النعمة الآلهية والبركة الرسولية تشملان اولادنا الروحيين
نواب الابرشيات والخوارنة والرهبان والقسوس والشمامسة الموقرين
وجميع المؤمنين المكرمين الخاضعين للكرسي الرسولي الانطاكي
بشفاعة والدة الآله مريم وسائر الشهداء والقديسين آمين.
بعد افتقاد خواطركم العزيزة نقول: انه لامر خطير ولائق ان نخبركم ايها الاعزاء بما اتاه الله عز شأنه في كنيسته المقدسة في هذه الايام حقاً لعميقة هي احكامه التي يسوس بها كنيسه, هذه التي اسسها على صخرة الايمان القويم به, ووعدها بان يكون معها حتى انقضاء العالم مصرحاً بأن ابواب الجحيم لن تقوى عليها.
بعد وفاة سلفنا الطيب الذكر والخالد الاثر البطريرك مار اغناطيوس افرام الاول, وشغور الكرسي الرسولي بانتقاله: التأم المجمع الانطاكي المقدس في دار البطريركية بحمص, يسترشد الوح القدس باحثاً عمن يليق بأن يواصل خلافة مار بطرس الرسولية. وبعد البحث والتأمل والصوم والصلاة لبضعة ايام – وضع في خلاها دستوراً للكنيسة – شاءت احكام الله غير المدركة ان ينتخبنا بالصوت الحي في اليوم الرابع عشر من تشرين الاول المنصرم لندّبر الرعية الناطقة التي اقتناها رئيس الرعاة الصالح بدمه الزكي وعهد برعايتها الى القديس بطرس هامة الرسل وبواسطته الى الرسل والى جميع تلاميذهم الرسوليين. واذ كنا في اول الامر نتهيب من عبء هذه الرتبة السامية التي تعجز عنها مناكب الملائكة نفسها – لانها التضحية عينها نظراً للحساب الذي سيُطلب عنها – بيد اننا طأطأنا اخيراً رأسنا للدعوة العلوية وانقدنا للنعمة الآلهية لتعمل فينا عملها المجدي, وتكمّل قوتها في ضعفنا, وذلك من اجل مجد الله ورفع شأن بيعته المقدسة ليس الا. وقد تم تنصيبنا في كنيسة السيدة ام الزنار في 27 منه في حفلة مهيبة متقطعة النظر, شهدها عشرات الالوف من الناس من مختلف البلدان وفي مقدمتهم السلطات المدنية والدبلوماسيون والمطارنة ممثلو الطوائف الشقيقة. وفي تلك اللحظات الرهيبة عاهدنا الله بأننا سنحرص على كرامة الكنيسة السريانية الارثوذكسية التي نحن جزء لا يتجزأ منها, وسنسعى لاعلاء شأنها بين الملأ بكل ما أوتينا من قوة وحيوية, مترسمين خطى السيد المسيح في رعايتها, باذلين النفس والنفيس في سبيل اسعادها, ساهرين ليل نهار على حياتها وموقظين اياها لتواصل السير في طريق الكمال, جاعلين لها نفسنا مثالا يُحتذى, كما اننا عاهدنا نفسنا بأن نصون حتى الدم وديعة ايمانها القويم التي سلمها آباؤنا العظام مختومة بدمائهم الزكية, لكي نسلمه نحن ايضاً بدورنا للأجيال اللاحقة دون ان يشوبها شين ورين.
فافرحوا اذن معنا بالرب واحمدوه ايها الاعزاء لأنه هكذا سدّ ثغرة الكنيسة بحكمة سامية ودبّر امورها الرفيعة بعناية سماوية, فاختارنا بفضل منه لهذه الكرامة التي لم نكن لها اهلا, وبوأنا سُدّة بطرس العظيم, وضمنا الى سلسة بطاركة انطاكية الشرعيين. واضرعوا معنا اليه تعالى ليشملنا بعنايته ويرمقنا بعين رعايته كي نصمد في جهاد الفضائل والمثُل العليا والقيم, الانسانية, ونستطيع ان ندبر سفينة الكنيسة في هذا الخضم الهائج, ويؤتينا نصراً مبيناً من من علاه لنحقق ما تصبو اليه الكنيسة من رفعة وتقدم وازدهار ووحدة الرأي, ذلك المثل الاعلى الذي نشخص اليه بأبصارنا ونهفو اليه بقلوبنا وسنعمل لتحقيقه بأفكارنا.
ولا يسعنا الا ان نجزل الشكر لاصحاب النيافة اعضاء السنودوس الانطاكي المقدس الذين وضعوا فينا ثقتهم الغالية, حفظهم الله ووفقهم في رعاية ابرشياتهم العامرة. كما اننا نشكركم جميعاً لأنكم هيأتم لمجمعنا المقدس جوّاً هادئاً صافياً للانتخاب البطريركي, ونسأل الحق سبحانه ان يحفظكم. من جميع الآفات, ويزين نفوسكم بالفضائل, ويسكب وعليكم وعلى اولادكم خيرة بركاته السماوية ويوفقكم في جميع اعمالكم, يؤهلكم لتحافظوا على جوهرة الايمان القويم لتبقوا اولاد الكنيسة الحقيقين بنعمته وبرحمة وروحه القدوس آمين.
صدر عن قلايتنا البطريركية في حمص – سورية في 21 تشرين الثاني 1957 وهي السنة الاولى لبطريركيتنا