المقالة 100 عن القديسة الشهيدة دروسيس

المقالة 100

القديسة الشهيدة دروسيس

الى الذين يسألون: ماهي فعالية الكلمة الالهية: توبوا فأن قد اقترب ملكوت السموات، يجدو بنا ان نعرّفهم بالعذراء دروسيس الشجاعة جدا، ونمسك عن الكلام، لان ما يمكن ان تراه امام عينيك لا داعي لإظهاره باللسان.

فأنه حينما ترى شابة صغيرة جدا تجاوزت مرحلة الطفولة، هي ابنة تراجان الذي تملّك على الرومان، تربت في القصر الملكي، ولها السيادة على صولجان الملك بصفتها وارثة، وكانت تزدان بكل زهور هذا العالم، لها كل الخيرات، تفيض عليها كل انواع المباهج التي تفنّن الحواس وتجعلها تهيم اشتياقاً، حينما ترى فتاة كهذه تركض متعدية كل هذا كأنه تراب او حلم: وتسمو فوق الاشياء الارضياء متجهة الى نداء المسيح مباشرةً، فترتبط كلياً بالرجاء السمائي والمسكن الطوباوي، افلا تقول ان ملكوت السموات قد اقترب؟ بل انه قريب وحاضر.

وبخصوص الذين هم عبيد الذات المخربة، فهم تحت سلطان الخطية، حسبما كتبه بولس الرسول الى اهل رومية: (اذا لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته)(رو 6: 12). وبنفس الطريقة فإن الذين تتملك الافكار الالهية والسماوية على عقولهم، الذين بحسب كلمة بولس الرسول نفسه قد قدموا لله اعضاءهم كأسلحة بر، وهكذا ايضا تكون اعمال الروح لاتمام اوامره تعالي للجيوش السمائية وفيها يرتل داود النبي: ( باركوا الرب يا جميع جنوده خدامه العاملين مرضاته) (مز 103: 21)، وبينما يحيون هذه الحياة الارضية يجعلون ملكوت السموات منهم قريبا ويسلكون تحت سلطانه سلوك الارواح السمائية العقلية، يتجهون اليه وهم يحملونه في داخلهم ويحيطون به، وهذا ما قاله مخلصنا لتلاميذه: (ها ملكوت الله داخلكم) (لو17: 21).

ان الصلاة النموذجية العظيمة اللائقة بالله التي تركها لنا مخلصنا تشهد ايضا ان ملكوت الله وملكوت السموات يتضمن هذا: ان نريد ونعمل الاشياء السماوية وكل ما يريده الله، وان نمزج افكارنا بمشيئة الله. لان بعد ان نقول: (ليأتي ملكوتك)، وبعدها نقول: ( لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض) (مت6: 10). مظهرين ان ملكوت الله هو هذا: مثل مدينة تحكمها القوانين حكما حسنا، تنقاد الروح بالاشياء التي ترضي الله وتكون هذه الاشياء متسلطة عليها، وتكون بحملتها تحت حكمه وحده خاضعة لربوبيته، لا تفكر في شيء غريب، حتى تكون المشيئة الالهية وكلمة على الارض بواسطتنا، كما هي في السماء بواسطة الجيوش السمائية بها، وحتى ايضا هذا ليس هناك سوى ملكوت واحد يأتي من العلا الى الارضيات، ومن الارضيات الى العلا، راسخ تسوده الوحدة في الطاعة وتوافق المشتركين حسب المراد من قولنا: (ليأتي ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض).

حينما تشترك دروسيس في هذا الملكوت وتضيئ بنور مشيئة الله دون ان تشبع منه، وتدوس بقدمها المملكة الارضية، فهي تقول: (توبوا لأنكم ترون ان ملكوت السموات قد تملك فيَّ وهو كائن حالا بينكم). تلك التي كانت سيدة الارض، التي ملكت كل الارض، أي شيء اخر كان يستطيع ان يقنعها بأن تحتقر فجأةً كل شيء، سوى هذا المسكن وهذه الراحة السمائية، وكان كل من يرى ذلك يتعجب ويدهش في قراءة نفسه فيقّر قائلا: (حقا اذا يعترف المسيحيون بملكوت السموات)، حتى من كانوا في هذه الدنيا لا عربون لرجاء الاخر لديهم، يتضئوا بنور سماوي الهي، غير سالكين بالروح، لم يتركوا الارضيات لينقادوا الى ما هو فوق قائمين بطريقة ما في المساكن العلوية.

