتعطي عنباً لذيذاً، فيفرح بنا والدك، ويتمجّد اسمه معك على شفاهنا أيها المساوي له في الجوهر مع روحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

فروميون:

لكَ التسبيح أيها الفلاح الحقيقيُّ وربّ الكرم العظيم، يا من غرستَ جفنتكَ بين الشعوب المصرية، وأخرجتها بالقوات والعجائب، وملأت الأرض منها، ومع هذا لم تعطِ ثماراً لائقةً، إذ قتل فَعلَتُها أنبياءكَ داخلَ الكرمِ، وأخرجَ كهنتها ابنك الوحيد وصلبوهُ، فاستأصلتها وألقيتَ بها لتطأها الشعوبُ، وغرستَ عوضها البيعة المقدسة لتعطي ثماراً يانعةً، إياه نمجّد في هذا الصباح العظيم، وفي كل وقتٍ وحين وإلى الأبد.

السدر:

أيها الإله المحتجبُ خالقَ البرايا وسيد الكلِّ، يا من أبدعتَ العالم المنظورَ الماديَّ، وأقمتَ فيه الإنسان الأول ملكاً وسلطاناً أرضياً وسماويّاً بصورة مجدك وهيئة عظمتكَ، ولكنه زلَّ أخيراً وسقط بإغواء إبليس من رحاب الفردوس متناسياً أمركَ الإلهيَّ، وقُهِرَ بسبب الأكلة المريرة فطُرح من بين أشجار الحياة إلى سجن العبودية والشقاء، وتجرّد من عون نعمتك، أما أنت فاحتملتَ الضيقاتِ الكثيرةَ لأجله معتزّاً بعهدك المقدَّسِ الذي قطعته مع الأبرار الأولين ورؤساء الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، حفظتَ عهدَكَ له، ومنحت شعبك إسرائيل نعمتَكَ، فاخترته من بين الشعوب ودُعيَ اسمك عليه، أخرجته كجفنةٍ من مصر بقوّاتٍ وعجائبَ كثيرةٍ مذهلةٍ، وغرستهُ بعد أن حطّمتَ أمام الجفنة الشعوب، وملأت الأرض منها وكسوتَ الجبالَ بأغصانها والروابيَ من أفيائها، سيّجته بسور الشريعة المنيع، حفرت فيها معصرة الكهنوت الناموسيِّ، وبنيتَ فيها برج عهدك المقدّس وسقيته بغيث النبوءات، وسلّمته إلى فعلةٍ نشطاءَ من كهنة الشعبِ ليفلحوهُ بالنصائح والإرشادات المتواصلة ليعطيَ ثمراً جيداً، وفي أوانِ الغلال أرسلتَ عبيدَكَ الأنبياء إلى الفعلة المهملين ليأتوا بأنفسهم من باكورة الثمار، غير أنَّ الفعلةَ لغباوتهِم لم يكتفوا بعدمِ إعطاء الثمار وحسب، بل عذّبوا عبيدكَ شديد العذاب، محاكمينَ الواحدَ، وضاربين الآخر، طاردين الواحد ومحتقرين الآخر، جارحين الواحد وقاتلين الآخر، فأرسلتَ ابنك الحبيب أخيراً لتبكيتهم وتخجيلهم، فلما رأوه متواضعاً لطيفاً هادئاً، احتقروه ودعوه مجنوناً سامرياً، وجازوه بكل أنواع الإهانة، وأدخلوه للمحكمة وألبسوه ثياب السخرية، ولما تأكدوا أنه الوارث أخرجوه خارج الكرم وصلبوه على الخشبة، سقوهُ خلاً ومرارةً عوض العنب اللذيذ، أما أنت يا صاحب الكرم وغارسهُ، حكمت عليهم عدلاً، إذ استأصلت هذا الكرم اللعين، وبددته بين الشعوب، وجعلته مداساً للأمم ومرعى لبهائم البرية، ألقيت النار في أغصانه وأعواده، وثلمت سياجه وهدمت برجه وخرّبتَ معصرة كهنته وغرست عوضه كرماً صالحاً هو شعبك الجديد، الذي من مختلف الشعوب هي كنيستك التي جمعتها من شتى الأمم والأجناس، تلك التي فديتها بدم وحيدك، وارتدّت من ضلال أوثانها إلى معرفة الحق، تلك التي يعتز أبناؤها بحقك، ويدعونك ابناً لهم، تلك التي تفتكر بآلام حبيبك وتتباهى بموته، تلك التي سبق وأشار عنها النبي قائلاً، لقد تضاعف أبناء العاقرة أكثر من أولاد المتزوجة، والآن نتضرّع إليك أيها الربُّ أن تظلِّلها بيمينك، وتحطِّم أعداءها بذراعِكَ القويةِ، بدّد عنها مبغضيها واجمع البعيدين عن حظيرتها واحفظ القريبين، أبهج رعاتها وكهنتها، وقدّس شمامستها وسائر رتب خدامها، واجعل ذكراً وراحةً لأمواتها الراقدين على رجاء الإيمان بك، ونحن وهم نرفع إليك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

كُن يا رب في وسط كرمك المقدس، وتعهّده بعنايتك الإلهية، واحفظ فعلته وخدّامه من شرِّ الأعداء، واقبل هذا البخورَ الذي يُقدَّم إليك تكفيراً عن الخطايا والآثام السالفةِ، واجعل ذكراً صالحاً للموتى المؤمنين الذين رقدوا على رجائك وينتظرون يوم مجيئك، فنسبّحك معهم ومثلهم، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان.

الساعة الثالثة ليوم الإثنين

فروميون:

أيها القدوس الذي لا يوصف، غير المتألم وغير المائتِ، يا من تألم لأجل خلاص البشر، وبآلامه بدّد أحزاننا، وحطّم الموت بموته، ومنحنا حياةً خالدةً لا يعتريها فسادٌ، وخوّلَنا للحق أن نتأمَّلَ به متألماً لأجلنا دائماً، لنصلُبَ العالم وأهواءهُ، لنتمجّد نحن بمجدهِ، ونرفع له التهليل والتسبيح، في هذا وقت الساعة الثالثة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا السامي بأزليته الخفية، المسجود له والممجَّدُ بألوهيته العالية، المتساوي مع أبيه وروحه القدوس في الجوهر ولأجل خلاص جنسنا البشري تراءى على الأرض  مترددّاً معنا إداريّاً وإرادياً لتجديد جبلّته التي بَليَت بالفساد والموت والخطيئة، وليثبت النبوءات التي سبقت عنه، مفسّراً بالبرهان الناطق ما نوّه عنه العبد القديم الصامتُ، ورغمَ أنه أظهرَ من زمنٍ بعيدٍ أعمالاً كثيرةً في هذه الأرض، إلا أنَّ الشعب العاصي أنكر هذه الأفضال وتناسى الآيات والمعجزات، فحسدوه كرهاً وأبغضوه مجاناً، وأعدّوا كلَّ شيء لقتله وصلبه ظلماً وعدواناً، تآمروا عليه وكادوا له بغشٍّ وخداعٍ ليصطادوه بكلمة. استغلوا شريعتك بالإثم ليقضوا بها على نفس الصدّيق وسفك دمهِ، فوجّهوا له تحت ستار الغش والخديعة أسئلةً بغية الإيقاع به، فسألوه هل يجوز أن نعطي جزيةً لقيصر أم لا؟ ليُقيموا عليه الحجّة بادّعاء أنه يُقاوم نظام المملكة وشريعتها، وسألوه أيضاً عن مصدر السلطان المُعطى له، وهو الذي يستمدَّ منه كل سلطانٍ من في السماء والأرض وهو ملك الملوك وسيد السادات وضافرُ التيجان، ولأنه عالِمٌ بالخفايا والنيات، أجابهم بكل هدوءٍ وحكمةٍ وكلّمهم بأمثال فَطِنة حطّمت خداعهم ونفاقهم، ورغم ذلك لم يكتفوا بما سمعوا بل أثاروا سخطهم عليه بشرّهم، وهاجوا ضد آياته وعجائبه التي اجترحها بين صفوفهم فاشتكوا عليه إلى الوالي بسببها، وحاكوا المؤامراتِ والمغامرات ضده، مركّزين الوقت المتاح للقضاء عليه، إلا أنه احتمل كل شيء لكثرة نعمته وطول أناته، احتمل حسد الكهنة وحقد الكتبة وبُغضِ الفريسيين وظلم العتاة، وصوّب اتجاهه نحو موت الصليب للخلاص الكامل، ونحن المساكين الأشقياء نذكر آلامه الخلاصيّة، ونعيّد يوم افتدائنا من الخطيئة، شاكرين له نعمته علينا وجوده إلينا، متضرعين إليه مع تقديم هذا البخور، سائلين العفو والمحبة ليُحرّر نفوسنا من أهواء الخطيئة، ويجعلنا معترفين صادقين، وغير ناكرين لإحساناته وأفضاله، فنستحق أن نتقدّم بطهرٍ ونشترك بفصحه الجديد وقيامته المجيدة، فنرفع له بسرورٍ وشوقٍ حمداً وشكراً ولأبيه ولروحه القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها المتألم لأجل خلاصنا، والخاضعُ لموت الصليب حباً بنا، تقبَّل منا بخورنا هذا، وارضَ بعبادتنا وصلواتنا، وامنحنا قوةً وشجاعةً، لنشاركَكَ آلامكَ الخلاصيةَ، ونتأمل بمحبتكَ العظيمة، وبالحريةِ التي أعددتها لنا ثانيةً، سائلين الرحمةَ والراحة التامة لأمواتنا المؤمنين الذين رقدوا على رجائك بحُسنِ اليقين، لنشكرك ونحمدك ربنا وإلهنا إلى الأبد.

الساعة السادسة  ليوم الإثنين

فروميون:

أيها الراعي الصالح الذي بذل نفسه للموت وخلَّص رعيَّته من الذئابِ الخاطفةِ، الودود الذي احتملَ الآلامَ من الأدنياء، وعلَّم التسبيحَ والشكر للساجدين له، ابنُ الأحرارِ الذي استُعبدَ وتنازلَ إلى الذلِّ الاختياريِّ، وقبِلَ العارَ والهزءَ من الأثمة لخلاص العالم، الذي به يليق الحمد والثناء في هذا وقت الساعة السادسة وفي كل وقت وحين وإلى الأبد.

السدر:

لك التسبيح يا كلمة الله، يا من تواضعتَ دون أن تتركَ عرشكَ، وافتقرتَ ومكثتَ غَنياً، وتجسّدتَ ولم تتجرّد مِن روحانيتِكَ، وتأنّستَ ولم تفقد ألوهيتكَ، لك الشكر العظيم يا من قُبضَ عليك ولم تعصِ، وجُلِدتَ ولم تشكُ، ولُطِمتَ ولم تحزن، وأُهِنتَ ولم تتذمّر، وسُئِلتَ ولم تجب، واقتُدتَ كالحَملِ إلى الذّبحِ ولم تتكلّم، وعرّوك من ثيابك ولم تجزع، وألبسوك الأرجوان ولم تعترض، سمّروك على الصليب ولم تنفُر، وأذاقوك أفانينَ العذاب ولم تمتعض أو تتبدّل طبيعتك، وتكلَّلت بالشوك ولم تمانع، وسقوك خلّاً ومرّاً ولم تُخاصِم، فيا لَطولِ أناتِكَ على الذين احتملتَ منهم كل هذه الألوان، وكنت تصلّي من أجلهم، وتطلب الغفران من أبيك، مع أنَّ المشرق رآك وحزِنَ، والمغرب تأمل فيك واضطرب، وتزعزعت أركانُ المسكونةِ، وأظلمت الشمسُ في عليائها وكُسِفَ نورُ القمرِ في سمائه. تناثرت الكواكب في الرقيع، وانبعثت أجساد الأمواتِ. انشقَّ حجاب الهيكلِ، وتفطّرتِ الجبالُ والروابي، استحوذتِ الظلمةُ على البرايا، وحلَّ الليلُ في وسطِ النهارِ، ذلَّ الموت وخُضِدَتْ شوكةُ الأبالسةِ، تزحزح كابوسُ الخطيئةِ، ونُجِّيَ الجنسُ البشري. فلجزيل محبتكَ يحقُّ كلُ ثناءٍ وتقديرٍ أيها الإله المتواضع. وأمام هذا الفداء العظيمِ نَخشعُ متضرعين أن تشركنا بآلامك ومجدك، وتثبّت في أعماقنا اسمك القدوس. لنُصلِبَ العالم وشهواته حتى نستطيع أن نفتخر دائماً بصليبك حاملينَ إياهُ رمزاً وشعاراً في عقولنا وأرواحنا. سائلينَ أن تحفظنا برسمه وتُشرق أشعتهُ الساطعةَ في قلوبنا وتُسكِرنا بخمرة محبتك، وتوصلنا لفصحك المجيد والاحتفال بقيامتك الخلاصية، فنفرح بغفران خطايانا وخطايا أمواتنا المؤمنين، ونحن وهم نرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك وروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

يا ينبوعَ الحياةِ ومَعينَ الخيراتِ، يا نورَ البرايا ومجدها، اقبل منا بخورنا وصلواتنا التي نُقدمها لكَ في ذكرى آلامك الخلاصية، طالبين منك أن تشملنا برضاك وتنعم علينا بالسعادة والسلام، ليزداد فرحنا بخلاصنا، ونتجدّد بالروحِ والإيمانِ والمحبةِ، ونستحق مع كلِ الصدّيقين أن نُرتلَ لكَ حَمداً وتسبيحاً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

الساعة التاسعة ليوم الإثنين

فروميون:

يا من تألمَ لأجلنا، وهو سامٍ عن الآلام، وخضعَ لضعف البشرية متجسداً في سبيل فدائنا، ليحطّمَ بآلامه وموته أهواء الخطيئة، ويُبطِلَ قوة الشيطان، ويَدُّكَ سلطان الموت، فلا يعود أحدهما يستقوي علينا أو يذلّنا، لأنه الراعي الصالح الذي خرج في أثر الخروف الضال لينتشله من بين أنيابِ الذئابِ الخاطفةِ، إياه نسبّح ونشكر في هذا وقت الساعة التاسعة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها الرب الذي أُسلِمَ بأيدي الخطأة ليحرّر عبيد الخطيئة من عتقها، شمسُ البرِ الذي اكتنفته ظلال الظلمة فبدّدها بقوّته الإلهية لينير النفوسَ المُظلمةَ، حاكم الحكّام الذي دِين بإرادته لينجينا من العذاب والعقاب، جبّارُ العوالمِ الذي قُيّدَ ليفكَّ عنّا قيود الخطيئة، القدّوس الذي سُخِرَ به، ليخلّصنا من الخزي والعار، ملك الملوك الذي لُطِم برغبته. ليمنحنا الفرح الكامل، الجليل الذي عرّوه من ثيابه ليبعدنا عن الآثام. المتواضعُ باللهيبِ الذي ألبسوه الأرجوان، ليخلعَ علينا حُلّةَ المجدِ، العظيم الذي اُحتقرَ ليمنحَ لنا الكرامة والوقار. الجبّارُ الذي أظهرَ الضعفَ والخوفَ ليعطينا القوةَ والشجاعةَ، الإلهُ الذي صلّى بحرارةٍ ليعلِّمَنا كيفَ نُقدّم لهُ الصلاة المقبولة. المتعالي الذي صُلب بإرادته ليصلب الخطيئة. البار الذي أحصيَ مع الأثمة ليحصينا مع القديسين. المتألمُ الذي احتمل الآلام والموت ليحررنا منهما، ويبعثنا وأمواتنا بقيامته.

فيا أيها المسيحُ إلهنا، يا من كابدتَ كُلَّ شيءٍ لأجلِنا، نتضرّع إليك أن تقوّينا لنطرح عنا أعباء العالمِ وشرورهُ، ونطأَ شهواتِه وأهواءهُ، ونَدفِنَ كلَّ الرذائلِ والأعمالِ السلبيةِ التي تبعدنا عن محبتك، لكي تفتقدنا بنعمتك، فنحيا دائماً لك، ونمثُل أمامك بطهرٍ وقداسةٍ. ونستمدَّ الفرحَ والسرورَ الشامل عوض العذابات والضيقات، فيفرح بنا أبوك بواسطتك، ويرتاح بنا روحك القدوس، ونستظلّ مع المختارين في المظال النورانيّة، ونحظى بالسعادة غير الزائلةِ، حيث هناك نقدّم ذبائح الحمد والشكر، مع آيات التسبيح والتهليل ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أهِّلنا ربَّنا أن نقدّم لك صلواتنا وتضرعاتنا بنفوسٍ نقيّةٍ، ونحنُ متمنطقون بالمحبةِ، ومتدرّعون بحقكَ سلاحاً، يا من أبهجت بيعتك بآلامكَ، ومجّدتها بصليبكَ، تقبّل بخورنا الذي به نرضخُ، فنستحقَّ معاً أن نسجد لسيادتك، ونسعد بخدرك، ربنا وإلهنا إلى الأبد.

مساء يوم الثلاثاء

صلاة الابتداء:

يا حملاً طاهراً لا عيبَ فيهِ، اقتادهُ الأشرارُ إلى الذبحِ، وصَمَتَ لتواضعهِ، وحملَ خطيئةَ العالم بذبيحتهِ، أهِّلنا أن نشارككَ بآلامكَ وموتكَ، ونضحّيَ لكَ بذبائحِ الحمدِ والشكرانِ، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

فروميون:

أيها المتعالي عن كلِّ الآلامِ إلهياً الذي احتملتها بنعمتكَ لأجلِ خلاصنا تدبيريّاً. أنتَ ديّان الأُمَمِ والقبائلِ يامن قدمتَ ذاتك عوضِنا ذبيحةً فوقَ مذبحَ الجلجلةِ، يا قابل الذبائح والقرابين مع أبيك وروحك القدوس، نتضرّع إلى تواضعك سائلين رحمتك أن تقبل من أيدينا نحن الخطأة عبيدك هذا البخور، وامنحنا به غفران خطايانا وآثامنا، وذكراً عاطراً لأمواتنا، في هذا وقت المساء العظيم وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلَهنا خِضمَّ المراحمِ الذي لا يُسبرُ غَورُهُ، يا من أهبطته محبتهُ إلى آلام الصليب، وباتضاعه وهب لنا الخلاص الكامل، ومنحنا الحياة الخالدة، ولذلك نتأمّل بآلامه الخلاصية وتواضعهِ، وبصليبهِ المملوءِ بالأسرارِ المقدسةِ. نسجدُ ونرتّل بألحانِ الروحِ القدسِ قائلينَ: هذهِ هي الآلام الخلاصية التي أماتت أهواءَ نفوسنا، وأعادتنا إلى الفردوسِ الأولِ، هذهِ هي الآلام الخلاصية التي كشفت زيف يهوذا الإسخريوطي وبسببها قضيَ على حاكم الحكّام مصلوباً، هذه هي الآلام الخلاصية التي قادتنا إلى القيامةِ المجيدةِ، وجمعتِ الرسلَ الأطهارَ، حولَ خروفِ الفصحِ، هذهِ هي الآلام الخلاصية التي لأجلها لَطمَ العبدُ سيّدهُ وقد أُظلمتِ النيّرات في الرقيعِ، هذه هي الآلام الخلاصية التي انحلّت فيها عناصرُ المسكونةِ، وبها مُنحَ المؤمنونَ حياةً خالدةً لا تزول، هذه هي الآلام الخلاصية التي بها مُنحنا النعم الإلهية، ولأجلها سُقيَ المخلِّص خلّاً ومرارةً، هذهِ هي الآلام الخلاصية التي بها تمَّ الخلاص للجنسِ البشري، وأمامها صمتَت الطبائعُ لما رأت الخالقَ على الصليبِ، هذهِ هي الآلام الخلاصية التي فيها انقضّتِ الذئابُ الخاطفةُ على الراعي الصالحِ، فأوصلتهُ إلى الخشبةِ، هذه هي الآلام الخلاصيةِ، التي عندها جازى الشّعبُ العقوقُ الكَنودُ عِوضَ الخيرِ بالشّرِ، هذهِ هي الآلامِ الخلاصيةِ التي قدّمَ في غمرتها الابن صلاته إلى الآب سامع الصلوات، هذه هي الآلام الخلاصية التي أُعلِنت فيها الأسرارُ الخفيّةُ، وبها ظهرتِ الآياتُ والعجائبُ في الصخورِ والقبورُ التي تشقّقت وتفتّحت، هذه هي الآلام الخلاصية التي بها تمجّد الآب بابنه المصلوب.

ونحنُ الخطأةَ الضعفاءَ إذ نستعيدُ هذه الذكرى المباركة نضرعُ خاشعين إلى حنانك، أن تقبلَ منّا هذا البخور، وتمنحنا الرحمة التي لأجلها كابدَ ابنك الحبيبُ الآلامَ والموتَ، واغفر لنا ما اقترفناهُ أمامكَ مِن الزلّاتِ والذنوبِ، واقبل منا صومنا وصلواتنا ونذورنا، وبلّغنا وأمواتنا إلى يوم قيامتك المجيدة، لنسبّحك ونمجّدك معاً بلا فتورٍ، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

تقبّل من بيعتكَ المُفديَّةِ بصليبكَ هذا البخور، وانصتْ مَليّاً إلى تضرعاتِ أغنام رعيتكَ الفخورةِ بصليبكَ وموتكَ، واسمع صلوات خطيبتكَ المعانقةِ لجراحاتكَ. احفظ ميراثك من كل الآلام والأحزان، لنشارك حياتك الفدائية، ونفرح في قيامتك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

 

 

 

صلاة الستار ليوم الثلاثاء

فروميون:

أيها العادلُ الذي لعنَ التينةَ اليابسةَ التي لم تعطِ ثمراً، واستأصلَ الشعبَ الذي لم يقدِّمِ التسبيح والشكران، وغرس بنعمتهِ البيعة المقدسة خطيبتهُ التي أقامَها عن يمينهِ مزدانةً بالنعم والخيراتِ، لأنها اعترفت بآلامه الخلاصية وافتخرت بجراحهِ وشُفيَت بحُبرِهِ. له يليق الحمد والثناء في هذا الوقت وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها الرب الممجّدُ بعظمته وغيرُ المحدود بأفكارهِ، المتمنطقُ بالبهاءِ والقوةِ، والمتسامي بكثرةِ نعمتهِ، الغنيُّ بحكمتهِ، العجيبُ بجمالِ أزليّتهِ، الخالقُ الذي زيّنَ البرايا بزيناتٍ سماويةٍ، وألبسَ المسكونة حلّةَ مجده، المبدع العظيم الذي هيّأَ كل شيءٍ بحكمته وبسط السماء بقدرته، يا من أعطيتَ موسى كليمكَ الشريعة ليزيّنَ بها جِيدَ العروسِ ابنة العروسِ، أي الجامعة المنبوذة، قدّمتَ خاتماً وجمّلتها بالرموز العاليةِ والمعاني الساميةِ، وخلعتَ منها حلل قبة الزمان، وجعلتها عفيفةً نقيّةً وحجبتها في خدرِ الشريعةِ كابنةٍ حبيبةٍ وسمّيتها جفنةً ممجّدةً، وغرستَ فيها أقوالَ النبوءةِ، وسيّجتها بسياجِ الوصايا الإلهية، وحفرتَ فيها معصرةً لتقديم الذبائح والتطهيرِ، وأفضتَ عليها من سُحُبِ النبوءات غيوثاً، وأغنيتها بأمطار الخيرات، وميّزتَ منها سبط الملوكية لكي تتسلسل منهُ الإدارة والقيادة، وسلختَ منها غصناً مختاراً ليكون مهيأً لتكريم جلالك العظيم، وعندما حنثَت بعهدكَ ورذلت شريعتكَ بجسارتها وكبريائها وقتلت أنبياءكَ، وفضَّلتْ عليك الأصنام والمنحوتاتِ، تألمتَ لأجلها أيها الختن القدّوس، ونزلتَ رحمةً منك مكمّلاً كل أقوال الأنبياء ورموزهم التي سبقَتْ وأشارتْ إليك، دخلتَ قبل كل شيءٍ إلى أورُشليمَ، ويمّمتَ رأساً صوبَ التينةِ التي على قارعة الطريق المشيرةِ إلى جماعتك الظالمةِ، وتراءيتَ أنكَ جائعٌ إلى ثمارها، وجئتَ تطلبُ منها ثمراً ولم تجد في كلتيهما، فلعنتَ الأولى فيبِسَتْ وطردتَ الثانية من بيت أبيك بقوتك وعدلك. ولذا نتضرع إليك أيها اللطيفُ بالعبادِ أن تجعلَ من كنيستكَ خطيبةً عفيفةً طاهرةً لتعظّم أثمار البركة والخيرِ التي ترضي ألوهيتَكَ، وارفع شأنها في أقطارِ المسكونةِ، وزيّن صفوفَها بالمواهبِ والمُنح السماوية، لترفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

ارتضِ يا رب ببخورنا الذي رفعناه إلى جلالكَ في هذا المساء، واقبل دعاءَنا وطَلِباتِنا التي نقدّمُها لكَ في ذكر آلامك الخلاصية لأجلنا، سائلين المراحم الغنيّة والنعم الوفيرة، وطالبين لنا غفراناً وصفحاً كاملَين عن خطايانا وآثامِنا وراحةً ورحمةً لنفوس أمواتِنا، لنشكُرَكَ ونقدّم معهم ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

القومة الأولى ليوم الثلاثاء

فروميون:

حمداً لا يُحَدُّ وتكريماً متواصلاً نقدِّمُ للمخلّصِ الذي جعل من صليبه سلاحاً ماضياً درَّع به رعيتهُ، وأعطى تُرسَ الخلاص لميراثه، ورفعَ به شأن بيعتهِ المقدسة، وحمى به قطيع أغنامهِ الناطقة، وأخزى به الصالبينَ، وأبهجَ المؤمنين المفتدين، له يليق التسبيح والإجلال في هذا وقت القومة الأولى من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا يا كلمة الآب وابنه الوحيدَ، صورة والده ومثالهِ، يا من أشفقتَ على جبلّتكَ وتنازلتَ بإرادتكَ لخلاصنا، لبستَ جسدنا الضعيفَ، واتحدتَ به في الرحمِ البتوليِّ، وتألمتَ لآلامنا ومتَّ كإنسانٍ وأحييتنا بموتك لإتمامِ الخلاص لسائر الأحياء والأموات، فبدّلتَ الموت بالحياةِ، والآلام بعدمِها، وإنّك الإلهُ بطبعك، وإن اتحدتَ بضعفِ بشريتنا وخضعتَ لضيقاتِ وعذاباتِ اليهودِ، فقد اهتزت الطبائعُ واضطربت العناصر لعدم احتمالها هوان خالقِها، الشمسُ أخفت أشعّتها لما رأتك معلّقاً على الصليب، بينما قلوب الصالبينَ القاسيةُ لم تتفطَّر حزناً ولم تخجل من هذا الحدث العجيبِ، إذ لم يتعرفوا عليك أيها المخلّصُ ولو عرفوكَ لما صلبوكَ. تشقّقت الصخورُ، انشقَّ حجابُ الهيكلِ، تزلزلت الأرضُ، يهوذا شنق نفسهُ، قام الأمواتُ مؤكدينَ صدقَ القيامةِ، ومعلنينَ بأنَّ الذي صُلبَ هو الإله حقّاً، صرخ قائد المئةِ هذا هو ابن الله جهراً، اعترفَ اللص وآمن بك، وأنَّ لاهوتَكَ لم يفارق نَفسَك ولا جسَدَكَ عندما انفصل الأخيران عن بَعضِهما، بل بقيَ متحداً بهما، وأنك متَّ من أجلنا وعوضنا وليس لأجل ذاتك، وبقولك لأبيكَ يا أبتاه في يديكَ أستودعُ روحي أودعتَهُ نفوسَ جميعِنا، وبهبوطِكَ إلى الهاويةِ بشّرتَ بالانبعاث جميع المأسورينَ منادياً إياهم بالانبعاث، ومنيراً الأسرى في الظلماتِ. ولهذا عند تأملنا بهذه الآياتِ والعجائبِ التي صنعتها وافتقدتنا بها، نمجّدك قائلين: ليست مناداتُكَ لخليقتِكَ وبعثُكَ إياها بأعظمَ من آلامكَ، وامتدادُكَ على الصليب ومصارعتُكَ الموتَ وإقامتُكَ إيانا بحلّةِ الانبعاثِ والرجاء الجديدةِ، متضرعين إليك أن تؤهِّلنا لحمل صليبكَ والاقتداء بك في آلامك، وإماتة سائر الأهواءِ والشهواتِ الجسديةِ، مع دفن الأحقادِ والرذائلِ، لننالَ بكَ الحياةَ الخالدةَ، ونحظى بالسعادةِ في المظالِّ النورانيةِ، ونرفع لك مجداً وتعظيماً ولأبيك المبارك ولروحك القدوس المسجود والمساوي لك في الجوهر، الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

يا ربنا يسوع المسيح الإلهُ المتألمُ الذي جاءَ إلى خاصتهِ ولم تقبلهُ وسلّمتْهُ للموتِ، أنتَ مصدرُ الحياةِ ونور الخلائقِ، والمتعالي عن الآلامِ، شئتَ بمراحمكَ أن تذوقَ الموتَ والصليبَ لأجلنا، فارتضِ منا بهذا البخور الذي عطّرناهُ لك تكفيراً عن خطايانا، وامنحنا به غفراناً كاملاً لسائرِ معاصينا، لنشكركَ ونسبحك ربنا وإلهنا إلى الأبد آمين.

