كتابُ
الدر الفريد
في
تفسير العهد الجديد
تأليف
العلامة مار ديونوسيوس يعقوب ابن الصليبي السرياني
مطران مدينة امد ( ديار بكر )
الجزء الاول
يحتوي على تفسير بشارات متى ومرقس ولوقا ويوحنا
عني بتنقيحه وطبعه على نفقته
« الراهب عبد المسيح دولباني السرياني الارثوذكسي »
حقوق اعادة طبعه محفوظه للطابع
المقدمة للمؤلف وهي تحتوي 28 فصلاً
(الاصحاح الأول) الاصحاح الثاني (الاصحاح الثالث) (الاصحاح الرابع) (الاصحاح الخامس) (الاصحاح السادس) (الاصحاح السابع) (الاصحاح الثامن) (الاصحاح التاسع) (الاصحاح العاشر) (الاصحاح الحادي عشر) الاصحاح الثاني عشر (الاصحاح الثالث عشر) (الاصحاح الرابع عشر) (الاصحاح الخامس عشر) (الاصحاح السادس عشر) الاصحاح السابع عشر) (الاصحاح الثامن عشر) (الاصحاح التاسع عشر) (الاصحاح العشرون) الاصحاح الحادي والعشرون) (الاصحاح الثاني والعشرون) (الاصحاح الثالث والعشرون) الاصحاح الرابع والعشرون) (الاصحاح الخامس والعشرون) (الاصحاح السادس والعشرون) (الاصحاح السابع والعشرون) (الاصحاح الثامن والعشرون)
الاصحاح الاول الاصحاح الثاني الاصحاح الثالث الاصحاح الرابع الاصحاح الخامس الاصحاح السادس الاصحاح السابع الاصحاح الثامن الاصحاح التاسع الاصحاح العاشر الاصحاح الحادي عشر الاصحاح الثاني عشر الاصحاح الثالث عشر الاصحاح الرابع عشر الاصحاح الخامس عشر الاصحاح السادس عشر
( ا )
الديباجه
الحمد لله الذي لا يجب الحمد لسواه. ولا نعمى ترتجى الا نعماه. حمداً
ما أجل شأنه. وأوسع جبروته وسلطانه
اما بعد فهذا تفسير للبشارتين متى ومرقس من العهد الجديد. الفه
العلامة ابن الصليبي حرصاً على الانجيل المجيد. وكان أحد رهبان دير
الزعفران قد نقله الى اللغة العربية في سنة 1728 ميلاديه ولكن
ضعف المترجم في اللغة العربية ذهب برونق الاصل. واذ رأينا الكثيرين
من أبناء الطوائف الارثوذكسية يتداولون تفاسير اجنبية. وكان
أولى بهم أن يعتمدوا على تفاسير أئمتهم وعلمائهم للاسفار السموية.
نهضت بنا الغيرة الدينية الى مراجعة هذا الكتاب وتنقيحه. وضبط
عبارته وتصحيحه. فبذلنا الجهد لتطبيقه على الاصل السرياني ضمناً
بمعناه الشائق. ومبناه الرائق. فجاء بحمد الله وعونه تفسيراً وافياَ شاملاً.
يجدر بكل غيور ان يكون عليه حاصلاً. فانه كنز ثمين. ولفهم كلام الوحي
خير معين. والله أسأل ان يهدينا جميعاً الى عمل يرضى اسمه القدوس. وله
الشكر دائماً الراهب عبد المسيح
دولباني السرياني
الارثوذكسي
( ب )
ترجمة مؤلف الكتاب
هو الحبر الخطير والعلامة الشهير حجة اللاهوتيين وعمدة لائمة
المفسرين مار ديونيسيوس يعقوب الملطي مطران مدينة امد ( ديار بكر )
المشهور بابن الصليبي الملقب بالمنطقي او البليغ احد ملافنة الكنيسة
السريانية العظام ومشاهير آبائها الاعلام الذي فسر الكتب العتيقة
والحديثة التفسير المستطاب الذي يبهر العقول والالباب لمعت زهرة وجوده في مدينة
ملاطية احدى مدن أرمينية الصغرى وهي منبت عدد وفير من مشاهير
السريان وذلك في أوائل القرن الثاني عشر للميلاد ونشأ على حب العلم
والتقوى حتى نال فيها القدح المعلى. فلما قدح زناد فضله وانجلت انوار علمه
رقاه البطريرك اثناسيوي الثامن الانطاكي مطراناً على مدينة مرعش( بنواحي
حلب ) باسم ديونيسيوس نحو سنة 1149 م ثم ضم اليه مجمع دير مار برصوم
ابرشية منبج سنة 1155 – وحدث في السنة التالية هي سنة 1156
ان الارمن اغاروا على مرعش ونهبوها وسبوا اهلها وبينهم السيد صاحب
الترجمة الذي لجأ هارباً لدير مار قليسوره راجلاً. ونظم في ذلك ثلاث قصائد.
وفي سنة 1165 عزم البطريرك المذكور على اتخاذ ماردين كرسياً له دون
أمد واراد ان ينقل الى هذه الحبر صاحب الترجمة فأبى. وفي السنه ” التاليه “
شهد مجمع انتخاب البطريرك مار ميخائيل الكبير في دير مار برصوم
( ت )
وكان من اكبر الراغبين فيه واخص اعوانه على محافظة ” القوانين الكنسية “.
وحضر حفلة رسامته مع جمهور الآباء الذين كانوا ثمانية وعشرين. وقيل
اثنين وثلاثين مطراناً. وذلك في 18 تشرين الاول سنة 1166. وصحبه
الى دير مار حنانيا بجوار ماردين. حيث نقل كرسيه البطريركي. وعند
ما اقيمت حفلة جلوسه على الكرسي ارتجل السيد ديونيسيوس خطبة شائقة
رصعها بدرر التهاني ووصف فيها ما تحلت به نفسه الزكية من سامي المناقب.
وكان ذلك يوماً مشهوراً
وايد البطريرك الجديد انتخاب سالفه للسيد صاحب الترجمة لكرسي
امد فاطاع وانتقل الى تلك الابرشية الواسعة. وغلبت نسبته اليها واحسن
تدبيرها خمس سنوات حتى اواخر سنة 1171 التي فيها غابت شمس حياته
الساطعة في تشرين الثاني عن اثنتين وعشرين سنة في رئاسة الكهنوت
فجل الخطب بفقده على الكنيسة جمعاء وبكته عيون العلم والعلماء. واودع
جثمانه الطاهر كنيسة العذراء الكبرى بامد ولا يزال ضريحه المنور مكرما
يزاد شان ضريح البررة والاولياء. لا زالت سحائب الرضوان ترطب تربه
ومأواه وملائك الرحمان ترفرف فوق مثواه.
كان علامتنا بن الصليبي فريد عصره ووحيد دهره علماً وادباً وفضلا وفضيلة
وقال العلامة مار غريغوروس ابن العبري في تاريخه: كان ديونيسيوس ابن الصليبي
علامة منطقيا بل كوكب عصره فانه صنف كتبا كثيرة. وفسر العهدين وكتب الملافنة
ومئات من مقالات اوغريس وكتب المنطق تفسيراً محكما – وقال
أيضا ان العلامة مار ميخائيل الكبير الف مقالة ضمنها سيرة الملفان
( ث )
صاحب الترجمة ومآثره المبرورة وتآليفه المشهورة وقد حكمت له الكنيسة
انه أحد معلميها ودرجت اسمه بين الآباء والملافنة في كتاب سفر الحياة
اما مصنفاته فهي كثيرة تتناول العلوم اللاهوتية والفلسفية والفقهية والتاريخية
والادبية وقد وجه اغلبها الى الملفان الفاضل الراهب صليبا القسيس القريكري
المتوفي سنة 1164 واشهرها
( 1 ) كتاب تفسير العهد القديم
( 2 ) كتاب تفسير العهد الجديد أي الاناجيل الاربعة والابركسيس
والرسائل والرؤيا وكلاهما سفران جليلان كبيران مكتوبان في عدة مجلدات
فسر فيها الكتاب المقدس تفسيراً مطولا حرفيا ورمزيا روحيا اعتمد في
ذلك على تفاسير اشهر ملافنة الكنيسة كالقديس فم الذهب وكيرلس واثناسيوس
الاسكندريين وباسيليوس القيسري وغريغوريوس النزينزي ومار افرام السرياني
ومار يعقوب السروجي وفيلكسينس المنبجي وساويرس الانطاكي وماروثا
التكريتي ويعقوب الرهاوي واندراوس الاورشليمي. وزوراع النصيبيني ودانيال
الصلحي ويؤانس الداري وموسى الحجري وغيرهم
( 3 ) كتاب المباحث. وهو قسمان : الاول في اللاهوت. أي التثليث
والتوحيد والتجسد الالهي. والرد على الخلقيدونيين والخياليين والبحث في الملائكة
والشياطين والنفس الناطقة والكهنوت والكائنات أي الطبيعيات والفلكيات.
والفردوس والقيامة والاسرار البيعية وما يتعلق بها
( 4 ) القسم الثاني من كتاب المباحث في المجادلات ودحض
الهرطقات : في الرد على الاسلام واليهود والنساطرة والخلقيدونيين
( ج )
والارمن في بعض عوائدهم وهذان الكتابان الجليلان مكتوبان في جملة مجلدات كبيرة
« 5 » كتاب تفسير ملافنة الكنيسة
« 6 » كتاب تفسير مئات من مقالات اوغريس.
« 7 » كتاب مختصر في تاريخ الآباء. والقديسين والشهداء
« 8 » كتاب خلاصة القوانين الرسولية
« 9 » كتاب في العناية الالهية رد به على السيد يوحنا مطران ماردين
( 1125 – 1126 )
« 10 » مقالة فند فيها رسالة كيورك جاثليق الارمن في الرد على
العلامة البطريرك مار يوحنا الشهير بابن شوشان
« 11 » كتاب صغير في الرسائل
« 12 » كتاب قوانين التوبة والاعتراف
« 13 » كتاب تفسير رتبة القداس الفه باقتراح السيد اغناطيوس
مطران اورشليم سنة 1169
« 14 » كتاب تفسير المنطق
« 15 » ثلاث نوافير للقداس مطولة ومختصرة. ويضاف اليها ثلث
صلوات تتلى في قداس خميس الاسرار والثانية في قداس سبت النور
والثالثة عند كسر القربان في القداس
« 16 » جملة ميامر شعرية منها قصيدتان في سبي مدينة الرها
وثلاث في خراب مدينة مرعش سنة 1156 وقصيدتان بالبحرين السباعي
( ح )
والاثني عشري في ما عرض للمفريان اغناطيوس الثاني مع الاسلام بمكر القس
ابراهيم التلعفري
« 17 » مقاله رد بها على نرسيس اخي جاثاليق الارمن سنة 1159
« 18 » مقالة في تركيب جسد الانسان
« 19 » خطبة فاه بها في زياح البطريرك ميخائيل الكبير في دير مار حنانيا
الذي هو دير الزعفران سنة 1166 والى غير ذلك من الطلبات والشروح
في الطقوس البيعية وقد صنف مؤلفاته هذه باللغة السريانية التي يعد فيها
من اكبر الكتبة البارعين ولعله وضع غير هذه الكتب طوى عنا
الزمان أثره هذا واذا تأملنا ما وصل الينا من تصانيفه التي نهتدى بنبراس
فوائدها عرفنا له الفضل الغزير والتضلع من العلوم المتوعه والمكانة السامية
بين مشاهير المعلمين والكنائسيين وانصار المعارف في شرقنا العزيز افادنا
الله بعلمه وحكمته ونفعنا بصالح دعواته وبركاته
المقدمة للمؤلف وهي تحتوي 28 فصلاً
الفصل الأول
في كلام المؤلف
أنه بعدما أكملنا تفسير التوراة والأنبياء مختصرا حسب الامكان. أتينا لتفسير الحديثة منها ولم نقل من ذاتنا شيئا. بل انما نحن نبني على أساس البانين قبلنا بناء روحيا فائدة للنفس. ثم لما تأملنا في تفسير الانجيل المفسر من المعلمين السالفين. أعني بهم القديس أفرام السرياني والقديس يوحنا فم الذهب والقديس كيرلس. وبعدهم موسى ابن الحجري ويوحنا اسقف دارا وغيرهم كثيرون من المعلمين . ورأينا أنه لغير الممكن ان نجمع تفاسيرهم كلهم في كتاب واحد كيلا تخرج الكلمة خارجا عن الحد والقياس فتحوجنا الى أسفار وكتب كثيرة. فأردنا قطف المعاني المخفية في مضمون تفاسيرهم بالاختصار لئلا نجعل مطولاتهم ثقيلة على السامعين كالشبع والاكل الكثير الذي يثقل المعدة ويملأ البطون ولكي يستيقظ الغافلون والكسالى للقراءة والهذيذ المعتدل. وأنت أيها الراغب مع السامعين صلي علي أنا يعقوب ابن الصليبي فاني حسب طاقتي عملت المطلوب. أما الآن فنأخذ في ايضاح المعنى المضون في الفصول المرتبة من المعلمين قبل تفاسيرهم.
الفصل الثاني
في معرفة الله
من نوعين يعرف الناس ان الله موجود: الأول من الطبيعة والثاني من الكتاب. أمّا من الطبيعة فإنّ المعرفة مغروسة في بني البشر أنّ الله موجود. وأنه خالق كل المخلوقات. بل ويعرف وجود الله من مباحث منطقيّة وطبيعيّة بأنّ الموجود إمّا أزلي وإمّا زمني. أمّا الأزلي فيدل على ما ليس له بداية ولا نهاية وهو من صفات الله وحده. أمّا الزمني فيدل عمّا قد بدأ وينتهي كالمحسوسات. وما لا ينتهي كالمخلوقات المعقولة.
ان العالم زمني ومخلوق. ويُعرف ذلك من مواضيع كثيرة منها: أنّ العالم هو جسم والجسم ليس بأزلي. وانّ العالم هو محدود ومركب ومحسوس وينقسم إلى أجزاء وقابل الأعراض والتغيير. ويحوي الأضّداد ومحصور في مكان، والذي تُطلق عليه هذه الصفات ليس بأزلي، فإذاً العالم ليس بأزلي والذي ليس بأزلي هو زمني ومخلوق وله خالق أزلي هو الله الذي ليس له بداية ولا نهاية. فان شاهدنا بيتاً فنعلم ان له بنّاء قد بناه ولو لم يكن البنّاء قريباً وان رأينا كرسياً أو سفينة فنتصور ان صانعهما هو النجار. وكذلك لمّا نرى المخلوقات فنعلم ان الله خالقها. وهكذا إذ نرى العالم محفوظاً ومصاناً والأضّداد فيه موجودة فنعلم ان الله حارسه وحافظه بقدرته القادرة جلّ شأنه.
أما من الكتاب فهو كما قال الرسول بولس: ” لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر (رو 1: 19.(
الفصل الثالث
في ان الله واحد في ثلاثة أقانيم
إن الله واحد لا أكثر. وهذا يُعرف من أن الواحد لا ينقسم أما الاثنان وما فوقهما فتنقسم. أمّا الله فلا ينقسم. فإذاً واحد هو الله لأن الواحد لا ينقسم. وأيضاً الواحد لا يقع تحت العدد أمّا الاثنان وما فوقهما فتقع تحت العدد. والله لا يقع تحت العدد. فإذاً واحد هو الله. ثم ان الله تامّ وكامل بالقوّة والصلاح والعدل. لأنه حيث لا يوجد تغيير ولا نقص لا يوجد التعدد في الذات. وبالعكس حيث يوجد التغيير يوجد التعدد. ثم ان هذا الواحد هو أقانيم ثلاثة والدليل على ذلك معلولاته فهي: أولاً ممكنة الوجود لذا يجب ان يكون علّتها واجب الوجود. ثانياً أن منها ما هو ذو حيوة فيجب ان يكون هذا معلولاً لعلّة ذات حيوة. وثالثاً ان منها ما هو ذو نطق فيجب ان يكون هذا معلولاً لعلّة ذات نطق. فينتج من ذلك ان الله واجب الوجود وبالتالي ذو حيوة ونطق ولذا يتميز هذا الواجب الوجود بأنّه علّة وبأن الحيوة والنطق معلولان له والعلّة إمّا تتقدم معلولها كتقدم الصانع على صنعته والوالد على مولوده. أو تلازم معلولها كملازمة النار للحرارة والنور للشعاع.
الفصل الرابع
في ولادة الابن من الآب أزلياً وبثق الروح
ان كثيرين يقولون ان الله لم يلد. فنجاوب قائلين ان الولادة نوعان: أزليّة وزمنيّة. فولادة الابن من الآب أزليّة. وأنه لا يُطلق على الله ولادة إنسانية. بل نقول انه وَلَدَ الابن وبَثَقَ الروح منذ الأزل. وذلك كولادة الشعاع من النور والكلمة من العقل. وقد تضمن الكتاب هذا المبدأ القويم بقوله: ” بكلمة الرب خُلقت السماوات وبروح فيهِ جميع قواتها “(مز 33: 6).
الفصل الخامس
في سقوط الشيطان
مثل الحجارة التي تنهال من رأس الجبل متدحرجة إلى اسفل فتصطدم بحجارة كثيرة غير ثابتة فتجرفها معها، هكذا الشياطين كونهم غير مؤسّسين في الخير والصلاح باختيارهم، فبحريتهم مع رئيسهم اللعين تهوّروا ونزلوا إلى أعماق الخطيّة.
الفصل السادس
في سبب خلقة الإنسان
انه لا يليق وجود النور بلا ناظر. ولا مجد بلا شاهد. ولا خيرات بلا تلذّذ. من أجل هذا قد خلق الإنسان ليتلذّذ في الخيرات الإلهية. ولذلك قد خلقه على صورته ومثاله. أي انه ناطق ومسلط على ذاته وحكيم وحر. بل يشبهه بما انه محباً للخيرات والفضيلة والرحمة.
الفصل السابع
في حسد الشيطان لآدم
لماذا حسد الشيطان آدم ؟ ألانه رأى ان آدم الترابي أُكرم بصورة الله تعالى فحسده. ولأنه لم يقدر ان يهلكه فعرض عليه مشورة. وبغواية الحية الطاغية سلبه البركة فأدخل الخطية عوض البرارة.
الفصل الثامن
في تغيير الإنسان عن الخير والصلاح
ان الإنسان منذ سقط في الخطية بغواية الحية تغيّر عن الخير والصلاح بإرادته واختياره، شأنه شأن إنسان يُطبق عينيه في رابعة النهار فيرى ذاته في الظلمة. ان الله قد خلق العين ولم يخلق العمى. خلق النظر لينظر الإنسان لا ليكفّ نظره. كذلك قد أعلن الفضيلة وأمر بالابتعاد عن الشر .
وان قيل ان كان الله عارفاً ان الإنسان سوف يسقط فلماذا خلقه ؟ فنجيب ان الله جلّ شأنه خلقه ليعمل الصالحات، أما السقوط والمرض والشر والموت فهذه كلها باختيار الإنسان، وان هذه الضربات كانت ولا تزال ثمرة المعصية وتأديباً عنها وهي كالعقاقير المسهّلة تشفي الجسد الضعيف. وإذا كان الله تعالى عارفاً ان آدم سوف يسقط فقد كان عارفاً أيضاً انه سيأتي ويخلصه ويُرجعه إلى رتبته الأولى.
الفصل التاسع
في تجسد الابن
كثيرون يسألون لماذا تجسّد الابن لا الآب أو الروح ؟ فنقول لكي لا يصير نقصاً في وصف خواص الأقانيم الآب والد والابن مولود والروح منبثق. فالابن الذي خاصته الولادة قد وُلد وتجسّد ودُعي ابن الله وابن البشر. ونقول أيضاً أن الابن الكلمة قد وُلِد من الآب مثل كلمتنا من العقل. وكما ان الكلمة تُكتب وتتجسم في القرطاس، لا العقل الذي قالها ولا الروح الذي منه يخرج، هكذا الكلمة قد تجسّد لا العقل أي الآب ولا الروح الذي يخرج منبثقاً من الآب. أما كيفية الولادة فنقول انه لم ينتقل من مكان إلى مكان أو ترك مكاناً واحداً وحلّ في مكان آخر، فذاك خاصة الأجسام المحدودة، لكن ذاك الذي كان خفيّاً صار ظاهراً بالجسد، وغير المنظور صار منظوراً. وكمثل أشعة الشمس التي تدخل من المنافذ إلى البيت ويمتلئ البيت منها، وهي موجودة في السماء وفي البحار وفي البيت الذي دخلته وفي كل مكان، هكذا الكلمة لما حلّ في البتول كان في السماء وفي البتول وفي كل مكان. وتطلق لفظة “ابن” عادة على المخلوقات المحدودة لا على الله. ويقول البعض كيف نزل وحلّ في البتول وأرسل الله ابنه وصار من امرأة ؟ فنقول أنها ليست إرادة الله التي حلّت في البتول بل كلمة الله، فيوحنا الإنجيلي يقول: ان الكلمة صار جسداً وحلّ فينا (يو 1: 14). ويقول بولس الرسول: لمّا جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس (غل 4: 4(. وقال عنه أيضاً انه وُلد بالجسد، وبقوله وُلد بالجسد قد بيّن أن له ميلاداً آخر. قال جبرائيل الملاك للعذراء: قوّة العلي تحلّ عليك (1: 35)، ويعني الله الكلمة. إذاً فليخز الهراطقة القائلون ان إرادته فقط قد حلّت في البتول.
الفصل العاشر
في نقاء الجسد
كثيرون يقولون كيف لمّا اتّحد الكلمة بالجسد لم يتدنس ولا توسخ ؟ فنقول كما انه تعالى قريب من كل الأطفال المخلوقين في بطون البشر والحيوان يصوّرهم ولا يتدنس من مخلوقاته، هكذا لم يتدنس ولا توسخ لما حلّ في البتول. ونقول أيضا ان الله على السويّة قريب وبعيد من السماء ومن كل المخلوقات وهو ضابط الكل. فإن كان قريباً من البعض ومبتعداً من البعض لئلا يتدنس فترى قواه وطبعه مركبة. ونقول أيضاً ان الروحانيين لا يمكن ان يتدنسوا من الأجسام، ولا الملاك يتدنس إذا كان قريبا من الأمكنة الدنسة، ولا النفس يضرّها وسخ الجسد ما عدا خطيته، ولا الشمس تتوسخ بعبورها على النجاسات، ولا النار تنال شيئاً من المادة النجسة مهما كانت نجاستها. فان كان الرجال الروحانيين والجسدانيين المنظورين هكذا، فكم بالأحرى الخالق الذي لا يمكن ان يتنجس بل يطهّر ويقدّس المدنسين.
الفصل الحادي عشر
في عدم تغييره في الجسد
يسألون هل باتحاده تعالى مع جسدنا قد أصابه تغيير ؟ فنقول لا، لأنه كما ان نور الشمس لا يتغير ولا يلحقه نقص إذا اتّحد بلوح البلور، وكما ان المعلم لا تنقص معرفته عندما يتنازل مع الصغار، وكما ان النفس لا يصيبها تغيير عندما تتحد بجسدها، وكما ان الحديد لا يغير النار باتحادها معه، هكذا الله عندما اتّحد بالجسد لم يتغير.
الفصل الثاني عشر
في ان الخلاص بالمسيح وحده
يسأل البعض لماذا لم يخلّصنا الرب بواسطة ملاك أو رسول بل خلّصنا بذاته ؟ فالجواب انه لم يكن في الإمكان خلاص الجنس البشري بواسطة إنسان خاطئ وعبد للخطيئة إذ “الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله ” كما يقول الرسول بولس (رو (3: 23 ولم يكن هذا الخلاص ممكناً بواسطة ملاك لأن الجبلة إذا فسدت لا يقدر ان يصلحها إلا جابلها، وذلك كمثل إناء زجاجي إذا انكسر فلا يمكن تصحيحه من بنّاء أو نجار، بل الذي صنعه أولاً. وهكذا نحن لمّا سقطنا في الخطية لم يقدر ان يقيمنا من السقطة إلا الله الذي خلقنا.
الفصل الثالث عشر
في كيفية تجسدالكلمة
ان الله تعالى خلق الإنسان، وإذ اخطأ وزلّ نزل الله وتجسّد ليخلّصه. ويبين الرسول بولس ذلك قائلاً: لأن البنين اشتركوا في اللحم والدم وهو أيضاً كذلك (عب 2: 14)، إذ بقوله البنين يعني الأنفس. وقد جرت عادة الكتاب ان يذكر الكل ويريد منه الجزء. فكما تتّحد النفس بالجسد وتصير معه اقنوماً واحداً وطبيعة واحدة، هكذا الكلمة اتّحد مع الجسد والنفس وصار إنساناً وقبِل الموت عوض الموت لكي بموته يُميت الشيطان. لأنه كما ظهر هذا القتال بجسم الحية وقتل أبوي البشر، كذلك ظهر ابن الله بجسم إنسان وأحيا الإنسان الميت وقهر الذي أماته. غير ان البعض يقولون ألم يلحق الكلمة المتأنس نقص بقبوله الآلام والموت ؟ الجواب كلا، لأن تواضع الملك في مساجلة خدامه يزيده رفعة وشرفا، وكذلك الجبار إذا أسلم ذاته للقيود بإرادته فلا يقال ان قوته نقصت. فاذاً تواضع الكلمة المتجسّد وقبوله ضعف الضعفاء زاده مجداً ولم ينله نقصاً البتة سواء كان على الصليب أو في القبر أو في الهاوية، فالفساد لم .يدن منه أبداً
الفصل الرابع عشر
في لماذا لم يخلصنا بالقوة بل بالموت
لماذا لم يخلصنا بالقوة بل بالموت ؟ الجواب لأنه تعالى عادل والعدل يطلب تنفيذ الحكم على آدم بالموت إذ خالف الوصية. وقد قام المسيح بموته مقام آدم وأوجب له الحياة. وقد وجبت له الحياة لأن الذي مات عنه قدوس وبلا خطية ومثله مثل طبيب فطن يتمارض لكي يرشد المريض الى العلاج المنقي الشافي.
الفصل الخامس عشر
في لماذا لم يأتي المسيح من الابتداء
لماذا لم يأت المسيح من الإبتداء ؟ الجواب لأنه كما ان الولد لا يُعطى له اللحم مأكلاً حتى يكتمل، هكذا لما بلغ جنسنا حد الكمال في المرض جاء إليه. فبعدما بلغ سيل الخطايا الزبى وفاض كيلها لم يبق نوع من أنواع الشرور لم يرتكبه الناس عند ذلك جاء الطبيب لخلاصهم.
الفصل السادس عشر
لماذا لم تمت الخطية
يقولون كيف لا نزال نتلاطم بأمواج الخطية بعد الشفاء ؟ نقول ان الحية المرضوض رأسها لا تموت في الحال فإن ذنبها لم يزل يتحرك، هكذا الشر وان كان قد بطل بقوة ربنا لكنه ما زال يضرّ العالم ببقاياه وفضلاته.
الفصل السابع عشر
في لماذا لم يجذب الله الناس إلى الإيمان غصباً
ان الله خلق الإنسان حراً وليس من الحكمة والعدل ان ينزع من الإنسان الحرية التي منحها له وهو الحكيم العادل ويجعله في منزلة الحيوانات التي تُساق إلى العمل قسراً.
الفصل الثامن عشر
في غلبة الشيطان
يسأل البعض كيف قُتل الشيطان وبطلت الخطية ومات الموت ؟ والجواب ان موت الشيطان على ثلاثة أنواع: أولاً عذابه كقول الكتاب: ” ان النفس التي تُخطئ هي تموت ” (حز 18: 20)، فمن المعلوم ان موت النفس هو عذابها، وهكذا مات الشيطان بالعذاب لان تشامخه قد هلك وباد ورذلت عبادة الأصنام. ونقول أيضاً قد مات الشيطان لأن قوته التي أوجدت الشر قد قتلها المسيح وبيّن الخطيئة وفضحها أنها خطية لكي ينفر الناس منها. وإن قيل إن كان الشيطان ميتاً فكيف يعذب الناس بتجاربه ؟ فنقول قد سمح الله بوقوع التجارب بالفكر تارة والفعل تارة أخرى لتطهيرنا وتشريفنا، كما سمح بوقوع أيوب الصدّيق في التجارب. ثم نقول ثالثاً قد بطلت الخطية لأنها محيت وغفرت وتطهّرنا منها بدم الفادي. والأدوية الماحية للخطايا هي التوبة الصادقة والأسرار المحيية بعد الإيمان. أمّا الموت فقد أبطله المسيح بموته وكسر قوته ومثل حيوان أو ثعبان ردي سحق رأسه. وحقاً قد بطل الموت، لأن ربنا أقام جسده العديم الفساد وصار باكورة الراقدين جميعا.
الفصل التاسع عشر
في الغاية من المعمودية
لماذا أعطانا المعمودية ؟ الجواب لكي يغسلنا من أوساخ الخطيئة ونولد بها ولادة روحية، لان الميلاد الجسدي يؤول إلى الموت وميلاد المعمودية يمنح الحياة. فان تغطيسنا ثلاث مرات في جرن المعمودية دلالة على نزول سيدنا ومكوثه في القبر ثلاثة أيام وصعودنا من الجرن دلالة على سر قيامته، لأنه دُفن في الأرض ونحن نُدفن في الماء، وان نسبة الماء إلى الأرض قريبة لاختلاطهما ببعض.
الفصل العشرون
في التناول من الجسد والدم الكريمين
سأل المؤمنون لماذا نتناول الجسد والدم ؟ والجواب ان النار حين تتّحد بالحديد تفيده قوة فيضيء ويُحرق مثلها، هكذا المسيحي إذا تناول من جسد المسيح ودمه يتّحد بالمسيح ويحيا به وينال عدم الموت. ان الله الكلمة باتحاده بالجسد لم يغير الجسد إلى طبع اللاهوت، أما الخبز والخمر فباتحاد الكلمة بهما يصيران جسد ودم عمانوئيل المأخوذ من أحشاء البتول حقا.
الفصل الحادي والعشرون
في رد بعض اعتراضات
زعم البعض أننا غيّرنا بعض القضايا في الإنجيل المقدس. فالجواب ان هذا الزعم باطل والكتاب المقدس سالم من التحريف. والدليل على ذلك وجود النسخ القديمة المخطوطة قبل عصر محمد بعدة قرون. ثانياً وجود معظم نصوص هذا الكتاب في مؤلفات آباء الأجيال الأولى المسيحية حتى ظنّ البعض انه من الممكن ان نحصل على أسفار العهد الجديد من تلك المؤلفات. أما القول المعترض أننا قد حوّلنا الكلام عن موضعه كما ورد في القرآن، فهذا الكلام كان توبيخاً لليهود الذين كانوا يغالطون محمداً وينكرون عليه بعض النصوص التي كان يوردها لهم من توراتهم، وإلا فليبيّنوا لنا من هذا الذي غيّر في الإنجيل وفي أي زمان ولأي سبب وأية كلمات غيرنا. فان قلتم ان التغيير كان من الرسل فالقرآن يشهد ان الرسل كانوا رجالاً فاضلين، وفي أي زمان غيرنا، هل كان في زمان حكمكم ؟ وان كنا غيرنا من أجل فوائد جسدية فكان الأولى بنا ان نغيّر قوله تعالى بيعوا أمتعتكم وأعطوا المساكين، ومن طلب منك فلا ترده، ومن ضربك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر. وان نغير العبارات التي يشتمّ منها الإهانة والتحقير للمسيح مثل قوله: فصلّى يسوع وجرت دموعه هاطلة، وضُرب بالسياط وعرقه كان يجري كنقط الدم. لقد صار معلوماً انه لم يتغير في الإنجيل شيء وهو ذا مكتوب في كتابكم ” فان ارتبتم في أمر من الأمور اسألوا القارئين في الكتب من قبلكم “. أرايتم كيف ان كتابكم يرشدكم إلينا وأيضا نبيكم بقوله: ” قال الله تعالى أننا قد أعطينا عيسى الإنجيل الموجود فيه نور وحياة وهداية وإرشاد إلى طريق الحق والصواب “. فإذاً كان فيه نور وحياة فمن هو الذي يهرب من النور إلا الأعمى ؟ ومن هو الذي يهرب من الحياة إلا الميت ؟ ومن هو المائل عن الطريق إلا السارق ؟ ومن هو المائل عن الحق والصدق إلا الكذاب. فصادقٌ هو إنجيلنا خصوصاً وأنتم شاهدون على صدقه وهو بريء من الشبهات وأوامره شافية لخطايا النفس وأوجاعها. فالإنجيل المقدس اخبرنا عن المزمعات والذين قبلوه لم يقبلوه خوفاً من السيف بل لأنهم رأوا العجائب الباهرة الإلهية.
الفصل الثاني والعشرون
في رد مزاعم اليهود
ان اليهود يزعمون أننا زدنا على أقوال الله وحِدنا عن قوله: ” لا تزد على الناموس ولا تنقص “. ويعترضون علينا بأن الإنجيل هو زيادة. فنجيبهم قائلين: انتم أيضا قد زدتم كتب الأنبياء على الناموس. فان أجابونا ان النبوًات تناسب التوراة فنجيبهم نحن أيضاً ان الإنجيل كذلك يناسب التوراة ويكمّلها. وان قالوا ان الرسل كانوا صيادين فنجيبهم ان الأنبياء كذلك كانوا رعاة، ولأن الناموس ليس بكاف ليكمل الناس في البر فلزم الأمر للإنجيل لينير العالم قاطبة. ثم يقولون انه يوجد فيه مضادات فنجيبهم ان المضادات المزعومة هي بحسب الظاهر مثل قوله في كتابكم: ” انك في اليوم الذي تأكل من الشجرة موتاً تموت ” (تك 2)، مع انه مات بعد تسع مائة وثلاثين سنة (تك 5).
الفصل الثالث والعشرون
في أنواع الناموس
يسأل الناس: بكم نوع يسمى الناموس ؟ والجواب يسمّى الناموس بثلاثة أنواع: أولا طبيعي، وهو التمييز ومحكمة الذمّة الموهوب لبيت آدم مختوماً في قلوبهم. ثانياً كتابي، وهو التوراة القائلة لا تقتل لا تزن.. الخ. ثالثاً ناموس المسيح القائل: ومن ضربك على خدك… الخ، وهو ناموس النعمة والفضل والكمال. فالعهد القديم قد أُعطي في جبل سينا بعد خروج الشعب من مصر بالدخان والنار لأجل قساوة الشعب. أما العهد الجديد فقد أعطي في العليّة بعد خروج الشعب من الخطيئة في الساعة الثالثة من نهار يوم الاحد. فالعهد تفسيره ميثاق وعادة يبتّ بسفك الدم، وقد بتّ العهد الجديد بسفك دم الابن. ومعنى الانجيل بشارة مفرحة فقد تبشّرنا ان المسيح نزل الى الارض وأبطل الموت وأظهر الملكوت. والانبياء نادوا صارخين ان الرب سوف يعطي كلمة البشارة بقوة عظيمة. اما الانجيلي فمعناه المبشر المفرح. ومعنى الانجيل قصة تأنّس الكلمة وبشارته وموته وقيامته. أما كتاب الرسل ورسائلهم فتحتوي على إيضاح الانجيل والبشارة به.
الفصل الرابع والعشرون
في بداءة الإنجيل
ان ابتداء الإنجيل هو العماد. قال القديس فيلوكسينوس ان السيد المسيح من الميلاد إلى العماد تدبّر تدبيراً ناموسياً. فالعماد هو بدء الإنجيل. قال باسيليوس في مقالته ضدّ اونوميوس: بدء الإنجيل هو كرازة يوحنا المعمدان التي سمّاها مرقس بدء الإنجيل. وقد اختار ربنا أناسا ساذجين وجاهلين حتى لا يُنسب عمل العجائب لأصحاب البلاغة والفصاحة المعظمين. وهكذا انتخب الله الآب في القديم موسى النبي وداود النبي راعيان وعاموس النبي راعي مواشي. وقد انتخب الله الأنبياء رعاة لأنهم في أرض اليهودية كانوا يرعون قطيعاً مخصوصاً، أما في العهد الجديد فقد اختارهم صيادين مرسلين إلى كل المسكونة ودعاهم شبكة جامعة من كل جنس.
الفصل الخامس والعشرون
لماذا الأناجيل أربعة
ان الإنجيليين الأربعة كتبوا الإنجيل لأنهم كانوا مزمعين ان يبشروا أقطار المسكونة الأربعة. وهذا العدد يناسب عناصر الطبيعة الأربعة، والأنهر الأربعة (تك: 2)، والأرواح الأربعة الحاملة كرسي العظمة التي منها: الاسد دلالة على الشجاعة والقوة والبطش، والنسر دلالة على سمو المعاني ووفرة المعرفة والحكمة والأسرار، والثور دلالة على الارتباط والاتحاد والمحبة، والانسان دلالة على صورة الله ومثاله، أما البكرتان الواحدة داخل الأخرى فهما سرّ العهدين القديم والحديث، والأعين سرّ المعرفة الكاملة التي قد زرعها الرسل في العالم، والإنسان الذي فوق المركبة دلالة على الله الكلمة الذي كان مزمعاً ان يتجسد.
الفصل السادس والعشرون
في كاتبي الأناجيل
كتب الإنجيل اثنان من الرسل هما متى ويوحنا، واثنان من المبشرين هما مرقس تلميذ بطرس ولوقا تلميذ بولس. فلم يكتب الإنجيل أربعة من الرسل لئلا يدخل صغر النفس المبشّرين فيقولون لسنا شركاء مع الرسل في الكرازة ولا في الكتابة. أما من هو جامع الأناجيل الأربعة في كتاب واحد ومرتّبها. فقد قال قوم انه اوسابيوس القيصري الذي رأى ان أمونيوس الإسكندري قد خلط في الإنجيل وغيّر عدد النسب الطبيعية والسنيّة مثله مثل تيطانوس الهرطوقي المحروم. فعزلَ أقوال الأربعة المخلوطة ورتّبها متنحية ومنقسمة إلى فصول. وقال آخرون ان يوحنا الإنجيلي رتب الثلاثة البشائر في كتاب واحد وأضاف إليها كتابه. لقد كتب متى إنجيله قبل ان ينتشر الرسل، أما مرقس ولوقا فقد كتبا بعد ان انتشروا، وعندما وصلت الكتابات إلى المؤمنين طلبوا من يوحنا ان يكتب هو أيضا عن جميع ما هو لازم وضروري. فلما قام الاضطهاد على الرسل ورجم اسطفانوس وقتل يعقوب، انتشر الرسل ليكرزوا بالإنجيل بين الشعوب. أما العبرانيون الذين آمنوا وعاينوا الأمور، فقد طلبوا من متى ان يدوّن لهم في سفر ما قاله لهم بالفم. وسلك طريقه مرقس ولوقا بدون ان يطلعا على ما دوّنه، أما يوحنا فقد كتب عن اللاهوت وعن أعمال المسيح منذ عماده. أما غرض كتابتهم فهو التبشير بمجيء ربنا بالجسد وبالخيرات التي صدرت لنا منه. ان متى كتب إنجيله في بلاد فلسطين بالعبراني. ومرقس كتبه باللغة اللاتينية في رومية والقديس يوحنا فم الذهب قال ان مرقس كتب انجيله باليوناني في مصر. ولوقا كتبه باللغة اليونانية في الاسكندرية. ويوحنا كتبه باللغة اليونانية في افسس. وبثلاث لغات كُتب فوق الصليب، بالعبراني واليوناني والروماني، لأن هذه اللغات كانت دارجة ومستعملة حينئذ في عاصمة اليهودية. ان لوقا رتّب حوادث المسيح وتعاليمه منسّقة وراء بعضها بإنتظام وهكذا أيضاً يوحنا ولو انه ترك اشياء كثيرة في الوسط فقد قالها زملاؤه. أما متى فلم يفعل هكذا بل وضع تعاليم السيد وراء بعضها رغم اختلاف زمان النطق بها بخلاف زملائه الذين وضعوها في فصول مختلفة ما عدا مرقس الذي نسج على منوال متى. ولذلك لم يفهم الناس غرض الانجيليين وساقهم الوهم والظن إلى انهم اختلفوا عن بعضهم بعضاً ونفى احدهم ما أثبته الآخر. وقد قلنا آنفاً ان ابتداء الإنجيل هو العماد، لذلك ابتدأ مرقس من عماد المسيح. أما متى فقد ابتدأ مخبراً عن نسبة القبائل ليبيّن للعبرانيين ان المسيح قد ظهر من نسل داود بالجسد، حسب نبوّات الأنبياء عنه. أما لوقا فقد ابتدأ من ميلاد يوحنا لكي يوبخ الذين اقتربوا بقلّة اعتبار إلى انجيل السيد المسيح. أما يوحنا فقد طار كنسر فوق العقول البشرية ليعرفنا ان زملاءه ولو انهم كتبوا ان المسيح انسان لكنه إله، يكرّم كما يكرّم الآب لانه تأنّس بالجسد ومات وقام بالجسد. وقد آمن الناس وصدّقوا كرازتهم لاجل العجائب التي كانوا يعملونها. ان يوحنا تكلم عن الروحيات ورفقاءه تكلموا عن العالميات. فمتى كتب لليهود واجتهد ان يخبرهم عن ميلاد المسيح وتردده بالجسد. أما مرقس فاهتم بالكتابة ضد سيمون الساحر، الذي كان يظن ان تدابير المسيح خيالية، لذلك أثبت الجسدانيات. وقيل ان مار بطرس امره ان يكتب عوضاً عنه ظاناً انه اذا كتب هو فيستحقر الناس كتابة رفقائه لقول المسيح له: ” أنت هو بطرس “. لهذا السبب أوصى تلميذه ان لا يتغافل عن ذكر كفره بمعلمه المسيح مقراً برحمة الله عليه انه قابل التائبين. وهكذا لوقا فقد أمره بولس ان يكتب لانه كان متشبهاً بمعلمه فكتب هذا مطوّلاً ليقوّي إيمان تاوفيلا الشريف.
الفصل السابع والعشرون
في مبادئ أو قواعد الإنجيل
ان لكل كتاب سبع قواعد: (أولها الغرض)، وغرض الإنجيل هو ان يفيد الإنسان الحياة بالله وذلك بواسطة الاعتقاد والأيمان بالثالوث الأقدس وبالعيشة الفاضلة التي تؤول لخلاص النفس. (ثانيها الرتبة)، أي رتبة قراءة التوراة والأنبياء إذ قد كملت كل المقولات النبويّة في الكتب. (ثالثها اسمه)، يسمّى إنجيلا ومعناه البشارة المفرحة لأنه بشرنا بالخلاص الذي بالمسيح يسوع. (رابعها تقسيمه إلى فصول)، أعني إلى معرفة إله واحد ذي ثلاثة أقانيم والى المداومة في الأعمال الصالحة لنوال الحياة الأبدية، والى الفرح برجوع الخطاة التائبين وحفظهم الوصايا، والى تذكرة يوم الحكم والدين والمجازاة حسب الأعمال خيراً للخيّربن وشرّاً للأشرار. (خامسها لمن هو الكتاب)، هو كتاب الله السيد المسيح المنادى به بواسطة الرسولين متى ويوحنا والمبشرين مرقس ولوقا. (سادسها كيف يتداول به الناس وفي أي زمان ووقت)، في الوعظ والتعليم في سبيل الله في أوقات التكلم بالروحيات وبقصص القديسين وفي السر والجهر. (سابعها مصنفه)، هو متى ومرقس ولوقا ويوحنا.
الفصل الثامن والعشرون
في جامعه ومرتبه
ان أول من اهتم بوضع قوانين الإنجيل هو أوسابيوس القيصري ويُعرف هذا من رسالته إلى فارفينوس وهو الذي بيّن في القوانين التي وضعها اتفاق الإنجيليين. أمّا امونيوس وتيطيانوس فقد كتبا الإنجيل الذي يقال له المختلط وقد وقفا عند حوادث القيامة التي توهّما ان هناك اختلافاً في روايتها. أما اوسابيوس فأظهر بقوانينه اتفاق الإنجيليين بعضهم مع بعض. فقد رتّب اوسابيوس عشرة قوانين ووضع حرف الألف علامة على القانون الأول ودلالة على ان الأربعة الإنجيلين قالوا هذا الكلام. مثال ذلك قول الإنجيل (هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت) دلالة على ان هذه العبارة موجودة في القانون الأول. ففي القانون الأول الأربعة متفقون، وفي القانون الثاني ثلاثة اتفقوا متى ومرقس ولوقا، وفي القانون الثالث ثلاثة اتفقوا متى ولوقا ويوحنا، وفي القانون الرابع ثلاثة اتفقوا متى ومرقس ويوحنا، وفي القانون الخامس اثنان اتفقا متى ولوقا، وفي القانون السادس اثنان اتفقا متى ومرقس، وفي السابع اثنان متى ويوحنا، وفي الثامن اثنان مرقس ولوقا، وفي التاسع اثنان لوقا ويوحنا، وفي العاشر انفرد أحدهم في خبر السامرية وخبر المرأة التي أُمسكت في زنى.
ترجمة القديس متى الرسول
يقول لوقا وهو أحد الاثني عشر تلميذاً: ان متى كان عبرانياً وهو لاوي. وقال عنه اوسابيوس: انه كان سريانيا يتكلم بالعبراني. وهو عبراني من شعب العبرانيين بالاجماع. كتب الانجيل باللغة العبرانية كما شهد عنه مار يوحنا وآخرون غيره. وكان متواضعاً ووديعاً والشاهد على ذلك، انه بعد ان أُعِدّ من الاثني عشر سمّى ذاته عشاراً. وكان رحوماً، تجرد من جميع مقتناه وذهب وراء السيد يسوع المسيح. وكان محباً لله فإيمانه موجود في كرازته. وكان حكيماً ويشهد بذلك الانجيل الذي كتبه، وحكمته كانت من الروح القدس. وكانت فيه محبة بإهتمامه بكل المسكونة. وكان ذا أعمال صالحة وأفعال شريفة ويشهد بذلك وعد السيد له بانه مزمع ان يجلس على كرسي مجده. وكان مجيداً وعاقلاً وكاملاً والشاهد على ذلك أنه خرج من المجمع فرحاً مسروراً حين نال الشتيمة والعار لأجل المسيح المصلوب
تفسير بشارة القديس متى الرسول
(الاصحاح الأول)
عدد 1: كتابُ ميلادِ يسوعَ المسيحِ ابنِ داودَ ابنِ إِبراهم
لم يقل متّى، كقول الانبياء، قال لي الرب. ولم يقل، كقول الأنبياء الكذبة لليهود التابعين لهم، قد رأيت رؤيا. فمتّى كان يكتب للمؤمنين فلم يتشبه بالأنبياء ولم يكتب اسمه في الكتاب لانه كان يكتب اخباراً للمقريبن منه. اما بولس، بداعي كتابته للبعيدين، كان يعنّون كل رسالة بإسمه. قال متى (كتاب ميلاد) لان ابتداء جميع الصالحات هو الميلاد، وذلك جرياً على ما فعله موسى النبي اذ سمّى كتابه ” كتاب الخليقة ” لانه ضمّنه الأمور التي حدثت في العالم مدة ألفين ومئتين وستة عشر سنة. كما أنه دعا كتاباً آخر ” سفر الخروج ” لانه ضمّنه رواية خروج الشعب من مصر. وهكذا سمّى متّى كتابه كتاب ميلاد لأنه ضمّنه خبر ولادة الله بالجسد وتدبيره وسياسته وحكمته في خلاص العالم. وقد جرت العادة ان يتّّصف الشئ بأشرف أجزائه، لذلك وصف كتابه باسم (كتاب ميلاد) لا كتاب عماد أو صلب أو قيامة، حالة كون العماد هو بدء الانجيل. لكن الانجيلي فضّل تقديم ذكر الميلاد، ليعلّم العبرانيين ان هذا هو المسيح الذي وعد الله ابراهيم وداود بظهوره بالجسد من زرعهما وهو واهب الانجيل الشريف.
ويقال الميلاد بانواع شتى: اولاً، الميلاد من المرأة. ثانياً، الميلاد من المعمودية كقوله: ” إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ” (يوحنا 3: 5). ثالثاً، الميلاد من القبر كقوله: ” من سمع مثل هذا ؟ من رأى مثل هذه ؟ هل تمْخَضُ بلاد في يوم واحد أو تولد أمة دفعة واحدة فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها ” (1شعيا 66: 8). رابعاً، يطلق الميلاد على قبول الكرازة والإيمان كقول بولس الرسول: ” لأني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل ” (1 كورنثوس 4: 15). وقوله: ” وهو قد شاء أن يلدنا بكلمة الحق ” وكقول سليمان الحكيم: ” لا تفتخر بالغد لانك لا تعرف ماذا يلده يوم ” (امثال 27: 1)، وقول النبي: ” ان الاثيم قد تمخض وحبل زوراً وولد افكاً “. خامساً، كمثل الشعاع والاشراق الذي يتولد من الشمس والنار. والميلاد الازلي كميلاد الابن من الآب ازلياً، أما هنا فلا يقصد متى ولادة الابن الازلية من الآب بل الولادة الزمنية التي من البتول. على ان الكتاب ذكر ولادة أبرار كثيرين ولكنه لم يعنّون سفراً واحداً بولادة احدهم ما عدا المسيح فقط، كي يعلم بهذا انه ليس انساناً عادياً لكنه إله قد تأنّس، وانه لم يولد من أب وأم كعادة الناس بل وُلد بخلاف الطبيعة ولد من الروح القدس ومن العذراء. وقد ابتدأ متى أيضا من المواليد ليبيّن ان المسيح هو ابن يوسف ابن داود، وإن ظنّ به اليهود انه من يوسف غير عارفين ببنوته الازلية، لان داود هو ابو يوسف بدليل جدول تلك النسبة.
وقد سمّى اليونان سفر الخليقة باسم سفر التكوين لأن التكوين يقال على تسعة أنواع: اولاً، كون الشيء من لا شيء كتكوين السماء والارض من لا شئ. ثانياً، من شيء تكوّن كالرقيع والاشجار التي تكوّنت من مادة تقدمت وجودها. ثالثاً، بمطلق القول كقوله تعالى: ” هو ذا الانسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر ” (تكوين 3: 22). رابعاً، بالانقلاب والتغيير مثل امرأة لوط التي صارت عمود ملح. خامساً، غير مشير الى شخص ما نحو: ” وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً ” (تكوين 1: 13). سادساً، على سبيل المعونة نحو قوله: ” وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً صالحاً ” (تكوين 39: 2) سابعاً، كالكون في زمان كقوله: ” وكنت كإنسان لا يسمع “. ثامناً، بالانعام على عبيده كقوله: ” وكان موسى الهاً لفرعون “. تاسعاً، بلا تغيير في ذاتيات الكون كما قيل: ” كان هابيل راعي غنم وداود ملكاً ونبياً وهارون كاهناً ولم يتغير احدهم عما كان انساناً بطبعه “. فبهذا النوع نقول ان الله الكلمة صار انساناً اذ لم يتغير عما هو إله بطبعه.
) ابن داود ابن ابراهيم) ولم يسمِه ابن يوسف لانه ليس قريبا من ميلاده، ولا ابن مريم لكون جدول النسبة لا يحتمل ذلك، فقد جرت عادة الكتاب ان لا تنتسب القبائل من النساء. ولذلك بدأ متى بذكر سلسلة المسيح من داود وابراهيم لان بدء ميلاد المسيح كان من نسلهما. قال الله تعالى لابراهيم: ” بنسلك يتبارك جميع أُمم الارض. من أجل انك سمعت لقولي ” (تكوين 22: 18) وقال ايضاً لداود: ” ان من بنيك اجلس على كرسـيك الى ابد الآبدين”) مزمور 132: 12)، ليعلّم العبرانيين ان المسيح قد ظهر من داود حسب قول الانبياء. وسمّاه ابن داود حتى يزيل الظن عنه. ودعي ناصرياً لانه تربى في الناصرة كقول فيلبس لنثنائيل: ” وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس، والأنبياء في كتبهم وهو يسوع ابن يوسف من الناصرة ” (يوحنا 1: 45) لقد صار الوعد لابراهيم منذ البدء لأنه اول الذين رجعوا من عبادة الاصنام. وصار لداود بعده لأنه اول ملك حفظ الوصية وأرضى الله واصعد التابوت واراد ان يبني بيتاً للرب. وقد كتب اسم داود اولاً لعظم شأنه ولأن اليهود كانوا يتوقعون ظهور المسيح من زرعه لا من زرع ابراهيم الذي تشعب الى يهود وغير يهود بل من مدينة داود الخصوصية. وقد تواتر اسم داود على افواه انبيائهم اكثر من ابراهيم مثل قول احدهم: ” واقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك اجعل على كرسيك ” (مزمور 132: 11) و ” حلفت لداود عبدي ” و” ويخرج قضيب من أصل يسي وينبت غصن من اصوله) “اشعيا 11: 1). فقد ذكر داود قبل ابراهيم. وكان قد وعد ابراهيم انه سيكون اباً للشعوب، اما لداود فقد قال ان من زرعه يظهر المسيح. فكان من الضرورة ان يتقدم اسم ذاك الذي كان مزمعاً أن يخرج المسيح من زرعه ويفضله على الذي هو رئيس الشعوب. وقد ذكر متى اسم ابراهيم بعد داود مباشرة لأنه اليه انتهى الوعد بدعوة الشعوب، فيسمى المسيح ابن ابراهيم لأنه من سلسلته. فهذا الذي سمّاه متى ابن داود وابراهيم، سمّاه مرقس ابن الله، ولوقا سمّاه قوة العلي، ويوحنا سمّاه ابن الله. فاذاً يسمّى الله الكلمة وقوّة العلي لمساواته مع الآب بالذات ووجوب الوجود، ويسمى ابن داود ابن ابراهيم لأنه ولد ولادة ثانية زمنية.