ليست الملكات من يقنعن بالترجي بدون اساس بدل السلطان الملكي، بل يجب الاعتقاد ان المسيح يظهر بالمرئيات حقيقة كلماته التي هي ايضا فوق الايمان. ان تترك فتاة شابة بيت ابويها مأخوذة بجمال شاب او بالأموال العظيمة والمتعة، او بغرور العالم والفتنة والاغراء ولا سيما السعي وراء الجنس اللطيف، فهذا يمكن ان نجده بسهولة في الروايات القديمة وكذلك في الزمن الغابر، وايضا في زمننا توجد امثلة عديدة شريرة من هذا النوع. اما ان تصل دروسيس الشجاعة بأعمال الادارة، الى ديانة غير مألوفة في خاصتها، والى ايمان المسيحيين الذي يتطلب منها ان تحتقر الهة عديدة مشهورة غير موجودة، ذلك الذي يعلم العفة والقوة في سائر طرق الكمال، ولو ادى الامر ان يكون ملاحقا معذباً، فهذا هو العسير. في هذه المعانة الشّاقة لا يقتصر الامر ان يقاسي من ايمان المسيحيين فقط من ناحية القوانين والملوك وذوي الحكم والسلطان، او من ناحية الذين ينظمون اجتماعات الجنود او جرياً على عادات الاجداد المنتشرة في كل مكان وعبادة الشياطين وقد تسلطوا حتى كأنهم يحكمون العالم، بل ان ما همت بفعله دروسيس كان من عمل هذه النار التي فال عنها المسيح الهنا في الاناجيل: (جئت لألقي نارا على الارض فماذا اريد لو اضطرمت) (لو12: 49).

هذه النار حينما سرت في روح الشهيدة، اشعلت واحرقت اذا كل الافكار الارضية الدنيوية مثل القش، وبعد ان استحوذت على كل عقلها تحوطه مثل العليّقة التي رآها موسى النبي مشتعلة ولا تحرق، ( ظهر له ملاك الرب يلهب نار من وسط عليقة فنظر واذا العلقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق) (خر3: 2). بعد اصعدت الى فوق لهبا يبرق، رفعت الفتاة الشابة كطائر في الهواء، ورفعتها الى السماء، منذ ذلك الحين كانت منشغلة كلية ومرتبطة بالجمال الاسمى، فكانت لا تبالي بما يجذبها نحو الارض.

حينما نتأمل بعناية في هذه الامور، نتعجب بالتأكيد كم قوى ربنا يسوع المسيح طبيعتنا وثبتها. كانت حواء فعلا مخلوقة اولا، ( وبنى الرب الاله الضلع التي اخذها من ادم امرأة واحضرها الى ادم) (تك2: 22). او حسب قول الكتاب كانت الاولى التي بناها الله، لان لفظ البناء يدل على ان الخليقة كانت شيئا صلبا ثابتا، لم يجعلها ضعيفة، اعصابها متوترة، بل قوية وكان لها كالرجال باكورة الطبيعة، تحظى بالمسكن في الفردوس الالهي، سعيدة خالية من القلق، تتغذى بحرية من كل الاشجار، لكن حرم عليها ان تتذوق ثمرة واحدة، لكي يمتحن الله حرية روحها وتقبلها للطاعة.

وبينما هي في هذه الحالة خدعها المنافق واقنعها بأن تأكل بالرغم من الوصية، ولما سقطت بسبب ميل اللذة العارم جذبها الى الارض، وبعد ان اتجهت نحو الجسد جعلها عبدة الخطيئة. لهذا السبب سمعت من ادم الذي اشترك معها في تعدي الوصية: (وبعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي اخذت منها. لأنك تراب والى التراب تعود)(تك3: 19).

لكن دروسيس العجيبة حقا كانت من نفس الطبيعة مثلنا، تلك الطبيعة التي رزحت طويلا تحت الخطية وداستها الشياطين كما يقول داود النبي: (شاخت من كل المضايق) (مز6: 7)، وكانت ضعيفة بالقسية لأعمال الكمال، كانت تعيش عيشة الترف والبذخ في ميوعة واسترخاء، وكما كان الامر في الفردوس فإنه في ملذات هذا العالم الكاذب الفاني الشبيه بالحالم، في مقامها في القصر الملكي الذي كان لأبيها، لم ترَ هناك أي غرس صالح يرفعها الى الله، فيه متعة تنفق مع الناموس. في هذه الحالة لم يخدعها الشيطان ولم يحركها وهو الذي يسرق بمهارة كل الناس حتى الذي يفتخرون في قلبهم انهم لا يقهرون.

