التطويبات والموعظة على الجبل
«ولما رأى (يسوع) الجموع صعد إلى الجبل، فلما جلس تقدّم إليه تلاميذه، ففتح فاه وعلمهم»(مت5: 1و2).
بعد أن اختار الرب يسوع تلاميذه، صعد إلى قمة جبل على مقربة من بحر الجليل، وجلس على مقعد حجر، وكان جمهور غفير من السامعين قد ملأوا منحدرات الجبل ومروجه المنبسطة. وتقدم إليه تلاميذه، ففتح فاه وعلمهم. وبحسب عادة ذلك الزمان كان السامعون يرددون ما يقوله المعلم الديني، وهكذا ألقى الرب يسوع عظته الخالدة، دفعةً واحدة أو عدة دفعات، وقد أحسن الإنجيلي متى صنعاً بجمعها، فألّفت الفصول الخامس والسادس والسابع من الإنجيل المقدّس الذي كتبه.
وتعد هذه الموعظة فكر السيد المسيح، وزبدة شريعته الإلهية الأدبية التي لخصها بالقاعدة الذهبية بقوله: «فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء»(مت7: 12).
واستهل الرب موعظته هذه بـ (التطويبات) لأن رسالته الإلهية في الأرض هي رسالة سلام ومحبة، وإن كلمة طوبى تعني السعادة والغبطة والخير والحُسنى. ومنها يتّضح لنا أن مفهوم السيد المسيح يخالف مفهوم العالم في تصوّر معنى حياة الإنسان على الأرض. فمفهوم العالم مادي، دنيوي وجسدي، لذلك مجّد العالم القوة البشرية وعظّم المادة، وتمرّغ أهله في الشهوات، فبدلاً من أن ينالوا السعادة تضاعف شقاؤهم، ولم يمتلئ فراغ قلوبهم. أما الرب يسوع فيعلن صفات الذين يستحقون الطوبى، ويتمتعون بالفرح الروحي الداخلي، مهما بدت حياتهم على مكتنفة بالأحزان والآلام والضيقات، فهم سعداء بالرب لأن ملكوت الله «هو برّ وسلام وفرح في الروح القدس»(رو14: 17) على حد تعبير الرسول بولس.
ويبدأ الرب تطويباته قائلاً: «طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات»(مت5: 3)، والمساكين في مفهوم الرب هم الذين ولئن ملكوا مال قارون ولكنهم قد حرروا أفكارهم، وعقولهم، وقلوبهم، وإرادتهم من محبة المادة، لأنهم لا يعبدون إلاّ الله وحده، وقد جعلوا من المال سبيلاً لخدمة الإنسان وعمل الإحسان، وهكذا كنزوا لهم «كنزاً لا ينفذ في السموات حيث لا يقرب سارقٌ ولا يُبلى سوسٌ»(لو12: 33). أما الأنانيون من الأغنياء الموسرين، الذين لا يهمهم أمر الفقراء المعوزين، فقد صبّ عليهم الرب جامات اللعنة قائلاً: «ولكن ويلٌ لكم أيها الأغنياء لأنكم قد نلتم عزاءكم»(لو6: 24) لذلك يكون نصيب هؤلاء مع الغني الذي لم يتحنَّن على الفقير لعازر (لو16: 19)، فلم يُرْحَمْ من الله في الآخرة، لأنه لم يَرحم أخاه الإنسان في هذا العالم.
وقد يكون المساكين بالروح من الفقراء مادياً، الذين لم تتعلق قلوبهم بمحبة حطام الذنيا فهم أغنياء بالرب الذي يتابع تطويباته، قائلاً :«طوبى للحزانى لأنهم يتعزون»(مت 5: 4) ويعني بالحزانى أولئك الذين يسكبون دموع التوبة على ما اقترفته أيديهم من الآثام، وما أتوه من المعاصي ضد الله تعالى، والناس، وأنفسهم فقبل الله توبتهم، وتغمد ذنوبهم وغفر لهم كما غفر للعشار التائب الذي قرع صدره ندامة وتواضعاً، وطأطأ رأسه خجلاً، ولم يرفع عينيه إلى السماء وهو واقف في بيت الله، قائلاً :«ارحمني اللهم أنا الخاطئ» وقال الرب عنه أنه «نزل إلى بيته مبرراً»(لو 18: 10 ـ 14). والحزانى أيضاً هم المؤمنون الذين مهما صعبت المصائب. والنوائب، والتجارب التي تصيبهم في مضمار جهادهم الروحي في هذه الحياة، ينالون التعزية الإلهية في المسيح يسوع ربنا كما نالها المعترفون والشهداء الأبرار الذين تحملوا الضيقات من أجل اسمه، وانتصروا في ميدان الجهاد ونالوا أكاليل المجد في السماء فتم وعد الرب لهم بقوله :طوبى لكم أيها الباكون فإنكم ستضحكون (لو 6: 21). أما الذين لايشاطرون التائبين حزنهم وندامتهم، وتوبتهم الصادقة. كما لايشاركون الحزانى آلامهم ولا يخففون عنهم مصائبهم فيقول لهم الرب: «الويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون»(لو 6: 25).