عدد 2: ابراهيم وَلَد اسحق. واسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا واخوته.
يضع متى هذه النسبة ليبيّن ظهور السيد المسيح حسب وعد الله لابراهيم ولداود، وليبيّن انه هو المنتظر من اليهود غير المؤمنين به. ولم يذكر اخوة اسحق ويعقوب لأنه لا اختلاط لهم في جنس بني اسرائيل لكونهم اولاد هاجر واسماعيل وأعراباً وأدوميين. لأن المقصود من النسبة هي نسبة بني اسرائيل ثم نسبة يهوذا ثم نسبة داود.
عدد 3: ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حَصْرون. وحَصْرون ولد آرام.
عدد 4: وآرام ولد عمّيناداب. وعمّيناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون.
يذكر ثامار، التي هي من الشعوب التي حُكِم عليها كزانية، لكي يعلّمنا رحمة الله تعالى، وأنه لم يصر انساناً فقط بل وُلِد من آباء مثل هؤلاء. لان جميع الناس صاروا تحت الخطيئة فلزم الامر ان يأتي الى الارض ليتلافى شرّ الخطيئة. فان كان داود قد أخطأ وكذلك يهوذا فكم بالأحرى غيرهم. الا انه بمجيئه ستر عيوبنا، وبشارته تقبل كل من يؤمن به ويتوب من الفجار والزناة مثل يهوذا الزاني وداود الفاجر. لقد جاء بذكر ثامار الزانية لكي لا نخزى بنسبة الآباء الاشرار ونفشل في عمل الفضيلة، لان صلاح النفس لا يوقفه الآباء الاشرار. فان كان الزاني الراجع الى الفضيلة لا تعيقه شروره السابقة، فكم بالاحرى ابن الزانية والفاجرة ما دام هو بريء من الخطايا والشرور. فقد جاء بذكر ثامار ليخزي اليهود المفتخرين بابراهيم وبذوي الأعمال غير الصالحة، وكأني به يقول لهم ان هذه الزانية صارت اماً لداود. ثم نقول ان ثامار لم تقصد الزناء حين جلست على قارعة الطريق، والدليل على ذلك قول يهوذا عنها: انها أبرّ مني ؛ بل لتلد المسيح الذي كان مخفياً في يهوذا لانها فَجَرت معه لا مع غيره. وقد ارتكبت هذا الفعل وعذرها به ان لا بنين لها لذلك اصطادت يهوذا لأن العاقر كانت مرذولة عند كل الناس. ثم نقول ان ثامار كانت صورة كنيسة الامم عبدة الاصنام الذين خلصوا بميلاد ثامار. ان ثامار كانت من الشعوب والكنيسة هي بنت الشعوب، وقد زنت ثامار والشعوب ايضاً زنت بعبادة الاصنام. وكما اشتركت ثامار بقبائل المسيح اشتركت البيعة بجسد ودم المسيح. وتفسير اسم ثامار باللغة السريانية هو: هلم ياسيدي، وكأني بها تنادي ربنا ان يأتي اليها بقولها: انزل عندي واسترح.
ولكن لماذا ذكر فارص وزارح ؟ ان معنى اسم زارح هو المشرق، وهو رمز الى مخافة الله، التي تجلّت في الآباء كاخنوخ ونوح وابراهيم ومليكصادق، ثم اختفت هذه المخافة حتى تجلّت بموسى الكليم ومن الآباء المذكورين الى موسى حيث كانت تتراوح بين الظهور والاختفاء. وفارص معناه سياج او قطع، وهو رمز عن توقف سير عبادة الله الحقيقية. وكما ان زارح أظهر يده ثم جذبها، هكذا تجلت تقوى الشعب الجديد في أيام نوح وابراهيم ثم اختفت، ثم دخل الشعب وناموس موسى مثلما ولد فارص اولاً. وترآءى الشعب الجديد ورمزه اخيراً في ولادة فارص الذي من زرعه ظهر المسيح بالجسد.
عدد 5: وسلمون ولد بوعَز من راحاب. وبوعَز ولد عُوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يَسّى.
ذكر راحاب ليبيّن ان المسيح لم يأت للدينونة والانتقام بل جاء ليشفي أوجاعنا ويزيل شرورنا. وكما تزوج سلمون براحاب الزانية، هكذا خطب الله الطبع الزاني بالأصنام وأضافه اليه وعلّمنا انه قابل التائبين، وتفسير اسم راحاب: مرافقة الشعب أو الشعوب. وراعوث كانت من الشعوب أيضاً. وقد جاء بذكرها ليبيّن دعوة الشعوب. أما الناموس فقد أخرج من كنيسة اليهود العمونيين والموآبيين، الذين منهم راعوث، الى الجيل العاشر واياهم دعا الانجيل بواسطة الايمان بالمسيح. وكما دخلت راعوث في نسب المسيح هكذا دخلت الشعوب في حرية أبناء الله وقد جاء البشير بذكرها ليؤنب كبرياء اليهود ويعلمهم أن داود تناسل منها. وكما أنه لم ينفر بوعز من فقر راعوث هكذا المسيح لم ينفر من البيعة الفقيرة من الأعمال الصالحة. ومعنى اسم راعوث: الأعمال الصالحة.
عدد 6: ويسّى ولد داوُد الملك. وداوُد الملك ولد سُلَيْمان من التي لأُوريّا.
ذكر امرأة اوريا ليعرف انه كتب الواقع بدون استحياء من التلميح عن خطيئة داود التي غفرت بواسطة الانجيل ونزول الطبيب الى الارض. وقد عتقَ داود منها ومن قتل اوريّا لان داود لما تشرّف في الفضيلة وتكبّر تخلى الله عنه في الحال فسقط في الفجور مع بتبشع. ثم ندم وبكى، فأُوحي اليه ان الرب مزمع ان يأتي ويشفيه من الخطيئة. واذ فتش عن المكان الذي يولد فيه مخلصه قال ” لا اعطي وسناً لعينيّ ولا نوماً لأجفاني ” (مزمور 132: 4). وبعد ان نال وعد الله عن ذلك قال المزمور التاسع والعشرون والسادس عشر عن هبوط الطبيب الى الموت ليخلص أنفس الخاطئين. وان ارتاب احد بداود انه خاطئ فليعلم ان داود لم يخطئ الا خطيئة واحدة في كل زمان سلطنته ومن اجلها قدم توبة عظيمة مديدة لان الرب سمح ان يسقط في الخطية ليصير مثلاً صالحاً للخاطئين لكي يتوبوا مثله. ولذلك ملك سليمان ابنه في كرسيه، ليصير معلوماً عند الناس غفران خطيئته، ولكي لا يظن ان سليمان ابن الفجور كالابن الآخر الذي اماته الله بقصف عمره. وذكر الاربع نساء كرمز للبيعة التي اجتمعت من اربعة اقطار الدنيا.
عدد 7: وسليمان ولد رَحَبْعام. ورَحَبْعام ولد ابيّا. وأبيّا ولد آسا.
وبعد داود اشار الى أم رحبعام الغريبة الجنس توبيخاً لليهود المفتخرين بالجنس ليعلّمهم ان الجنس ليس المكرّم بل القلب الخائف من الله. فلم يرفض داود بسبب فجوره ولم يخب سليمان من الملك بسبب أمه، وكذلك الشعوب الكافرة لا تمنعهم عبادة الاصنام من ان يصيروا مقبولين اذا آمنوا.
عدد 8: وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزيّا.
عدد 9: وعزيّا ولد يوثام. ويوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيّا.
عدد 10: وحزقيا ولد منسّى. ومنسى ولد آمون. وآمون ولد يوشيّا.
لماذا اجتاز ذكر احزيا ويوآش وامصيا ؟ السبب عند افريقيانوس اسقف عمواس اذ يقول ان المذكورين كانوا خطاة من زرع ايزابل ولذلك لم يذكرهم. والصحيح ان المذكورين ليسوا من زرع ايزابل لأنها كانت امرأة آخاب. أما يورام فقد تزوج عثليا بنت عمري أخت آخاب. وولد منها أحزيا ولو انها دعيت في موضع آخر حسب رأي السبعين ابنة أخاب لاجل نفاقها كما ذهب القديس ساويرس. فاذاً ليسوا من زرع ايزابل ولم يذنبوا أكثر من سليمان وأحاز ومنسى المكتوبين. يقول القديس ساويرس أن يورام ابن يهوشافاط تزوج ابنة آخاب وولد منها احزيا ويوآش وأمصيا. وقد ترك متى هؤلاء لان العبرانيين كانوا يبغضون عبادة اصنام بيت آخاب، ذاكراً قوله تعالى: اني أجازي ذنوب الآباء في البنين الى ثلاثة والى اربعة أجيال لباغضيّ. ورب معترض يقول ان عثليا ابنة آخاب لم تكن امرأة يورام وام أحزيا بل هي ابنة عمري وأخت آخاب. فان كان سكت عن ذكر أولئك الذين من عثليا لاجل اليهود، فكيف ذكر عزيا الذي كان مكروهاً منهم ونجساً اكثر من اولئك ؟ فالجواب هو عند اوريجانوس لكي يجعل عدد الاجيال من داود الى السبي اربعة عشر، لان تكرار الاربعة عشر ثلاث مرات يبلغ 42 على عدد مراحل بني اسرائيل من خروجهم الى دخولهم ارض الميعاد، وفي نهاية هذا العدد، عدد الاجيال، ظهر المسيح وورث والقديسين ارض الفردوس. ويقول كاوركي (جرجس اسقف العرب)، أب الشعوب: ان متى لم يسكت عن ذكر هؤلاء الاشخاص الثلاثة ولم يغيّر عدد القبائل ولم يقل أربعة عشر بدلاً عن سبعة عشر ؛ لكن بما انه كتب انجيله الى اليهود الذين كان الكثيرون منهم عارفين باللغة اليونانية، فلما أرادوا ان يترجموا الانجيل من العبرانية الى اليونانية ولسان اليوناني لا يستطيع ان يلفظ الاحرف ح ع ص كما يلفظها العبراني والسرياني، وليس عندهم هذه الاحرف الحلقية، فلما اتى المترجمون الى يورام وقالوا ولد أحزيا وأحزيا ولد يوآش ويوآش ولد امصيا وأمصيا ولد عزيا، فأهملوا ثلاثة أسماء وكتبوا يورام ولد عزيا لسبب مشابهة الأسماء. وربما عملوا هذا بإرادتهم حتى يمكنهم ان يجعلوا قياس نسبة القبائل أربعة عشر، لان عدد الأسابيع كان محبوباً عند اليهود المؤمنين جداً. وهكذا نقلت النسخ عند كل الشعوب ساقطة منها تلك الاسماء. والصحيح عندنا ان المترجمين لم يفصلوا ذلك لأن متى حصر العدد في اربعة عشرة لا في سبعة عشرة. فاذاً متى هو الذي تعمّد ترك الاشخاص المشار اليهم. وقال آخرون ان العبرانيين المؤمنين هم الذين أسقطوا الاسماء الثلاثة من النسبة حتى يحسب من داود الى السبي أربعة عشر جيلاً، لأن هذا العدد كان محبوباً عندهم. وقد وجدت نسخة سريانية مترجمة من العبرانية مكتوب فيها هؤلاء الثلاثة ولكن بعد ذلك تقول اربعة عشر جيلاً لا سبعة عشر. وعلّل آخرون ترك متى للمذكورين أن اليهود كانوا يرذلونهم، لان أحزيا صار شريكاً مع بيت آخاب عندما ارسل السفن ليجلب ذهباً وصعد الى راموت جلعاد ووبخه النبي. وبعد ذلك قتله يهواش، لانه كان قد قتل اولاد يهوياداع الكاهن، وقُتل أمصيا في الفتنة عندما حرك ملك اسرائيل ليتحارب معه وبسببه ثلم الحائط وديس المقدس. وللقارىء الخيار ان يتمسك بالرأي الذي يحلو لذوقه.
عدد 11: يوشيّا ولد يَكُنْيا واخوته عند سبي بابل.
لم يرد في سـفر الأيام ان يوشيا ولد يكنيا. ولكن ورد ان يوشيا ولد بنين هم يهواحاز، والياقيم الذي هو يهوياقيم، وشلوم ويوحانان، وصدقيا الذي هو متنيا. وقال آخرون أن يوشيا ولد يهواحاز الذي هو يوحانان، ويهوياقيم الذي هو الياقيم، وصدقيا الذي هو متنيا، وشلوم الذي هو يكنيا، ودعا آخرون يكنيا شالوم. أما سفر الايام فبعد بني يوشيا يقول، يهوياقيم الذي هو الياقيم الذي في سبي بابل ولد يكنيا. فكيف لم يكتب متى ان يوشيا ولد يهوياقيم، ويهوياقيم ولد يكنيا. اما كاوركي فيقول أن متى كتب مستقيماً لكن الكاتب ضلّ وكتب بدل يهوياقيم يكنيا. وقال آخرون أن يهوياقيم قد رُزل لانه قتل أوريا النبي ابن شمعيا ” واخرجوا أوريا من مصر واتوا به الى الملك يهوياقيم فضربه بالسيف وطرح جثته في قبور الشعب ” (ارميا 26: 23) وسجل بدله ابنه يكنيا. ودفع البعض هذا التعليل بقولهم ان منسى كان أشراً من هذا فكيف كتب متى اسمه ؟ والارجح ان كل واحد منهم يلقب باسمين كيهوياقيم والياقيم، ويوياكين ويكنيا ابن يهوياقيم، ويوحانان الملقب شالوم ومتنيا الملقب صدقيا. فاذاً يكنيا هو حفيد يوشيا ودعاه متى ابنه حسب اصطلاح الكتاب الذي دعا لوطا ابن اخي ابراهيم اخاً له كقول ابرام للوط: ” لا تكن مخاصمة بيني وبينك وبين رعاتي ورعاتك لأننا نحن اخوان (تكوين (13: 8 وقد دعا لابان احفاده، ابناء بنتيه، ابناء له. ومتنيا ايضاً ويهواحاز اللذان هما عمّا يكنيا دعاهما اخويه. وقد قتل فرعون الأعرج يوشيا وسلّط مكانه احاز ابنه. وعُزل هكذا المذكور وملك عوضه أخاه الياقيم ابن يوشيا وسماه يهوياقيم. وبعد موت يهوياقيم ملك ابنه يوياكين الذي هو يكنيا وبعد ذلك دعي باسم ابيه يهوياقيم الذي سباه بختنصر الى بابل وأقام في مكانه متنيا عمه الذي سماه بختنصر صدقيا. واياهم جميعا ذكرهم الانجيلي قائلاً يكنيا واخوته لأن جميعهم ملكوا. وذكر متّى سبي بابل ليبيّن ان اليهود لم يرجعوا عن شرورهم حتى بعد السبي. وانه لا بدّ من سبي آخر لهم يعقب مجيء المسيح. وأن مجيئه تعالى كان لازماً لينجينا من سبي الشيطان والموت. ولم يذكر التغرب في مصر، كما ذكر الجلاء الى بابل، لأن ذاك كان قديماً وهذا كان جديداً. لاسيما وان الاول لم يكن بسبب خطاياهم. أما الثاني فكان بسبب خطاياهم. على ان اليهود ما كانوا خائفين من مصر بقدر ما كانوا خائفين من بابل. فاذا كان يوشيا لم ير سبي بابل فلم اذاً قال متى انه ولد يكنيا واخوته في سبي بابل ؟ والجواب أن متى حسب الجلاء منذ زمان يوشيا بداعي كون أرميا تنبأ عنه في زمانه في السنة الثالثة عشر لملكه الى السنة الحادية والثلاثين، وذلك على قياس قول الله لابراهيم أن زرعك يستعبد للمصريين أربعمئة سنة، فلا تكون هذه المدة كاملة الا اذا اعتبرنا أولها وقت الوعد بها حتى الخروج. واذا اضفنا مدة غربة ابراهيم في ارض كنعان فتكون المدة كلها أربعمئة وثلاثين سنة كما ورد في الكتاب ” ان عهداً سبق ان أقرّه الله لا تنقضه الشريعة التي جاءت بعده بأربع مئة وثلاثين سنة، وكأنها تلغي الوعد ” (غلاطية 3:17)
عدد 12: ومن بعد سبي بابل يكنيا ولد شأَلتئيل. وشألتئيل ولد زروبَّابل.
قال ارميا عن يكنيا: ” اكتبوا هذا الرجل عقيماً، رجلاً لا ينجح في أيامه لأنه لا يجلس أحد من زرعه على كرسي داود ” (ارميا 22: 30). وقال متى هنا: ان المسيح تسلسل منهُ. كقول الملاك للعذراء: ” انه يكون عظيماً، وابن العلي يدعى، ويعطيه الـرب الإله عرش داود ابيه ” (لوقا 1: 32). وقال القديس ساويرس ان ارميا عنى سلطنة يكنيا الأرضية المحصورة حينئذ في اليهودية. اما سلطنة المسيح وكرسيه فليسا ارضيان بل هما سمائيان كما قال تعالى: ” ليست مملكتي من هذا العالم. ولو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان حُراسي يجاهدون لكي لا أُسلم الى اليهود. أما الآن فمملكتي ليست من هنا ” (يوحنا 18: 36). لاسيما انه ملك على اقطار الارض. وقال آخرون ان الذي ذكره ارميا كان قبل السبي، واما الذي ذكره متى فكان بعد السبي. وعند البعض ان الذي ذكره ارميا هو صدقيا ابن يوشيا الذي ذُبح بنوه امام عينيه في السبي وقبل موته كان يطحن في الرحى وهو اعمى. اما الذي ذكره متى فهو يكنيا بن يهوياقيم واسم امه شوشان اخت ارميا النبي، وهو الذي ولد شالتئيل. على انه يجب البحث عن شالتئيل وزوربابل اللذين ذكرهما متى وهل هما الذين ذكرهما لوقا أم خلافهما ؟ وان كانا هما فلماذا يقول متى شالتئيل بن يكنيا ويقول لوقا شالتئيل ابن نيري ؟ فالجواب كما قال القديس ساويرس: ان متى ولوقا اصطلحا على ان يبتعد كل منهما عن الآخر ثم يعود فيلتقي به في نقطة واحدة وذلك على شكل مجار مياه تتفرق في اقنية مختلفة ثم تتجتمع في نقطة واحدة. ووجه الاتفاق هنا ان شالتئيل الذي ذكره متى هو ابن يكنيا بحسب الطبيعة وهو بعينه الذي ذكره لوقا لكنه ابن نيري بحسب الناموس. لأن ملكي ابو نيري تزوج امرأة اسمها نحشتا بنت اليتان من اورشليم وولد منها نيري. ولما مات ملكي تزوج يهوياقيم الملك نحشتا لاجل حسنها وولد منها يكنيا. فنيري ويكنيا اخوان من ام واحدة، ثم تزوج نيري امرأة ومات بلا بنين. وتزوج امرأته يكنيا اخوه وولد منها شالتئيل حسب المأمور في الناموس انه اذا مات الرجل بلا بنين يتزوج اخوه امرأته ويقيم زرعاً لاخيه الميت. فشالتئيل هو ابن يكنيا طبيعيا وابن نيري ناموسيا. وعند كاوركي ان الذي ذكره متى هو خلاف الذي ذكره لوقا، وان نيري الذي ولد من نسل متّان عندما قصد ان يشرف ابنهُ لقّبه باسم شالتئيل بن يكنيا الملك. ونسج على منواله ابنه إذ لقّب ابنه باسم زربابل بن شالتئيل بن يكنيا. ويعرف هذا من اسماء كثيرة ذكرها متى مطابقة للتي ذكرها لوقا كيورام واليعازر والياقيم لانه يتّفق مراراً مع متى في نسبة القبائل ارادة او عرضاً كقول الفلاسفة. ومحل الريب في انه كيف تزوج ملكي الذي من نسل ناثان نحشتا اولاً، وبعد ان ولد منها نيري ومات، تزوجها يهوياقيم وهي ارملة وهو فتى ابن ثمانية عشر سنة وولد منها يكنيا ؟ اذ لا يمكن ان تكون امرأة رجل من عامة الشعب امرأة لملك فتى. فاذاً شالتئيل المذكور في متى ليس شالتئيل ابن نيري المكتوب في لوقا. ولم يرد في سفر الملوك ولا في العدد ان يكنيا كان له أخ اسمه نيري مات بلا بنين ثم اخذ امرأته وولد منها شالتئيل، بل ورد فيهما وفي سفر الايام ان أبناء يوشيا هم يهواحاز ويوحانان ويهوياقيم وصدقيا وشلوم وان ابن يهوياقيم هو يكنيا.
عدد 13: زربابل ولد أَبيهود. وأبيهود ولد الياقيم. والياقيم ولد عازور.
عدد 14: وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أَخيم. واخيم ولد أَليود.
عدد 15: وأليود ولد أليعازر. واليعازر ولد متّان. ومتّان ولد يعقوب.
معنى اسم زربابل زرع بابل. لان هناك زرع وولد. قال متى ان زربابل ولد ابيهود. ولوقا يقول زربابل ولد ريسا. قال مار ساويرس ان زربابل كان له ابنان، ابيهود وريسا، فذكر متى الواحد ولوقا الآخر. بدليل، انه بعد داود، تشعبت النسبة الى سلسلتين وهما سلسلة ناثان وسلسلة سليمان وتقابلتا بيوسف. فأخذ متى قبيلة سليمان ولوقا قبيلة ناثان لكنهما اجتمعتا قبل زربابل ثم انقسمتا الى سلسلة ابيهود وسلسلة ريسا. وقال كاوركي أب الشعوب ان زربابل الذي ولد ابيهود هو غير الذي ولد ريسا المذكور في لوقا. وقال آخرون ان ابيهود ابن زربابل كان له اسمين ابيهود وريسا. لذلك دعاه الانجيليان كل واحد باسم، كأولاد يوشيا الذين دعي كل واحد منهم باسمين.
عدد 16: ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح.
فبقوله منها، بيّن ظاهراً ان المسيح وُلد من البتول لا من يوسف. وفي النسخة اليونانية مكتوب يوسف خطيب مريم التي منها وُلد يسوع المسيح. وقوله رجل مريم ليظهر قصده ان المراد من النسبة هو مريم فإنها من بيت داود ومن آل ابراهيم. دعا متى يوسف بن يعقوب ولوقا سمّاه ابن هالي. وبيان الاتفاق بينهما ان متّان من قبيلة سليمان تزوج امرأة اسمها استير وولد منها يعقوب، ولما مات متّان صارت استير امرأة لمتثات من قبيلة ناثان. ومتثات ولد منها هالي فصار لاستير ابنان واحد من متان وآخر من متثات. ثم تزوج هالي امرأة ومات بلا بنين. فتزوج يعقوب اخوه امرأته حسب الناموس ليقيم زرعاّ لاخيه الميت لئلا يبيد اسمه. ويعقوب ولد يوسف. فصار يوسف ابناً ليعقوب حسب الطبيعة، ولهالي حسب الناموس. فمتى يسميه حسب الطبيعة ولوقا يسميه حسب الناموس. والابن الطبيعي هو المتناسل من الزرع حقاً، أما الناموسي فهو الذي ينسب للاخ الميت الذي بلا بنين. ثم يتساءل الناس لماذا جعل متى سلسلته من سليمان وجعلها لوقا من ناثان اما يوسف فقد تناسل من سليمان، ولذلك اتخذ متى السلسلة الاولى ولوقا الثانية ؟ قال فيلوكسينوس ان متى كتب عن النسبة الطبيعية لذلك قال فلاناً ولد فلاناً، اما لوقا فذكر النسبة الناموسية لذلك ذكر المضمون. وقال افريقيانوس ان أسماء القبائل يحسبها العبرانيون امّا بحسب الطبيعة كقولهم فلان ابن فلان بالتناسل وأما بحسب الناموس كالمولود: ” لا يجاد البنين للذي مات بلا بنين ” وذلك لسبب كفرهم بقيامة الموتى. والانجيليان حسبا نسبة الطبيعة والناموس لان قبيلتي سليمان وناثان اختلطتا بعضهما ببعض، وكل من الاثنين المنتهيين بهما هو أبو يوسف، اعني بهما هالي الذي من ناثان ويعقوب الذي من سليمان. فيوسف هو ابن يعقوب طبيعياً وابن هالي ناموسياً. ولمّا بيّن متى نسبة القبائل الطبيعية وان أصل يوسف من داود، انتقد عمله البعض وقالوا ان يوسف هو ابن هالي لا ابن يعقوب استناداً على النسبة الناموسية. لذلك شاء لوقا ان يوبخ قلّة ادراكهم اعتماداً على يوسف ولو انه ابن هالي بحسب الناموس فهو مع ذلك من داود أب المسيح. لأن لوقا لم يجد مألوفاً عند اليهود أن يختموا النسبة بمريم ويقولوا ان فلاناً ولد مريم التي منها ولد المسيح. ولم تجر العادة عندهم ان يعتمدوا في النسب على النساء. لذلك لم تُحسب مريم بل حُسب يوسف ليمنع تبلبل الرتبة. ثم باعتبار ان يوسف هو ابن داود يتّضح ان مريم هي ابنة داود ايضاً. لان كل قبيلة كانت تلتف على قبيلتها بقطع عن الشواذ. أما كيف ان يوسف ومريم هما أولاد أولاد الاخوة ؟ فانظر واسمع، ان اليعازر ولد ابنين متّان ويوثان. فمتّان ولد يعقوب ويعقوب ولد يوسف. ويوثان ولد صادوق وصادوق ولد مريم واسم امها دينا وهي حنَّا اخت اليصابات. وهذا معنى قوله ان اليصابات نسيبتك. وكان ذلك تدبيراً الهياً حتى ينتهي بالمسيح وراثة الملك والكهنوت ويتمّان به لنقصهما. (لكن يخالف ذلك قول الانجيلي ان اليصابات من بنات هرون). ولسبب آخر معقول ذكر الانجيلي يوسف دون مريم لرفع الشبهة عنها لان بتوليتها كانت مستترة، ما خلا يوسف الذي اعلن لهُ ذلك من الملاك، وأعلن اليصابات من الروح القدس. قال القديس يوحنا: لم يشأ ان يقتصر الانجيل على ذكر ولادته من البتول حينئذ، وذلك تدبيراً منه لكي تنجو من القضاء، اذ لو علم اليهود هذا أولاً لما كانوا يؤمنون ان البتول تلد، بل بالعكس كانوا سيرجمونها لانهم ينسبون اخراجه الشياطين الى رئيس الشياطين، فكيف كانوا يصدقون ان بتولاً تلد. ثم يجب الفحص عن ابوي مريم لانهما تسمّيا باسماء كثيرة. فسمي أبوها يهوياقيم يوياكين يوناخير صادوق يوصاداق. وسميت أمّها حنَّا دينا. قال القديس يعقوب الرهاوي: ذكر في القصص ان مريم ابنة يوياكين من سبط يهوذا الذي هو ابن استير وقيل فنتيل، واستير هو اخو ملكي ابن ياني ابن نيري من قبيلة ناثان. ومن جهة المرأة من قبيلة لاوي. وكان مسكنه في الجبل حيث تعمّرت طبرية، فسمّي يوسف رجل مريم لأنه خطيبها حسب عادة الكتاب اذ قيل في تثنية الاشتراع: ” إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فاخرجوهما كليهما الى باب المدينة وارموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من اجل انها لم تصرخ في المدينة والرجل لأنه أذلّ امرأة صاحبه ” (تثنية 22(24:. فقد اتضح مما قيل ان الخطيب يدعى رجلاً والمخطوبة امرأة. ثم يُسأل من أين يُعرف ان المسيح من زرع داود بالجسد ؟ لانه مولود من مريم التي هي ابنة داود ومن زرعه بداعي ان يوسف خطيبها. لأن كل واحد كان يتزوج من قبيلته تلافياً لاختلاط الأسباط وتبلبل الملك وانتقال الموارث من سبط لآخر اذ تقع الفتن والمنازعات بينها (عدد 26: 6). فيوسف قد حفظ هذه الوصية واخذ ابنة داود. ولو لم تكن من داود لما كانت صعدت الى بيت لحم مع يوف بن داود. اما كيف جلس السيد المسيح على كرسي داود ؟ فيقال كرسي داود بثلاثة انواع: الاول، الكرسي الجسماني المصنوع من خشب العـاج والمزيّن بالذهب والاحجار الثمينة. والثاني، عبارة عن الرئاسة والتسلط على كل الشعب. والثالث، عبارة عن وعد الله لداود بقوله: ” سأبني كرسيك الى جيل الاجيال، وكرسيه كالشمس أمامي “. اما هذا الوعد فكان لداود، وقد كمل في شخص مخلصنا فعلاً، كقـول جبرائيل الملاك لمريم: ” ويعطيه الرب الإله كرسي داود ابيه. ويملك على بيت يعقوب الى الأبد ” (لوقا 1: 32 – 33).
عدد 17: فجميع الأجيال من ابراهيم الى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود الى سبي بابل أربعة عشر جيلاً. ومن سبي بابل الى المسيح أربعة عشر جيلاً.
لم يقل متى اثنين واربعين قبيلة. ولم يقسّمها الى ستة أجزاء، لأن عدد الاسابيع كان محبوباً عند اليهود، كما اسلفنا، لكنه حصر الاجيال في ثلاثة اقسام مشيراً بهذا انه كما لم يصعب على اليهود التغيير من سياسة القضاة الى سياسة الملوك، ومن سياسة الملوك الى سياسة رؤساء الكهنة، كذلك لا يعسر عليكم التغيير من هذه الى سياسة المسيح. بل ان المسيح هو مجموع هذه الرتب فهو القاضي والديّان والملك وعظيم الأحبار. اذ كان الأولون يدلون عليه خادمين اسراره فقط، وكانت خدمتهم رمزاً الى خدمته الكاملة. وقد كان اليهود يلومون الرسل بقولهم انكم تفرضون على الناس ناموساً جديداً. واذ أراد متى ان يقصي عن اخوته الملامة اوحى ان سياسة الله في كل حين تغير الأمور الى ما هو أنفع للناس. ولذلك قسم عدد القبائل الى ثلاث رتب، فاليهود من ابراهم الى شاول كانوا خاضعين للقضاة، ومتى عدَّ شاول واحداً من القضاة لأنه حكم زماناً قصيراً ورُذِل. وعاشوا تحت حكم الملوك من داود الى السبي. ومن انقضاء عصر الملوك الى المسيح كانوا يتدبرون بعظماء الكهنة. فاذاً قسّم القبائل بحسب تغيير الظروف. وان الذي أقام القضاة وبعدهم الملوك وبعدهم المدبرين فليس بعجب ان يشرق بسياسة ابنهِ. وتغيير الامور لم يفد اليهود شيئاً، لانهم كانوا يعملون الشرور في زمان القضاة والملوك والمدبرين. قال القديس فيلوكسينوس: قسم القبائل الى ثلاثة أجزاء لأنه في ثلاثة اماكن أظهر الآب الوعد بمجيء ابنِه. وذلك بقوله لابراهيم: بزرعك تتبارك الشعوب. وبقوله لداود: سأقيم زرعك الى الابد. وقال بواسطة نبي آخر: سيرعاهم داود عبدي. وقال آخرون صار هذا الوعد في ذرية آدم من بادئ بدء. ولعل للانجيلي قصد شريف في قسمة الأجيال الى اسابيع مضاعفة، وهو ان يفسر كلام دانيال عن المسيح المنتظر وانه تمّ بيسوع الذي سبق الأنبياء ونادوا بمجيئه. ثمّة قائل يقول ما الداعي في كون متى سرد الاجيال الاخيرة اثني عشر ثم عدّهم ؟ قال القديس يوحنا: ان متى وضع مدة السبي بدلاً عن القبيلة. وقال كاوركي ان المسيح يعدّ بدل قبيلة. وكما ان لفظة ” الى” ما اخرجت داود من القبائل الاربعة عشر التي في الجزء الاول. هكذا لفظة ” الى ” لم تخرج السبي من الجزء الاخير، والجزء المتوسط. فيكون العدد في كل منهما باضافة المسيح الى الاخير أربعة عشر. قال آخرون ان الجزء الاخير ترك فيه واحد بين شالتئيل وزربابل وهو ندبيّا. واحصيت مريم بدل ابيها أو احصي المسيح مع العدد فصار أربعة عشر كما أسلفنا. ورب سائل يسأل من أين تلقى متى ولوقا جدول نسبتهما ؟ فالجواب من جملة مصادر، من الروح القدس اسوة بالانبياء الذين كانوا يعلمون الخفايا، ومن سفر الايام، ومن كتاب عزرا، ومن جدول الانساب الذي كان محفوظاً في الهيكل. وقد كانت لليهود عادة ان يلقن الآباء بنيهم نسبة أسلافهم شفهياً من الخلَف الى السلَف حتى آدم او بالعكس. وقد اشار اليها بولس الرسول” وتوصي المؤمنين الا ينشغلوا بالاساطير وسلاسل النسب المتشابكة. فتلك الامور تثير المجادلات ولا تعمل على تدبير الله القائم على الإيمان ” (1 تيموثاوس 1: 4). ان متى كتب لليهود، ولذلك ابتدأ من ابراهيم وداود اللذين كان لهما الموعد. أما لوقا فكتب للامم لذلك اوصل سلسلته الى آدم، موضحاً ان المسيح ظهر منه، وفي ذلك تقريع لليهود الذين يفاخرون بابراهيم. وأيضا ليري ان من يعتمد ويولد جديداً يصعد الى الله الذي جعلنا أولاداً له واخوة للسيد المسيح. ومن جهة اخرى ليزيل الشك والشبهة في ان البتول تلد على قياس ما عمل الروح في البدء حين جبل جسد آدم بلا زواج. هكذا في آخر الزمان جبل الكلمة جسده من البتول بلا زواج. لان فعل الآب والابن والروح واحد. اما لماذا جعل متى سلسلته تبتدي من الاعلى وتنتهي في الاسفل وفعل لوقا العكس ؟ فنقول ان الكتاب اصطلح هذه العادة وتلك. فقد ورد في سفر راعوث ان فارص ولد حصرون وحصرون ولد آرام وآرام ولد عميناداب والباقي الى داود. وورد في غيره ان ” القانة بن يروحام بن اليهو بن توحو بن صوف. هو افرايمي (1 صموئيل 1: 1). وغاية متى بطريقته التي استخدمها، وهي التنازل من أعلى الى أوطى ومن فوق الى اسفل، ان يعلمنا ان الله الكلمة انحدر من فوق وجاء لخلاصنا حسب مواعيده السابقة. أما لوقا فغايته من فعله العكس، ان يعلمنا ان الذين يعتمدون يصعدون من أسفل الى أعلى. وهذا معلوم لانه أورد جدول نسبته على أثر عماد السيد. واصطلاح متى على ايراد النسبة الطبيعية ليوضح ان الابن المولود جذبنا الى درجة التواضع التي هي من شأن طبيعتنا. أما لوقا فعلمنا بنسبته الوضعية ان الذين تلدهم المعمودية بالنعمة والوضع تنقلهم الى السماء وتصيرهم بنيناً لله. ومحل البحث ان الاسماء التي سردها لوقا اكثر من التي سردها متى من داود الى المسيح فالاولى 43، والثانية 28 بقطع النظر عن الاسماء التي اغفل ذكرها والتي لو ضُمّت الى العدد لصار 32. فنقول ان النسل في عائلتين او قبيلتين لا يستوي البتة. اذ لا بد من ان يزيد في أحدهما وينقص في الاخرى لتقدم أفراد بعضهما في الزواج وتأخر أفراد البعض الآخر مع مساوات السن بين كل منهما. فالنسل من ناثان الى يوسف شيء كما ذكر لوقا، ومن سليمان الى يوسف شيء آخر كما ذكر متى، فلا عجب ان زاد الاول عن الثاني. ويوجد سبب آخر معقول لهذه الزيادة وهو ان متى اقتصر على ذكر الآباء والابناء الطبيعيين من داود الى المسيح، وأما لوقا فزاد على الطبيعيين الناموسيين. واذا قيل لماذا اعتمد متى على النسبة الطبيعية فقط وخالفه لوقا اذ عول على كلتيهما ؟ فنقول ان لوقا لما علم ان اليهود قرعوا متى لقوله ان يعقوب ولد يوسف لكونهم يعلمون يقيناً ان يوسف هو ابن هالي بحسب الشريعة، سار لوقا على خطة مزدوجة موضحاً ان بنوّة يوسف لهالي الشرعية لا تخرجه البتة عن البنوّة ليعقوب. وقد اعترض يوليانوس الكافر قائلاً: ان كان لوقا اعتمد على النسب الناموسي لماذا لم يدع عوبيد حسب الناموس بل سماه حسب الطبيعة وقال عنه ابن بوعز ولم يسمه ابن ملايون حسب الناموس كما هو مكتوب في راعوث ؟ فنقول ان النسبة من داود الى ابراهيم لا خلاف في كونها طبيعية، ولا ريب عند اليهود في ذلك، أما الريب فكان بشان يوسف، لذلك عوّل لوقا على نسبة الناموس من داود الى المسيح. أما لماذا ذكر متى الرجال والنساء الملومين، ولوقا ذكر الفاضلين ؟ فنقول ان متى أراد ان يعرّف ان الله جاء ليدعوا الخطأة ولم يستنكف ان يتجسد من جبلة فاسدة لكي يصلحها. أما لوقا فلما اراد ان يعلمنا ان الذين يعتمدون ويصيرون اولاداً لله لا يجب ان يبقوا تحت الخطيئة، فعدّ جنس ناثان غير الملوم وبذلك لم يذكر يكنيا ومن يشبهه. ثم وضع افرقيانوس واوسابيوس اسم ملكي في تفسيرهما ثالثاً قبل يوسف بن هالي بن ملكي. أما النسخ السريانية الموجودة عندنا فموضوع فيها اسم ملكي خامساً اذ تقرأ هكذا: يوسف بن هالي بن متثات بن لاوي ابن ملكي. وعدّ افريقيانوس خمسين شخصاً في لوقا من ابراهيم الى يوسف. اما في الكتب السريانية ففي لوقا اثنين وخمسين. فلنفحص عن الحقيقة، يقول غريغوريوس اللاهوتي ان من آدم الى المسيح سبعة وسبعين جيلاً حسب النسبة الواردة في لوقا. ويقول القديس يعقوب السروجي، في الرسالة التي أرسلها الى مارون، ان من ابراهيم الى المسيح اثنين وأربعين قبيلة كما كتب متى. أما لوقا فقد جعلها سبعاً وخمسين قبيلة. فيكون حسب قول هؤلاء المعلمين ونسخة الانجيل التي عندهم من آدم الى المسيح سبعاً وخمسين قبيلة، كقول يعقوب السروجي، ففقد واحد من السبعة والسبعين من آدم الى المسيح فيكون الباقي من ابراهيم الى يوسف ستة وخمسين، وليست خمسين حسب رأي افريقيانوس ولا هي سبعة وخمسين كقول القديس يعقوب وغريغوريوس، بل هي ست وخمسون كمدلول النسخة اليونانية والسريانية. والظاهر ان الكاتب قد أغفل اسماً واحداً وبقي هكذا في نسخ كثيرة.
عدد 18: أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا.
دعي الرب يسوع في الكتب المقدسة باثنين وخمسين اسماً. منها ما يناسب الزمان الذي. التجسد نحو قوله الكلمة والابن والمشرق. ومنها ما يناسب الزمان الذي بعد التجسد نحو قوله يسوع المسيح. ومنها تخبر عن اتحاده كقوله عمانوئيل الذي تفسيره إلهنا معنا وهو اشارة الى اللاهوت والناسوت. واسم يسوع هو عبراني معناه المخلص. ويدعى مخلص لانه خلص شعبه من خطاياهم ” فستلد ابناً، وتسميه يسوع، لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم ” (متى 1: 21). ودعاه النبي الشفاء، لانه قد ” أتى لشفاء المبتلين بالاوجاع والامراض ” (ملاخي 4: 2). وسمّى موسى النبي تلميذه باسم يشوع بن نون رمزاً الى المسيح وكان اولاًً يسمى هوشع. ودعي بالمسيح كونه صار انساناً يقال له ممسوح لانه قد مُسِح ناسوتياً. ان المسح في العهد القديم كان على ثلاثة أنواع: (1) رمز، كمسحة الملوك والكهنة. (2) مسح بالنعمة أي بالروح سراً وخفياً، كمسح الانبياء والكهنة. (3) مسح اكرامي لاصلاح الامور، كمثل ابراهيم وكورش وحزقيال. ثم ان المسح يقال على سبعة انواع: (1) بالكمية، كما يقاس الشيء بالأذرع والأشبار فيقال ان فلان مسح الارض أي قاسها كما قاس الملاك اورشليم الف ذراعاً. (2) انعاماً، كالأنبياء الذين مسحوا بالروح سراً. (3) بالزيت، كمثل الملوك والكهنة الذين مسحوا بالدهن المقدس والناس أيضاً يدهنون مسحاً مطلقاً. (4) بنوع الاكرام، كابراهيم واسحق المقول عنهما لا تدنوا من مسحائي. (5) بالانتخاب والتخصيص، كالمختارين لاستقامة الامور مثل كورش وحزقيال المدعوين مسحاء. (6) التثبيت من الايمان والعماد، كقوله الجسد هو المسيح. (7) بالروح القدس، كمسحة اللاهوت للناسوت كما مسح المسيح جسده، أعني بلاهوته وبروحه. الا اننا نقول ان يسوع المسيح هذا الذي نسجد له ليس انساناً فقط ولد من مريم ثم بعد ذلك مسح بالروح وتقدس حسب هذر الهراطقة، بل هو الله الكلمة المولود من الآب أزلياً. فسمّي مسيحاً لأنه رضي ان يُمسح بالروح ويتقدس بالجسد. وكما هو، بطبعه، أشرف من ولادة المرأة ومن الآلآم والموت، وقَبِل الميلاد والموت والآلام بالجسد لأجلنا، كذلك ارتضى ان يمسح بالروح اذ هو واهب الروح وقدوس بطبعه وقبِل حلول الروح القدس عليه كغير المحتاج. فاذاً قد قبله بالجسد ليعطينا اياه. وفي كل شيء صار لنا بداءة مثل آدم الثاني كقـول الرسول بولس: “على ان كلّ واحد منّا قد أُعطي نعمة توافق مقدار ما يهبُه المسيح لكي بواسطته يعطينا الروح القدس ” (افسس 4: 7). وأيضاً ندعوه مسيحاً لانه ممسوح من الآب أزلياً ” أحببتَ البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ” (مزمور 45: 7) ولان الروح القدس حلّ في بطن العذراء كقول الملاك ” الروح القدس يحلّ عليك، وقدرة العليّ تظللك. لذلك ايضاً فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ” (لوقا 1: 35) وجبل الروح القدس جسد الله الكلمة ومسحه وقدّسه واتّحد الكلمة مع الجسد اتحاداً اقنومياً. وهذا ما عمله الروح لا لأن الابن لم يكن قادراً ان يجبل جسده ويقدسه، بل ليعرف ان ذاك المولود هو إله وابن طبيعة الروح وليصير عدد الثلاثة أقانيم معلوماً. ان الآب شاء ان يتجسّد الابن والروح القدس جسم الابن بما انه جبل جسده من البتول. كذلك كان هذا العمل نحو رتبة المخلوقات. الآب أمر ان تكون، والابن عمل، والروح القدس تمّم وكمّل. بل الآب مسح، والابن مُسح، والروح القدس قام مقام المسح. لهذا نسمي الله الكلمة مسيحاً وذلك لسببين: اولاً، لانه قَبِل ان يمسح بالجسد من الروح القدس. ثانياً، لان الروح مسح جسده وقدّسه لما اتّحد الله الكلمة معه. ثم نقول ان المسيح ليس انساناً ممسوحاً بالمسح حسبما قيل ولا كتب عنه انه انتُخِب من الله كالبشر. يقول بطرس الرسول ” ان الله مسحه ” (اعمال 4: 27) لكي يزيل ظن اليهود القائلين انه مضل، وليؤمنوا انه مرسل من الآب. وأيضاً ان اسم المسيح لم يأخذ قوة حد الاسماء ولا يطلق عليه لفظ ما، كما يطلق على الانسان والحيوان، لكن الفعل المضمون يُعرف عند كل أحد تعريفاً. فيُعرف عن المسيح الذي صار انساناً لاجلنا انه إله متجسد، كالروح الذي له جوهرياً، أي انه اتخذ جسداً كاملاً مقدساً بالروح القدس ذا نفس عاقلة ناطقة وجعله واحداً مع لاهوته اي اتحد معه اتحاداً اقنومياً. وعدا ذلك ان اسم المسيح يعلمنا الاعتقاد بالثالوث فان الآب مَسح والابن مُسح والروح القدس هو المسحْ أي المسحة. والذي يقول ان المسيح صار انساناً طبيعياً ومُسح بالروح القدس ليتقدس فليقل لنا في أي وقت مُسح أقبل الميلاد ؟ فنقول انه قبل ان يُحبل به في بطن البتول لم يكن له جسداً. وان قيل أثناء المعمودية، فنقول انه في مولده دعي المسيح. يقول بعض الهراطقة ان معنى يسوع المسيح هو انسان ولكن هذا محض خطأ، فان اسم يسوع المسيح هو الله الكلمة. لا لأنه إله، بل لأنه صار انساناً. ثم نقول ان اسم يسوع المسيح لا يعني الجسد المأخوذ من مريم، ولا يعني انسان وإله معاً، لكنه يعني الهاً متجسداً. وذلك واضح من قول يسوع لليهود: ” ان الذي قدّسه الآب وأرسله الى العالم أتقولون له إنكَ تُجدف لأني قلتُ إني ابن الله ” (يوحنا 10: 36). فمن هو المـرسل من الآب أإنسان هو، أم إله وانسان معاً ام الله الكلمة ؟ كقول بولس: ” ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ” (غلاطية 4: 4). فاذاً ذاك الذي أُرسل من الآب الى العالم هو الكلمة وهو المدعو يسوع. وهو هو المقدس. لا انسان. ولا انسان وإله معاً. لكن الآب هو الذي قدّس الكلمة بالروح القدس الذي مسحه، لا بما انه إله ابن الله بالطبع ومساوٍ له والروح القدس وهو واهب القداسة، بل لأنه صار انساناً لاجلنا. وقد قال المسيح ايضاً ” الحق الحق اقول لكم قبل ان يكون ابراهيم انا كائن ” (يوحنا 8: 58). فمن هو الذي كان قبل ابراهيم ؟ اهو الإنسان الذي من مريم أم الإله والإنسان معاً ؟ فالانسان الذي من مريم لم يكن قبل ابراهيم فقط، ولم يكن قبل مريم، لكنه بعد مريم ولد منها. فقد صار معلوماً ان الذي كان قبل مريم هو الله الكلمة المدعو بهذا الاسم ” يسوع المسيح “. وقد قال يسوع لليهود ماذا تقولون عن المسيح ابن من هو ؟ فقالوا له ابن داود. فقال لهم: ” فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربي أجلس عن يميني. فان كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنهُ ؟ ” (مت 22: 42 – 44) فمن هو الآن رب داود، أهو الانسان الذي من مريم الذي لم يكن في زمان داود ولا مريم التي ولد منها، أم الإله المتجسد الذي يدعى مسيحاً ؟ فدعاه رباً واحداً ولم يقل أرباباً. اعني انه واحد لا كثيرين. فاتضح ان الله الكلمة ابن الآب الطبيعي دعي رباً كما في قوله تعالى: ” فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء ” (تك 19: 24). وكقوله: ” انه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ” (لوقا 2: 11). فاذاً اياه دعا المسيح. ومكتوب أيضاً: ” ان كرسيك يا الله الى دهر الدهور. أحببت البر وأبغصت الإثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك) “مزمور 45: 6-7). فبعدما سمّاه إلهاً قائلاً كرسيك الى الابد، يعني لا نهاية ولا فناء لملك سلطانك، قال من اجل هذا مسحك الله اي ان الآب مسح الابن الكلمة بالروح القدس. فاذاً لا بما انه إله بل بما انه قد صار انساناً. كما قال الكلمة نفسه: ” ان الذي قدّسه الآب وأرسله “. وايضاً قال: ” انه أفضل من رفقائه لذلك مسحه “. يعني مسحه افضل منا نحن وافضل من الانبياء والرسل والمسحاء الاخرين. لان جميع الناس يقبلون مسحة الروح القدس على سبيل الهبة والنعمة، أما الكلمة فلما تقدس ومُسح بالروح فلم يقبلها محتاجاً بل كغير المحتاج وكالغني وواهب النعم كقول يوحنا: ” ملئه نحن جميعاً اخذنا ونعمة فوق نعمة ” (يوحنا 1: 16). ولأنه وهاب وابن طبيعة الروح رضي ان يُمسح منه لكي ننال نحن المحتاجون المسحة بواسطته. فاذاً الله الكلمة يدعى المسيح بما انه قد صار انساناً. ويثبت هذا يوحنا قائلاً: ” امتحنوا الأرواح هل هي من الله لا بد ان انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الى العالم. بهذا تعرفون روح الله. كل روح يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فهو من الله وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح انه قد جاء في الجسد فليس من الله ” (1 يوحنا 4: 1-3). قال بولس الرسول: ” لنا إله واحد الآب الذي به جميع الاشياء ونحن له ” (1 كورنثوس 8: 6). فنسأل الهراطقة من هو الذي به خلق الكل أهو انسان ؟ حاشا، لأن الانسان هو خليقته. فاذاً بالله الكلمة خُلق الكل كما قال يوحنا: ” كان في العالم وكُوِّنَ العالم به ولم يعرفه العالم ” (يوحنا 1: 10). قال بولس الرسول في رسالته الى أهل كولوسي: ” فإنه فيه خُلِقَ الكُل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكُل به وله قد خُلِق ” (كولوسي 1: 16) انظر أيضاً (عبرانيين 11: 3). فاذاً الذي به خلق الكل هو الله الكلمة الذي دعاه بولس رباً ومسيحاً، لا الانسان الذي من مريم حسب زعم الهراطقة. وقد قال بولس الى اهل فيلبي ايضاً: ” الذي إذ كان في صورة الله لم يُحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ” (فيلبي 2: 6). فهل ذلك يطلق على الانسان ؟ كلا، فان الانسان فضلاً عن كونه ليس نظيراً لله فقط بل خليقة ومتعبد. أما الابن الكلمة فهو نظير الله الآب، لانه ابن طبيعي ومساوٍ له في الجوهر ولم يخطف هذا اختطافاً بل طبيعياً كان له. فمن هو أيضاً الذي اخلى ذاته وأخذ صورة عبد أهو الانسان الذي من مريم أم اللاهوت ألم يكن هو الله الكلمة ؟ بلى لان الانسان مجرد على كل حال. وقوله اخلى ذاته لم يتكلم الرسول عن اثنين، لانه ليس هناك ابنان مساويان لله ولا اثنان اخليا ذاتهما بل واحد هو الله الكلمة بما انه قد صار انساناً وهو الذي اخلى ذاته واخذ جسداً وهو الذي لا يتغير. مكتوب انه اخذ صورة عبد فأيهما الآخذ وايهما المأخوذ ؟ ان الانسان هو المأخوذ وليس بآخذ كما يزعم الهراطقة، أما اللاهوت والناسوت معاً فغير ممكن ان يكونا كلاهما مأخوذين، الا ان الواحد آخذ والآخر مأخوذ. فاذاً الله الكلمة هو الآخذ الذي اخذ جسداً ذا نفس عاقلة ناطقة من البتول وجعله معه واحداً. وعلى الله الكلمة قال الرسول ان يسوع المسيح قد اخلى ذاته واخذ صورة عبد وكإنسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب “. وبعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الاعالي صائراً اعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً افضل منهم (عبرانيين 1: 3 و 4). فما معنى قوله انه اخلى ذاتهُ ؟ معناه أولاً، انهُ مع كونه الهاً صار انساناً بإرادته ولم يتغير. ثانياً، ومع كونه ابن الله الازلي وواحداً معه الروح، وان كان قد تجسد، هو القدوس في ذاته قبل ان يمسح بالروح القدس بما انه قد تجسد. ثالثاً، ومع كون طبعه غير قابل الآلآم فقد قبل ان يتألم ويموت بالجسد لا بما انه إله مجرد، بل بما انه قد صار انساناً وتألم آلاماً طبيعية بعيدة عن الملامة كالجوع والعطش وما اشبه ذلك، وقبل ان يتسمّى بأسماء دنيّة وهو الإله الرب والملك. فالآباء القديسون الثلاثمائة والثمانية عشر الذين اجتمعوا في نيقية، قالوا: ” وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب”. ونحن نقول للضالين ان كان اسم المسيح يدل تعريفاًً على إله وانسان كقولهم. فالاثنان مسحاء، لذلك يطلق الاسم عليهما كليهما. والاسماء هي ثلاثة: ماسح وممسوح والمسْحة. فالماسح هو فاعل المسحة، والمسح هو الفعل والممسوح هو الذي وقع عليه الفعل بياناً. وكذلك ان كان اسم المسيح يدل على إله وانسان كقولهم، اذاً قد مُسِح الانسان ومُسِح الاله ايضاً، واذا كان ذلك، لماذا تمتنعون عن القول بان الله الكلمة مُسِح من الآب بالروح القدس بما انه صار انساناً. وأيضاً، ان كان اسم المسيح يدل على الله والانسان معاً فينتج من القول مسيحان لا مسيح واحد. مثلاً اسم الفَرَس يدل على الفرس البري والفرس البحري اذ يطلق الاسم على كل فرد منهما وعليهما معاً ويقال لها فرسان. كذلك اذا قلتم الانسان مُسِح والله مسحه، فتكون النتيجة ان المسيح ماسح ومُسِح لا مسيح فقط. وان قلتم ايضاً الانسان هو الممسوح بسبب الاتحاد واشرَكَ الكلمة باسمه لأنه دعي ممسوحاً، فكان يجب ايضاً ان الكلمة يشرك الانسان باسمه فيدعى ماسحاً. فنسمي اذاً الله الكلمة مسيحاً لا بنوع انه عار عن الجسد بل بما انه قد صار انساناً لم يتغير، ولا ندعو إنسان متأله مسيحاً كهذيان الهراطقة لانه ليس انساناً قد تأله بل إله قد صار انساناً كما قال البشير: ” الكلمة صار جسداً “(يوحنا 1: 14). وليس أرضياً صار سماوياً بل سماوي قد صار أرضياً كقوله تعالى ” اني قد نزلت من السماء ” (يوحنا 6: 56) و ” الى خاصته جاء” (يوحنا 1: 11). والمعلمون يشهدون محققين ان الكلمة يسمى المسيح الممسوح بالروح القدس بما انه قد صار انساناً. قال القديس غريغوريوس النازينزي: “ ان مسحة الوحيد هي الروح القدس “. وبعد كلام وجيز يقـول: ” ان كان المسيح الله الوحيد فالمسحة هي الروح القدس “. والقديس يوحنا في تفسيره لرسالة الغلاطيين يقول: ” لهذا يسمى يسوع لانه المخلص شعبه من خطاياهم “، وفي كنية المسيح ذكر مسحة الروح القدس. والقديس ساويرس في الفصل الثاني والاربعين ضد غراماطيقوس يتساءل: ” لِمَ لم يدع كلمة الله مسيحاً قبل التجسد بل بعد التجسد دعي مسيحاً ؟ ” كقول القديس كيرلس في رسالته الى متوحدي مصر: ” ان الكلمة لم يعط اسم المسيح حين كان بعد عارياً أي قبل تجسده، بل أعطي حين صار انساناً مثلنا لانه حينئذ مُسح بسبب اتحاده “. فلذلك لم يوضع اسم المسيح لكلمة الآب قبل ان يولد ولادة بشرية. فان دعي في بعض الاماكن مسيحاً فلا تفهمه الا بحال تجسده. وان سمعت بانه يدعى كلمة بعد كمال التجسد فإياك ان تنسى الجسد المتحد معه. والزعم بان لفظة مسيح تليق لهذا وحده ولذاك وحده هو زعم باطل وكلام هتر بل هو محض خطأ، لانه بمسحه انسانياً قد مُسحنا به. كما أننا بعماده اعتمدنا معه. قال القديس غريغوريوس الثاولوغوس في المقالة الثانية عن الابن: ” يقال انه يدعى المسيح لأنه إله “. أما المسحة فلأنه انسان وليست مسحته منحة تمنح القداسة كما تمنح الممسوحين والقديس ساويرس في الرسالة الى مارون يقول: “ان المتكلم باللاهوت غريغوريوس يقول ان المسيح كامل ليس لاجل الالوهية فقط التي ليس شيء اكمل منها، بل أيضاً من جهة الجسد المأخوذ الممسوح باللاهوت. وصار كأنه هو الماسح “. وأنا واثق ان أقول انه كامل في جوهره اللاهوتي وان مسحته دلالة على اتحاد الكلمة مع الناسوت ولو انه صار بالقول دليلاً على المسحة. لانه ما كان يُمسح لو لم يصر انساناً، لكن بما انه قد قال انه صار ما لم يكن فهذا يعني انه صار الماسح. وأنا واثق من القول ايضاً ان المسيح كامل بطبيعتيه ” اللاهوت والناسوت ” وهو واحد بدون افتراق بعد الإتحاد ليصير هو بعينه ذاك الماسح والممسوح بالفعل. قال القديس فيلكسينوس: ” لهذا يسمى المسيح لان الآب قد أخبر عنه بواسطة الروح القدس انه الابن الطبيعي المساوي له في الجوهر”. كقوله: ” مجدني ايها الآب بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ” (يوحنا 17: 5). وقوله:” فجاء صوت من السماء مَجَّدْتُ وأُمَجِّدُ أيضاً ” (يوحنا 12: 28) ومن اجل الروح قال: ” عندما يأتيكم روح الحقّ يرشدكم الى الحقّ كله، لأنه لا يقول شيئاً من عنده، بل يخبركم بما يسمعه، ويطلعكم على ما سوف يحدث وهو سيمجدني لأن كل ما سيحدثكم به صادر عني ” (يوحنا 16: 13 و 14). فمتى مُسِح المسيح أقبل ان يُحبل به أم في حال الحبل أم بعد الميلاد ؟ قال الهراطقة أنه بعد ان ولد من البتول ولم يصدقوا. ولكنه يتبين من قول متى ” كتاب ميلاد يسوع المسيح ” انه ولد ممسوحاً. أما المعلمين فالبعض يقول انه مٌسح قبل ان يُحبل به أي باعتبار ارساله من الآب مسحة له وبرهانهم قوله تعالى ان الذي قدّسه الآب وارسله الى العالم. ومن الذي صعد الى السماء واحدر المسيح.. الخ. أما نحن فنقول انه في حال الحبل به في البطن مسح الله الكلمة اذ انحدر الروح الى بطن البتول وطهّرها وجبل منها جسداً للكلمة فمسح وقدّس ذاك الجسد واتّحد الكلمة معه اتحاداً اقنومياً ويعرف ذلك من قوله: ” الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظللك ” (لوقا 1: 35).