لانه اي شيء كان ناقصا من الاشياء التي تستطيع ان تحارب النفس الثابتة؟ هلا يحارب النفس رونق الذهب ووفرته؟ هلا يحارب النفس ويجذبها اليه بريق الحجارة الكريمة ذات الالوان المتنوعة التي تستطيع ان تغزي حتى العيون التي تنظر بعفة؟

ومن ناحية اخرى هلا تهب لمحاربة الروح فخامة الملابس الملكية. وعظمة وجمال المباني المشيدة. ذلك الجمال الذي يرتفع من الارض حتى السقف وينافس منظر الحقول المزدهرة؟

وقال مرة نبوخذ نصر ملك البابليين وهو منتفخ في روحه بمثل هذه الاشياء: (أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي) (دا4: 30). وفي الحال بسبب كبريائه وعجرفة كلماته، حكم عليه بالبلاهة وجنون افكاره، هكذا يستطيع ذلك ان يسقط من الخير حتى الفكر الثابت! أتتكلم عن المائدة التي كانت تزخر بالولائم الرسمية يجمعون بها الاطعمة من كل مكان، من الارض ومن البحر، والتي تشير الشهية بندرتها وصعوبة العثور عليها، وتجعل البطن يشتاق اليها حتى تجذب المعتدل المتقشف، فما بالك بالشره.

هل اذكر العدد الكبير للمتابعين، نخبة المجد الذين يأتون من كل امة ومن كل جنس، وخدمة جناح النساء، وكل ما بالداخل يملأ الخيال بالعجب والخوف، وتقاليد الخادمات من نفس السن، والزينة والحلي، تلك الاشياء التي تحبها النساء وتبتغيها لدرجة انه ايسر عليهن ان يسين استنشاق الهواء او الاكل او الشرب من ان ينسيها؟

وهذا ما يشهد به ايضا ارميا النبي اذ يكتب: (هل تنسى عذراء زينتها او عروس مناطقها. اما شعبي فقد نسيني اياما بلا عدد) (ار2: 22-23).

لكن دروسيس كانت قد عرفت الله، فلم تذكر نفسها ونسيت ما تفتن به المرأة، واقفلت عينيها عن كل الحسومات، بعد ان ثبتّت نظرها نحو السماء، واستأسرت بها الاشياء العلوية، فلم تبحث عن سواها ولم تهتم سوى بالأشياء التي في السماء حيث المسيح جالس عن يمين الله. (فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله)(1كو3: 1).

لهذا السبب لم تكن تسمع ما سمعته حواء اذ يقول: (لأنك تراب والى التراب تعود) (تك 3: 19)، بل سمعت: (انت سماء والى السماء تصعدين). صمدت مرتفعة مثل يمامة على اجنحة روحانية. ولما وجدت نفسها خارج المساكن الملكية لم تتعاظم واختبأت سراً مع العذارى اللواتي كن يعشن حياة الرهبنة النسكية المتواضعة، وكنَّ يعترفن بالمسيحية التي كانت حينئذ محاطة بأخطار كثيرة. كانت رفيقة لهن في حياة الرهبنة الصارمة، وفي السلوك الطاهر وفي رجاء الله، ثم اخيرا في طريق الاستشهاد. وهو الطريق الذي سلكته من اجل روحها، بينما قالت مع بولس الرسول: ( قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك ليوم الرب الديان العادل لي فقط بل لجميع الذين يحيون ظهوره ايضا) (2تي 4: 7-8).