القومة الثانية ليوم الثلاثاء

فروميون:

أيها الممجَّد بقوة عظمتهِ، والمسجود له بكثرة تواضعهِ، يا من يسمو عن الكلِّ بمجدهِ، وقد تواضعَ أكثر من الكل لمحبّتهِ، يا من أكملَ خلاصهُ لخائفيهِ، وهو الوحيدُ في سمائهِ، ضابط الكل بقدرة كلمته وقد اتحد بنا بإرادته ووافر حنانه، الذي أبهجَ العالم بظهورهِ، ومنحَ السلطة والقدرة للجميع بآلامهِ، له يليق المجد والوقار، في هذا وقت القومة الثانية من الليل وفي كل الأوقات وإلى أبد الآبدين.

السدر:

يا يسوع المسيح الذي كمّلَ كل الأسرار بذاته، وطبَّقَ نبوءات الأنبياءِ التي سبقت وتنبأَتْ عن مجيئه، مصدرُ الأمن والسلام الذي ثلمَ سياجَ العداوةِ من الوسطِ، وحطَّمَ التقاليد القديمة، وجدّد الإنسان وجعله كاملاً، مُبعِداً إياهُ عن الختان اليهوديِّ، طولُ الأناةِ التي ثار عليه الكتبة والكهنة صاخبينَ، ينبوع السلام الذي قتل التنّين، وقد استعد ليطأَ الثلّابَ بعقبِ صليبهِ، القويُّ الذي بذل نفسه وسلّم ذاتهُ وسُجنَ لأنه شاء أن يتجسَّدَ، وجُلِدَ لأنه رضي بالاتحادِ بنا، العظيم الذي احتضنته الجلجلة بعد أن ولدته الأحشاء البتولية، ولأنه رضيَ بالرحم أن يستوعبه فقد فُتح له القبر ودُفن لأنه جانسنا وعاشنا، باعثُ الأموات قد أُحصيَ كأيِّ ميِّتٍ، وهو مصدر الحياةِ، الملح الذي اختفى عنا في بساطته، وحجبَ ألوهيته بناسوتهِ، العجيب الذي رآهُ الحكّامُ ولم يعرفوه، وأخزى بتواضعه الأبالسة، وفضح بأوجاعه الكهنة، وأبطلَ بسكينته حكمة الحكّام، وأبكمَ المجادلين والباحثين عنه، فلم يستطيعوا له وصفاً أو تفسيراً، ولا إدراكاً أو تعبيراً. إليك أيها الإله غيرُ المُدرَكِ نقدّم بخورنا، سائلين أن تفتقد برحمتك بيعتك المقدسة المفديّةَ بدمك الزكي، أبعدْ عنها الخصام والشغب، وأطفئْ من بين صفوفها نارَ الكبرياءِ والحسدِ، وحطِّمْ البدع من بين أبنائها، كُن مستأثراً بأعداء ميراثك المخلَّصِ بدمِكَ، ثبِّتْ الإيمانَ راسخاً في كل الكنائس والأديرة، وأهِّلنا إلى ملكوتك، واجعلنا أولاد النور، لأنك رحيمٌ وغزير النعم، ولك نرفع حمداً وتسبيحاً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

يا حمل الله الحي، ورئيسَ أحبار إيماننا يسوع المسيح، يا من طأطأت نفسك واتخذت صورة عبدٍ وصوِّرتَ في شبه الناس ولم تتغيّر من كونك إلهاً، فامنحنا برحمتك الغزيرة بركاتٍ وخيراتٍ، واقبل بخورنا هذا الذي قدّمناهُ أمامك، ولنتألّمْ بآلامك ونتشبّه بتواضعكَ ونفرح في ملكوتك السماوي مع جمهور قديسيك، نرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

القومة الثالثة ليوم الثلاثاء

فروميون:

أيها الكلمة الإلهيُّ الذي أُرسِلَ من الآب لتتميمِ أسرار الناظرينَ بذاتهِ، وتكميل أقوال الأنبياء بذبيحة جسده لأجل خلاص جبلّته، ابن الله الوحيد الذي سبق وصوَّرَ إبراهيم رمزه ورسم إسحق ذبيحته على الخشبة مُظهِراً مجد يومه، الذي يليق به المجد والوقار، في هذا وقت القومة الثالثة من الليل، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

يا الله الكلمة ابن الآب المحجوب، غير المخلوق وغير المُدرك، يا من لأجل خلاص البشرية التي كانت رهينةَ المعصيةِ، اتحدتَ بنا أُقنوميّاً وطبيعياً، وتجسّدتَ من البتول مريم ابنة داود، وأنتَ إلهٌ، وصرتَ إنساناً بدون تغيُّرٍ، وسُمِّيتَ ابن داود وابن إبراهيم بشريّاً، وعندما أردتَ أن تُعلنَ ذاتك لليهود بأنك إله إبراهيم وربُّ داود، قلت لهم: إنَّ إبراهيم أباك اشتهى أن يرى فرأى وفرِحَ، وإنني كائن قبل إبراهيم، وصرّحَ داود، قال الرب لربي اجلس عن يميني، فإذا كنتُ ابنهُ فكيف يدعوني بالروح ربَّهُ؟ يا من برمزك اقتيد إسحق إلى الذبح كما جئتَ أنت لتكمِّلَ مشيئة أبيك، يا من بسرّك ركب إسحق على الجحشِ كما ركبت على الأتان عند دخولك أورشليم قبل التضحية، بسرّك حمل إسحق الحطبَ وصُعِدَ إلى الجبل كما حملتَ أنت الخشبة التي صُلبتَ فوقها على الجلجلة، بسرّك سأل إسحق أباه أين الخروفُ للذبيحة كما قلتَ أنت لأبيك يا أبتاه إن أمكن فلتُبعد عني هذه الكأس، بسرّك كمَّلَ إسحق وأبوه رمز الذبيحة كما قوَّمتَ مع أبيك أُسس الأرض. بسرّك رُبطَ إسحق وهو صامتٌ ووُضِعَ فوقَ الحطب كما سُمِّرتَ على الخشبة صامتاً، بسرّكَ ظهر الحمل من الشجرة في حينه فذُبِحَ عوضه كما دُعيتَ في النبوءة حملاً وكبشاً من البتول في ملءِ الزمان وذُبحتَ لخلاص العالم، فحرّرتهُ من قيد الضلال والخطيئة، وكما فرَّحَ الرب إبراهيم بنجاة إسحق وسارة برؤية ابنها، هكذا ابتهج أبوك بخلاصِكَ وبقيامتك وانبعاثك. والآن نسألك يا رب أن تحلَّ عنا رباط الخطيئة، وتنجّينا من الموت القاسي، لنرتقي بيومك العظيم ورؤيتكَ الإلهية، ارفعنا إلى أحضان إبراهيم وإسحق ويعقوب، ولذِّذنا وأمواتنا المؤمنين بسعادتك الأبوية، لنرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

يا كلمة الله الذي أبهجتَ بسرِّكَ إبراهيم وخلّصتَ إسحق من الذبح، ونجّيتَ العالم بذبيحتك على الجلجلة، وقدّمتَ ذاتك عطراً لذيذاً لإرضاءِ والدكَ، فرِّحنا الآن بنعمتك ههنا بخلاصنا من الشرير، وفي العالم العتيد برؤية وجهك البهيِّ، ومتِّعنا مع الخراف عن يمينك في ملكوتك، يا من تألمتَ لأجلنا فنمجّدك ربّنا وإلهنا إلى الأبد.

القومة الرابعة ليوم الثلاثاء

فروميون:

أيها العالي والمتسامي بأزليتهِ، يا من تبجُّلهُ القوات العلوية، قد احتُقِرَ من اليهود ناكري النعمةِ، الذي يزيّحُهُ الكاروبيم في عجلاتهم الناطقة، الكهنة دانوه زوراً وبطلاناً، القدّوس ومقدِّس الكل الذي جدَّف عليه كتبةُ الشعبِ والفريسيّون، مع أنه يتقدَّسُ ثلاثيّاً من الساروفيم له يليق المجد والسجود والإجلال، في هذا وقت القومة الرابعة من الليل، وفي كل الأوقات وإلى أبد الآبدين.

السدر:

أيها الرب الصالح الذي جاءَ وكمَّلَ الرموز التي سبق الأنبياء وصوَّروها عنه، وقد صارَ ذبيحةً وغفر للعالم بسفك دمه الزكيِّ، المخلّص الذي ضحّى بذاتهِ لوالده فحصلنا على الخلاص، الرفيع الذي صُوِّرَ ميلادهُ وموتهُ بالحمل الذي وُلد من الشجرة وافتدى إسحق من الذبح، وبهذه الرموز أعلنَ لإبراهيم يوم آلامه وقيامته، البسيط الذي احتقره إبليس لتجسدهِ، النور الذي احتدمتْ لأجله الأنوار مع الظلال لتواضعه وتنازلهِ، الجميل الذي خلعَ ثيابه الأشرار ولم يتعرَّ، وفضح بخلع ثيابه أركون العالم، القويُّ الذي حمل البرايا بإشارته، لكونهِ إلهاً قد حمل صليبه وخضعَ للآلام دون أن يتغيّرَ، الحيُّ الذي شربَ كأس الموت لتشبّهه بنا، وقُضيَ عليه لمساواته مع أبيه، العالي الذي هبطَ إلى الهاوية كالمائت، ودكَّ أسوارَها كحيٍّ، فأنت أيها الإله لحبِّكَ غير المُدرَك وتواضعك الجسيم نقدّم هذا البخور، راجينَ أن تقبله بلطفك من أيدينا الضعيفة، وقوِّنا لحفظ وصاياك، وأبعد عنا كل فكرٍ ضدَّ حقكَ، لأجل اسمك الذي دُعي علينا في قدس أقداسك الذي تهربُ منهُ الشياطين وتتلاشى للهاوية لدى سماعها إياهُ، ويبتعد العدو من ذكره، أهِّلنا أن نحارب العصيان بالإيمان ونذلِّلَ الغضبَ والكبرياء بالتواضع، ونحطِّم كلَّ طبيعةٍ مولِّدةٍ للشرِّ في نفوسنا، وامنحنا عقلاً نيّراً وفكراً طاهراً مع أعمال البرِّ، لنبلغ إلى النهاية السعيدة التي ترضيك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

 

العطر:

اسمع يا رب لصلواتنا، وأنصت إلى تضرعاتنا، ولتُقبَل أمامك كبخورٍ عَطِرٍ رائحةً لذيذةً، واجعلنا أهلاً لنحظى بنصيب القديسين الأطهار والشهداء الأبرار، الذين أرضوك بأعمالهم وحصلوا على إكليل المجد، لنشكرك ونمجّدك على نعمك الوافرة نحن وأمواتنا يا ربنا وإلهنا إلى الأبد.

صباح  يوم الثلاثاء

صلاة الإبتداء:

انزع يا رب عن قلوبنا لثام الأهواء الشريرة والخطايا بواسطة آلامك الخلاصية أيها المسيح إلهنا، وأهِّلنا أن نتألم بآلامك ونفرح معك يوم قيامتك، ونرفع لك سبحاً وحمداً الآن وإلى الأبد.

فروميون:

لكَ المجد يا من تنازلتَ من أجلنا مع بقائك في علوَّكَ، أيها العالي الذي انحدرتَ إلينا ولم تفارق مكانَكَ، أيها الإله الذي تأنسّتَ وبقيتَ متحداً في لاهوتك رغم تجسّدك، أيها الحيُّ الذي صُلبتَ متجسّداً ولم تفارق ذاتك، أيها المائت الذي متَّ بالجسد ولم تتغرّبَ عن مجدك، يا من بك يليق الحمد والسجود في هذا الصباح العظيم، وفي كل وقتٍ وحينٍ وإلى الأبد.

 

السدر:

أيها المسيح إلهنا، المتعالي عن الآلام بأزليته الرفيعة، يا عارف الخفايا وفاحص الظواهر، يا من سبقَ وأعلنَ لتلاميذهِ القديسينَ قبل آلامهِ عن رسالة الفداء بقوله لهم: هو ذا نحن صاعدون إلى أورشليم وابن البشر يُسلَّم إلى أيدي الناس الأثمة فيجلدونهُ ويصلبونهُ، ويقوم في اليوم الثالث، ولذا فنحن نعترف بك أيها الإله غير المتألم بطبعك وقد تألمَّتَ متجسّداً لتخلّصنا من آلام الخطيئة، ساجدين لك ومعترفين بك، وبألفاظٍ روحيةٍ نصرخ قائلين: هذا هو حمل الله الذي سيقَ كالحمل إلى الذبح، وكالنعجة أمام جازّيها صامتاً وقت صلبهِ، وجلدهُ آلُ قيافا ظلماً، هذا هو حمل الله الذي كشف غشِّ يهوذا الإسخريوطي، وقد حاكمه وشجبَهُ أعوان يهوذا بدون ذنبٍ، هذا هو حمل الله الذي آمن به لص اليمين ومنحَ الحياةَ لكنيسته، هذا هو حمل الله الذي ارتجَّتِ الأرض وقت آلامه وأظلَمت الشمس عندما رأتهُ عرياناً، هذا هو الله الذي تشقّقت الصخور وتزعزعت الجبال والآكام وقت صلبه، هذا هو حمل الله الذي أسقوهُ عند عطشه خلّاً ومرارةً، وضفروا على رأسه إكليلاً من الشوك محتقرين إياهُ، هذا هو حمل الله الذي تراءى في الحلم لامرأة بيلاطس مثبتاً لها أنه الإله الحقيقي، هذا هو حمل الله الذي احتمل الهزء والعار عوض آدم المذنب، هذا هو حمل الله الذي أهانه الظالمون ولطمهُ رئيس الكهنة على خده، هذا هو حمل الله الذي لم يردَّ وجهه عن العار والبُصاق، وسمَّر الكهنة الأغبياء يديه ورجليه بالمسامير، هذا هو حمل الله الذي صرخ على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني، وأسلمَ روحهُ بيد أبيه السماوي، وهبط إلى الهاوية وأيقظ الراقدين فيها بصوته، وأبهج الأبرارَ بافتقادهِ إياهم في مراقدهم. ولهذا نسألك متضرعين إلى جودك وكرمك أيها الرب الرحيم أن ترحمنا بجاه آلامك الخلاصية التي احتملتها لأجلنا، كن عوناً وملجأً لنا، وأهِّلنا وأمواتنا نحن الذين آمنا بك واعترفنا بصليبك، لنقوم عن يمينك ونرى إشراقة وجهك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها الميرون الزكيُّ والناردين طيب الرائحةِ، يا من بدّدَ عنّا نتنَ الخطيئة بذبيحته المقدسة على الصليب، وعطَّر المسكونة بعبق أريجه المُنعش، أيها البستاني الحكيم تقبّل منا هذا العطر الذي قدّمناه بأيدينا المترهِّلةِ، واقبله بسرورٍ وارتياحٍ، واغفر به لبيعتك في كل الأرض، وامنح تطهيراً كاملاً لكل المنادين باسمك، فنرفع لك حمداً وسبحاً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

الساعة الثالثة  ليوم الثلاثاء

فروميون:

أيها الرب العادل الذي بدّدَ صالبيه بعدلهِ، وجمعَ شتات الساجدين له بنعمته، الحكيم الذي أذلَّ القوة بالضعف، وحطَّمَ الكبرياء بالتواضع، وأخضعَ شوكة السلاطين بنفوذه، وقلبَ كراسي الرؤساء والسيادات بأحزانهِ وآلامه، ورذلَ فلسفة الحكماء بالبساطة والسذاجةِ، ومزَّقَ سفن ترشيش بريحٍ قويةٍ هبَّت من صليبه، وثلَمَ مجادفَ سفن الإثم والمعاصي بآلامه الخلاصية، إياه نسبّح وله نشكر في هذا وقت الساعة الثالثة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.


 

السدر:

أيها الرب القويُّ ضابط الكلِّ، يا كلمة الآب الحي، يا ينبوع الأشفية ومانح الخلاص للجنس البشري، أيها المتعالي عن كل علمٍ وفهمٍ وتحديد الخلائق لاحتجاب ألوهيته السامية، يا من أُبصِرَتْ صورةُ جلالك التي تشوَّهتْ بالخطيئة، واستُعبِدَتْ لشهواتِ إبليس، فدفعتك مراحمك الأزليّة أن تهبط إلينا وتتجسّد بدون تغييرٍ أو تبلبلٍ، وبقيتَ إلهاً في احتجابك غير المُدرك، واحتملت كل الضعف البشري الوضيع إرادياً، لتمنح الألوهة للإنسان، وتحرّره من الأهواء السَمِجة التي انتابته، ويمَّمتَ وجهك إلى آلام الصليب لتحطِّم من سبَّبَ لنا الآلام والأوجاع، وترفعنا فوق كل ضيقٍ وحزنٍ. ولذا نتضرّعَ إليك أيها الرب الإله أن تشفينا بها، وتقوّينا على الخطيئة، وتنقذنا من مكائد إبليس المارد المُهلكة، محطّماً رئاسته تحت أقدامنا بقوة صليبك المسجود له، ولنظفر في هذه الحياة مفتكرينَ بآلامك، فنتمجَّدَ بالسعادة الخالدة الإلهية، وتُبعد عنا كل قوةٍ مضادةٍ، وتُمهِّدَ أمامنا السبل المستنيرة القويمة البعيدة عن الزللِ والشططِ بحقِّ آلامك الخلاصية، ونستنيرَ بكَ أيها الإله غير المتألّم بجوهرك، وإن خضعتَ لها بإرادتك، جدّد فينا دوماً عربون خلاصك، وهيئنا لعيد فصحِكَ وقيامتك المجيدة، واحفظ بيعتك بحنانك، وثبّت المسؤولين فيها من كل انحرافٍ، لنرفع لك مجداً هَهنا في يوم قيامتك، وهناك مع جموع السماويين وأجواق القديسين نرتّل لك تسبيحاً، ولأبيك المبارك الذي شاء بخلاصنا, ولروحك القدوس مكمّل ومقدّس نفوسنا، الآن وكل أوان وإلى الأبد.


 

العطر:

أنِر يا رب عقولنا بنور الإنجيل، وثبّت نفوسنا بمحبة صليبكَ، وطهِّر أفكارنا وصُنها رائقةً بحنانك، وأيقظ قلوبنا لنتأمّل عجائبك ونسبّح اسمك، وعطِّر فينا رائحة الأعمال الفاضلة التي ترضيك، واقبل بخورنا لإرضاء سيادتك ربّنا وإلهنا وإلى الأبد.

الساعة السادسة  ليوم الثلاثاء

فروميون:

يا رئيس الأحبار السماوي، يا من ضحّى بذاته قرباناً لغفران خطايانا، وخلّصنا بآلامه وتواضعه العجيب، وشفى بخشبة صليبه تلك الضربة الأولى القاسية في اجتياز الوصية، ومنحنا اللذّة الروحية عوض تلك المُرّة القاتلة، إياه نسبّح وله نشكر في هذا وقت الساعة السادسة من النهار العظيم وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها الخالق ومُبدع جميع البرايا، يا من أنت عديم الموت ذاتياً، وشئتَ به أخيراً حبّاً بخلاصنا، فجئتَ إليه منقاداً، لتُميت فينا أهواء الخطيئة بآلامك وموتك، احتملتَ العار والهوان من اليهود، ووقفتَ أمام بيلاطس كمذنبٍ، وأنت ديّانُ الجميع، أُسلِمتَ للموت كفاعلٍ للشرِّ، بينما تُبجَّل في الأعالي فوق مركبات الكاروبيم، ارتفعتَ على الصليب بإرادتك، أنت الذي تحتجب الملائكة من أمام نورك، سُمِّرتَ على الصليب عرياناً، فأَظلَمتِ الشمسُ في وسط الظهيرة، وقدّستَ الهواء ببسط يديك، وجذبتَ الجميع للسجود لك ولأبيك ولروحك القدوس، أجل طهّرتَ برائحتك العابقةِ الهواء المدنَّسَ بزهومةِ الذبائح، ومزّقتَ حجاب الهيكل بصراخك فوق الصليب، اهتزَّتْ الأرض وتشقّقت الصخور وتفتّحت القبور وتحطَّمَ إبليس، بشّرتَ الراقدين بالحياة وعدم الفناء، فقاموا من قبورهم مُعلنينَ حقَّ قيامتك، ولهذا نتضرّع إلى جود نعمتك ومراحمك الأزلية التي سكبتها على جنسنا الضعيف في هذا يوم تذكار آلامك، أن تبعدنا عن الآلام المؤذية، وتحرّرنا من جميع الأهواء الشريرة، وتسلّحنا بقوتك الإلهية، لنقوم ضد سهام الشرير، وننجو من فخاخ الخطيئة ونغلُبَ بك كل أعمال العدو، احفظنا بعلامة صليبك الحي، واحمنا تحت أكنافه، فلا نُخزى مع الذين كفروا بخلاصك وأنكروا فداءك، لا نُحتقَرُ مع الذين استهانوا بآلامك، ولا نتقِّدُ بالنار مع الجسورين الذين صلبوك، لا تستحوذ علينا الظلمة مع الذين بصقوا بوجهك وضربوكَ بالقصبةِ، ولا ننال الويل مع الذين جدّفوا عليك بقولهم: إن كنتَ ابن الله فانزل عن الصليب فنؤمن بك، لا نستسلم لبكاء وصرير الأسنان مع الذين هزّوا رؤوسَهُم وأطلقوا شفاههُم هازئين لقد أصبنا به مرامَنا، لكن بفيض رحمتك ارحمنا في تلك الساعة الرهيبة، ونجّنا نحن عبيدك البائسين الخاشعين أمامك مكرّمين آلامك ومفتخرين بصليبك ومعانقين جراحاتك، ومتباهين بخلاصك، وامحُ يا رب كل زلّاتنا، لنحظى بسعادة ملكوتك الخالدة، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى أبد الأبدين.

العطر:

يا من جئتَ إلى الآلام مدفوعاً بمحبتكَ الأزلية لخلاصنا، واحتملتَ الضيقات والصلبَ والموت لتجديد حياتنا، فاقبل منا هذا البخور الذي عطّرناه أمامك إرضاءً لسيادتك، واقبله كبخور الأولين، وتغاضَ عن معاصينا وهفواتنا، فنسبّحك ونشكرك ربّنا وإلهنا إلى أبد الآبدين.

الساعة التاسعة ليوم الثلاثاء

فروميون:

أيها الإله غير المتألم بأزليته، الذي جاء إلى الآلام الإرادية، ليمنحنا عدم الموت، وبها مزّق صكّ معصيتنا، ومنح لجنسنا المائت السعادة والخلود، ووفَّقَ بين العلويّين والسفليّين، إياه نعبد وله نسجد في هذا وقت الساعة التاسعة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

من يستطيع كما يجب أن يعترف بإنعامك علينا يا كلمة الله، يا من قبلتَ الآلام والموت طوعاً، لتسموَ بنا فوق كل ألمٍ، وصرتَ إنساناً لتجعلنا أبناءً لله، يا من عندما رأيتَ جنسنا قد تعذّبَ من الخطيئة، أتيتَ لتخلّصه بالموت والصليب، وقد سبق وأعلن الأنبياء والصديقون عن نزولك هذا معاينينَ إياه بالروح، وصوّروا ذبيحتك وموتك لأجل آدم المسكين، فللواحد أشار بدمه المسفوك إلى دمك الذي ستبذله على الصليب لخلاص العالم، والآخر ربط ابنه للذبح مشيراً إلى ذبيحتك يا حمل الله، الواحد رمزَ بنزوله إلى مصر لطريقك، والآخر صوّرك بالحمل الذي كان مزمعاً أن يُذبح، الواحد إلى ذبيحتك بالذبائح الدموية، والآخر تنبّأ أنَّ المسيح ينبغي أن يُقتل في أورشليم ويخرّبها، الواحد كان يرمز بالحمل الذي ذُبحَ بين الأمساءِ إلى ذبيحتك الإلهية، والآخر أعلنَ بالغلبة التي حازها بالسهم الذي رفعه إلى صليبك الكريم، الواحد تنبّأَ عنك قائلاً بلسانك: إنني مُعِدٌّ الآلام الإرادية عوض العالم، وقال الآخر: لقد حمل أوجاعنا وتحمّل آلامنا، سألَ واحدهم لماذا ثيابك حمراء ومضرّجةٌ بالدماء، وذكر الآخر بأنه أعطى نفسه للموت وأُحصيَ مع الأثمة مشيراً إلى موتك واهب الحياة وصلبِكَ من اللصوص، الواحد دلَّ عليك بأنك أعطيتَ جسدك الضربات ولم تردّ وجهك عن الخزي، مشيراً إلى البُصاق الذي قبلته في وجهك من الأثمة، والسياطِ والجلداتِ التي احتملتها، وأشار الآخر بأنك أطلقتَ بدم عهدك جميع المحبوسين، فإشعياء الممجَّدُ بين الأنبياء سبق وأعلن بمثله عن نعمتك التي اجتازت إلى الشعب المختار من بين الشعوب، كما أشار إليه يونان بهروبه من أمامك، سبقَ إشعياء وأبصركَ تُساق كالحمل للذبح وكالنعجة الصامتة أمام جازّيها، وصرخَ داود قائلاً: ثقبوا يديَّ ورجليَّ، وتنبّأ قائلاً: يُضرَبُ الراعي فتتبدّدُ خرافُهُ، وقد أكملتَ يا رب كل أقوال الأنبياء، وجئت اليوم إلى الكرم الذي سبقَ ومثّله إشعياء لطلب الثمار منه، فقام الفعلة وقتلوا أنبياءكَ وأسلموكَ يا رب الأنبياء إلى الموت والصليب، وبحسب كلام النبي خرّبتَ الكرم، وهدمتَ برجه وثلمتَ سياجه، وغرستَ بيعتك المقدسة عوض بيعة صهيون كرماً مقدّساً يعطي ثماراً طيبةً. ولذا نتضرّع إليك نحن أبناء بيعتك المفديّةِ، أن تحفظنا من الشرير وشهواته وأهِّلنا أن نشارك آلامك ونفتخر بصليبك ونفرح بملكوتك، ونقدّم لك ما حَسُنَ في عينيك ويرضيك عوض هزء الشعب اليهودي الكافر، ونعمل بكرمك المعنويِّ بطهرٍ وقداسةٍ، ضع الأمن الدائم والسلام في العالم، وليتمجّد بنا اسمك القدوس، لنصل بسرورٍ إلى عيد قيامتك ونتلذّذ في خدرك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك وروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

يا غير المتألم الذي تألَّمَ بالجسد، وبدَّدَ بأريجه العذب نتنَ الخطيئة، ارتضِ منا ربنا هذا البخور الذي قدّمناه أمامك في ذكر آلامك الخلاصية، وأبعد عنا كل الخيالات السمجة، وعطّر نفوسنا بشذى الأعمال الصالحة التي ترضيك، لأنك بخور الغفران وعطر الخلاص اللذيذ الذي يَعبَقُ في نفوس ساجديك ربّنا وإلهنا إلى أبد الآبدين.