بقوله ولادة يسوع كانت هكذا. بيّن للسامعين جنسه وأعلمهم ان هذا هو المسيح الذي قال عنه يعقوب: انه سوف يأتي عندما يزول القضيب من يهوذا (تكوين 49: 10). وعند نهاية السبعين اسبوعاً التي قال عنها دانيال. فالتعريف هنا عن مولده الجسداني تعليماً. اي انك متى سمعت أحداً يدعوه رجلاً فلا تظن انه يولد حسب ناموس الطبيعة. ولما اراد ان يبين شرف مولده قال: ” أما ولادة”. ….يعني انه لم يولد كسائر الناس لكنه وُلد بشكل يفوق الطبيعة ومشرف عن طبيعة المولودين لاجل ذلك قال ” فكانت هكذا ” ليبين وحدانية الميلاد الذي لا نظير له.
لمّا كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل ان َيجتمعا وُجِدت حبلى من الروح القدس
ان مريم كانت مخطوبة ليوسف وليست زوجة بالمعنى المفهوم وقبل ان يجتمعا وجدت حبلى. ولماذا لم تحبل قبل ان تخطب ؟ الجواب لكي يختفي هذا الامر العجيب عن رئيس هذا العالم. فلم يعرف الشيطان من طريقة مولده انه إله متجسد. قال القديس اغناطيوس: ” ان بتولية مريم وولادتها وموت المسيح اضلوا الشيطان “. وليختفي الامر عن اليهود لم تحبل قبل الخطبة. ولتصير البتول بريئة وخالصة من القضاء والبلاء، لكونها مرتبطة برجل، لم ترجم مثل الفاجرات حسب الشريعة (تثنية 22: 23 و24) ولان نسبة القبائل لم تكن تُكتب باسم النساء قبلت اسم الخطيب.
(وجدت حبلى) لا قبل ان تأتي الى بيته لانها كانت ساكنة عنده من قبل الحبل. وهكذا قد سكن يعقوب مع خطيبته في بيت خاله لابان. فقد كانت عادة المخطوبات ان يسكنّ ثلاثة سنوات مع الخطيب وبعدها كنّ يتزوّجن. وهذا لاظهار ان زواجهنّ لم يكن قهراً من الشهوة وتغلبها عليهنّ بل لأجل ايلاد البنين الذين كانوا محسوبين عندهم مجازاة الأجر وأثمار البر. فاحتاجت البتول الى خطيب ليعينها ويحفظها من اليهود حتى انهم اذا رأوها حبلى لا يختلجهم ريب او شك فيرجموها. بل ليذهب معها الى مصر هرباً من وجه هيرودس الذي كان يريد اهلاك الصبي. ثم لنزع عار البتول اذ كان وجود امرأة بلا رجل يجلب عاراً بين اليهود كقول اشعيا: ” ليدع فقط اسمك علينا. انزع عارنا ” (اشعيا 4: 1). ولان العادة كانت ان من ينذر نفسه للرب نذر العفة لا يتزوج. والبتول كونها كانت نذراً للرب خُطبت لرجل شيخ كبير السن ليحفظها وليس ليتزوج بها. والشاهد لقولنا ان يشوع بن نون كان نذيراً فما فدا نفسه بثمن ولذلك لم يتزوج امرأة. أما كيف خطبت فيقول القديس غريغوريوس النازينزي واثناسيوس الكبير ويعقوب الرهاوي انها خطبت لتحفظ وهذا بأمر الكهنة لانها كانت نذيرة ويعـرف ذلك من قولها للملاك: ” اني لم أعرف رجلاً ” (لوقا 1: 34). أما يعقوب السروجي والقديس ساويرس فقالا انها قد خُطبت للزواج بدليل قول الانجيلي ” قبل ان يتعارفا ” أي أنهما كانا سيتعارفان قريباً ولكن الاعجوبة سبقت الزواج. ولا يصحّ ان نفهم من هذا بانهما تعارفا بعد ذلك كما قال بعض الهراطقة. بل يعرف انها خطبت للزواج مع انها لما حبلت لم يُلم يوسف كمن قد خالف وتجاوز المنذور لله. وبقوله ” قبل ” أبعد يوسف من الشركة.
(وُجِدت حبلى) يعني صارت معروفة عند يوسف انها حبلى. ولمنع الشك اين وكيف حبلت اذ عادة النساء تحبلن من الرجال. وهذه حبلت ولم تعرف حال الزواج. فمختصراً قال
(من الروح القدس) فبقوله ” الروح ” بيّن انها لا بشركة يوسف ولا بغيره حبلت. ولانه زاد قائلاً ” القدس ” أظهر ان الحبل ليس من ريح مجتمعة حبلت كما جرى لبعض النساء كقول اشعيا: ” حبلنا تلوّينا كأننا ولدنا ريحاً “ (اشعيا 26: 18). أما لفظة ” من ” فتقال بأنواع شتى: طبيعية كالشعاع من النور. وروحية كالابن من الآب أزلياً. وعملية كالكرسي من النجار. وخلقية كالخليقة من الخالق وبانواع اخرى غير هذه. أما ههنا فهي مفعولية. لان الروح القدس جبل وخلق جسداً والكلمة اتحد معه. (ومن الروح القدس) أي الروح القادر على كل شيء، الذي من البدء خلق آدم الانسان الاول من الارض بلا زواج. واخرج حواء من ضلعه. ” وافْرَخَ العصا ” (عدد 17: 8). “واجرى انهاراً من الصخرة ” (خروج 17: 6) و ” من الفك اليابس ماء”) قضاة 15: 19) و من العواقر بنين (لوقا 1: 7) وهو الآن من البتول جبل جسـداً طاهراً لله الكلمة. وفي كل حين يخلق الروح مع الكلمة ويتمّم الخليقة كقوله: ” بكلمة الرب خلقت السماوات وبروح فيه جميع جنودها“ (مزمور 33: 6). ان الجسد الذي اتّحد الكلمة به هو من البتول لأنها قدمت ما تقدمه النساء الى جبلة الجسد. وهو من الروح لانه قام مقام الرجل فخلقه وجبله ومسحه واتّحد الكلمة به اتحاداً أقنومياً. أما انت فمتى سمعت ان الروح قد عمل هذا فآمن وصدق ولا تفحص. لانه لا جبرائيل ولا متى ولا غيره استطاعوا ان يقولوا كيف صار هذا. لانه سر عجيب وغير مدرك فبشّر ونادي باسم الذي عمله فقط ولا تقل كيف صار. لانه كما يقول القديس كيرلس التفسير غير ممكن. ثم يجب ان نعلم انه لما حُبل بالكلمة وتجسّد من البتول جاء الروح القدس اليها لكي يزيل اللعنة المقولة ” بالوجع تلدين أولاداً” (تكوين 3: 16) وليطهرها ويقدّسها ويقام لها مقام الرجل فيجعل الجسد متّحداً بالكلمة، والكلمة يقبله أولاً ويمسح ويتقدّس به ثم يناوله لنا.
عدد 19: فيوسف رجلها اذ كان باراً ولم يشأ ان يُشهِرها أراد تخليتها سرّاً.
الصداقة والعدل يطلقان على من لا يغش ولا يظلم أحداً. والحقيقة ان من اقتنى نوعاً واحداً من انواع العدل يقال انه عادلاً. وهنا يسمى عادلاً المتزين بكل أنواع الفضائل. أما عدالة هذا الرجل البار فكانت ضد الناموس لانه لم يشأ ان يشهرها بل يطلّقها سراً.. ثم نقول كيف ترآءى يوسف رجلاً عادلاً وصدّيقاً. وهل ظن ان البتول طاهرة وبريئة أم انها زانية ؟ فان كان قد ظنّ انها زانية فكان الواجب عليه ان يشهرها ويوبخها. وان كان قد ظنّ انها قديسة فكان الواجب عليه ان يعولها ويهتم بكل ما تحتاج اليه. ولكنه كان عادلاً ورحوماً. أما عدله فكان يوجب عليه ألا يبقي الزانية في بيته. أما رحمته فكانت تشير عليه ان يطلّقها سراً لئلا يكون معها ومخالف للناموس. وقوله سراً يعني شفقة منه ورحمة عليها حتى لا تنفضح ويحكم عليها بالموت كزانية. والارجح انه كان رجلاً عادلاً لانه لم يشهرها اذ لم ير فيها خطيئة، لا سيما وقد سمع عن حبل اليصابات وسكوت زكريا وارتكاض يوحنا في بطن أمه، ففكر ان هذه أيضاً اعجوبة. ولاجل هذا لم يحسبها كزانية. ولم يهتم بها كطاهرة.
(أراد تخليتها سراً) أي لم يذع خبرها لليهود. ولما عاين حبلها سألها مستفهماً عن مصدر حبلها. فأجابته انه من الروح القدس كما قال السروجي. أما هو فوقف متشككاً أي ان كان من الروح فلا يجب ان يدنو منها، وان كان من الزنى فلا يجب ان يخلط طهارته مع جسم زان. ولهذا اهتم لتخليتها سراً لئلا يقتلها اليهود فيصير مذنباً. وقال آخرون أن مريم لم تجاوبه لانها عرفت انه لم يصدق كلامها كون حبلها فائق الطبيعة والادراك. بل بالحري كان يضطرب منه لدى سماعه. ففكرت في نفسها ان الذي قد شاء ان يولد منها هو يجاوب عنها. وربما انها لم تر واجباً ان تبوح بالسر الذي خاطبها به الملاك فعملت كقول النبي ” من كان حكيماً يحفظ هذا ويتعقّل مراحم الرب ” (مزمور 107: 43).
عدد 20: ولكن فيما هو متفكّر في هذه الأمور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلمٍ قائلاً يا يوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس.
(ولكن فيما هو متفكر) أي بتخليتها سراً لئلا يشعر اليهود بها فيرجموها ويدان كمذنب. وهنا يسأل البعض لماذا لم يظهر الملاك ليوسف علانية كما ظهر لزكريا وللبتول وللرعاة ؟ الجواب لانه كان رجلاً اميناً فلا يحتاج الى منظراً ظاهراً. أما ظهوره لزكريا علانية فلأنه كان يعسر عليه الايمان بدليل أنه شك بعد ظهور الملاك له. أما ظهوره للبتول فلصعوبة الامر الذي هو فوق الطبيعة. أما للرعاة فلأنهم كانوا أناس ساذجين وجاهلين. وتكون الاحلام على انواع شتى: فهي أحياناً من الله كحلم يوسف وفرعون ونبوخذنصر ودانيال وامراة بيلاطس. وأحياناً من الشيطان مثل الخيالات المظلمة. وتأتي تارة من كثرة انشغال الفكر نهاراً، فما يُحدّث به الانسان نفسه في النهار يراه بالليل في حلمه. وتاتي طوراً من الامتزاج والخلط الغالب، كقول الاطباء ان كان الدم غالباً في انسان فإنه يرى قتلاً وسفك دماء في المنام. وان غلبت المرارة السوداء فيرى ظلمة وبيوت مقفلة وكلها تسبب الخوف والفزع. وان غلب البلغم فيرى امطاراً وانهاراً ومياهاً جارية. وان كان مزاجه دموياً وغلبت عليه المرارة الصفراء فيرى ناراً وشمساً وشعاعاً وحريقاً. وترى الاحلام بانواع أخرى. أما حلم يوسف فهو من الله. ويسأل البعض لماذا لم ياتي الملاك الى يوسف قبل ان يفتكر هذا الفكر ؟ والجواب ان ذلك لحكمة من الله ولئلا يشك مثل زكريا. ولعلمه تعالى بان الحبل وتحقيق الملاك له يجعلانه يؤمن بسهولة. لان مريم ايضاً سكتت عن اعلان حبلها ليوسف خوفاً من انه لا يصدق قولها. لان الواقع لو صحّ وقوعه من امرأة لقضي عليها بالموت الشنيع بموجب الشريعة. فجاء الملاك الى البتول قبل ان تحبل لكي لا ترهب ولا تجزع بتغير القضية. لانها لو حبلت من دون معرفة سر حبلها لكانت تقتل نفسها لتتخلص من العيب. أو لكانت تموت من حزنها. ولهذا لم يظهر الملاك ليوسف أولاً ويبشره كزكريا لئلا يرتاب مثله ويعرض له مثلما عرض لزكريا. او لكان عند سماعه انه من الروح يهرب من البتول كمن يهرب من النار المشتعلة وما كان يسكن معها. بل والارجح انه كان هذا لكيلا يبشر البتول قبل الملاك ولأنه من الحق الواجب ان تعلم أم الطفل بامره قبل الآخرين الأخيار.
(يا يوسف بن داود) دعاه ابن داود لا ابن يعقوب وابن هالي حسب الناموس لكي يذكره بالوعد الذي قد صار لداود وانه هو الذي وعد ان يظهر كما سبق. فقال عنه الناموس والانبياء.
(لا تخف) فبقوله لا تخف ازال عنه الخوف. لان يوسف كان خائفاً لئلا يكون مذنباً أمام الله اذا احتفظ وآوى في بيته امرأة. لكن الملاك هدأ روعه وشجع قلبه وازال عنه الشكوك واثبت انه قد ارسل من الله.
(ان تاخذ مريم) أي لتأويها عندك. فأنت حسب فكرك اخليتها. ولكن الله يسلمها لك الآن لا أبواها.
(امرأتك) فسماها امرأته ليعرفه انها ليست مذنبة وفاجرة. فلو كانت كذلك لما دعاها امرأته. بل من الخطبة تدعى المخطوبة امرأة للرجل اكثر من الزيجة معها. وذلك واضح من ان الزانية مع رجل لا تدعى امرأة له ولا اذا دنى منها بأي نوع كان. فقال لا تخف ان تاخذها. يعني لا تظن انها زانية وتخشى مصاحبتها والسكن معها بل كن مؤمناً ومصدقاً انها حبلى من الروح القدس وهيئ نفسك لخدمتها. وقد دعاها امرأته كما دعا مريم أماً ليوحنا مع انه لم يكن مولوداً منها (يوحنا 19: 27). ان الملاك لم ينتهر يوسف كما انتهر ابيمالك موبخاً. لان التدبير نحو يوسف كان امره عظيماً والفرق ظاهر بين هذا وذاك. أما يوسف فقد تحقق ممن عرفه أفكاره الخفية ومن جهة الوعد لداود. ومن شهادة اشعيا عن بيت داود. ومن شرف الميلاد. ومع ذلك فان الملاك زاد أمر الحبل وضوحاً فقال
(لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس). أي ان الله الكلمة اذ كان مزمعاً ان يتجسد من العذراء سبق الـروح القدس وقدّس الحشاء الذي جبل فيه جسد الله الكلمة. وبقوله ” فيها ” اثبت بان هذا الحبل ليس من زرع رجل ولا شهوة زواج بل من الروح القدس ومن جسد البتول. ولم يقل منها، لان قوله ليس عن انسان مخلوق جديد بل عن الكلمة الذي صار جسداً. أما نحن فلكوننا نأخذ من أمهاتنا ابتداءنا ما لم نكن من قبل فيقال عنا اننا نولد منهنّ. أما ذاك فلأنه كائن منذ الازل بلاهوته فقيل عنه انه حبل به فيها. فاذاً بما انه قد تأنس قال الملاك ” فيها ” عن ذلك الذي سابقاً كان موجوداً ازلياً وفوق الازمنة. وقوله ” من الروح القدس ” يعني مثل الخليقة وعملها. لا بالولادة الجسدانية كقوله: ” المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح روح هو ” (يوحنا 3: 6) ولا طبيعياً لان الطبع البسيط هو الجوهر فلا يقبل الافتعال. والحاصل ان قوله من الروح القدس كمثل خليقته. قال القديس ساويرس ان عمل الروح كان خلقة الولد. أما مريم فكانت تدخل عدم النقصان خلا الشهوة والخطية وكما هو معتاد للنساء ان يكون من جوهرهنّ، فان آدم وحواء بواسطة الشهوة ولدا البنين. والله الكلمة لما شاء ان يجدد طبيعتنا المفسودة فلا شيء من الشهوة صار في الحبل به.
عدد 21: فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع. لانه يخلص شعبه من خطاياهم.
(فستلد ابناً) لم يقل الملاك ستلد لك كما قال لزكريا لانها لم تلده ليوسف لكن لخلاص العالم اجمع. ولانه ما كان يقرب لميلاده بشيء.
(وتدعوا اسمه يسوع) يعني انه ولو لم يكن ولدك الا انه مأذون لك ان تسميه كي لا تصيرغريباً من السياسة. ولوقا يقول ان الملاك قال لمريم ان تسميه ” وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع ” (لو 1: 31) ولا تناقض بين القولين لان من عادة الاب والام ان يسميا الابناء. أما اسم يسوع فمعناه مخلص. وحتى لا يظن ان الخلاص محسوس بمعنى انه يخلص شعبه من عبودية الملوك القساة أو اي سلطة ظالمة قال البشير لانه يخلص شعبه من خطاياهم أي انه جاء ليحيي الاموات بالخطايا والذنوب ولم يقل الشعوب لئلا يحزن يوسف بسبب عبور الخلاص من الشعب الى الشعوب كما قد عرض ليونان. فلا يتوهمن القارئ اذ ان المـراد بشعبه اليهود فقط بل كل من يؤمن به. كقوله: “وله يكون خضوع شعوب ” ويقول البعض كيف احيا شعبه ؟ الجواب بالايمان به وبالمعمودية والتوبة. فبقوله ” شعبه ” قد سبق واعلن عن سلطانه ومساواته للآب اذ قد دعا شعب اليهود شعبه كما انهم شعب ابيه. وكلاهما خاص بالله تعالى لا بالانسان. ان يكون الشعب شعباً له . كما هو مكتوب ان الشعب الاسرائيلي هو حصة الرب. وقوله يخلص شعبه من خطاياهم وكقول اليهود: ” من يقدر ان يغفر خطايا الا الله وحده ” (لوقا 5: 21) فاذاً السيد المسيح هو الله الكلمة وقد صار انساناً ليخلصنا من خطايانا.
عدد 22: وهذا كُلُه لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل.
تعجب يوسف مما قد صار فقال وهذا كله كان. فما هو هذا كله ؟ هو ان بتول تحبل بلا زواج. وان الله جرّد ذاته وأخذ صورة انسان. والسياج المتوسط قد نقض. والصلح تمّ ما بين الله والناس. فلا تظنوا ان هذا حادث لكنه معد قبل تأسيس العالم وقد اشير اليه بالرموز وأنبأت عنه الانبياء من قديم الزمان، ولذا قال ليتم ما قيل. ومعنى ذلك ان النبوة ليست علّة لميلاد الابن ولا الملاك جعل النبوة حجة لكلامه فلا تقل لسبب تنبؤ اشعيا عمل الله هكذا لكنه اوحى الى اشعيا فتنبأ فقد كان مزمع ان يتم هذا. وبقوله ” ما قد قيل من الرب ” بيّن ان القائل هو الرب. وبقوله ” بالنبي ” عرّف ان النبي هو آلة للرب. ولو ان اشعيا قال الكلام لكنه كلام الله الذي اوحى به اليه. ثم اورد له هذه النبوة كشهادة كي يعلمه ان التدبير كان موعوداً به من قديم الازمان وليزيل عنه ما ربما جال في فكره من ان حبل العذراء ليس من الله، مؤكداً له مصدر الحبل كما سبق فأنبأ اشعيا بقوله ” هو ذا العذراء تحبل “. عدا ذلك فانه أورد له النبوة في الحلم حتى اذا انتبه من النوم لا ينسى الحلم بل يتذكر نبوة النبي فيتأكد صدق الرؤيا ومصدر الحبل.
عدد 23: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا.
يقول بعض المفسرين اليهود ان النبي لم يذكرها بتولاً بل شابة وصبية فنقول ان هذا الزعم باطل لانه لا يوافق ترجمة الاثنين وسبعن شيخاً التي هي أصح جميع الترجمات. أولاً، لكثرة مترجميها ومطابقة آياتهم. ثانياً، لانهم ترجموها قبل مجئ المسيح بمدة. على ان قوله ” هوذا العذراء تحبل ” هو علامة كان قد اعطاها الرب لآحاز. فان كانت شابة مزمعة ان تلد من زواج فكيف تكون آية أو علامة لان الآية هي فعل فوق الطبيعة. وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي العذراء شابة وصبية كقوله: ” خرجت الصبية لتسقي ماء” (تكوين 24: 14 و16 و57) ولا يخفى ان المخطوبة لرجل كانت بتولاً والغير مخطوبة فتاة وشابة وصبية (تثنية 2: 22 و 26 – 29)
(ويدعى عمانوئيل) لم يقل وتدعوه أنت. لكن يدعى من الناس أي من أعماله العجيبة ومعجزاته الخارقة الطبيعة يعرفون ان الله جاء الينا ليتردد معنا على الارض بالجسد. ودعي عمانوئيل من المعلمين المشهورين من بني البشر. فمن الافعال صار معروفاً انه ” نور وشعاع اشرق للجالسين في الظلمة ” (1 شعيا 9: 2) وليس بالكنية والتسمية دعي هكذا. وان قال اليهود ان المسيح لم يدع من الناس عمانوئيل. فنسألهم متى دُعي اسم اشعيا يستعجل يسبي ويزحم ينهب (1شعيا 8: 3). فلا يمكنهم بيان ذلك. وان كان من اجل السبي والنهب الذي صار في أيامه سماه بالفعل. ومكتوب عن أورشليم انها تدعى مدينة البر والعدل. كذلك عمانوئيل من الفعل قد سمّاه النبي بهذا الاسم يعني لانه تردد معنا بالجسد. فقد جرت عادة الكتاب ان يسمي الحوادث بدل عن الاسم. وعمانوئيل معناه ” الله معنا ” فان قالوا انه مع الصالحين قد تردد. كقوله ليشوع بن نون: ” مثلما كنت مع موسى فأكون معك ” (يشوع 1: 5) بطريق المعونة. ولم يدع عمانوئيل هناك. فنقول لاجل المولد الجسداني قيل هنا لما صار انساناً وتردد معنا على الارض. وأيضاً فقد قال عمانوئيل ويعني الله معنا وليس معهُ حسب زعم النساطرة الفاسد. فان الكلمة ما اتحد مع انساناً واحد مخلوق ومميز. لكنه اتحد مع طبيعتنا وجذبنا بقوة فاعلة الى الاتحاد معه.
عدد 24: فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته.
يعلمنا عن ضمير يوسف الخاضع ونفسه المنتبهة انه لم يفعل شيئاً بلا تمييز بل خضع للامر الالهي وعمل ما يرضي البتول
(امرأته). أما تسميته امرأته، فذلك كي لا يصير السر ظاهراً ولكي يمنع سوء الظن. وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي المخطوبة امرأة والخطيب رجل كقوله ” اذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل واضطجع معها…. أرجموها بالحجارة… الفتاة من أجل انها لم تصرخ. والرجل من أجل انه اذلّ امرأة صاحبه.. (تث 22: 23 و24(.
عدد 25: ولم يَعْرِفْها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع.
(لم يعرفها) يعني لم يتزوجها. ولفظه ” حتى ” تقال على ثلاثة أنواع: على ما له حدّ كقوله: ” لم يرتحل الشعب حتى أرجعت مريم ” (عدد 12: 15(أي بعد شفائها ودخولها المعسكر ارتحل الشعب. وكقوله: ” لا يزول القضيب من يهوذا حتى يأتي شيلون ” (تكوين 49: 10) أي بعد ما يجيء يزول القضيب اعني الملك. الثاني لفصل الامور كقوله: ” وسار ايليا في البرية حتى أتى وجلس.. ” (امل 19: 4 و 8) ومعلوم انه بعدما أتى جلس وبعدما وصل الجبل استراح. الثالث تقال على ما لا حد له كقوله: ” وأرسل نوح الغراب فخرج متردداً حتى نشفت المياه ” (تكوين 8: 7). ومعلوم انه بعد ما نشفت المياه لم يرجع. وقوله ليعقوب: ” اني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به” (تكوين 28: 15) فهل بعد ذلك تركهُ.. حاشا. وقوله: ” ان ميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى ماتت ” (2 صموئيل 6: 23) فهل ولدت بعد موتها فان لم تلد قبل موتها فكم بالاوفر بعد موتها. وقوله: ” ها أنا معكم كل الايام حتى انقضاء الدهر ” (متى 28: 19) العلهُ فيما بعد يتركهم. وقوله: ” من الابد وحتى الابد أنت هو يا الله ” (مزمور 90: 2) فلم يضع حداً على الله. وكثرة السلام حتى يجوز القمر فانه لم يضع نهاية لهذا الخبر. وقوله: ” قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى اضع اعدائك موطئ لقدميك ” (مزمور 110: 1) فهل يبطل جلوس المسيح عن يمين أبيه بعد أخضاع اعدائه ؟ اما لفظة حتى فأُطلقت هنا على ما لا حدّ له. بمعنى انه لم يعرفها قط لا قبل الولادة ولا بعدها وليس كما يقول الهراطقة انه عرفها بعد ما ولدت، اذ لا يُفهم من لفظة ” حتى ” انه قبل الولادة لم يعرفها وبعد الولادة عرفها وقد جرت عادة الكتاب ان يستعمل هذا التعريف. أما ان يوسف لم يدن منها فمعلوم هذا من عظم جلال المولود فيها. ومن انها قد صارت مسكناً للروح القدس وقبلت قوة العلي. وانها مباركة في النساء وانها تحبل وتلد بدون وجع وألم لان حبلها وولادتها كانتا على خلاف الطبيعة. ولذا لم يجرأ على الدنو منها. كيف لا وفي وقت آلامه أعلن الرب انها امرأة ليس لها مثيل في النساء اذ سلمها لتلميذه يوحنا. على ان آخرين يقولون ان لفظة ” لم يعرفها ” تقال على وجهين الاول عن الزواج كقوله: ” وعرف آدم حواء امرأته ” (تكوين 4: 1). والآخر عن المعرفة كقوله: ” فنظرت وليس من يعرفني ” (مزمور 142: 4). وكقول سمعان لربنا: ” انت تعلم ” (يوحنا 21: 15).وقال آخرون ان معنى قوله ” لم يعرفها ” يعني لم يعرف سمو مقامها وجلال قدرها وانها والدة الاله حتى ولدت ابنها. اذ رأى العجائب وقت ولادته، فالملائكة سبّحت والرعاة بشّرت والمجوس سجدت. ونحن نقول كما ان الله المولود منها لم يتغير كذلك بتولية والدته لم تفسد. تلك التي يقول الكتاب انها لم تعرف رجلاً. وزكريا رتبها مع البتولات في الهيكل. ولكن الهراطقة يقولون بانه ان كان لم يحل البتولية فهو لم يأحذ جسداً ولكنه قد حلّ البتولية بخروجه. فنقول ان كانت البتول قد ولدت الهاً فآمن وصدق انها لبثت بتولاً بعد الميلاد لانها ولدت الهاً قديراً كما يدعوه اشعيا ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ” (اشعيا 9: 6) والبرهان كما انه خرج من القبر وهو غير مفتوح ودخل العلية والابواب مغلقة. هكذا خرج من البطن ولم ينقض البتولية. وأيضاً ولج جسم في جسم ولم يثلمه. والادلة على ذلك كثيرة فحواء خرجت من جنب آدم والمياه جرت من الصخرة. والماء نبع من فك الحمار الميت. فكم بالاحرى ان يولد المسيح من البتول بدون ان ينقض بتوليتها.
(ابنها البكر) لا لأنها ولدت بعده آخر غيره، كما يزعم الهراطقة، بل لانه ولد اولاً دعي بكراً. وقد جرت عادة الكتاب ان يدعو بكراً كل فاتح رحم كقوله ” كل فاتح رحم قدوس يدعى ” (خروج 13: 1). فالكتاب يدعو هذا بكراً قبل ان يصير له اخوة ولدوا بعده من البتول حاشا، بل لان هؤلاء الاخوة يهوذا ويعقوب ويوسي أولاد يوسف من امرأة أخرى. وقد دعوا اخوته بالتدبير كما دعي يوسف بها لارتباطه بمريم. اما المسيح فيدعى بكراً على اربعة انواع: اولاً بالطبع، كقول متى ولدت ابنها البكر. ثانياً بميلاده الازلي، الذي به صار بكر كل خليقة (كورنثيوس 1: 15). ثالث بالعماد، أي الميلاد الثاني الذي صار به بكر بين اخوة كثيرين (رؤيا 8: 29). رابعاً بقيامته، لانه صار بكر القائمين من الأموات (رؤيا 1: 5).
(ودعا اسمه يسوع). اعني مخلص كما قال الملاك في النسخة اليونانية ” ودعا اسمه ” أي يوسف. وقد ذكرنا آنفاً ان للاب والام حق وضع اسماء أولادهم. فمن البتول ولد وليس من مزوجة ليصير معروفاً انه اله قد صار انساناً. وليس انساناً ساذجاً قد تأله. لان الاتلاد من عذراء خاص بالله وحده. وحتى لا يظن الحنفاء انه انسان ساذج مولود من مزوجة. هذا وبما انّ بواسطة حواء البتول صرنا مذنبين. فواجب ان نتبرر بواسطة مريم البتول. وكما ان الكلمة ولد من البتول فوق الطبيعة. هكذا ولدنا من المعمودية فوق الطبيعة وان قيل كيف يمكن ان بتولاً تلد ؟ فنقول ان الغير ممكن لدينا ممكن لدى الله. ولماذا ولد من بتول مخطوبة ؟ كي لا يتعظمن غير المتزوجات على المتزوجات. وليعرف الجميع ان الزواج مفروض من الله تعالى وليس من الشيطان حسب بدعة ماني الهرطوقي. بل وليعرف الجميع ان المسيح إله حق من ان مولده ليس كسائر المواليد فلا يتوهموا انه مثلهم بما انه مولود بلا زواج وتجسد من الروح القدس وولد من البتول وبتوليتها محفوظة. وانه جاء ليكمل المواعيد والنبوات ولكي يخلص شعبه من خطاياهم كما يدلّ عليه اسمه الذي وُضع له قبل ان يولد.
الاصحاح الثاني
عدد 1: ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيرودس اذا مجوس قد أقبلوا من المشرق الى أورشليم
ابتدأ متى هذا الاصحاح بذكر المكان والمَلك الذي وُلد المسيح في عهد ملكه. لكي يعلمنا ان النبوّات قد كملت بالسيد المسيح. فيذكر المكان لنتذكر نبوّة ميخا وهي: ” أما انت يا بيت لحم منك يخرج الذي يكون متسلطاً على اسرائيل ” (ميخا 5: 2) ليعلمنا ان المولود هو ابن داود المكتوب عنه انه من قرية داود. ويذكر الزمان وشخص هيرودس للدلالة على ان الأسابيع المذكورة في دانيال قد كملت (دانيال 9: 24) وان السيد المسيح قد ظهر للعالم وان الملك قد زال من يهوذا لتتمّ نبوّة يعقوب ” لا يزول قضيب من يهوذا… حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب” (تكوين 49: 10)..
أما السبب في تسمية بيت لحم بأفراتة فهو: ان كالب بن حصرون بعدما ماتت امرأته ” عزوبة ” تزوج امرأة ارملة اسمها ” افراتة ” (1 أيام 2: 18 و19). ولحبه لها دعى المدينة بهذا الاسم افراتة ومعناها حاملة الأثمار. ورزق من امرأته هذه بنين منهم ” لحم ” و ” آمون ” ولكثرة محبته للحم ابنه بنى مدينة وأضافها الى افراتة وسمّاها بيت لحم افراتة (1 أيام 4: 4) يعني بيت الخبز ..
اما كيف تولّى هيرودس تدبير شؤون منطقة اليهودية فقد كانت: ان المُلك من داود الى السبي كان خاص بالشعب الاسرائيلي. وبعد السبي ترأّس اسرائيل رؤساء الكهنة المعروفون من سبط لاوي لاختلاط سبط يهوذا بسبط لاوي. ولما صار الملك الى الأخوين اريسطوبولس وهادرقيانوس تخاصما مع بعضهما على الرئاسة وفقداها عندما تغلب عليهما الرومان فصار الملك لهيرودس العسقلاني، ولأنه لم يكن يهودياً فقد أفسد كتاب مواليدهم ووضع ثوب الكهنوت تحت ختمه. وفي زمانه ظهر السيد المسيح فتمت نبوّة يعقوب: ” لا يزول القضيب من يهوذا...حتى يأتي شيلون ” أي زالت الرئاسة من بيت داود. وبزوالها ملك هيرودس وجاء المسيح صاحب السلطنة والملك.
أما ولادته فكانت يوم الاربعاء 25 كانون الاول سنة خمس وثلاثين لهيرودس المذكور. وقال آخرون يوم الجمعة وآخرون يوم الاحد قبل صياح الديك في نفس الوقت الذي قام فيه من القبر والذي يعتقد ان تكون القيامة فيه. وفي سنة لاوغسطس قيصر ولد المسيح من البتول وهي ابنة 13 سنة والتي ماتت في افسس وعمرها 51 سنة 42 ودفنها يوحنا الانجيلي وتلاميذه. وفي زمن مولد ربنا عيّن كرنيليوس والياً. وفي شهر نيسان جاء المجوس. وقد ترك متى ذكر لف العذراء لابنها بالأقمطة ووضعه في المذود مع تسابيح الملائكة والختان وغيره. واقتصر على ذكر المجوس فقط الذي عُرف منه غش هيرودس وقتله الاطفال.
(اذا مجوس قد أقبلوا من المشرق). يقول اوسابيوس القيصري والقديس غريغوريوس ان المجوس كانوا من بني بلعام. ويقول يعقوب الرهاوي انهم من جنس عيلام بن سام. وقال آخرون انهم من امراء فارس كما تنبأ داود انهم يأتون ويقدمون له قرابين (مزمور 72: 10). أما عددهم فقد قال قوم انهم كانوا ثلاثة لأن قرابينهم كانت ثلاثة وكان معهم الف رجل ولذلك ارتجت أورشليم. ويقول يعقوب الرهاوي انهم كانوا اثني عشر رئيساً وكان معهم أكثر من الف رجل. وقال آخرون انهم كانوا ثمانية كنبوّة ميخا: ” اذا دخل آشور في ارضنا وداس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من امراء الناس ” (ميخا 5: 5). وقال غيرهم انهم كانوا ثلاثة أمراء أولاد ملوك ومعهم تسعة من رؤساء القبائل وان الملك الذي ارسلهم اسمه فير شابور. واسماؤهم هي: هدوندد بن ارطبان. شتاق بن كودفار. ارشاخ بن مهدوق. زروندبن بن وارود. اريهو بن كسرو. ارطمشد بن حميت. اشتنكوزان بن شيشرون. مهدوق بن هوهام. احشيرش بن صانيبان. صردنح بن بيلادان ومروداخ بن بائيل. وكان معهم 3000 رجل مسلّح، وخمسة آلاف حاملي خناجر. ولما عبروا الفرات سمعوا عن الجوع في أورشليم، فتركوا عسكرهم عند نهر الفرات بجانب الرها ومضوا، اي الاثنا عشر رئيساً، مع الالف رجل ومعهم القرابين. ويقول القديسان كيرلس ويوحنا ان المجوس عندما جاءوا وجدوا المسيح طفلاً ملفوفاً في الأقمطة. وقيل انه قبل زمن ميلاده ظهر النجم للمجوس حتى وصلوا قبل ثمانية أيام لميلاده. وقالا انه كان واجباً ان يسجد له في المذود لبيان عظم الاعجوبة. وقال آخرون ان وصول المجوس كان في ليلة الميلاد ويظهر ذلك من المكتوب: انه لما ولد يسوع جاء المجوس. لكن القديس ابيفانيوس اسقف قبرص لم يوافق على هذه الآراء اذ يقول ان مخلصنا ولد في بيت لحم وختن في المغارة واصعد الى الهيكل وحمله سمعان ومضى به الى الناصرة وفي السنة الثانية جاؤوا به ليظهر أمام الرب ثم مضوا الى بيت لحم. وفي آخر السنتين اصعدوه أيضاً الى أورشليم ومضوا به الى بيت لحم محل ولادته لانه كان محبوباً لديهم زيارة المكان الذي ولد فيه. واذ هم في بيت لحم اتى المجوس ويعرف هذا من قول متى: ” فدخلوا البيت ورأوا الصي مع مريم امه فخرّوا له ساجدين “. قال دخلوا الى البيت وليس الى المغارة وانهم وجدوا الصبي مع امه لا الطفل ملفوفاً بالأقمطة، وتطلق كلمة صبي على الذي يناغي ويحبوا ويمشي، و يوافق اوسابيوس والقديس مار افرام على هذا الرأي. امّا السروجي فيقول في ميمره عن ظهور النجم والمجوس: انهم رأوه ابن سنتين. من هنا نستطيع التحقق من أقوال متى ولوقا. فلوقا يقول انهم مضوا من بيت لحم للناصرة، ومتى يقول من بيت لحم الى مصر والاثنان صادقان. فلقد ذهب الى اورشليم بعد اربعين يوماً كما قال لوقا وفيما بعد الى الناصرة. وفي نهاية السنتين مضى من الناصرة الى بيت لحم ومن بيت لحم الى مصر كقول متى. ومكث في مصر سنتين حتى مات هيرودس وملك ارشلاوس ابنه. ومن هذا يتضح ان المسيح كان ابن سنتين. ولذلك قتل هيرودس الاطفال من ابن سنتين فما دون حسب الزمان الذي تحقق من المجوس. فان كان قد قيل له في تلك الليلة عينها ان يهرب الى مصر وهو ابن ثمانية ايام فكيف صعد للهيكل وحمله سمعان اذا كان هيرودس حانق عليه ؟
ان المجوسية هي هرطقة مركبة من الحنفية ومن الكلدانية تسجد للعناصر كالحنفاء وللكواكب وهي على معرفة بعدد النجوم والبروج وبتأثير الكواكب. فكل كلداني كان يعيش كما يشاء. والعجيب ان يسوع ظهر للشعوب الوثنية لا لليهود شعبه الخاص، لان شهادة الغريب أدعى الى التصديق من شهادة القريب. وذلك لكي يخرس لسان اليهود الغير المؤمنين الذين لم يقبلوا قول الانبياء ولكي يبطل كفرهم بإيمان الشعوب فقد يقولون لا نعرف متى وأين ولد. لقد اتى المجوس ليكرزوا لهم بكلام الأنبياء لان علامة ميلاده ظهرت للمجوس فقط وبواسطتهم انتشرت في كل الخليقة. وكما ان علامة رجوع الشمس اعطيت لحزقيا وحده ورجوع الشمس صار معلوماً في كل الدنيا، هكذا صار خبر ميلاده معلوماً لكل الشعوب بواسطة المجوس. وكما انه بهربه الى مصر وذهابه وإيابه صار خبر ميلاده معلوماً في المسكونة قاطبةً، هكذا جرى الامر مع المجوس بالتدبير الإلهي. ومع ان بلاد العجم ومصر كانت غارقة في لجّة ظلمة العبادة الوثنية أكثر من كل الشعوب الاّ انهم أُخرجوا قبل الجميع من الظلمة الى النور. فلم يُظهر ميلاده للأدوميين والفلسطينين جيران اليهود بل للبعيدين لكي تمتد بشارته في كل المسكونة ومن أقطار الأرض يأتون لإكرامه. فظهر للمجوس أكثر من الآخرين لانه جاء ليدعو الخطاة من جميع الشعوب، فالمجوس كانوا مرضى بعبادة الاصنام والسحر وكانوا يتزوجون بامهاتهم لذلك ظهر لهم اكقر من الآخرين ليشفيهم من الامراض السابق ذكرها. ولم يظهر لجميع المجوس لكنه ظهر للذين عَرِفَ بسابق علمهِ انهم مزمعون بحريتهم ان يؤمنوا به. وهكذا كان المجوس رجالاً فضلاء اتوا وسجدوا للمخلص ولم يخافوا من هيرودس واليهود بل جاهروا وبشّروا به واحتملوا لأجله أتعاب الطريق وعناء السفر. ولما رجعوا بشّروا به في بلادهم وصاروا بداءة دعوة الشعوب. قال البعض انهم رأوا في الكوكب صبية جالسة وهي حاملة صبياً في حجرها وفي رأسه تاج الملك لهذا جُذِبوا وراءه. وقال آخرون انهم رأوا في الكوكب كتابة هي: ” ان هذا الكوكب هو ملك اليهود المولود “، كما ظهر لقسطنطين الملك شبه الصليب في السماء وقيل له بهذه العلامة تقهر أعداءك. وقال آخرون انهم رأوا مكتوباً في الكوكب ان ملك اليهود قد ولد فامضوا اليه. وقال البعض انهم رأوا كوكباً نوره اقوى من نور الشمس ساطعاً برفقة ملاك قائلاً: ” ان ملك قد ولد في اليهودية فامضوا اليه “. ويسأل البعض من الذي اوعز الى المجوس ليمضوا الى المسيح ؟ قال قوم انهم اتوا بناء على نبوّة بلعام أبيهم الذي تنبا قائلاً: ” يبرز كوكب من يعقوب ” (عد 24: 17). وقال قوم آخرون انه لمزمع ان يولد ملك اليهود واذا ولد فامضوا وقرّبوا له القرابين، وأن هذا الخبر بقي مكتوباً عندهم حتى رأوا الكوكب فحملوا القرابين حينذاك ومضوا. وقال البعض ان دانيال تنبّأ للبابليين انه منذ الآن ولأسابيع كذا وكذا يولد ملك اليهود وفي مولده يظهر كوكب فامضوا وقربوا له القرابين، وان الملوك البابليين كتبوا هذه الاقوال بالذهب، فلما ظهر الكوكب ورآه المجوس أتوا وسجدوا له. وقال غيرهم انه في زمن دانيال وبحتنصر الملك جاء أُناس من سبا ليقدموا القرابين ويتعلموا الكلدانية فقال لهم دانيال: اذا ولد المسيح فان ملوككم يقربون له القرابين، فكتبوا ذلك وارَّخوه عندهم، فلما ظهر الكوكب جاءه المجـوس. وقال آخرون ان الساحر زردوشت أخبر عن هذا الامر. وقال قوم ان القائل هو باروخ تلميذ ارميا الذي خرج مغتاظاً من قومه، لأنه لم تعط له موهبة النبوة، فمضى الى الشعوب وكتب في اثنتي عشرة لغة تعلمها، وفي ذات يوم وهو جالس عند عين ماء حيث كان يغتسل الملوك قال لتلاميذه انه سيأتي يوم تلد فيه بتول من البنات العبرانيات ابن بدون زرع بشري فيه طبع اللاهوت وبمولده يظهر كوكب فامضوا وقربوا له ثلاثة قرابين ذهباً ولباناً ومراً. وتكلم على آلامه وقيامته. فلا فضل للمجوس اذاً في مجيئهم لانهم لم يأتوا بإرادتهم لكن بناء على ما كان مكتوباً عندهم، ولا فضل لبلعام ايضاً في نبوته. وقال آخرون ان دانيال عندما كان مع رفاقه أسيراً في بابل كانوا يقرأون قول يعقوب ” لا يزول القضيب من يهوذا … “. وقول بلعام ” يبرز كوكب من يعقوب “. وقول داود ” ان ملوك شبا وسبا يقدمون هدية “. وقد سمع هذه الاقوال من كانوا في سبي بابل مثلهم وسألوا العبرانيين عن معانيها والى من تشير، فقال لهم دانيال ورفاقه انها تشير الى السيد المسيح الذي سيظهر في يوم ميلاده كوكب مضيء كالشمس. فحفظ اولئك هذه الاقوال ورجعوا الى بلادهم وكتبوها متأملين فيها حتى جاء المسيح. ويقول القديس يوحنا فم الذهب ان الله قد حرّك قلوبهم وجعلهم يحملون القرابين ويتّبعون الكوكب سائرين، مثلما حرّك كورش ليأسر اليهود. وهنا يسأل البعض لماذا أتى المجوس من المشرق ؟ والجواب لأن الفردوس موجود في المشرق (تكوين 2: 8) ومنه تشرق الشمس. ومن المشرق جاء شمس البر (ملاخي 4: 2). ومنه تنبأ الانبياء بمجيء المجوس فقد قيل: من مشرق الارض الى مغربها اسمّي عظيم بين الأمم (ملاخي 1:7 و11). وان مجيئه الثاني سوف يكون من المشرق. وعندما ولد ربنا كان الفرس يملكون من حدود نصيبين الى المشرق، بينما كان الرومان يملكون من نصيبين الى المغرب. وفي ذلك الزمن جعل الله الأمن والسلام بينهم كيلا يتأخر مجيء المجوس.
عدد 2: قائلين أين هو المولود ملك اليهود. فإنّا رأينا نجمهُ في المشرق وأتينا لنسجد له.
اي اننا لا نطلب الملك الجالس على الكرسي ولكننا نطلب من قال عنه اشعيا: ” يكون أصل يسّى القائم رايةً للشعوب إياه تطلب الامم ويكون محله مجداً ” (اشعيا 11: 10). نحن طالبون الذي ولد الآن وليس هيرودس. لم يقولوا أين هو ابن الله، اذ اللبان كان اشارة عنه. ولان اليهود كانوا ينتظرون الملك والمخلص لذلك قالوا ” الملك ”
وتنقسم اسماء المسيح الى ثلاثة أقسام: أعلى، كقوله الله وابن الله والرب. وأوسط، كقوله ملك ومخلص وسلطان. وأدنى، كقولك رجل وابن البشر وعبد. فالمجوس دعوه ملك بالاسم الأوسط لإبتداء السياسة والتدبير. ولأن الاسمين الأعلى والأدنى كان قبولهما نادراً لذلك سألوا عن الملك لأن النبي ميخا سمّاه ملكاً بقوله: ” ومنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على اسرائيل ” (ميخا 5: 2).