بينما سلمت هنا جسدها المكرم تصدر عنه روح البطولة فكانت قوية شجاعة عديمة الكسل سريعة الاستجابة، وعلى اهبة الاستعداد، وانضمت بروحها لتلك الارواح لنحيا في شركة معهن وهن يحاربن بشجاعة وجدارة بطريقة مشابهة لطريقتها. وتركن اجسادهن تيبس مثل جلدة الطبلة من جراء اعمال الكمال، او تركن اجسادهن تهلك في العذابات التي احتملتها لأجل الديانة مع هذه الارواح وقد تخلصت بفرح من رباط الجسد، تتأمل مقدما في هذا الخلاص وتشوق اليه، يصعد الرؤساء الروحانيين الطغمات الملائكية في نفس الوقت الى السماء ويرنمون وقد نلن الاكاليل بالتأكيد، يرنمون انشودة النصر التي قالها النبي داود في كلمات قليلة: ( من قدام المغنون من وراء ضاربوا الاوتار في الوسط فتيات ضاربات الدفوف) ( مز68: 25).

لماذا إذن نحن حينما نسمع ذلك لا نرغب، ولو متأخرين في أي وقت كان، في مزايا السماء التي يتجه اليها طريق الارواح العاقلة وسيرها الطبيعي الى فوق؟ بالعكس كما لو كانت لنا روح خنزير او أي حيوان، ننظر الى البطن وما اسفل، وبطريقة جنونية ننسى شبهنا مع الله. لا نهتم بالصبر وبالسيرة الطاهرة، ولا نقدر البتولية ايضا، لأجل الاستعداد الساكن السمائية، والعيش المشترك مع الملائكة. وعظمة النعيم المعد للذين يعيشون في التقوى. بالحقيقة ليس هذا سهلا علينا ان نعيشه. وبقول الكتاب: ( ما لم ترعين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه) (1كو2: 9).

ليس كذلك نحتفل بذكرى الشهيدة. لان ذكرى الشهداء الحقيقية انما نكون في التمثل بكمالهم. لهذا السبب ايضا نصنع هذه الذكرى، واننا نتذكر الشهداء ونحتفل بأعيادهم، لكي بالمحاكاة في الصبر والشجاعة والرجاء نصير كاملين: (الام الزمان لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا) (رو8: 18). ونقيق من الغفلة في الانشغالات الدنيوية. ونتعلم اية نهاية يهدف اليها جهاد المسيحيين، ولا نحمل بغته عراة فقراء في غاية القبيح لا مؤونة لنا للخلاص.

انتِ ايتها المرأة تمتدحين بتولية دروسيس، فافتدى حقا بمن تمتدحين حتى تفوزي بالمسيح عريساً، لأنك سمعت ماذا يقول بولس الرسول لأجلك: (لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح) (2كو11: 2) وايضا: ( ان بين الزوجة والعذراء فرقا. غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسدا وروحا. واما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضى رجلها (1كو7: 34).

لكنكِ تقولين ان ذلك مستصعب وليس بالشيء لكنه سهل اتباعه للروح التي مستها محبة الله. فعلى الاقل، احملي نير الزواج، لكن احتفظي به بشرف بحفاظك على الطهارة. واذا كان زوجك قد رحل عن هذا العالم فلا تتخذي زوجا ثانيا. واذا كان تتطلعين الى زواج ثانٍ. وذلك مباح لأجل ضرورة الحسد، فلا تتركي نفسكِ لثالث، بالأخص اذا كنت قد تعديت سن الشباب وكان الموت او كانت الشيخوخة تقترب اليك. لأنه اذا كان الزواج الثاني مباحا، لا استطيع ان اقول شيئا فيما يختص بالزواج الثالث إلا انه غير مباح، لانه حتى الإذن يكون في حدود معينة ولا معيشة مشتركة بغير ضابط.

أتمتدح الشهيدة التي احتقرت المجد الملكي والخيرات؟ اذاً فاظهر حقيقة مديحك. واعط من اموالك للفقراء، او افعل شيئا مختلفا واقل استحقاقا، لا تشتهي ما للغير، وكن بعيداً عن الشيء المسروق او المأخوذ ظلما. لا يرتبك بمثل هذه الامور خشية ان تظهر امام القاضي وهي في حوزتك فتكون عليك ولو لم ترد، حينئذ تشتهي ان تخبئها وتبعدها ولا تستطيع. لان صور اعمالنا ترتبط بنا دون ان تفترق عنا تابعة لنا كالظل.