مساء يوم الأربعاء

صلاة الابتداء:

أهِّلنا أيها الرب الإله لكي مع العناصر المضطربة في هذا اليوم نرهب من أحكامكَ، فألقِ في قلوبنا رهبة اليوم الأخير، ولا تُحصِنا مع صالبيك، بل اعترف بنا لأننا اعترفنا بك وبآلامك، ونجِّنا من العذاب المحفوظ للمنافقين، لنرفع لك سبحاً وحمداً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين أمين.

فروميون:

أيها المبجَّل بالتسابيح، يا من ظهرَ بلا بهاءٍ أو جمالٍ في المسكونة، وتراءى كمحتَقَرٍ ووضيعٍ على الأرض، المرتفع عن الآلام والأحزان، قد هبطَ إلينا لاحتمال آلامنا وأوجاعنا، يا من مزَّقَ شمل صالبيه بعدله، وجمع مختاريه والساجدين له بنعمته، إياه نسبّح وله نشكر في هذا المساء العظيم، وفي كل وقت وحين وإلى أبد الآبدين.

السدر:

أيها الرب القوي ضابط الكل وكلمة الآب الحيّ، يا ينبوع الأشفية ومانح عدم الفساد، أنت المتسامي عن كل معرفةٍ وفهمٍ وتحديدٍ من مخلوقاتك، باحتجاب ألوهيتك السامية، يا من لما رأيت مثالَك قد تخبَّطَ في الشهوات واستُعبِدَ بإرادته لفخاخ الشرير، طأطأتَ ذاتكَ برحمتك، وتأنَّستَ متّخذاً نفساً روحيةً وإنساناً كاملاً، ولبثتَ في ألوهيتك بدون تغييرٍ، وسرتَ في العالم وأخضعتَ الزمان والمكان، يا من تسمو عن الأزمان والأمكنة، قد صرتَ في المسكونة عجباً ودهشةً يسمو عن الوصف والتعبير الذي قصَّرَ الملوك عن إدراككَ، إذ رأوكَ تجمع بين العجائب والآلام، والتواضع والعظمة، والقوة والجبروت، وكانت الآيات الباهرة تشرق من أعمالك ويفيض المديح والثناء من تواضعك، فلم يعد السلاطين يفهمون هذا العجب، حيث تلاشَت الفلسفة العالمية بالنار والماء المجتمعين فوق الطبيعة، إذ قيلَ إنك جئتَ تسند المسكونة بقصبةٍ مرضوضةٍ، أو كأنكَ أتيتَ تنيرُ المعمورة بسراجٍ ضئيلٍ خافتٍ، عُرفتَ بعدم البهاء بين البشر، لتردّ إلينا جمالنا الأول، وصُرتَ محتقَراً ووضيعاً بين الناس، لتمنحَنا كرامتَنا ومنزلتَنا المرموقةَ، تبنّيتَ خطايانا لتعطينا غفراناً كاملاً لها، احتملت آلامنا وأوجاعنا لنُشفى بآلامك، يا من شئتَ أن تُذلّ ذاتك وتضع نفسك رغم أنك لم تأتِ خطيئةً ولم يوجد في فمك غشٌّ، قَبِلتَ عليك الضربات والجراح والمصائب التي كانت محتّمةً على رأس جبلّتِنا، وأخيراً بعد هذا الافتقاد الإلهي خضعتَ للصليب وذقتَ الموت، وأظهرتَ هدوءاً وسكينةً بلا حدٍّ إزاء غضبنا، سكتَّ أمامَ الشدة العظيمة التي كابدتها متواضعاً لراحتنا، ولم تهرب من الحبس والحكم والتضحية، ولم تخاصم أعداءك ولم ترجع القهقرة لتكميل ما نطَقَتْ النبوءات عنك، بل بسرورٍ وارتقاشٍ بذلت جسدَكَ للضربات وخدّك للطمِ ووجهك للبُصاق، ولم تمنع وجهك عن الخزي ولا يديك ورجليك من المسامير ولا جنبك من الحربة، ولا ثيابك من القرعة ولا فمك من الخل والمرارة، وأخيراً لم ترفُضْ أن تُصلب على خشبة العار، وتُضمَّ بين الأثمة، صرتَ هزءاً أمام كل الناظرين حولك، مسلّماً نفسك للموت لتقسِّمَ الغنيمة بين الأقوياء وتردّ الشعوب الكثيرة إلى أبيك وترضيه مصالحاً، وقد سبقتَ وكشفتَ لتلاميذك سرّك المنتظر لئلا يضطربون وقت آلامك، ولا يشكّون ساعة صليبك. والآن نتضرّع إليك أيها المسيح إلهنا بواسطة هذا البخور أن تبعد عنا كل الشدائد والأهواء المضرّة، وامنحنا قوةً لنحتمل الآلام المعنوية لأجل خطايانا والشدائد التأديبية عن زلّاتنا، والنّدامة العظمى التي تعيدنا كليّاً إليك، وتقرّبنا منك، لكي بطهرٍ وقداسةٍ نرفع لك حمداً وشكراً، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

أيها العالي الذي تنازلَ وصار إنساناً، واحتمل الآلام من أجل خلاصنا، استمع الآن صلواتنا وطلباتنا، واقبل بخورنا، وأنِر بصائرنا وبصِّرنا بنور مجدك، وقوِّنا لنعمل وصاياك الخلاصية، وسلِّح أيدينا لاقتناء الأعمال الصالحة، سدِّد خطواتنا بحسب كلامك، وركِّز أفكارنا في ذكرك، وشفاهنا وألسنتنا بأقوال تسابيحك، وقدّس جميعنا بحقّك ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

صلاة الستار ليوم الأربعاء

فروميون:

أيها العادل الذي استأصل الجفنة القاسية التي لم تعطِ ثماراً، ولعنَ الغرسة التي قدّمت خرنوباً، مقتلعاً سياجها، جاعلاً إياها موطئاً للأقدام، وأنبتَ فيها مأكلاً لخنازير البرية، واختار عوضها بيعة الأمم غرسةً جديدةً، سقى أثلامَها بدم صليبه، لتنمو نصباتُها وتعطي ثمار المجد وهدايا الحمد، له يليق التسبيح والسجود والإجلال، في هذا وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

المجد لكَ يا غارس جنة عدن التي أعطت ثماراً يانعةً بقوة الصليب، يا من غرستَ كرماً روحياً هو بيعتك المقدسة، وشيّدت فيه برجاً عظيماً للخلاص، وفتحتَ فيه معيناً سريّاً أفضتَّهُ بجداول الحياة وسقيته لتنمو فيه الغرسات وتعطي ثماراً طيبةً، أجزلتَ له الفيوض لتتربّى نباتاتهُ، فقدّمَ لك عنب الإيمان الشهي عوض خرنوب الكفر والإلحاد، أعطاك ثماراً حلوةً عوض الحسد والنميمة والتجديف، فإليك نتضرّع خاشعين يا من منحتنا هذه الغلبة الحقيقية لصليبك، سائلين أن تجعلنا فعلةً مجتهدين في ملكوتك وتجّاراً رابحين لوزناتك، وتغرسنا جفناتٍ حيّةً في كرمك، وزرعاً مباركاً في حقلك، وتجمعنا حنطةً جيدةً في خزائنك، وغرساتٍ جميلةً في ديار أقداسك، وحملاناً سمينةً في مروج ملكوتك، وجواهر مختارةً لإكليل مجدك، ونخلاتٍ باسقاتٍ في فردوسك، وأسراراً ساميةً على جداول تعليمك، وسرواتٍ شاهقاتٍ فوق روابي كنيستك، وزيتاً نقيّاً في أقداس جلالك، وجفنةً مجيدةً في كرم عظمتكَ، ومنزلاً طاهراً لسكَّانك، وهيكلاً نقيّاً لوقار اسمك، ومذبحاً مقدسّاً لحلول سيادتك، ولنكُن مدعوّينَ ومستحقينَ لوليمتك، وهناك بلا فتورٍ نرفع تسبيحاً وتمجيداً، لأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

أيها المتألّم من أجل خلاصنا، الذي هبط بحنانه إلينا، لينشلنا من هُوَّةِ الخطيئة، ويرفعنا إلى سمائنا وبيتنا الأول، هو ذا قدّمنا إليك هذا البخور فاقبله منّا هديةً مرضيّةً، واصفح به عن زلّات رعيّتك وذنوبها، لكي نحظى بنعمك وخيرات أصفيائك وقدّيسيك الذين أرضوك كل أيام حياتهم، ربّنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

القومة الأولى ليوم الأربعاء

فروميون:

يا عارفَ الخفايا وفاحص النيات، يا خبيراً بطوايا القلوب وكاشفَ المستورات، يا من سبقَ وأعلنَ سرّه لتلاميذه الأطهار قبل آلامه عن صلبه الخلاصي وكشفَ خداع التلميذ الغاشّ، وعن موته معطي الحياة، وأخبرهم عن انبعاثه المجيد وظهورهِ العظيم وساعة إشراقه العجيبة، إياه نحمد ونسبّح في هذا وقت القومة الأولى من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

لك التسبيح أيها المسيح إلهنا، يا من أنتَ غيرُ المتألم وغيرُ المائت طبيعياً، يا من بحبّكَ العميم صرتَ إنساناً وارتضيتَ أن تتألّمَ، وخلّصتنا بصلبك، وسبقت وأعلنتَ لتلاميذك القديسين أنَّ هذه الرموزَ والأمثالَ قد كَمُلَتْ في العليّة السريّة التي أكلتَ فيها الخروف الموسويَّ، وقلتَ لهم إنَّ واحداً منكم يسلّمني للموت فاضحاً خداع ذلك الرسول الكاذبِ، ورغم أنك ملك الملوك وسيّد السادات ومدبّر الكل، اقتُدتَ إلى دارِ الولايةِ ومَثُلتَ أمام بيلاطس الوالي كالحمل الذبيح والنعجة أمام جازّيها صامتاً، واحتملتَ الضربة على خدّكَ من العبد كضعيفٍ ومسكينٍ لتردَّ عبيد الخطيئة، ارتفعتَ على الصليب لترفعنا إلى أعاليك، وشربتَ الخلَّ والمرارة، لتسقينا كأس الحياة، سُمِّرَتْ يداكَ بالمساميرِ فطهّرتَ أيدينا، ضُربتَ بالحربة في جنبك، فكُسِرَتْ حربة الكاروب في الفردوس، متَّ على الصليبِ وحطّمتَ الموت. ولهذا نعرفك إله خلاصنا حقّاً، متوسّلين أن تشركنا بآلامك بقلبٍ منسحقٍ وروحٍ متواضعةٍ، لنتمجَّدَ معك ونصلُبَ العالم وشهواتهِ وأهواءهِ، فيُصلَبْ العالم لنا، ونُميتَ منّا لذة الإنسان العتيق ونحيا فيك أيها الحياة الحقيقية، واجعلنا غرباء عن الخطيئة وشركاء لوليمتك السرّية، جدّدنا من عتق الناموس، ومنطقنا بردّ النور يوم قيامتك، وادعُنا بالفرح إلى مظالِّكَ السماوية المجيدة، لنرتّل لك تهليلاً وتسبيحاً، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكلَّ أوان وإلى الأبد.

العطر:

يا مخلّصَ المؤمنينَ وحافظهم، يا من جئتَ بإرادتكَ محتملاً الآلام، وارتفعتَ على الصليب وجذبتَ البرايا بأسرها للسجود لك كوعدك الصادق، تقبَّل منا بخورنا الذي قدّمناهُ إليك في هذا يوم آلامك، وباركنا واحفظ جميعنا بصليبك المحيي، واسترنا تحت أكناف نعمتك، لنسبّحك ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

القومة الثانية ليوم الأربعاء

فروميون:

أيها المخلّص الذي سبقَ ورمزَ الأنبياء عن مجيئه، وصوَّرَ الأبرار خلاصه، وأظهرَ القديسون مجدهُ وانتصارهُ، وأعلنَ الصدّيقون تواضعه، والأتقياء آلامه، وكرز المبشّرون بصلبه، إياه نسبّح ونعظّم في هذا وقت القومة الثانية من الليل، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا، يا من بإرادتك ومشيئة أبيك وروحك القدوس غيرِ المدرك اتحدتَ بجسدنا ومنحتنا خلاصاً كاملاً بتدبيرك الإلهي، وتردّدتَ معنا ومثلنا ما عدا الخطيئة ولبثتَ في ألوهيتكَ حقاً، ومنحتَ طبعنا حريّةً وانتساباً روحياً مع أنك الخالق والقادر على كل شيءٍ، وفي ملء زمان تدبيرك الإلهي أقبلتَ إلى الآلام الخلاصية، ونزلتَ جمرة الجهاد وخرجتَ بالنُّصرة الكاملة، علّمتنا أن نحطّم الأهواء المشينة، وتواضعتَ جدّاً  واحتملتَ عار الصليب وشربتَ الخلَّ وتكلّلتَ بإكليل الشوك لأجل آثامنا، وأُحصيتَ مع اللصوص مكمّلاً بذاتك كل ما سبق ونطقَ عنك الأنبياء القديسون، فواحدهم سبقَ ورمزَ إلى احتمالكَ الآلام بدون تذمّرٍ ولا امتعاضٍ، والآخر أشارَ إلى تواضعك المجسَّم على الصليب بربط حبيبه فوق مذبح المحرقة، رسم الواحد ذبيحتك في آخر الزمان بالخروف الموسويّ الذي ذُبح في مصر، وأشار الآخر إلى قوة صليبك وغلبته بالسهم الذي رفعه، تنبّأ الواحد بلسانك: إنني مستعدٌ للآلام وصرّح الآخر باحتمالك الأوجاع لأجلنا، الواحد صرخَ، من بابل يأتي العون مبيّناً عن موتك وخراب أورشليم، وأكَّد الآخر بأنَّك تقدّمتَ للتضحية لأجل خطايانا، استغربَ الواحد من ثيابك الحمراء المضرّجة بالدماء، وأشارَ الآخر إلى دم عهدك وإلى الجبِّ اليابسِ أي الهاوية التي هدمتها. ولذلك نلتمسك ضارعين إليك أيها الرب الرحيم أن تمنحنا بهذا البخور ثباتاً وطهراً وقداسةً للنفس والجسد، ورحمةً وغفراناً كاملاً لخطايانا، لأنك إله الخلاص، ولك نرفع الحمد والشكر، ولأبيك غيرِ المتألم المغبوط ولروحك القدوس واهب الحياة والمساوي لك في الجوهر، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها الرفيع الذي تواضع ليصير قدوةً لنا بذاته، تقبّل منّا بخورنا هذا الذي قدمناه أمامك، وأهِّلنا أن نغسل من حواسنا الخفيّة والظاهرة كل أدران الخطيئة، ونكون لك طاهرين وبلا عيبٍ، ونستحقّ أن نفرح بقيامتك المجيدة، ونرتّل لك تسبيحاً لائقاً ولأبيك وروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.


 

القومة الثالثة ليوم الأربعاء

فروميون:

يا مانحَ العون لجنسنا، ومغدقَ المواهب والنعمِ الإلهيةِ، أيها الصالح الذي حفرَ لنا بئراً جديدةً نقرها بالحربة على الجلجلة، وأجرى لنا من جنبه الأقدس الذي فُتِحَ فوق الصليب مَعيناً مقدساً روحيّاً، إياه نسبّح ونشكر، في هذا وقت القومة الثالثة من الليل، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا، يا خالقَ الكلِّ ومخلّص الجميع، يا من بلطفك العميم ونعمتك الفائضة، أتيتَ بنا إلى الوجودِ، وقد هبطتَ واتحدتَ بنا لتجاوزنا الوصية، ولكي تُذري منا ذرّات تلك المعصية، قد جدّدتَ عتقَنا تجديداً لا يَطالُ إليه الزوال، صمّمتَ خطةً قويةً لأجل تبريرنا، فكلّمتنا بالرموز والأمثال بواسطة أنبيائك لتُعلن لنا أنك عتيدٌ أن تظهر لنا في آخر الأزمان متجسّداً، وهذا ما سبق وأشارَ إليه رئيس الآباء يعقوب في أعماله عن أسرارك الجليلة، عندما خرج من بيت أبيه متّجهاً إلى أرض آرام ليأخذ له زوجةً مشبّهاً نزوله بهبوطك إلينا وخطبتِكَ عروس النورِ ابنةَ الآراميين، إذ بلغَ إلى بئرِ الأسرارِ، ودحرج الحجرَ الثقيلَ عن فمها بقوةٍ جبّارةٍ لسقي تلك القطعان التي كانت رابضةً هناك، مشيراً إلى إماطةِ البرقع الموسويّ لتُعلن بشارتك الحيّة، التي بها حطّمتَ صخرة الشك والإلحاد من قلوب الشعوب الغريبة ومنحتهم قلباً لحميّاً كنصّ النبوءةِ، الذي أشارَ إليه معمِّدُكَ قائلاً: من الحجارة يستطيع الله أن يُقيم أولاداً لإبراهيم، وبنسائه الأربع الحرائر والعبداتِ رمَزَ إلى خدّام الإنجيل الذين اُنتخبُوا من الرسل الأولين والمبشّرين التابعين، وبالرفاق الاثني عشرَ رمَزَ إلى الأنهرِ الاثني عشرَ المعنويةِ، وهم الرسل القديسون الذين استمدوا منكَ يا صخرةَ الحقِّ لسقي إسرائيل الجديد. وعندما شئتَ يا مخلّصنا أن تتراءى على الأرض بالجسد، كمَّلتَ كلَّ هذه الأمور بذاتك عمليّاً، حطّمتَ كبرياء الشيطان الذي أغوى جنس آدم بأمل الألوهية بواسطة تأنسك، قتلته بصومك بعد أن غشَّهُم بالأكل، بضربته بالضربة التي ضربهم بها، وقتلتهُ بالقتلةِ التي قتلهم بها، وإليكَ أشارت حية موسى النحاسية التي انتَصبَتْ وسط المحلّة لشفاء كل ملسوعٍ، يا من انتصبتَ أمامهَم على الصليب، وسالت المرارةُ القاتلةُ منهُ، تلك التي خرجت من العدم والماء من جفنك على الصليب، وبهما مزجتَ كأس الحياة، وفتحتَ معاً المعمودية السريّة، وجعلتَ صليبكَ المغروس فوق الجلجلة سبيلاً، وبذلك خلَّصتَ فيه أغنامك المبدَّدة التي خطفها بإثمه وخداعهِ، وضمَّها إليه، فأعدتَ سبيّتَكَ منه قسراً، وحرّرتها من نيره، وغسلتَها بالمعمودية، وطهَّرتَها ونقّيتَها وقدّستَها وجبلتَها كلمةً جديدةً بصورةٍ عجيبةٍ، فأصبَحَتْ كائنة أسمى من الأولى بالميلاد الثاني، وانجلى سوادُها، وازدهَتْ أكثر من القديم، وأمسَتْ مسكناً للروح القدس، عوضَ تلك الريح التي هبَّتْ في الظهيرة. ولهذا نتضرّع إليك أيها المسيح إلهنا، أن تنجّينا من التجارب الشديدة والحروب القاسية، طارداً عنا رَبوَاتِ أجنادِ الشر المعاندينَ لنا، فنرى بأعينِنا جزاءَ الأثمة ومصيرَهُم، وأهِّلنا بنعمتك لنرضيك بأعمالٍ لائقةٍ كل أيام حياتنا، لكي نستحق التلذّذ والنعم مع أبناء الصلاح بنعمتك وحُسن مشيئتك وأبيك المبارك وتأييد روحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.


 

العطر:

اجعلنا ربَّنا مستحقينَ للدعوةِ إلى وليمتكَ في يوم قيامتك المجيدة، نحن الذين تألمنا ههنا بآلامكَ واحتَفلنا بصلبك وافتخرنا بجروحك وجلداتك، لنفرح هناك ونبتهج بك ونسبّحك ربنا وإلهنا إلى الأبد.

القومة الرابعة ليوم الأربعاء

فروميون:

التسبيحُ للراعي الصَّالح الذي ضُربَ بإرادتهِ فتبدَّدَتْ أغنام رعيّته، ضابطُ الكلِّ الذي سلَّمَ نفسهُ بحريته، ليُطلِقنا من أسر الثلَّاب وغشّه، الذي اُحتُقِرَ من الأدناس ليُطهّرنا من دنس الخطيئة بقداسته، الذي يليق له الحمد والشكر، في هذا وقت القومة الرابعة من الليل وفي كل الأوقات وإلى أبد الآبدين.

السدر:

من يستطيعُ كما يجبُ أن يكرِّمَ تدبيرك الخلاصي يا كلمة الله، ومن يقدر أن يسبَرَ غورَ لُطفِكَ وكَرمِكَ، يا من يرهب الكاروبيم من التطلّع إليك، ويغطّي الساروفيم وجوهَهُم وأرجُلَهُم عند تقديس عظمتك، قد احتملتَ الآلام الإرادية مع أفانين الإهانات من الشعب الجسورِ، وأنت السيد وخالق الكل قد قُمتَ في العشاء السريِّ كخادمٍ، حطّمتَ كبرياء إبليس إذ جثوتَ مقدّماً إلى أبيك طلبةً لتقيمنا من سقطة عبادة الأصنام، ورغم أنكَ الجبّار مع أبيك، فقد باعكَ يهوذا الخائن لتبتاعنا بدمك نحن الذين اُشتُرينا للخطيئة وللموت وللشيطانِ، كيف استطاعَ يهوذا الجسور أن يقبِّلَكَ أنت غيرُ المنظورِ من القوّات العلوية؟ كيف قبضَ عليك اليهود مع أنك فوق الوصفِ، حتى إنَّ تلاميذَكَ الأحباء ورفاقَكَ الأقربين تركوك وهربوا، وقام أقرباؤُكَ بعيداً، مما دفعَ أعداءَكَ أن يُدخلوكَ المحكمة والسجن، وبسجنكَ أطلقتَ نفوسنا من سجن الهاوية، حكمَ عليك بيلاطس برغبتك لتُنقذْ آدم المشجوبَ، قبلتَ اللطم من العبد لتحرّرنا من العبودية، احتملتَ البُصاقَ في وجهكَ لتَفديَنا من الخزي، ألبسوك ثوب الأرجوان لتُلبسَنا حلّةَ المجدِ التي خلعناها باجتياز الوصية، رُبطتَ في العمود لتَحُلَّنا من وثق الخطيئة، كلّلوا رأسك بإكليل الشوك، فاستُؤصِلَتْ أشواك وحسكُ الأرض، احتُقِرتَ فعظّمتَنا، تألمتَ وخلّصتَنا، متَّ وأحييتنا، ولذا فنحن منذهلون من تواضعِكَ، وبرهبةٍ نصرخ قائلين: أيتها الآلام الخلاصية التي أبادتْ آلامنا، يا قطراتِ الدم الطاهرةَ التي ضمَّدَتْ جروحَنا، ولهذا فإننا نسجد لصليبك مُقرِّين بآلامك، معظّمين تواضعك من أجلنا، مفتخرين بموتك عنا، ومنذهلين بقيامتك التي أقامتنا من سقطتنا. فنتضرّع إليك أن تحفظ بيعتك المفديّةَ بصليبك من حيل الثَّلَّاب، وتمنحها لتتألّمَ مثلك، وتعانق جراحك وتفرح بانبعاثك، لكي تخرج يوم تشرقُ بالمجد العظيم إلى لقائك سافرة الوجه، وترفع لك حمداً وشكراً لأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين.

العطر:

أيها الحمل الذي أبطلَ بذبيحتهِ كلَّ الذبائحَ والمحرقات من الأرض، وبدَّد بموته الآلام من جنسِنا البشريِّ، وقتلَ بصليبه ذاك الذي قَتلَ أبانا آدم في الفردوس، وأقامنا بقيامته من سقطة الخطيئة، نقدِّم لك هذا البخور، راجينَ أن تقبله من ضعفنا، وأبعد عنا العداوة والحقد والخصام، واسكب أمنك وسلامك، يا من أنت مصدر الأمن والسلام دائماً، ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

صباح يوم الأربعاء

صلاة الابتداء:

امنحنا ربنا أن نستحقَّ الاشتراك بآلامك الخلاصية، والاعتراف بفدائك لنا على الصليب، ونستأهل فصحك والجلوس في وليمتك المقدّسة مع تلاميذك الأطهار، والحظوة بالسعادة والنعم في فردوسك الخالد، ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

فروميون:

المجدُ لكلمة الله الذي لبِسَ جسدَنا نحن الأموات بالخطيئة، ليمنحَنا عدم الألم والموت بآلامه وموته الإراديِّ عنا، ذاك الذي كشفَ اليوم سرَّ آلامه لتلاميذه القديسين وأحزنهم بقوله إنه سيُسلَّم من يهوذا الجسورِ، وأكَّدَ لهم عن انبعاثه وقيامتهِ بعد ثلاثةِ أيامٍ مشجِّعاً إياهم، الذي يجب له الحمد والتسبيح، في هذا وقت الصباح العظيم، وفي كل وقت وحين وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح مَلِكُنا وربَّ السماويينَ والأرضيينَ، يا من بلطفك الجزيل اتحدتَ بجسدنا دون ريبٍ، وتألمتَ عنا ولأجلنا بالجسد إرادياً، لتحرّرنا من أهواء الخطيئة وعبودية الشيطان بنعمتك، يا من شئتَ أن تكشف لزمرة تلاميذك الأحباء الاثني عشرَ، أنَّ واحداً منكم مُزمِعٌ أن يسلِّمني إلى اليهود، اليوم اجتمعَ رؤساء الكهنةِ والكتبةُ والفريسيون وتشاوروا عليك شرّاً، يا من تمنح كل خيرٍ وصلاحٍ لكلِّ إنسانٍ، اليوم ذهبَ يهوذا الإسخريوطيُّ بملء حريته وبتحريض الشيطان إلى كهنة الغشِّ والخداع ليسلِّمَكَ إلى الموت يا مصدر الحياة، اليوم تشاورَ التلميذ الغاشُّ بدون مبرّرٍ مع أعدائَك ليَبيعَكَ لهم، يا من جئتَ لتفتديَ العالم بدم أُقنومك، اليوم ساومَ في ثمنِكَ العبيد الأشرار، وخصّصوا ثلاثين من الفضّة كقول النبي: اليوم فرحٌ للثلَّابِ مع جماعة الأشرار، بالحمل الذي انقلبَ ذئباً، وسعى ضدّكَ أيُّها الراعي الصالح والحمل الذي لا عيبَ فيه، يا من جئتَ لأجل الخروف الضالِّ عن حظيرتكَ، لتفتديَهُ من أنيابِ الذئبِ الكاسرِ بذبيحتك، اليوم باعكَ يهوذا بثلاثينَ من الفضّة، بينما تقدَّمَتْ منك الزانية مع قارورة الطيب النادر بثلاثمئةِ دينارٍ، ومسَحتكَ أيها الميرون الإلهيُّ غير المثمَّنِ، اليوم انسلخَ يهوذا من نسبتكَ الإلهية، بينما انضمَّتِ الخاطئة للشركة معك بمحبتها غير المغشوشة وبدموع عينيها، وحزِنَتْ زمرةُ الرسلِ لآلامك وتأسَّفَتْ على التلميذ الكنودِ الذي انفصلَ عنها، اليوم أسقطَتْ محبةُ الفضة أصل كل الشرور يهوذا حبيبها من درجة الرسولية، وهيأتْ لهُ المشنقة وأورثتهُ إياها، فمن يستطيعُ أن يصف نعمتك يا رب لذلك الذي غشَّك، وما أطول أناتك مع الذي فقد الرجاء إلى حدِّ اليأس، من يُشبِهُكَ أيها اللطيف الوديع يا من لم تحرِم الذي باعكَ بمالٍ زهيدٍ من نُصحكَ وإرشادِكَ، من يشابهك أيها الوديع المتواضع بتصرّفك مع الذي رفعَ عليكَ عِقبَهُ وقد غسلتَ قدميه كبطرس؟ من يماثلكَ يا خبزَ الحياة إذ لم ترفض من تجاسَر عليك وغمسَ يدهُ معكَ في الصحفة من لقمة خبز القربان؟ بل غمستَها بالماء فقط، لأنه هكذا يستحقُّ لأجل حقده وغشّه. ونحن المفديينَ بدمكَ الثمين والمخلّصين بصليبك، والمتزنّرينَ باسمك، والمتباهين بآلامك، نسألك أن تُبعدنا عن محبة المال وتطهرِّنا من الضغينة والغضب والحسد والغشِّ، وتنجِّيَنا من الكبرياء والخداع، وترفَعَنا عن الدنايا والموبقاتِ، وتخلّصنا من اليأس المهلك، واملأنا عوض ذلك بالإيمانِ والرجاء والمحبة الكاملة، وبالأمن والسلام واللطف والوداعة والاستقامة والتواضع والنقاء والفرح، وكلِّ تدبيرٍ يروقُ لكَ، لنستحق تناول جسدك ودمك المحيي شِبهَ رسلك الأطهار، ولنتألمَ آلامَكَ ونفرح بقيامتك، فنحظى بيوم ظهورك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.