(رأينا نجمهُ) تبارك الله فإنه بالكوكب جذب المجوس متنازلاً مع ضعفهم وصادهم بما كانوا معتادين عليه. وكما عرّف موت شاول بواسطة العرّافين، وعرّف قدرته لبلعام بما عمل لبالاق. ومثلما جذب بني اسرائيل بالذبائح المحببّة اليهم كعادة الوثنين في مصر. ومثلما اصطاد الرسل بصيد السمك. وكما فعل بولس مع الوثنين اذ أتاهم بالبراهين من أقوال الشعراء. وكما يصطاد الطير بالشيء المعتاد به، هكذا دعى المجوس بواسطة الكوكب اولاً وتكلم معهم بواسطة الملاك بعد ذلك وجذبهم. وعلى هذا النسق جعلهم خاضعين له رويداً رويداً. فالمجوس أخبرت عن ميلاده بواسطة النجم والكواكب التي كانوا يعبدونها.وكون تعالى سماوي فقد اصطادهم بالكوكب السماوي داعياً أهل بيته الى السماء، وبه جذبهم كقول بلعام الذي سماه كوكباً (عد 24: 17) واشعيا نوراً وملاخي شمساً (مل 4: 2) وارميا شعاعاً وعدلاً وسمّى ربنا ذاته نوراً. وبواسطة الكوكب الى المسيح يرتشدون وبالشمس يستضيئون. لاجل ذلك غاب الكوكب واختفى لدى وصولهم الى حيث شمس البر. وتلك خاصة الكواكب فانها تختفي متى طلعت الشمس ولا تظهر. وهكذا بطل الكوكب ناني الذي كان يعبده الكلدانيون ويعتبرونه إلهاً بظهور كوكب الصبح المنير ربنا يسوع الاله الحقيقي الذي جذبهم الى الحق. ونقول ان الذين نادوا وبشّروا بيسوع هم ثلاثة محسوسين: الكوكب لانه سماوي. والرعاة لانه راع. والمجوس لانهُ غافر الخطايا. فبواسطة الكوكب أخبر عن لاهوته وعظمة شأن المولود. فصار المجوس والكوكب الذي كان يعتبر عندهم الهاً ومعبوداً خداماً له. وكما يطلع كوكب الصباح قبل بزوغ الشمس المحسوسة، هكذا قبل الكوكب العقلي الغير منظور ان يكرز أمامه المنظور ليبيّن انه خالق المخلوقات ورب القديم والحديث. ففي كوكب الصباح ابتدأ بالنور اولاً، أما هنا ففي الكوكب جذب المجوس. ولم يكن هذا كوكباً لانه نزل ووقف فوق البيت. اذ معنى قوله نزل هو انه قد ترك علوه ونزل قريباً من الموضع والا فليس بالامكان معرفة المكان. وهاهو القمر الذي هو أكبر من النجوم معلق في الفضاء فوق أمكنة كثيرة مختلفة فلا يمكنهُ أن يري مكاناً واحداً. أما هذا النجم فقد نزل وهدى المجوس الى المكان. فحقاً انه ليس نجماً طبيعياً لكنه واحد من القوات العلوية. ومن أصحاب هذا الرأي القديس كيرلس والذهبي فمه وتاودوطا أسقف انقوريا. ان الكواكب نوعان نوع ثابت في الرقيع غير متحرك. ونوع ساير على الدوام. أما هذا فكان متحركاً سائراً امام المجوس وواقفاً يعرّفهم الموضع فتارة كان يسير وتارة كان يقف. فاذاً لم يكن كوكباً. وأيضاً ان الكواكب منها ما تسير من المشرق الى المغرب. ومنها بعكس ذلك. اما هذا فقد تحرك من شمال المشرق أي من شمال التيمن للغرب أي من بلاد فارس الى أورشليم لان بلاد فارس تقع قبال بلاد فلسطين. ثم ان الكواكب الطبيعية تظهر نهاراً وتختفي ليلاً وهذا كان يظهر ليلاً ونهاراً. وهذا بعكس الكواكب التي تظهر نهاراً فقط لا سيما وان الكوكب اختفى حال دخول المجوس الى أورشليم وظهر في خروجهم. وانه كان يظهر للمجوس فقط دون غيرهم. وان الكواكب الاخرى تصحب بحرارة أما هذا فكان يضيء ولم يحرق لكونه كان بعيداً من السماء الى الارض. ثم انه كان بالاصبع يري الطريق للمجوس ونوره كان فوق نور الشمس في نصف النهار. ولهذا لا يمكن ان يكون كوكباً طبعياً. قال قوم انه قوة من قوات الله الخفية قد ظهر بشكل كوكب. وقال آخرون قولنا من انه ملاك تشبّه بالكوكب وصار مرشداً للمجوس وليس خيالاً، وانه ليس كوكباً طبيعاً لمسيره من المشرق الى الجنوب حيث تقع بلاد المجوس في شرق اورشليم، وأورشليم هي قبلي بلاد فارس. ولما كانوا يدخلون احدى المدن أو القرى كان يختفي وذلك لكي بالسؤال والجواب يشتهر ميلاد المسيح. ولم يعرف له زمن معيّن بل اذا سار المجوس يسير معهم وحيث وقفوا كان يقف كعمود بني اسرائيل. وقال آخرون ان الكوكب ظهر عندما ولد المسيح، لكي يثبتوا عبادة الكلدانية. فنجاوب ضدهم قائلين ان كان المسيح قد ولد بتلك القوة التي يتوهمها المنجمون فكيف في الحال نقض وبطل الكلدانية. فمن كوكب واحد لا يُعرف مولد الانسان بل من كواكب كثيرة من الاثني عشر أو من السبعة. وهل للكواكب قوة على ان تحكم بسلطة انسان حسب ارادتها. ربما قائل يقول انهم قد حسبوا انه ملك اليهود. فنقول ان السيد له المجد قال أن مملكتي ليست من هذا العالم وانه ليس له جنود ولا عساكر ولا بيت ولا مأوى. وان اصحاب التنجيم لا يحسبون تقويم المولود من كوكب واحد لكن من السبعة الضالة التي تدعى المتحيرة الغير ملتصقة في جسم السماء وهي: الشمس والقمر واريس وهرميس وبيل وبيلاني وكرونوس. وان الاثني عشر برجاً الملتصقة في السماء هي: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. ويقولون ان السبعة تسير من المغرب الى المشرق والاثنتي عشرة من المشرق الى المغرب مع جسم السماء المحيط بعجلة القطب المحيطة بالارض. والارض قائمة في الوسط مثل المتانة المنفوخة في وسطها حبة الدخن. ويقولون ان هذه السبعة الضالة لأيام الاسبوع أي الشمس للاحد، والقمر للاثنين، واريس للثلاثاء، وهرميس للاربعاء، وبل للخميس. وبيلاني أو طروتيدى للجمعة، وكرونوس للسبت. ويهذر المنجمون قائلين ان اجزاء الانسان أيضاً هي: المخ شمس، القمر جلد، الدم اريس، العـروق هرمس، العظام بيل، اللحم بيلانس، الشعر كرونوس. أما الاثني عشر برجاً فيقولون انها مثل الاشهر منها مذكرة ومنها مؤنثة، وكل منها يصلح جزءاً واحداً من أجزاء الانسان بارادة الله تعالى. الحمل مذكر يصلح الرأس، الثور مؤنث يخلق العنق، الجوزاء مذكر يخلق الايادي، السرطان مؤنث يصلح الصدر، الميزان مذكر يخلق الاجناب، السنبلة مؤنث تخلق عظام الظهر، الاسد مذكر يخلق البطن العقرب مؤنث يخلق المثانة، القوس مذكر ينصب عظام الافخاذ، الجدي مؤنث يصيغ الركب، الدلو مذكر يمد السيقان، الحوت مؤنث يؤسس الرجلين. هذه قد كتبناها من ضلالة الكلدانيين كي لا ينقاد أحد الى ضلالهم ويتّبع كفرهم. ويقول يوليانوس الكافر ان قصة النجم ليست بصحيحة لان المنجمين لم يتكلموا عنه. فنقول من اجل أمور عظيمة ظهرت كواكب فمنها كوكب المذنب وغيره. فاذاً ليست خارج عن الرتبة ان بإرادة الله يظهر كوكب في ميلاد المسيح ويسبق يبشر بمولد مخلص العالم، مع انه ملاك من الملائكة تشبه بالكوكب وللمجوس ظهر فقط مثل عمود بني اسرائيل. وبقولهم رأينا نجمهُ يشيرون انه خاص به لا بغيره وهو دليل مطلق للمجوس الذين أتوا ليروه ويقدموا له السجود كإله والقرابين كملك.
عدد 3: فلما سمع هيرودس الملك أضطرب هو وجميع أورشليم معه.
اضطرب، لأنه كان من شعب غريب أعطي السلطة بغير حق من اوغسطس قيصر لذلك لما سمع خبر ميلاد المسيح أضطرب وخاف لانه ظن ان المولود الجديد يملك على الارض مثله ويقتله ويأخذ الملك منه. لقد ارتعد لكثرة المجوس وهيبة الأقانيم ولانهم سألوا في عاصمة مملكته عن ملك اليهود لا عن هيرودس. أما ان أورشليم أرتجّت بمجيء المخلص فلأنها لم ترضَ الخلاص وردّت وجهها عن المخلص. ويراد بأورشليم سكانها الذين ارتعدوا وبسبب كسلهم ما فحصوا عن مخلصهم كما فحص عنه المجوس بل كانوا يحسدونه باطناً بحيث لما سألهم هيرودس عن مكان مولد المسيح أجابوه في بيت لحم
عدد 4: فجمع كلَّ رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح
فجمع جميعهم لا البعض لئلا يختفي المكان الذي يولد فيه. فالمجوس سألوا عن الملك وهيرودس سأل الكهنة عن المسيح. فمن سؤاله المجوس وعظماء الكهنة ومما كان سمعهم يقرأون في الانبياء عن المسيح عرف انه مزمع ان يأتي وفهم انه هو الملك. ومن اضطرابه وخوفه لم يؤنب المجـوس قائلاً: ما هذا القول وكيف تنادون عن ملك آخر سواي ؟ وان كان لليهود مولود من الذي عرفكم عنه ؟ وان كنتم صادقين اروني نجمه ؟ لكنه لم يتظاهر بالبغض ولا اعلن حقداً بل اخفى ذلك في قلبه مكراً ليقتله.
عدد 5: فقالوا له في بيت لحم اليهودية. لانه هكذا مكتوب بالنبي.
ان اليهود لم يخفوا الحقيقة لانهم كانوا ينتظرون مجيء المسيح. فكشفوا له الامر حقاً واوردوا شهادة ميخا. وقال آخرون ان من حسدهم كشفوا الامر لكي يقتله ويعرف ذلك من انهم لم يكشفوا عن ملوك الادوميين وغيرهم بل عن ملك اليهود. وقال آخرون انهم لم يفعلوا ذلك حسداً بل كان غرضهم الحقيقي اعلان حقيقة امره لهيرودس لانهم كانوا يرغبون ان يسمعوا عن مولده. وآخرون قالوا أنهم كانوا مزمعين ان يجعلوه كاذباً بقولهم لسنا نعلم من أين انت. لهذا جاوبوا بتدبير الهي ليفضحوا ذواتهم. ومن عدد الاسابيع التي حسبها الكتبة ومن قوله لا يزول القضيب من يهوذا علموا ان مولده حاضر.
عدد 6: وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا. لان منك يخرج مدبرٌ يرعى شعبي اسرائيل.
(أنت يا بيت لحم… الخ) أي تتعظمين وتتبجلين وتأتي الشعوب من أقاصي الارض ليروا المذود والمغارة التي فيها ولد
(يرعى شعبي اسرائيل) يريد بشعب اسرائيل هنا الذين يؤمنون من الشعب والشعوب كقول بولس ” ليس كل الذين من اسرائيل هم اسرائيليون ” (رو 9: 6). فاذاً بقوله هذا يريد بالشعوب ولم يشهرهم من الابتداء كي لا يرتاب اليهود. وانه وان تكن النبوة اثبات ان المسيح يولد في بيت لحم الا انه كان يتردد في الناصرة. ففي الناصرة حبل به وفي وقت مولده صعدت امه الى بيت لحم وبعد ان مكث أربعين يوماً جيء به الى الهيكل وهناك حمله سمعان على ذراعيه وبشرت حنة النية. واذ لم يعرفه اليهود اختفى في الوسط وبعد سنتين ظهر الكوكب وارشد المجوس اليه فسجدوا له ولكي لا يقول اليهود اننا لا نعرف متى ولد. على ان النبوة لم تقل انه يتربى في بيت لحم بل يولد فيها وقد تمت النبوة اذ ولد يسوع في بيت لحم وقال اليهود ذلك لهيرودس الا انهم لم يذكروا بقية الآية وهي (مخارجه منذ القديم) اما لعدم فهمهم معناها أو لانها ما كانت خارجة عن سؤال هيرودس أو لانهم ارادوا ان يتملقوا هيرودس ويكتسبوا مودته فتركوها. وقد زعم اليهود ان هذه النبوة هي عن زربابل وقد فسرها بعض كهنتهم كذلك. على ان قول النبي ومخارجه منذ القديم أي منذ الازل يكذب زعمهم فان هذا القول يدل على ان المراد به هو قديم الايام الاله الازلي لا على زربابل ولا على غيره. لان زربابل ليس من البدء وليس من بيت لحم بل في بابل حبل به وفيها ولد أيضاً، وكما يدل على ذلك اسمه، كقول القديس يوحنا ان الاسم هو سرياني مركب من (زرع بابل) وكل من له المام باللغة السريانية يعرف ذلك.
عدد 7: حينئذ دعا هيرودس المجوس سراً وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر.
أن هيرودس أراد ان يتحقق الامر سراً. أولاً، لانه كان يخجل من المجوس ان يعرفوا جنسه ابن من هو من اليهود. وثانياً، لكيلا يفهم اليهود انه يسأل عنه بغضاً منه، ولظنه ان اليهود يعنبهم أمر الصبي جداً. ثالثاًً، لكي لا يشعر أبواه فيهربونه. رابعاً، حتى لا ينفضح غش قلبه. فسأل عن النجم متظاهراً لا عن مولده، اذ فكر في نفسه انه اذا سأل عن زمن مولده فربما ظن اليهود انه يريد قتله فيخفونه، ولهذا سأل عن النجم حتى يحسب زمان سنه ويقتل صبيان بيت لحم فيكون المسيح من ضمنهم. وقد كان من اللائق ان يعتبر ظهور الكوكب ومجيء المجوس للسجود له وكلام النبّوة الصادقة والغير ممكن ابطالها أو تغييرها بدل من ان يرتجف ويعمد الى قتله ظلماً لكن الحسد يعمي البصاير فلا تعود ترى الواجب أو تعرف الحق وتتبعه.
عدد 8: ثم أرسلهم الى بيت لحم وقال اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي. ومتى وجدتموه فاخبروني لكي آتي أنا أيضاً واسجدَ له.
ان المجوس قالوا عن المولود انه الملك. ولكن هيرودس من حسده لم يسمّه ملك ولم يحتمل ان يدعوه باسمه بل دعاه صبي، وبقوله آتي وأسجد له، هو حيلة ثعلبية ومكر شيطاني حتى يحمل المجوس على تصديقه والرجوع اليه بدعوى أخبـاره ليذهب ويسجد له. والحقيقة انه كان بذلك يريد معرفة محله بالتدقيق لكي يتمّم أمله الرديء. وقد قال البعض ان هيرودس زودهم بالعطايا ووعدهم بمثلها اذا رجعوا. أما المجوس فما ظنوا فيه سوءاً.
عدد 9: فلما سمعوا من الملك ذهبوا واذا النجم الذي رأوْه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي.
لما وصل المجوس أورشليم اختفى النجم لئلا يشعر به اليهود ويعرفون النبوة ويفتشون عليه. ولما ذهبوا من عند هيرودس وأخذوا في المسير ظهر النجم وتقدمهم وابتدأ يرشدهم. وقد قال قوم ان عدم ذهاب أحد من المجوس معهم هو بغضهم له. ولكن هذا باطل لانه من العادة ان كل جديد يدعي الالتفات والنظر اليه ولو كان غير محبوب للانسان او غير مفيد له. لكن العناية الالهية قد منعتهم، لانه لو ارشدهم انسان لكان الكوكب زايداً ومنفعته باطلة لكن الذي ابتدأ هو يكمل. ثم لكي لا يصير الشعب هادياً أو مرشداً للشعوب بل حسب النبوة يكون الشعوب مرشدين للشعب (أش 11: 10) هذا وما زال الكوكب سائراً أمامهم (حتى جاء ووقف… الخ) اي حتى وقف فوق حيث كان الصبي كأنه يشير اليهم انه في هذا المكان. أولاً، لكونه لم يولد في مكان مشهور. ثانياً، حتى يسجد لسيده الموجود في البيت لاجل ذلك وقف فوق البيت. كقوله سبّحوه أيها الكواكب والنور وكل المخلوقات يقدمون له المجد.
عدد 10: فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً.
فرحوا اذ وجدوا امنيتهم ولم يذهب تعبهم باطلاً والتبشير كاذباً. واما ما كان من أمر الكوكب بعد ذلك فالبعض قالوا انه انطلق الى القرية البعيدة من بيت لحم المسمّاة قبلاً كوكب، نبوة عن هذا الكوكب معقولة، لانه ان كان بيت لحم الذي معناه بيت الخبز سبق ودلّ على الخبز الحي الذي هو كلمة الله، فلا غرابة اذا دلّت عليه القرية المدعوة كوكب. أما نحن فنقول انه ملاك ملتحف بشكل الكوكب صعد للسماء بعدما كمّل خدمته ووقف في رتبته.
عدد 11: واتوا الى البيت ورأوا الصبي مع مريم امه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومرّاً.
فبقوله دخلوا للبيت لا للمغارة وصبياً لا طفلاً في المذود اعلن انه كان ابن سنتين. والمجوس لم يرتابوا اذ رأوه صبياً متجرداً متواضعاً ليس له مجداً ككوكبه وذلك لعظم امانتهم وشهادة عظماء الكهنة والنبوات المقولة عنه التي سمعوها من الكتبة ومن ضجة واضطراب أهل اورشليم.
(فخروا ساجدين له) اضاء لاهوته عليهم وجعلهم يسجدوا له وأذنت رؤية الكوكب المرشد بالسجود له، فسجدوا له بالقلب لا بالجسد فقط. فالرؤية أثرت فيهم وجذبتهم الى الندامة، والمعرفة زادتهم فرحاً. ان داود تنبأ قائلاً: ملوك شبا وسبا يأتون بالقرابين. وقال يعقوب أبو الاسباط: وله يكون خضوع شعوب. فكيف لم يقل أولاً امضوا تلمذوا كل الشعوب لكن اخيراً ؟ لكي تتم نبوات الأنبياء من ان الشعوب يسبقون الشعب ولأن اليهود رفضوا الارشاد والمعونة فابتعدت عنهم الى الشعوب.
(ثم فتحوا كنوزهم) يعني كانت مختومة داخل صناديق لان عادة الملوك يختمون الهدايا المرسلة الى ملك آخر.
(وقدموا له هدايا… الخ) اي كالمعتاد عندهم. فقدموا له لباناً لانهم كانوا يقدمون اللبان لآلهتهم والذهب لملوكهم وبالمر يحنطون موتاهم. ولكونهم عرفوا انه إله وملك ومزمع ان يتألم ويموت لهذا قدموا له هذه الانواع الثلاثة. الذهب، دلالة على انه ملك. والمر، دلالة على موته. واللبان، دلالة على الوهيته. والذهب يشير ان السجود امام الذهب راجع لخالقه والمر واللبان يدلان على انه طبيب يشفي جروحات آدم. وقد قيل ان له تجثوا كل ركبة في السماء وعلى الارض وما تحت الارض. وتقديم هذه القرابين الثلاثة كان الهام الهي. فبالذهب تعرف سجدة السماويين لانه سماوي وبواسطة اللبان سجدة الارضيين لانه ملكهم وبواسطة المر للذين تحت الارض لأنه مبعثهم وسيدهم. ثم ايضاً بواسطة الذهب لطهارة الامانة وشرفها. واللبان للرجاء الثابت به له المجد، فانه منعش برائحته، دلالة على ان المسيح رائحة حيوية للمؤمنين به. وبالمر شبهها للمحبة التي هي رباط الامانة التي تربط وتشد اعضاء الكنيسة كالمخصوص بالمر والبلسم. وأيضاً الذهب هو ملك كل المواد الغير المحسوسة فالواجب ان يهدى لملك المحسوسين والغير محسوسين. والذهب وحده معدنه لا يقبل الصدء والنقص بخلاف غيره من المعادن. وهكذا سلطنة يسوع لا تنقص ولا تزول كما هو مكتوب. وأيضاً بالذهب أشار عن طهارة جسده انه لم يعمل اثماً ولا غشاً. وبالمر أنبأ عن آلامه اذ حنط جسده بمئة رطـل مر. قال داود النبي ” بالمر والميعة والسـليخة ثيابك مطيبة ” (مز 45: 8) وباللبان عرف انها رائحة طيبة بالمسيح. وقد قربوا الذهب أولاً كرئيس وبدائة جميع الاشياء الغير محسوسة. وباللبان لجميع الاشجار. بل عن الطيب الذي مزمع ان ننال من ربنا. وبواسطة المر لجميع المطايب. فيشير عن صعوبة وعسر وصاياه كقوله ما اضيق الباب واكرب الطريق. ثم نقول من اين عرف المجوس ان يجلبوا هذه الهدايا. قيل ان آدم كان قد وضعها في مغارة الكنوز وانه كان أوصى شيت ابنه ليحملها الى هناك محفوظة حتى اذا ظهر المسيح يأتي المجوس ويقربوهم له وهذا الرأي غير مقنع للعقلاء. وقال آخرون انهم من الكوكب عرفوا ان المولود إله وملك ومزمع ان يموت فيجب ان يذهبوا ويقربوا له ذهباً ولباناً ومراً. ويعترض يوليانوس الكافر قائلاً للمسيح تقدم لباناً. لماذا انتم تبخرون بكنائسكم بخوراً ساذجاً ؟ نقول ان المسيح لم يطالبهم بتبخير اللبان لكن هم باختيارهم قربوا كالعادة المعتادة عندهم. أما هو فقبل منهم لا لأنه محتاج الى الهدايا والهبات لكنه ناظر الى غرض المقربين بسريرة خالصة وبنية صالحة. أما نحن فنبخر البخور في الهياكل ليتلذذ المؤمنون بدخولهم الى الهيكل. ويشعرون برائحة المسيح الذكية ومفعول الصلوات القلبية فانها تصعد كالبخور قدامه كما قال النبي (مز 142: 2). ويسأل البعض ماذا جرى بتلك القرابين. نقول ان يوسف ومريم حملاها معهما الى مصر لانها لم تكن كثيرة. وليس لكثرتها تقدمت لكن لاجل الاسرار المنطوية في معانيها. وان الله لم ينظر للكثرة لكن لنية وغرض المقربين كفلسين الارملة.
عدد12: ثم اذ أوحي اليهم في حلمٍ ان لا يرجعوا الى هيرودس انصرفوا في طريق اخرى الى كورَتهم.
(ثم اذ أوحى اليهم في حلم). لم يرتابوا من جهة الحلم ولا قاوموا صوت الله بل خضعوا لرمز الباري. فمخصوص بالامانة عدم التفتيش. قال قوم ان الله أظهر لهم في الحلم ان هيرودس مستل السيف يريد قتل الصبي والقديس يوحنا يقول ان ملاكاً ظهر لهم في الحلم وقال لهم ان لا يرجعوا الى هيرودس فهو ارشدهم وأخذهم الى كورتهم في طريق أخرى. ولماذا امروا ان لا يرجعوا الى هيرودس ؟ قال قوم لكي لا يعرفوا خبث ضميره وانه كان يريد قتل الصبي لا السجود له. وقال آخرون لكي يصير ليوسف ومريم فرصة ليهربا الى مصر. اذ لو رجع المجوس اليه حالاً لكان هيرودس اتمّ رغبته وقتل الاطفال ولما تمكن يوسف ومريم من الهرب
(انصرفوا في طريق أخرى الى بلادهم). وهذا كان الهاماً من الله سبحانه تعالى حتى يكرزوا للشعوب الاخرى الغير عارفين والشعوب الذين لم يعرفوا بمجيئهم فبذهابهم اعلموهم وهم ينادون باسم يسوع. لانهم اذا كانوا في البلاد الغريبة نادوا به مثل مناداتهم عند هيرودس فكم بالاحرى في بلادهم.
عدد 13 :وبعدما انصرفوا اذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلمٍ قائلاً قم وخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك. لأن هيرودس مزمعٌ ان يطلبِ الصبي ليهلكه
لم يقل له خذ الصبي وامرأتك ليبين انه بالقداسة كان ساكن معها بعد الميلاد أيضاً وليعلمه ان ليس بالامكان الدنو منها. فانها لما كانت حبلى دعاها امرأته وهو على يقين انه غير ممكن الدنو منها لان القدوس حلّ فيها ولينفي عنها ظن الفجور اذ لو كانت فاجرة ” لا سمح الله ” لما دعاها امرأته. فهنا بيّن ان أمانة يوسف لم تكن اقل من أمانة المجوس. فتارة يقول له انه يخلص شعبه من خطاياهم. وطوراً يقول له خذ الصبي واهرب الى مصر اما يوسف: فلم يقل للملاك كيف قلت انه يخلص شعبه والآن تقول اهرب به فالذي لا يستطع ان يخلص نفسه فكيف يستطيع ان يخلص غيره. لكن لكثرة امانته ما شكّ ولا تردّد. يقول البعض ان الذي هرب من وجه هيرودس لم يكن إله بل كان انسان. فنقول انه لم يهرب من هيرودس لانه لو اراد الهرب لهرب مع المجوس او اختفى في البلاد الموجود فيها كما عمل مراراً كثيرة. منها يوم ارادوا ان يمسكوه وجاز في وسطهم وعبر. وكيف يهرب الذي اخرج لجيئون وطرد الشياطين واسكت البحر ورد الصالبين على اعقابهم وغير ذلك. فاذاً لم يهرب من الضعف لكنه قبل عليه التجرد البشري للسياسة والتدبير. كما قال جل شأنه: ” اني ندمت لخلقتي الانسان ” (تك 6:7) ولاني عملت شاول ملك (اصم 15: 11) مع كونه تعالى لم يندم قط. وقد قال لكنيسة اليهود قد خطبتك لنفسي بالعدل (هو 2 ك 19) والله لم يخطب. كذلك قال الكتاب انه هرب. اذا لم يهرب الله البريء من هذه الاوصاف ولم يتحول من مكان الى آخر وانما يطلق عليه القول بما قد صار انساناً ولاجل السياسة، كي يصير في مصر ما صار في بلاد الفرس برجوع المجوس. فانه لما دخل مصر سقطت الاصنام كلها وتكسرت (اش 19: 1) فالشعوب الذين كانوا أكثر من كل الامم عائشين بالضلالة علمهم أولاً. أما الفرس فبواسطة الكواكب واما المصريون فقد ذهب بنفسه ثانيةً ليتمم النبوة المقولة عنه من مصر دعوت ابني (هو 11: 1) وها هو الرب راكب على الغمامة السريعة السيران ويدخل الى مصر (اش 19: 1) رابعاً لكي لا يغصب حرية هيرودس ويظلم خلقته الاولى. وليصير ميلاده مشهوراً عند كل الناس باضطراب هيرودس وقتل الاطفال اذ يسألون ما هو السبب. يعلمون انه من أجل المسيح المولود وسياسته العجيبة. فان كان منذ هو في المهد تبعته التجارب. فلا نحزن نحن متى اصابنا شيء منها. ان الله ارسل المجوس عاجلاً لكي يصيروا مبشرين في البلاد الغريبة وفي بلادهم أيضاً. بل لكي يهدىء جنون هيرودس ويعلمنا ان لا نقف ضد الامور التي تفوق طاقتنا. لانه لو لم يهرب لكان قتل او ضرب بالسيف ولم يقتل. على انه لو قتل ما كان قتله خيراً كون السياسة لم تكمل بعد. وكقوله لم تأت ساعتي بعد (يو 2: 4) ولو ضرب ولم يقتل ما آمن الناس انه لابساً جسداً. لانه قد عمل انسانيات كثيرة. فتجاسر كثيرون قائلين انه لم يكن لابساً جسداً. فكيف لو عمل اعماله كما يليق بلاهوته. وان قال قائل ان كثيرين من الشهداء ما عملت فيهم السيوف ابداً واطفال بيت حاننيا أطفأوا النار حقاً يقيناً لا خيالاً. فنقول ان أولئك بعد ما تحقق انهم بشر عملوا ما عملوا وشرفهم راجع الى القوة الالهية. أما الله الكلمة فانه بعد ما تحقق انه تأنس عمل العجائب. أما وهو صغير فانه لم يصنعها، لئلا يظن خيالا ً ولاجل ذلك هرب الى مصر وقيل له
(وكن هناك حتى اقول لك) لم يضع لزمان هربه حداً. لكونه خارج عن الحد. كما جعل ايليا النبي بالسماء قائلا حتى اقول انا (امل 81: 1). وقد بين بذلك ان كل اعماله كانت بروح الله تعالى
(فان هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه) يعني ليس ليسجد له حسب قوله الغاش بل ليقتله. أما يوسف فلم يتشكك ههنا لكنه ذكر رؤيا الملاك ومجيء المجوس وغير ذلك. وبأمانة اطاع امر الملاك.
عدد 14: فقام واخذ الصبي وأمه ليلاً وانصرف الى مصر.
قال قوم انهم في تلك الليلة عينها هربوا. ولم يكن لهم شيء ولا حمار لان الحمار كان محفوظا لدخول أورشليم. آخرون قالوا انهم ما كانوا يقتنون شيئاً غير قرابين المجوس وآلة صناعة يوسف النجار. أما مريم فلما سمعت حملت الصبي على كتفها وخرجت ماشية في الطريق واوصت يوسف ان يستأجر حماراً ويأخذ ما كانوا يقتنونه ويذهب وراءها. وآخرون قالوا انها مضت الى مصر معذبة اذ خطر ببالها قتل الاطفال بقساوة قلب من فرعون الكافر. لهذا السبب لزم خطيب لمريم لكي يكون معين لها
عدد 15: وكان هناك الى وفاة هيرودس. لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني (هو 11: 1)
يقول اليهود ان هذه الآية قيلت عنا نحن المدعوين من مصر اذ قد جرت عادة النبوة ان تقول قولاً لبعض الأشخاص وفي غيرهم يكمل القول فقد قال يعقوب: شمعون ولاوي سأفرقهم في يعقوب وابددهم في اسرائيل (تك 49: 7) ولم يكمل القول فيهم بل في بنيهم. وقول نوح لكنعان كُمل في الجبعونيين لا في بني كنعان. وقول اسحاق ليعقوب كن كبيرا لاخوتك (تك 27: 29) قد كُمل في المسيح لا في اسرائيل. ونزول بني اسرائيل الى مصر وصعودهم منها دليل على نزول ربنا اليها وصعوده منها. واسرائيل دعي ابن الله كقوله ابني البكر اسرائيل (خر 4: 22) فهذا الاسم كان انعـاماً عليهم لكنهم حرموه بسجودهم للبعل. ويوحنا دعاهم اولاد الافاعي (مز 3: 7) وربنا دعاهم اولاد الشيطان. اما متى فانه لما رأى سيدنا قد دخل الى مصر وخرج منها قال من مصر دعوت ابني فكملت النبوة في شخص المسيح لا في اسرائيل. ولم يقل الملاك لمريم انا انزل واصعد معكم. لان قوة الصبي كانت تكفي لحماية الجميع لانه إله قد تجسد ولم يتغير. واذ هو خالق الازمنة صار تحت القامة والزمان.
عدد 16 : حينئذ لمّا رأى هيرودس ان المجوس سخروا به غضب جداً. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كلّ تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس
غضب لانهم لم ياتوا ويخبروه عن الصبي لكنهم استخفوا به. ولم يعرف انهم قد علموا غش قلبه المخفي. وغضبه على المجوس سكبه على الاطفال الودعاء
(فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها الخ) قتل الاطفال لكي يقتل معهم المسيح لانه لم يكن يعرفه. وقتل صبيان بيت لحم وجميع تخومها لكي لا ينجو المسيح من القتل لانه فكر ربما قد هربوه الى احدى القرى المجاورة. وقوله ” كلهم ” بيّن انه لم يبقِ منهم أحد وبقوله ” ابن سنتين ” لأنه سأل المجوس فأجابوه انه منذ سنتين ظهر لهم الكوكب كقول القديس أفرام واوسابيوس: انه في السنة الثانية لميلاد ربنا أتى المجوس. وقال القديسان يوحنا وكيرلس ان النجم ظهر قبل ميلاده بسنتين وهم ابطأوا في الطريق ومع وصولهم ولد مخلصنا وسجدوا له وهو مقمّط ومضطجع في المذود. وكيفما كانت الآراء فان قول الانجيلي صحيح. اذ يقول حسب الزمان الذي تحقق فمنهم من قتل وهو مستيقظ. ومنهم وهو نائم. ومنهم والثدي في فمه. ومنهم في المغتسل. ومنهم من خطف من حضن امه وقتل واغتسلت الامهات بدماء أطفالهنّ وكان يسمع من الوالدات نحيب وولولة وبكاء مر ونواح عظيم مع ضجيج في الفضاء. اذ لم يخل بيت من قتيل ومن صوت الخصومات وضجة السائلين عن سن الاطفال. واذا سأل البعض عن عدد الاطفال والصبيان المقتولين فنقول ان هذا غير معلوم. لكن بعض أهل السفسطة يقولون ان هيرودس أرسل أربعين رئيس مئات ومع كل رئيس اربعين سيّافاً وكل واحد قتل أربعين طفلاً. فالقاتلون خمسة آلاف وستمائة والمقتولون اربعة وستون ألف وهذا ليس بصحيح. وأيضاً مكتوب ان الصحيح هو مئة وأربعة وعشرون ألفاً. يسأل البعض لماذا تغافل ربنا بقتل الاطفال ومن السبب في قتلهم أهو أم هيرودس ؟ والجواب ان المسيح لم يكن السبب في قتل الاطفال بل هيرودس هو السبب في قتلهم. وكما ان داود لم يكن سبب قتل الثمانين كاهناً الذين قتلهم شاول بل شاول نفسه. وكما ان ايليا ليس السبب في قتل رئيسي الخمسينين والذين معهما بل الذي أرسلهما. ونقول ان بطرس سبّب قتل الحراس كذلك المسيح سبّب قتل الاطفال. فخباثة الملك هي سبب قتل هؤلاء وأولئك. بحيث لو رأى هيرودس الحيطان منقوبة والابواب مغلقة لكان قتل الحراس واجباً. لكن لما كان كل شيء في مكانه فمن الواجب أن يسجد لصانع العجائب لا ان يقتل الحراس. أن الله تعالى أراد رجوع الملك لا هلاك الحراس. كذلك الحال هنا فان مجيء المجوس وجمع الكتبة وشهادة النبوات انما كان ليخلص هيرودس ليؤمن لا ليقتل الاطفال. يسأل البعض لماذا سمح الله بقتل الاطفال ؟ الجواب قال قوم لكي ينتشر خبر ولادته في كل مكان. وقال آخرون لكي تكتمل النبّوة القائلة صوت سمع في الرامة، وهذا التفسير بعيد عن الحقيقة. والارجح لكي لا يصيروا مثل آباهم يشتركون بالدم الذكي لاجل ذلك نقلهم. وحتى يرثوا الملكوت الموعود بها والمعدومة من الوارثين وليدخلوها في مجيئه الثاني. ونقول ان ما نقاسيه من الآلآم هو لسببين: اما لاجل خطايانا أو لنرث الحياة. ويعرف هذا من قول بولس عن ذلك الزاني: ” سلموا هذا بالجسد للشيطان لكي يحيا بالروح في يوم ربنا ” (ا كو 5:5). و أمر داود ان لا يقتل شمعي لما شتمه (2 صم 16: 11) بل قال: ” للرب انظر تعبدي وتعبي واغفر لي كل خطيتي ” (مز 25: 18). فاذاً لا خسارة للذين يحتملون بصبر الشدائد الآتية عليهم من الله تأديباً، وان كانت من الشيطان لاجل خطاياهم حينئذ، لاجل قبول الاجر والمكافأة، يكفي برهاناً على ذلك أيوب الصديق. فالاطفال بالشكل الاخير قتلوا لياخذوا الملكوت أجرهم. يسأل البعض عن أية خطية قاصص الله الاطفال مع انهم لم يرتكبوا خطية. فنقول يكفيهم المكافأة عوض القتل. فما غصب حرية هيرودس لان الحرية موهبة جسيمة أعطيت للانسان أن يفعل ما يشاء والله لم يرجع بموهبته. اعتراض، ان الاطفال لو بقوا احياء لتشرفوا بهذا العالم رابحين الآخرة. ورداً عليه نقول ان الله لو عرف انهم يصيرون فاضلين لما سمح بموتهم لكنهم مضوا طاهرين ناجين من الشرور وهم شهداء ومقتولون لاجل المسيح. فعماد القتل قام مقام العماد بالماء. فكيف يدعون شهداء اذ قتلوا بلا معرفة وبغير ارادة. نقول بالنوع الذي يقبل به الاطفال العماد لينالوا المنحة بلا معرفة ولا شك في قبولهم المنح. هكذا لا شك في استشهاد هؤلاء لانهم قتلوا لاجل المسيح
عدد 17: حينئذ تمّ ما قيل بارميا النبي القائل
عدد 18: ” صوتٌ سمع بالرامة نَوحٌ وبكاءٌ وعويلٌ كثيرٌ. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد ان تتعزى لانهم ليسوا بموجودين ”
قال ارميا النبي هذا نيابة عن الشعب الذي سبي الى بابل. وقيلت من راحيل عن سبط بنيامين ويهوذا. اما متى فقد استعملها بياناً عن قتل الاطفال. وقال آخرون، ونحن لهم تابعون، ان ارميا قد اشار بها عن الاطفال وهذا واضح من القول الآتي: اسكتِ يكفيك بكاء أجرة دموعكِ ليست هالكة. ان المسبيين الى بابل أجرة دموعهم هالكة لانهم قد سبوا لاجل خطاياهم، أما الاطفال فلأنهم قتلوا ظلماً فأجرهم باق ومحفوظ عند المسيح. فقد صار معلوماً ان ارميا تنبأ عنهم. والرامة كانت لبني بنيامين أولاد راحيل كما ان بيت لحم لبني يهوذا أولاد ليئة. ولان الرامة لبني بنيامين لذلك تحسب قرية امه. واذا كانت راحيل قد ماتت قبل ذلك بزمان كبير لماذا يسمي الاطفال بنيها. ان ذلك حسب عادة الكتاب والطبيعة. فكما ان جميع الناس يدعون أولاد آدم. والاسرائيليون دعوا ببني اسرائيل. ولان الاطفال بنوا الرامة لذلك دعوا أولاد راحيل. يتساءل البعض اذا كان الاطفال المقتولون هم من بيت لحم والرامة أي اولاد ليئة وراحيل. فلماذا خصص البكاء لراحيل والصوت للرامة فقط. قال قوم ان النبي قد رأى ان اطفال الرامة المقتولين هم اكثر من اطفال بيت لحم لذلك ذكر راحيل والرامة. قال آخرون ان راحيل دفنت ما بين الرامة وبيت لحم. لذلك خصص البكاء براحيل والاطفال نسبوا لها. والرامة هي نصيب بنيامين ابنها وبيت لحم بقرب قبرها. وقال آخرون انه مثل ذلك مثل رجلين يأتيان الى الحاكم الواحد مستوجب الموت والآخر غير مستوجبه والمستوجب ساكت والبري يصرخ ويولول. كذلك ليئة وبيت لحم فيهما وبالقرب منهما ولدوا. أما راحيل والرامة فلم يولدوا فيهما. ولاجل ذلك خصص البكاء بهما لانهما غير مستوجبين الموت ولأنهما مظلومتان. ورب سائل يسأل لماذا أطلق البكاء على راحيل وترك يعقوب ما دام الاطفال لهما معاً. فقال قوم انهما كانا ولدي رجل وامراة لذلك أطلق البكاء على راحيل وحدها. على أنهم ان كانوا أولادهما معاً فقد كان من الواجب اطلاق البكاء عليهما معاً. وقال آخرون انهم في احضان امهاتهم قتلوا، أما آباءهم فلم يكونوا حاضرين لذلك نسب البكاء لراحيل. آخرون قالوا لان حنان الامهات يفوق حنان الوالدين وايضاً لان راحيل ماتت وهي تلد والاطفال قتلوا وهم يولدون. قال صموئيل لشاول هوذا ثلاثة رجال يلاقونك في صلصح بجانب قبر راحيل في تخوم بنيامين (اصم 10: 2) وراحيل مقبورة على مسافة فرسخ من بيت لحم وربما دفنوا الاطفال عند قبرها
(وقد ابت ان تتعزى) اولاً لكثرة المقتولين ثانياً لانهم قتلوا ظلماً بلا رحمة ولا شفقة
عدد 19: فلما مات هيرودس اذا ملاك الرب قد ظهر في حلمٍ ليوسف في مصر
من هنا حل الغضب عليه. قال اوسابيوس ان يوسيفوس كتب عنه قائلاً: انه ابتلي بمرض الآكلة والدود وضيقة التنفس حتى نتن جسمه. قيل انه في حال مرضه الشديد قتل امراته وبنيه الثلاثة ثم وهو في الحمام انقلعت عينيه. وهكذا خرج من هذا العالم شقياً
عدد 20: قائلاً. قم وخذ الصبي وأمه واذهب الى أرض اسرائيل. لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي
لم يقل له اهرب بل امض. ليبين انه يستريح بعد التجارب اذ قد زال ما كان يخشاه
(نفس الصبي) قال نفسه. ضد الذين يقولون انه ما أخذ نفساً. لكن اللاهوت قام بمقام النفس
عدد 21: فقام وأخذ الصبي وأمه وجاء الى أرض اسرائيل
عدد 22: ولكن لمّا سمع ان ارخيلاوس يملك على اليهودية عوضاً عن هيرودس أبيه خاف ان يذهب الى هناك. وإذ أوحي اليه في حلمٍ انصرف الى نواحي الجليل
فقام وأخذ الصبي من دون تردد. وكان خوفه أولاً من اراكيلاوس فربما قد ورث العداوة مع السلطنة بقتل الاطفال. ثانياً خاف من أمهات الاطفال فانهنّ اذا رأين الصبي يتذكرون اولادهنّ المقتولين لاجل يسوع فيقتلوه ويشتكون عليه امام اراكيلاوس فيقتله. ولم ترجع اليصابات أيضاً الى أورشليم خوفاً من اليهود حتى كملت حياتها. فكيف يقال ان اراكيلاوس ضبط اليهودية اذ كانت رئاسة اليهودية لبيلاطس ؟ نقول ان هيرود س لم يمض على موته كثيراً والمملكة لم تكن قد انقسمت بعد الى اجزاء، لذلك عند موته ملك ابنه مكانه اي عوض هيرودس ابيه لكي يميزه من هيرودس الآخر غير ابي اراكيلاوس. انطيفاطروس العسقلاني ولد هيرودس قاتل الاطفال. وهذا ولد تسع بنين من سبعة نساء وهذه اسماؤهم: انطيفاطوس. الكسندروس. ارسطبلوس. هيرودس. ارشلاوس. هيرودس. هيرودس. فيلبوس. وفاسيلا. فالاربعة يتفقون في الاسم الواحد الاول حبر بيت الاصنام في عسقلان مدينة الفلسطينيين وهذا ولد انطيفطروس الذي اسره الرومان وتخلّق بعوائدهم وانطيفطروس ولد هيرودس قاتل الاطفال. وهذا ولد هيرودس رئيس الربع قاتل يوحنا واخوته وفي أيامه تألم المسيح. وهو ولد هيرودس المعروف اغريباس الذي لبس ثياب السلطنة ومذكور خبره في الابركسيس. قال يعقوب الرهاوي انه خمسة دعوا بهذا الاسم. قاتل الاطفال من دوسيه امرأته ولد انطيفطروس المسمى باسم جده. ومن مريم الملكة ابنة اخي اورقانوس الملك ورئيس الكهنة ولد الكسندروس واريسطوبولوس وهؤلاء قتلهم أبوهم ولامهم لانهم تشاوروا على قتله وعصوا عليه. ومن مريم غير تلك ابنة رئيس الكهنة ولد هيرودس ومن ملتاقي السامرية ولد ارشلاوس هيرودس انطيفاوس. ومن فلاوفطرا الاورشليمية ولد هيرودس. ومن فالاسد ولد فاسال. هؤلاء هم أولاد هيرودس الاول. وهيرودس المدعو انطيفاوس قاتل يوحنا هذا نفاه مع امرأته كايوس يوليوس قيصر الى اسبانيا وهناك مات مع ايروديا امرأته. وهيرودس اخو فيلبس من أبيه وأمه. صار ملكاً في قنصرين. اذ صار صهر برنيقي عمته. اما هيرودس اغريباس الذي مات في قيسارية فليس هو ابن هيرودس الاول ولا ابن رئيس الرابع. لكنه ابن اريسطوبولوس الذي قتل ابن هيرودس الاول. وارشلاوس لم يخف من الملك المولود مثل أبيه. أو لانه ظن انه قد قتل مع الاطفال او خوفاً لكي لا يعرض له مثل والده لنظره الميتة الشنيعة
فاذا كان يوسف خاف ان يمضي الى اليهودية لتسلط اركيلاوس. لماذا لم يخق من الذهاب للجليل لتسلط هيرودس عليه. لكن لسبب تغير المكان كان يخفي الامر. لان الغضب كله كان على بيت لحم وتخومها
عدد 23: وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة. لكي يتم ما قيل بالانبياء انه سيدعى ناصرياً
جاء ليسكن في بلدته ليبتعد من الشر ولكي يتسلى. فالملاك أمره ان يسكن فيها لتكمل النبوة انه يدعى ناصرياً. ان متى قال ذهب من بيت لحم الى مصر. ولوقا قال الى أورشليم ومن اورشليم الى الناصرة. فالاثنان صادقان لكن قول لوقا أقدم لانه مكث في بيت لحم أربعين يوماً بعد ولادته. وبعد ذلك مضى الى اورشليم وقرّب القرابين وحمله سمعان. ومن أورشليم ذهب الى الناصرة. وفي آخر السنة جاء الى اورشليم ثم رجع للناصرة. وفي تمام السنتين من الناصرة لاورشليم ومنها الى بيت لحم وهناك سجدت له المجوس ومنها ذهب الى مصر كما قال متّى. اما لوقا قد اخبر عن مولده وما جرى في الميلاد وعن الصعود لاورشليم. وفي كمال أيام التطهير ولما كمل ما في الناموس ذهبوا للناصرة. ومتّى يذكر ان المجوس جاؤوا ووجدوه في بيت لحم. وبعدما ختن وقدم القرابين وتمت له سنتان. فعند ذلك قيل ليوسف ان يذهب الى مصر فذهب وبعد ان مكث فيها ثلاثة سنين رجع الى الناصرة. فمن هنا صار معلوماً انه وهو ابن سنتين سجدت له المجوس. كما كان واجباً ان يصعدوه للهيكل وهيرودس كان غاضباً على الاطفال غضباً شديداً
(يدعى ناصرياً) يقول اليهود في اي كتاب قيل انه يدعى ناصرياً ومن مصر دعوت ابني ؟ نقول ان هذه ليست براهين تدل على المدح والتعظيم. بل على التواضع والذم. لان تسميته ناصرياً بنوع الهزء كانت تقال وتلك الاخرى تعباً وشقاءً. وان لم يكن هذا حقاً لما ذكرها الكتاب نعم وكتب كثيرة قد فقدت حسب المنصوص في سفر الايام (1 اي 29: 29) ثم ان اليهود دائماً كانوا يميلون لعبادة الاصنام. لذلك كان البعض منهم يتركون قراءة الكتب والبعض الآخر كانوا يحرقونها كما جاء عنهم في سفر ارميا النبي (36: 23) وجاء ايضاً في سفر أخبار الأيام ان بتعب كثير وجدت تثنية الاشتراع مطمورة تحت الارض (2 اي 14: 34). فاذا كانوا في وقت السلم يتغافلون عن الكتب فكم بالاحرى تغافلهم في وقت الحروب. وان قيل في الزمان السابق للمسيح ما كانت مكتوبة فمن أين عرفوها ؟ نقول اما انها كانت قولاً جارياً على أفواه الناس الى زمن مجيء المسيح تناقلتها الالسنة بالتقليد سلفاً فكتبها متى. او انها كانت مكتوبة في الكتب التي فقدت بعد ذلك بخراب المدينة أو ان الروح الذي حل عليهم في العلية أعلن لهم ذلك. وان شاء اليهود ان يكذبوا الانجيلي قائلين ان هذه ليست أدلة كافية، فنرد عليهم من نفس كتبهم المكتوب فيها كلام كثير لا أصل له ولا قولاً ولا كتابة كقول موسى لهرون من عقب موت ابنيه ناداب وابيهو في القريبين مني أتقدس وامام كل الشعب اتمجد (لا 10: 3) وهذه ليست موجودة بمكان. وقيل في سفر حروب الرب واهب في سوفة واودية ارنون (عد 21: 14). وفي سفر ياشر قيل وليتعلم بنو اسرائيل القوس ولم يعرف ما هو علم كشف معرفة القوس. وقيل عن يربعام بن يوآش انه رد تخم اسرائيل من مدخل حماة الى بحر العربة حسب كلام الرب اله اسرائيل الذي تكلم به عن يد عبده يونان ابن أمتاي النبي الذي من جت حافر (2 مل 14: 25). وهذه كلها غير موجودة في سفر يونان ولا في غيره. وانت قلت ان العالم بالنعمة يبنى وفي اشعيا هذا قول الرب الى موآب. وأين هو مكتوب وغير معلوم. اذاً فليقتنع اليهود. ثم نقول ان الانجيلي قد أتى بالبرهان جرياً على العادة ولتتميم العمل. قال اشعيا خرج القضيب من غصن يسىّ وينبت قضيباً اخضر فلما رأى متى ان المسيح قد جاء وسكن في الناصرة فسر قول اشعيا ” ينبت غصن اخضر ” أي يدعى ناصرياً ودعي ناصرياً لانه من الناصرة. وقال آخرون بما ان المسيح ولد في بيت لحم لا في الناصرة لهذا سماه اشعيا نورباً ومعناه بالعبرانية قضيب أخضر. وليعلم انه كما دعته الانبياء كذلك دعته الرسل. وهذه لم تخف النبؤة عن بيت لحم لكن بالاحرى أظهرتها كما أظهرها ناثانئيل اذ قال: ” أيمكن ان يكون من الناصرة شيء صالح ” (يو 1: 46) ذلك لان الناصرة والجليل كانتا محتقرتين. وبعد ان فرغ متى من ذكـر الميلاد وغيره أخذ يذكر عماد المسيح
(الاصحاح الثالث)
عدد 1: في تلك الأيام أقبل يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية.
ان قوله في تلك ” الأيام ” ليس الأيام التي رجع فيها يسوع من مصر الى الناصرة، فقد كان حينذاك ابن خمسة سنوات، ولما جاء الى يوحنا ليعتمد كان في الثلاثين من عمره كقول لوقا. لأنه لما نزل الى مصر كان عمره سنتين ومكث فيها ثلاثة سنوات ثم رجع الى الناصرة ليسكن فيها مدة خمسة وعشرين سنة حيث كمّل الناموس وابطله وطبعنا في ديننا. بمعنى ان يوحنا لم يبتدأ يعمّد في الوقت الذي رجع السيد المسيح من مصر، لانه وقت عماد ربنا كان يوحنا في الثلاثين من عمره. وقال آخرون ان القصد من تلك ” الأيام ” هو التي جاء فيها المسيح ليعتمد. فقد جرت عادة الكتاب ان تسمّى الأيام بالحدث الذي جرى فيها وتحسب لا حسب الزمان الطويل كقوله بأيام ارفيل وعوزيا، بل حسب اليوم ذاته كقول النبي اليوم كلّه محارباً يضايقني (مز 56: 1) بدل قوله مدة الزمان. وقال غيرهم أنها تلك الأيام التي لم يكن لليهود فيها ملك ولا نبي. لقد أراد متى ان يقول انه في بعض الازمنة جاء يوحنا قائلاً كذا حينئذ جاء يسوع أو حينئذ اخذ الى البرية. وكلها ليست بالترتيب فقد جرت عادة الكتاب ان يقول هذا. ولما جلس على الجبل وعلم عن خراب أورشليم وتمم هذا الخبر وثم بدأ يخبر عن منتهى العالم فمدة طويلة بينهما. وهكذا الحال هنا فقد حصر زمان كل حياته بتلك التي جاء وسكن في الناصرة والثلاثين سنة كلها. في بعض الازمنة جاء يوحنا. فملك اوغسطوس ستة وخمسين سنة وفي السنة الواحدة والاربعين من ملكه ولد المسيح. وخلفه في الملك ابنه طيباريوس. وفي الخامسة عشرة من ملك هذا جاء يوحنا المعمدان فمجموع السنين من ميلاد المسيح الى مجيء يوحنا ثلاثون سنة. جاء يوحنا من برية الزيفيين الى اليهودية وقد كناه بالمعمدان لان الله قد أرسله ليعمد بمعمودية التوبة. ومتّى لم يحدّد تلك الايام ولوقا يحدّدها فيجب البحث عن أشياء كثيرة.