انت تمتدح ايها الفاضل صبر خادمة المسيح في الجهاد المقدس، فتعلم في مديحك ان تتحمل الآهات من اجل الديانة، حينما تتطلب الظروف منك ذلك، تعلم ان تتعرف امام الناس بالإيمان الصحيح، والا تتغير حسب الظروف، تعلم ان تمتدح اولئك الذين جاهدوا حتى الدم ( لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية) (عب12: 4). تعلم ان تتبع من ناحية اخرى الديانة التي ما جرى ذكرها على اللسان وتمتدح بالتعظيم ما بقى وقت.

بصور الكمال الباهرة والتمنيات القلبية تريد دروسيس الشجاعة ان ننظم لها اكاليل المدائح. لم اتكلم عن الامور الداخلية وليس احد ممن يمتلكون يريد ان يعطيها من الخيرات الخارجية الزائدة عن حاجته؟ كل الرجال وكل النساء يهرعون كثيرا الى هذا الهيكل المقدس يقيمون صلواتهم ويقدمون كثيرا الى هذا الهيكل المقدس يقيمون صلوتهم ويقدمون طلباتهم، ويفرحون بمعونة وصلوات الشهيدة، وينالون الشفاء والصحة والهبات المختلفة من كل نوع التي يطلبها كل احد.

ولكن ليس من ينتبه الى إكرام الخدمة الكهنوتية المقدسة، او اعمدة الفضة الموضوعة بجانبها التي تحمل القبة التي تظل رؤوسهم، انها عارية وبلا منظر، بها اسياخ من حديد، ترمز للسماء ولكنها لم تغط بالفضة. حقا ليس من جهة الجمال فحسب، بل من جهة المجد ايضا، يبدو لي، ان بناة الكنائس المقدسة قد تصوروا هذه القبة وقرروا لدى اقامتها انها تمثل السماء، وترتفع بواسطة الاقواس وبواسطة التاج حتى تشكل نصف الدائرة العليا معلقة في الهواء، وتنتهي في الوسط في شبه صرّة البطن، لكي تبين اننا نحن الذين نتمم الوظائف الكهنوتية تحت هذه القبة نقف داخل السماء مثل الجند غير المتجسدين تحتفل بطريقة سرية بالقداسات.

ومع ذلك لم يتنازل احد ان يقدم الفضة لأجل هذا العمل التقوى. وان كان كل واحد قد اعطى جنيها فقط، وكذلك الذين يمتلكون القليل، فما كان يشعر كل من يعطى بما اعطى، بينما يكفي حاصل ما نجمعه من كل واحد لتغطية المبلغ اللازم ويفيض. ولا اقول ان فردا واحدا من المؤمنين يستطيع ان يقدم الكل ممن ينامون على الفراش الوثير ويتناولون طعامهم في اطباق من الفضة يحملها خدم عديدون.

ماذا اقول ايضا عن النساء اللواتي يذهبن جميعا الى الحمامات، ومعهم آنية فضية تزن بضع ارطال يحملنها وسط الميادين جالسات على مقاعد تتألق بالفضة، وحتى لجم البغال لا تخلوا منها. فاذا ما حضرت ابنة ملك الى مدينتنا مخطوبة لأحد، فإن كلا منكم ضرورة يتعجل بأن يجعل نفسه ظاهرا بالأكثر عند الفتاة المخطوبة، فيقدم كهدية لغرفة العرش اثمن الحلي الذهبية والتحف الكثيرة الثمن.

ولكن لأجل ام الشهداء التي تنازلت عن المملكة الارضية واصبحت ابنة ملك الملوك الاب السماوي، عروس المسيح، تتكاسلين وتهملين، تترددين ان تعطي شيئا مما لك.

فمددي يداكِ واعطي بسرور ولا تمسكي. فإنك تنالين الثواب الوفير، لأن عريسها ليس ناكرا للجميل او فقيرا. انه يعطي لأولادك الصحة التي هي اثمن بكثير من مواهب عديدة، ويهبهم روحا ثانيا في دراستهم، وغيرها مما يسر به الاباء من اجل بنيهم. انه يعطي زوجك مع الصحة الجيدة وفرة المكاسب الشريفة، ولبيتك الخيرات مع البركة والنعمة من العلا، ويعقب هذا بعد مغادرة الارض ملكوت السموات. ليتنا نناله بالنعمة والرأفة ومحبة البشر اللواتي لمخلصنا يسوع المسيح الذي يليق به التسبيح والمجد والسلطان مع الاب والروح القدس الان وكل اوان والى دهر الداهرين امين.