ويمتدح الرب الودعاء، بخلاف ما يفعله العالم فيقول: «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض» (مت 5: 5) وقد عُرِفَ الرب يسوع بوداعته، وتواضعه، وصبره على تحمل الآلام، والصلب، والموت وتنبأ عنه أشعياء قائلاً: «ظُلم أما هو فتذلل، ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامته أمام جزيها لم يفتح فاه»(اش 53: 7). ويريدنا الرب أن نبلغ قمة الوداعة بمحبة أعدائنا، ومباركة لاعنينا، وأن نتعلم منه الوداعة بقوله: «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم»(مت 11: 29) والوديع يرث الأرض «أرض الأحياء»(مز 141: 1 ـ 6) في السماء (رؤ 3: 12).
أما الذين يتوقون إلى المتمتع بحياة القداسة، وبحفظ الوصايا الإلهية، والتحلي بالفضائل السامية، والهذيذ بناموس الرب ليل نهار، فيعطيهم الرب الطوبى قائلاً «طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون»(مت 5: 6) هؤلاء تمثلهم مريم التي جلست عند قدمي يسوع تسمع كلام الحياة الخارج من فيه. أما أختها مرثا فقد كانت مرتبكة ومنهمكة في خدمة كثيرة، فلما شكت أمرها ليسوع أجابها قائلاً «مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد، فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها»(لو 10: 38 ـ 42).
ويتابع الرب تطويباته قائلاً: «طوبى للرحماء لأنهم يرحمون»(مت 5: 7) لاغرو من أن وازع الرحمة هو المحبة، وان السيد المسيح هو مثالنا في هذا المضمار، فهو الذي، محبةً منه بالبشرية فداها بدمه الكريم من براثن الموت والشيطان والخطية، وهو السامري الصالح الذي أنقذ الساقط ين اللصوص مضمداً جراحاته ومعتنياً به. ووصف الرب أيضاً بأنه «جال يصنع خيراً»(أع 10: 38). وقد فضل الله الرحمة على الذبيحة في النظام القديم إذ قال على لسان النبي هوشع: «أريد رحمة لا ذبيحة»(هو 6: 6 مت 9: 13و12: 7) وللأهمية الرحمة، اعتبرت أساساً للقانون الذي سنحاكم بموجبه أمام منبر المسيح في اليوم الأخير، وسيسمع الرحماء صوت الرب قائلاً لهم: «تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، كنت غريباً فآويتموني، عرياناً فكسوتموني، مريضاً فزرتموني، محبوساً فأتيتم إليَّ. فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين ياربُّ متى رأيناك جائعاً فأطعمناك أو عطشاناً فسقيناك، ومتى رأيناك غريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك فيجيب الملك ويقول لهم الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم»(مت 25: 31 ـ 40).لذلك يعطي الرب الطوبى لكل الذين يحبون اخوتهم بني البشر ويساعدونهم روحياً ومادياً واجتماعياً ويقدمون للمعوزين الصدقات في الخفاء، والرب الذي يرى في الخفاء يجازيهم علانية(مت 6: 1 ـ 4) ومن يصنع الرحمة لا ينشد من وراء ذلك فائدة ولا يطلب أجراً، ولكن أجره لا يضيع عند الله لأن «الرجل الرحيم يحسن إلى نفسه»(أم 11: 17). أما من كان خلاف ذلك فسيكون نصيبه العذاب الأبدي في جهنم النار.