ولما نظر هيرودس الى سخرية المجوس منه لعدم رجوعهم اليه ابتدأ يبحث بغضب مع الكهنة عن المسيح وأين يولد. فاخبره احدهم عن يوحنا قائلاً قد ولد بجوارنا ابن لكاهن واظن انه المسيح. فارسل في الحال طالباً زكريا وسأله عن ابنه فأجابه انه في البيت. فارسل معه جنودا ليحضروه. الا ان احد الحضور اسرع واعلم اليصابات فحملت الصبي وخرجت مسرعة لبرية الزيفين. فلما رجع زكريا للبيت ولم يجد اليصابات خاف ان يرجع الى هيرودس فذهب والتجأ في الهيكل. فأرسل هيرودس سيافاً وقتله بباب المذبح. ويقول القديس افرام ان اليصابات هرّبت يوحنا بإلهام من الله وصنعت له قميصاً من وبر الابل ومنطقته بجلد والبسته فنمت ثيابه معه ثلاثون سنة، كثياب بني اسرائيل التي استمرت معهم اربعون سنة. وكان ليوحنا لما هرب سنتان ونصف سنة من العمر. آخرون قالوا ان ملاكاً خطفه من حضن أمه ولم تعرف مسكنه. آخرون قالوا ان زكريا لما علم بسيف هيرودس ادخله للهيكل حيث تبشّر به وصلى ومن هناك انتقل الى البرية، فلما عرف اليهود سألوا والده عنه فقال لا اعلم، فقالوا قد خباته لانك لم ترد خلاصنا فالتجأ الى المذبح وهناك قتلوه. آخرون قالوا ان اليهود قتلوه حسداً لانه لم يعدم البتول من مكان البتولات. اما نحن فعلى رأي القائلين ان هيرودس قتله ولم يزل دمه يغلي ويصرخ ثمانية وخمسون سنة حتى جاء طيطوس بن واسبيسيانوس وحاصر أورشليم وفتحها. فلما دخل الهيكل ونظر الدم يغلي ويصرخ استطلع الامر فاعلموه عمّا جرى لزكريا فأمر بذبح الكهنة في مكان الدم الصارخ فبطل حالاً الصراخ. وقيل عن يوحنا انه رضع حليب امه بالبرية خمسة عشرة سنة وكان يقتات من الحشيش، اما امه فكانت تتسوّل وتقتات. وقد مكث ثلاثين سنة بالقفر والروح القدس كانت ترافقه وتدبر له قوتاً ولباساً وتغنيه بالرؤيا الالهية وتعلمه ما هو الواجب. يسأل البعض لماذا هرب الى القفر ؟ فالجواب لكي لا يساء الظن به فيقول الناس انه يشهد للمسيح لاجل القرابة والمرافقة منذ الطفولة. لذلك انتقل من النعمة الى البرية مدة ثلاثين سنة حتى بلغ كلاهما حد الكمال ليصدق الناس كلام الذي يناديان به. فجاء ليفتح المعمودية لا بإرادته بل بإرادة الله، كقول لوقا ان كلمة الله كانت الى يوحنا، اي امر الله. فبالرؤيا والكلمة جاء وقال: ” انا لم اكن اعرفه. ولكن ليظهر لاسرائيل لذلك جئت اعمد بالماء. ولكن الذي ارسلني لاعمد بالماء قال لي ان الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس (يو ا: 31 و 33) واذ يسمعون انه يعمد يأتون اليه من كل ناحية فيكرز ويبشّر عن المسيح. ولأنهم كانوا متنجسين بالخطايا جاء يوحنا ليذكرهم بخطاياهم ويهيئهم للتوبة بواسطة المعمودية. قال القديس يوحنا لم يكن الغفران بمعمودية يوحنا لان المسيح لم يكن قد ذبح على الصليب وان الروح لم يعط والخطية لم تقتل. وقال بولس الرسول: ” ان يوحنا عمّد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب ان يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بالمسيح يسوع ” (اعمال الرسل 19: 4). ولم يقل انه عمّد لغفران الخطايا ولكن كيف يقول مرقس ولوقا ان يوحنا عمد لغفران الخطايا ؟ قال القديس يوحنا ان اليهود كانوا ظالمين لم يتألموا على خطاياهم بل كانوا يبررون انفسهم. لذلك التزم ان يقول انا اعمّد لغفران الخطايا لكي يذكّرهم ويعدّهم لقبول معمودية المسيح مانحة الغفران كقول بولس قد اعتمدتم وتقدستم (لا بمعمودية يوحنا) لكن باسم المسيح وبروح الله. قال قوم ان المعموديات ثلاثة: معمودية يوحنا للتوبة، ومعمودية التلاميذ باسم يسوع المسيح قبل موته لغفران الخطايا والثالثة معمودية التبني التي صارت بعد نزول الروح. لانه ما عدا الروح لم تؤحذ البنوة بالوضع. ان القديسين غريغوريوس الثاولوغوس وموسى الحجري ويوحنا اسقف دارا وغيرهم يعدّون خمس معموديات. اما نحن فنقول ان المعموديات سبعة: الاولى، تلك التي قطعت الخطيئة وغسلت العالم من الآثام. والثانية، تلك التي بواسطة الغمام والبحر كقول بولس: ” وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر (اكو 10: 2). والثالثة، المعمودية الناموسية والرمزية وتسمى التطهير وهي التي كان يستعملها اليهود حتى في الاكل فانهم لا يأكلون ان لم يغتسلوا اولاً فكانت تطهر العارض من الطبيعة كمن يدنو ويلمس ميتاً ويحتلم بالليل او يأكل شيئاً لا يجوز اكله او يذهب لعزاء ” فكل من يتنجس بهذه يغتسل ويبقى للمساء نجساً ” (لا : 15: 5). الرابعة، معمودية يوحنا بالماء ” أنا اعمدكم بماء التوبة ” (مت 3: 11) وهي أشرف من معمودية اليهود واقل رتبة من معموديتنا لخلوّها من الروح القدس ومن غفران الخطايا، ويعرف ذلك من ان بولس عمد الذين كانوا قد اعتمدوا سابقاً بمعمودية يوحنا (اعمال 19: 4) من آفلوا الاسكندراني وكانت كقنطرة يعبرون منها اليها، ولم يكن فيها طهارة جسدانية لكنها كانت تأمر بالابتعاد عن الشرور وان يعمل بالمقابل اثماراً تليق بالتوبة. الخامسة، معمودية المسيح (مت 3: 4) و (يو 3:3) وهي كاملة لانها تجعلنا أولاداً لله الآب واخوة للمسيح وهي مملوءة نعمة وغفراناً للذنوب والخطايا ومانحة الروح. السادسة، معمودية الاستشهاد وهي التي بها اعتمد الشهداء وقبلوا الروح لانهم من اجل يسوع استشهدوا وتوّجوا فدمهم قام مقام العماد. السابعة، معمودية الدموع وهذه تمنح الغفران لانه ليس في الامكان للذين اعتمدوا اولاً واخطأوا ان يعتمدوا ثانيةً، لكن الله اعطى الدموع حتى يبكي الانسان نادماً على خطاياه وبها ينال الغفران وترد المنحة الروحية التي اضاعها حين ارتكابه الخطيئة كداود الذي اعتمد بدموعه بعد ارتكابه الفجور والقتل. ورب سائل يسأل باية معمودية اعتمد ربنا ؟ قال القديس ساويرس بمعمودية يوحنا للتوبة كإنسان مذنب لأنه غير محتاج للتوبة ولم يعتمد لغفران الخطايا ولقبول الروح كالمحتاج لأنه لم يخطئ ولم يعمل اثماً كقوله: من منكم يوبخني على خطيئة (يو 8: 16)، ولم يعوزه الروح لانه شريكه بالطبع. قال مار تاودوطا التكريتي اعتمد للتوبة وللبنوة بالوضع لكونه لم يعتمد لنفسه بل لنا ولاجلنا. فكان يجب ان يقال انه اعتمد معمودية واحدة لكونه اعتمد لاجلنا ولكي يقدسنا بعماده الغى معمودية اليهود واعطى هذه للنبوة كما عمل الفصح وكمّل العتيقة ثم ابتدأ بالحديثة. ويقول فيلوكسينوس انه قد اعتمد عمادنا لانه كان مزمعاً ان يعطينا اياه لانه مثال لموته وقيامته. وكما مات وقام وصار لنا البكر من الاموات هكذا اعتمد معموديتنا واعطانا اياها في الحال. ثم اعتمد ليصير معروفاً لاسرائيل وان يتمم كل الناموس أي العدل وان يثبت لنا البنوة بالوضع ويجعلنا أخوته وخاصته ويوحد الروح القدس مع جسدنا بواسطة جسده وينقض القضية التي علينا من البدء ويفتح لنا أبواب السماء التي كانت اغلقت بتجاوز الوصية. ولكي يقدس الماء ويجعله مطهراً ومقدساً ومانح الغفران ويقدس المعمد ويرض رأس التنين العقلي الخالد في المياه ذاك الذي أغرقه بواسطة فرعون وان يستأصل الخطيئة في المياه كما قبلها عليه وقت صلبه وان يظهر الثالوث الاقدس فوق المياه. ولكي يحتم المعموديات والغسل الجسداني ويفرض العماد الروحاني الذي من الماء والروح الذي صعب ذكره على نيقوديموس وان يغسل دنس الخطيئة الموجودة فينا وبالروح والماء يقدس الاردن مثلما هو روح وجسد. ولكن لماذا جعل العماد بالماء لا من شيء آخر ؟ اولاً، لان جبلتنا الاولى كانت من الماء والتراب، وكذلك تجديدنا الاخير يجب ان يكمل بالماء والنار. ومثلما نفخ بوجه آدم نسمة الحياة هكذا بالعماد نفخ فينا الروح القدس. ثانياً، لان حياة المحسوسات بالمياه. ثالثاً، لانه من المياه خلقت الطيور والاسماك وغيرها وفيها تنموا وتكثر وتتوالد كما امر الله وهكذا بنو البشر يولدون ويتوالدون بالمعمودية ويتجدّدون ويأخذون أجنحة النعمة ليطيرون بها لملاقاة ربنا. رابعاً، لان المياه سلاح ضد العطش والنار ولاجل ذلك فإن اعتمادنا بالماء يخمد عنا لهيب الآلام السمجة وهناك تطفأ تلك النار الاخيرة. خامساً، لان الماء شفاف يرسم اشباه وجوه الناظرين فيه هكذا قد اعطانا المعمودية لكي ترسم فينا صورة عدم الفساد. سادساً، كما يغسل (بالصابون) وسخ الثياب هكذا المعمودية تنظف النفس والجسد من الخطايا، وكما ان الماء يمحي كتابة الصكوك الواقعة فيه هكذا المعمودية محت صك الخطيئة والموت الذي كتبه علينا ابونا آدم (ا بط 3: 21). سابعاً، الماء يشد الاعضاء وينشط المغتسلين فيه هكذا نحن فبعد ان نعتمد بالماء نقتني قوة العمل الروحاني. ثامناً، ان الاواني الخزفية المشجورة بالنار ان لم تبل بالماء تعود تراباً هكذا نحن ان لم نغتسل بماء المعمودية فسنرجع الى التراب اليابس محرومين من ماء النعم الالهية وينبوع الحياة الابدية. تاسعاً، ان الماء والنار هما عنصران مطهران فالذين لم يتطهروا بالماء هنا يتعذبون في النار هناك. عاشراً، كما ان الماء يغسل الاشياء وهو لا يحتاج الى غسيل كذلك من اغتسل بالمعمودية لا حاجة به لمغسل آخر. الحادي عشر، ان الماء شيء موجود عند كل واحد، ولكي لا يعدم الناس العماد جعله الله مادة له. الثاني عشر، بالماء قد غسلت اوساخ بني نوح وفيه غرق المصريون وبالماء امتحن الساجدون للبعل، لاجل ذلك بالماء صارت المعمودية. الثالث عشر، لكي يفند مزاعم البعض من جهة الماء لان اولئك الجاحدين كانوا يزعمون ان المياه شريرة ردية فان الطوفان بها قد صار وبالماء غرق كل جيش فـرعون فأظهرهم بالمعمودية نائلين عدم الموت. الرابع عشر، لانه على الماء قد خطبت رفقة وراحيل وصفوره (تك 24) وكان ذلك اشارة الى ماء المعمودية اذ على الماء خطبت الكنيسة. الخامس عشر، ” وأما بنو اسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم ” (خر 14: 29) واليا واليشع الاردن وبالماء طهر نعمان من برصه (2 مل 5: 14) ومياه حزقيال باركت شيلوحا. فكل هذه المعموديات كانت مثلاً لمعموديتنا والموضع الذي شق فيه يشـوع وايليا واليشع الاردن (2 مل 2) وفيه اعتمد مخلصنا. ورب سائل يسأل لماذا اعتمد سيدنا بالاردن لا في غيره ؟ ليكمل الاسرار التي سبقت ورسمت بهذا النهر. فانه به عبـر يشوع وشعبه الى ارض الميعاد (يش 3). معرّفاً ان الذي يعتمد بالاردن الروحاني يرث الارض الموعودة للقديسين. وجاز فيه ايليا قبل صعوده واعتمد (2 مل 2) موضحاً ان الذين يعتمدون فيه يصعدون للسماء. وفيه قد تطهر نعمان لنتعلم انه بواسطة المعمودية تطهر الشعوب من ادناس الخطيئة. وبه عمل اليشع اعجوبة اذ القى عود الخشب فطفا الحديد (2 مل 9: 1) عندما كان الانبياء يقطعون الحطب، وذلك سر عن المسيح المسمى غصناً او عوداً اذ خلص آدم الذي كان غارقاً في بحار الخطيئة كالحديد. ثم ان نهر الاردن هو مجموع من مائين الواحد بارض الشعوب ويسمى اور، والثاني كذلك ويسمى دن. ويدل ذلك على الشعب والشعوب الذين صاروا واحداً بالايمان. وهذه المجاري التي منها يجتمع الاردن يسميها داود انهر اذ يقول: ” انت يبّست الانهر القوية ” (مز 79) وايضاً ليتمّم نبوة ارميا القائل صعد الرب كالاسد من الاردن. ثم ان الاردن يمر في بحيرة طيبريوس ولا يختلط ماءه بماء البحيرة، للدلالة على ان الذين يعتمدون يعبرون هذا العالم ولا يتلطخون بحمأة الخطيئة ولا يختلطون بها. وربنا لم يعتمد في البحر ليعرفنا انه بعيد من الخطيئة التي تشبه ملوحة ماء البحر. ولم يعتمد في الانهر الكبار ليعلمنا التواضع. ولم يعتمد في اصغر من الاردن ليختم الرموز المقولة من الناظرين لاجل الاردن. ولم يعتمد في المستنقعات لانها لا تنظف الاوساخ كلياً. ولعلّ قائل يقول لماذا اعتمد من يوحنا عبده ؟ وذلك ليعلمنا التواضع باقنومه فهو غير محتاج. اعتمد من عبده وعلمنا ان نخضع للادنى منا وانه لا يجب ان نمتنع من ان نقبل الموهبة منه لانها تعطى على السواء من الاعلى والادنى. وكان يظن ان يوحنا مختار من الله لهذه الخدمة. وعظمة المسيح لم تكن ظاهرة ولكي لا يظن اليهود ان المسيح يفتخر قبل العماد من يوحنا. وأيضاً ليكرز عنه انه هو الرب. وبامتناع يوحنا بقوله لست مستحقاً ان احلّ سيور حذاءه يفهم الحضور ان المعمَّد افضل من المعمِّد. ويقول آخرون ان المسيح عمَّد يوحنا بعد ان اعتمد وآخرون قالوا انه كان معمّداً من بطن أمه لان العماد هو منحة الروح القدس ويوحنا قبل الروح في بطن امه (لو 1: 42 _ 44) فاذاً في البطن قد تعمّد. ولكن ماذا منحت يمينه للمسيح ؟ قال قوم لم تمنحه شيئاً. لكن كمثل سائر المعمدين وضع يده كتدفق الانهر في البحار وهي لا تحتاج اليها. ويقول آخرون ان يوحنا وضع يده، لاجل الرؤيا فقط، ليريه انه هو حمل الله. وآخرون قالوا ان بوضع يده على رأسه وضع خطايا بني البشر عليه، كالذبائح الناموسية التي كانت ترسل الى القبر، لان الخاطئ كان يضع يمينه على الذبيحة كي ترتفع الخطيئة منه وتحل على الذبيحة ومع الذبيحة تقتل الخطيئة، هكذا أخذ يوحنا خطيئة العالم ووضعها على رأس المسيح ولما اعتمد المسيح غرق الخطيئة في الماء. والدليل على ذلك قوله: ” هذا هو حمل الله رافع خطايا العالم ” (يو 1: 29). ومثلما وضع اكليل الشوك على رأسه حمل خطيئة كل العالم قاطبة وبموته أمات الخطيئة وابطلها وكذلك بعماده أغرقها في المياء. آخرون قالوا ان الكهنوت الذي وهبه الله لموسى وأعطي لهرون ونسله حتى تناسل ليوحنا فبوضع يده على المسيح اخذ المسيح الكهنوت منه وأعطاه لرسله لا لكونه محتاجاً بل لانه واهب الكهنوت. لكنه بالتدبير اخذها كقول القديس افرام في اقواله: فمال العالي على جبل سينا. ورب معترض يقول ان الانجيل لم يذكر ان يوحنا وضع يمينه على رأس المسيح، فالشهادة من العهد القديم اذ قال الله لموسى: سأضع يدي عليك. كما ان موسى أيضا وضع يده على هارون ومسحه وقدسه. وقد ثبت من العهد الجديد ان المعمودية والكهنوت يمنحان بوضع اليد. ولما كان يعمّد احداّ كان يتلىعلى راسه: ليتعمد فلان بمعمودية التوبة لغفران الخطايا. ولما عمّد المسيح لم يتل شيئاً على راسه علماً منه انه إله متأنس وغافر للخطايا. لاجل ذلك قال له: انا المحتاج ان أعتمد منك. ولذلك اجابه ربنا له المجد قائلاً: ضع يدك واسكت لان للآب قولاً سيقوله. ثم كان واجباً على يوحنا ان ينادي باسم المسيح ليشتهر امره عند الناس كما اشتهر هو قبل مجيء المسيح اذ لم يكن غيره، كقول زكريا له: وانت ايها الصبي نبي العلي تدعى. ولكي لا يبقى مجالاً لليهود ليتكلموا عنه. قائلين فأرسل يوحنا ليكرز على اليهود بالتوبة فاخذ يكرز عليه ولم يكرز هو على نفسه. وقد أعتمد وهو ابن ثلاثين سنة لان آدم وحواء خلقا في مثل هذا العمر ثم صار بداية العالم الجديد. وخلقنا بالمعمودية خلقةً جديدةً. واذ كان مزمعاً ان يحل الناموس بقي الى الثلاثين من عمره حافظاً للناموس لئلا يقول أحدا من مرتكبي المعاصي المخالفين للناموس انه لم يستطع ان يحفظه فتعداه ظناً منهم ان الانسان في ايام شبابه تتغلب عليه الشهوات النفسانية كما يتغلب عليه في أيام طفولته عدم الراي وقلة الصبر وفي عهد الرجولية محبة الفضيلة. فلذلك انتظر المسيح الى ان يبلغ الثلاثين من العمر ليباشر العماد ليكون في عهدي الطفولة والشباب كاملاً في الفضائل كما كان كاملاً في عهد الشباب. وعلاوةً على ذلك اراد ان يفهم الجهلة ان يمتنعوا عن تعليم الشيوخ قبل ان تلتحي وجوههم. وببلوغه الثلاثة عشر من العمر أشار عن الاقانيم الثلاثة الذين ظهروا على النهر وعلمنا ان الناس يقومون يوم القيامة وهم في الثلاثين من العمر وان المعمودية هي دلالة الدفنة والقيامة. وفي ثلاثين سنة غلب الخطيئة وحارب الشيطان بثلاث حروب وقهر الموت في ثلاثة ايام وبثلاثة عشر سنة من العمر غلب الخطيئة وبعد ذلك اعتمد. والناموس بثلاثة شهود ينال النصرة والغلبة. وجاء الناموس ليعطينا الحياة بالعدل فالذي يعمل به يحيا. فلم نقدر ان ننال الحياة لسبب ضعف جسدنا فاحتجنا للنعمة لكي نحيا بها.
وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طبياريوس قيصر.. الخ (لو ص 3: 1)
فلما اراد ان يكتب الحق. وضع اسم الملك والزمان. وليعلم ان الرومانيون بعد ان ملكوا على اليهود وضعوا عليهم الجزية وقسّموا بلادهم الى أربعة أقسام. وعلى كل قسم اقاموا ملكاً لجمع الجزية. وكل واحد من المسلطين كان يدعى رئيس الربع. لذلك ذكر لوقا المسلّطين على اربعة اقسام المملكة بأسمائهم.
(يكرز في برية اليهودية) البرية هي الارض البعيدة من العمارة. كان يكرز ليجتمع اليه الجموع وليريهم المسيح ويوصيهم ان يقبلوه. ولو ذكر لهم المسيح وكرّز عليهم في البيوت والمجامع لكان أُبغض منهم وقُتل. ولكن اذا اجتمع الجموع يكون معروفاً بشهادة الآب والروح ويوحنا. ويصير بعيداً من شهادة الكذب. وقوله في البرية اي في الزمان الذي كانت فيه انفس الناس خالية من كل عمل صالح. وايضاً الملك الذي انادي عنه هو معطي التوبة التي لم يعطها الناموس. ولما كان اليهود يسمعونه يتكلم عن التوبة ويدعوهم مذنبين كانوا يخرجون اليه. ثم انه بدأ كرازته بالتوبة ليفهم ان الملك الذي ينادي باسمه لا يريد الا التوبة لانه مصدرها.
عدد 2: قائلا توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات.
ياتي ملكوت السماء على عدة معان فان مجيء ربنا الاول يدعى ملكوت السماء. وقد دعى مجيئه الثاني ملكوتاً اذ قال ” ان كنت انا بروح الله اخـرج الشياطين فقد اقترب ملكوت الله ” اي أن مجيء وبشارة الانجيل تدعى ملكوتاً، اذ قال ” تشبه ملكوت السماء حبة خردل والخمير واللؤلؤة الثمينة والذخيرة المفيدة جداً “. وقد دعى للرؤيا التي يرى بها في الآخرة ملكوت السماء كقوله ” ان من القيام ها هنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الانسان آتياً في ملكوته ” (مت 16: 28). ثم شبّه ملكوت السماء بالأمانة ومواعيدها كقوله ” ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه ” (مت 11: 11). ثم بالارادة والاختيار والسلطة الذاتية الموجودة فينا كقوله ” ملكوت السماء داخلكم ” اي تأخذونه بإرادتكم. ويشير الى الطهارة بواسطة المعمودية كقوله ” ان كان أحد لا يولد بالماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ” (يو 3: 5) والدينونة الاخيرة والامتحان كقوله ” من حلّ واحدة من هذه الوصايا يدعى صغيراً في الملكوت “. وكما ان مقر الابرار والصالحين هو الملكوت، هكذا ان جهنم هي مقـر عذاب المنافقين واضاف على ذلك قائلاً: ” ان ملكـوت السموات يُغصَب ” (مت 11: 12). والفرق بين ملكوت السماء وملكوت الله هو: ان ملكوت الله على ما ارتآه البعض ويراد به التأمل في الله والتلذذ به، وملكوت السماء هو التأمل بالمخلوقات والتلذذ بها. وآخرون يقولون ان كليهما واحد الا ان واحداً من الانجيليين دعاه ملكوت السماء وآخر ملكوت الله. وآخرون قالوا ان الفرق بينهما كالذي يعطي والذي يأخذ. فانه بتوجيه بصرك الى واهب الحياة والنور يكون في ذلك ملكوت الله وعند نيلك تلك المواهب السماوية وتفكيرك فيها يكون ملكوت السماء فالموهبة واحدة. فمن جهة المواهب يقال انها ملكوت الله ومن جهة الاخذ يقال انها ملكوت السماء. والبعض يدعوا بشارة الانجيل التي فيها اوامر يرتقى بها الانسان الى السماء ملكوتاً. وآخرون يسمّون الثالوث الذي ظهر على الاردن ملكوت السماء. اما يوحنا فقد تعلم ذكر الملكوت من الروح لان الانبياء قبله لم يكرزون الا بملكوت الارض وخيرات العالم. لان اليهود كانوا يجهلون الملكوت وجهنم لاجل ذاك جاء يوحنا يكرز ليعلم اليهود من هو الذي ينادي عنه.
عدد 3: فان هذا هو الذي قيل عنه باشعيا النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدّوا طريق الرب. اصنعوا سبله مستقيمة.
قال قوم ان يوحنا قال ذلك عن نفسه فقد سبق النبي وسمّاه صوتاً. كما يبين يوحنا الانجيلي في ردّه الجواب على اولئك الذين سألوا عن يوحنا من عسى ان يكون ولماذا يُعمّد ؟ فاجاب عنه انه صوت صارخ في البرية. ويقول آخرون ان الجواب هو لمتى ففي كل موضع من الكتاب قد دعي يوحنا صوتاً. واشعيا قد تنبأ عنه فسمّاه صوتاً وسمّى المكان الذي فيه صرخ برية. وقال مرقس ها أنا مرسل ملاكي أمامه. فسمّاه ملاكاً لشرف أعماله اذ اخبر عن المسيح والملاك هو المخبر. وقد دعاه ملاخي النبي ايليا (ص 4: 5)
(صوت صارخ في البرية) ومثلما تُعرف الكلمة من الصوت هكذا عرف اليهود من صوت يوحنا انه المسيح جاء ليعتمد. ومثلما الصوت ينبّه بني البشر الى عمل الفضائل والصوت يغلب البشارة هكذا يوحنا بشر بغفران الخطايا
(اعدوا طريق الرب) فيسمي المسيح رباً ويقول ” ابعدوا عن قلوبكم الخرافات والتعاليم القديمة واعدّوا انفسكم لقبول الناموس الجديد “. ولقد وضع لهم يوحنا نواميس جديدة قبل نواميس المسيح.
(اصنعوا سبله مستقيمة) اعني ناظرة الى جانب الخير كالطرق البسيطة التي لا اعوجاج فيها. في هذه اعدّ اليهود ان يلاقوا المسيح بالاعمال الصالحة. اما لوقا فادرج كل النبوة قائلاً
“ كل واد يمتلي وكل جبل واكمة ينخفض، وتصير المعوجات مستقيمة والشـعاب طرقاً سهلة (لو 3: 5) “
(وكل واد) اي الشعوب المتواضعين يرتفعون بالمسيح (وكل جبل واكمّة) اعني الشياطين والناس المتكبرين وصعوبة الناموس يتواضعون ويتبدلون الى الغيض وسهولة الايمان (والشعاب) اي العشارون والخطأة والزناة والمجوس واللصوص الذين رجعوا من أعمالهم الى معرفة الحق كقوله: ” الزناة يسبقونكم ”
ويبصر كل بشر خلاص الله (لو 3: 6) وقوله كل بشر ليس لليهود فقط لكن الى جميع الشعوب تبلغ بشارة الحيوة. فينظرون حيوة الله الذي ذاق الموت لاجلنا بالجسد فبهذه الاقوال عرف النبي بالرمز تغيير الامور في المستقبل.
عدد 4: ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الابل وعلى حقويه منطقة من جلد. وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً.
لقد كان واجباً على يوحنا ان يلبس الحرير لانه من ابناء الكهنة فاختار لبس الوبر ليتم قول الملاك القائل: ” يتقدم امامه بروح ايليا وقوته ” (لو 1: 17) فلذا يجب ان يشبه ايليا الشعراني. ورب معترض يقول ان لباس ايليا كان طبيعياً لا استعارياً فنجيب انه كان كذلك ليتشبه بيعقوب لان هذا بشعره الاستعاري نال البركة وعيسو بالطبيعي رذل. ولانه كان يكرز للتوبة والشعر هو علامة التوبة. ويشهد لذلك اهل نينوى وحزقيا واخاب اذ لبسوا الشعر. وشاول أمر الكهنة ان يلبسوا الشعر. وقد لبس يوحنا الشعر لا الصوف خلافاً للعادة ليدل بذلك على العيشة الجديدة التي كان يكرز بها وان تعليمه شريف وغريب عن معرفة العالم وقريب الى السماء. وقد اختار وبر الجمل دون غيره دلالة على الناموس المنتقم هو كالجمل ولا يقبل التوبة. وان الجمل هو من الحيوانات الطاهرة والنجسة معاً فهو طاهر لانه يشتر وهو نجس لانه غير مشقوق الظلف فاتحذ يوحنا وبره لباساً له ليشير بذلك الى ان كرازته متوسطة تدعو اليهود الاطهار والشعوب الانجاس الى التوبة كمعموديته المتوسطة ما بين معمودية اليهود ومعموديتنا. اما الانجيل: فيدعوا الفريقين للايمان. ثم لبس منطقة من الجلد تشبهاً بايليا النبي الذي كان متمنطقاً بمثلها. كذلك كان بطرس وبولس متمنطقين بجلد مائت اشارة الى انهما قد ماتا عن الشهوات اللحمية. والروح القدس كان رفيقه ومعلماً وحارساً له.
(وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً). قال قوم ان الجراد هو العسل الذي نأكله. لان بر الزيفيين حار وموجود فيه الجراد والنحل على الدوام. وقال آخرون انها عروق كان يسحقها ويخلطها بالعسل فيأكلها. وارتاى آخرون انها عقاقير حلوة كان يقتات بها ويأوي في القفر. ومترجم سيرته من اليوناني الى السرياني ظن بالتباس الكلمتين ان مأكوله كان الجراد والعسل وآخرون قالوا ان مأكوله كان من الحليب وعسل البراذ. الحليب يناسب طفولته والعسل طوّر الرجولة. وآخرون ذهبوا الى ان الجراد هي عروق طرية تشبه الجزر وطعمها مكروه. وآخرون قالوا انها اشجار لها زهر يشبه الجراد وطعمه حلو كالعسل. وبعضهم افاد انها قضبان فروع جدد. والعسل هو عسل بري مر من عمل النحل البري. وغيرهم افاد انه جراد طائر وعسل طبيعي دائم الوجود لحرارة البلد واعتدال الفضاء فيه. قال القديس ايسودورس انها قضبان بعض الاشواك وقضبان الكرمة. وآخرون يسمون كرازته مأكولاً وسماها هو جراداً. أي يطير للسماء كل من يؤمن بالمسيح. وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي التعليم ماكولاً كقول المسيح: ” ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ” (مت 4: 4). وآخرون قالوا انه اراد بالجراد الفريسيين والصدوقيين لانهم اشرار كالافاعي والحشرات السامة فغيّرهم بكرازته وجعلهم يرتفعون الى السماء اطهاراً كما ان الجراد هو طاهر بالناموس. وبالعسل يشير عن الشعوب الذين كانوا كعيون تجري منها مرارة الكفر والشرور. وكرازة يوحنا غيّرتهم وجعلتهم كالمجاري يجري منها الحق وحلاوة الاعمال. وقد مارس يوحنا ثلاثة امور صعبة وهي القوت واللباس والسكن في القفر. وكل ذلك لاجل الله والملكوت ولكي يكون مثالاً للذين من بعده سالكين خطواته.
عدد 5: حينئذ خرج اليه اورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالاردن.
لقد حرّك الله قلوبهم ليخرجوا اليه مثلما حرك قلوب المجوس ليأتوا عند المسيح وألهم كورش ان يطلق المسببين. والا فكيف كانوا يخرجون الى من لم يعرفوه ولا يعرفون اهله واقرباءه. ولانهم سمعوا عن ميلاد المسيح ومجيء المجوس وقتل الاطفال وغير ذلك. وبعدها سمعوا عن يوحنا انه مزين بالفضائل والاعمال فظنوا انه هو المسيح. والدليل على ذلك أنهم بعثوا اليه رسلاً يسألوه: اذا كان هو المسيح. فأجابهم: بأنه رسوله. ومما زادهم اعتقاداً انه هو المسيح قول الملاك حين الحبل به: ” ويتقدم امامه وجهه ليهيئ للرب شعباً مستعداً ” (لو 1: 17). ثم منظره الذي كان متغيراً من التقشف وكان يرهب الانسان من بهائه وهيبته ولم يكن يقص شعره لتقشفه. ثم من نبوة اشعيا عنه اذ دعاه فيها صوت صارخ في البرية. ولان النبوة كانت قد زالت عنهم منذ زمان فحين سمعوه يتنبأ قائلاً: ان الذي يأتي بعدي هو اقوى مني. جاءوا معه الى الاردن ليريهم المسيح الذي كلمهم عنه دون ان يخافوا من ان يعرض لهم ما قد عرض لتوداس وليهوذا الجليلي. فضلاً عن انه لم يكن يحرض الجمع ليتمردوا على الرومانيين لكنه كان يكرز بمعمودية التوبة وملكوت السماء فقط.
عدد 6: واعتمدوا منه في الاردن معترفين بخطاياهم.
فقد اعتمدوا منه لانه كاهن وابن كاهن وقد اعطاه الله عوض الذبائح المعمودية التي بواسطتها تبطل المعموديات وغسل الناموس. وبعد ان كانوا يعترفون بخطاياهم التي ارتكبوها كان يعمدهم للتوبة. ومن الغريب انهم لم يخافوا ان يظهروا خطاياهم مع ان الناموس كان يأمر بان من يعترف بخطاياه يموت بدون رحمة ولم يكن يغفر الا الخطايا الصغيرة المفعولة بلا معرفة. الا ان يوحنا لمزيد اعتباره عندهم كانوا يعترفون عنده لان الله قد اعطاه ان يعمد للتوبة ليفهمهم ان الناموس قد بطل وزمان الذبائح قد مضى وجاز وبلغ زمان العهد الجديد الذي يقبل الخطأة التائبين. لان الكهنوت في العهد القديم كان يقضي بتقديم الذبائح عوض الخطايا المفعولة بلا معرفة والخطايا التي بمعرفة كان يحكم على مرتكبيها بالقتل رجماً بالحجارة. اما كهنة العهد الجديد فيعمدون من غير ان يكشفوا الخطايا المرتكبة بمعرفة او بغير معرفة ويمنحون الغفران.
عدد 7: فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون الى معموديته قال لهم يا أولاد الافاعي من أراكم ان تهربوا من الغضب الآتي.
ان اليهودية ابتدأت من يهوذا الرابع من اولاد يعقوب. واتسعت في عهد موسى وقويت في عهد داود الذي ملك على سبط يهوذا. ونشأ عند اليهود سبع بدع. فالكتبة كانوا يحفظون العادات والقوانين كما تسلموها من المشائخ مع حفظ ناموس موسى. والفريسيون كانوا يصومون يومين في الاسبوع ويعشرون مالهم ويحافظون على البتولية والصوم. وفي اعناقهم خيوط ارجوانية دلالة على خوفهم من الله وينظفون الاواني. والصدوقيون وهم بالجنس سامريون من كاهن اسمه صادوق لا يعترفون بروح القدس والملائكة اما فيما خلا ذلك فكانوا كاليهود. وفريق آخر كان يعتمد كل يوم مدعياً ان الحيوة لا تحق لمن لا يعتمد. اما الوقحون فكانوا يكلمون ما يخص الناموس ويستعملون قراءة كتب من غير مذهبهم ويرذلون كثيرين من الانبياء. ثم الماردون فكانوا يتنجسون من أكل اللحم ولا يأكلون لحماً ذي روح ولا سمناً ولا حليباً وكانوا يؤمنون بالآباء من ابراهيم الى موسى ويشوع ناكرين نسبة التوراة الى موسى ويدعون ان كتاب موسى غير هذه التوراة. والهيروديسيون كانوا يشبهون اليهود في كل شيء ويظنون ان هيرودس هو المسيح وعليه فكانوا يكرمونه ويسمونه المسيح. اما الفريسيون والصدوقيون فكانوا ضابطين بذلك الزمان. ولذا فانه انتهر الفريسيون دون غيرهم لانه عرف بمكنونات ضمائرهم اذ انهم لم يكونوا يعتمدون منه كسائر الناس بل بقلب مملوء غشاً. ويتضح ذلك من قول سيدنا لهم: ” معمودية يوحنا من اين هي “. ذلك لانهم لم يكونوا يصدقون كلامه ولا آمنوا بالذي يكرز عنه. ومن قولهم ليوحنا هو المسيح. فروح القدس كشف له عما في ضميرهم. وانتهرهم أيضاً لانهم لم يسمعوا كرازته كقوله ان الكتبة والفريسيين خالفوا ارادة الله. اما العشارون فآمنوا واعتمدوا. وكثيرا ما كان يوحنا يوبخ الفريسيين والصدوقيين على أفعالهم الشريرة كقوله لهم
(يا أولاد الافاعي) فالافاعي هي نوع من الحيات. ويتضح ذلك من تسميته لهم في موضع آخر اولاد الحيات. وليس في الدنيا كلها الا زوج واحد من هذا الجنس. ويوجد جنس آخر من الافاعي كالتي لدغت يد بولس. فسماهم اولاد الافاعي ولا افاعي لان سم هذا الدبيب نادر الوجود كفراخه. فالمشهور عنها ان اباها يموت يوم الحبل بها. لان مخرج الانثى صغير اشبه بخرم الابرة. وحينما يضاجع الذكر الانثى يرمي الزرع بفمها. وهي عند تناولها اياه تقطع ذكره ويموت لوقته. اما الانثى فلما تريد ان تلد وليس لها منفذ يخرج منه فراخها فتأخذ الفراخ بنقر بطن امهن حتى تنفتح فيخرجن اذ ذلك وتموت الام. لهذا شبههم باولاد الافاعي لانهم قد قتلوا اباءهم الانبياء وقتلوا اخيراً امهم اورشليم فاخربوها، لتحاملهم على المسيح، وذلك بعد الصلب باربعين سنة في عهد الملك وسبسيانوس. وقد سماهم حيات واولاد الافاعي لانهم صاروا آلة لذلك الذي اغرى حواء امنا بواسطتهم وقاد ابانا آدم الى مخالفة الوصية الالهية.
(من الغضب الآتي) شبه خراب اورشليم بالغضب الآتي كما شبه اورشليم بالتينة. وذهب آخرون الى انه اراد بالغضب الآتي جهنم. لانها كانت مجهولة عندهم. وبعد ان وبخهم على اعمالهم تقدم اليهم ان يعملوا اعمالا ً صالحة اذ قال
عدد 8: فاصنعوا ثمارا تليق بالتوبة.
اراد بالاثمار الأعمال. فكأنه يقول انه لا يكفيكم ان تمتنعوا عن الشر فقط بل يجب ان تعملوا الخير. ثم حثّهم على الثبات في التوبة بعد ان يرجعوا عن شرورهم موضحاً لهم ان زمانه ليس كزمان الانبياء وان الذي ياتي بعده يصعد الصالحين الى السماء ويطرح الطالحين في جهنم مفهماً اياهم ان التفاخر بحسن أعمال غيرهم دون ان يعملوا هم الاعمال الصالحة لا يجدي نفعاً اذ قال لهم
عدد 9: ولا تفتكروا في ان تقولوا لانفسكم لنا ابراهيم اباً. لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولاداً لابراهيم.
ان الروح القدس هو الذي كشف ليوحنا عن افتخارهم لابراهيم وعن ظنهم الباطل ومباهاتهم بكونه رجلاً باراً وانه يكفيهم ان يكونوا بنيه واقاربه من دون ان يعملوا الفضيلة لاجل ذلك قطع اصل افتخارهم. وقد سماهم اشعيا سلطان سادوم وشعب عامورا. ونبي آخر خاطبهم قائلاً ” كمثل الحبشة انتم لي يا بني اسرائيل “. فافتخارهم بقرابتهم مع ابراهيم واحتقارهم للفضائل كانا سبباً للشرور في كل زمان. ولما كان ربنا يعدهم بتحريرهم من الخطيئة كانوا يجيبونه قائلين اننا من زرع ابراهيم ولم يستعبدنا احد. بل كانوا يستهزئون بالرسل لانهم يقبلون الشعوب الغرباء قائلين ان الموعد كان لابراهيم لا لغيره. وبولس يبكثهم في رسالته الى الرومانيين بقوله ان كلمة الله لم تسقط سقوطاً. فبين ان لا فائدة في القرابة اللحمية ان لم يكن الانسان مزيناً بالفضيلة طوعاً لا كرهاً.
(ان يقيم من هذه الحجارة الخ) فقوله من هذه الحجارة اي من الجماد. كما انه خلق الانسان من التراب. وكقول النبي ” انظروا الى الصخر الذي منه قطعتم اعني ابراهيم. والى نقرة الجب التي منها حفرتم اي سارا (اش: 51). ومن الصخرة التي فجرت اثني عشر نهراً. بل وشبه العشارين بالحجارة الزناة والشعوب يعبدونها لعدم معرفتهم الله وبالاعمال الفاضلة سموا حجارة. وبواسطة تغييرهم تبرروا وصاروا بنين لابراهيم. لان ابناء ابراهيم على نوعين فمنهم من الطبيعة وهم اليهود ومنهم من الموعد كباقي الشعوب اذ قال الله لابراهيم قد جعلتك اباً لشعوب كثيرة. فقد ولد اسحق حسب الموعد وليس بقوة طبيعية. لانه ولد من عاقرة وطاعنة في السن وكذلك الشعوب بحسب الموعد صاروا بنين لابراهيم. وكما ان ابراهيم لم يتبرر بالاعمال ولكن بالايمان بالمسيح كذلك الشعوب. لانه كثيراً ما كان يتفق ان نبوة الانبياء كانت تكمل بعد مدة وكان اليهود يقولون اين هي اقوال الرب التي قيلت في قدوس اسرائيل فلتتم الان. لاجل ذلك فان يوحنا ابان لهم ان الآخرة قد قربت.
عدد 10: والان قد وُضِعت الفأس على اصل الشجر: فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار.
فبقبوله الفاس يريد البلاء الاتي، والاشجار بني البشر، والثمار الاعمال الفاضلة ووجه قوله الى اليهود خاصة فبقوله ” كل شجرة ” اي كل انسان مولود من زرع ابراهيم ولم يعمل اعمالاً صالحة يقطع ويلقى في النار اي الابدية. ولم يقل ان الفاس ستوضع ولكن وضعت ليعلمهم ان الانتقام قريب ان لم يعملوا اعمالاً صالحة. ولم يقل انها وضعت على الاغصان والثمار ورأس الاشجار ولكن على الاصل ليبين ان الجميع يستأصلون ان لم يتوبوا. كما انه لم يقل ان الفاس أخذت تقطع لئلا يقطعوا الرجا. لكنه قال قد وضعت ليخيفهم. فكأنه يقول لهم اذا لم تتوبوا تقطعوا من قرابة ابراهيم كما تقطع الفاس. وكما ان الارض هي ام الاشجار ومصدرها هكذا فان ابراهيم هو ابو اليهود ومصدرهم. وكما ان الاشجار لا يعرف صلاحها او رداوتها من الارض ولكن من ثمرتها كذلك الشعب اليهودي فانه وان كان ابراهيم اباهم لكن صلاحهم وشرهم يظهران من اعمالهم. وكما ان الاشجار المثمرة يجب الاهتمام بها والغير المثمرة يجب استئصالها والقاؤهافي النار، كذلك اليهود الذين قبلوا كرازة يوحنا عاملين اعمالاً صالحة فانهم يستحقون الملكوت. والذين لم يعملوا يجب قطعهم من قرابة ابراهيم وطرحهم في جهنم. وحين كان يوحنا يكرز بهذا امام الجموع كان المسيح ساكنا في الناصرة.
عدد 11: انا اعمدكم بماء للتوبة. ولكن الذي يأتي بعدي هو اقوى مني ولست اهلاً ان احمل حذاءه. هو سيعمدكم بروح القدس ونار.
(انا اعمدكم بماء للتوبة) لقد ثبت من قول يوحنا هذا ان المقصود من معموديته انما هو التهذيب. وفتح باب التوبة لا غير. اما عن ربنا ومعموديته فقد اوضح قائلاً:
( ولست اهلا ان احمل حذاءه) اراد بذلك ان المسيح اقوى منه جداً و اكثر قدرة. وقد مثل القديس يوحنا الخدمة الحقيرة بالحذاء. اني لست مستحقاً ان اخدمه خدمة حقيرة. كما اعلن القديس فيلكسينوس انه غير مستحق لخدمة جسده المقدس. اما ثاولوغوس فقد شبه اصغر اسرار سياسته بالجسد بالحذاء. فليس الجسدانيون والاطفال بالمسيح لا يستطيعون ان يدركوا هذه. ولكن الذين مثل يوحنا ايضاً لا يمكنهم ان يدركوا سراً واحدا منها ولو بالروح. وقد قال آخرون ان تدبيره في الجسد لا يمكن ادراكه
(بروح القدس ونار) ان كلام يوحنا مع اليهود كان مقروناً بالارهاب والوعيد كتكلمه عن الفأس والنار والقضاء. وعندما كان يريد ارسالهم عند المسيح كان يكلمهم عن الامن والسلام وغفران الخطايا والبنوة بالوضع ومواهب الروح القدس. ولم يقل لهم ان المسيح يعطيكم ولكن يعمدكم به. ليعلموا انه بواسطة هذه الموهبة يصبحون بغتة كالانبياء. وفي بدء البشارة كان كل من يعتمد ينال موهبة ما كالنبوة او موهبة لغـات او عمل عجائب او غير ذلك. ثم اشار بقوله انه سيعمدكم بروح القدس ونار الى نزول الروح القدس شبه السنة نارية. فبالسنة النار اشار الى المعمودية الاولى التي وهبت للرسل. ثم قبلها بعد ذلك كل المؤمنين بواسطتهم وتناسلت آتية من جيل الى آخر. وقد تكلم عن نيل موهبة الروح القدس في المعمودية ليجذب السامعين لكرازته. ثانياً لكي لا يشكوا فيه اذا سمعوا عن آلامه وموته. ثالثاً لموهبة العماد لانه كان واجباً ان يذبح الحمل وتصير الدفنة والقيامة وتموت الخطيئة وبعد ذلك يعطى الروح. لاجل ذلك قال يوحنا: ” هوذا حمل الله حامل خطايا العالم “. لان الحامل افضل من الذي يغفر الخطايا بلا تعب سيما وانه يمكن ان يتم غفران الخطايا دون احتياج الى التأنس. اما الذي يحمل فلا بدّ له من مقاساة الالام والصلب والموت والقيامة وهذا كله لم يكن ممكناً وقوعه دون ان يتجسد. اما النار فتقال على انواع كثيرة. منها النار الهيولية. ومنها المحفوظة في الآخرة لعذاب المنافقين. وكذلك فعل الروح القدس في مقتبليه يدعى ناراً كقول بولس: ” كونوا حارين بالروح ” (رو 12: 11). والكلام الالهي كقول ارميا النبي: ” فصارت كلمة الرب في قلبي كالنار المحرقة “. ثم الانجيل الشريف كقوله: ” جئت لالقي ناراً على الارض “. ثم الروح القدس كما جاء في اعمال الرسل وحل على الرسل كالسنة نارية ثم انه بالنار تكلم الرب مع موسى بالعوسجة. وبالنار ترآءى لاسرائيل وظهر لحزقيا. والنار تدل على عظم المنحة كما انه من مصباح واحد تنار عدة مصابيح دون ان يضعف نوره. هكذا نعمة الروح القدس تغني كثيرين من غير ان تنقص. والروح كذلك يفعل ما يشاء لانه خالق. وقد ذكر النار حين العماد ليرى ان العماد امر عظيم وشريف وان النار تنقيهم من الاثم وتطهرهم وبالروح ينالون الغفران من خطاياهم. ثم اردف كلامه قائلاً:
عدد 12: الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع قمحه الى المخزن. واما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ.
اراد بالبيدر العالم. والقمح الابرار والمؤمنين. والتبن لغير المؤمنين والخطأة. فالخطأة والابرار مختلطون كاختلاط التبن والقمح في البيدر. واراد بالرفش صوت السيد المسيح. فكما ان الرفش يفرز القمح من التبن هكذا صوت السيد المسيح سيفرز الابرار للحياة الابدية والاثمة للنار. وكمثل القمح الذي يجمع الى المخزن هكذا يفرز المؤمنين منهم فيدخلهم الى الكنيسة والاثمة يطردهم خارجاً. ثم انه اشار بالبيدر عن ربوبيته والوهيته. وبالرفش عن عدالته وحكمه. لان الرفش على ما قاله ثاولوغوس هو للتطهير كما ان الفاس هي لقطع الانفس التي لم ترد الشفا.
عدد 13: حينئذ جاء يسوع من الجليل الى الاردن الى يوحنا ليعتمد منه.
بعد ان عمد يوحنا كثيرين وكرز عن يسوع اخذوا ينتظرونه ليعمدهم بالنار والروح. اما يسوع فمنذ رجوعه من مصر والى ذلك الحين كان ساكناً بالناصرة مدة 25 سنة حافظاً الناموس الكتبي والسني حتى بلغ 30 سنة حينئذ جاء الى الجليل ليعتمد. ولم يستدعع يوحنا الى الجليل لبعد المكان عن اليهود. لانه كان خارجاً عن ساحل ارض اسرائيل. ولم يكن في امكان الناس كلهم الذهاب الى هنالك. فجاء الى الاردن حيث كان الجمع الغفير ينتظرون يوحنا ليكرز عليهم ويعرفهم عنه. فجاء الى عبده ليعلمنا التواضع. لأنه بالتواضع كانت تزداد عظمته. اذ ان الذي قبل ان يولد ويصلب فلا عجب اذا قبل العماد وما عدا ذلك فقد كان مجيء المسيح الى يوحنا واجباً ليعرف اليهود انه من هو وممن هو ومتى جاء وليظهر انه اطهر من يوحنا وانه صانع الآيات والمعجزات. وقد اراد في بداية اعماله ان يتضع ليقتدي به الغير
عدد 14: ولكن يوحنا منعه قائلاً انا المحتاج الى ان اعتمد منك وانت تأتي اليّ ؟
ان يوحنا وان لم يكن قد رأى المسيح بعد لكنه عرفه بروح القدس بقوله: ” انّ الذي ترى الروح نازلاً عليه “. فلذا اجابه قائلاً: انا المحتاج لانك انت اله وانا انسان. وقد قال القديس افرام ان يوحنا اعتمد من المسيح بعدما عمده وهذا ظاهر من قول يوحنا له: انا المحتاج. اي ان آتي اليك واعتمد منك فكيف تأتي انت اليّ. فامتنع اولاً عن عماده كما امتنع سمعان في بادىء الامر من غسل المسيح لرجليه
عدد 15: فاجاب يسوع وقال له اسمح الان. لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل بر. حينئذ سمح له.
(ان نكمل كل بر) اي حين ياتي وقتي سامنح البر بلا تعب لبني البشر. ولكن يجب ان اعتمد منك قبلاً. اما البر فعلى انواع ثلاثة. بر طبيعي وناموسي وبر النعمة. فالبرارة الطبيعية والناموسية كانتا حتى العماد. ومن ثم أعطيت النعمة. وأراد بكمال الناموس العتق من الخطيئة والموت. والبنوة بالوضع وملكوت الماء. ونيل المعمودية بالسر. والتدبير بالجسد. فقد كملنا كل الناموس ولم يبق سوى ان اعتمد منك. وبعد ذلك اترآءى اني أعظم منك بعمل العجائب. وكما انه في الفصح على مائدة واحدة صنع فصحين اذ تمم الواحد ورسم الاخر. هكذا صنع عند عماده اذ انه بعد ان اتم معمودية الناموس معمودية يوحنا هذه
(حينئذ سمح له) فلما سمح ليوحنا بعد ذلك ان يعمده وضع هذا يمينه على رأس المسيح ساكتاً ولم يقل شيئاً حسب عادته عندما كان يعمد الغير اذ كان يقول: انا اعمد فلاناً بمعمودية التوبة لغفران الخطايا. وآخرون ارتأوا انه تلا على رأسه قائلاً له انت هو الحبر الى الابد على رتبة ملكيصادق وآخرون ذهبوا الى انه قال انا أعمدك باسم الآب الذي اختارك للتدبير العجيب. والبعض ارتأى انه قال التعظيم والتسبيح لذلك الذي اتضع الى ان اعتمد من عبده. وفي الحال كما يشهد الانجيل أشرق نور عظيم على الاردن وغطت وجه النهر سحابة بيضاء فترآءت الملائكة بعدد لا يحصى يمجّدون الله. ووقف الاردن عن مجراه. وفاحت رائحة طيبة من هتاك. ويوحنا الذي قال انه غير مستحق ان يحل سيور حذائه. وضع يمينه على رأسه موضحاً بذلك الاتضاع أشرف وأعلى من العدل. وصدق في يوحنا اذ ذلك قول المسيح: ” من يضع نفسه يرتفع “. لانه اتضع الى حد انه جعل ذاته غير اهل ليحمل حذاء المسيح فاستحق باتضاعه هذا ان يضع يده على رأسه.