العطر:

أنِر يا رب عقولنا بنور إشراقك، وثبِّت نفوسنا بمحبة صليبك، وسلِّحنا بعدم التألمِ، وصُن أفكارَنا وضمائرَنا بسعادة نِعَمِكَ، وأيقظ قلبنا الذي يلهجُ بتسابيحك، وعطِّر أرواحنا بأريجك العذب، لتكميل أعمال البرّ التي ترضيك، واقبل بخورنا لراحة سيادتك إلى أبد الآبدين.

الساعة الثالثة ليوم الأربعاء

فروميون:

يا رئيسَ الأحبارِ القدوس، الذي قدَّم ذاتهُ ضحيةً لغفران خطايانا، وخلّصنا بتواضعه، وشفانا وهو على خشبة الصليب، له يليق التسبيح والإجلال، في هذا وقت الساعة الثالثة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا يا من بمراحمك الغنيّةِ وجزيلِ حنانك جئتَ إلى الآلام والتواضعِ الاختياريَّينِ لأجل آدم المسكين، لتخلّصه من حكم الموتِ واجتياز الوصيةِ، وكمَّلتَ بذاتك الصورة التي سبقَ ورسمها عبدك موسى في مصر. في ذلك المساء الخلاصيِّ، حيث أنجزتَ جميع أسرار بيعتك المقدسة أمام زمرةِ تلاميذك إذ ختمتَ العهد القديم بالخروف، وابتدأت العهد الجديد لسرَّي جسدك ودمك بالخبز الذي أعطيتهُ في العليّة السريّة قوتاً وشراباً للغفران. أحنيتَ رأسكَ لقبلة يهوذا الغشّاش، وقبضَ عليك شعب اليهود الملاعين، أتيت إلى عار الصليب، وقمت في المحكمة، لَطمَكَ العبد الجسور على خدّك المبارك لتحررنا من شجب الخطيئة، قمتَ في الوسط كمذنبٍ، واحتملتَ البصاق على وجهك الكريم من الدنسين، لتمسح عن وجوهنا خزي العار والخطيئة، ارتديت ثياب الأقداس وسط احتقار وإهانة اليهود، لتُلبسنا بُردة الروح القدس التي خلعناها بين الأشجار بحسدِ الشرير والحية الرقطاءِ، استأصلتَ بأشواك إكليلك الخطيئة التي زرعَت الموت في أجسادنا، وكتبتَ أسماءنا في سفر الحياة بواسطة القصبة التي ضربوكَ بها، عُلِّقتَ على الصليب عرياناً، وفضحتَ بتعرّيكَ كبرياء أركون الأهواء، أي رأس الشرور وأبي الكذابين، شربتَ خلّاً ومرارةً عوضَ آدم الذي أكل من ثمرة الشجرة القاتلة، سُمِّرَت يداك ورجلاك بالمسامير لتُطلِق الأغلال والقيود من الأيدي التي سعَت إلى أكل الثمرة جالبة الموت لكلِّ الأجيال، كمّلتَ بذاتك جميع الأسرار التي رسمها أنبياء أبيك من القديم، وقلتَ أخيراً قد أُكملَ كل شيءٍ. فنسألك ربنا عندما تُذكرنا بتواضعك الذي يسمو عن الوصف، أن ترمُقَ بيعتك المقدسة الجامعة الرسولية ههنا وفي كلِّ مكانٍ بحنانك وعطفك، لأنها تسجد لك دائماً بإيمانٍ راسخٍ، معترفةً بآلامك، وبأنك الإله الحقيقي وربُّ الكل، متضرّعةً إليك لأجل هذا البخور الذي نقدمه نحن أولادها الضعفاء في هذا الوقت، طالبين به التكفير عن زلّاتنا، وامنحنا غفران الذنوب والصفح عن الخطايا، واجعل به ذكراً صالحاً لأمواتنا المؤمنين الذين رقدوا على رجائك، متجاوزاً عن كل سيئاتنا الإرادية وغير الإرادية والتي بمعرفةٍ وبغير معرفةٍ ذلك نحن وهم نقوم عن يمينك ونرى حنانك، ونرفع لك حمداً وسبحاً، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.


 

العطر:

تقبَّل يا رب بخور بيعتك المفدية بآلامك، وارتضِ بقربان رعيّتك، وانصت إلى تضرّعات خدّامك المفاخرين بموتك، واسمع صلوات خطيبتك المعانقة لجراحك، واحفظ ميراثك بصليبك من كل الآلام، وصُن أبناء بيعتك ليتألموا معك ويفرحوا بقيامتك، ويرفعوا لك آيات الحمد والتسبيح والثناء، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

الساعة السادسة ليوم الأربعاء

فروميون:

أيها الحبر الأعظم الذي ضحّى بنفسه تكفيراً عن خطايانا، ولأجل خلاصنا، وباتضاعه العجيب أبطلَ آلامنا ومحا صكَّ معاصينا، وشفانا من معصيتنا الأولى بقوة صليبه، الذي يليق به المجد والوقار في هذا وقت الساعة السادسة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

تسجد لك بيعتك يا ثمرة الأعالي، وتبجّلك رعيتك المقدسة يا بن الألوهية، وتزهو جماعتك بآلامك وأوجاعك يا جبّار العوالم، يا من سُمِّرتَ على خشبة العار عوض أبناء آدم حباً وكرماً منك، وبذبيحتك غفرتَ آثام أبناء الأرض يا من قدّمتَ نفسك قرباناً فوق علوِّ الجلجلة، وسالمتَ السماويين مع الأرضيين، أيها الحمل الطاهر الذي ذُبح بإرادته وحمل خطيئة العالم، غافر الخطايا الذي صرتَ بخوراً مرضيّاً لأبيك عن خلائقك، نعترف بآلامك ونسجد لصليبك الذي محوتَ به خطيئتنا، يا من بجروحك بدّدتَ أحزاننا وأوصابنا، وبانبعاثكَ نشلتنا من فوهة الهاوية البالعة، يا من أسلمتَ ذاتك للشعب الصالب لأجلنا، وأنت ضابط البرايا بأسرها، جئتَ إلى التضحية أيها الحمل الذي لا عيبَ فيه، وحملتَ صليب العار على كتفك لتخلّص الخروف الضال أي طبعنا البشري، حملته على منكبيكَ، وأدخلته ثانيةً إلى بيت أبيك. والآن نتضرّع إليك أيها الرب أن تقبل منا هذا البخور الذي رفعناه إلى جلالك، لكي نستحقَّ ونحن متمنطقون بالإيمان درعاً، وواضعون على رؤوسنا خوذة الخلاص شعاراً، ومتدرّعون بالحق والمحبة سلاحاً، ومحتزمون برجاء الحياة حزاماً قوياً، أن نبلغ بوحهٍ سافرٍ إلى قيامتك المجيدة، ونكون مدعوّينَ في وليمتك وورثَةً جدداً في ملكوتك، ونتلذّذ وأمواتنا المؤمنين في أنعامك وخيراتك التي لا تحولُ، ونرفع لك حمداً وشكراً أيها المسيح المتألم لأجلنا، ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.     

العطر:

أشرق بأنواركَ على عقولنا، ولتسطَعْ أشعة إنجيل نعمتك في قلوبنا، وثبّت نفوسنا في محبة صليبك، وسلّحنا بقوّتك، ونقِّ أفكارنا بكثرة رأفتكَ، وأهِّلنا أن نسبّحك مرتّلين تراتيل الحمد لوقار اسمك، ولتتأرّج أرواحنا بعبير الأعمال المرضية الصالحة، واقبل منا بخورنا هذا لرضى أبيك وروحك القدوس، ربّنا وإلهنا إلى أبد الآبدين.

الساعة التاسعة ليوم الأربعاء

فروميون:

أيها المخلّص الذي ختمَ بصليبه أسرار الأنبياء، وكمّل رموز الرؤيويين، وثبّتَ أمثال الصدّيقين، وأنجز أقوال القديسين والمبشّرين ومنح الكلام للمنذرين والمخبرين بقوّته العظيمة، إياه نسبّح وله نشكر في هذا وقت الساعة التاسعة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

تسجد لك رعيتك وتسبّحك يا ربنا يسوع المسيح الراعي الصالح الذي ضحّى بذاته وأحيانا بموته، معترفين لك يا ربنا، يا من شئتَ أن تخلّصنا من ذبائح الحيوانات الدموية الخرساء، مقدّمين لك مع بخورنا هذا شكراً جزيلاً وعطراً هنيئاً، سائلين أن تفيض الأمن في بيعتك المقدسة الجامعة الرسولية التي اقتنيتها بدمك، وخلّصتها بصليبك. ذلِّل تحت أقدامها الملوك القساة وسلاطين هذا العالم، واحفظ وعودك الحقيقية لها حتى انقضاء الدهر، وارتضِ بصلوات رؤساء كهنتها، واغفر لأبناء رعيتك ذنوبهم، وصُن تاج كلِّ ملكٍ مؤمنٍ صادقٍ بصليبك الظافر، وحطّمْ أمامه كل أعدائه، وبارك يا رب إكليل السنة بمنّك وأجزلْ خيرات الأرض وثمارها، مُبعداً عنها كل المضارِّ والآفات، وكُن معيناً للمتضايقين وملجأ للمتألمين والمعذّبين، ومقيتاً للجياع، وأنصتْ إلى تنهّدات المظلومين ولا تردّ يدك عن ضيقِ المسجونينَ والمأسورين، وأمِل أُذنَكَ إلى صراخ المنسحقين والمضطربين بين أمواج البحار، وقُدهم إلى ميناء السلام، واجعل ذكراً عاطراً لأنفس آبائنا وإخوتنا ورؤسائنا وذوينا الذين سبقوا ورقدوا على رجائك، ليجتمعوا معاً في مكان الراحة والحياة السعيدة، وكافئ كل من قضى في الحرب أو السبي أو الجوع أو الاضطهاد وفي كلِّ سببٍ، هناك لقاء أعماله وجهاده وفضله، وأوصله إلى خدر النعيم وملكوت السموات، ليرتفع لك المجد والشكر من الأحياء والأموات، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد. 

العطر:

تقبّل يا رب بخور رعيّتك، وامنح أمنك لبيعتك، والهدوء والطمأنينة لأغنام قطيعك، وأهلهم للاعتراف بآلامك الخلاصية، ومعانقةً أحزانك وجراحاتك، لكي يسجدوا بسرورٍ لقيامتك، ويدخلوا إلى حظيرتك الروحية، ويرفعوا لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

مساء يوم خميس الأسرار

صلاة الابتداء:

أهِّلنا ربنا أن ندنوَ من مائدتك السماوية، وأحقاء نفوسنا مشدودةٌ، وسرجنا مضيئةٌ بنور معرفتك، ومتّكئين روحياً على عصا اتّكالك، وسالكين بلا مللٍ في طريق وصاياك الضيّقة، لنشترك بجسدك المقدّس ودمك الغافر محفوظين من كلِّ ضررٍ وفسادٍ بوسمك الإلهي، ونرفع لك حمداً وشكراً ربّنا وإلهنا إلى الأبد.

فروميون:

يا رب الأعياد ومكمّل المواسم، يا من صعدتَ إلى العيد لتكميل أسرار الشريعة، وقلت لتلاميذك شهوةً اشتهيتُ أن آكل الفصح معكم قبل أن أموت، وأكملتَ الأمور القديمة، وأسلمتَ لهم دمك للعهد الجديد قائلاً: ليثبت فيكم ومعكم أعطيكم جسدي المقدس ودمي الثمين عربون الحياة العتيدة غير الفانية، وليكونا لكم لغفران الذنوب وترك الخطايا، إياك نسبّح ونمجّد في هذا المساء العظيم، وفي كل وقت وحين وإلى أبد الآبدين.

السدر:

أيها المسيح ملك المجد وإله الكل، يا حمل الله الذي جاء يحمل بشخصه خطيئة العالم، ويُذبح بنعمته لأجل حياة أبنائه، ويبذل نفسه لموت الصليب فداءً لأجل الخطايا بحنانه، يا من عندما شئت بلطفك ومحبتك أن تبعدنا عن ذبائح العجول والثيران والأغنام والجداء، وضحايا الناموس، قلتَ لتلاميذكَ اذهبوا وأعدّوا لنا شيئاً للعيد، لأنني شهوةً اشتهيتُ أن آكل الفصح معكم اليوم، رافقوا إنساناً يحمل زقّ الماء إلى حيث يدخل، وقولوا لصاحب البيت، إنَّ سيّدنا ومعلّمنا يقول عندك مزمعٌ أن أُعِدَّ الفصح اليوم مساءً مع تلاميذي، ولما ذهبَ بطرس ويوحنا وجدا كما قلتَ لهم، عليّةً مهيأةً عند حبيبك الذي أقمته من القبر، فأعدّوا كلَّ شيءٍ بحسب أمرك، وهناك لما أنهيتَ العشاء بحسب الناموس مع تلاميذك، أردتَ أن تعلّمهم طريق العظمة التي هي التواضع قولاً وعملاً، ربطتَ حقويكَ بمنديلٍ، وجلستَ وقلت لهم، هكذا اصنعوا لبعضكم بالمحبة وتعلّموا منّي تواضع الفكر، وعندما أكملتَ العشاء أخذتَ حالاً خبزاً مختمراً على يديك المقدّستين، وباركتَ شاكراً وأعطيتهم قائلاً هذا هو السرُّ الذي يُذبح عوض جميع العالم، هو جسدي خدوا كلوا منه لغفران خطايا كل من آمن بي، وباركتَ الكأس قائلاً: وهذا هو دمي للعهد الجديد، خذوا اشربوا منه كلّكم لغفران خطايا كل من يؤمن بي، هكذا تصنعون ذكرى موتي حتى مجيئي، وبعدما أعلنتهم لأبيك كشفتَ لهم عن نيّة تسليم الجسور ونكران هامة الرسل والهرب كما هو مكتوبٌ، وبيّنتَ بأنّك لاشيتَ العهد القديم وبدأت العهد الجديد الذي يمنح الحياة الخالدة وعدم الفساد، فيا لهذا العيد الجديد السيديِّ، يا للسر العجيب غير الموصوف، يا للعظمة غير المدركة، يا للمحبة غير المحدودة، يا للحمل السماوي الذي أكل الخروف الناموسيّ الذي يؤكَلُ برمزه ومثاله، يا ليوم الفطير العظيم الذي كمّلت فيه أسرار خلاصنا، يا للعليّة السرية التي بها أكل الخروفُ الحوليُّ، يا لحمل الله الذي حملَ خطيئة العالم، اليوم هبطَ علينا خبز الحياة من السماء سريّاً برمز خبز وخمر ملكي صادق الحبر العظيم، اليوم نعيّد جميعنا عيد التطهير والغفران ليس بخمير الشر العتيق والمرارة بل بخمير الطهر والنقاء والقداسة، اليوم نعيّد الفصح المقدس السيدي وذكرى الانتقال من العهد القديم إلى العهد الجديد ومن الموت إلى الحياة ومن العبودية إلى الحرية الإلهية، ومن خروف الغنم إلى حمل اللاهوت، اليوم تمَّ الجسرُ الروحيُّ الذي عبرنا منه من النكران إلى الإيمان ومن الضلال إلى الهدى، اليوم وجدنا الحياة الحقيقية غير الفانية، وفيه ثُلِمَت سكين بيت لاوي التي كانت تذبح الحيوانات الصامتة، فالآن الضحية استُبدِلَت بالحمل الناطق غير الدمويِّ الذي ضُحِّيَ به في العليّة، اليوم بَطُلَ سفك الدم ورشّ الرماد في هيكل صهيون بواسطة ذبيحة الحمل الناطق الذي كانت كل دماء الذبائح تُسفَك رمزاً له ولأجله. والآن نتضرّع إليك أيها المسيح إلهنا يا من منحتنا جسدك المقدّس ودمك الزكيَّ، وشاركتنا بهما وأنت حيٌّ، نؤمن بك ونعرفك بأنك الحي المائت، والقتيل واهب الحياة، سائلين أن تؤهّلنا لتناول جسدك ودمك الأقدسين، وبهما ننجو من المُفسِد لئّلا يدخل ويُفسد أفكار نفوسنا التي هي الأفكار الطاهرة والذبائح الروحية المضحّى بها، واجعلنا مستحقين أن نشدَّ أحقاءَنا بالعفةِ ونحذوَ أقدامنا بأحذية السلام، ونحن متّكئون على عصا صليبك الغالب، غير متذبذبين أو متشكّكين بشيءٍ في أفكارنا، بل متركّزين بالإيمان الحقيقي بك بلا عيبٍ، ونتأملك في ضمائرنا، وليكن لنا هذا الحمل مشويّاً بنار المحبة، مطيّباً بملح الحق، ولنكن جديرين أن نأكلك يوميّاً بعيدين عن كلِّ قديمٍ بالٍ، ونشربُك في ملكوتك، ثمّ نضحّي لك أبكاراً سمينةً بلا عيبٍ، وحملاناً وديعةً بلا دنسٍ، وذبائح طاهرةً وحماماً ويماماً لا لوم فيها، ونفرح في فصحك المجيد، ونحن وأمواتنا وجميع الموتى المؤمنين الذين رقدوا بالإيمان بك ههنا وهناك نرفع لك مجداً وشكراً ولأبيك الذي أرضيته بدمك المسفوك لأجلنا، ولروحك القدوس المساوي لك في الجوهر، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

تقبّل ربنا وإلهنا هذا البخور الذي قدّمناه أمامك في هذا العيد كقربان هابيل وتضحية نوح وذبيحة إبراهيم وتكهين ملكي صادق، وصلاة موسى وبخور هارون والتماس فينحاس، وتضرّع داود ودموع منسّى، وأبهجنا ربنا بغفران خطايانا وشفاء أوجاعنا وآلامنا، واحفظ نفوسنا وأرِح أنفس أمواتنا، لنرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك وروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

ستار يوم خميس الأسرار

فروميون:

المجد لذلك الذي هو وحده الحبُّ الحقيقيُّ الكامل، الذي لعطفه علينا هبط من سمائه وتردّد معنا إرادياً على الأرض بغاية التواضع، وشقَّ طريق الكمال، إذ قام وأتزرَ بمنديلٍ وغسلَ أقدام تلاميذه، له يليق الحمد والشكر والإجلال، في هذا الوقت وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا يا من أوجدتَ المرئيات وغير المرئيات بكلمة منك، وجئت بكلِّ شيء من العدم إلى الوجود بقوتك الأزلية، أنت هو ينبوع القداسة والنور والحياة والبرُّ والنقاء، يا من تجسّدتَ لأجلنا، واحتملت عوضنا العار والهزء، وفي عُلاك تخدمك القوات السماوية، يا من حباً بخلاصنا صرتَ خادماً وكمّلت كل الأسرار، واخترتَ لك تلاميذ سذَّجاً من بين الألوف وعلّمتهم وزيّنتهم بالتواضع مقدّماً لهم بذلك درساً، عندما اتّكأتَ معهم في العلية السرية وأكلت الفصح، وأظهرت لهم أسرارك الخفيّة، وسلّمتهم بعدها تقليداً حقيقياً واضحاً، إذ قمتَ بينهم كالخادم بعد العشاء، واتّزرتَ بمنديلٍ على حقويك وسكبتَ ماء في مطهرةٍ وغسلت أقدامهم، مبتدئاً من الصغير حتى بلغت إلى بطرس أخيراً، معلناً لهم عظمة التواضع، وإنه يجب أن يحبّوا بعضهم بعضاً كما أوصيتهم زارعاً فيهم وحدة المحبة وشركة الاحتمال لبعضهم، وبدورهم سلّموا لنا ذلك بعينه بدون حسدٍ، لكي نكمّل هذا العمل الصالح التقليدي، ليس لاستعادة الزلّات المفعولة، بل لنوال الغفران الكامل كما منحتَ لتلك الزانية التي سجلتها في بشارتك الأبدية. فليكن يا رب هذا التغسيل في هذا اليوم تطهيراً لنا من سائر أدناس النفس والجسد، واطرد الغضب منا والتجديف والثَّلبَ والحسد والحقد والانقسام والأعمال الشريرة، مجدّداً به إنساننا الداخليَّ ومقدّساً بروحك نفوسنا، وأعطنا لكي نعانق ونحترم بعضنا بعضاً بمحبةٍ وأُلفةٍ، ونكون لك عبيداً حقيقيين، فنتألم معاً ونتمجّد معاً ونتشارك الأعمال الخيّرة البارة وتقديم التسابيح، ومن جميعنا يرتفع لك الحمد والشكر، لأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد. 

العطر:

أيها المعلم السماويُّ الذي أعطى حياته دروساً وعِبَراً لتلاميذه وتابعيه، وصار لهم قدوةً ومثالاً يُحتذى به قولاً وعملاً، فاقبل منا بخورنا هذا الذي قدّمناه أمامك عربون محبتنا وتواضعنا الذي استمددْناهُ منك في هذا اليوم العظيم، لنتراءى قدّامك أطهاراً أنقياء، مكمّلين وصاياك المقدسة، فنسبّحك ونمجدكَ دائماً ربنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

القومة الأولى ليوم خميس الأسرار

فروميون:

أيها الفصح المقدّس المحيي الذي أشارت إليه كل الذبائح والأعياد والأسرار، ومدحته ومجّدته كل الأفواه والألسن معترفةً شاكرةً، الصالح الذي يبجّل ويُعظَّم من الجميع في هذا وقت القومة الأولى من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا، أنت الإله وخالق الكل مع أبيك وروحك القدوس، يا من صرتَ إنساناً بإرادتك، وتأنست من البتول البريئة التي لا تعرف حال الزواج، لتخلِّص جبلّته من الموت والخطيئة، يا واضع الشريعة الموسوية، يا من قرّرت بذاتك تكميل ما حدّده الناموس، لكي تتبارك الشعوب التي لا شريعة لها من اللعنة، أجل أكملتَ في بداية طريقك الختان وتقليد أبناء إبراهيم، لكي لا تُحسَب في بشارتك دخيلاً، وفي منتصف طريق تدبيرك الخلاصيِّ كمّلتَ البر وقبلت معمودية التوبة بنعمتكَ، يا من أنت أسمى من الخطايا لتمنحنا غفراناً كاملاً، وتجعل لنا من الماء كنزاً لا يُسلَب، وفي نهاية مطافك اشتهيتَ أن تأكل الفصح الموسويَّ، وبعده الخروف السرِّيَّ مع تلاميذك، ذلك الفصح الذي أشار إلى أسرارك العجيبة، ورمز إلى مثالك بأخبارك الخفيّة يا حمل الله الحيَّ لتكمّل الناموس القديم، وحينئذٍ يصمُت منك حقاً، وتعطي العهد الجديد أي توزّع جسدك المقدس لتلاميذك، وتسقيهم من دمك المحيي، وتكتب عهداً جديداً لبيعتك، مُيمّماً وجهك شطرَ الخلاص، بالصليب، ولهذا سألت بواسطة خدّامك عن البيت والمكان اللائق لزيارتك، مع أنَّ العلوَّ والعمق ممتلئان منك، فقد كنت وحيداً ليس لك مكانٌ أن تسند رأسك، ولما تهيّأ كلُّ شيءٍ كما أردت، اتّكأت هناك بمحبتكَ، وكمّلت الأسرار بوداعةٍ، وغسلتَ أقدام تلاميذك بلطفك، ومهّدتَ لهم طريقَ المحبّة الجديدة بالتواضع، فاضحاً غشّ يهوذا باللقمة المغموسة. والآن نتضرّع إليك أيها الرب العطوف راجين رحمتكَ أن تجدّد فينا وعودك الإلهية، وتزيّن نفوسنا بمنح روحك القدوس، وتملأ قلوبنا بالمحبة التي لا غشّ فيها لك ولبعضنا، وتقشع سحابة الحزن عن نفوسنا، لنستحقّ أن نعيّد لك فصحك هذا بطهرٍ، ليس بخمير الشرِّ العتيق، بل بخمير القداسة، ونفرح ونُسَرّ مع جميع المحتفلين بك، وللقوّات النورانية ونفوس القديسين، ونحن وأمواتنا نسبّحك ونمجّدك في العيد الذي لا يزول يوم مجيئك الثاني، ونستحق أن ندخل خدرك النوراني ونتمتّع بالمسرّات المتواصلة مع فاعلي مشيئتك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك وروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

يا من أشار إسحق إلى سرّك بذبيحته، واشتهى إبراهيم أن يرى يومَكَ، ورمزَ إليه موسى بخروفه الذي خلّص بدمه الشعب من الموت المُهلك، وبشّر بِهِ اشعياء في نبوءته صارخاً: هذا السرُّ لي ولبني بيتي، يا من جعلتنا أنسباءَكَ بواسطة أسرارك وشركاء جسدك ودمك، واعترفنا بموتك واعتمدنا باسمك، ووعدتنا بملكوتك، فأهِّلنا أن نحفظ وعودك ووعودهم، ونكون طائعين لوصاياك ومكمّلين مشيئتك، ونرفع لك سبحاً وحمداً ربّنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

القومة الثانية ليوم خميس الأسرار

فروميون:

التسبيح للكلمة الأزليِّ الذي تخدمه القوات السماوية في الأعالي بخوفٍ ورهبةٍ، وتكمّل إرادته كلُّ الطغمات العلوية، قد شاء بمحبته الطبيعية أن يهبط إلينا، ويجمع شملنا نحن الأرضيين الذين كنّا تائهين ضالّين باجتيازنا الوصية، ويُحذّرنا من عبودية الثلَّابِ المارد، يا من بِيعَ من تلميذه الغاشِّ للأشرار الذين أسلموه للموت بإرادته، له يليق الحمد والتسبيح في هذا وقت القومة الثانية من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