ويتابع الرب تطويباته قائلاً: «طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله»(مت 5: 8) وقال الإنجيل المقدس: «الله لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر»(يو 1: 18) فكيف وعد الرب للأنقياء القلب برؤية الله؟! إن المؤمن الصالح يتوق لأن يرى الله. فيلبس أحد تلاميذ الرب يقول له «يا سيد أرنا الآب وكفانا؟ فقال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟ الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيَّ»(يو 14: 8 ـ 10). إن الله يتجلى للقلوب النقية، والنفوس الطاهرة، ويخاطب الأبرار والصالحين. وان روحه القدوس يحل فيهم، فيصيرون هياكل لله تنعكس صورة مجده في قلوبهم. وهكذا يصح أن نقول انهم يعاينون الله. كما قال داود النبي «الرب عادل ويحب العدل، المستقيم يبصر وجهه»(مز 11: 7) و «من يصعد إلى جلل الربـ ومن يقوم في موضع قدسه؟ الطاهر اليدين والنقي القلب»(مز 24: 3و4). فإذا كان القلب نقياً صار كالمرآة الصافية ينعكس عليها وجه الله تعالى.
ويرى السيد المسيح في السلام علامة واضحة، وصفة ظاهرة لأبناء السماء، لذلك يقول: «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون»(مت 5: 9) فما أسعد محبي السلام الذين يرغبون في أن يعيشوا بسلام مع الله، ومع ضمائرهم، ومع البشر كافة. بذلك يكملون إرادة السماء، ويعملون بمشيئة الله، فيصيرون أبناء الله بالنعمة.
وبعد أن أنهى الرب يسوع سرد تطويباته، لفت نظر تلاميذه إلى ما سيصيبهم في العالم من ضيقات ومشقات في ميدان جهادهم الروحي لحفظ وصاياه الإلهية، فلا بد من أن ينبذهم المجتمع المادي، وسيكونون مضطهدين من الناس من أجل اسم المسيح (مت 10: 22و24: 9ومر 13: 13 و21: 17) لأن «جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون»(2تي 3: 12) على حد تعبير الرسول بولس، ولكنهم سينالون أجراً عظيماً إتماماً لوعد الرب القائل:«طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات»(مت5: 10) فالبر هو القداسة، والتحلي بالفضائل الإلهية: الإيمان والرجاء والمحبة، وحياة التقوى ونكران الذات، والتضحية في سبيل الاعتراف بالأيمان بالمسيح أمام الناس لكي يعترف هو أيضاً بهم قدام أبيه السماوي اتماماً لوعده الصادق المتضمن بقوله أيضاً: «طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين، افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات، فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم»(مت 5: 11و12)و «الويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسناً لأنه هكذا كان آباؤهم يفعلون بالأنبياء الكذبة»(لو 6: 26). أجل إن تلاميذ المسيح الحقيقيين وأتباعه الصالحين ترتبط حياتهم به ارتباط الأغصان بالكرمة، به يحيون وينمون ويتقوون ويعتبرون الألم لأجله نعمة من السماء كقول الرسول بولس «قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله»(في 1: 29). وما أسمى الصفتين اللتين يطلقهما الرب على أتباعه بقوله لهم «أنتم ملح الأرض»(مت 5: 14) العالم بأسره. فكما أن الملح إذا أضيف إلى الطعام يذوب فيه فيطيّبه، ويحفظه من الفساد، ذلك أن الطعام يمتصه ويتفاعل معه، فيظهر تأثير الملح فيه بالخفاء، ولا يستطيع الطعام أن يقاومه، كذلك تلاميذ المسيح والمؤمنون به يحفظون تعاليمه صحيحة سليمة، ولا يسمحون بأن يطرأ عليها فساد أو تحريف أو تغيير، كما يحافظون على السيرة الصالحة التي تليق بأناس اتحدت حياتهم بالمسيح المعصوم من الخطأ، وإن لم يكونوا كذلك فسيشبهون بالملح الفاسد، ويكون فساد الملح بزيادة نسبة الرمل فيه، فتقل قوة خاصية الملوحة فيه «ولكن إن فسد الملح» يقول الرب، «فبماذا يملح؟ لا يصلح بعد لشئ إلا لأن يطرح خارجاً ويداس من الناس»(مت 5: 13). والملح لا يؤخذ لذاته بل لمفعوله، لذلك إذا زال المفعول صار الملح رملاً وطرح خارجاً مع الرمل,
ويقول الرب «أنتم نور العالم»(مت 5: 14) وهذا النور يستمد ضياءه من شمس البر الرب يسوع، «والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه»(يو 1: 5) كما لا تستطيع الظلمة أن تقاوم النور لذلك قال الحكماء (بدلا من أن تلعن الظلمة أضئ شمعة). وهذا النور لا يطلب لذاته بل ليشهد للنور الأعظم، تماماً كما فعل يوحنا المعمدان بتقديم شهادته عن السيد المسيح، وهكذا أنار تلاميذ المسيح العالم بنور إنجيل المسيح بشارة الخلاص، فكانوا قناديل على الطريق اهتدى الناس بواسطتهم إلى الرب ووصلوا إلى ملكوت السماوي. ويوضح الرب نتائج إنارة تلاميذه للعالم بقوله لهم: «فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات» (مت 5: 17).
«لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء، ما جئت لانقض بل لأكمل»(مت 5: 17) ويعقد الرب المقارنة ما بين شريعته الجديدة، وشريعة النظام القديم، وهو يريد من أتباعه أن يتجاوزوا حرفية الناموس القديم، ويسبروا غور النفس، ليقضوا على جرثومة الإثم قبل أن تنمو وتتقوى وتهيمن على عقل الإنسان وقلبه وتشل إرادته، ولا يريدنا الرب التوقف عند دراسة الناموس بل أن نعمل به قائلاً: «وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السموات»(مت 5: 19).
ويختم الرب موعظته على الجبل بمثل يريدنا فيه أن نتعلم الثبات على تعاليمه الإلهية والعمل بها، فالرجل الذي بنى بيت إيمانه على الصخر هو الذي يترجم إيمانه بالأعمال الصالحة، فنزل المطر، وجاءت الأنهار وهبت الريح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسساً على الصخر، أما من يسمع أقوال الرب ولا يعمل بها فيشبه الرب برجل جاهل بنى بيته على الرمل فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطه عظيماً(مت 7: 24 ـ 27) لأنه نهما بدا ذلك البيت من الخارج جميلاً وثابتاً، لم يقو على الثبات أمام العواصف الشديدة والسيول الجارفة، هكذا يهلك الإنسان الذي لا يكون إيمانه مؤسساً على صخر الإيمان القويم والأعمال الصالحة التي لا تقهرها الشكوك الدينية والإغراءات الدنيوية لان الرب يقول: «ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السموات بل الذي يعمل إرادة أبي الذي في السموات» (مت 7: 21).
أيها الأحباء:
في أيامنا هذه العصيبة، هيمنت محبة الفضة على قلب الإنسان وفكره ونفسه وإرادته، كما قد بهره المجد الباطل، فحاد عن جادة الحق، وتنكر للمقاييس السماوية ، واخترع له مقاييس مادية دنيوية جعل منها قاعدة يستند علينها في تصرفاته وهكذا ضل سواء السبيل وتاه في غياهب الظلمة. مدعياً أن ناموس الرب صعب ويستحيل العمل به، ولكن الرب يسوع بتجسده الإلهي، وحياته على الأرض برهن على أن شريعته سهلة حيث انه طبق عملياً التعليم الذي جاء به في موعظته على الجبل وهو يوصينا قائلاً: «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا الراحة لنفوسكم لأن نيري هين وحملي خفيف»(مت 11: 28 ـ 30). فقد نهج الرب لنا الطريق المؤدية إلى الحياة السعيدة في ملكوت السموات، فجدير بنا أن نشارك تلاميذه والجموع الغفيرة التي تبعته بالصعود إلى الجبل لنسمع وصاياه الإلهية ونعمل بها. ما أسعدنا إن قرأناها ولو مرة واحدة في الأسبوع، وخاصة في هذه الأيام المقدسة أيام الصيام الأربعيني المبارك لنستحق الطوبى التي أعطاها كاتب سفر الأمثال القائل: «أما حافظ الشريعة فطوباه»(أم 29: 18) كما نستحق الطوبى التي أعطاها صاحب المزامير للرجل الصالح بقوله: «طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس، لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً»(مز 1: 1 ـ 2).
أهلكم الرب الإله لحفظ وصاياه الإلهية، والعمل بأوامره السامية، مي تكونوا ملحاً للأرض، ونوراً للعلم. وليتقبل صومكم ويستجيب دعاءكم، ويرحم موتاكم المؤمنين. وليحفظكم سالمين لتبتهجوا بالاحتفال بعيد قيامة المجيدة ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق ـ سورية
في العاشر من شهر شباط سنة ألف وتسعمائة وتسع وثمانين
وهي السنة التاسعة لبطريركيتنا