عدد 16: فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء. واذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه
فانفتاح السموات اثبت اولاً ان المعتمد هو سماوي وانه من السماء نزل والى السماء يصعد. ثانياً كما ان آدم قد أغلق في وجهنا السموات بمخالفته وتعديه الوصية هو وأولاده من بعده. واغلق الفردوس بواسطة الكاروبي والحربة النارية. هكذا ان عماد المسيح فتح باب السماء والفردوس. ثالثاً ليعلم الذين يعتمدون ان السماء تنفتح لهم وان كانوا ابراراً صعدوا الى السماء بعد القيامة.
(فرأى روح الله الخ) ان الروح نزل ليظهر انه من طبيعة ذلك المعتمد فاسرع الى من يشبهه لا في السماء لكن على الارض بالتدبير الجسدي. بل لكي تكمل النبوة القائلة: ” ينبت القضيب من اصل يسى ويحل ويستقر عليه روح الله “. وقد قال الله في الابتداء: ” لا تسكن روحي في الانسان الى الابد لانه قد اخطأ “. ولان البشر كانوا معدومين منه منذ ذلك الزمان فاوجب الامر ان يحل على مخلصنا الذي كان يهتم بأمورنا. لكي به ترد لنا الموهبة التي كانت قد زالت عنا منذ القدم. قال القديس يوحنا ان الشعب كانوا يظنون ان يوحنا أفضل من المسيح لأنه ابن كاهن وزاهد وقد عمد مخلصنا فلكي لا يتحقق ظنهم انفتحت السموات وسمع الصوت القائل هذا هو ابني. ولكي لا يظن الجمع ان الذي حصل كان لاجل يوحنا. قال هذا هو ابني. لان الروح جاء بشبه الحمامة يجذب الصوت الى يسوع. واشار اليه كما يشار بالاصبع. قال القديس افرام: نزل الروح ليبين ان الرئيس الاعلى نزل وصعد وانه مساو بالجوهر للذي يشهد عنه. قال القديس ساولوغوس ان السموات انفتحت ونزل الروح المساوي له بالجوهر ليشهد له وليظهر جلياً الثالوث الاقدس. فالابن يعتمد والآب يصرخ والروح يحل وقد دل الروح على الابن بحلوله عليه لئلا يقع ريب عند احد في المسيح لان النظر اصدق شاهد من السمع. ولكي يعلمنا ان الروح يتبعنا عندما نعتمد. قال قوم ان المسيح غطس ثلاث مرات في الماء اشارةً عن الثالوث. وقد ترآءى الروح عدة مرات قبلاً على اوجه مختلفة فقد ترآءى لابراهيم شبه انسان وبشّره عن اسحق ابنه، وللرسل شبه السنة نارية ليبين لهم انهم بالالسنة يجذبون كل الضمائر والعقول. اما في هذه المرة فقد ترآءى شبه الحمامة لان هذا الطائر هو هادئ وويع ومحب للسلام، فترى ان الناس يخطفون فراخه وهو مع ذلك لا يهرب ولا يسكن الا مع الناس. ولكي يعلمنا انه روح التواضع والالفة. وانه لا يكلمنا بقساوة كما كلم اسرائيل، لكن بالحلم والسلام. فيعلمنا نحن المعتمدين ان نتشبه به في الوداعة وبساطة القلب، وابان في الوقت نفسه انه اله العهدين الجديد والقديم. وكما ان الحمامة كانت واسطة لتبشير نوح بانتهاء الطوفان المحسوس، هكذا انه بواسطة الحمامة اي الروح القدس زال طوفان الخطيئة. فالحمامة هي دليل اذاً على الرضى والرحمة ومحبة الله وزوال الاحزان. قال ثاولوغوس والروح يشهد للالوهية وترآءى من السماء ليرى انه اله ومن طبعه هو. ليس بمحدود في السماء. فقد قال عنه النبي ” ان روح الله ملأت المسكونة ” وهو الذي لا تسعه السماء. يتساءل البعض قائلين اذا كان الروح قد نزل اولاً فما الحاجة الى الصوت ؟ قال مار يعقوب السروجي ان الروح والصوت ظهرا سوية لكن الروح قد ترآءى اولاً كالبرق الذي يسبق الرعد. فهبط الروح ومكث عليه. فكان واجباً ان يعرف السبب من الصوت. اما مرقس ولوقا فيقولان ما معناه بعد ان نزل الروح سمع الصوت. والهراطقة اصحاب شيعة مقدونيون يقولون كما ان الانسان افضل من الحمام كذلك الابن افضل من الروح لان الابن لبس جسد الانسان اما الروح كشبه الحمام. فنجيبهم، ان الابن لبس جسداً حقيقياً بلا تغيير. اما الروح فلم يتخذ طبيعة الحمام. والشاهد على انه لم يعد ترآءى كشبه حمامة. واذا كان الروح يعتبر ادنى من الابن لانه ترآءى بصورة حمامة فينتج اذاً على حسب رأيهم ان الكاروبيم افضل منه لانهم ترآءوا مثل النسور لحزقيال. وليس بمنكر ان النسر افضل من الحمام. والملائكة قد ترآءوا مثل بني البشر فاذاً هم ايضاً افضل منه. والقديس ثاولوغوس قال ان كنت بالقد والاوزان تحكم على اللاهوت فبالطبع يظهر لك ان الروح صغير. لانه قد ترآءى شبه الحمام. فلا يبعد ان نحتقر ملكوت السماء لانها شبهت بحبة خردل. ونستعظم ابليس اكثر من يسوع. لانه دعي تنيناً وجبلاً وملك المياه. وهذا يسمى خروفاً ودرة ودودة ونطفة. اما الروح فقد قال قوم انه ترآءى ليوحنا وحده. كما رأى يوحنا الانجيلي وحده الدم والماء اللذين جريا من جنب المسيح كما يتضح ذلك من قوله. اني قد رأيت وشهدت. واثبت ذلك مرقس ولوقا اذ قالا عن يوحنا الانجيلي انه رأى ولم يقولا انهما رأيا. اذاً الجميع قد سمعوا الصوت اثباتاً لكلام يوحنا. والقديس الذهبي الفم يقول ان يوحنا والجمع كله رأوا الروح وسمعوا الصوت. والا لظن الحضور ان ذاك الصوت القائل هذا هو ابني كان عن يوحنا. لانهم رأوا حلول الروح على الابن. اما انتقاله عنه فلم يره احد دلالة على انه غير ممكن ان يكون خلواً من شريك له بالطبع فمكتوب انه استقر عليه (يو1: 32) ليدل بذلك انه روحه. وكما ان الآب في الابن والابن في الآب هكذا الروح القدس في الآب وفي الابن لأن الجوهر واحد. وقد شهد يوحنا بما اوحى اليه في البرية. ان الذي ترى الروح نازلا ومستقرا ً عليه… هو ابن الله (يو1: 33) وهذا القول عينه كان يقوله لكل الذين كانوا يأتون اليه ليعتمدوا منه. كما قال انه لما كان يوحنا يمارس خدمته كان يقول دافعاً عنه الشبهة بكونه المسيح. وكان ينادي عن المسيح انه سيأتي عقيب خدمته ولم ينكر انه عمّد المسيح المنتظر. وكما ان شاول ادرك وهو ملك بعد ان ملكه انتقل منه الى داود. هكذا كان يوحنا يخبر بان ايامه معدودة. ولما كانت الجموع الغفيرة تجتمع حوله لتعتمد منه. فبعد ان يعمدها كان يقص عليها خبر معموديته وعودته من البرية وذاك الذي اعتمد منه. وكيف اعتمد. وما الذي جرى حين عماده وهو كان حاضراً. وكان يذكر بحضرة كثيرين كما ذكر بطرس وبولس بكتاب القوانين ان الروح ترآءى لكل الناس وانه بعيد العماد يجب ان يبطل كل عمل. لانه فيه ظهر الثالوث الاقدس للحاضرين ونزل الروح وسمع الصوت بعد ما اعتمد كقول مرقس ولوقا. ان الروح لم ينزل ليقدس الماء او المسيح ويجعله ابناً مثلنا لكن ليرينا انه الابن فقط ولو قبل الروح كمن يحتاج اليه لقبله مثلنا لا بعد ما صعد من الماء. اما لوقا فيزيد انه بعد عماده.
واذا كان يصلي انفتحت السماء (لو 3: 21)
فلم يصلّ لانه محتاج. فانه هو القابل الصلوات. ولكن حتى كما كانت لنا بداءة بعماده هكذا تكون بداءة للكهنة ان يصلوا بواسطة صلاته. فكما انه حين كان يصلي نزل عليه الروح. هكذا قد اعطى مثالاً للكهنة المعمدين انهم عندما يصلون وهم يباشرون العماد فليطلبوا من الله اللآب ان يرسل الروح القدس ليمتزج بماء المعمودية ويقدّس المعتمدين. وكما ان الكهنة بهذا الزمان يعتمدون اولاً ثم يصيرون كهنة فيصلون طالبين من الله ان يرسل الروح القدس. هكذا سيدنا السيد المسيح رئيس الكهنة اعتمد اولاً، ثم ترآءى واقفاً على المعمودية يدعوا للروح. فاذا كان قد صلّى ليكون بداءة ومثالاً فلماذا لا يترآءى الروح اليوم عياناً في العماد كما ترآءى في عماد المسيح ؟ فاعلم يا انسان انه بعمادك تنفتح السموات فان كنت لا ترى ذلك بعينك فلا ترتب فيه في قلبك. لانه في مبدأ النصرانية كانت لمناظر ظاهرة بسبب غير المؤمنين كما حدث للرسل يوم حل عليهم الروح اذ سمعوا صوتاً كالريح العاصفة وظهرت لهم السنة نارية منقسمة (اع 2: 2 و 3) وذلك لاجل اليهود الحاضرين هناك. اما الآن فيكفيك الايمان آمن وصدق ولو لم تتجل الآيات لك ظاهرةً لكنها تفعل فعلها سراً. فمكتوب هناك نزل على المسيح اما هنا فلم ينزل على الكهنة لانهم قبلوه مرة واحدة في الرسامة. لكنه ينزل على الماء باطنا ً ويقدسه للميلاد الثاني.
عدد 17: وصوت من السموات قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت
ان النساطرة يقولون ان الآب قال ذلك عن الانسان المولود من مريم الساكن فيه الكلمة. اما نحن فنقول ان ليس لله ابنان الواحد طبيعي والآخر ابن النعمة بل ابن واحد كلمة الله المتجسد. ويتضح ذلك من قول بولس ان الله الآب واحد الذي منه الكل والابن واحد الذي هو ضابط الكل و الروح القدس واحد الذي فيه الكل. ونحن المسيحيين نسجد لإله واحد في ثلاثة اقانيم آب وابن وروح قدس. فان كان ذاك الذي اعتمد ليس هو الابن الذي صرخ عنه قائلاً هذا هو ابني فلا زال اذاً غير معروف فتثنية الاقانيم ظهرت على النهر لا الثالوث الاقدس. لكن المعلوم هو ان ابن الآب الطبيعي تجسد وصار انساناً وفي العماد عرفه الآب بالصوت والروح بتجليه ونادى عنه يوحنا ليكون معروفا ً بثلاثة شهود كما يامر الناموس. وقد ثبت أيضاً انه ليس ابن النعمة اذ ان الآب لم يقل قد صار ابني بل هذا هو ابني. لان القول قد صار ابني يقال عن الذي لم يكن ابناً ثم صار بعد ذلك. اما قوله هذا هو ابني فيدل على انه كان ابنه بالطبع منذ الازل ولكنه كان محجوباً بستر اللاهوت فظهر بالجسد فقد ذكر بولس الرسول في القوانين انه بعيد العماد يبطل العمل لانه فيه تجلى لاهوت المسيح اذ شهد الآب عنه بالعماد. ثم نقول ان له طبيعة واحدة متجسدة لا كما يقوله الخلقيدونيون. لان لفظة هذا هو ابني لا تتناول اكثر من معنى واحد وهو كونه ابناً أزلياً فصار انساناً. لان قوله انت هو تخص الطبيعة الواحدة. وقوله صرت يفيد البنوة بالوضع والنعمة. ولما كان اليهود يظنون ان المسيح انسان فقط حين كان يكلمهم عنه يوحنا اظهر لهم الآب انه ليس انسانا ً فقط بل الله وابن الله. لاجل ذلك قال هذا هو ابني الحبيب. ليعلموا ان الله ابناً ازلياً فصار انساناً. ونقول قد سبق الاب واخبر عن ابنه. لانه كان مزمعا ً ان يخبر عن الاب وعن ذاته ولكي لا يحسب كاذباً سبق وانبا عنه. ولتسميته اياه حبيبه عرف انه مساوياً له في الجوهر والطبيعة. بل ليبين انه مولود فريد قبل الازمنة وليس له اخوة بالطبع. وقوله ” به سررت ” انه لا يوجد بين المخلوقات من يستطيع ان يتمم ارادته الالهية كابنه وان ذكر عن الملائكة انهم مكملون لارادته واوامره لكن ليس كما يجب. لان الابن و الروح فقط قادران على ان يكملا ارادته لانهما من طبعه. وان القول ” بك سررت ” لا يفهم منه ايضاً ان الآب قد سر حديثاً بابنه. ولكن كأنه يقول اني بك اريد ان اكمل التدابير لانه اعلن قائلاً انه لا يسر بالقرابين والمحرقات وان ارادته لا تتم في ان يتبرر بنو البشر بذبائح الحيوانات بل بذبيحة ابنه وبمعموديته. لذلك قال به سررت. اي هذا هو ابني الذي به كملت ارادتي. ولذا فانه منذ اوحي بالكتب المقدسة كان ينذر بمجيئه الى العالم والخلاص به لبني البشر. وقد تم ذلك لانه بعد مجيئه منح بني البشر البرارة بالمعمودية وهو ما لم تستطع ان تفعله الذبائح الناموسية. وايضاً بواسطتك كانت مسرتي ببني البشر الذين ابتعدوا عني وانت ارجعتهم اليّ
(الاصحاح الرابع)
عدد 1: ثم أُصعد يسوع الى البرية من الروح ليُجرَّب من ابليس.
ان السيد المسيح بخروجه الى البرية على اثر عماده اراد ان يفهمنا انه بعد قبول أحدنا المعمودية او درجة الكهنوت يبدأ الشيطان بمحاربته ليوقعه في التجارب. كما اتفق ذلك لآدم بعد ان كوّن على صورة الله اذ قاتله الشيطان واسقطه. فكان سقوطه سبباً لسقوط اولاده من بعده. كما ان انتصار المسيح على الشيطان في محاربته له بعد المعمودية كان سبباً لانهاض ابنائه من ذلك السقوط وتبريرهم. وهكذا عندما امتدح الرب اعمال ايوب الصديق ابتدأ الشيطان يقاتله شأنه مع كل انسان منا ان كان حاصلاً على نعمة المعمودية او الموهبة التي نالها بغير دنس. ولكن الرب يمنحه قوة عظيمة ليتغلب على ابليس. وعندما يهيّج الشرير التجارب على الانسان عليه مقاتلته بالصوم والصلاة فلا يلبث الشيطان ان يقهر ويولي هارباً. والمسيح قد كفر عن ذنبين بحفظه الناموس لمدة ثلاثين سنة. فقد قتل الخطيئة ومحا الذنب العام. وفي صيامه مدة اربعين يوماً غلب ابليس ومحا الذنب الخاص. وقد كفر عن المذنبين بجسد آدم اي ان الجسد المقهور بالذنب هو يتبرر. وانما اراد المسيح ان يسلم ذاته ليجرب من الشيطان حتى يعطينا القوة لنغلبه نحن أيضاً ونقهره. فان اللعين قد قاتل آدم وقهره وجعلنا بذلك مقهورين جميعاً فجاء المسيح وقهره. والمسيح لم يقاتل الشيطان بما انه اله ولكن بما انه انسان. اذ لو حاربه الهياً لكان نسب الشرف انتصاره عليه الى لاهوته لا الى ناسوته. ولما اراد المسيح ان ينتصر لآدم اتخذ جسده وقهر الشيطان. ولم يقهره بلاهوته الغير المذنب. اذ لو قاتله بلاهوته لتذمر الشيطان قائلاً اني قاتلت انساناً فغلبته. فليس امراً عظيماً ان يغلبني العدو. لكنه من العدل ان يقاتلني انسان ويغلبني كما غلبته انا حتى يوفي الدين. فكان من الواجب اذاً ان يقاتله ناسوتياً ليتشبه بداود ابيه حين قاتل جلياد الجبار. فكما ان داود لم يقاتل بآلة حرب شاول وثيابه. بل بسلاح الرعاة. هكذا المسيح المولود من نسله لم يقاتل بما انه اله بل بما انه انسان. فبالعدل قهره المسيح لا بالحيلة. وكما ان ابليس اخفى ذاته في الحية وقاتل آدم وغلبه. هكذا الكلمة اخفى لاهوته في الجسد متّحداً معه وقاتل ابليس اللعين وقهره. ولما كان رئيس الشياطين يقاتل المسيح كانت أجناده واقفة بعيداً. وقد قاتله المسيح عرياناً كما قاتل هو آدم ولما رأى ان القتال صعباً جداً. فلم يشا ان يقاتله بواسطة آخرين. بل دخل وحده الى القتال ولم يقاتله قبل آلامه الا لكي يعلمنا انه متى قبل احد المعمودية او موهبة اخرى وثارت عليه التجارب فلا يخف كمن عرض له امر جديد. ورب معترض يقول لماذا لا يمنع الله التجارب عن الانسان الى ان تشتد قوته ؟ فالجواب لاجل الموهبة التي منحها حتى يستحق ان ينال بها اكليل الانتصار في ابان الحرب. ثم لكيلا يتكبر الانسان بما ناله من المواهب الشريفة. واختلفت آراء علماء الكنيسة فيما اذا كان المسيح قد صنع المعجزات قبل صيامه. فذهب القديس فيلكسينوس وآخرون غيره الى انه قد صنع ذلك وانكر بعضهم من مثل القديس افرام والذهبي فمه ومار اسحق في الميمر الرابع عشر حصول المعجزات قبل ان يطرح يوحنا في السجن. اذ جاء الى الجليل وانتخب التلاميذ وابتدأ بعمل العجائب كتحويله الماء الى خمر. اما التلامذه فلم يعرفوا خبر تجربته من الشيطان الا بإلهام من الروح القدس لانهم لم يكونوا معه وقتئذ. وفي امره لنا بالصلاة لئلا ندخل في التجارب يعلمنا الا نلقي ذواتنا في التجارب بارادتنا لكن اذا عرضت لنا اتفاقاً فلنتحملها بالصبر لننال الاكليل اقتداءً بالسيد المسيح اذ لم يمض ليجرب بارادته بل أخذ من الروح كقول لوقا: ” اما يسوع فرجع من الاردن ممتلئاً من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية ” (لو 4: 1). وقد سمح يسوع ان يجرب من الثلاب ليعتق آدم من اسر الخطيئة ويعيد اليه النعمة التي سلبت منه. قال القديس ساويرس ان قوله الى البرية يشير الى معنى آخر سرّي وهو انه اخذ اليه مباشرة امر عظيم وتدبير الهي. ثم ان المسيح اخذ من الروح بعدما حل عليه في العماد. وذلك لانه قد صار انساناً. سيما وانه كان مزمعاً ان يعلم لا ندخلنا في التجارب. ثم ان الكتاب يذكر انه أخذ من الروح ليجرب ولم يذكر انه مضى لكي لايظن الناس ان الروح احطّ شأناً من الابن. وقد ذهب بعضهم الى ان المراد من قول الكتاب اخذ هو انه لم يؤخذ ماشياً الى البرية لكنه انتقل بغتةً من الروح القدس شريكه بالطبع كما خطف الروح فيلبس. وعلى هذا الوجه ذهب الى الجليل والاردن وانه لم يؤخذ الى البرية بعد عماده حالاً كما نص على ذلك القديس متى ولكن بعد ايام كثيرة حتى يتهيأ الشيطان لقتاله. لانه في القفر يضاعف همته في محاربة من يريد ان يحاربهم كما اتفق ذلك لحواء حين كانت وحدها. وهكذا فانه يقاتل المتوحدين اكثر من الساكنين بالاديرة العامة. ثم ان المسيح خرج للبرية ليري قدرته للشيطان ليعرفوه. ولذا فانه عندما قدم للمسيح الرجل الذي كان فيه روح شيطان نجس صرخ احدهم قائلاً: ” آه مالنا ولك يا يسوع الناصي أاتيت لتهلكنا قد عرفتك من انت ” (لو 4: 33). يريد انه لم يعرفه بصفة كونه الهاً لان هذه المعرفة منوطة بالآب والروح فقط فكأنه يريد ان يقول قد عرفت مقدار قوتك حين حاربتك في البرية فغلبتني. ولم يكتف ابليس بمحاربة المسيح في القفر بل اقامه على جناح الهيكل وأخذ يجربه ليوقعه. فانتهى الامر بغلبة المسيح عليه ثانيةً وعاد ابليس خازياً مدحوراً فصار القتال الاول في القفر ليكون نموذجاً للرهبان المتوحدين ان يخرجوا للقفر صابرين بالصيام ليغلبوا اللعين. وفي المد ينة وعلى جناح الهيكل ليكون مرآة للساكنين في المدينة مع الاخوة اذ لو كان يقهره في القفر فقط لتكبر ابليس على الساكنين في المدن. ولو كان يغلبه في المدينة فقط لتكبر على الذين في القفر ولكنه غلبه في الموضعين ليجعله مداسا للفريقين. ثم ان المسيح سكن اربعين يوماً في القفر مع الحيوانات وحده عوضاً عن آدم الذي لم يستطع ان يقيم يوماً واحداً في الفردوس.
(ليجرب من ابليس) وقد يراد بالتجارب كل اضطراب وتشويش يطرأ على عقل البعض بتحريك ابليس لتضعف ثقتهم بالله. واسباب هذه التجارب ثلاثة: نهم البطن ومجد الباطل ومحبة الفضة. فبهذه قد غلبنا وبها جرب المسيح وغلب ابليس. وانما ازداد ابليس رغبةً في تجربة المسيح لما سمعه من كلام اليصابات للبتول اذ قالت لها مباركة انت في النساء ومن كلام الملائكة والرعاة ومن شهادة سمعان وحنا في الهيكل ومن صوت الآب والروح. فلما سمع ابليس كل هذه انفعل وتقدم ليجربه حتى يتحقق اذا كان هو الهاً ام انساناً. وقد لقب الشيطان ثلاباً لانه ثلب الله امام بيت آدم قائلاً حسداً قد حسدكم الله. وسمي شيطانا لانه يميل بالناس عن طريق الواجب. وسمي الساقط لانه سقط عن مرتبته. وسمي مجرباً لانه يزرع الافكار النجسة في قلوب الذين يقاتلهم ويجربهم. كما اراد ان يفعل مع المسيح حين جربه اذ قال له: ” ان كنت ابن الله فقل لهذا الحجر ان يصير خبزاً ” (لو4 ك 3) فان سمعك فانت ابنه. والا فقد ضحك عليك بقوله عنك هذا هو ابني الحبيب. ثم اتبع كلامه قائلاً: ” ان كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا الى اسفل ” (لو 4: 9) .
عدد 2: فبعدما صام اربعين نهاراً واربعين ليلة جاع اخيراً.
بالصيام ابتدأ في قتاله لا بالصلاة او بغيرها اذ هو غير محتاج الى الصيام. ولكن لما كان آدم قد سقط بسبب أكله الثمرة شاء ربنا ان ينتصر على ابليس بالصيام. وقد علمنا له المجد ان نستعمل الصيام بعد العماد لان الخطيئة تأتي عن الاكل. فرسم الصوم بعد المعمودية كالطبيب الجسداني الذي يأمر بامتناع المأكل لانه سبب المرض. ثم يذوق الدواء الذي يصفه لنا لا لأنه محتاج اليه ولكن تنازلاً منه ليشوقنا الى أكله. هكذا ربنا قد صام ليشهينا على الصيام ويشفينا من داء الشره ويفهمنا فوائد الصوم. فان الصوم قد نور وجه موسى النبي واصعد ايليا الى السماء وكشف لدانيال معرفة الاسرار. والصوم هو الامتناع عن الشر والافكار السمجة. وسيدنا صام في كانون الثاني. وموسى في حزيران ودانيال في نيسان. اما ايليا فغير معلوم زمان صومه. وانما صام المسيح اربعين يوماً لئلا يكون دون موسى وايليا في الصوم. وكما ان الانسان لا يتكون تماماً الا بعد اربعين يوماً من الحبل به. هكذا ان ربنا لما شاء ان يولد الانسان القديم ويخلقه خلقة جديدة استعمل هذا العدد في ايام صومه. ثم انه لما اخطأ الانسان المجبول من اربعة عناصر واراد الخالق تطهيره فَطَمَ الجسد عن المأكل ليخرج الخطيئة التي قد ادخلها التنين الاول بواسطة المأكل. وصام اربعين يوماً لينقي ويطهّر الاربعة العناصر مكفّراً عن كل عنصر بعشرة ايام. وكما ان الارض خربت بالطوفان في مدة اربعين يوماً فقد صام اربعين يوماً لئلا تخرب ثانيةً ثم وان المستوجب للضرب كان يعتق بحسب الشريعة اذا ضرب اربعين ضربة والذي لم يكونوا يريدون عنقه فكان يضرب اربعين الا واحدة. كقول بولس. ضربت خمس مرات اربعين الا واحدة. وكذا قيل عن سنين موسى فقد حسبت وصام اربعين بمصر واربعين بمديان واربعين في البرية. والتي تلد ولداً ذكراً فبعد اربعين يوماً تطهر والتي تلد انثى فبعد اربعين اربعين يوماً. وبعد اربعين يوماً كذلك رجع الجواسيس من ارض الميعاد. ومدة اربعين يوماً هدّد جلياد عسكر اسرائيل وفي آخر الاربعين سقط بضربة داود الذي كان رمزاً عن المسيح وجلياد رمزاً عن الشيطان الذي سقط امام ابن داود. وايليا صام اربعين يوماً وحزقيال اضطجع اربعين يوماً على جنبه وقد كرم آباؤنا الاولون هذا العدد لانهم سبقوا فعلموا بالنبوة مجيئ المسيح ليطهر ويشفي جنسنا. ثم انه لما اراد ان يطهر جنسنا المذنب. بواسطة الخمس حواس صام اربعين يوماً اي عن كل حاسة ثمانة ايام. وفي انتهاء الاربعين يوماً دنا الشيطان وقاتله الثلاث قتالات وبعد رجوعه بثلاثة او اربعة ايام حول الماء الى خمر واختار التلاميذ.
(وجاع أخيراً) ثم جاع ليبين ان له جسداً مثل جسدنا قابلاً للجوع ويجعل ذلك وسيلة للشيطان ليجربه. اذ لو يجده لما تقدم اليه. ثم انه بعد ان صام اربعين يوماً جاع اي ان الجوع اشتد فيه رويداً رويداً حسب الطبيعة كما قد جرى لموسى وايليا. غير ان جوع يسوع لم يكن اضطرارياً بل اختيارياً خلافاً لجوعهما او جوعنا. اما ان المسيح لم يتنور بصومه كموسى. فذلك لكي لا يراه الشيطان ويخاف من محاربته. ولان التنور كان محفوظاً لزمان تجليه على الجبل. ومما يدل على ان جوع المسيح لم يكن اضطرارياً انه لم يسمح لنفسه ان يغرق في البحر بل مشي بخفة. وان جسده لم يحتمل آلام الطبيعة طوعاً واختياراً الا بسلطان لاهوته المتحد بالجسد اقنوماً وليس كجسدنا. ثم انه قد جاع لا بما انه اله لانه هو المقيت ومشبع الجياع. ولكن بما انه قد صار انساناً. اما الشيطان فقد تحقق جوع المسيح لانه رآه ينظر الى العشب كأنه يشتهي الاكل منه. وقد غارت عيناه وانحلت قواه وثقلت مشيته ونحل جسمه.
عدد 3: فتقدم اليه المجرب وقال له ان كنت ابن الله فقل ان تصير هذه الحجارة خبزاً.
ان المجرب لم يدن الى المسيح وهو صائم ولكن بعد ان جاع لكي نتعلم ان الصوم هو السلاح الذي يمكننا ان نحارب به ابليس. وقبل زمن الصوم حاول ابليس مدة ثلاثين سنة ان يوقع المسيح في الخطيئة ولم يستطع الى ذلك سبيلاً وبالريادة في مدة الاربعين يوم اثار حروباً خفية بالاحلام والافكار فما وجد فيه مكاناً. واذ لم يقدر ان يغلبه روحياً ترآءى له بالجسد ليقاتله. وقال الذهبي فمه ان الذي زاد في حنق ابليس هو سمعه الملاك يقول عن المسيح بان ليس لملكه انقضاء (لو 1: 33). واليصابات تننبأ عنه ويوحنا يرتكض في بطن امه والملائكة يبشرون بمجيئه. فاضرم نار الحسد في قلب هيرودس الملك فأمر هذا بقتل الاطفال بقصد ان يقتل المسيح. ولما لم يتم للشيطان ما اراده ترآءى له بصورة انسان ليجربه. فالقديس يعقوب السروجي يقول ان الشيطان لم يترآء له كالعدو لكن كالمهتم والمشير وكالملاك المعين للكاملين ارسل ليتمم احتياجه. اما القديس افرام فيقول ان الشيطان ترآءى للمسيح في الهيكل والبرية بشبه انسان وفي الجبل بكمال العظمة والمجد وتكلم بالعظائم كأنه اله. وقال آخرون انه ترآءى له في البرية كشبه متسول ليحمله على ان يصنع من الحجارة خبزاً لهما كليهما وعلى جناح الهيكل بشبه رئيس كهنة وفي الجبل كملك مقتدر.
عدد 4: ان كنت ابن الله فقل ان تصير هذه الحجارة خبزاً.
هذه هي التجارب الثلاث. ويتساءل البعض عما اذا كان ابليس يظن المسيح الهاً ام انساناً. فتاودوروس النسطوري وآخرون غيره يقولون انه ظنه انساناً بسيطاً فجربه ليغلبه بالمأكل كما غلب آدم. ولكونه غير قادر على ان يسقط الناس في الخطيئة قسراً فلذا يعرض تجاربه بحركات طبيعية كما عمل بآدم فانه لما جاءت الساعة السادسة وعرف انه قد جاع تقدم اليه ليجربه. وعليه فلما نظر في المسيح علامة الجوع أخذ يجربه وهو يظن انه انسان. حتى ان المسيح لما اجاب بقوله لا تجرب الرب الهك لم يظهر كونه الهاً على ما رواه القديس يوحنا لانه لو عرف ابليس انه اله لما اقدم على تجربته ثالثة. اما القديس فيلكسينوس فقال ان ابليس عرف ان المسيح اله منذ نزوله الى العالم ومع ذلك فقد جربه. لانه منذ البدء يحارب الله. فمن ذلك تجربته لآدم. فينتج انه مع معرفته به الهاً جربه. وذلك واضح من قول ابليس له: ” آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري… انا اعرفك من انت. قدوس الله ” (مر 1: 24) وكما يعرض للعين عارض فتعمى ولا تستطع ان تميز الالوان. هكذا فان الشر يعمي العقل لان نتيجة العمى البشري هو الشر. فاذاً عدم المعرفة قد عرضت للشياطين وجعلتهم ان يقاتلوا الله منذ البدء. وقد قال الآباء القديسون ان السبب الذي سقط به ابليس من السماء كان الكبرياء. فكما انه منذ البدء قاتل الله مع معرفته به ظناً منه انه ضعيف هكذا جرب المسيح مؤخراً مع معرفته انه ابن الله. اما القديسون يوحنا وساويرس ويعقوب السروجي فيقولون ان ابليس لم يجرب المسيح الا لارتيابه بصحة كونه الهاً. فمن جهة كان يعتقد انه اله بشهادة يوحنا والآب فيه عند العماد. وكان يظنه انساناً لان له جسداً وحواس مثلنا تشعر بالجوع والعطش وغير ذلك. فلكي يتاكد منه انه قال له حين جربه ” ان كنت ابن الله ” ولم يقل ان كنت جائعاً لئلا يحط من كرامته. وقد ظن ابليس انه باستعماله التعظيم والمدح في مخاطبته للمسيح يسهل عليه اسقاطه في حبائل تجاربه وقد اراد بكلامه هذا في الوقت نفسه ان يفهمه ان تعريف الآب له بصوته انه ابنه ربما غره كما غر اسرائيل اذ دعاه ابنه البكر مع انه قاسى بعد ذلك من الشدائد ما لم يقاسيه العبد ثم ان ابليس استتلى كلامه قائلاً هوذا الزمان الذي يجب ان تظهر فيه بنوتك. فانت في البرية ومعذب بالجوع والعطش فاظهر قوتك فتحيا وانا اؤمن اذ ذاك انك الابن بالطبيعة لا بالنعمة.
عدد 5: فاجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله.
فجواب ربنا هذا مكتوب في السفر الثاني ان ستمئة الف نفس عاشوا بلا خبز مدة اربعين سنة ولم ياكلوا فيها الا المن فقط. وفي سفر اللاويين مكتوب ان الله قال لشعبه احفظوا اوامري وعيشوا فان الانسان الذي يحفظ الوصايا يحيا بها.. ورب قائل يقول كيف يمكن الانسان ان يعيش دون خبز ؟ فنجيب قائلين ان آدم وحواء لو حفظا وصية الخالق لما شعرا بجوع او تعب لانه تعالى كان قادراً ان يعولهما بلا خبز كما قد عال موسى وايليا اربعين يوماً وستمئة الف نفس اربعين سنة من دونه. لانه اذا كانت قوته محدودة ولا يقدر ان يحيي البشر بلا خبز فليس هو الهاً. وبالنتيجة فلا صحة لما قاله من ان الانسان يستطع ان يحيا بكلمة. اما نحن فنقول انه قادر ان يحيي الكل بكل كلمة كما سيحي الناس بعد القيامة بلا خبز. لانه قادر ان يعمل كما يشاء في السماء وعلى الارض ولذا فقد اجاب السيد له المجد الشيطان بآية من الكتب ليؤكد له انه ابن الآب بالطبيعة. وبرهن بهذه الاية على عظم صبره فانه مع شدة جوعه لم يصنع خبزا ليدفع عنه الجوع خلافاً لآدم الذي لشراهته اقدم على اكل الثمرة المحرمة باغراء ابليس الذي يجهل بعد انه يمكن الانسان ان يحيا بلا خبز متى ما اراد الله. فلم يعمل ربنا من الحجارة خبزاً لئلا ينيل ابليس شهوته كما اناله اياها عندما طلب منه ان يدخل في الخنازير. ولكن الرب فعل ليظهر عجائبه في بلدة الجدرانيين فيؤمنوا به. لئلا يتم لهم ما قصدوه من قتل الجدرانيين. على انه لو صنع من الحجارة خبزاً لكان عرف انه ابن الله فيهرب الثلاث اذ ذاك ولا يعود يكمل تجاربه فيبطل حينئذ التدبير الالهي. فعلمنا له المجد بفعله هذا الا نسرع الى فعل العجائب اذا كانت التجارب قريبة والايمان ضعيفاً كقوله: ” الجيل الشرير الفاسق يطلب آية فلا تعطى له آية الا آية يونان النبي ” (مت 12 ك 39). وقد علمنا انه ولو اشار علينا ابليس مشورة حسنة فلا ينبغي ان نسمع منه مقتدين به تعالى اذا انتهر ابليس وهو يشهد عنه انه ابن الله. وبولس انتهر الروح النجس الساكن في الساحرة. فلو كان اطاعه مخلصنا وصيّر الحجارة خبزاً لأوقعه في الكبرياء. وان قال ولم يصر لضجر وتقمقم على الله كاسرائيل. اما ربنا فقد قهره بهذه التجربة وقهر معه الشهوة. وكل الشهوات التابعة لها. لان اول خطيئة سقط بها آدم كانت الشراهة والشهوة. اما ربنا فانتصر على الضرورة والشهوة. وقال قوم انه لاجل البطن كان مبدأ كل الشرور اما ربنا فقد اثبت ان المتمسكين بالفضيلة لا تستطع الضرورة ان تسوقهم الى ارتكاب الاعمال الرديئة. فقد فضل الجوع على ان يسمع كلام ابليس وعلمنا بذلك الا نخالف امر الله مصغين الى مشورة عدوه.
عدد 6: ثم اخذه ابليس الى المدينة المقدسة واوقفه على جناح الهيكل.
اي الى اورشليم التي دعيت مدينة الاقداس لان جميع الاسرار فيها كملت. ودانيال قد سماها هكذا. فنقول ان خزي ابليس في القتال الاول كان سبباً لحدوث القتال الثاني. ولما لم يتمكن ابليس من التغلب عليه بتجربة الشهوة فقد اراد ان يجربه بالمجد الباطل اما قوله مضى به فلا يظن انه كان يساق كالحيوان لان ذلك من فعل المجانين الساكن فيهم الشيطان. فاذا كان ابليس لا يقدر ان يمضي بالناس قسراً فكيف بخالقه لكنه مضى بارادته وبها ايضاً رضي ان يجرب. اما نحن فننتقل من مكان الى آخر دون ان نعرف اي فخ ينصبه لنا الشيطان. لكن المسيح بصفة كونه الهاً عرف ما ينويه اليه ابليس من التجارب. فمضى الى البرية والى المدينة المقدسة والى الجبل لكي يخمد همته ويبطل مسعاه ويجعله مدوس تحت اقدامنا. قال القديس فيلكسينوس كان المسيح يذهب الى حيث يريد ابليس مقاتلته. اما السروجي فقد قال ان ابليس لما غلب في قتاله الاول اراد ان يقاتله ثانية فلم يجد سببا يبني عليه قتاله. لان القتال الاول كان سببه الجوع والقتال الثاني لم يكن له داع اما الثالث فكان يسعى ليجد للمسيح موضعاً يرمي نفسه منه. ولما عرف المسيح ذلك جاء من القفر فوقف على جناح الهيكل الا ان ابليس فرح جداً وظن ان ذلك فرصة تمكنه من تجربته والتغلب عليه. وقال آخرون انه بعد حديث طويل جاء به الى المدينة كمن يتفرج على بناء الهيكل واصعده على جناح الهيكل.
عدد 7 : وقال له ان كنت ابن الله فاطرح نفسك الى اسفل. لانه مكتوب انه يوصي ملائكته بك. فعلى اياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك.
(اطرح نفسك) فقصد بذلك انه اذا وقع ولم يصبه ضرر ثبت انه يحب المجد الباطل. ورغب ان يعرف الناس به انه ابن الله ليمجدوه وان سقط ومات فقد تخلص منه وان اصابه ضرر ولم يمت حمله على التجديف على الآب لانه لم يحفظه وان سكت عدّ جاهلا. وعلى فرض انه كان يطرح ذاته لما اصابه ضرر البتة لانه خالق العلو والعمق والشاهد بذلك هو انه لما جاؤوا به الى طرف الجبل وارادوا ان يطرحوه الى اسفل جاز في وسطهم وذهب. ولم يطرح ذاته لئلا يفتخر بنجاته. الا انه قاوم تجارب ابليس كلها بالحلم والاناة
(لانه مكتوب ان يوصي الخ) هذه الآية مكتوبة في المزمور التسعين وقال قوم ان ما قيل في المزمور لا يرمز عن المسيح فقط لكن عن كل من وضع اتكاله على الله عندما تداهمه التجارب. اما ابليس فقد اتى بهذه الاية بقصد ان يخدع المسيح حتى اذا علم ان الملائكة يحرسونه رمى بنفسه الى اسفل وربما ان ابليس لم يكن يعرفه الهاً فاورد له هذه الاية. ثم ان يعقوب السروجي قد ذكر في ميمره انه وان يكن داود قد اشار في مزموره عن المسيح ان يوصي ملائكته به اذا سقط لكن ليس ليطرح نفسه من جناح الهيكل.
عدد 8: قال له يسوع مكتوب ايضاً لا تجرب الرب الهك.
ولم يرد بذلك ان ينهيه عن تجربته بكونه الإله لكن اراد بذلك ان يعلمنا انه لا يجب ان يجرب احد الرب الهه بل يجب ان يستعين به عند التجارب. وانه غير جائز ان يطرح الانسان نفسه بارادته في هوة او فخ طمعاً في معونة الله. الا انه تعالى لا ينجي الا من داهمته التجارب كرهاً لا طوعاً واختياراً. واذا خالجنا فكر من هذا القبيل فلنعلم ان مصدر الشيطان اذ انه منذ البدء رمى بنفسه من فوق وصار سفلياً. فجاء المسيح ليرفع الساقطين كقوله اني متى صعدت الى فوق جذبت الكل اليّ.
عدد 8: ثم أخذه أيضاً ابليس الى جبلٍ عالٍ جداً واراه جميع ممالك العالم ومجدها.
هذا هو القتال الثالث. اما قوله: ” أخـذه ” فهو ان سيدنا كان يذهب الى حيث يريد ابليس قتاله. وقوله مضى به الروح القدس اي ان الروح كان يذهب بالمسيح الى حيث كان يريد ابليس مقاتلته. لماذا اصعد ابليس المسيح الى الجبل ؟ ذلك لكي يغير طريقة القتال ظاناً بذلك انه يغلبه. حتى اذا رآه غير قادر على الصعود الى الجبل العالي لصومه يفهم للوقت انه انسان اما ابليس فلم يكن يريه حقيقة ممالك العالم، لكن كان يمرها امامه في الفضاء مظهراً له المدن والملوك والشعوب والغنى والكراسي. وقيل ان اقامته اياه على جناح الهيكل واخذه الى المدينة المقدسة كان من باب الاوهام والخيالات لانه من المحال ان يبان من الجبل جميع ممالك الارض ومجدها. حتى ولا ارض اسرائيل كانت تبان من هناك لانه بالكاد كان يشاهد منه الى مسافة مرحلة او مرحلتين لا غير. والقديس لوقا يذكر انه في وقت وجيز اراه جميع الممالك وهذا غير ممكن مطلقاً ولو في مدة طويلة لان ذلك لا يتم في عدة سنين ومن هذا يتضح انها اوهام وخيالات كما يعمل السحراء لانه اذا كان موسى الشريك في العبودية لم يخدع بخيالات سحراء مصر فكيف يخدع المسيح وهو رب موسى ؟.
عدد 9: وقال له اعطيك هذه جميعها ان خررت وسجدت لي.
يتضح من الآية ان ابليس كان يعتبر المسيح اعتبار اله. والا لما فضل سجود المسيح له على سجود جميع الممالك. ولم يكفه انه قد خطف ادعى بمجد الله بل طلب ان يسجد له منه
(لو 4: 6) وقال له ابليس لك اعطي هذا السلطان كله ومجدهن لأنه اليّ قد دفع وانا اعطيه لمن اريد ان الله لم يعط للشيطان سلطان الشعوب لان للرب وحده الارض وما فيها (مز24: 1) ولكن لكبريائه تظاهر انه اله وطلب ان يسجد له وادعى ان المخلوقات هي له. نعم المخلوقات بما فيها سلمت نفسها اليه اختياراً كقول بولس: ” الستم تعرفون انكم عبيد لذاك الذي انتم مستعدون ان تسلموا له انفسكم “.
عدد 10: حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان. لانه مكتوب للرب الهك تسجد واياه وحده تعبد.
قال قوم ان المسيح انتهاراً انتهر ابليس حين جاوبه. غير ان الذهبي الفم قال انه أمر أمره والأمر هو اشد من الانتهار. ولم ينتهره قبلاً لئلا يخاف فلا يعود يجربه لكنه في هذه المرة انتهره لانه اراد منه السجود. ولانه جدف بادعائه ان المخلوقات هي خاصته. فبقوله اذهب يا شيطان نزع عنه السلطان الذي كان على بني البشر وملأه عاراً وخزياً ودعاه شيطاناً فهذا هو قول ربنا: ” اني كنت انظر الشيطان ساقطاً كمثل البرق من السماء ” اي حين التجربة الثالثة. ولما سمع المسيح يدعوه شيطاناً خاف وسقط. لانه كان يظن ان المخلص لا يعرفه. ولذا فانه لم يعد يقدم بعد ذاك على تجربته. اما جواب المسيح له وهو للرب وحده تسجد يفيد انه لله وحده يجب السجود والعبادة عملاً بما هو مكتوب في سفر الخروج في الوصايا الالهية العشرة ” ولا يكن لك اله آخر غيري “.
عدد 11: ثم تركه ابليس واذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه.
(ثم تركه ابليس) اي انه ابتعد عنه في لحظة من الوجود الى عدم الوجود. وكان منظوراً نظرة استعارية فرجع الى طبعه الغير المنظور. ثم بقوله ” ملائكة جاءت ” يدل على انهم كانوا بعيدين. ولم يكن مأذوناً لهم ان يدنوا وينظروا لئلا يخاف العدو. فالملائكة في العلو والشياطين في العمق كانوا ينظرون من عساه ان يكون الغالب منهما. فالشياطين كانوا مرتابين والملائكة متحققين. فلما خزي ابليس وهرب تقدمت الملائكة وخدمته. اما الانجيلي فلم يذكر نوع الخدمة الا ان بعضهم ارتأى ان البعض من الملائكة كان يهيء قوتاً للجسد والآخرون كانوا يمجدونه لغلبته وانتصاره. لنعلم من ذلك انه بعد انتصارنا على ابليس في هذه الحياة تقبلنا الملائكة..
ولما اكمل ابليس كل تجربة فارقه الى حين (لو 4. 13)
فقوله الى حين اي انه ذهب ليطفي يهوذا فيسلمه ويحرك اليهود فيقتلوه. فهذا هو شأن الشيطان. انه حين يعجز عن اسقاط الانسان في التجارب يسعى الى قتله. ولذلك فانه منذ تجربته للمسيح الى ساعة الصلب لم يعد يجربه بتجارب أخرى. لانه في التجارب الثلاث التي امتحنه بها على ما تقدم ذكره تنحصر كل تجارب الشيطان. فان من نهم البطن تتولد الشراهة والسكر والظلم والزنا وغير ذلك. ومن مجد الباطل يتولد الكبرباء وبهرجة الجسد والبغضة والسجس والشقاق. ومن محبة الفضة يتأتى الطمع والسرقة والكذب وشهادة الزور والخصومات والقتل وما اشبه. اما قوله ” لتصير الحجارة خبزاً ” فهذا من نهم البطن. ” واطرح نفسك ” من المجد الباطل. ” ولك اعطي ممالك العالم ” يريد ترغيبه في محبة الفضة ثم نقول انه بسبب الشهوة نسقط في الخطايا. ولاجل مجد الباطل نعمل ما لا يجب عمله. وطمعاً في اقتناء الفضة نخرج عن الواجب. ولان داء محبة الفضة صعب وردي وهو اصل كل الشرور كقول بولس لذلك تركه الى آخر تجاربه كلها كما يفعل الاعداء. فانهم يبدأون اولاً باصغر القتالات حتى ينتهوا باكبرها. اما القديس فيلكسينوس فيقول ان محاربة المجد الباطل هي اصعب من محاربة كل شيء ولذلك ذكرها لوقا في الآخر على خلاف ما سردها يوحنا ومتى. فانه جعل التجربة بالمجد الباطل آخر التجارب لانها اصعبهما وربما كانت محبة المجد الباطل قد اثرت فيه لانه طبيب لذلك جعلها آخر التجارب. وزعم غيرهم ان تجربة الشيطان للمسيح بمحبة الفضة ونهم البطن كانت في البرية والجبل واما تجربته له بالمجد الباطل فتمت بعد ان رجع. وقال آخرون التجارب الثلاث وقعت في يوم واحد. وارتأى البعض ان تجربة نهم البطن تمت بعد الصيام ومن بعدها تجربة المجد الباطل فمحبة الفضة. وقال قوم ان ابليس لم يجرب المسيح الا تخيلاً ووهماً فكيف حسب ذلك نصرة وغلبة للمسيح ؟ فنجيب ان سيدنا لم يكن محتاجاً للنصرة لكن قصده كان ان يفضح الشيطان ويخزيه اما النصرة الحقيقية فمتوقفة على المعرفة لا القهر. وان يسبق الانسان ويعرف مقاصد عدوه وفي ذلك الغلبة الحقيقية. وكل نصرة لن تنصر بمعرفة فهي لا تنفع شيئاً. لذلك اظهر قوته في البرية ليعرفوه متى طردهم من المدن.
عدد 12: ولما سمع يسوع ان يوحنا أُسْلِم انصرف الى الجليل.
ان الانجيليين الثلاثة ذكروا ان مضي المسيح الى الجليل كان بعد التجارب الا متى فقد روى ان الانتقال الاول الى الجليل كان بعد ان اسلم يوحنا الى السجن. ثم ان ثلاثة من الانجيليين رووا ان انطراح يوحنا في السجن كان بعد التجارب والصيام وما عمله قبل السجن تركوه ليوحنا الانجيلي ان يخبر عنه. مثل الاعجوبة التي جرت في عرس قانا الجليل اذ حوّل المسيح الماء الى خمر. اما متى فقد سرد اعمال المسيح بالترتيب فابتدأ بذكره عماده فتجربته وكرازته وما قد اوصى الرسل بعمله. ثم ان المسيح اراد بانتقاله الى الجليل بعد ان اسلم يوحنا للسجن ان يعلمنا الا نلقي بانفسنا في التجارب اختياراً ولكن لنهرب منها اذ لا لوم على من يفر من التجارب وهو لا يستطيع احتمالها. ثم انتقل ليهدىء حسد اليهود له.
عدد 13: وترك الناصرة وجاء فسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم.
انه ترك الناصرة لقلة ايمان سكانها به. وسكن كفرناحوم لتكمل النبوة من أجله وينتخب رسله هناك. لأن اكثر الشعب كان في تخوم زبولون ونفتاليم. اي هناك كان الاسباط قريبين من بعضهم.
عدد 14: ليتم ما قيل باشعيا النبي القائل.
ليبين انه قد اتم كلما تنبأ عنه الانبياء وكلما كان يمضي الى شعوب أخرى. كان اليهود يصيرون سبب ذلك. ولما طرح يوحنا في السجن ألزموه ان يمضي الى الجليل لان الاشتراك مع الشعوب كان مخالفاً للشريعة. فاتاهم بشهادة من اشعيا قائلاً
عدد 15: ارض زبولون وارض نفتاليم طريق البحر عبر الاردن جليل الامم.
عدد 16: الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً. والجالسون في كورة الموت وظلاله اشرق عليهم نور.
ان الظلمة تقال على ستة انواع: (1) عدم النور الطبيعي (2) ابليس، كقوله والظلمة لم تدركه (3) االخطيئة، كقوله من يفعل الخطيئة في الظلمة يسلك (4) العالم والجسد، كقوله النور يضيء في الظلمة (5) عدم المعرفة (6) الظلال، فهنا يسمى الظلال ظلمة. والنور يقال على انواع كثيرة: (1) الله يدعى نوراً (2) النور المحسوس (3) الاعمال الصالحة (4) الناموس (5) المسيح (6) التعليم. فهنا سمي المسيح نوراً عظيماً لانه انار بني البشر واعتقهم من ثلاث ظلمات، ابليس والخطيئة وعدم المعرفة، ونجاهم من موتين موت النفس وموت الجسد. وقوله ” الشعب ” أي ليس الشعوب فقط بل وشعب اسرائيل أيضاً وقوله ” الجالس ” ولا الماشي أي علامة قطع الرجا لانه كان جالساً في الظلمة ولم يستطع القيام والمشي حتى ظهر نور الحق والبرارة. وبقوله ” اشرق عليهم نور ” اي ان الشعب لم يطلبه لكي هو بنعمته ظهر لهم.
عدد 17: من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا فقد اقترب ملكوت السموات.