من يستطيعُ أن يصف آلامك الخلاصية من أجلنا يا كلمة الله العليِّ؟ ومن يقدر أن يسبر غور أحكامك غير المدركة في تنازلك العجيب لخلاصنا، وأيُّ فكرٍ أو عقلٍ يقدران أن يستوعبا سر تواضعك في سبيل فدائنا، يا من يرهب جلالك العلويّون والأرضيّون، وقد تصارعتَ مع الثلاب وأتباعه اليهود ناكري أفضالك، الذين تشاوروا مع رؤساء الكهنة حنّان وقيافا لهلاكك، يا من أبدعتَ المسكونة ببسطِ يدك، يا من خانك يهوذا الذي رافق الشيطان بعد أن ترك مركزه بين الزمرة الرسولية المختارة، أضاع حريّته باستهانته بخدمتك، يا من تخدمك النار الحيّة في السماء متقلّصة من جلالك، واستهوته محبة الفضة، إذ جاء إلى القَتَلة ووعدهم ببيعك أي بتسليمك لهم قائلاً: ماذا تعطوني وأنا أسلّم لكم يسوع الناصريَّ، ذاك الذي تقولون إنه حلَّ السبت بأعماله ويدَّعي أنه ربُّ السبت وأنه ابن الله، وملك إسرائيل، إنني تلميذه واتكّاله عليّ، أما هم فعاهدوه بثلاثين من الفضة مسرورين، وكان يتربّص فرصةً لتسليمك، ذاك الذي هيأتَ له كرسيّاً في السماء مع بطرس ومنحته سلطاناً في السماء والأرض، وشفى باسمك المرضى وطردَ الشياطين وأقام الموتى، وأشركته في عشائك السرِّيِّ، ولم تمنعه من غسل رجليه، ولم ترفضه من تناول جسدك ودمك، بل ساويته ببطرس ورفقائه بفيض محبتك وطول أناتك، رغم أنه رفع عليك عَقِبَهُ، ولما علمت بغشّه وخداعه اللذين صاغهما ضدّك، وأنه تركك وانضمَّ إلى زمرة الصالبين، كشفتَ ذلكَ للصّفا وسائر رفاقه بقولك: إنَّ واحداً منكم مستعدٌّ أن يسلّمني للأشرار الذي يغمس يده معي في الصحّفة احذروه، وإذا ما قمتُ في اليوم الثالث ستفرحون بي وتمتلئون من نعمة الروح القدس. ولهذا نطلب منك يا ربنا يسوع المسيح الحنّان واللطيف بالعباد، يا من قبلتَ عليك كل ما كان محتّماً على رأس جبلتنا آدم، سائلين أن تُفرحنا نحن المفديينَ بصليبك، يا من حملتَ خطايانا على كاهلكَ، وسمّرتها فوقه، أن تجعلنا أهلاً للسعادة في وليمتك الروحية وغسل كل الأمور غير اللائقة، والاشتراك بجسدك ودمك الغافرين، ومنجّياً إيانا من اليأس والقنوط اللذين حطّا بيهوذا الشقي، وخلّصنا من الحكم العتيد، وأهّلنا وأمواتنا لنصيب قدّيسيك، والحظوة والاتّكاء مع مدعوّيك ومختاريك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

ابسط يا ربُّ يمينك المملوءة قوةً ونصراً وعوناً لشعبك المؤمنين، وبارك جميع رعيّتك، واقبل هذا البخور من ضعفنا إرضاءً لسيادتك في هذا اليوم وكل أيام حياتنا، وأن نسمع منك تلك الكلمات المقدّسة المفعمة عزاءً وشجاعةً، فنرتّل ونهلّل لك سبحاً ومجداً ربنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

القومة الثالثة ليوم خميس الأسرار

فروميون:

أيها السرُّ الخفي غيرُ الموصوف الذي ظهرَ بالجسد وآمن به العالم، وبشّر به التلاميذ، وتجلّى لنا بواسطة الرسل، نسجد له ونعترف به ونسبحه نحن أبناء سر الإيمان، في هذا وقت القومة الثالثة من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

نسبّحك أيها المسيح إلهنا ربَّ الأسرار، يا من تنبّأَ عنك الأنبياء سريّاً، وتراءيتَ للمنذرين سريّاً، وأعلنتَ جهاراً للرائين، يا من انتظرَ إبراهيم أن يرى يومك فرأى وفرحَ، إذ تجلّى له رمزك فوق الجبل بالخروف الذي أصبح ذبيحةً افتدى إسحق ابنه من السكّين، وبانَ لموسى مثالُكَ بسرّ الخروف الذي ذُبح بين الأمساء، فأعطى الخلاص للأبكار الإسرائليين، أنت يا حمل الله الرافع خطايا العالم بصليبك، قد أكلتَ خروف الفصح الناموسي مع تلاميذك، وكمّلتَ الفصح السري، وأعلنت لهم بأنَّ الرمز قد زال والظل قد تلاشى، وبدا الحق أن يظهر، فالسرّ لي ولبني بيتي، وهذا السر الجديد أعلنته له عمليّاً، إذ أخدتَ خبزاً على يديك المقدستين وباركتَ وكسرتَ وأعطيتَ رسلك بني سرّك قائلاً: هذا هو جسدي يُذبح عوض كثيرين لمغفرة الخطايا، ومزجت الكأس من الخمر والماء وناولتهم قائلاً: هذا هو العهد الجديد بدمي خذوا واشربوا كلّكم ولا تتشككوا، فإنني ضحّيتُ بذاتي، وأقدس نفسي لأجلكم، قد زالت من الآن الأمور العتيقة وأصبح كلِّ شيءٍ جديداً فاصنعوا هذا لذكري. يا للسرّ العجيب، يا للحمل الرافع خطيئة العالم، يا للفصح العظيم الذي أبهج شعبه بموته، يا للذبيحة التي تقدّمت لتُعلن ذاتها بذاتها، ما أعجب هذا السر أمام الفاحصين، ما أسمى هذا الخبر عن الباحثين، فقد قبلَت البيعة هذا التقليد، واتّخذت منها الأمم هذا السر بالإيمان وتُحافظ عليه من كل معارضةٍ أو مناقضةٍ، إذ تأكل جسده الحي بدون تذبذب وتشرب الكأس المحييةَ بالمحبة بدون فحصٍ، فاحفظ يا رب بيعتك من حسد الشرير ونجّها بصليبك من غشّ الخدّاع، وأغنها بنعمتك وبتعاليم أسرارك، كيوحنا الحبيب الذي ارتمى على صدرك عند العشاء، ولتُصَنْ دائماً بمعرفة أقوالك الإلهية كسمعان الذي استفهم منك عن مسلّمك الغاشّ، وارحَضها ونقِّها من كل دنسٍ ودرنٍ، وليثبت فيها هذا التقليد المقدس الذي أعطيته لزمرة تلاميذك بالتواضع والألفةِ والمحبة والبشاشة، فتفرح بك ومعك وتسعد مع أبنائها في ملكوتك السماوي، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

المجد للرب الذي أعلنَ للطبائع ربوبيته، وتعجّبت العوالم من عظائمهِ، وأرهب المسكونة بموته، وزعزع العناصر بهدوئه، تقبّل منا هذا البخور الذي قدّمناه إليك، وحرّك في قلوبنا وأرواحنا المشاعر الحيّة، بقوة صليبك، ودهشة تنازلك، وعظمة تواضعك، وجلال موتك، لكي ننشر ونبشّر بعظمتك، ونحن ذوو الشعور والإحساس عوض الطبائع الخرساء الصامتة، ونشكر نعمتك لسيادتك، ربنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

القومة الرابعة ليوم خميس الأسرار

فروميون:

أيها القدوس غيرُ الموصوف، وغيرُ المتألم وغيرُ المائت، يا من بإرادتك ذقتَ الآلام والموت لأجلنا، وأذللتَ الموت القاسي بموتك عنا، ومنحتنا الحياة عديمةَ الفناء، إياك نسبّح ونشكر في هذا وقت القومة الرابعة من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح الإله، المبجّل والسامي بمجدك، المخوف القوي وجبّار العوالم، غيرُ المفحوص وغيرُ المدرَك من جميع خلائقك، يا من طأطأتَ أعاليك الخفيّة إلى ضعفنا، واحتملتَ عار الصليب والموت حبّاً بنا، لتُبعد عنا بآلامك وموتك شبح الموت، كمّلت بذاتك كل أسرار ورموز وألغاز الأنبياء القديسين كاشفي الخفايا، الذين سبقوا وأعلنوا عن تدبيرك الخلاصي، فالواحد شبّهك بالخروف المذبوح بين الأمساء، والآخر مثّلك بالكبش الذي ولد من الشجرة، وافتدى إسحق، الواحد صوّرك بالنعجة أمام جازّيها، والآخر تنبّأ عنك بأنك اُقتدتَ كالضحية إلى الذبح، الواحد أشار بأنك أُحصيتَ مع الأثمة، والآخر صرخَ بقوله: قد ضُربَ الراعي وتبدّدتْ خرافه، الواحد ينادي بأنه ضُربَ راعي إسرائيل على خدّه، والآخر كان يرتّل: قد ثقبوا يديَّ ورجليَّ، الواحد يُعلن بأنه سينظرون إلى الذي صلبوه، والآخر كان يقول: سيُقتل الملك المسيح وتُخرَب المدينة المقدسة بموته، الواحد ينادي بأنهم سيرون موت الصدّيق ولم يفهموه، والآخر كان يشير لأبناء شعبه بأنَّ حياتكم معلّقةٌ على الخشبة، الواحد كان يقول: بأنَّ من يؤمن به لا يُخزى، وأنت طبّقتَ أقوالهم فعلاً فأكلتَ خروف الفصح مع تلاميذك وسُلِّمتَ إلى الشعب الكافر بخداع التلميذ الماكر، واحتملتَ العار والهوان، قمتَ في دار المحكمة كمذنبٍ وحُكمَ عليك بالموت كفاعل الشرور، ومع أنك ملك الملوك وعاقد التيجان في أعالي سمائك، فقد كلّلوا رأسك بإكليل الشوك في الأعماق الأرضية، ومن الأعماق الأرضية رفعوك مسمَّراً على خشبة العار، وفي الأعالي العالية يُسجد لك مع أبيك وروحك المساوييّن لك في الجوهر، وفي الأعماق الأرضية أُحصيتَ مع الأثمة. ولهذا نمجّدك روحيّاً وفكريّاً قائلين: ممجَّدٌ أنت يا رئيس أحبار إيماننا، يا من قدّستَ جنسنا بذبيحتك، ممجَّدٌ أنت أيها الراعي الصالح، يا من صرتَ حملاً للذبح من أجل خلاصنا، المجد لك بآلامك وصلبك وموتك ودفنك وقيامتك، متضرّعين إليك يا ينبوع المراحم أن تقبل هذا البخور من ضعفنا، وتمنحنا ما نستحقه من نصيب أصفيائك، واجعلنا غير متألمين وغير مقهورين، وحرّرنا من جميع الأهواء السمجة والعادات الرديئة، وأطفئ منا كلَّ شغبٍ وسجسٍ في أفكارنا عند التأمل في آلامك، وطهّر ضمائرنا الهادسة في موتك يا مصدر الحياة، وأشركنا بلذّة قيامتك، لنتمتّع برجاء الحياة الخالدة مع قدّيسيك، وأرِح اللهم أمواتنا الراقدين في ملكوتك، لنرفع لك سبحاً وحمداً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها المسيح العَرفُ الطيب والعطر الهنيُّ، يا من قُدِّمتَ بخوراً لأبيك من أجلنا، وبصليبك دعوتنا من الموت إلى الحياة، ارمقنا الآن بعين اللطف والحنان، واقبل منا هذا البخور الذي عطّرناه أمامك نحن الخطأة، وامنح به غفران المعاصي والآثام بفيض رحمتك، واجعل ذكراً صالحاً وراحةً تامةً لأمواتنا المؤمنين، ونحن وهم نرفع لك حمداً وشكراً ربّنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

صباح  يوم خميس الأسرار

صلاة الابتداء:

يا فصحنا وذبيحتنا الخالدة، يا من تضوّع أريجك في العلية السرية مساء آلامك، وتقدّس البيت الذي اجتمعتَ فيه بتلاميذك الأطهار، فلتكن قلوبنا وأفكارنا وأرواحنا طاهرةً نقيةً لائقةً لسُكناكَ كعليّة صهيون المقدسة ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

فروميون:

أيها الذبيح الحي وقابل الذبائح، أيها الزّوفى المطهِّر والبلسم النقيُّ، يا من ضحّيت بنفسك على الجلجلة لأجل خلاصنا، وجذبتنا إلى السجود لوقار اسمك، وخلّصتنا بصليبك القاهر، وأحييتنا بموتك يا واهب الحياة، وأقمتنا بقيامتك المجيدة، لك يليق الحمد والسجود والإجلال في هذا الصباح العظيم، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

لك المجد والشكر يا يسوع المسيح قوة الله الآب وحكمته، أيها النور المساوي في الجوهر لوالده. الإشراق البهيج الذي فرّح المسكونة بتجسّده من البتول. شمس البر الذي احتمل الآلام والموت لينير قلوبنا المظلمة بأشعة مجده، وصالح أباه مع أبينا آدم، وأطفأ الخصومة التي أورثَتها الحيّة لحواء في الفردوس بين الأشجار. الكاهن العظيم ورئيس الأحبار السماوي الذي غفر بذبيحته لجنسنا الضعيف، الخفي الذي لا يُرى وقد شَهِدَ معنا وبيننا ومثلنا ليرفعنا إلى مكاننا الأول، غيرُ المتألم وغير مائت الذي مهّد طريقه إلى الموت وحطّم اللعنة من الأرض بخطواته المقدّسة، طبيب المرضى وغافر وجابر المنكسرين ومجترح العجائب الذي جاء في آخر مراحل تدبيره الخلاصي إلى الآلام إرادياً، وقبلَ آلامه سبق وقال لتلاميذه المختارين: شهوةً اشتهيتُ أن آكل الفصح معكم بحسب الناموس، اذهبوا وأعدّوا لي العليّة لآكل معكم هذا الفصح قبل أن أتألم، اليوم هيّأَ له بيتاً صغيراً ذاك الذي كوّن صورة العالم من البدء وبسطَ السماء خيمةً له، وثبّتَ أسس الأرض وأقامَ فيها رئيس القبائل والأجيال آدم، اليوم خرجَ شمس البر ساحباً معه أشعته أي تلاميذه ليكمّل العيد بين الظلمات، ويأكل الخروف في الوليمة السريّة، اليوم أجلسَ أحباءهُ على مائدته في ذلك المساء الرهيب، وعلّمهم سر بيعته الجديد، مظهراً لهم طريق الحق، اليوم اتّزرَ بمنديلٍ على حقويه وخدمَ المتّكئين، اليوم انذهلت القوات السماوية لدى رؤيتها سيدها جاثياً كالعبد، مُحنياً رأسه أمام تلاميذه يغسل لهم أقدامهم، اليوم خَزيَ الأبالسة واليهود المتغطرسون عندما رأوا التراب الحقير والطين المجبول يُكرَّم مع جابله، اليوم أكل ربنا الفصح الصغير، وصارَ لنا فصحاً عظيماً حقيقياً، وخلطَ الفصح بالفصح، ومزج العيد بالعيد، مساء اليوم خلطَ ربنا المرارة بخروف الفصح فتمرمرت أفواه الرسل، واستحال المساء حزيناً، والليل قاسياً أليماً على التلاميذ، عندما سمعوا من معلمهم إنَّ واحداً منكم يسلّمني إلى الصلب والموت، فتناولوا عشاءهم بالمرارة والألم، اليوم ختم الرب العهد القديم، وابتدأ برسم العهد الجديد ليعلّم الحقائق لتابعيه المؤمنين، اليوم كسر جسده لتلاميذه, ومزج دمه ووزّع لهم قائلاً: هذا هو جسدي وهذا هو دمي أعطيكم إياهما عربون الحياة الجديدة تطهيراً للخطأة وتقديساً للمذنبين، هذا هو السر الذي اشتهاه الأبرار والصديقون ورمزوا إليه بكشوفاتهم وإعلاناتهم. ولهذا نتضرّع إليك متخشّعين أيها اللطيف بالعباد، يا من كمّلتَ كل هذه التدابير من أجلنا، ألّا تجعل أعيادنا أحزاناً وكآبةً، كما للشعب المارد الجسور، لا تطردنا عدالتك من خدرك، ولا ترذلنا من ميراثكَ كما رذلتَ أولئك الذين هزئوا بك وأنكروا تدبيرك، لا تبعدنا من حظيرتك ولا تفصلنا من عداد خرافك كما تغرّب يهوذا المسلِّم الذي انفصل من نسبتك وعداد رسلك، بل تقبّل خدمتنا وارتضِ بصلواتنا كصلوات فنحاس المختار وحزقيّا الملك المؤمن، وجميع الأصفياء، واقبل بخورنا الذي قدّمناه أمامك في هذا العيد كبخور هارون الكاهن النزيه، وجميع اللاوييّن بني رتبته، فارتضِ يا رب القرابين والعشور والحقوق التي تقدّمها لك رعيّتك، كما قبلتَ من ملكي صادق الحبر الأعظم، هو ذا البيعة بأسرها تقدّم لك عوض أبنائها الهدايا والنذور، فاحفظهم من مكائد ومصائد الشرير، واسمع تضرّعنا والتماسنا، واحفظ شعبك وميراثك الموسوم بعلامة صليبك والمُبتاع بدمك الزكي، افتقد المرضى بحنانك، فرِّج عن المتضايقين بقوتك، اسند الساقطين بيمينك، ثبّت القائمين برجائك واجعل تذكاراً عَطِراً على مذبحك الناطق في السماء لأبنائنا وإخوتنا ومعلّمينا وسائر الموتى المؤمنين الذين رقدوا على المعتقد القويم، ونحن وهم نستحقّ لعيدك الذي لا تزول أفراحه ولا تحولُ سعاداته، وهناك نمجّدك معاً بلا فتورٍ بين صفوف مسبّحيك الروحانيين، ولأبيك غير المتألم الذي أرسلك لخلاصنا، ولروحك القدوس المساوي لك في الجوهر، الآن وكل أوان وإلى الأبد.  

العطر:

أيها العطر الهَني والبخور الرضي، يا كلمة الآب السماوي، يا من طهّرتَ الهواء الذي تدَنَّس بذبائح الحيوانات الصامتة، وقدّستَ الأرض التي جرى فوقها دمك الزكي، أنت يا رب اقبل بخورنا هذا الذي تقدّمه إليك بيعتك المقدسة لتطهير أبنائها، وليكن لرضاك، وحفظ الأحياء وغفراناً للخطايا، وذكراً صالحاً للموتى المؤمنين الذين اعترفوا بك في حياتهم، وأحسنوا أمامك بأعمالهم، ونرفع لك حمداً وشكراً، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

الساعة الثالثة ليوم الخميس

فروميون:

ايها العالي والمتسامي بأزليته, الذي طأطأ ذاته لأقصى التواضع, القوي والممجد باحتجابه الذي مهد طريق العظمة الحقيقية بواسطة تنازله, الذي تخدمه القوات النورانية بخوفٍ واحترازٍ, وقد صار عبداً وخادماً لخدّامه الترابيين بنعمته, الذي يرهب العلويوّن بهاءه قد تواضع بين الأرضيين وحَرِصَ على خدمة تلاميذه، الذي لم يأتِ إلى هذه الأرض ليُخدَم بل ليَخدُم ويبذل نفسه فداءً عن كثيرين، له يليق المجد والوقار في هذا وقت الساعة الثالثة وفي كل الأوقات وإلى الأبد. 

السدر:

أيها الإله الكلمة الأزلي السامي عن الزمان، يا من أنت مساوٍ لأبيك وروحك القدوس في الجوهر، وقد خضعتَ بمشيئة لاهوتك تحت الزمان كإنسانٍ، وتشبّهت بنا في كل شيءٍ ما عدا الخطيئة رحمةً منك، وكمّلتَ مسيرة طبعنا، حتى بلغتَ إلى آخر مرحلةٍ من تدبيرك، فاحتملتَ الآلام، وأقبلتَ إلى موت الصليب لتميت الخطيئة والموت، وشئتَ برأفتكَ أن تسلّم تلاميذك رمز تواضعك الرفيع، فاتّزرتَ بمنديلٍ على حقويك كإنسانٍ، وغسلتَ أقدامهم مانحاً إياهم سرّ المحبة، لنستحق بدورنا أن نقدّم لك ثمار الشكر وآيات الثناء والاعتراف بالفضل على كرمك ولطفك وحنانك. سائلين أن تؤهِّلنا لغرس أسرارك في نفوسنا كليّاً، ونكمّل بفخرٍ متواضعٍ وصاياك الخلاصية، حتى إذا ما نهجنا سبيلك نغسل نحن أيضاً أرجل بعضنا بعضاً، متضرّعين إلى لطفك العميم أن تغسل منا مع غسل الأرجل الجسدية كل أهواء الخطيئة، وما صدرَ عنا بحواسنا الباطنة والظاهرة، ولنكون لك تلاميذ حقيقيين، مترفّعين عن كل الرزايا، متطهّرين من لسعات وجراح التنّين المعنوي، فندوسه بقوةٍ وشجاعةٍ، متسربلين بالإيمان القويم والوصايا الإنجيلية، والمحبة والصفات المتوفّرة في تلاميذك القديسين، لنصل معهم إلى ميراث السعادة المحفوظة لهم بأدعيتهم وصلواتهم، ونرفع لك إكراماً وسجوداً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها الرفيع الذي تواضع ليمنحنا مثالاً حسناً بذاته، تقبّل منّا هذا القربان الذي قدّمناه أمامك، وأهلنا لغسل أدران الخطيئة من حواس نفوسنا الخفيّة، لنكون لك طاهرين بلا عيبٍ، ونستحقَّ أن نفرح بقيامتك المجيدة، ونرتّل لك تسابيح نقيّةً ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

الساعة السادسة ليوم الخميس

فروميون:

أيها الرب الرحيم المعتني بحياة جميع الناس، والمتعطّش إلى صوت المتضرّعين إليه القارعين بابه دائماً، يا من دعا تلك الزانية الخاطئة إليه ليطهّرها من دنس خطاياها، ويملأها من قداسته، قَبِلَ دموعها كقربان، واعتبرَ بكاءها صدقةً وتضرعّها ذبيحةً حيّةً ناطقةً، ووبّخ سمعان الفريسي على تشكّكه، والتلاميذ على سوء ظنّهم في صنيعها، ومدح إيمانها أمام الجميع غافراً كلَّ خطاياها، مسجّلاً عملها في بشارته مثالاً أعلى لكلّ المسكونة، طالباً أن ينادى به لتشجيع جميع التائبين، لذلك الذي قبلها بنعمته حالما رآها. لنسبّح ونمجّد في هذا وقت الساعة السادسة، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.


 

السدر:

أيها المسيح إلهنا، يا بحر الحنان الفائض، وغمر المراحم الذي لا يُقاس، يا حكيم الأنفس والأجساد المُرسل من الآب إلى العالم المُصاب بأنواع الأمراض والعاهات، يا من أحنيتَ عظمتكَ بإرادتكَ لأجل الهالكين وافتقاد المتضايقين بأشفيتك، وتضميد جراحهم ببلسم محبتك وحنانك، وإنارة الجالسين في الظلمة وظلال الموت بأشعّتك الإلهية، ونشل الساقطين بقوتك العظيمة، وتطهير الدنسين بغفران خطاياهم، وخلاص المُستعبدين للأهواء الشيطانية، ورفع المتمرّغين بالخطيئة من هوّتهم السحيقة، يا من اجترحتَ هذه الآيات وغيرها لنا نحن المذنبين غير المستحقين الحياة، وهذه هي إحدى عجائبك العظيمة أنك خلّصت أهل سمعان الفريسي من البرص الشديد بكلمتك السيديّة، إذ دفعتك مراحمك لتحلّ في بيته على العشاء، فأفضتَ حنانك نحو تلك الخاطئة الزانية المتلوّثة بشتّى الموبقات، تلك التي حالما سمعت عن رحمتك الغنيّة نحو كلِّ إنسانٍ، وأنك لا ترفض النساء الدنساتِ الَّلواتي يلجأنَ إلى باب نعمتك، بل تضاعِف لهنَّ الشفقة أكثر من الكلِّ كربٍّ صالحٍ عطوفٍ، جاءتك مسرعةً بالطيب الثمين فضلاً عن ندامتها الحقيقية وإيمانها الحارِّ، متشجعةً وقاصدةً إياك حيثُ كنتَ، وقرعَتْ بابَ رحمتك باجتهادٍ. فالآن نتضرّع إليك يا غافر الخطايا، أن تطلقنا من نير الخطيئة الثقيل، لأننا عاهدنا صلاحك ولتفِضْ علينا رحمتك. وسِمنا بطابع حقك، ليهرب منه الشيطان بعيداً، وأحصنا بقطيعك، فلا يعود يسعى إلينا ولا يجسر على شقائنا، إننا أُناسٌ خاطئون وملوّثون بالأدناس، فلا تخرجنا من عندك كما كنّا بل مطهّرين ومحرّرين من كل الآثام، لأن كل من قصدك يا رب أعطيته بحسب إيمانه فنحن أيضاً مثلهم اجعلنا لك إلى الأبد، ليفرح بنا أبوكَ المبارك وروحك القدوس وملائكتك القديسون. فنحن الآن نتضرّع إليك نظيرها ومثلها، لتؤهلنا وجميع أبناء البيعة المقدسة، أن نتقدّم منك بالتوبةِ النصوحِ والدموع السخيّة والتنهّدات الحارة والندامة المنسحقة والتغيير الكلّي والإيمان الحار والرجاء الثابت غيرُ المتزعزع، والمحبة الصافية من الغشِّ، لنسمع منك تلك اللفظة المبهجة المملوءة سعادةً: مغفورةٌ لكم خطاياكم، فنرفع لك حمداً لائقاً وشكراً متواصلاً، ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكلَّ أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها الطبيب السماوي الذي جاء يداوي أمراض جبلّته وأسقامها، ويُعالج ببلسم حنانه جروحها وأوصابها، انظر إلى ضعفنا وانسحاقنا، واقبل توبتنا وندامتنا كتوبة الخاطئة وارتضِ ببخورنا هذا الذي قدمناه إليك في هذا الوقت، سائلين بواسطته النعم والخيرات من لدنك أيها اللطيف بالعباد والمهتم بحياة الكل، ربّنا وإلهنا وإلى الأبد.

الساعة التاسعة ليوم الخميس

فروميون:

لك المجد والشكر يا سر الحياة، يا من أسلمت رعيّتك أسرارك الرهيبة، وكتبتَ عهدك الجديد بدمك، وأعلنته للبيعة خطيبتك، وأعطيت جسدك المقدس طعاماً لقطيعك الغالي، مُظهراً سر التواضع الإرادي لزمرة التلاميذ، مكمِّلاً العهد القديم بالخروف الذي رسمه موسى، وبادئاً بالأسرار الجديدة بكسر جسدك المقدس، فاجعلنا أهلاً لنتلذّذ بسرّك السماوي، ونفرح بفصحك المجيد، ونرفع لكَ حمداً وثناءً في هذا وقت الساعة التاسعة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا، يا فصحاً جديداً أزال ضيقاتنا، يا سرّ الحياة الحقيقي الذي صَوَّرَ ورَسَمَ بواسطته موسى النبي في مصر الخروفَ الذي ذُبحَ بين الأمساء، وَرشّ دَمَهُ على عتبات الأبواب، فنجا به الشعب من المُهلك القاتل، إذ لم يكن بمقدور خروف موسى أن يصنع هذا الخلاص للشعب، إلّا أنت يا حمل الله رافع خطيئة العالم، بعدما كمّلتَ هذا الرمز، وأبطلتَ الأمور الظليّة العتيقة، وشريعة تلك الشجرة العقيمة من الثمار، أكلتَ الخروف مع تلاميذك القدّيسين، وتواضعت أمامهم بغسلك أقدامهم، مبيّناً بأنَّه بأكل الخروف وغسل الأقدام قد زال العهد القديم وأُبطِل، زال الظلّ وجاء الواقع مكانه، حيث أعطيتَ تلاميذك برهاناً لتواضعك، وأظهرت لهم سرَّ موتك، هذا السر الذي تمَّ في العشاء، حيث سلّمتَ رسلك سراً جديداً، وخلاله فُضحَ أمر تلميذك الغاشِّ، وانجلى نكران هامة رسلك وأقسامه. والآن نتضرّع إليك أن تؤهِّلنا لشركة أسرارك بطهرٍ وقداسةٍ، والتألم بكل يقظةٍ وإجلالٍ بآلامك، والسهر معك هذه الليلة التي تألمتَ بها ساهراً، وغسل كل إثمٍ ودنسٍ من قلبنا، وتطهير دواخلنا وأفكارنا من الرذائل والوساوس، لنكون حقاً أبناء سرِّك وحافظي عهدك، ليس كاليهود أو يهوذا الذي أصبحَ تابعاً لأعدائك وتقدّم إليك بجسارةٍ وقبَّلك، بل نستحقّ معاً اقتبال خيراتك وبركاتك، ونرفع لك حمداً ومجداً وإكراماً، لأبيك ولروحك القدوس المجيد، الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

أيها الحمل الحقيقي الذي أبطلَ بذبيحته كلَّ الذبائح والمحرقات، وأمات كل الأهواء والآلام من جنسنا البشري، وحطّم بصليبه إبليس قاتل أبناء آدم في الفردوس، الذي أقامه بقيامته من سقطة الخطيئة، تقبّل من ضعفنا هذا البخور المرفوع إلى سيادتك، وأبعد عنا كل عداوةٍ وحقدٍ وخصامٍ، وليملك علينا أمنك وسلامك دائماً، أيها المسيح ربنا ومخلّصنا إلى الأبد.

مساء يوم الجمعة العظيمة

صلاة الابتداء:

سلّح يا رب نفوسنا بالإيمان وزيّن أجسادنا بالعفة، وصُن عقولنا بسور أقوالك الإلهية، وامنحنا لكي نستحق بنقاء الأفكار وصفاء الأعمال الجليلة، وترتيب التصرّفات اللائقة، أن نتقدّم من مائدتك السماويَّةِ، ونشترك بجسدك ودمك، في هذا عيد خلاصنا وسائر أيام حياتنا ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

فروميون:

يا قابل الذبائح ورئيس الأحبار الذي شاء وصار ذبيحةً وكاهناً، يا مكمّل الرموز وخاتم الأسرار، الذي كمّل في هذا المساء رمز موسى، وقدّم ذاتَهُ قرباناً مقبولاً لوالده عوض كل العالم، أيها العجيب غيرُ المدرك الذي كسر جسده بيديه على المائدة وهو حيٌّ، ومزج دمه لتلاميذه، له يليق الحمد والسجود والإجلال، في هذا المساء العظيم، وفي كل وقتٍ وحينٍ، وإلى أبد الآبدين.

السدر:

أيها المسيح إلهنا، يا شمسَ البر العظيم، والنور الأزلي المُشرق من الآب لكل إنسانٍ آتٍ إلى العالم، يا من تنير الجميع بنور معرفتك الإلهية، وقد هبطتَ في مساء العالم متجسّداً، لتنير المسكونة التي أُظلِمَت بالضلالة، يا من كمّلت بمساء الفصح ما كان في مساء الناموس، وأشرقتَ نور بشارة الحياة وأوردتَ صورة ومثال مساء موسى الظلّي في مصر، الذي رمزَ إلى مساء الفصح الذي أكلتَه مع تلاميذكَ، يا من أنت هو الفصح المُفرح بمجد لاهوتك، لقد أكملتَ في هذا المساء خروف الأسرار وأكلتَه مَعَ بَني بَيتكَ مَمزوجاً بالمرارةِ، أنتَ هوَ حملَ الله رافع خطيئة العالم، قد اتّجهتَ لشرب كأس الموت المريرة، في هذا المساء الذي هو الحدُّ الفاصلِ للعهدين، نقضتَ فيهِ القديم وباشرتَ بالجديد، وفيه أظهرتَ طريق التسامي بالتواضع العظيم، حيثُ غسلتَ أقدام تلاميذك القديسين بمحبتك الفائقة، ونشّفتها بالمنديل الذي كنتَ متّزراً به، معلناً لهم مثالاً عظيماً ومعلّماً إياهم الوداعة والتسامح، في هذا المساء أطعمت جسدكَ لأتباعك وسقيتهم دمكَ مثبّتاً عهدك الجديد لعروسك البيعة المقدسة، وفيه أيضاً غمستَ الخبز ليهوذا الغاشِّ، وفضحتَ أمام التلاميذ خداعه، في هذا المساء رفعتَ السكّين عن الحيوانات العجماء، وافتديتها بذبيحتك الإلهية، وفيه أبطلتَ الظلال والرموز وكشفتَ الستار أمام الحقيقة، في هذا المساء ابتعدَ لاوي من خدمته، وارتاح هارون من ذبائحه، إذ أسلمتَ فيه الكهنوت لزمرة بيت سمعان، وأقمتهم وكلاء على خزائن اللاهوت، ليمنحوا جسدك الحي للشعوب ودمك الغافر للأمم والقبائل، وفي هذا المساء ذاته سلّمت سلطان غفران الذنوب والخطايا في كل الأصقاع بحسب أمرك الإلهي. والآن نتضرّع إليك أيها المسيح ربنا، يا من في هذا المساء العظيم قد زالَ وتلاشى الناموس الظلّي، لتحلّ محلّه بشارة إنجيلك المقدّس، فاجعلنا به أهلاً لنشترك بمائدتك الإلهية بكل طهرٍ وقداسةٍ، ونحن بعيدون عن الغضب والحسد والألم، وأنقياء الأفكار، وأصفياء من الضغينة والغشِّ الإسخريوطييَّن، بنيَّاتٍ صافيةٍ بعد الاغتسال بماء الندامة عن الخطايا والآثام، ونفوسٍ مُمنطقةٍ برباط المحبة الإلهية نحوك ونحو بعضنا، ومصابيحنا متوّهجةٌ بأشعة تعاليمك السماوية، فلا تكون هذه الأسرار شجباً وتقريعاً وعقاباً لنا، بل صفحاً عن الذنوب وتطهيراً للأنفس والأجساد من حمأة الرذائل والعيوب، وإشراقاً بالأضواء الإلهية، لنثبُت فيك وأنت فينا، فنكون جميعاً شعباً واحداً لأبيك الواحد على الدوام، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك وروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.

العطر:

قدّمنا أمامك هذا البخور أيها المسيح إلهنا، سائلين رحمتك الغنيّة أن تؤهٍّلنا لنعيّد بطهرٍ هذا عيد نهاية العهد القديم، وبداية العهد الجديد، ليتّحدَ جسدكَ المقدسَ ودمك الزكي في نفوسنا، ويكون مطهّراً لنا من زلّاتنا، وراحةً لموتانا المؤمنين، ونحن وهم نرفع لك حمداً وشكراً، ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.

ستار  يوم الجمعة العظيمة

فروميون:

يا حاكم الحكّام الذي دِينَ وبرّر ذنبنا بصمته، أيها المخلّص الذي أعطى جسده للضربات ووجهه للطم، فمحا بجلداتِهِ آثامنا، وأبادَ الموت بآلامهِ، وغرزَ بإكليله خطيئتنا، وهزم عدوّنا بصليبه، وسحق الموت بقدرته، له يليق المجد والوقار، في هذا الوقت وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

المجد لك يا كلمة الله الوحيد من الآب، يا من بمشيئتك ورضى روحك القدوس المساوي لك في الجوهر، اتحدتَ بجسدنا اتحاداً كاملاً، وتشبّهتَ بنا ما عدا الخطيئة، وتردّدتَ معنا إلهياً وتدبيرياً، وفي آخر تطوافك الخلاصي غفرتَ ذنب جسدنا غفراناً كاملاً، مؤكداً لنا دخولنا إلى الحياة الجديدة، إذ حطّمتَ أمامنا الموت والشيطان والخطيئة بمجيئك، لتكتب لنا صكّ العهد الجديد بدمك الثمين، احتملتَ وتحمّلتَ العار والهوان والهزء من الشعب اليهودي أتباع الثَّلَّابِ حُباً بخلاصنا، صابراً على كل شيءٍ بغنى حنانك لأجل آدم المذنب، لتنقذه وتخلّصه من حكم تعدّي الوصيّة، إذ سبقتَ وأعلنتَ بذاتك الرمز الذي صوّره موسى في مصر، إذ كمّلتَ بذلك المساء الخلاصي أمام تلاميذك في العليّة المملوءة بالأسرار الخلاصية والإعلانات الإلهية عن بيعتك المقدسة، وختمتَ العهد القديم بالخروف وبدأت العهد الجديد بالخبز، ومنحتنا جسدك ودمك في العشاء السرِّيِّ، وأصبحتَ مأكلاً ومشرباً لنا لغفران الخطايا، أحنيتَ رأسك لقبلة يهوذا الخائن وأُسلِمتَ للشعب اللعين، ورضيتَ بتواضعك المثولَ عوضنا في المحكمة في اليوم السادس، وقبلتَ عار الصليب لتنجّينا من عار الخطيئة والعقاب القاسي المحتّم علينا، ضُربتَ على خدّك من العبد الجسور لتحرّرنا من عبودية الإثم، حُكمَ عليك كمذنب فمنحتَ لجنسنا الغلبة، جُلدتَ بالسياط من بيلاطس الوالي، فوفّيتَ بذلك جريمة جنسنا الخاطئ، قبلتَ البُصاق على وجهك من الدنسين في هذا يوم الجمعة وبه أبعدتَ الخزي والعار عن وجوهنا لاجتيازنا الوصيّة، ألبسكَ اليهود ثوب الأرجوان بهزءٍ وسخريةٍ، لتُلبسنا نعمة الروح القدس التي تعرّينا منها بين الأشجار بحسد الحيّة الرقطاءِ، استأصلتَ بإكليلك الشوكي الخطيئة التي زرعَت الموت في حواسنا، وكتبتَ بقصبة الاحتقار التي وضعها كهنة الشعب بيدك أسماءنا بسفر الحياة، رُفِعتَ على رأس الخشبة عرياناً، وكشفتَ بتعرّيكَ أركون العالم ضابط الهواء، وخلعتَ ستر العفة على آدم صورتك، مددتَ يديكَ ورجليك للمسامير والقيود عوض تلك اليد التي قطَفَت الثمرة وأدخَلَت الموت إلى العالم واستحوذَ على كل الأجيال، شربتَ الخلَّ والمرارة عوض الثمرة التي أكلوها من الشجرة القاتلة، أُحصيتَ مع الأثمة وصُلبتَ بين اللصوص لتُجيز عار آدم، كمّلتَ بذاتك كل الأمور التي سبق وأشار عنك أنبياء أبيك منذ القديم، وقلتَ أخيراً قد أُكمل كلُّ شيءٍ، فأحنيتَ رأسك وأسلمتَ روحك، نعم يا ربنا اللطيف بالعباد قد أنجزتَ كلَّ تدبيرك لأجل خلاصنا، فنسألك ونحن متذكرون تواضعك الذي لا يوصف ورحمتك الغنية، أن تجدّدنا في هذا يوم آلامك الخلاصية، احفظ بصليبك الظافر بيعتك الجامعة الرسولية ههنا وفي كلَّ مكانٍ، الساجدة لك بإيمانٍ راسخٍ، والمعترفة بك إلهاً قديراً فوق كلِّ شيءٍ وعلى كلٍّ شيءٍ. متضّرعين إليك بواسطة هذا البخور الذي نقدمه إليك الآن مكمّلين به تذكار آلامك، لتمنحنا به غفران الذنوب والصفح عن الخطايا التي بدرت منا بمعرفةٍ وبغيرِ مَعرفةٍ وبإرادةٍ وبغيرِ إرادةٍ، ولنحيا أمامك حياةً جديدةً لا لومَ فيها كُلَّ أيام حياتنا حتى انقضاء الدهر، وبدالّةٍ تامةٍ نودعُ أنفسنا بيد أبيك القدوس لكي في يوم ظهورك الثاني نُشرق بأنوار صليبك الخلاصي شعار الظفر والانتصار، حيث نسّبحك ونمجّدك وأباك وروحك القدوس، الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.

العطر:

أيها العطر اللذيذ والبخور الهني الذي استنشقه الموتى فانتعشوا، وأحسّوا بالأمل يجري في عروقهم، يا من أنت هو القيامة والحياة، ومصدر السعادة ورجاء الخلاص لكلِّ إنسانٍ، سائلين أن تقبلَ بخورنا أمامك، ربنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

القومة الأولى ليوم الجمعة العظيمة

فروميون:

يا قابلَ الصلوات، قد خلوتَ في الصلاة بانسحاقٍ من أجلنا، يا سامع الدعوات قدّمت طلبةً إلى والدك بألمٍ عوضنا، يا من تخورُ قدّامك كلُّ ركبةٍ جَثَوَت بحرارةٍ وتنهّدٍ أمام أبيك مصليّاً نيابةً عنا، حكمتَ على آدم أن يأكل طعامه بعرقِ جَبينهِ، قدْ سالَ دَمُكَ وعرقتَ في صلاتك لأجل خلاصنا، أيها الشجاع الذي ظهر خائفاً ليمنحنا الشجاعة، أجزتَ عنّا الضيقات حتى الموت لتمحوَ عنا أحزاننا وكآبتنا، إياكَ نُسبّح ولكَ نَشكر ونمجّد، في هذا وقت القومة الأولى من الليل وفي كلِّ الأوقاتِ وإلى الأبد.

السدر:

لك التسبيح يا ربّ السماء والأرض مخلّص نفوسنا، وساند ضعفنا ومُشبِع فقرنا، يا من بسبب ذُلّنا جئتَ متنازلاً باختيارك واحتملتَ الآلام لتحرّرنا من الأهواء الشريرة، أقبلتَ إلى موت الصليب وأخضعتَ طائعاً، أبديتَ خوفاً وحزناً، ورفعتَ إلى أبيك صلاةً حارةً وتنهّداً متواصلاً ليجيزَ عنك كأس الموت الزؤام بقولك: يا أبتاه إن أمكن فلتعبُر عني هذه الكأسَ ولكن لتكن مشيئتك، وبيّنتَ أنك تألمتَ حقاً بإرادتك وليس وهماً أو خيالاً، واستمدَدْتَ الشجاعةَ من الملاك، وعلّمتنا السهر ومصارعة التجارب التي تُجابُهنا بالتجائنا إلى الصلاةِ والركوعِ بقلبٍ منسحقٍ، إذ لا نقابلُ الموتَ بالكبرياء بل بالتواضع نخوضُ المعركة، ونستعينُ بالقوات السماويّة المستعدة لعونِنا ومناصرتِنا، وأن نحيا لك يا من لأجلنا مُتَّ وليس من أجل نفسِكَ، بتسليمنا إرادتنا للآب في كل تصرّفاتنا الأرضية، علّمتنا الصلاة كما حرّضتَ عليها تلاميذَكَ في اليقظة، يا من صلّيتَ عوضاً عنا وليس لأجل ذاتِكَ، لأنك لم تكن بحاجةٍ إليها، إذ لم تأتِ خطيئةً، ولم يوجدْ في فمك غشٌّ، ولأنك قابل الصلوات دائماً مع أبيك، صلّيتَ لتقبل صلواتِنا، جثوتَ لتقيمنَا من سقطة الخطيئة وسجود الأصنام، تخوّفتَ أيها القدوسُ يا من تخفيكَ النار الملتهبةُ في العُلَا، ومنحتنا بخوفك شجاعةً كثيرةً، تضايقتَ لتحرّرنا من كل ضيقٍ، حزنتَ فأفرجتَ عن حزننا، عرقتَ بالدم لتمسح عرق آدم، فأذهلتَ بهذه الأمور التي احتملتها ملوك العالم وقواتِهِ المضادَّةِ، الذين لم يفهموك، كسرتَ قوة الحية الرقطاء الخدّاعة أكثر جميع الحيوانات بحكمتك وتظاهرك بالخوف وهربك من الموت. والآن نتضرّع إليك نحن عبيدك الخطأة الضعفاء الذين تحرّرنا من نير الموت القاسي، وبواسطة بخورنا الذي قدّمناه لك لتخلّصنا وتنشلنا من كل العراقيل والتجارب التي تفوقُ طاقتنا، شجّعنا على مواصلة الصلوات المرضيّة لربوبيتك، اعضُدنا بمساعدتك ونصرتك، أحِطنا بحراسة ملائكتك الشديدة أهِّلنا لحفظ وصاياك وتكميل إرادتك ومشيئة أبيك وروحك القدوس، الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.

العطر:

أيها الإلهُ الذي لم تشأ موتَ الخاطئ بل أن يتوب إليك فيحيا، ها إننا جئنا إليك ضارعينَ وخاشعينَ، مقدّمينَ هذا البخور أمام عزّتِكَ الإلهية، طالبينَ منك غفراناً وصفحاً كاملاً عن خطايانا وزلّاتنا، بحق آلامك الخلاصية لأجلنا، وصلبِك وموتِك فداءً عنا ربنا وإلهنا إلى أبد الآبدين.


 

القومة الثانية ليوم الجمعة العظيمة

فروميون:

أيها المخلّص الذي أرجعَ المطرودين إلى ميراثِهِم، وأجازَ عن المذنبينَ خزيهم، وكسَا العراة وسترَ عورتَهُم، وبدّدَ ظلامَ جهلِهِم وضلالِهِم، وأنارَ المسكونة بصليبه، إياه نسبّح ونشكر في هذا وقت القومة الثانية من الليل في كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا، ابن الآب وشريكُ طبيعتِهِ، يا من هو أزليٌّ مع أبيه، وقد أرسله إلى العالم ليوفيَ الدَّين القديم، ودخل المحكمة، وقَبِلَ عليه حكم الموت الذي كان محتّماً علينا، اقتيدَ إلى السجن وجلدوهُ وكانوا يستجوبونهُ، سكتَ وقَبِلَ الذنبَ عليه، لأنه قرّرَ رفْعَ الإنسانِ بالتواضعِ، فاحتملَ البُصاق وأعطى ظهرَهُ للجلداتِ وخدَّه للطمِ وجسده للضرباتِ، هزئوا به بثيابِ العارِ، ضربوهُ بالقصبةِ على رأسِهِ، حملَ صليبَهُ على كتفه كرجلٍ مذنبٍ، أُحصيَ مع الآثمةِ وفاعلي الشرورِ، ثُقِبَت يداهُ ورجلاهُ بالمسامير ، عُلِّق معرَّى ومكلّلاً بالشوكِ، سحبوه حاملاً الصليب، عَطِشَ فأسقَوهُ خلّاً ومرارةً، شكا الألمَ فلم يُنصِتوا إلى تنهّداتِهِ، ومع هذا كان الأصحّاءُ يستمدّونَ معوناتِهِ وأشفيتَهُ، أقاموا عليه شهود زورٍ في بيتِ بيلاطس، وترجموا شهاداتِهِ بثلاثِ لغاتٍ، صرخَ الحكّامُ بأنه ربُّ البرايا، تزلزلت الأرض واهتزّت المسكونة، تشقّقت الصخور وتفتّحت القبور، انبعثَ الموتى، أقفرتِ الهاويةُ، الشمس حجبَت نورَها، انشقَّ حجاب الهيكل، اضطربت العناصر، وانحلّت ذرّاتها من بعضها رهبةً، تصدّعت أسوار مدينة الفناء، سُمعت حشرجةُ الأحياءِ في موطن الأموات، ووُطِئَ الموتُ عند أعتاب بابِهِ من الجماهير المحتشدة للخروج، أزمعَ العالمُ على الانفلاتِ عندما رأى ربه على الخشبة، حدّدتَ العجائب والعظائم، وأَظهرْتَ القواتِ الرهيبةَ، اضطّربَت الأرض والسماء ولاذا بالفرار، وقعت كلُّ الآيات المدهشة في الخليقة لِتعلمَ أَنَّ المصلوبَ هو ربُّ الملائكةِ، ولهذا تحمِلُ كلُّ الأقطارِ بشارتَهُ، وتنشرُ تعليمَهُ في كلِّ الأصقاع، وتُدخِلُ في شبكته كلَّ الشعوبِ من كلِّ الأجناسِ، وتُهرَعُ إلى بابِهِ كلُّ القوات، وتسجد أمام عتبته كل الطغمات، وتتناول جسده كل الأفواه، وتتلذّذ بدمه كل الألسنة، وترتّل مجده كل الأصوات، ويُهرَعونَ للسجود أمامه من كل الجهات، ويعترف به كل لسان أَنَّهُ الرب يسوع، فله ولأبيه ولروحه القدوس نسبّح ونشكر الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.     

العطر:

اقبل منا ربنا في هذا الوقت بخورنا الذي رفعناه لإكرام جلالك، وارتضِ بصلواتنا وأدعيتنا التي قدّمناها لك في ذكرى آلامك الخلاصية، واجعلنا أهلاً أن نحظى بنصيب الصدّيقين والآباء القديسين الذين عاينوا خلاصك وفداءَك بالروح والإيمان، لنشكرك مثلهم ونسبحك وأباك الذي أرسلك لخلاصنا وروحك القدوس وإلى أبد الآبدين.

القومة الثالثة ليوم الجمعة العظيمة

فروميون:

أيها العالي الذي هبط لأجل خلاصنا دون أن يُفارقَ سماءَهُ، وتنازل بدون أن يتجرّد من ملئِهِ، البسيطُ الذي تأنّسَ، وهو مكتفٍ من روحانيتِهِ، قاضي القضاة الذي دِينَ فبرّر إثمنا فوفّى ديننا بجلداته، وحملَ لعنتنا بإكليله، وصُلبَ فسحق رأس إبليس بصلبه وموته، له يليق المجد والسجود، في هذا وقت القومة الثالثة من الليل وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها الأزلي المحجوب غيرُ الموصوفِ، الذي وُلدتَ من حضن أبيك الأزلي بلا زمانٍ، ولبستَ جسدنا بسبب خطيئتنا، متحداً بطبيعةٍ واحدةٍ إلهيةٍ وجسديّةٍ ما عدا الخطيئة، إذ شئتَ أن تحتمل كل الأمور البشريّة، بحريتك الملوكية طوعيّاً وليس قسريّاً، وخدمتَ بني طبعك الروحاني، وكمّلت الفصح الموسوي، وأعلنتَ السر الجديد، مبتدئاً بالعهد الجديد، بكسر جسدك الإلهي وسفك دمك الزكي، ممهّداً طريق الآلام بدون تذمّرٍ وتقدّمتَ إلى الذبح، ولم تَهُنْ عزّة لاهوتك، بل سَكَتَّ كالنعجةِ أمامَ الجزّارِ، يا من جُلِدتَ بالسياط وأنت سلطان العوالم، دانوكَ كمذنبٍ وحَكَمَ عليك ابن التراب فنفذّتَ طائعاً، فيا للخلاص الذي تمَّ لنا بالآلام الخلاصية، يا للحزن الذي أُعدَّ لك ودُعيتَ فيه للفرح والشدة معاً، فزعَ يوحنا عندما دخلَ معك إلى دار الولاية، وأنكرك سمعان، وهرب توما، اختفى يعقوب، تغرّب يهوذا، في بيت حنّان هيَّؤوا الصليب، بينما العدو ينتقم ويتحطّم، والمحارب يسحق رأس الحية، فما أعظمك أيها المخلّص كم تواضعت لكي نظفَرَ نحن بأعدائنا، اليوم تجلس ابنة صهيونَ حزينةً كئيبةً، وتُهدَم الهاوية ربيبتها، ويُخلَّص جميع المستعبدين فيها، اليوم تكرّمُكَ بيعتُكَ الجديدة التي افتديتها بدمك، وتمزج دموع عينيها بدم جراحاتك، وتسألك أن تحفظها وابنها من الثلّابِ ومكائِدِهِ، وتثبّتها بالوحدة والألفة والمحبة وتنقذها من كل ضررٍ وغشٍ، وتحميها تحت أكناف صليبك، لتمجّدك بلا قياس، وتسجد لك مكرّمةً آلامك لأجلها، ولأبيك الذي رضيَ عنها ولروحك الذي أغناها بمواهبه، الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.


 

العطر:

أيها المخلّص الذي جعل من صليبِهِ سلّماً لرعيّتِهِ، وآلامِهِ دواءً ناجعاً لأبناء ميراثِهِ, وذبيحتِهِ واسطة المصالحة مع أبيه السماوي، تقبّل الآن بخورَنا ودعاءَنا واسكب محبتك وحنانك في قلوبنا، لنحيا معك أسبوع آلامك الخلاصية لأجلنا، ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

القومة الرابعة ليوم الجمعة العظيمة

فروميون:

أيها الراعي الصالح الذي أعطى نفسه للموت وخلّص رعيته من الذئاب الخاطفة, الوديع الذي احتمل الآلام من الدنسين وعلّم التسبيح للساجدين له, ابن الأحرار الذي استُعبِدَ للذلِّ الاختياري, وقَبِلَ العار والهوان والموت لخلاص العالم, له يليق التسبيح والشكران والإجلال، في هذا وقت القومة الرابعة من الليل، وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها المسيح إلهنا، يا وحيد الآب وكلمته، الذي من قبل الدهور وخالق العوالم، أيها النور من نورٍ والإلهُ من إلهٍ، وحكمةُ ونطقُ وحياةُ وصورةُ الآبِ الخفيّ، غيرُ المنظورِ الذي تراءى متجسّداً، غيُر المدركِ الذي أُدرِكَ بواسطة تجسّده غيرُ الموصوفِ، غيرُ المحدودِ وقد حُدِّدَ بتواضعه ليرفع شأننا نحن المساكين، غيرُ المائتِ الذي نزل عند الأموات ليحرّرهم من الخطيئة والموت، الذي جاء إلى خاصَّتِهِ وخاصَّتُهُ لم تقبله، بل رموا به خارج الكرم وصلبوه، وعلّقوه على الصليب وكانوا يتّقدون حقداً، ألقوه بالآلام وكانوا يضطرمون غضباً، سمّروه بالمسامير وكانوا يلتهبون غيظاً وحسداً، فتحوا جنبه بالحربة، فأجرت حياةً للمائتين. كانت الملائكة منذهلةً بخلاص جنس آدم اضطّربَ الأبالسة وتبدّدوا، أُحصيَ البار مع الآثمة، اُعتُبِرَ الصدّيق مع فاعلي الشرور، وصُلِبَ الإله بين اللصوص، والمحيي مع القتلة، شهدَ شهود الزور بالباطل، ولم يعلموا ما يسألونه، إذ شهدَ أحدهم بقوله: إنه صرّح بأني أنقض هذا الهيكل، وقال آخر إنه يحلُّ السبت، وقال الآخر إنه يدعو نفسه ابن الله. كان أحدهم يضربه على خدِّهِ، والآخر يبصق في وجهِهِ، واحدٌ يقبّله بغشّ والآخر ينكر معرفته به، البعض يمدّدونه ليُجلَد والآخرون يجلدونه على ظهرِهِ، البعض يجثون ساجدين أمامه، والآخرون ينادونه هذا ملك اليهود، الواحد يعرّيه من ثيابِهِ، والآخر يلبسه ثياب الاستهزاء، الواحد يضع الإكليل عوضَ التاج على رأسِهِ، والآخر يبسط له القصبة كصولجان الملك، الواحد يضربه على رأسِهِ، والآخر يسقيه خلّاً ومرارةً، الواحد يُسجِّيهِ على الصليب، والآخر يغرس المسامير في يديه ورجليه، الواحد يقول إن كنتَ ابن الله فخلّص نفسك، والآخر يلتمسه قائلاً، اذكرني يا رب في ملكوتك، الواحد يقول انزل عن الصليب فنؤمن بك، والآخر يعترف بأنه ابن الله حقاً. كان الجنود يستهزئون به، واليهود يجدّفون عليه. رؤساء اليهود يهزّون رؤوسهم، وحنّان وقيافا يدلون بمشوراتهم، والأصوات تتعالى من كل جهةٍ اصلُبهُ اصلُبهُ أيها الوالي. يا للعجب الذي لا تفسير له، إذ يسمو عن كل بحثٍ واستقصاءٍ، يُصلَب الإله وتُظلِمُ الشمسُ، ويتفجّر الدم والماء من جنبه، يُمزَّق حجاب الهيكل، تتشقّق الصخور، تتزعزع الأرض، يقوم الأموات، يأخذ يهوذا الفضة، يشير قيافا ويشكو حنّان، يجلس بيلاطس، والرب واقفٌ بينهم، ونحن معشر المفديين بآلامك الإلهية نتعجّب مندهشين من هذه الآيات والبيّنات التي أعلنتكَ لهم رب المجد، ساجدين لك يا من تعلّقتَ على الصليب وصرتَ لعنةً لأجلنا، منتسبين إلى الذي بسطَ حدود الأرض وجهاتها، متقرّبين من الذي صُلبَ من أجلنا، لكي لا نخجل من رؤيته بل نتباهى ونسجد تحت قدميه ونصرخ من أعماقنا قائلين: ارحمنا يا رب يا من صُلبتَ عوضاً عنا، قدوسٌ قدوسٌ قدوسٌ أيها الإله الذي صُلبتَ وخلّصتنا، استجب لنا، وفرّج عنا، وأقمنا عن جانبك الأيمن لنرفع لك حمداً وشكراً الآن وكل أوان وإلى الأبد.  