لم يكرز المسيح قبل ما طرح يوحنا في السجن لئلا يقع انشقاق بين الشعب. فمنهم يتبعون المسيح ومنهم يوحنا. ويوحنا لم يصنع عجائب قط وكان تلاميذه مع ذلك يظنونه اعظم من المسيح وكانوا يغارون من تلاميذه فكم بالاحرى لو كان يصنع عجائب. ثم ان يوحنا سمى معمودية المسيح ملكوت السموات اما المسيح قد سمى التدبير الذي يتم بعد القيامة ملكوتاً ولم يغير الكلمة لانها كانت قد رسخت في اذهانهم. ثم لكي تكون كرازته مقبولة اكثر سيما وان يوحنا كان قد كرز عن الملكوت قبله. غير انه لم يقسي قلبه عليهم كما فعل يوحنا حين كان يذكر لهم الفاس والجرة لكنه كان يكلمهم باللين واللطف. ومرقس يزيد قائلاً
قد تم الزمان واقترب ملكوت الله (مر1: 15)
اي قد مضى زمان الناموس العتيق ودنا العهد الجديد.
عدد18 : وإذ كان يسوع ماشياً على شاطئ البحر الجليل أبصر أخوين سمعان الذي يقال له بطرس واندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر فإنهما كانا صيادين.
هذه دعوة أخرى غير المذكورة في يوحنا. ان تلك كانت بعد ما اعتمد. وهذه بعد ما طرح يوحنا في السجن. فلم يكونا تابعين له قبل ذلك الوقت. لان يوحنا يقول انهما كانا عنده في ذلك اليوم. فيتضح اذا انهما مضيا فيما بعد. أما الآن فدعاهما ليكونا معه. ولوقا يذكر دعوة أخرى قائلاً: ” فركب احدى السفينتين وكانت لسمعان وساله الخ ” (لو5: 3). وقوم يقولون ان الدعوات هي ثلاث. الاولى الدعوة المذكورة في يوحنا والثانية في لوقا والثالثة في متى. فقد تمثل في ذلك بالصياد الماهر الذي اذا سقط حوت كبير في الشبكة فيرخيها قليلا حتى يضعف ثم يجذبه. كذلك عمل سيدنا بالتلميذين في المرة الاولى والثانية. ولما كانت المرة الثالثة مضيا وراءه كمضي اليشع وراء ايليا.. وبمثل هذه الطاعة يطالبنا الله تعالى
(يلقيان شبكة الخ) هذه هي علامة الفضيلة. فانهما من تعب ايديهما كانا يعيشان.
عدد 19: فقال لهما هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس.
اعني كما ان الصيادين يصيدون الحيتان من البحر. كذلك الرسل يصيدون بني البشر الحيتان الناطقين ويصعدونهم من هذا العالم الى السماء وكما ان الصيادين يملحون الحيتان لئلا تنتن. هكذا فعل الرسل فانهم بعد ما اصطادوا بني البشر بشص كلامهم وملحوهم بملح تعليمهم. وكما انه تعالى في العهد القديم انتخب انبياءه رعاة مثل يعقوب وموسى وداود ليرعوا القطيع المحدود اي الشعب الاسرائيلي. هكذا في العهد الجديد فانه اختار رسله صيادين لانهم قد اصطادوا شعوباً كثيرة من بحر العالم. وكما ان الصياد يلقي شبكته في البحر غير عارف ما ستصيده ويصعدها حاوية اجناساً مختلفة. كذلك الرسل فانهم اصطادوا جميع الناس الى الحياة دون تمييز بين شعب وآخر.
عدد 20: فللوقت تركا الشباك وتبعاه.
فاتضح من هذا انهما لو كانا من ذوي الذهب والفضة لتركا ذلك كله ومضيا وراءه. ولكنهما لم يكونا يملكان سوى الشباك وهذه كانت عندهم عزيزة بمنزلة الذهب والفضة عند الاغنياء.
عدد 21: ثم اجتاز من هناك فرأى اخوين آخرين يعقوب بن زبدى ويوحنا اخاه في السفينة مع ابيهما زبدى يصلحان شباكهما فدعاهما.
وهذان بهذه الدعوة الثانية دعيا. الا ان المسيح لم يعدهما ان يجعلهما صيادين مثل سمعان واخيه. لكنهما لما رأيا طاعة سمعان واندراوس وذهابهما وراء المسيح حين دعاهما اقتنعا بانهما سيكونان صيادن مثلهما.
عدد 22: وللوقت تركا السفينة واباهما وتبعاه.
بهذه قد اكملا الوصية التي كان المسيح مزمعاً ان يوصي بها ” ان لم يترك اباه وامه وكل ما له فلا يستحقني ” فقد اختار المساكين والجهلة. لا الاغنياء والحكماء. لئلا يفتخروا على الذين يبشرونهم بالانجيل. ولنسب الناس تعاليمهم الى الحكمة الانسانية والقوة البشرية. لكنه قد اختار اغبياء العالم ليخزي الحكماء والفلاسفة. وقال اوسبيوس في مقالته على الغطاس ان التلاميذ كانوا اناسا يجهلون اللغات ولم يكونوا يعرفون الا اللغة السريانية
ولما فرغ من الكلام قال لسمعان تقدم الى العمق والقوا شباككم للصيد (لو 5: 4)
فقوله ” تقدم الى العمق ” بين انه قادر على كل شيء وان الابحر واليبس والعلو والعمق تسمع منه. وقد اصطاد التلاميذ بحكمة بالصيد مثلما اصطاد المجوس بالكوكب. فاصطاد كل واحد بالصناعة التي كان يمارسها فأجاب سمعان وقال له يا معلم أنّا قد تعبنا الليل كله ولم نصب شيئاً ولكن بكلمتك ألقي الشبكة (لو 5: 5) اي قد تعب الانبياء كثيراً في انذارهم للشعب الاسرائيلي وبالمحن والشدائد الكثيرة الممثلة بالليل التي قاسوها قد تلمذوا الشعوب. وقوله بكلمتك. اي على اسمك كما قال بطرس للاعرج باسم يسوع قم وامش فلما فعلوا ذلك احتازوا من السمك شيئاً كثيراً حتى تخرقت شبكتهم (لو 5: 6)
اي كما ان شبكتهم جمعت حيتاناً كثيراً. كذلك كرازتهم جمعت شعوبا كثيرة. فالحيتان التي اصعدوها من البحر. مثلت الشعوب الذين اصعدوهم من بحر الكفر ومن عمق الشهوات وارجعوهم الى الايمان. ولهم الرجا باتعابهم واجرهم عظيم جداً بكرازتهم فأشاروا الى شركائهم في السفينة الأخرى ان يأتوا ويعاونوهم فأتوا وملؤوا السفينتين حتى كادتا ان تغرقان (لو 5: 7) فاشار بالشركاء الى المبشرين والمعلمين الذين ساعدوا الرسل بهداية الامم. وبإمتلاء السفينتين اشار عن كثرة الشعوب الذين جاؤوا الى حضيرة المسيح
فلما رأى ذلك سمعان خرّ عند ركبتي يسوع قائلاً اخرج عني يا رب فاني رجل خاطئ ( لو 5: 8)
قال مار افرام السرياني ان القديس بطرس لم يكن خاطئاً. لان خطاياه كانت مغفورة بمعمودية يوحنا ويتضح ذلك انه غير مذكور ان الرسل اعتمدوا من المسيح لان يوحنا كان عمدهم. والروح القدس اعطاهم ما لم يأخذوه من يوحنا. لكنه تواضعاً منه قال انه رجل خاطئ
لان الانذهال اعتراه هو وكل من معه عند السمك الذي اصابوه (لو 5: 9)
اي لكثرة السمك. فبهذه الاعجوبة اصطادهم. اما قوله لبطرس لا تخف. لانه كان قد حصل له وللحاضرين اندهاش وخوف شديد لكثرة الصيد. واستتلى كلامه قائلاً. فانك من الآن تكون صائداً للناس. اي بواسطة العجائب التي ستعمل سيرثون حياة جديدة بايمانهم
فلما بلغوا بالسفينتين الى البر تركوا كل شيء وتبعوه (لو 5: 11)
فمن تركهم السفن والسمك نعلم انه كان لهم ذهب وفضة لتركوها ومضوا وراءه. فهذا ما اخبره لوقا.
عدد 23: وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.
الجليل هي بلدة. وكان يعلم في المجامع ليبين انه غير مخالف لأوامر الله الآب بل يطيعه في كل شيء. وتعليمه للجموع كان هذا. اي انه كان يفسر لهم النبوات التي قيلت عن مجيئه وآلامه مفهماً اياهم ان زمان الناموس قد جاز وبلغ الانجيل. وغير ممكن التبرر بالناموس. وكان يعلمهم ان يؤمنوا به وبأبيه وبروحه القدوس. وان يحتقروا العالم ويعملوا الصالحات. (يكرز ببشارة الملكوت) فيشير الى كرازته وصنعه العجائب. وكان المسيح اذا علم شيئاً جديداً يؤيده بالعجائب. وكذلك عندما كان يحرضهم على الاعمال الفاضلة ويكرز لهم عن ملكوت السموات كان يؤيد كلامه بالعجائب لان الملكوت كان مجهولاً عندهم. وبقوله كل مرض وضعف ابان كل العجائب والامراض التي شفاها.
عدد 24: فذاع خبره في جميع سورية. فأحضروا اليه جميع السقماء المصابين بأمراض واوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم.
” المعذبين بالامراض والاوجاع المختلفة “. اي القريبين من الموت ” والذين بهم شياطين ” اي الذين دائماً مجانين. ” والمعترين في رؤوس الأهلة ” هم أولئك الذين يصيبهم صرع في اول ظهور القمر. ” فشفاهم ” اي ابرأ جميعهم ولم يكن يطالبهم بالايمان به. كما كان يطالب غيرهم بعد حين. كقوله ” أتؤمنون اني أقدر اعمل هذا “. وذلك لانه لم يكن قد أظهر لهم قوته بعد. اما هم فكانوا بحضورهم امامه يتظاهرون بالايمان به ويجلبون معهم غيرهم من أماكن بعيدة.
عدد 25: فتبعته جموع كثبرة من الجليل والعشر المدن واورشليم واليهودية ومن عبر الاردن.
تبعته الجموع لانه كان يشفي مرضاهم. ولاجل ان يسمعوا تعليمه وقوله من العشر المدن. فيريد بذلك مدينة كانت مؤلفة من عشر مدن.
(الاصحاح الخامس)
عدد 1: ولما رأى الجموع صعد الى الجبل. فلما جلس تقدم اليه تلاميذه.
عدد 2: ففتح فاه يعلمهم قائلاً:
صعد ليبين انه هو الذي نزل على جبل سيناء واعطى الوصايا العشرة، وليرفع عقول التلاميذ والجموع الى السموات ويعتقهم من الارضيات. وليبين ان تعليمه اشرف من الارضيات لا يقدر الكذب ان يخفيه. وذكر لهم الشهادة المقولة عنه من موسى النبي انه ” سيقيم لكم الرب نبياً من اخوتكم ” ولانه قد صار وسيطاً ما بين الآب وبني البشر كما كان موسى وسيطاً بين الله واسرائيل فتكلم بالنبوات وعلم العشر الوصايا مثل موسى. وكما ان الوصايا العشرة تتضمن التوراة كذلك التطويبات العشرة تتضمن الانجيل. فكيف عدت التطويبات عشراً مع انها تسع ؟ فنجيب ان لوقا قد زاد العاشرة وهي: ” طوبى لكم ايها الباكون فانكم ستضحكون ” (لو 6: 21)، ويشير بالبكاء عن الخطايا وعن سقوطنا من الفردوس وعن الذين قد اعتقوا ذواتهم من مسرات هذا العالم وافراحه الزائلة واعداً اياهم انهم سيفرحون في العالم المزمع. فان قيل ان ما قاله لوقا يقرب مما قاله متى ” طوبى للحزانى ” فليعلم انه يوجد طوبى اخرى وهي الاشتراك بجسد ودم المسيح. اذ انه لما اعطى التطويبات لم يكن قد رسم سر القربان الذي شاركهم فيه بعد. لذلك نقصوا واحدة من التطويبات لتكتمل بتناول جسد ودم المخلص. ان الوصايا تسعة وتتلى عشرة وهي:
انا الرب الهك.
لا تحلف باسم الرب.
احفظ يوم السبت.
اكرم اباك وامك.
لا تقتل.
لا تزن.
لا تسرق.
لا تشهد شهادة زور.
لا تشتهي بيت قريبك ولا امرأته.
وقد تتلى عشرة. لان العدد العاشر عدد كامل والكمال ليس في التوراة بل في الانجيل. لاجل ذلك نقص الوصايا حتى يجعل الانجيل كاملاً. فترى ان حرف الياء وهو العاشر من الاحرف الابجدية هو اول حرف من اسم يسوع. ويناسب تعليم التطويبات جميع الناس عموماً لا التلاميذ فقط. وقوله طوبى لكم عنى الناس جميعهم في شخص المخاطبين فمعنى الطوبى يتضمن كل فرح وسعادة. كما ان لفظة الويل تتضمن كل كآبة وحزن
عدد 3: طوبى للمساكين بالروح. فان لهم ملكوت السموات.
يسمي المساكين بالروح هؤلاء الذين يقتنون أموالاً كثيرة وهم فقراء باختيارهم يوزعونه على المساكين كقوله ” بع مقتناك ووزعه على المساكين “. ويسمي المساكين الذين يقتنون المال لاجل ملكوت السماء كالمتوحدين والرهبان. وكذلك اولئك الذين يملكون اموال كثيرة دون ان يتعلق قلبهم بها وإن كانوا ذوي يسر وغنى الا انهم مساكين بالروح ويحسنون التصرف به كايوب الصديق وابراهيم. ثم نقول انه لم يسم مساكين للذين لا يملكون شيئاً من مال العالم لانه ليس باختيارهم قد جعلوا مساكين. ثم يسمي مساكين اولئك الذين لا يفتخرون بنفوسهم او ببرّهم بل بالعكس فانهم يتضعون. فالشيطان منذ البدء قد افتخر بالكبرياء. وبها قد رفع عقبه على خالقه. وبها اسقط الانسان الاول. فبالعدل قد طهر مخلصنا هذا الداء بمنحه الطوبى للعادلين الخالين من الكبرياء (لهم ملكوت السموات) أي النعيم الذي سوف يتلذذ به القديسون بعد القيامة.
عدد 4: طوبى للحزانى لأنهم يتعزون.
فالحزن على نوعين: حزن عالمي، سببه الفقراء او عدم التمكن من الانتقام من عدو او فراق احباء وغير ذلك. وهذا الحزن يورث الموت فكما ان الحزن لاجل العالم يسبب الموت هكذا الحزن لاجل الله يكسب الحياة ويورث التعزية والسلوان. فالمسيح هنا لا يعطي الطوبى للحزانى من اجل الفقر وموت الاقارب بل للحزانى على خطاياهم خائفين من الدينونة كقوله: ” بللت في كل ليلة سريري ”. وسمي حزانى اولئك الذين يبتعدون عن الخطايا آسفين لشرور الاخرين كصموئيل على شاول. قال داود النبي: “ان الكآبة احاطتني من اجل الخطأة الذين تركوا ناموسك “. وهكذا كان يفعل احد القديسين اذ كان يبكي عندما يأكل. فاذا سئل عن ذلك أجاب قائلاً: ” اني اتذكر ما كنا فيه في بدء خلقتنا والى اي ذل سقطنا بسبب سقطة ابينا آدم حتى اننا اصبحنا نأكل العشب كالحيوان “. فالحزانى الذين عناهم المسيح هم الذين يحزنون على ما ارتكبوه من الخطايا مبتعدن عن لذات وافراح هذا العالم لئلا تضعف فيهم الفضيلة. اما القديس ساويرس فيسمي حزناً التنسك والابتعاد من الشهوات العالمية.
(فانهم يعزون) اي يكشف ويزيل عنهم الخوف من اجل الافراح التي بسببها كانوا حزانى.
عدد 5: طوبى للودعاء لانهم يرثون الارض.
ان المسيح شبه المساكين بالروح بالودعاء. اما المساكين بالروح فهم الكاملوا الرأي الذين طرحوا عنهم كل العالميات. والودعاء هم الشريفوا النسب والكثيروا المال فيجب على هؤلاء ان يقرنوا هذا الشرف بالوداعة لان الوداعة غاية الكمال. ويراد بالوديع ذلك الذي يحسب ذاته احط مما هو وعليه. ويسمى وديعاً ذلك الملتهب حرارة في عمل الصالحات والمتجنب عمل الطالحات. اما الارض فلم يقصد بها ارضنا هذه مصدر الاوجاع والاحزان والالام. ولا ارض الفردوس. ولكن تلك التي فوق الرقيع والتي لا يلحقها الم وحزن مخلوقة لحياة وتنعم الابرار. واليها اشار داود قائلاًً: ” آمنت ان ارى خيرات الرب في ارض الاحياء “. وهي التي سيصعد اليها الابرار بعد القيامة العامة فيتنعمون فيها بلا انتهاء ويبقى الاشرار في هذه الارض معذبين دائماً. لماذا يسمى الرقيع ارضاً ؟ فنجيب لكي يثبت لنا بالشيء المنظور ما هو غير منظور.
عدد 6: طوبى للجياع والعطاش الى البر لأنهم يشبعون.
فالجوع والعطش يحصلان لاسباب عديدة منها عدم وجود القوت الطبيعي أو الصوم الاختياري الطويل لأجل البر. او الى معرفة الله والتعليم. فهنا لا يعطى الطوبى للجياع والعطاش بالجسد لكن للجياع والعطاش الى معرفة الله وعلم الحياة. اما البر فيراد به على رأي البعض الاعمال الصالحة. اما الانجيلي فيريد بالبر هنا العدالة التي من مقتضاها ان يعطي لكل ذو حق حقه وهي ضد الظلم. ويراد بالبر حفظ الوصايا الالهية ومحبة الفضيلة. لذلك فان مخلصنا سمى ذاته البر والعدل. كقول بولس: ” انه هو قد صار لنا عدلاً وبراً وقداسة ” (فيشبعون) أي من اللذات التي لا توصف في الملكوت.
عدد 7: طوبى للرحماء. لأنهم يرحمون.
الرحمة تقال على ثلاثة انواع: مادية كاعطاء الصدقة واغاثة الضعفاء واشباع الجياع. ونفسانية كالعفو عمن اخطأ في حقه ومسامحة الاعداء. وروحانية وهي الترحّم على الضالين وهديهم وتعليم ناقصي الرأي وتقريبهم الى الله. فهذه تشبه رحمة الله الذي يترحم بها على المخلوقات. ثم ان المسيح لم يعط الطوبى فقط للذين يصنعون الرحمة فعلاً لكن للذين يترحمون بالفكر على المساكين والغرباء والمذنبين والمديونين والذين يريدون عمل الرحمة وليس في امكانهم ذلك والذين يترحمون على انفسهم مبتعدين عن الخطايا لئلا يهلكوا والذين يتألمون مع المتألمين ويحزنون مع الحزانى. لان الرحمة يراد بها الحزن الاختياري على شرور القريب لان الارادة المملوءة محبة تتألم مع المتالمين. ثم ان الرحمة هي رأس الفضائل النفسانية ومصدرها الله.
عدد 8: طوبى للانقياء القلب. لأنهم يعاينون الله.
أي الانقياء في انفسهم وضمائرهم وقلوبهم والمعتوقون من كل الشرور ورجاسة الخطيئة فهذه هي طهارة القلب. اما طهارة الجسد فهي الاغتسال من الوسخ، وإن كانت هذه جيدة اذ يتنقى بها الجسم من الاوساخ والاقذار، الا ان المسيح لم يعط الطوبى لفاعلي هذه لكن لطهارة النفس لانه بطهارتها يتطهر الجسد ايضاً. فكيف يعاينون الله وقد قال عز وجل لموسى: ” انه لا يمكن ان يراني احد ويعيش ” وكذلك قال يوحنا: ” ان الله لم يره احد قط “. فنجيب ان هذا قد قيل عن الرؤية الطبيعية لان طبعه خفي. وقالوا ان معرفة الله بالنظر الى طبعه واقنومه تفوق ادراك العقول البشرية. فاذاً معنى قوله يعاينون الله هو ان طاهر القلب يشترك بالمعارف الالهية ويقتني حياة عديمة الفساد والملكوت. ان الحياة الغير الزائلة والنور الحقيقي يسميان النظر بالله. فالمعاينة اذا معناها الاشتراك. كقوله يوخذ المنافق لئلا يعاين المجد ومعناه لئلا يشترك بالمجد ثم نقول ان الله قد خلقنا على صورته كالشمع الذي ترتسم فيه صورة الخاتم المحفور وغيره اذا طبع به. اما نحن فباعمالنا الشريرة اخفينا هذه الصورة كالصدأ الذي يخفي شكل الحديد. فالذي ينظف قلبه من الآثام فهذا يعاين صورة الطبع الالهي كالحديد الذي يزول عنه الصدأ فيعود الى لمعانه. فلنطهر قلوبنا اذاً لنستحق الطوبى والتلذذ بالنظر الى وجه الله. ان النظر على ثلاثة انواع: بالحواس والعقل والايمان. اما الله فبالايمان يرى فقط، وقد يرى في افعاله كقولهم ان من يريد البحث عن الله فيمكن ان يتحقق وجوده من مخلوقاته. فإله النظر هو القلب الطاهر الغير المائل الى الارضيات. ويسمى النور نظراً كقوله أنر عيني لأعاين الباهرات التي في ناموسك.
عدد 9: طوبى لصانعي السلام. لأنهم أبناء الله يدعون.
السلامة هي اتفاق الارادة التامة بالمحبة. اما مفاعليها فهي المحبة والامن والاتفاق والمودة. وعكسها الشكوك والاضطراب. واسباب الاضطراب الاعين الشريرة والشفاه الناطقة بالسفه والرذائل. اذا يسمي فاعلي السلامة أولئك الذين يبطلون القتال ويسكنون الخصومات والذين يجعلون السلام بين النفس والجسد. لان الروح تشتهي ما يضر الجسد. وفاعل السلامة هو ذاك الذي يلقي الصلح بينه وبين الاخرين. ورب معترض يقول كيف يصير ابن الانسان ابن الله ؟ فنجيب ان ذلك انعام انعم الله به عليه كما قد انعم عليه في البدء بالحرية والسلطة الدانية وعدم الموت. اما البنوة فهي ان الانسان بكونه مائتاً وفاسدا وزمنياً وهو في الوقت نفسه مركب من غير مائت وغير فاسد وابدي. فالاجدر به ان يكون الانسان الهياً. لانه قد استحق ان يصير ابن الله وشريكاً في كرامة الآب كالبنين الجسديين الذين يرثون غنى ابائهم.
عدد 10: طوبى للمطرودين من أجل البر. لأن لهم ملكوت السموات.
يريد بالمضطهدين الشهداء والمعترفين المطرودين من ابليس ومن القساة. ثم يسمي لكل شرف الفضيلة براً. ثم نقول ان هذه الطوبى الثامنة لها علاقة بالثماني السابقة كأنها هامة سائر التطويبات. فالى هذه الطوبى يشير داود النبي في المزمور الثامن وموسى النبي بواسطة الختانة في اليوم الثاني التي تقص وتقطع الجلود الميتة التي لبسناها بتجاوز الوصية. والطوبى الثامنة هنا تشير الى العودة الى السماء والى الطهارة الاولى. وممدوح هو هذا العدد الثامن في الناموس الكتبي وناموس الطبيعة وعند الحكماء الخارجين. وثمانية يحبها الله وهي احتقار النفس والحزن والتواضع والبر والرحمة والافكار النقية والسلامة والصبر. وثمانية يرذلها وهي الكبرياء والزنى النجسة والشراهة ومحبة الفضة والغضب والحسد والضجر. فكل من الثمانية الاولى هو دواء شاف لداء كل من الثمانية الاخرى. فتستقيم النفس ويكمل الجسد أي جسد الانسان المهتم بخلاص نفسه. فالكبرياء تخالفها حقارة الذات والاتضاع. والزنى تخالفه العفة وطهارة القلب. والمجد الباطل المشبه بالشجرة الغير المثمرة يضاده التذلل والمسكنة وهما الزرع الجيد وملح كل الفضائل. والشراهة تضادها الرغبة الشديدة في عمل البر والعدل. ومحبة المال تخالفها الرحمة والتصدق على المحتاجين. والكآبة المكدرة للعقل وجالبة الاضطراب للنفس تنافيها سذاجة الافكار وفرح القلب. والحسد ينبوع كل المشاجرات والخصومات تضاده السلامة والامن الذي يجعل الالفة بين المفترقين. والضجر مجلبة للاحزان والتكاسل يعالج بالصبر الذي هو أصل كل فضيلة.
عدد 11: طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين.
ان الشتائم والتعيير بالناس تؤلم الناس اكثر من الضربات. وكثير من الناس خنقوا انفسهم لانهم شتموا وتعيروا. ووضع هذا الطوبى اخيراً لصعوبته. لانه لا يقدر احد ان يحتمل الشتائم والتعيير ما لم يتمم التطويبات السابقة ومن يحتمل العار يجب ان يكون شجاعاً ويحتمل كما احتمل ايوب الصديق من احبائه وداود النبي من شمعي
(واضطهدوكم) لأنهم كانوا مزمعين ان يرجعوا الشعوب من عبادة الاوثان الى الايمان بالآب والابن والروح القدس لذلك سار عليهم الاضطهاد (وقالوا عليكم كلمة سوء من أجلي) اي لا لانكم مذنبين لكن لاجلي اذ ليس ما يقولونه عنكم حقاً كقول بولس الا يصيب احد منكم كعامل شرور لكن مثل المسيح.
عدد 12: افرحوا وتهللوا. لأن اجركم عظيم في السموات. فإنهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم.
في الحقيقة ان الرسل كانوا يبتهجون فرحاً عندما كانوا يشتمون لاجل المسيح وهذا القول عمّ جميع الذين يحتملون التجارب من اجل المسيح وقوله: ” هكذا اضطهدوا الانبياء من قبلكم ” لا يخصّ الرسل فقط بل المعلمين ايضاً فكأنه يقول لهم مثلما احتمل الانبياء من اجل الآب كذلك انتم لاجلي. وبهذا اعلن مساواته مع ابيه في العظمة والكرامة. وبقوله الانبياء الذين من قبلكم قد بيّن انهم انبياء ايضاً. ثم بعد ان علمهم الواجب عاد يمدحهم لئلا يضطربوا قائلين كيف يمكننا ان نكمل الوصايا التي قد وضعها والتي سيضعها .
عدد 13: انتم ملح الارض. ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح. لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجاً ويداس من الناس.
ان خواص الملح كثيرة فهو يجعل التافه لذيذاً. ويجذب الرطوبة المولدة للنتونة ويشدد الرخاوة. وكذلك انتم اجذبوا الناس وشددوا رخاوتهم ولذذوهم لكي لا يميلوا الى النفاق. وكما ان الملح يحفظ نفسه وغيره بلا فساد ونتونة، هكذا انتم كونوا مهتمين بانفس بني البشر لكي لا ينتنوا في الخطيئة. وقد سمى المحبة ملحاً بقوله انتم ملح الارض، اي انتم محبة الارض فيجب ان تكونوا محبين لكل الناس، وكونوا في أمن مع بعضكم بعض
(فاذا فسد الملح) اي هكذا انتم ان كنتم مجتهدين في الفضيلة فتنفعون انفسكم وغيركم ايضاً واذا كنتم غير فاضلين فلا تنفعون انفسكم ولا انفس غيركم. فالناس اذا فسدوا فيمكنهم ان يصطلحوا بكم. لكن اذا عرض لكم الفساد فتهلكون انتم وتهلكون معكم آخرين. ثم ان العامة وغير المعروفين اذا عرض لهم عارض وسقطوا فيكون لهم غفران اما المعلم اذا سقط فيشجب. فهذه ولو قيلت للرسل وحدهم ولكنها تخص خلفاءهم كالاساقفة ورؤساء البيعة.
عدد 14: انتم نور العالم. لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل.
اي كما ان النور اذا اشرق يطرد الظلام هكذا انتم تطردون من الناس ظلام عدم المعرفة. ولم يقل لهم انكم نور مدينة واحدة او عشر مدن بل نور كل العالم معناه ان جميعكم نور واحد.
عدد 15: ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال لكن على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت.
يعني انه لا يمكن ان تتعظى وتختفي البشارة التي تكرزون بها. الا انها ستصير مسموعة ويعلم جميع الناس في هذا العالم الذي هو بيت كبير وعظيم بل مثلما عملتُ وعلمتكم كذلك انتم اعملوا وعلّموا. وكما ان الضوء والسراج يضيئان وترى المدينة الموضوعة على جبل هكذا ايمانكم واعمالكم يرون حتى تصيروا سبباً صالحاً للناس ويتشبهوا بكم.
عدد 16: فليضيئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السموات.
اي اذا رأوا اعمالكم الصالحة. وقال اباكم لا إلهكم. فذلك لانه اراد ان يكرمهم ويعلمنا عن مساواته مع ابيه. فكيف هنا يقول ليروا أعمالكم وفي موضع آخر يقول لا تعلم شمالك ما صنعته يمينك. فنقول من كثرة الاعمال غير ممكن ان تختفي ولا ترى. ثم يوجد من يحب المجد الباطل ويوجد من لا يحبه. فهو يوصي الذين يحبون المجد الباطل ان لا يعلموا شمالهم وللذين لا يحبون المجد يأمرهم ان لا يخفوا اعمالهم ليصيروا سبباً صالحاً لغيرهم ويماثلوهم فيشبه الناموس بالمكيال ويشبه الانجيل بالسراج. فكأن السراج مخفى تحت المكيال لكن الآن اظهره المسيح وانار الجسد بلاهوته فتراءى لنا شمس البر ونوّرنا.
عدد 17: لا تظنوا اني جئت لأنقض الناموس او الانبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل.
ظنّ اليهود انه جاء لينقض الناموس مع كونهم ما كانوا يحفظونه لكنه كان مكرماً عندهم. وكان يصعب عليهم ان ينقص منه او يزاد او يبدّل منه شيء. لان المسيح كان مزمعاً ان يكمل نقصه. قال الناموس لا تقتل اما المسيح فكمّل الناموس بقوله لا تغضب. قال الناموس لا تزن اما المسيح فكمّله بقوله من نظر الى امرأة لكي يشتهيها الخ. وقد زجر الهراطقة القائلين ان العتيقة من الشيطان. فان كان مجيء المسيح لتبطيل العتيقة التي يزعمونها من الشيطان. لماذا لم يبطل الناموس الذي يظنونه من الشيطان فبتكميله اياه صار معلوماً انه مفروض من الله. وبتكرار قوله لم آت لاحلّ الناموس اعلن كيفية تكميله وانه لم يتجاوز ولا واحدة من اوامر الناموس ويثبت ذلك من قوله ليوحنا انه هكذا يجب علينا ان نكمل كل بر. ومن قوله من منكم يوبخني على خطيئة. ومن قوله ان رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء (يو 14: 30) وقد اكمله بواسطتنا نحن ليكمل فينا بر الناموس. لعلنا مبطلون الناموس حاشا. بل وقوله لا تغضب ليس مبطلاً لقوله لا تقتل لكنه يتمم الناموس وغير ذلك. ثم ان الناموس بواسطة اوامره بطل الشر اما المسيح فاستأصل سبب الشر. فقد كمل كل الانبياء بما انه قد تمم كل نبواتهم فعلاً . اذ انه حبل به في البطن وولد وتألم. وبقوله اتيت بين انه ليس من هنا بل من عند الآب. وانه مساو له بالطبع ولو انه صار انساناً بلا تغيير.
عدد 18: فإني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل.
(الحق اقول لكم) ان آمين السريانية تقال على اربعة اوجه: اولاً بمعنى الكيل بالاشبار والاذرع. ثانياً بمعنى الجواب في الصلوات اي فليكن. ثالثاً بمعنى الدوام. رابعاً بمعنى الحق. فهنا معناها الحق
(الى ان تزول السماء والارض) اي كما ان السماء والارض لا يمكن زوالهما هكذا لا يمكن ان يزول حرف واحد من الناموس. وكما ان السماء والارض لا يزولان كذلك ما ازيده على الناموس هو كماله لا نقضه. وقوله يزولان لا يعني زوالاً بل تجديداً كقول لوقا البشير: ” ممكن زوال السماء والارض ولا يزول حرف واحد من الناموس “. وقول داود النبي: ” انهما يزولان وانت دائم “. فليس معنى ذلك انهما يزولان لكنهما يجوزان من العتيقة الى الجديدة. وقوله ان شكل هذا العالم يزول ليس معناه ان هذا العالم المركب من السماء والارض والهواء والماء والنار يزول لكن اعماله العتيقة. يعني اليقظة والنوم والتعب والمجد الباطل والزينة والزواج والحبل والميلاد والحصاد والاخذ والعطاء وغير ذلك. وما يثبت ان السماء والارض لا تزولان بل يتجددان بعد ذلك قول لوقا: ” تؤخذ الواحدة وتترك الاخرى ” والسماء لن تزول لأنها مسكن القديسين بعد القيامة. قال القديس ثاولوغوس ان العناصر كذلك لا تزول لكنها ستعتق من خدمتها لنا ولا تعود تفعل فعلها فالارض لا تنبت والنار لا تحمي والماء والهواء لا يبردان. والملائكة والشياطين أيضاً لا يزولون. وبنو البشر كذلك يتجردون دائمين الى الابد اما الحيوان والدبيب والطيور والاشجار فانها تزول وترجع الى العناصر التي منها أخذت وتكونت. كذلك الشمس والقمر والكواكب تنحل ويخبو نورها الى النور الذي قد تكونت منه واجسامها تعود الى ما تكونت منه. وآخرون يقولون ان الشمس والقمر يبقيان في نصف السماء والكواكب تعود الى ما اخذت منه. وقوله حتى يتم الكل يشير بذلك عن الصليب وعن مملكته. اي ان حكم الصليب لا يزول من الارض الى المنتهى. وهذه المملكة تعلوا على كل الممالك البشرية وتدعى مملكة المسيح الروحانية.
عدد19: فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات. واما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السماوات.
ان الوصايا التي علمها المسيح لا تغضب. فكل من نظر الى امرأة لكي يشتهيها.. ولا تحلفوا البتة.. وغير ذلك من الوصايا يسميها صغاراً تواضعاً منه. وقوله ” من يحل واحدة ” فالظن بان الخطيئة ترتكب بالارادة او بالفكر ليست صحيحاً لكن التي ترتكب بالفعل ويعلم الناس هكذا ” يدعى صغيراً ” أي يستوجب الدينونة في مجيئي الثاني يوم الانبعاث لانه يسمي مجيئه الثاني ملكوت السماء
(واما الذي يعمل ويعلم الخ) يعني اذا عمل هو وعلم آخرون يدعى عظيماً . والذي لا يعمل يدان. والذي يعمل ولا يعلم ينقص أجره. والذي يكمل الاثنين يدعى عظيماً
عدد 20: فاني اقول لكم انكم ان لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات.
فيريد بالبر كل الكمال. ويضيف الناموس بالعمل فقط اضافة الخيرات. فيقول ان الفضيلة تكون بالنفس والارادة والتعب. ثم انه لا يكفي ان يحيد الانسان على الخطيئة بالفعل فقط كمثل الكتبة والفريسيين الذين يقولون لا تقتل لا تزن. لكن يجب ان يجتهد لكيلا يميل الى الشر كقوله: ” لا تغضب على اخيك. والذي ينظر الى امرأة. وان لم يزد بركم “. فبين بذلك علاقة العهد القديم بالجديد. ويسمي كتبة وفريسيين لحافظي الناموس لا لمتجاوزيه كقوله ان لم يزد بركم. ذلك لان الذين كانوا حافظين الوصايا في زمن الناموس كانوا يدخلون الملكوت. اما الآن فاذ قد جاز الناموس وجاء المسيح وفرض نواميس جديدة فالذين يحفظون نواميسه ويعتمدون يدخلون الملكوت. وان لم يحفظوا يدانون لانهم ما حفظوا الوصايا لا لانهم لم يؤمنوا. أما اليهود والحنفاء فان عملوا الخيرات وحفظوا النواميس والوصايا مترجين المجازاة في العالم المزمع فجزاء كل واحد منهم لا يضيع. لكنه يدان لعدم ايمانه. اما الذي يؤمن ويحفظ الوصايا يرث الملكوت. فالواحد يدان لانه ما آمن والاخر يدان لانه ما حفظ الوصايا.
عدد 21: قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم.
أشار في قوله هذا الى الوصايا العشر التي انزلها الله بواسطة موسى. أما وصايا ربنا فهي لا تغضب على اخيك باطلاً. ومن نظر الى امرأة لكي يشتهيها. ولا تحلفوا البتة. ومن ضربك على خدك. ومن سخرك ميلاً . واحبوا اعداءكم الى غير ذلك. ثم ان الشر يكون اما بالفكر واما بالارادة واما بالفعل. فموسى قد وضع ناموساً للعمل والفعل ومنع الشر. لان الشعب في ذلك الزمان كان قاسي القلب غير مربوط بالناموس. اما المسيح فوضع الناموس منعاً للخطيئة بالارادة. لان الناس قد بلغوا حد الكمال. ثم نقول ان موسى قد قطع الثمرة ورماها. اما سيدنا فقد استأصل الشجرة وثمرتها الرديئة. ثم ان موسى قد شجب الذين يعملون الشر فعلاً اما ربنا فقد شجب الذين يريدون الخطأ بالارادة ولو لم يكملوه بالفعل. وموسى قد شجب الجسد اما المسيح فيعذب النفس. وقوله ان من قتل وجبت عليه الدينونة يعني القتل.
عدد 22: وأما انا فاقول ان كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم.
اي أقول لكم ما لم يقله لكم الانبياء ولا غيرهم. وبقوله انا اقول لكم اعلن سلطانه وبما انه يضع النواميس فهو اله
(ان من غضب على أخيه) يعني من حسدٍ او حقدٍ او بغضة. فالذي يغضب باطلاً يدان باطلاً. فحيث يجب الغضب نغضب فلا ندان كمثل بولس اذ غضب على الغلاطين والقورنشيين فشفاهم وهداهم الى الصواب. فنحن كذلك يجب علينا ان نغضب على الاشرار لكي يصطلحوا. وايضاً يجب ان نغضب على الشيطان لانه يزرع فينا زرعاً شريراً . فكأنه يقول ان الناموس يمنع القتل وانا امنع الغضب الذي يولّد القتل. فذاك قطع الاغصان وانا اقلع اصل الشر. فيسمي عموم الناس أخوته. ثم ان الذين يرزلون العتيقة يقولون ان كان الله صالحاً فلماذا قال العين بالعين. فنجيبهم انه تعالى قد وضع الوصية والجود والرحمة حتى اذا خفنا لئلا نجازي نمتنع عن اخراج عين غيرنا. ولولا هذا الناموس لحدثت شرور كثيرة. ثم ان كان احدا يظن ان قتل القاتل هو شر فكم بالاحرى يظن امر ربنا بقوله ان من غضب على اخيه باطلاً يقتل. فاذاً لا الاوليات صعاب ولا الاخريات والله فارض الاثنين. ويثبت ذلك من قوله اني اعطيكم عهداً جديداً لا كالعهد الذي اعطيت لابائكم
ومن قال لاخيه راقا يستوجب حكم المحفل. ومن قال يا احمق يستوجب نار جهنم
فالسريانيون يفسرون راقا بمعنى حقير أي مرذول واليونانيون يفسرونها بمعنى انت يا فلان. ومضمونها الافتخار فقائلها اذاً يجب عليه الحكم وفي يوم الانتقام يكون محكوماً عليه ويخزى امام جمهور الملائكة وبني البشر. (ومن قال يا احمق) يعني غير عارف وبلا عقل ولا تمييز فقد وجبت عليه نار جهنم لانه اخرج اخاه من رتبة الناطقين وجعله في عدد غير الناطقين. فالقول يا جاهل يقال عن الجسد والقول يا احمق عن النفس التي هي صورة الله. لاجل ذلك جعل دينونتها أعظم من القول ياجاهل.
عدد 23: فإن قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك.
عدد 24: فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولاً اصطلح مع اخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك.
يعني ان كان أخوك واجداً عليك حقداً بحق أو بغير حق فامض الى المذنب وصالحه. والا فقربانك غير مقبول. فالله يهمل قربانه وكرامته لكي نصير نحن محبين بعضنا بعضاً . فكأنه يقول لتبطل حذمتي ولتدم محبتك. لاجل ذلك ما قال اذا كملت حذمتي امض او قبل القربان لكن اترك القربان والذبيحة ليبين كثرة اشتياقه لاتفاقنا. فالذبيحة غير مقبولة اذاً بلا محبة ولكي يغصب الصلح قال اترك القربان بدون تكميل وامض وصالح اخاك الذي هو واجد عليك حقداً.
عدد 25: كن مراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق. لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن.
عدد 26: الحق اقول لك لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الاخير.
يقول الذهبي فمه ان الخصم هو ذاك الذي لك عنده. والقاضي هو حاكم هذا الزمان. والسجن هو الذي هنا. كن متفقاً يعني اقضوا الحكم بينكما واقبله عليك افضل من ان يسلمك الى الحاكم والحاكم يسلمك الى المنتقم فينتقم منك بالعدل. نوع آخر، الخصم هو الشيطان والطريق هو العالم. والديان هو الله. والسجن هو العذاب في العالم المزمع والفلس اشارة عن الذنب الصغير. ومعنى قوله كمثل انسان له عليك شيء ويريد ان يسلمك الى القاضي فبادر الى موافقته ما دمت معه في الطريق هو ان تسعى جهدك في ارضاء خصمك قبل الوصول الى الحاكم وبذلك تنجو مما عساه ان ينالك من المجازاة. ويراد بالخصم الضمير والذمة. والطريق العالم والقاضي الله. والسجن العذاب. والفلس عن الذنب الصغير. والشرطي الملاك. اي ان كنت في حال الخطيئة فاسرع وتب عنها توبة حقيقية فتتبرر هنا في هذا العالم.
عدد 27: قد سمعتم انه قيل للاولين لا تزن.
عدد 28: واما انا فاقول لكم ان كل من ينظر الى امراة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.
اي ان الذي ينظر بعين شريرة وقلب ملؤه الشهوة الى الاجساد اللطيفة والوجوه الحسنة فانه يزني. فان قال قائل ان الشهوة اللحمية تهيج من طبعها عند النظر الى الاجساد اللطيفة دون ارادة فنجيب ان ذلك ليس بخطيئة الا اذا كان مقرونا بالرضى والتلذذ وهو المقصود من كلام المسيح لان النظر بقصد التلذذ يوجب الخطأ وان لم يتم بالفعل. ثم ان الزنى يكون على انواع اما بالشهوة او بالفكر او بالفعل او بالنظر فالناموس جعل للرجال والنساء على السواء مثال ذلك اذا رأينا في يد طفل سكيناً حاداً وضربناه واخذنا السكين منه قبل ان يصيبه ضرر. وهكذا فان الباري تعالى يحرم علينا النظر لئلا يجذبنا ذلك النظر الى الفعل.
عدد 29: فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك. لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم.
عدد 30: وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك. فانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله الى جهنم.
اراد بالعين اليمنى ما كان عزيزاً لدينا كالعين والابن. وباليد البنت والاخ. وبالرجل المرأة والمحب. وعليه اذا كانت احدى هذه الاعضاء علة سقوطنا في الخطيئة فانه يأمرنا ان نقطعها ونلقيها عنا وان كان في قطعها صعوبة كبرى. اما اذا كان ممكناً شفاؤها من غير ان تقطع فلا يجب قطعها. ثم انه اشار بالعين اليمنى عن ذلك الذي يحثنا على الخطأ وباليد والرجل عمن يحاول اسقاطنا في الخطيئة وبقطع الاعضاء اشارة الى وجوب ابتعادنا عن الاصدقاء الاشرار ثم اشار بالعين اليمنى عن الفجور وباليد عن القتل. وبالرجل عن السرقة.
عدد 31: وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق.
قد أمر الله اليهود ان يطلقوا نساءهم ليمنعهم عن القتل. فقد قال الناموس من ابغض امرأته لسبب من الاسباب فليطلقها ويأخذ غيرها دون ان يقتلها. لانهم اذا كانوا لا يشفقون على بنيهم وبناتهم فيضحونهم للشياطين. فكيف يشفقون على نسائهم المبغوضات. فلأنهم كانوا يقتلونهن ليأخذوا غيرهن. فلذلك قال المسيح. ان موسى لاجل قساوة قلوبكم اذن لكم ان تطلقوا نساءكم اما قوله (فليدفع لها كتاب الطلاق) يفيد الابتعاد باليونانية اي انها تبتعد من الرجل وتلازم الوحدة والانفراد وقد اذن لهم موسى ان يعطوا كتاب الطلاق. لئلا تعود اليه فيحفظ بذلك نظام الزواج. اذ لو لم يعط كتاب الطلاق. لكان اخرج واحدة وادخل غيرها فتكثر النجاسة وربما كانوا بهذه الطريقة يتزوجون نساء بعضهم فيعم الفجور فلاجل هذا الزمهم بدفع كتاب الطلاق.
عدد 32: واما انا فاقول لكم ان من طلق امرأته الا لعلة زنى يجعلها تزني. ومن يتزوج مطلقة فانه يزنى.
في قوله هذا تنبيه للمطلق والمتزوج بمطلقة معاً فان المطلق اذا ادرك ان تطليقه لامرأته يسهل لها سبيل الفجور يعدل عن تطليقها والمتزوج بمطلقة اذا علم انه يرتكب الفجور اذا تزوج بمطلقة يتخلى عن التزوج بها وهذا التنبيه يشمل النساء والرجال على السواء. وما عدا ذلك فان من طلق امرأته من غير علة زنى يغضب الله لانه يكون قد فرق ما ازوجه الله. وان تزوج باخرى فهو فاجر كما ان المرأة اذا تزوجت بغير رجلها فهي فاجرة. فالشريعة تنتقم من كليهما. لان المرأة اذا زنت فقد تعدت الناموس فواجب والحالة هذه طلاقها. والا فالذي يطلقها يزني لانه يكون قد فعل لاجل شهوة نجسة. فبما انهما قد صارا جسداً واحداً بواسطة الزواج فلا يمكنهما بعد ذلك الافتراق البتة. واذا افترقا وجب ان يلبثها بغير زواج كقول بولس الرسول.
عدد 33: ايضاً سمعتم ايضا انه قيل للقدماء لا تحنث بل اوف للرب أقسامك.
اي لا تكذب في قسمك. وتمم ما قد اقسمت به.
عدد 34: اما انا فاقول لكم لا تحلفوا البتة. لا بالسماء لأنها كرسي الله
عدد 35: ولا بالارض لأنها موطئ قدميه
لقد كانت عادة اليهود ان يحلفوا بهذا مع ان الله غير محدود ولا جسم له ولا محتاج الى عرش والى موطىء. لكن اليهود كانوا يظنون ان الله جسماني ويستدل من كلامه انه اذا كان غير جائز للانسان ان يحلف بالعرش وبموطئ قدميه وباورشليم فكيف يجوز ان يحلف باسم الله. وقد حظر عليهم القسم بالسماء وغير ذلك ليمنعهم من القسم كلياً. وبما ان عبادة الاصنام كانت منتشرة جداً فلكيلا يظن اليهود كالحنفاء ان للسماء والارض العظمة والجمال من طبعهما ما لم يستمداهما من الخالق. لذلك افهم اليهود ان عظمة السماء والارض هي التقرب من الله تعالى.
عدد 36: ولا تحلف برأسك لانك لا تقدر ان تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء.
انه يمنعنا منعاً باتاً من القسم مع علمه اننا لسنا قادرين ان نجعل في رؤوسنا شعرة واحدة بيضاء او سوداء حتى اذا اضطرنا الامر الى القسم فلا يجب ان نقدم عليه عملاً بامر الله الذي في استطاعته ان يزيل عنا هذه الضرورة. واذا كنا نحتج اننا لا نستطيع التخلص من الضرورة فذلك دليل على ضعف ارادتنا وعدم استطاعتنا في حفظ اوامره تعالى. ورب قائل يقول فاذا كان القسم محظوراً علينا فكيف اقسم الله اذاً. فانه جاء مكتوباً ” قد اقسم الله ولم يكذب ” فنجيب ان المراد من هذا القول هو ان الله قد صدق في قوله. ولكي نزداد اعتقادا بذلك عبر عنه بالقسم واما قوله تعالى من الان الى ثلاثة ايام تخرب نينوى فقد اراد بذلك تخويف اهلها لكي يرجعوا اليه تائبين.
عدد 37: ولكن ليكن كلامهم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير.
اي في الايجاب ايجاب وفي النفي نفي ” وما زاد ” اراد بذلك ان الزيادة هي كذب من الشرير. فاذا كل من يكذب فهو شريك الشيطان. وقد فسر القديس يوحنا الذهبي الفم ” ما زاد على ذلك ” فقال ان معناها القسم لانه من الشرير. وقد اعترض بعضهم قائلا اذا كان القسم من الشيطان فلماذا امر الناموس ان يحلفوا ؟ فنجيب كما ان الحليب نافع للاطفال دون الرجال فكذلك القسم في الازمنة القديمة كان مفيداً لان الناس كانوا وقتئذ كالاطفال. اما في زمن المسيح فقد عد القسم انه من الشرير لان الطبع البشري قد بلغ حد الكمال. فالكمال مطلوب منا ازيد من الكتبة والفريسيين. وكما ان قتل هابيل حسب شراً. اما ايليا وفينحاس فحسب خيراً. والخمير كذلك في زمن يوخذ جيداً وفي زمن يوخذ ردياً.
عدد 38: سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن.
أمر الناموس بذلك ليمنعهم من الشر لانه اذا غضب انسان لاي سبب كان واراد ان يضرب رفيقه او يقلع عينه يفكر ان الذي سيصنعه بغيره سيحل به كذلك فيمتننع اذ ذاك عن عمل الشر لرفيقه. فالناموس مع كونه مانعاً للشرور عادلاً فقد ابدله المسيح بماهو اقرب الى الرحمة والشفقة فعلمنا قائلاً “من لطمك على خدك الخ “.
عدد 39: اما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الايمن فحول له الآخر ايضاً.
فقد دعا شريراً ذلك الذي يقلع عين رفيقه انتقاماً منه لانه يكون مغرياً من الشيطان
(ومن لطمك الخ) اي ان خصمك اذا رأى منك حلماً يندم على الضربة الاولى ولا يعود يضربك ثانية. فالشر لا ينتهي بالشر لكن بالخير. لان مقابلة الشر بالشر تزيد الشر اتساعاً.
عدد 40: ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضاً.
اي اذا اراد خصمك ان يذهب بك الى القاضي ويحاكمك ويتعبك فاعطه ما قد طلبه منك واكثر تخلصاً منه. ورب قائل يقول كيف اعطي خصمي ما يطلبه مني دون ان يكون له حق علي بذلك ؟ فنجيبه قائلين انك لو كنت امينا نحو اوامر الله لما تعدى احد عليك. بل كان المنافقون والظالمون هم المساعدين لك عند الحاجة.
عدد 41: ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين.
اي اذا امضيت معه ميلين ليس فقط لم يعد يسخرك مرة اخرى ولكنه لا يعود كذلك يجبر غيرك استحياء من مجاملتك وحلمك. فهذه الوصايا قد فرضها على الرسل خصوصاً لانهم كانوا مزمعين ان يمضوا الى الشعب والشعوب ويحتملون الضيق والشدائد غير اننا قد تسلمناها نحن من الرسل وتابعون لتعاليمهم.
عدد 42: من سألك فاعطه. ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده.
وهذه الوصية مفروضة على العامة لا على الرسل الذين لا يقتنون شيئاً ولم يقل ان نعطي لكل من يسألنا عموما لكن للذين يسألون حاجتهم وقوتهم اليومي فقط. كما قد قيل عن الرسل انهم كانوا يعطون كل واحد ما هو محتاج اليه. الا انه يجب ان نعطي لغير الفقراء على سبيل الافتراض لا بقصد الفائدة والربا حين يطلبون ذلك منا كما اشار السيد المسيح في غير هذا الموضع الى انه يجب ان نعطي دون مقابلة عوض او اجر.
عدد 43: قد سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك.
عدد 44: اما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا الى مبغضيكم وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.
فقد امرنا السيد المسيح الا نقتصر على محبة القريب كما يأمر به الناموس القديم ولكن ينبغي لنا فوق ذلك ان نحب اعداءنا ونبارك على من يلعننا ويبغضنا فان السيد له المجد قد علمنا بهذا الاّ نبتدي بالشر ولا نقابل الشر بالشر ولا ننتقم ونتذمر اذا نالنا ضرر من القريب ولا نبغض احداً . لكن فلنحبه ونعامله بالحسنى والخير مصلين لاجله. وهذه الوصايا من شأنها ان ترقي عقولنا وتجعلنا شبيهين به تعالى اذ قال.