العطر:

أيها المسيح الذي تألم من أجل خلاصنا، واحتملَ كل أفانين العذاب وأنواع الإهانات والعار حبّاً في فدائنا، نقدّم لك هذا البخور لتقبله منا قرباناً مرضيّاً، ويجلب لنا الغفران الكامل لخطايانا بحق آلامك وصلبك وموتك الفدائي عنا ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

صباح يوم الجمعة العظيمة

صلاة الابتداء:

أيها المتمنطقُ بالنورِ، المتجلببُ باللهبِ، يا من أمسيتَ ظلاماً لأجلنا، ونعتكَ الصالبون الأردياء بكل الصفات الوضيعة، نسبّحك في هذا يوم تذكار آلامك الخلاصية وصلبك المحيي لفداء البشرية ربنا وإلهنا وإلى أبد الآبدين.   

فروميون:

يا مخلصنا العظيم الذي سيق من السجن كالحمل إلى الذبح موثوقاً، ووقف صامتاً كنعجةٍ أمام جازّيها، ولم يفتح فاه بتواضعه، قاضي القضاة الذي خضع لحكم الموت من بيلاطس بتحريض الآثمة الضالين، ليبرّرنا بنعمته من الخطيئة، الكريم الأبيّ الذي اُحتُقِرَ وأُهينَ ولم يردَّ وجهه من الخزي بفيض مراحمه، الممجّد الذي احتملَ وقاحة العبد الذي بصق بوجهِهِ، ليعيد إلى آدم دالَّتَه الأولى، وإلى بيته وميراثه، له يليق الحمد والسجود والإجلال، في هذا وقت الصباح العظيم وفي كل وقتٍ وحينٍ وإلى أبد الآبدين.

السدر:

يا الله الكلمة الذي ولد من حضن الآب إلهياً قبل الدهور، وولد زمنياً من العذراء القديسة مريم في آخر الأزمان، وكمّل بذاته نبوءات الأنبياء وأقوال الرّواة، واليوم قد تجلّى سره الذي كان خفيّاً منذ الأجيال، الذي يرهب النورانيون من بهائه، وترتعد القوات السماوية من مجده، قد تراءى اليوم على الأرض بتواضعه وقبضَ عليه الترابيون، مع أنَّ الملائكة ورؤساء الملائكة ترتجف من منظره، الذي يبجّلهُ الساروفيم والكاروبيم، قد احتقره الطين الحقير، الذين لا تستطيع القوات السماوية للدنوّ من مجده، واليوم قد أهانه عبيده، في هذا الصباح قام يسوع أمام بيلاطس البنطي في دار الحكم مخفوراً كمذنبٍ وقَبِلَ البصاق في وجهه، مع أنَّ السمواتِ ضيقةٌ لاستيعاب مجده، اليوم جُلِدَ الذي تتحدث عنه سماء السموات بعظمته، وفي هذا الصباح وجِّهَت الأسئلة لمن يشتاق كل إنسانٍ أن يسأله،  اليوم ديِنَ أمام بيلاطس، ذاك الذي يدين العالم، ويجعل الأرض على المياه، في صباح الجمعة ملكَ آدم في الفردوس، وفي صباح الجمعة نُفِّذَ الحكم على يسوع بالموت، في صباح الجمعة خُلق آدم، وفيه ديِنَ جابله عن أبنائه، صباح الجمعة اختفى المسكين من حضرة سيده وفيه جُلدَ ربه لأجله، اليوم شجبوا الربّ في بيت حنّان وهو الذي يعطي النطق للفصحاء، وقد صمَتَ أمام الحاكم ولم يتكلم، في الأعالي العالية ترهبه القوات النورانية, وفي الأعماق السفلية سخر منه الأثمة, في الأعالي العالية يبجّله الساروفيم مقدسين، وفي الأعماق السفلية شتمه الجسورون غير مكترثين، في الأعالي العالية ممنطقٌ بالبهاء كالثوب، وفي الأعماق السفلية لبسَ أرجوان العار، في الأعالي العالية هو ملك الملوك وسلطان السلاطين، وفي الأعماق السفلية تكلّل بإكليل الشوك، في الأعالي العالية يُحتفى به فوق العجلات الناطقة، وفي الأعماق السفلية صُلب بين اللصوص، في الأعالي العالية هو جلس مع أبيه وروحه القدوس على منبر عظمته، وفي الأعماق السفلية أُسلمَ إلى الذُّلُ والهوان، في الأعالي العالية يأمر الكاروب بحراسة شجرة الحياة، وفي الأعماق السفلية فتحوا جنبه بالحربة. ولذا نتقدّم منك بالشكر والاعتراف ساجدين وقائلين: المجد لك يا من لا تُدركَ أحكامك، المجد لك على تواضعك، المجد لأنك تألمتَ لأجلنا، المجد لك يا من صُلبتَ ومت وأحييتنا، المجد لك يا من دُفنت وقُمتَ بالمجد والكرامة ورفعتنا إلى أبيك، معترفين لك على لطفك الجزيل، مكرّمين ألوهيتك في هذا الصباح الذي تمَّتْ فيه كل هذه الأحداث، متضرّعين إليك أن تؤهلنا للاشتراك بآلامك وللتشبّه لتواضعك، والابتهاج بانبعاثك، فنمجّدك في ملكوتك، ونتلذّذ مع مكمّلي إرادتك، بنعمتك ومشيئة أبيك ورضى روحك القدوس، الآن وكل أوان وإلى الأبد.  

العطر:

المجد لك أيها الذبيح المطِّهر, يامن ضحّيت بذاتك على الخشبة, الشكر لك أيها البخور المُرضيُّ الذي تعطَّر في المسكونة, وتطهَّرَت بيعتك من دنس الخطيئة وذبائح الأوثان النتنة, ممجَّدٌ أنت أيها المخلّص يا من بدمك فديتنا من الموت والفساد، ساجدين لصليبك ومعترفين لآلامك التي أعادتْ لنا الحياة والحرية، فما أعجزَ شكرنا عن وصف نعمك ومعوناتك لنا، ربنا وإلهنا إلى الأبد.


 

الساعة الثالثة ليوم الجمعة العظيمة

فروميون:

أيها القدوس الذي خلّصنا وأعاد إلينا حياتنا الأولى، أيها الحمل الإلهي الذي بذبيحته حمل خطايانا، ونجّانا من طغيان إبليس، وأنقذنا من يد الموت الغاشم، وبصليبه الخلاصي أعادنا إلى ميراثنا القديم الذي فقدناهُ، له يليق المجد والسجود والإكرام في هذا وقت الساعة الثالثة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيها الإله يا من أنت المصوّر البارع الذي خلقتَ آدم بأمرك في هذا اليوم السادس للجمعة، وأبدعتَ فيه صورة عظمتك، ووضعته في فردوس السعادة، وأتمنته على كل الخيرات، وعندما ضلَّ بملء حريته بإغواء زوجته ومشورتها، واجتاز وصيتك الإلهية، طردتَه ونفيته في هذا اليوم إلى أرض الشقاء، ثمَّ أشفقتَ عليه برأفتك يا رب شاعراً بشقائه، وجئتَ في هذا اليوم السادس إلى آلام الصليب والموت، في هذا يوم الجمعة صرخَت جماعة حنّان وقيافا اصلبه اصلبه، وفي يوم الجمعة دانكَ الأثمة يا سيد الكل وحاكموكَ حكماً جائراً، في هذا يوم الجمعة عندما رآك الصالبون على رأس الخشبة آمنوا بك أنك ابن الله، وفي هذا يوم الجمعة حصلتَ على الغلبة على طبعنا الذي قُهرَ في عدنٍ، في هذا يوم الجمعة أُظلمَت الشمس عندما رأتكَ على الصليب يا شمس البر العظيم، وفي هذا يوم الجمعة اضطربت الجبال وتزعزعت الأرض عندما رأتكَ على الجلجلة، في هذا يوم الجمعة أعطوك خلّاً ومرارةً يا بحر المراحم الذي لا ينضَبُ، في هذا يوم الجمعة أتيتَ إلى آلام الصليب، وفي هذا يوم الجمعة يقف النورانيون والروحانيون مندهشين حائرين في صلبك، وفي هذا يوم الجمعة تلاشى إبليس وكل جندِهِ وقواتِهِ كالشمع من أمام النار، في هذا يوم الجمعة أكملت فداء جنسنا، في هذا يوم الجمعة صَلَبتَ الخطيئة فوق صليبكَ المفعم بالأسرار العجيبة الإلهية، وفي هذا يوم الجمعة تشقّقت الصخور وانفتحت القبور وقام الأموات، في هذا يوم الجمعة جرى من جنبك دمٌ وماءٌ كأس حياةٍ للمؤمنين الذين يتناولونه بالإيمان، المجد لك يا من كرّمتنا بغلبة صليبك، المجد لك يا من تألمتَ وخلّصتنا، لك القوة والجبروت ياغيرَ المتألمِ بطبعك، التسبيح لك من كل الأفواه والألسنة في كل الأوقات من كل كائنٍ، يا من لا تُدرَك ولا تُحَدّ، لك الشكر والتهليل من ألوف الألوف وربوات الربوات ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوان وإلى الأبد.  

العطر:

يا ربنا يسوع المسيح يا من في هذا اليوم خلَّصتَ جنسنا البشري من ربقة الخطيئة والشيطان والموت، وجلبتَ لنا الغلبة الكاملة بصليبك القاهر، تقبّل منا بخورنا الذي عطّرناه أمامك، سائلين الرحمة والغفران لخطايانا وذنوبنا، والراحة التامة للأموات المؤمنين، لنشكرك ونمجّدك ربنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

الساعة السادسة ليوم الجمعة العظيمة

فروميون:

أيها القوي الجبار حامل البرايا بقوّته, وقد حملته خشبة الصليب عند صلبِهِ بإرادتِهِ، العليّ الذي بدمه الزكي المسفوك محا صكَّ آثام البشر، البسيط الذي تأنّس وبسطَ يديه واحتضن كل أقطار المسكونة ليخلّصنا دون أن يفارق مجده، إياه نمدح ونسبّح في هذا وقت الساعة السادسة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

لك الشكر الجزيل أيها الخالق الحكيم، يا من خلقتَ ونظَّمتَ العالم بستِّ كلماتٍ بمزيد حكمتك، وكمّل ابنك الوحيد في ستّة أيام آلامِهِ كل الأسرار وجدّد المسكونة، ابن الأحرار الذي أظهر يوم الجمعة طاعته غيرَ المحدودةِ، وأزاح عن آدم عبء الخطيئة، وحيد الآب الذي امتدَّ على جناح الصليب يوم الجمعة، وشفى ببسط يديه جنسنا الذي اقتربَ إلى الثمرة بشراهته، واحتمل لأجله الآلام والموت والصليب من الصالبين العطاش للدماء والقتل، الذين لم يرقَّ قلبهم القاسي ولم يشعر بما حدث، فالويل لهم من الخالق الذي تجاسروا عليه، وعلموا أنه وحيد الله والكلمة الأزليّ، ولم يغسلوا أيديهم ندامةً عن ذنبهم، بل مكثوا في قساوة قلوبهم، إذ صمّموا على القتل وسفك الدم البريء، ألقوا أيديهم على المخلّص وشجبوه، وأمسكوا به باحتراز وأدخلوه إلى المحكمة، وحمّلوهُ بعدها الخشبة وأخذوه إلى الجلجلة ورفعوهُ مسمَّراً على الصليب في وسط الأرض، وضعوا فوق رأسه إكليل الشوك وبصقوا في وجهِهِ، وألبسوه الأرجوان ثوب السخرية، وأسقوه خلّاً ومرارةً، وثقبوا يديه ورجليه، وطعنوا جنبه بالحربة فجرى دمٌ وماءٌ يشيران إلى الحياة والموت، وقد صرخَ بصوتٍ عظيمٍ قائلاً: إلهي إلهي لماذا تركتني، فارتجّت الأرض من صوتِهِ وتشقّقت الصخور وأُظلمت الشمس وتفتّتَ الصَّوّان، انشقَّ حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل، اضطربَ النورانيون وانذهلَ الروحانيون، تبلبلت الرُّتب وتعجّب الملائكة عندما رأوا ربّهم معلّقاً على الخشبة، أخفت الشمس أشعتها لئّلا ترى عُري خالقها، انتصبت الظلمة في رابعة النهار، عندما رأت النور الأزلي ممتدّاً على الصليب، هربَ التلاميذ، تبدّدَ الأحبة، فاستيقظْ وقُمْ يا باروخ، لقد تمّت نبوءتُك، إذ ضُربَ الراعي وتبدّدت خرافُهُ، أين هي قوات النار المتمنطقة بجمرات اللهيب؟ أين غيرتُكَ يا ميخائيل؟ أين سيفُكَ الذي أباد ألوفَ الألوفِ؟، أين قوتُك يا جبرائيل رئيس الملائكة؟ تشجعوا أيها التلاميذ لا تخافوا ولا تيئسوا، تقوّوا واجتمعوا، فإذا ضُربَ اليوم ربُّكم سيقوم فجر الأحد بحسب نطق النبوءة، أين أنت يا توما؟ وأين أنتَ يا سمعانُ؟ لماذا أنت خائف يا يوحنا؟ أين هربتَ يا برثلماوس؟ أين ابتعدتَ يا فيلبس؟ لماذا أنت حزينٌ يا أندراوس؟ ولمَ أنتَ كئيبٌ يا يعقوب؟ لماذا تبكي يا تدّاوس؟ لا تحزنوا أيها الرسل من تشتُّتكم، فاليوم إذا هربتم ستجتمعون يوم الأحد، اليوم الخوف والرعدة، ويوم الأحد البشارة المفرحة. ولهذا نتضرّع إليك أيها المسيح إلهنا لتجعلنا غير متألمين في هذا يوم آلامك الخلاصيّة، سائلين أن تحررنا من كل الآلام وأهواء الخطيئة، سننهض معك ظافرين، لنشكرك وأباك وروحك القدوس الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.     

العطر:

التسبيحُ لك يا بنَ الآبِ يا من شئتَ بمحبتِك وتألمت متجسّداً لأجلنا، فأظلمت الشمس في رقيعِها في الساعة السادسة وأنت مُعَرَّى على الصليب، تشقّقت الصخور لدى سماعها صوتك، تفتّحت القبور، وانبعث الموتى الكثيرون من مراقدهم، فأقِمنا ربنا أمامك بدون تعرقل من الخطيئة، لنحيا لك جميع أيام حياتنا، واقبل بخورنا وارضَ بعطر خدمتنا، لنشكرك ونحمدك وأباك وروحك القدوس الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.

الساعة التاسعة ليوم الجمعة العظيمة

فروميون:

أيها العالي والخفيُّ عن الجميع بطبع لاهوتِهِ, يامن أنت متسامٍ عن الآلام, وقد جئت إلينا لتحمل الأوجاع عنا, أنت غيرُ المائتِ ذقت الموت بالجسد بنعمتك لخلاصنا. حاكم الحكّام الذي قمت في المحكمة أمام بيلاطس الوالي لتحرّرنا من جشع الخطية بحنانك. قابل الصلوات يامن قمت مصليّاً إلى والدك عوضنا صلاةً خشوعيّةً حارةً، لك نمجّد ونكرّم في هذا وقت الساعة التاسعة وفي كل الأوقات وإلى الأبد.  

السدر:

نعترف بأزليتك السامية أيها الإله، يا من خلقتنا على صورتك وشبهك، ونقرُّ بخلاصك لنا يا وحيد الآب السماوي وكلمته، معظّمين روحك القدوس، يا من جبلتنا من التراب، وأقمتنا مسبّحين أمامك، يا من أبدعتَ الإنسان الأول وسلّطته ملكاً على كل الأرض في هذا يوم الجمعة من شهر نيسان, وضعته في الفردوس ليتلذّذ بالمجد، وجعلته صنواً للملائكة، أقمته وارثاً لعدنٍ في صباح الجمعة وسيداً على كل البرايا، وفي الساعة الثالثة دنا من الثمرة الشهية بخطواتٍ طفيليّةٍ، وأكل بسرعةٍ فتعرّى، وعندما سمع صوتك المدوّي في الفردوس: آدمُ آدمُ أين أنت؟، خَجِلَ وأجابك: يا رب سمعتُ صوتكَ واختفيت، فأمرته بحدّةٍ وغضبٍ أن يخرج من ميراثكَ عبداً عاصياً عقوقاً إلى الأرض الملعونة الشائكة، طردته من الفردوس في اليوم ذاتِه، فأصبح شريراً منفيّاً إلى الحياة الشقيّة مع شريكته حواء، ولما فاضت رحمتك على صورة عظمتك الملكيّة، أرسلتَ ابنك الأزلي لخلاصه، فأكمل سياسته ما عدا الخطيئة، وأتى إلى الصليب في هذا يوم الجمعة لافتدائه، حُبسَ كفاعل الشرور في بيت حنّان، وضُربَ بالقصبة كمذنبٍ في بيت قيافا، عانق العمود كضعيفٍ، واستسلم للموت كذليلٍ، في هذا يوم الجمعة خلقَ آدم، وفي اليوم ذاتِه قَبِلَ المسيح البُصاق من أبنائه الدنسين، في يوم الجمعة اجتمعت البهائم والحيوانات إليه منحنيةً ليطلق عليها أسماءَها، وفي يوم الجمعة تألّبَ اليهود على المسيح محتقرين قائلين: السلام لك يا ملك اليهود، فتمّت نبوءةُ داود: أحاطت بي ثيرانٌ كثيرةٌ، وأقوياءُ باشان اكتنفتني. في الجمعة توِّجَ آدم ملكاً، وفيه أيضاً وُضعَ إكليل الشوك على رأس ربنا، ثلاث ساعاتٍ مكثَ آدم في الفردوس يتمخترُ بالبهاءِ والمجدِ، وثلاثَ ساعاتٍ مكثَ يسوع في المحكمة مجلوداً من أبنائِه، في الجمعة دنت حواء إلى شجرة معرفة الخير والشر، وفي اليوم ذاته في الساعة السادسة ارتفع المسيح وهو شجرة الحياة، في يوم الجمعة أعطت حواء لآدم الثمرة القاتلة فأكل ومات روحيّاً، وفي اليوم ذاته أعطت جماعة اليهود كأس الخل والمرارة إلى ربنا فشربها، في يوم الجمعة بقى آدم في الفردوس ثلاث ساعاتٍ مفضوحاً، وفيه مكث المسيح على الصليب عرياناً، خرجَت حواء من جنب آدمَ الأيسرِ وهي أمُّ كلَّ الترابييّن المائتين، ومن جنب المسيح جرى الدم والماء كأس الحياة وشراب الروح. ولهذا نقدّم لك الشكر اللائق والحمد الفائق لأجل تدبيرك الخلاصي الذي قمتَ به لأجلنا، مسبّحين ومكرّمين أباك وروحك القدوس، الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.


العطر:

يا مصدر العزاء والرجاء لكل المؤمنين الصديقين، يا ينبوع الحياة والنور للساكنين في الظلمة وظلال الموت، نتقدّم إليك في هذا الوقت ببخورنا لترضى منا قرباننا وذبيحتنا، سائلين بواسطته الغفران والرحمة والنعم الوافرة، ولأمواتنا الراحة التامة والسعادة الملكيّة، ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

مساء يوم سبت البشارة

صلاة الابتداء:

أهِّلْنا ربنا لكي مع يوسف الرامي ونيقوديموس نكرّمَ دفنتك الخلاصية بأعمال البر، وكما حنّطاكَ وكفّناكَ بالمرِّ واللُّبانِ، نسألك أن تدخل هياكل نفوسنا وتستريح فيها، كما في القبر الجديد، ومع الأحياء الذين خلّصتهم بصليبكَ والأموات الذين افتقدتهم بزيارتك، نرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكل أوانٍ وإلى الأبد.

فروميون:

أيها الحي وغيُر المائتِ في طبعه، يا من متَّ بالجسد بإرادتك، أنت الحياة وقيامة الكل، حللْتَ بين الأموات كالقتيل كما حَسُنَ لكَ، لتحيينا نحن ضحايا الخطيئة، يا من نقضتَ فساد القبر بدفنكَ، وهُرِعْتَ للحياة والقيامة وعدم الفساد بين الأموات، حفظتَ أجسادنا بجسدك بلا غشٍّ أو اضمحلالٍ، وبشّرتَ أنفسنا بخلاصك، فإياك نسبّح ولك نسجد ونمجّد في هذا المساء العظيم، وفي كل وقتٍ وحينٍ وإلى أبد الآبدين.

السدر:

أيها المسيح إلهنا أنت الحياة والقيامة والانبعاث، لك وحدك عدم الموت والفساد، ولك القوة والجبروت، وبكَ وحدك القداسة والطهارة، ولك يليق المجد والإجلال من العلويين والترابيين دائماً، يا من بفيض محبتك وغزارة رحمتكَ جئتَ إلى الآلام والموت إرادياً، وتجسدتَ من البتول والدة الإله مريم بدون تغييرٍ أو تبلبلٍ في لاهوتك وكمّلت تدبيرك السامي عن إدراك الخلائق حتى الصليب، حيثُ ألقيتَ بصلبك الرُّعبَ والخوفَ مع إتيانِ الآيات والمذهلات العجيبة، أَظلَمَت الشمس في الظهيرة، وظهر الليل في النهار، تشقّقت الصخور الصمّاء، وانفتحت القبور المغلقة، انبعثت أجساد القديسين، وانشقَّ حجاب الهيكل من أعلى إلى أسفل، يعترف اللصُّ ويوبّخ رفيقه على إثمه يمجّد القائد ويقرّ بأنه حقاً كان هذا ابن الله، جرى الدم والماء من جنبكَ المحيي، فتراءيت حيّاً بموتك، يا من أنت غيرُ المتألمِ بطبعك، دُفنتَ أيها السامي غيرُ المُقتربِ والمُدنى منه، سلّمتَ ذاتك بيد يوسفَ الرامي البارِّ ونيقوديموسَ حَبيبِكَ اللذين حنّطاكَ بالكتّانِ النقيِّ والمرِّ واللُّبانِ الثمينِ، وجُنِّزتَ كالمائت ووُضِعتَ في القبر الجديد المنقور في الصخرة، أنت غيُر المحدودِ، هبطَتْ قوات الملائكة من السماء لإكرام دفنك السيديّ، التي سمحتَ لها لتنزل عندك وتدفنك ولم تسمح لها بالنزول عند صلبك لئلا تفني اليهود بغيرتها النورانيّة. هبطتَ إلى عند حبيبَيك وعلّمتَهُما تسبحة الغلبة: قدوسٌ أنت الله، قدوسٌ أنت القويُّ، قدوسٌ أنت غيُر المائتِ، فأضافوا لفظةً: يا من صُلبتَ عوضاً عنا ارحمنا، ونحن أيضاً مع يوسف ونيقوديموس بالإيمان القويم نصرخ قائلين: قدوسٌ أيها الإله الكلمة يا من صرتَ إنساناً لأجلنا، وبقيتَ إلهاً بدون تغييرٍ، قدوسٌ أيها القوي يا من تواضعتَ لأجلنا نحن الأشقياء وقبلتَ العار والهوان والآلام، وأعطيتنا قوةً وشجاعةً ضد الأهواء الشريرة، قدوسٌ أيها اللا مائتُ يا من متَّ على الصليب وخلّصتنا بموتك من الشيطان والموت، يا من لا يطالك الفساد، دُفنتَ ثلاثةَ أيامٍ بإرادتك، لتبشّر الراقدين في الهاوية بملكوت السموات منادياً لهم بالقيامة والانبعاث، وتعزّى آدم وحواء وجميع الأبرار الذين منذ البدء برجاء الحياة، والعودة إلى الفردوس. ولهذا نسألك أيها المسيح إلهنا أن تؤهلنا لمراحمك وتعزّينا بتكميل وعودك، وتبهجنا بأحد قيامتك، وتجدّدنا وأمواتنا بالبر والطهر، ونحن وهم نرفع إليك حمداً وشكراً من الآن وإلى الأبد.

العطر:

أيها الرب يسوع المسيح، يا رائحةً لذيذةً وعطراً هنيئاً منعشاً، يا من لا يحتاج أن يُقدِّم له البشر من طيوب وعقاقير هذه الأرض لراحة ربوبيته، لأنه الكمال بالذات ومصدر الاكتفاء، قد رضيَ أن يُسجَّى جسديّاً ويُكفَّنَ بالعطورِ النيقوديميّةِ ويُلّفَ بالكتّانِ اليوسفيِّ، فـأنتَ بمحبتك وعطفكَ تقبّل من ضعفنا هذا البخور الذي عطّرناه أمامك لرضى سيادتك، في هذا تذكار صلبكَ، وامنحنا به غفران الذنوب والخطايا ههنا وفي العالم العتيد، ربنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

ستار يوم سبت البشارة

فروميون:

أيها الحيُّ واهبَ الحياةِ الذي صارع الموت بالجسد بمشيئتِه، وزعزع الطبائع بإشارتِه، وأمر الخلائق لتبصرَ عظائم ربوبيّتهِ، فأظلمت الشمس بأمره لئلا يرى الجسورون عُريَهُ، وشقّق الصخور بقوّته وفتحَ القبور بصَولتهِ، وبعثَ الأموات بموته، وأخرجَ المدفونين ليوبّخوا الأثمة الصالبين على جريمتِهِم، إياه نسبّح ونشكر في هذا الوقت وفي كل الأوقات وإلى الأبد. 

السدر:

أيها القوي الذي اجترحَ المذهلات العجيبة غيرَ المُدركةِ، ضابط الكل الذي كسا السماءَ بالظلمةِ حِداداً عند آلامِهِ، وفي يوم صلبه ألبسها المسوحَ بحسب النصِّ النبويِّ: الخالقُ الذي بسط السماء بالخيمة ومدَّ الأرض على المياه، الإله الذي ثُبت على الصليب مهاناً، الجبّار الذي سار إلى الجلجلة فاهتزّت أُسس الأرض، الوحيد الذي صُلبَ حسداً، القويُّ الذي نظرَ إلى العناصر فانحلّتْ من رهبتهِ، الابنُ الحقيقيُّ الذي صرخَ على الصليب فاضطربتِ السماء، وبدمه الزكي الذي أُهرقَ على الأرض هزَّ أركان المسكونة، العريس السماويُّ الذي حيّر الطبائع عندما انتصبَ على الصليب، وأظهر أنه الإله الحقيقيُّ، السراج المنير الذي وُضعَ فوق منارة الصليب، والنور الذي شعَّ فوق علوِّ الجلجلةِ، كُسِفَت الشمس إلى درجة الظلمة. يا أيُّها الإشراق الإلهيُّ الذي انبسطَ على الخشبة، وأرسلَ خيوطه إلى أعماق الهاوية، ربُّ الطبائع الذي صُلبَ وألقى الدهشة في كلِّ الكائنات فكرّمتهُ. أيُّها الخالق الذي شهد له العلوُّ والعمق عند موته بأنه الله حقاً. أيُّها الجابل الذي اعترفتْ له مخلوقاتُهُ أنه الخالق، مزّقَ النهار ثوبهُ عندما رأى رَبّهُ مُعرّى، وتمنطق ثياب الليل وسط الظهيرة، قذفت الأرض أجساد الأموات ولبستِ الخلائقُ ثوبَ الحزن بغتةً مع سائر البرايا. والآن نتضرّع إليك طالبين أن تثيرَ في أعماقنا سِرَّ تواضعكَ، وتُضرمنا بمحبة صليبكَ، وتملأنا افتخاراً بهِ، وعَلِّمنا لنصلّيَ مِثلَكَ، أرسلْ لنا من أعالي أقداسك نعماً غزيرةً، وبسبب هذه الأفضال علينا، نرفع لك مجداً وتعظيماً وإجلالاً، ولأبيك ولروحك القدوس المجيد، الآن وكلَّ أوان وإلى الأبد.

العطر:

يا من ترتعدُ الملائكةُ في أعالي سمائها من التحديقِ بكَ، ويرتجف الساروفيمُ من رؤيتكَ، قد شئتَ أن تُحنَّط وتُجنَّز من يوم يوسفَ ونيقوديموسَ، إذ طَيّبوا جسدك بالعقاقير، والعطور النفيسة، ولفّوك بالكَتّانِ النقيِّ ودفنوك في القبر الجديد المنقور في الصخرة، فاقبل بخورنا ببخورهم وعطورهم، وأنعم علينا بالخيرات والبركات الخالدة، لنسبّحك ونمجّدك ربنا وإلهنا وإلى الأبد.

القومة الأولى ليوم سبت البشارة

فروميون:

يا من أشرقَ لنا من موته حياةً، وحَصلْنا بتواضعه على الرفعة والمنّةِ، ومُنحنا بدفنه انبعاثاً، فرُفِعنا بنزوله إلى الهاوية، وأيقظنا بنومه في القبر، له نسبّح وإياه نحمد ونشكر في هذا وقت القومة الأولى من الليل وفي كلِّ الأوقات وإلى الأبد.


 

السدر:

أيُّها المسيح إلهنا رجاء الأموات وانبعاث الراقدين، يا من بعد إنزالك من الصليب سألَ يوسف الرامي البارَّ ونيقوديموسَ معلّم الناموس بأمر بيلاطُسَ الوالي عن جسدك المقدس فلفّاهُ بكتّانٍ نَقيٍّ وطَيّباهُ بالمرِّ واللُّبان وحنّطاك ووضعاك في القبر كالمائتِ فرقدتَ في مكانٍ صغيرٍ، وزعزعتَ أنخالِ الهاويةِ، ونهبتَ بقوتكَ خزائنَ الموتِ، وقيّدتَ الجبّارَ الذي سبى البشرية، وخطفتَ من يديه الغنيمة، وأرجعْتَ سبيَّتكَ التي سباها بتمرّدهِ، ودكَكْتَ أركان مدينةِ الموتِ بالعةِ الجبابرةِ، ووطأتَ على صدر ذاك الذي سحقَ جنسنا بحسده الشديد، أجل أسلمتَ نفسك إلى الموت بإرادتك، وبشّرتَ الأموات في الهاوية بسرِّ هبوطك العظيم، حتى الأنفس التي لم تخضع في أيَّام نوحٍ جعلتها تؤمن إيماناً راسخاً وتعترف بافتقادك، ولم ينفصلْ لاهوتك عن ناسوتك، بل كانا متحدين اتحاداً كاملاً، نازلتَ الموت بالجسد، كما أدخلتَ اللصَّ إلى الفردوس بنفسك بحسب وعدك، كسرتَ حربة الكاروب الحارس، وأرجعْتَ جنسنا البشريَّ إلى ميراثه الأول، ارتعدَ الجحيمُ من موتك ونزولك كقول النبيِّ: الأمواتُ سجدوا لك وسبّحوك وأحسُّوا بك بأجسادهم ونفوسهم بجلاءٍ، ذقتَ كأس الموت كإنسانٍ ضعيفٍ، وبعدها جعلتهُ رقاداً رغم رهبته وسطوَته، كفكفتَ الدمعةَ من وجوهنا. ولذا يُسبِّحُكَ الأحياء والأموات، وترتّل لك التسبيح والشكران كلُّ الأفواه والألسنة قائلةً: المجد لك يا من متَّ وأحييتنا، المجد لك يا من قمْتَ بلا فسادٍ وصرتَ باكورة الراقدين، متضرّعينَ إليك أن تنجّيَنا من الموت الثاني مع جميع الذين رقدوا باسمك، وأن تخلّصنا من فسادِ الخطيئةِ وهوّةِ الهلاكِ، ونحن وأمواتنا نرفع لك حمداً وشكراً لك ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكلَّ أوانٍ وإلى الأبد.


 

العطر:

أيُّها الراقدُ في الهاويةِ كالمائتِ، والهاجعُ بين المدفونينَ بمحبّتهِ ولطفهِ الجزيلِ، نقدّمُ لك هذا البخورَ، ليفوح عطرهُ أمامك قرباناً مقبولاً، فننالُ به بشائر الحياةِ والانبعاثِ، يا من هبطتَ لتنشرَ الأمل بين الراقدين، سائلين أن ترحمنا وتغفر لنا خطايانا ربَّنا وإلهنا وإلى الأبد.

القومة الثانية ليوم سبت البشارة

فروميون:

التسبيحُ لك أيُّها الساكن في النور الذي لا يُدنى منه ولا يُحدُّ، يا من شاء وأشرقَ بنوره على الراقدين في أعماق الأرض، يا من لا تستوعب الأفهام سموَّ ألوهيتكَ، وقد احتواكَ قبرٌ صغيرٌ بإرادتك، يا من لا يكتفيكَ إلّا حضن أبيك الأزليِّ، قد رضيتَ أن يستوعبك حضنُ البتول بالعجب، واليوم قد احتواك حضن الهاوية بموتك، فانضح ندى الرحمة والحنانِ فوقَ العظامِ البالية عطفاً وإشفاقاً، وبشّرْها بالانبعاث في أعماق الجحيم، إياك نحمد ونكرّمُ في هذا وقت القومة الثانية من الليل وفي كلِّ الأوقات وإلى أبد الآبدينَ.

السدر:

نعظّمُكَ يا كلمةَ الله الآب المحجوب، يا من صرتَ إنساناً كاملاً ما عدا الخطيئةَ، شاكرينَ لطفكَ لنا دائماً، إذ رغم أنك الحيُّ والمحيي طبيعياً، احتملتَ موت الصليب لأجلنا لتخلّصَنا بمحبتك من موت الخطيئة، يا من احتواك القبرُ إرادياً لتطلقنا من سجن الهاوية مخلَّصينَ أحراراً، يا من لمحبتك التي هبطَتْ بك إلى عند الأموات لتفتَقدنا نحن المأسورينَ بالموت، يا لرحمتك التي أحنَتْكَ عند آدم الذي كانَ متمرّغاً في الهاوية لتنقذهُ وأولاده من هوةِ الجحيم السفليَّة، يا لأفضالك التي لأجلها أعدْتَ سبيَنا من أيدي السَّابي بفرحٍ وسرورٍ دخلتَ إلى مدينةِ الموتِ كجاسوسٍ وخلّصْتَ جنسَنا من بين أشداقه، قُتلتَ فحطّمتَ مدينة الموت كليّاً، أنت الربُّ وسيدُ الكلِّ، قد احتملتَ الآلام من عبيدك المردة، ونجيّتنا من الخطيئةِ والشيطانِ أيُّها المتمنطقُ بالنور كثوب البهاء، شئتَ أن تُكفَّنَ وتُجنَّز من يوسف بالكتان وتُحنَّط بالعطور والطيوب، أنت الذي تُزيّحه المركبة العجيبة المختلفة الوجوه والأشباه، وقد وسِعَكَ قبرٌ صغيرٌ منقورٌ في الصخرة بحسب رغبتك، أنت الذي مسحْتَ المسكونة بشبرك، شئتَ أن تُخضَع للختوم والحرّاس، وتُحبَس من الصالبين، أنت الذي تُرهب قوّتُك العظماء، نازلتَ الموت والشيطان كالمضروب الجريح وقهرتهُ بجبروتك، ومنحتَ الضعفاء والبسطاء قوةً وغلبةً كاملةً، أنت فرّحتَ موسى ورفقاءَه الأنبياءَ الذين كانوا قد تنبؤوا وأعلنوا عن مجيئك، فداوودُ تنبّأ عن المسامير والخلِّ والمرارة والثياب، وإشعياءُ عن البصاق والجلدات واللطم، وموسى عن بسط يديك كالحية عندما ارتفعتَ على الصليب، وزكريا عن طعنك بالحربة، وسائر الأنبياء عن ضرباتك، وهكذا بشّرتَ الجميع بالحياة وعدم الموت. ونحن ياربُّ الذين اعترفنا بآلامك وصليبك واتضاعك بدون شكٍّ، نعرفك ونؤمن بك أنك واحدٌ في العلا والعمق، في حضن أبيك وفي القبر، مع الملائكة في السماء وعند الأموات في الهاوية، سائلين في هذا يوم انبعاثك ألّا تنكرنا أمام والدك، لأننا اعترْفنا بألوهيتك، لا تُحصنا مع الذين أنكروا وحدتكَ، وكما اعترفنا بك وبأبيك وبروحك القدوس، اعترف بنا أمام ملائكتك، ونحنُ مع اللصِّ اليمين نرفع لك سُبحاً وحمداً بلا فتورٍ الآن وكلَّ أوانٍ وإلى الأبد.


 

العطر:

يا من تألمتَ لأجل خلاصنا في آخر الأزمنة واحتملْتَ كلَّ أفانينِ الشدائد والأحزان حبّاً في فدائنا، نسألك ضارعين خاشعين أن تقبل منا بخورنا في يوم تذكار موتك ودفنك الخلاصي، واجعلنا مع يوسف ونيقوديموس أهلاً للسعادة والغبطة الدائمة ربَّنا وإلهنا وإلى الأبد.

القومة الثالثة ليوم سبت البشارة

فروميون:

أيُّها الحيُّ والمحيي الذي له وحده عدم الموت والفساد طبيعيّاً، وقد تجسَّدَ بمحبته ونازل الموت وكسرَ شوكة الخطيئة، وخرّبَ مدينتها بقوّته، وأَفعَمَ قلوب أسرارها برجاء الانبعاث، له يليق الحمد والثناء في هذا وقت القومة الثالثة من الليل وفي كلِّ الأيام والأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيُّها المسيح إلهنا، يا من زرعتَ في نفوسنا رجاء الحياة، ولاشيْتَ الموت بفضل رحمتك وذلك بموتكَ ودفنكَ الخلاصيِّ، لذا نسبّحك ونكرّم هذا اليوم العظيم ممجّدين ألوهيتكَ ونحن قائلون: المجد لك يا الله يا من جاءت بك محبتك إلى هذا التنازل الإراديِّ لأجلنا، المجد لك يابنَ الآب الأزليِّ يا من صرتَ إنساناً لأجل خلاصنا، المجد لك أيُّها الجبّار المتعالي، المجد لك يا حاكم الحكّام يا من أوقفتكَ رأفتكَ في دار القضاء من جرّاء ذنوبنا، المجد لك والشكر لاسمك القدوس على وفرة مراحمك، المجد لك يا وعد الحياة يا من هبطتَ إلى هاوية الأموات لإنهاضنا، المجد لك أيُّها العادل أظهرتَ قوة جبروتك على الصليب، المجد لك أيُّها الصالح يا من أعطيت اللصَّ مفتاح الفردوس جزاء إيمانه الصادق، المجد لك يا حبرَ الحقِّ ورئيس الأحبار يا من أرضيتَ أباك بذبيحتك لأجلنا، المجد لك يا ربَّ الموت يا من نزلتَ بذاتك إلى الهاوية وبشّرتَ فيها بالانبعاث، المجد لك يا رجاء وأمل الشعوب يا من دخلتَ مخادع الأرض المظلمة وأنرتَ جميع الراقدين في الحضيضِ، المجد لك يا من بسبعة أيامٍ خلقتَ العالم وبثلاثةِ أيام ٍخلّصتها بموتك على الصَّليب، والآن نتضرع إليك نحن الخطأة المذنبين أن تقبل منا تضرعاتنا وطلباتنا التي قدمناها إليك. اسكب نعمك الغزيرة ومواهبك الوفيرة علينا، وتعهَّد بعنايتك المرضى والمتألمين بالشفاء، والحزانى والمتضايقين بالعزاء، والجياع والمحتاجين بالشبع، الضَّالين والشاردين بالعودة، والقريبين والبعيدين بالحراسة، والحاقدين والحاسدين بالصفاء، والمظلومين والمقهورين بالفرج، والخطأة والمذنبين بالصفح والغفران، الكنائس والأديرة بالأمن الدائم، أجز مِنّا ومن كلِّ المسكونة الخصام والشقاق والتأديب، وأهِّلنا أن نعانق بعضُنا بعضاً بقلبٍ نقيٍ وفكرٍ صافٍ ومحبةٍ كاملةٍ، لنحظى نحن وأمواتنا ومدبرونا بالقيام أمامك مع الصديقين بوجوهٍ سافرةٍ، ونتلذّذ بسعادة وغبطة ملكوتك، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكلَّ أوانٍ وإلى الأبد.

 

 

العطر:

يا مخلصنا الحبيب الذي احتملتَ الآلام والأوجاع، وذقتَ أنواع الذلِّ والهوان في سبيل خلاصنا، ارحمنا بفيض محبتك ونعمتك، واقبل بخورنا هذا الذي عطّرناه أمامك في ذكرى دفنك الخلاصية، ولنحصل بواسطته على الغفران الكامل لسائر ذنوبنا ومعاصينا، ربَّنا وإلهنا وإلى الأبد.

صباح يوم سبت البشارة

صلاة الابتداء:

أيُّها المسيح إلهنا، يا من خضعتَ لموت الصليب لأجلنا، ونزلتَ إلى الهاوية لتبشّر بالقيامة والنشور بين سكّان القبور، أشرق بنورك في قلوبنا وأرواحنا كما سطعتَ بنورك فوق الأموات في الهاوية، فقاموا يمجّدونك ويشكرون رحمتك وحنانك، ربَّنا وإلهنا إلى الأبد.

فروميون:

أيُّها الحيُّ الذي ذاق الموت بإرادته، ومنح الشعور الكامل للهاجعين بقوته، يا من سَبَتَّ بين الأموات وأيقظتهم من سبات الهاوية، الجبّار الذي حاول اليهود أن يضبطوا قبره فختموا الصَّخرةَ مع الحرّاس. محطّم الموت ومخرّب الهاويةِ، ومشتّتُ إبليسَ الذي أضلَّ آدم، إياك نسبّح في هذا الصباح العظيم وفي كلِّ وقتٍ وحينٍ وإلى أبد الآبدين.

 

السدر:

أيُّها المسيح إلهنا، يا قوة المجد وعِزَّتَهُ، يا ذراع العظمة وقدرتها، يا حكمة الآب الطبيعية والجوهريّة، يا من به كوّن الآب البرايا، فخلقَ آدم رأس جبلّتنا بشبهه ومثاله، ابن الأحرار وربُّ الأرباب والكهنوت والنبوءة، من يستطيع حمل هذا العبء العظيم عوض الكثيرين إلّا جبّار العوالم، لقد فاضت مراحمك على صورتك لاجتيازه الوصيّة وسقوطه من مكانته العليّة، فنزلتَ من أعالي أقداسك وولدتَ من ابنته وتربّيتَ بحسب نشأة طبيعتنا، واحتملتَ الآلام والعذابات إرادياً، ومُتَّ بالجسد وخلّصته وأرجعته إلى مجده الأول، ذقتَ الموت بالجسد وأُحصيتَ مع الأموات، ارتجَّت السموات والأرض، ونافسَتْ صفوف النورانيين بعضها، ورفّوا بأجنحتهم لإحراق المسكونة، ارتعدَ إبليس والموت اللذان قد باد سلطانهما. اليوم وُطِئَ الموتُ عند باب الهاوية، لأنَّ غارسُ الفردوس جاء يفتقد آدم في الجنة فوجده، اليوم مريم أمُّه ورفيقاتها يبكينَ في الخفاء لذاك الذي تُحدِّث السموات بمجده، وتبشِّر البرايا بقوة عظمته، اليوم الرسل كالحملان الوديعة في مكامنها، والبيعة المقدسة عروس الحقِّ تفتكر وتتباهى بموتك وتعانق صليبك وآلامك. ولأجل هذا نسألك يا ربَّنا وإلهنا أن تثبّت وعودك معها، وتبارك أبناءَها في داخلها، وترفع شأنها بعلامة صليبك، وتزيّن لفيف خدّامها بالمحبة والألفة، ولترفرف نعمتك فوق صروحها. أفِض مواهبك وبركاتك عليها، وليحلّ في قلوب أبنائِها روحك القدوس. متِّع الأموات المؤمنين بالسعادة الكاملة في الأماكن الأورشليمية، فتسبّحكَ مع بنيها وتكرِّم موتك ودفنك أيُّها الابن الحبيب على الدوام، وتسجد لك ولأبيك الذي أرسلكَ لخلاصها، ولروحك القدوس واهب الحياة، الآن وكلَّ أوانٍ وإلى الأبد.


 

العطر:

مباركٌ أنت أيُّها الحيُّ، يا من أنعشتنا ببخور موتك، وبعثتَ المدفونين بدفنكَ بينهم، ونقضتَ سلطان الموت وجعلته رقاداً للمفديين، أمتْ مِنَّا بواسطة هذا البخور أهواء الخطيئة، وابعثْ في حواسِّنا حياة البرِّ غيرَ الملومةِ، وعطّر عقولنا برائحة الأعمال الفاضلة، وأرح الموتى المؤمنين في بحابح السعادة،و نحن وهم نرفع لك حمداً وشكراً، ولأبيك المبارك ولروحك القدوس المجيد، الآن وكلَّ أوانٍ وإلى أبد الآبدين.

الساعة الثالثة ليوم سبت البشارة

فروميون:

أيُّها الحيُّ واهب الحياة، يا من مات بالجسد وأحيا جنس المائتين، أيُّها الطاهر الذي لم يرَ فساداً في الهاوية، الجبّار الذي دخل إلى مواطن الأموات وبشّر الراقدين برجاء القيامة، ونادى بين المدفونين باليقظة والنشور، له يليق السجود والإجلال في هذا وقت الساعة الثالثة وفي كلِّ الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

أيُّها المسيح إلهنا، أنت الحياة الحقيقية ومحيي المسكونة، يا من جئتَ إلى الآلام بإرادتك، وأنت أسمى من كلِّ ألمٍ، واحتملتَ الصليب والموت لأجل خلاصنا، ومكثتَ ثلاثةَ أيامٍ في القبر مكمّلاً السرَّ الذي سبق ورمزَ إليه يونان في جوف الحوت، يا شبل الأسد الذي ربضتَ في أحشاء الهاوية كالضعيف. أشار إليك شمشون بالطَّعمِ الحلو الخارج من الآكل الذي هو الموت القاسي، واعترف بك اللصُّ بأنك الملك السماويُّ فسمعَ منك الوعد الإلهيَّ: اليوم تكون معي في الفردوس، وأكَّدَ ذلك القائد بأنك ابن الله حقاً، وسأل يوسف عن جسدك من بيلاطس الوالي، فأخذه ولفّه بكتّانٍ نقيٍّ وحنَّطهُ بالمرِّ واللُّبانِ كما يجب، وكرّمه ووضعه في قبره الجديد، تمرمرت الهاوية كقول النبيِّ عندما دخلتها وخرّبتَ أُسسها لدفنكَ فيها، فوجب أن يُقال أين شوكتك أيُّها الموت وأين غلبتكِ أيُّتها الهاوية، لأنَّ الملك القويَّ قد أسرَ الموت الصارم، وخلّص منه سبية آدم، ودان الجبّار ونقضَ سلطانه، لقد خُزيَت جماعة الصالبين المحتدّة على قتل وارث الكرم وصاحبه، تلك التي قالت مستهزئةً: يا ناقض الهيكل ومقيمه في ثلاثةِ أيَّامٍ، خلّص نفسك وقد انتصَبَت البيعة ابنة الشعوب التي كانت قابعةً بالحزن العميق ظافرةً بواسطة موت عريسها، متهكّمةً بتلك الزانية كما قال النبيُّ: لا تشمتي بي يا عدوتي فإن سقطتُ أقومُ. ولذا نهلّل أيُّها المسيح إلهنا قائلين: قام الله وتبدّد أعداؤُهُ جثوا وسقطوا ونحن قمنا واستعددنَا، لأنَّ عوننا باسمك الربُّ الذي خلّصنا من سلطان الموت، فلذّذنا في ملكوتك السماويِّ المعدّ للأبرار والصالحين، مع أمواتنا المؤمنين، ونرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس، الآن وكلَّ أوانٍ وإلى الأبد.  

العطر:

يا ختن الحقِّ والذبيح الطاهرَ الذي أمسى رهين القبور وضيِفَ الراقدين في الهاوية، اقبل منا هذا البخور الذي قدّمناه أمامك في عيد دفنك الخلاصيِّ، وضوِّع قلوبنا وأرواحنا بأريج محبتك، كما نضحتَ بطلّ الحنان والغفران على أنفس الراقدين في الهاوية، لنسبّحك ونشكرك ربَّنا وإلهنا وإلى الأبد.


 

الساعة السادسة ليوم سبت البشارة

فروميون:

يا رجاء الأموات وباعث الراقدين، يا قيامة المدفونين ومُبهِج المضطجعين بالتراب، أيُّها النور الذي أنار المظلمين، والطلُّ الهنيُّ مروي عطش السجناء، قاتل الموت ومستأصل الجحيم، مجدّد صورة جبلته وناشلُها إياك نسبّح ونشكر في هذا وقت الساعة السادسة وفي كلِّ الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

من يستطيعُ بفصاحته وبلاغته أن يُشيد بالأحداث التي جرت أمس واليوم للابن الخفيِّ غيرِ المدركِ ؟ بالأمس كانت جمعة الآلام والحُكم والصلب، واليوم سبت السلام والسكينة، بالأمس كان الكتبة والفريسيون والشيوخ ورؤساء الكهنة يهزؤون به، واليوم يمجّده الراقدون، بالأمس تشقّقت الصخور وتمزّق حجاب باب الهيكل اثنين، واليوم تفتّحت القبور بوجه الراقدين، بالأمس عانق الجبّار العمود، واليوم يلقي آدم على حضيضه، بالأمس كانت الجمعة المليئة بالآلام والأحزان واليوم سبت البشارة. ولذا نتضرّع إليك بواسطة هذا البخور أن تسعدنا بزيارتك الافتقادية العجيبة، وتمنحنا بها غفران الذنوب والخطايا، لنفرح معك وننتعش بقيامتك ونبتهج بانبعاثك، مرتّلين لك مجداً متواصلاً، انضح ياربُّ بطلِّ العفو والحنان على عظام أمواتنا وأرح أنفسهم في ملكوتك السماويِّ، ونحن وهم نرفع لك حمداً وشكراً ولأبيك ولروحك القدوس الآن وكلَّ أوانٍ وإلى الأبد.

   

العطر:

أيُّها القويُّ الجبّار الذي خضع للموت بإرادته، وافتقدَ اليوم هاوية الراقدين بعطفه وحنانه، سائلين أن تقبل منا خدمتنا وصلواتنا، وارحم موتانا المؤمنين، وجدّدهم بحياة السعادة والخلود، ومتّعهم بالغبطة الكاملة، فنسبحك معهم دائماً ربَّنا وإلهنا وإلى الأبد.

الساعة التاسعة ليوم سبت البشارة

فروميون:

يا ينبوع الحياة، والحيَّ الذي يسمو عن الآلام والموت، يا من متَّ بالجسد إرادياً وهبطتَ إلى الهاوية كما شئتَ، ابن الأحرار يا من حللتَ بين الأموات لتنقض سلطان الموت، وتمنح رجاء الحياة والانبعاث للراقدين، وتنشر بشارة القيامة بين المدفونين، إياك نشكر ونمجّد في هذا وقت الساعة التاسعة وفي كلِّ الأوقات وإلى الأبد.

السدر:

نسجد لك أيُّها المسيح إلهنا، ونمجّدك من أجل نعمك إلينا، لا سيما في هذا يوم نزولك إلى الهاوية، يا من احتملتَ الآلام عوضاً عنا، ومكثتَ في قلب الأرض ثلاثةَ أيامٍ وثلاثةَ ليالٍ، وأسرتَ الجبّار العاتي، ونهبتَ الجحيم، وأعدتَ السبي بدمك الزكيِّ، وزرعتَ الأمن والفرح بدون أن ترى فساداً، وقمتَ من القبر وأقمتنا معك بالمجد العظيم، والآن بابتهاجٍ نصرخ قائلين: اليوم أظهر الربُّ خلاصه لخائفيه، وأعلنَ برّه أمامَ الشعوب، اليوم نهلّل مع المرتّل داود: هذا هو اليوم الذي صنعه الربُّ هلمّوا نفرح به ونُسرّ به، هذا هو اليوم العظيم يوم السرور والخلاص وعيد الأعياد، اليوم تبشّر الملائكة الأرضيين بالبهجة، اليوم يملك الرجاء والحبور للتلاميذ ويلتحف الصالبون بالخزي والكآبة، اليوم ينتعش جانب البيعة لأنه بلغَ إلى قدسية الحياة، اليوم انضمَّ مُنهض الأموات مع الراقدين فأقامهم مجدّداً إياهم بالأمس رأيناه معلّقاً على الصليب مسمَّراً بالمسامير وجنبهُ مفتوحٌ بالحربة، وهو الذي تختفي السماء والأرض من رهبته ومجده، واليوم رأيناه في القبر ينهب خزائن الموت، ههنا تسأل مريم وهي باكيةٌ من سرقه من القبر ؟ وفي العُلا يرهبه الساروفيم ويسبّحونه بلا فتورٍ. ولهذا نتضرّع إليك ياربُّ أن تمنحنا الأمن والسلام، وتفتقدَ، المرضى بالشفاء، والمتضايقين بالفرج، والممسوسينَ من الأرواحِ الشّريرة بالصحة، واجعل ذكراً عطراً مقبولاً أمامك للموتى المؤمنين الذين سبقوا ورقدوا على رجائك بالإيمان القويم، ونحن وهم نستحقُّ القيام عن يمينك بوجهٍ سافرٍ، ونمجّدك ونشكرك وأباك وروحك القدوس الآن وكلَّ أوانٍ وإلى الأبد.

العطر:

أيُّها الربُّ الجبّار غيرُ المتألمِ الذي تألَّمَ إرادياً في سبيل خلاصنا، وغيرُ المائتِ الذي مات بالجسد لفدائنا، وهبطَ إلى الهاوية مدفوناً لإقامتنا من سقطتنا وتجديد حياتنا بقيامته المجيدة، تقبّل منا هذا البخور الذي قدّمناه أمامك، وعطّر به أنفس وأجساد أمواتنا المؤمنين الراقدين على رجائك منذ القديم، ربَّنا وإلهنا إلى الأبد.