عدد 45: لكي تكونوا أبناء ابيكم الذي في السماوات. فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين.
قال هذا ليرفع ضمائرهم عن الارضيات ويجعل الفرق ما بين الاب السماوي والاب الارضي.
عدد 46: لأنه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم. اليس العشارون ايضاً يفعلون ذلك.
عدد 47: وان سلمتكم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون أليس العشارون ايضاً يفعلون ذلك.
اي انه لا اجر لنا ولا فضل اذا احببنا من احبنا اقتداء بالعشارين وان كان الناموس العادل يقضي بذلك.
عدد 48: فكونوا نتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل.
فقد دعا محبة الاعداء كمالاً. لانها تحوي كل انواع الفضيلة. اما قوله كما ان اباكم. فلا يراد (بكما) اننا نتشبه كل التشبه بالله ولكننا نكتسب شيئاً من التشبه به. وقد قال العلماء والفلاسفة ان الشرائع هي ثلاث: الاولى، الشريعة القديمة التي تأمر المتمسكين بها كالعشارين وغيرهم ان يحبوا من يحبهم ويبغضوا من يبغضهم وتدعى الشريعة العادلة. والثانية، هي شريعة الظلم التي تقضي ببغض من يحبنا ولعن من يباركنا. والثالثة، شريعة المسيح وهي ان نحب من يبغضنا ونبارك على من يلعننا وتدعى شريعة الكمال. ويثبت ذلك من قوله ” ان لم يزد بركم على الكتبة ” ثم ان المسيح بعد ان تكلم عن القتل والشهوة ومحبة الفضة اخذ يتكلم عن المجد الباطل فقال.
(الاصحاح السادس)
عدد 1: احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم. والا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السماوات.
اي اذا تصدقتم على احد فلا يكن ذلك امام الناس بقصد الافتخار والتكبر. لان الكبرياء تفاجئ الانسان من حيث لا يعلم فكونوا متيقظين منها. و قوله ” قدام الناس ” لا يراد منه انه يرذل الصدقة قدامهم. لكنه يريد الا نعطي صدقاتنا امام الناس طلباً للمجد والمدح منهم. وقوله والا فليس لكم أجر. فكأنه يقول ان كنتم تتصدقون ليراكم الناس ويمدحوكم فقد اضعتم أجركم عند ابيكم السماوي.
عدد2: فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قدامك بالبوق كما يفعل المرآؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجدوا من الناس. الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.
فالرحمة هي ذات ربين الله والمجد الباطل ويتوقف ذلك على نيتك. فان عملتها لاجل الله فانه تعالى يوفيكها امام ملائكته ويمدحك لرحمتك للمساكين. وان عملتها طمعاً في احراز المجد العالمي فقد اخذت اجرك من مدح الناس. وقوله ” فلا تهتف قدامك بالبوق ” اي لا تفعل صدقتك على مرأى كثير من الناس بقصد ان يروك ويمجدوك. وقوله “ كما يفعل المرآؤون “ اي كالفريسيين والعشارين الذين كانوا يظهرون للناس ان صدقتهم هي لاجل الله وفي الداخل يقصدون منها اكتساب المجد الباطل وتعظم الناس لهم. فانهم لم يكونوا يتصدقون الا على مرأى من الناس ولذا فقد قال عنهم المسيح انهم قد اخذوا اجرهم من الناس.
عدد 3: واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك.
قال قوم ان المسيح يأمرنا ان نخفي الصدقة عن معرفة اهلنا القريبين منا كاليمين والشمال. لكن الحقيقة هي انه اذا امكننا فلنخفها عن انفسنا حتى ان ايدينا التي نوزع بواسطتها الصدقة لا تشعر باننا نحن فاعلون الصدقة. وآخرون شبهوا الاعمال الشريرة بالشمال اما اليمين فتشير عن الافكار الصالحة. ثم انك اذا اردت ان تفعل الحسنات فلا تفكر ولا تستشير ولكن اصنعها بلا مشورة ولا مانع او تأخير. ثم يسمي الفكر النجس شمالاً والفكر الطاهر يميناً. وعليه فان ما يرشدك اليه الفكر الصالح تممه. لانه ربما يأتي الفكر الشمالي فيعيقك عنه. وقد شبه المسيح الحنفاء بالشمال والمسيحيين باليمين. ثم اشار على المؤمنين ان يكتموا عن الغير المؤمنين اسرارهم ولا يقبلوا ولا يطليوا منهم شهادة او يمضوا الى محكمتهم ليدانوا امامهم. ثم انه سمى ايضاً الجسد شمالاً.
عدد 4: لكي تكون صدقتك في الخفاء. فابوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية.
اي يجازيك في العالم الآخر قدام الملائكة وبني البشر.
عدد5: ومتى صليت فلا تكن كالمرآئين. فانهم يحبون ان يصلّوا قائمين في الجمامع وفي زوايا الشوارع يصلون ليظهروا للناس. الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.
اي انهم في وجوههم يظهرون انهم يصلون لله ومن الداخل لاجل المجد الباطل. فالمسيح يرذل الصلاة التي تكون في المجامع لاجل المجد الباطل.
عدد 6: وأما انت فمتى صليت فادخل الى مخدعك واغلق بابك وصل الى ابيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
يريد بالمخدع القلب وبالباب الضمير. اي اذا صليت في البيت او في الكنيسة فادخل الى مخدع قلبك واجمع افكارك من التيه واغلق باب ضميرك عن المجد الباطل وصلّ الى ابيك في الخفية ولكن لا لاجل المجد الباطل وقوله ” هو يجازيك “ اي انه سيوفيك بما تستحقه اذا كنت تصلي في الخفية من غير ان تكون منظوراً للأعين.
عدد 7: وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلاً كالامم. فانهم يظنون انه بكثرة كلامهم يستجاب لهم.
اي لا تصلوا طمعاً في غنى او رفعة دنيوية او انتقام. ويسمي كثرة الكلام للصلاة التي تكون بافكار مشتتة.
عدد 8: فلا تتشبهوا بهم. لان اباكم يعلم ما تحتاجون اليه قبل ان تسألوه.
اي لا تتشبهوا بالحنفاء والمرآءين. “ وقوله ان اباكم عالم “ اي وان كان عالماً قبل ان تسألوه بحاجتكم. لكنه يعلمنا ان نصلي كي نزداد تقريباً اليه
عدد 9: فصلوا انتم هكذا. ابانا الذي في السموات. ليتقدس اسمك
اي لا تصلوا كالحنفاء والمرآين لكن كما اعلمكم. بل فالصلاة هي ارتفاع العقل الى الله وتقديم النذور له تعالى كقول داود نذوري اوفي وما قد خرج من شفتي. ثم ان الطلبة هي قربان لله بعد تكميل الوعد. فاذاً يجب ان نكمل الصلاة اولاً ثم نقدم الطلبة. فالصلاة تكون على نوعين: الاول، لفظية كصلاة حنة. والنوع الثاني، عقلية كصلاة فينحاس. اما سيدنا قد اراد النوع الاخير منها
(ابانا الذي في السموات) والآب يأتي على معاني كثيرة اب بعيد كآدم الذي هو اب كلنا واب قريب كابراهيم ابي اسحاق. آباء عرضيون كمعلم الاولاد ورجل شيخ ورؤساء الكهنة. والمعلمون الثلثمائة وثمانة عشر فهؤلاء يدعون آباء. والشيطان هو كذلك اب للذين يطيعونه. اما الله تعالى فلا يمكننا ان ندعوه اباً نوع من الانواع الا بواسطة العماد. لاننا مولودون نحن والمسيح من المعمودية. فصرنا له اخوة وبنين لابيه. كقول داود. اني ابشر باسمك اخوتي واعطاهم السلطان ان يصيروا بني الله. ويدعون الاب اباً لهم فالمسيح هو ابن طبيعي لابيه. ونحن بنو النعمة غير انه لا يستحق احد ان يدعو الله اباه. الا ذلك الذي هو كامل في الاعمال الصالحة اما من كانت اعماله نجسة شريرة فالشيطان هو ابوه لانه يكمل ارادته. ثم انه علمنا ان ندعو ابانا بصيغة الجمع لا ابي ليدل على اننا جميعنا جسم واحد كما ان ابانا السماوي هو واحد. فبقوله انا قد ابطل الكبرياء واعلن ان الملوك والسلاطين والمساكين هم في الجنس واحد “ وقوله في السموات “ لا يفيد ان الله هو في السماء فقط لكن ليجذب عقل الذي يصلي من الارض الى السماء لكي يطلب ما هو فوق، وكذلك ليتميز من الآباء الموجودين في الارض. ويعرف انه في السماء مسكنه.
(ليتقدس اسمك) يعني اذا تذكرنا بالقداسة. فيتقدس ويتمجد اسم الله. وفي الوقت عينه نقدس شفاهنا وافواهنا باسمه لانه قدوس قبل ان ندعوه. وقوله ليتقدس اي يتمجد اسمك يا قدوس. وقدوس هو اسم عبراني معناه التمييز والفرق. لان كل شيء يمتاز عن غيره سواء كان في الحسن والجمال او الغنى او غير ذلك يسميه بالعبراني قدوسا كقوله ان القديسين الذين في الارض والممجدين اسمك. وهذا نص الكتاب. مجدوا اسم قدسه. وان يعلموا ان اسمك يارب وحدك قدوس.
عدد 10: ليأت ملكوتك: لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض.
(ليات ملكوتك) اي لتنجينا من الشرير لان الملكوت يأتي على معان كثيرة كما مر بك قبل والعالم المزمع الذي نكون فيه عديمين الموت يدعى ملكوتاً وكذلك الزمان الذي بعد قيامة السيد المسيح كقوله لا اشرب من عصير هذه الكرمة حتى اشربه جديداً في الملكوت. ثم البشارة والامثال الروحية، كقوله تشبه ملكوت السماء خميراً. وظهور الثالوث، كقوله ان ملكوت السماء لا تأتي بالانتظار. وملكوت السماء هي داخلكم وهنا يسمي نعمة الروح القدس التي اخذناها في المعمودية ملكوتاً. وبقوله ” لتكن مشيئتك ” يعلمنا ان نطلب منه لنعمل اعمالاً فاضلة عفيفة وان تكون مشيئته منا نحن المساكين على الارض ان نمجده (كما في السماء) اي كما ان مشيئته في السماء هي نافذة عند الملائكة كلك تكون على الارض عندنا.
عدد 11: خبزنا كفافنا اعطنا اليوم
ان تعالى قد حصر بالخبز جميع احتياجات الجسد كالاكل والشرب والكسوة والبيت. فهذه كلها لازمة للجسد. وقوله ” اليوم ” اراد الزمان الحاضر.
عدد 12: واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن ايضاً للمذنبين الينا.
فقد قابل هنا الغفران بالغفران فوعدنا اذا غفرنا لمن هو مثلنا ما اقترفه الينا من الذنب فانه تعالى يغفر لنا كذلك اثمنا فمع انه اله ولا شبيه بين غفرانه وغفراننا قد وعدنا بغفران خطايانا فكم بالاوفر وجب علينا نحن عبيده ان نغفر زلات بعضنا.
عدد 13: ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير. لان لك الملك والقوة والمجد الى الابد. آمين.
(لا تدخلنا في تجربة) اي لا تدن الذين يعاملونا بالشر. نعم فليس من الواجب ان نتهافت نحن على التجارب ولكن يجب علينا دائماً ان نصلي لننجو من تجارب الشيطان اللعين
(لان لك الملك والقوة) فان كان الملك لله اذاً الشيطان خاضع له وليس قادر على عمل شيء الا اذا اذن له تعالى كما اذن له في تجربته ايوب الصديق والدخول في الخنازير. وله القوة لانه قادر على كل شيء
(والمجد الى الابد) فالذي مملكته حصينة وقوته قديرة كذلك مجده دائم الى الابد. قد ختم الصلاة بعشر طلبات ورسم العشر الوصايا والعشر التطويبات. فالخمس وصايا الاولى عن النفس والخمس الاخرى عن الجسد ليطهر العشر الحواس. ويرجع وراء الصلاة ليستأصل الغضب والحقد من الضمير والا فالصلاة غير مقبولة.
عدد 14: فانكم ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضاً ابوكم السماوي.
عدد 15: وان لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم ابوكم ايضاً زلاتكم.
فيعلمنا بذلك الا نكون حقودين منتقمين لاننا مؤهلين ان نكون يوماً في السماء متمتعين بمشاهدة ابينا السماوي.
عدد16: ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرآئين. فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.
يريد بذلك ان الكثيرون يتظاهرون بالصوم وهم ليسو صائمين فدينونة هؤلاء ستكون عظيمة لان صومهم هو غش ورثاء
عدد 17: وأما انت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك.
عدد 18: لكي لا تظهر للناس صائماً بل لابيك الذي في الخفاء. وابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.
لم يشر هنا عن الصيام الاربعين. لكنه اشار عن الصوم عن الشرور وتكريس النفس لله وقمع الجسد لكي يخضع لارادة النفس ومساعدة المساكين على قدر الطاقة وفطم الجسد عن الاكل. وقوله ” ادهن رأسك واغسل وجهك ” ويراد به غسل الوجوه المادية ودهن الرأس الجسدي على ما زعم البعض. لكي يختفي الصيام بهذه الواسطة. وذاك يعرف من ان القدماء كانوا يغتسلون في زمان افراحهم ويدهنون رؤسهم ومع ان الصيام كآبة وحزن فاراد ان يصنع فيه ما يصنع في الفرح. وقد فسر البعض الوجوه والرؤس بالافكار والضمائر اي ان ننقي ضمائرنا وافكارنا من الشرور والاحقاد. وذهب البعض الى ان المسيح امرنا بالغسل لنخفي الصيام مع انه لم يسمع ان الرهبان والصالحين فعلوا مثل هذا. ولكن المسيح اراد بالوجه الجسد البشري. والرأس النفس والعقل فواجب على الانسان ان يغسلهم بالسيرة الورعة وبالاعمال الصالحة. وقوله ” ادهن رأسك ” اي ادهن العقل بالاعمال الصالحة. لان القتال ليس مع لحم ودم ولكن مع الشيطان. ولذلك فقد حثنا على ان ندهن رأسنا قبل كل شيء لانه مسكن النفس. كقوله: ” عينا الحكيم في رأسه “. يعني في عقل نفسه. فالنفس تدهن بروح القدس اي بالبرارة والمحبة. ثم اوصانا المسيح ان نصوم لكي يخضع الجسد لارادة الروح. ما لم يتنعم بالشهوات كما ان الزؤان اذا منع عنه الماء يبس سريعاً. هكذا الشراهة فانها تضعف بالصيام. كقوله اقنعوا بالقليل لئلا تثقل قلوبكم بالشراهة اذ اننا بالشراهة قد خرجنا من الفردوس فيجب ان ندخل الملكوت بالصيام فالآن يعلمنا التجرد.
عدد 19: لا تكنزوا لكم كنوزاً علىالارض حيث يفسد السوس والصدأ. وحيث ينقب السارقون ويسرقون.
الكنوز الارضية ثلاثة اخطار تعرض لها. السوس يفسدها والآكلة تهلكها والسارقون يسرقونها. فاذا نجت من الخطرين الاولين فلا تنجو من الخطر الاخر كما هو معلوم عند الكل.
عدد 20: بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.
ان المسيح اراد بذلك ان نتصدق على المساكين والمحتاجين لننال تلك الكنوز السماوية التي لا يقربها سوس ولا سارق جزاء اعمالنا الصالحة الخيرية.
عدد 21: لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضاً
اي ولو لم يصبك ضرر من الاضرار فهذا الضرر ليس بصغير أي ان قلبك يكون خاضع للارضيات ومطمور في الارض كمثل الكنز.
عدد 22: سراج الجسد هو العين. فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً
أي كما ان العين هي سراج الجسد هكذا القلب هو سراج النفس. فمتى اظلم القلب بالافكار الشريرة زاغ الانسان كله عن الواجب. وقوله العين البسيطة اعني العين النيرة. وقوله العين الشريرة اي المظلمة. فالعين هي ضياء الجسد والقلب ضياء النفس. اي ان كان قلبك هائماً في الارضيات فالنفس لا يمكنها ان تحيا. ثم انه يراد بلفظة العين الاساقفة والمعلمون والكهنة وبالجسد المؤمنون.
عدد 23: وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً. فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون.
اي ان كان قلبك مظلماً بالارضيات فالنفس تكون مظلمة كذلك. وان غرق الملاح فأحرى بالسفينة ان تغرق كذلك وان كان الملك يغلب فكم بالحري اجناده وان كنت وانت في حال البر والقداسة تخطأ فكيف يكون حالك وأنت في حال الخطيئة. وقوله ان كانت عينك بسيطة مضيئة يريد اذا كان المدبرون والمعلمون نيرون بالاعمال والسيرة الصالحة فالشعب الذين يدبرونه يكون سيرته صالحة كذلك. وان كانوا اشراراً بافعالهم فالجسد اي المؤمنون يكونون شراً منهم وكما ان العين تدبر الجسد هكذا العقل يدبر النفس لان به نختار ما نريد.
عدد24: لا يقدر أحد ان يخدم سيدين. لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون ان تخدموا الله والمال.
ان المسيح لما رأى كثرة ظلم الناس وتعلقهم الشديد بالمال سمى المال رباً لان محبة المال تعلم الانسان السرقة والظلم واعطاء الفضة بالرباء وحيث انه تعالى يريد ان يكون الانسان رحوماً مستقيماً مجرداً ولا يمكن ان يكون كذلك اذا علق قلبه بمحبة المال فلذا قال لا يستطيع أحد ان يخدم ربين لان الله والمال على طرفي نقيض لكن الانسان يستطيع ان يخدم ربين ذوي رأي واحد وارادة واحدة. ان المال هو رذالة للذين يجمعونه كما قد سمى بولس الرسول البطن الهاً لشقاوة الذين يعبدونها. فان قال قائل انه وجد اغنياء كثيرون عبدوا الله كمثل ابينا ابرهيم وايوب فنجيب انه يمكن ذلك لكن اذا كنت لا تنفقه حسناً فانت عبد له لا لله.
عدد25: لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون. اليست الحيوة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس.
أي فان الذي اعطاكم نفساً افضل من الجسد فهو قادر ان يعطيكم القوت الذي هو اقل من النفس فالذي اعطاكم الاشرف فلا يمنع عنكم الادنى. فالنفس والجسد افضل من المخلوقات لخدمتهما. ان الطعام والملبوس جعلا لاجل الانسان فالملبوس للجسد لانه يستتر به والقوت للنفس وان كانت غنية عنه ولكنها لا تريد ان تمكث في الجسد العديم القوت فاذا لم يأكل الجسد فارقته النفس فيموت.
عدد26: انظروا الى طيور السماء. انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن. وابوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري افضل منها.
أي اذ كان يهتم بالطيور التي ليست مخلوقة على صورته ومثاله فكم بالحري يهتم بنا نحن. ورب معترض يقول ان الطيور من طبعها تطير ولا تهتم بالقوت اما الانسان فلا يستطيع ذلك فنجيب ان المسيح له المجد ضرب الطير لنا مثلا لنستحي ونخزى وندع الاهتمام بالمأكل جانبا ونتعلم ان لنا اباً سماوياً يمكنه ان يقوتنا ويهتم بنا كما يهتم بمن هم ادنى منا حتى نهتم بما هو اسمى وافضل.
عدد 27: ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعاً واحدة.
يعني من منكم اذا ولد يقدر ان يزيد على قامته شيئاً دون اردة الله حتى يبلغ الى القامة الكاملة فهكذا يجب ان تؤمنوا انه تعالى يقوت ويكسو ويرزق ما تحتاجون اليه.
عدد 28: ولماذا تهتمون باللباس. تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل.
انه تعالى جاء بالطيور برهانا عن المأكل وبالزنابق عن اللباس فان االزنابق مع كونها نباتاً فان الله يلبسها لوناً جميلاً فكم بالحري انتم افضل منها فهذه ليست ذات حياة اما انتم فأحياء
عدد 29: ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها.
لم يقدر سليمان ان يلبس كلون واحدة منها لان لونها طبيعي في الحسن والجمال. فقد ذكر ان سليمان لكثرة حكمته حاول مراراً شتى ان يلبس ثوباً كلون الزنابق فلم يقدر.
عدد 30: فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غداً في التنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جداً يلبسكم انتم يا قليلي الايمان.
اي ان كان يكسو الشيء الحقير جمالاً فاحر به ان يكسوكم بذلك لانكم قد جبلتم منذ البدء على صورته ومثاله. وسماهم قليلي الايمان منتهراً اياهم بالمحبة ليقبلوا تعليمه.
عدد 31: فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس.
عدد 32: فإن هذه كلها تطلبها الامم لأن اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها.
يريد بالامم البرانية العشارين وما شاكلهم وقوله ابوكم لا الهكم ذلك لكي يفهمهم ان الله يهتم بهم كالاب الرحوم.
عدد 33: لكن اطلبوا اولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم.
يسمي الاشياء الروحية بره وملكوته فكأنه يقول اطلبوا هذه والارضيات تزاد لكم لان الارضيات ليست شيئاً يذكر بالنسبة الى السماويات واراد بملكوت الله المعرفة والايمان به وبره اي السيرة الصالحة والقداسة.
عدد 34: فلا تهتموا للغد. لان الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره.
يسمي الزمان المزمع غداً. وقوله ” الغد يهتم بشأنه ” ليس معناه ان اليوم يهتم. ولكن بما ان الشعب الذي يكلمه كان ناقصا في الايمان فلذا استعمل المجاز في كلامه كما قيل ان الجبال رقصت كالغزلان. وقوله ” يكفي كل يوم شره ” اي تعبه وكده ويسمي الزمان الحاضر يوماً. فيقول لاتهتم لسنين فانك لست عائشاً. فكأنه يقول اطلب ما تحتاج اليه اليوم ولا تهتم للاجيال الاتية. ثم انه تعالى اظهر قدرته في جميع الاوامر فكإله اعطى الوصايا لا كانسان. اما بعض الهراطقة فيرتأي ان الذي كان يتكلم هو غير الذي كان يرى فنجيب انه لو كان كذلك لما قال لهم المسيح ” انا اقول لكم “ولكن الذي انتدبني لبشارته يقول هذا فيتضح اذاً ان المتكلم هو الذي كان يرى كانسان وهو اله متأنس.
(الاصحاح السابع)
عدد 1: لا تدينوا لكي لا تدانوا.
اي لا تدينوا ظلماً اذ انتم ساقطون في الذنوب عينها ولا تحكموا على احد بغضاً وحسداً ولكن وبخوه توبيخاً واصلحوا المذنبين. واذا رأيت اخاً يزني فانصحه ووبخه ولكن لا كالعدو بل بالمحبة واللين
عدد 2: لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم.
اي انه الذي تحكمون به على احد يحكم عليكم الله ظلماً كان او عدلاً.
عدد 3: ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك. وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن.
قال القديس يوحنا الذهبي الفم ان كثيرين اذا رأوا عند الرهبان والمتوحدين ثوباً زائداً خاطبوهم بالآية القائلة ” لا تقتنوا ثوبين ” وهم يخطفون ثياب غيرهم ظلماً. كذلك اذا رأوا الراهب يأكل قوته اليومي يلومونه مع انك تراهم يدمنون المسكرات ويستعملون الشراهة في الاكل فانهم بذلك يضرون انفسهم اذ ينظرون النقص الصغير اي القذى في عين غيرهم وهم لا يفطنون للخشبة اي الخطايا الكبرى التي يرتكبونها.
عدد4 : أم كيف تقول لاخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك.
اي ان الذي يعيب غيره على امر فيه مثله لا يقصد محبته وانما يفعل ذلك بغضاً واحتقاراً.
عدد 5: يامرائي اخرج اولا الخشبة من عينك. وحينئذ تبصر جيداً ان تخرج القذى من عين اخيك.
أي انه يجب على الانسان ان يبدأ بتوبيخ نفسه وشفائها من العيوب قبل ان يعيب غيره حتى اذا نصح بعد ذلك اخاه يتأكد الناس من انه يقصد له الخير.
عدد 6: لا تعطوا القدس للكلاب. ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير. لئلا تدوسها بارجلها وتلتفت فتمزقكم.
اي ان هذا التعليم الذي علمتكم والاسرار التي كشفتها لكم لا تقولوها للكفرة والجهلة الذين لا يعرفون الله. لانهم اذا سمعوها يستهزئون بكم ويعذبونكم. بل لا تشركوا الاشرار والمنافقين في الاسرار المقدسة. التي يسميها قدساً وجواهراً. ثم انه شبه المنافقين بالكلاب والسائرين سيرة دنسة بالخنازير وشبه تعليمه الانجيلي بالقدس والجواهر. وقوله ” لئلا تدوسها بارجلها وترجع فتمزقكم ” اي ان الكفرة والمنافقين فضلاً عن انهم لا يرجعون من كفرهم وشرورهم ولكنهم يستهزئون بالايمان. ويتحصل مما تقدم انه يجب ان نخرج غير المعتمدين خارج الكنيسة ولا نتركهم يقفوا في القداس. فالمسيح سمى هؤلاء كلاباً لأنهم يأكلون القداس والخبز من دون تمييز. وسماهم خنازير لان الخنازير تدوس الجواهر والطين على السواء دون معرفة ولا تمييز. بل يسمي كلاباً وخنازير اولئك الكهنة والفريسيين الذين بعد ما كان يعلمهم الرسل كانوا يرجعون فيعذبونهم. ورب قائل يقول فكيف منع ان يعطوا القدس للكلاب وفي موضع آخر امرهم ان ينادوا بتعليمه على السطوح ؟ والجواب انه يجب ان نعلم الطائعين اما الذين لا يذعنون فهؤلاء شبهوا بالكلاب والخنازير فلذا يجب ان نعلمهم لئلا يستهزئوا بتعليمنا.
عدد 7: اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم.
فالسؤال والطلب والقرع شيء واحد. فان ما يريد الانسان فاياه يسأل وما يسأله فلاجله يقرع ليفتح له. ثم قوله اسألوا. يريد بذلك الامور الروحية وقوله اطلبوا اراد الامور الجسدية وقوله اقرعوا اي اعملوا الفضيلة. فلنسأل قوة الروح التي بها نستطيع ان نحفظ الوصايا ونطلب ونقرع مترجمين ما نحتاج اليه بغير شكوك وبضمير سليم صالح.
عدد 8: لان كل من يسأل يأخذ. ومن يطلب يجد. ومن يقرع يفتح له.
اي انه يأخذ ما يجب ويورد على ذلك برهاناً طبيعياً.
عدد9 : ام ايّ انسان منكم اذا سأله ابنه خبزاً يعطيه حجراً.
عدد 10: وان سأله سمكة يعطيه حية.
اي هل من انسان يسأله ابنه شيئاً ينفعه وهو يعطيه ما يضره حاشا فنقول شيئان يلزم السائل ان يسألهما باجتهاد اللائقات والمرجوات.
عدد 11: فاذا كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه.
فقد سماهم اشراراً لسبب ميلهم الى الشرور وعلمنا ان نواظب على الصلاة ونسير سيرة مقدسة.
عدد 12: فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوه انتم بهم. لأن هذا هو الناموس والانبياء.
اي مثلما تريدون ان يعاملكم الناس بالحسنى كذلك عاملوا غيركم واصنعوا الخير معهم وقوله ” هذا هو الناموس والانبياء “. اي ان ذلك مفروض عليكم فعله من الناموس والانبياء اما ما يجب علينا فعله او اجتنابه نحو غيرنا فذلك يرشدنا اليه العقل بواسطة الفضيلة.
عدد 13: ادخلوا من الباب الضيق. لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه.
فيسمي وصاياه باباً وطريقاً. لان الباب والطريق بداءة المسير. هكذا الوصايا فانها توصل الانسان الى قمة الكمال وتبلغه الملكوت. فكأنه يقول احفظوا الوصايا التي اعطيتكم وان تكن صعبة الا انها توصل حافظها الى مكوت السماء وقد سمى الباب ضيقاً ليشجع الداخلين فيه. وسمى الشرور باباً واسعاً وطريقاً رحباً لان اقتناء الشر اسهل من اقتناء الخير وقد قال ان هذه الطريق تؤدي الى الهلاك. وقوله الداخلون فيه كثيرون. اي ان فاعلي الشر هم اكثر من عاملي الخير.
عدد 14: ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحيوة. وقليلون هم الذين يجدونه.
فيسمي حياة تلك السعادة الحقيقية المنزهة عن الاكدار وقوله الذي يؤدي الى الحياة. يعني يؤدي الصالحين الى الملكوت. فاذا يسمي الصالحين هنا وهناك احياء كما انه يدعو الاشرار امواتاً. فاذا كان الجنود والملاحون والابطال يعرضون نفوسهم للمخاطر والمهالك طمعاً في نيل شرف دنيوي زائل فما اجدرنا بمقاساة المشقات في حفظ الوصايا لنيل الشرف والمجد الغير الزائل.
عدد 15: احترزوا من الانبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة.
ان المسيح بعدما اتم كلامه على الفضيلة ابتدأ يحذرهم من مخالطة الهراطقة المتخذين اسم المسيحية وهم بعيدون عن الحق وبتعليمهم الغريب يهلكون انفس كثيرين من الناس. قال القديس يوحنا الذهبي الفم ان الانبياء الكذبة هم المؤمنون الاشرار في الباطن ويتظاهرون بالفضيلة. وقوله احذروا. اي انتبهوا على الدوام وكونوا متيقظين. فقد حذرنا قبلاً من الكلاب والخنازير المعروفة. اما هنا فيحذرنا من الذئاب الخاطفة المتسترة التي لا يمكننا ان نعرفها لاول وهلة. فقد سماهم انبياء كذبة مذكراً اياهم ان في ايام كانوا الانبياء الكذبة.
عدد 16: من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنباً او من الحسك تيناً
وقوله من ثمارهم اي من اعمالهم وكما انه لا ينبت من الشوك عنب ولا يخرج من العوسج تين فكذلك لا يصدر من هؤلاء شيء يزين النفس.
عدد 17: هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة. واما الشجرة الرديّة فتصنع أثماراً رديّة.
فشبه هنا الانسان الصالح بالشجرة الصالحة والرديء بالشجرة الفاسدة والاعمال الصالحة بالثمرة الجيدة والاعمال الرديئة بالثمرة الرديئة.
عدد 18: لا تقدرشجرة جيدة ان تصنع أثماراً رديّة ولا شجرة رديّة ان تصنع أثماراً جيدة.
اي لا يمكن ان يصدر من الانسان المصر على الشر الا الاعمال الشريرة لانه اذا كانت شروره صادرة عن غير ارادة عنه فلا يعد شريراً وبالنتيجة لا يستحق العقاب عليها. ويسأل البعض قائلين الا يقدر الانسان ان يرجع من الشر الى الخير ؟ فنجيب انه ممكن ان يصير الطالح صالحاً والصالح طالحا اما المقصود من كلام المسيح فذلك الشرير الذي يستمر في شروره فهذا لا يمكنه ان يصير صالحاً.
عدد 19: كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار.
عدد 20: فاذاً من ثمارهم تعرفونهم.
اي ان كل واحد يعرف من اعماله اذا كان يستحق العقاب او الثواب. وقد كان كلامه موجهاً بعضه للصالحين وبعضه للكاملين وبعضه للتلاميذ وبعضه للعامة فحذرهم الا يشتركوا مع الهراطقة.
عدد 21: ليس كل من يقول لي يا رب يارب يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السموات.
بقوله يا رب يا رب اعلن عياناً انه رب المخلوقات وان ارادته وارادة ابيه واحدة. فمعنى بقوله هذا اليهود الذين كانوا يظنون ان الفضيلة قائمة بالايمان فقط دون حاجة الى الاعمال.
عدد 22: كثيرين سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب ألم يكن باسمك تنبأنا وباسمك اخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة.
يشير عن الذين لهم ايمان وهم خلو من الاعمال الصالحة فلا يقرنون الايمان بالاعمال كيهوذا الذي كان يخرج الشياطين. وكذا قل عن المطارنة والقسان والشمامسة الرديئي الافعال فانهم من هذا النمط وبالنتيجة فقد علمنا ان الايمان بغير اعمال لا يفيدنا شيئاً ولو عملنا العجائب.
وباسمك اخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة.
اي كمثل سيمون ومانندروس وبلعام وقيافا وبني سقوا الذين كانوا يعملون القوات باسم يسوع. فيعلمنا الا نظل وراءهم بسبب القوات والعجائب لكن يجب علينا ان نختبر صحة كلامهم من افعالهم.
عدد 23: فحينئذ اصرح لهم اني لم اعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الاثم.
اي انكم عندما كنتم تعملون المعجزات لم تكونوا ذوي اعمال صالحة فلا اشاء ان تدخلوا الملكوت. وعندنا مثل البتولات الجاهلات. وقوله لهم اذهبوا عني. يعني المؤمنين الذين كانوا ذوي اعمال صالحة فعادوا بعد ذلك الى عمل النفاق. لاجل ذلك يحكم عليهم حسب عملهم الاخير. اما ما يبعدنا عن حضرة السيد المسيح فهو الخطيئة الداعية الى عذاب لا نهاية له.
عدد 24: فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل به اشبه برجل عاقل بنى بيته على الصخر.
فقد شبه هنا تعليمه الصحيح ووصاياه بالصخرة. كما شبه الشدائد والاضطهادات وسائر تجارب هذا العالم بالامطار والانهار
عدد 25: فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لانه كان مؤسساً على الصخر.
اي ان كل من يحفظ الوصايا لن يسقط لان اساسه موضوع على صخرة الوصايا الغير المتزعزعة وقوله لن يسقط يشير بذلك الى تعمقه في الفضيلة
عدد 26: وكل من يسمع اقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل.
فقد سماه جاهلاً لانه احتمل تعب البناء وعدم اثمار الراحة. وقد سمى من لا يحفظ وصاياه رملاً لانه سريع الهبوط كالرمل. وقد كنى بالامطار عن الشدائد. وبالانهار عن الاضطهادات. وبالرياح عن التجارب. فهذه اذا هبت وضربت الضعفاء والغير المنحذرين سقطوا في الخطيئة لا محالة.
عدد 27: فنزل المطر وجاءتت الانهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط. وكان سقوطه عظيماً
اي ليس اعظم من سقوط من يسقط من الملكوت الى جهنم
عدد 28: فلما اكمل يسوع هذا الاقوال بهت الجموع من تعليمه
اي انهم بهتوا من شرف تعليمه
عدد 29: لانه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة.
اي كمثل سيد له سلطان ان يضع الناموس من ذات نفسه. فان موسى والانبياء كانوا يعلمون قائلين كذا يقول الرب لا تقتل. وهكذا الكتبة كانوا يعلمون ما هو مكتوب في الناموس والانبياء. اما المسيح فكسيد ومشترع كان يعلم تعليمه بنفسه اذ قال انا اقول لكم وبهذا عرف انه اله حقاً وليس انساناً ساذجاً.
(الاصحاح الثامن)
عدد 1: ولما نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة.
لانه كالمسلط كان يعلم. ولئلا يظن انه يتكبر فبين سلطانه بالفعل من العجائب التي عملها. اما الجموع الكثيرة فهم الذين صعدوا معه والذين جاؤوا اليه من كل موضع. وكانوا بسطاء وبعيدين عن الشر فجالوا معه ليسمعوا كلامه. ولم يكونوا يقصدون من ذلك ان يقرفوه بذنب كما كان شأن الكتبة والفريسيين.
عدد 2: واذا ابرص قد جاء وسجد له قائلاً يا سيد ان أردت تقدر ان تطهرني.
البرص هو موت الجسم الحي ويعرف ذلك من انه اذا انخر بالابرة فلا يخرج منه دم على مثال الميت. ومنه يدب بالجسم ومنه لا يدب ويسري في الجسد الضعيف من موضع الى آخر. اما في الجسد الصحيح فلا يسري. لكنه يمكث في مكانه. فالبرص اذاً في الظاهر هو موت لا حياة فيه. وروحياً هو موت من الله. وقد كان الناموس يقضي بابعاد الابرص من مخالطة الناس من محلة بني اسرائيل لانه كان شعباً قاسياً. فشاء الله ان يضع عليهم نيراً قاسياً وشريعة صعبة ليلين قساوتهم ويجعلهم خاضعين للبر. اما النير فهو طرد الابرص والذي يدنو من الميت وغير ذلك. فقد حكم عليه الا يدخل المحلة ومراده بهذا ان يقهمنا انه اذا كان الذي يصاب بالبرص دون ارادته يرزل من الناموس فكيف يكون حال الخاطئ بارادته اما انه كيف تجاسر على الدخول الى المحلة بلا امر كهنة اليهود. فذلك لانه قد سمع من آخرين ان سيدنا له المجد قد شفى كثيرين من المرض من امثاله فآمن بقدرته ولو لم يشاهد ذلك عياناً ولم يقل للمسيح أطلب من الله او صلّ لاجلي.
ولم يقل يا رب طهرني. لكنه قال له ” ان شئت ” ففوض الامر كله الى ارادته لانه عرف انه قادر. فكان رجلاً حكيماً ومن قوة كلام سيدنا عرف انه يستطيع ان يشفيه. لهذا لم يقل ان كنت قادراً لكن ” ان شئت ” لانه عرفه الهاً ونال مطلوبه منه بالفعل. ثم نقول ان هذا الابرص كان حاراً بالايمان أكثر من ذلك الذي من بطن امه ولد اعمى لاجل ذلك نال الشفا.
عدد 3: فمد يسوع يده ولمسه قائلا أريد فاطهر. وللوقت طَهُر برصه.
ان المسيح لمس الابرص مع انه لم يكن ماذوناً للناس ان يلمسوه ليبين انه غير خاضع للناموس. لكنه هو اشرف واعلى. ولا شيء في الوجود ينجس الطاهر. ولكيلا يظن اليهود انه نبي كاليشاع الذي طهر نعمان ولم يدن منه حسب الناموس. اما المسيح فمد يده ولمسه. لانه رب وله السلطان. ولم يلمه احد هناك لانهم لم يبتلوا بعد بالحسد. وبلمسة جسده منحه نعمة الهية كما تكسب الحديد النار ليناً. واعلن انه اقنوم واحد مركب غير منقسم. فلم يذكر ان الاقنوم الاول قال قد شئت فاطهر والاقنوم الثاني لمسه. لكن الكلمة المتجسد هو بعينه امر ومسّ باليد فاكمل هذا الفعل بقوة لاهوته وناسوته. ثم ان المسيح بشفائه الابرص بمجرد مشيئته قد اثبت كونه الها اذ انه امر الطبيعة فخضعت له وتم الفعل في الحال
عدد 4: فقال له يسوع انظر ان لا تقول لاحد. بل اذهب ار نفسك للكاهن وقدم القربان الذي امر به موسى شهادة لهم.
فقد علمنا بذلك ان نهرب من المجد الباطل. فانه يأمرنا تارة باخفاء العجائب منعاً من المجد الباطل. واخرى باظهارها لئلا ننكر النعمة. فقد امره ان يري نفسه للكاهن لئلا يقولوا عنه انه يريد ان يبطل ناموس الله ويغتصب درجة الكهنة. لانه بعد ان كان الابرص يتطهر لم يكن يحكم على تطهيره قبل ان يري نفسه للكهنة كانوا يمتحنوه اذا كان طاهر ام لا. وبعد ذلك يأمرونه بالاختلاط. لاجل ذلك ارسله الى الكهنة كما يقضي به الناموس. ثم لكي يتحققوا بانفسهم اعجوبة التطهير.
(الذي امر موسى) اما ذكره لموسى هنا فلان اليهود قد تسلموا منه الوصايا. فلم يأخذوا من الله الا العشر الوصايا فقط. ثم امر الابرص ان يقرب قرباناً لئلا يشكوه اليهود انه ينقض الناموس. اما قربان الابرص فكان عصفورين. والمسيح في هذه الثلاثين سنة حفظ الناموس بتمامه وبعدها فكان احياناً يحفظه مخافة ان يلوموه على ذلك فيهجموا عليه قبل الآلام واحياناً لم يكن يحفظه لانه قد جاز زمان الاظلة. وقوله شهادة لهم اراد بذلك توبيخهم وتعنيفهم لانهم كانوا مزمعين ان يدعوه مضلاً ومتجاوزا للناموس. فقال للابرص انت اشهد لي اذا قالوا عني اني تعديت على الناموس. فاني بعد ان شفيتك ارسلتك الى الناموس. وليشهد الكهنة انفسهم اني اعظم من موسى. قال ذلك لان موسى كان عندهم عظيماً وان إله تكلم معه. ولئن كان موسى قد طهر مريم من برصها بالصلاة والطلبة. فقد طهرت انا هذا الابرص بسلطاني لذلك ارسلته اليهم. قال القديس افرام ان الابرص ما مضى ليقرب القرابين كما قال له المسيح مفكراً في ذاته ان الذي طهره لم يلزمه بتقديم القرابين فلماذا يقرب قرابين للكهنة الذين لم يطهروه. لاجل ذلك رأى ان ينادي في كل موضع ومكان شاكراً نعم من شفاه وممجداً اسمه. فالابرص وقائد المائة لم يصعدا معه الى الجبل لئلا يؤخروه عن التعليم.
عدد 5: ولما دخل يسوع كفرناحوم جاء اليه قائد مئة يطلب اليه.
عدد 6: ويقول يا سيد غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً.
فتاه اي عبده وقد كان مخلعاً. اما القائد فلم يات بعبده الى يسوع لايمانه بان كلمة منه تكفي لشفائه وليس كما ارتاى البعض من انه كان بسوء حال فلم يستطع ان ياتي به. مع ان القائد لم يكن يقرأ في الناموس والانبياء لكنه عرف قدرة يسوع من الاخبار عنه فقط.
عدد 7: فقال له يسوع انا آتي واشفيه.
عدد 8: فاجاب قائد المئة وقال يا سيد لست مستحقاًً ان تدخل تحت سقفي. ولكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي.
فقد برهن بكلامه عن مزيد تواضعه وكثرة ايمانه وذلك لما سمعه من كثرة العجائب الصائرة في كفرناحوم. ولم يقل اطلب وصلّ لكن ” قل كلمة لا غير ” لانه كان ينظر الى الله لا كمن ينظر الى انسان. وهكذا جرى فان يسوع قال كلمة واحدة فشفي الفتى. والله قال فكان وامر فخلق الكون. فاذا يسوع هو الله.
عدد 9: لأني انا ايضاً إنسان تحت سلطان. ولي جند تحت يدي. اقول لهذا اذهب فيذهب ولآخر ائت فياتي ولعبدي افعل هذا فيفعل..
فالقائد نظر بعقله الى قوات السماء المأمورين من المسيح مثلما هو يأمر الاجناد لذلك قال ” أنا رجل تحت سلطان ” وانت إله فان امرت بان الموت لا يقترب من فتاي فانه لا يقترب. ثلاث صفات ظهرت في رد جواب القائد فقوله ” لست مستحقا ان تدخل تحت سقفي ” دليل عللى تواضعه وقوله ” قل كلمة لا غير ” دليل على امانته. وقوله ” انا رجل تحت سلطان ” دليل على حكمته. لاجل هذا مدحه المسيح ومنح فتاه الشفاء والملكوت.
عدد 10: فلما سمع يسوع تعجب. وقال للذين يتبعون. الحق اقول لكم لم اجد ولا في اسرائيل ايماناً بمقدار هذا.
ان العجب هو الاستغراب من امر جديد لم يسمع به وهذا بعيد عن السيد المسيح لانه عارف
ما في الانسان. فاذا قوله تعجب قيلت على حسب ظن اولئك الحاضرين. وقوله ” اسرائيل ” اي البعض من الذين في الجليل. فلم يجد المسيح في احد منهم مثل هذا الايمان. فمدحه المسيح لانه كان من الشعوب وآمن به انه إله. والابرص كان من بني اسرائيل فاستحق الشفاء فقط.
عدد 11: واقول لكم ان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابرهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات.
اي ان الامم التي كانت بعيدة صارت قريبة وشريكة مع ابرهيم واسحق ويعقوب في الملكوت.
عدد 12: واما بنو الملكوت فيطرحون الى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.
اي بنو اسرائيل الذين كانوا اولاد البيت فابتعدوا منه لعدم ايمانهم به. وبقوله في الظلمة البرانية اعلم بوجود ظلمة داخلية ايضاً. وعرف ان العذاب الاوفر هو في الظلمة الخارجية. وصريف الاسنان هو اصعب من البكاء. وكما ان في الملكوت منازل كثيرة. هكذا في جهنم عذابات كثيرة مختلفة. وكل واحد يتعذب على نسبة ما ارتكبه من الشرور كثيرة كانت او قليلة.
عدد 13: ثم قال يسوع لقائد المئة اذهب وكمـا آمنت ليكن لك. فبرأ غلامه في تلك الساعة.
اشار بذلك الى كثرة ايمانه. فكان يتطلب الايمان من جميع الذين كانوا يبرأون. وقوله في تلك الساعة. اي في لحظة عين كالابرص الذي طهر للحال هكذا قائد المئة. فالقديس متى يقول ان القائد جاء بذاته عند يسوع ولوقا يقول انه بواسطة محبيه ارسل. ونحن نقول ان هو بذاته اراد المجيء فمنعه اليهود قائلين نحن نمضي اليه ونأتي به. لكنه بعد ما مضى اليهود كقول لوقا مضى هو ايضاً كقول متى فقد اتفق الانجيليان حسب هذا الرأي اما انه قد بنى هيكلاً لليهود مع انه ليس منهم فذلك ممكن لداعي محبته لهم.
عدد 14: ولما جاء يسوع الى بيت بطرس رأى حماته وطروحة ومحمومة.
أي كأنه يريد ان يأكل فجاء الى بيت بطرس. اذ كان يتردد خاصة عند التلاميذ كما قد مضى الى بيت متى اكراماً لتلاميذه لكي يعلمهم سذاجة النفس والتواضع. وعلمنا نحن ان ندوس الكبرياء. وقال مرقس انه مضى الى بيت سمعان واندراوس. وهذا مما يدلنا على انهما كانا ساكنين في بيت واحد. وقوله ” فراى حماته ” اي ان سمعان لم يأخذ حماته الى المسيح ليشفيها لانه كان قد تعلم عدم الاعتناء بنفسه. فمن قوله ” حماته ” يتضح انه كان متزوجاً. لكن منذ التبشير لم يعد يتزوج. وكذلك باقي الرسل لم يعودوا يتزوجون بعد البشارة.
عدد 15: فلمس يدها فتركتها الحمى. فقامت وخدمتهم.
اي برئت حالما دنا منها. وفي حال ذهاب المرض جاء الشفاء بلا واسطة وهذا لا يتيسر فعله للاطباء.
عدد 16: ولما صار المساء قدموا اليه مجانين كثيرين. فأخرج الارواح بكلمة وجميع المرضى شفاهم.
اي ان الناس اخذت تتهافت لمشاهدة العجائب وما فكروا ان الوقت قد فات. ففي المساء كانوا يقدمون مرضاهم قائلين انه قادر ان يشفي الوفاً وربوات من المجانين بمجرد اشارة منه وبقوله ” كثيرين ” يشير الى عظم عددهم ما هو مكتوب في الانجيل. ولكيلا يستصعبوا عمل العجائب في لحظة واحدة اتاهم بشهادة من النبي اشعيا قائلاً
عدد 17: لكي يتم ما قيل باشعيا النبي القائل هو اخذ اسقامنا وحمل امراضنا.
فلم يقل انه يطلق اوجاعنا او شفي بالفاظ تناسب الامراض لكنه يأخذ ويحمل. وهذه قد قيلت من اشعيا عن الذنوب والخطايا. كقول يوحنا ” هو ذا حمل الله حامل خطيئة العالم ” فاكثر الاوجاع هي من خطايا النفس. فاذاً كان الموت سبب الخطايا.
عدد 18: ولما رأى يسوع جموعاً كثيرة حوله امر بالذهاب الى العبر.
قال الذهبي الفم لاجل بهاء وجه المسيح كان الجموع يجتمعون حوله كقوله ان منظره أبهى من بني البشر. ان كان موسى واسطيفانوس تنورا برؤيته فكم بالحري وجه سيدهما. فكيف قال اشعيا ان ليس له منظر ولا شبه. فنجيب ان اشعيا اما اراد بهذا القول ان يشبه منظر وجهه بمجد لاهوته. او يشير بذلك الى الحقارة والتواضع الذي ظهر بهما في العالم. او لاجل العار والآلام التي احتملها على الصليب. فأمر ان يذهبوا الى العبر ليهدي حسد اليهود ويعلمنا التواضع. ولما كان يريد ان يجلس في السفينة ويمضي الى بلدة الجرجسيين امر الجموع ان يذهبوا الى العبر لانه كان مزمعاً ان يذهب بعدهم.
عدد 19: فتقدم كاتب وقال له يا معلم أتبعك اينما تمضي.
فكانت عادة سيدنا له المجد في اوقات كثيرة ان يجاوب طبقاً لافكار السائلين. فالكاتب لم يتقدم الى مخلصنا بنية صالحة لانه كان مبتلى بمحبة الفضة مثل يهوذا. فظن انه ينال موهبة عمل العجائب ليجمع اموالاً كثيرة.
عدد 20: فقال يسوع للثعالب اوجرة ولطيور السماء اوكار. وأما ابن الانسان فليس له اين يسند رأسه
فالمسيح اشار بمحبة الفضة عن ضمير الكاتب. وبالثعالب عن الشياطين ويريد بذلك ان للشياطين ومحبة الفضة مساكن فيك اما انا فليس لي فيك مسكن. فباطلاً تفتكر بان تستطيع ان تجمع ذهباً. سيما واني مجرد أكثر من الحيوانات والطيور والثعالب من مقتنيات الدنيا. فان للطيور والثعالب مساكن تأوي اليها أما انا فليس لي مسكن وان كنت تصير لي تلميذاً فابعد نفسك عن محبة الفضة. ثم انه تعالى شبه الافكار العالمية ومحبة الفضة بالثعالب. وأيضا شبه الشعب بالثعالب والشعوب بطيور السماء وقال ان الشعب ستخرب ارضه لانه لم يؤمن بالمسيح. والشعوب في ظله يستريحون لانهم يؤمنون به ولعل سائل يسأل قائلاً لماذا لم يقبله ربنا ؟ فنجيب انه لم يتقدم بنية ترضي الله ولم يتصبر حتى يدعوه المسيح لكنه جاء من ذات نفسه.
عدد 21: فقال له آخر من تلاميذه يا سيد ائذن لي ان امضي اولاً وادفن ابي.
عدد 22: فقال له يسوع اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم.
ان المسيح بجوابه له قائلاً ” دع الموتى يدفنون موتاهم ” لا يراد به الاستخفاف بآبائنا وعدم احترامنا لهم لكنه يعلمنا انه واجب علينا ان نحب الله اكثر من الآباء لانه اخرجنا من العدم الى الوجود ومنحناً نعما عزيزة فبعد ان نكرم الله يجب علينا ان نكرم الآباء الجسديين. وقال آخرون لان اباه ما كان مات بعد فلذلك لم يأذن له بالذهب. وقوله ” ائذن لي ان امضي ادفن ” معناه لامضي اخدمه ما دام حياًً وبعدما يموت فادفنه وآتي. فممكن ان قال هذا لمن هو معذب في المرض والشيخوخة. ثم ان الموت انواع شتى. اما طبيعي وهو افتراق النفس من الجسد. واما بالخطيئة وهو فقدان الانسان للنعمة الالهية. لان النفس بدون نعمة ميتة. والموت بالمسيح كقول بولس اني اموت كل يوم. ثم الموت لاجل مقتنيات العالم وهوتعلق القلب بمجد العالم وماله وجاهه. اما قوله ” دع الموتى يدفنون موتاهم ” فيشير بذلك الى الموتى بالخطيئة. فكأنه يقول دع الموتى بالخطيئة يدفنون الموتى بالطبيعة. ومن قائل ان ابا الكاتب كان غير مؤمن بالمسيح فلاجل ذلك لم يأذن لابنه بدفنه. وثلاثة هم الذين طلبوا من المسيح ان يمضوا ورآه تابعين اياه. الكاتب واثنان آخران ذكرا في متى. وعن الثالث يتكلم لوقا هكذا
(لو ص 9: 62) فقال له يسوع ليس احد يضع يده على المحراث وينظر الى الوراء يكون اهلاً لملكوت الله.
ان الذي يضع يده على المحراث وينظر الى ورائه لا يستقيم خطه ولا ينجح عمله وكذا من يتلمذ للملكوت يجب ان يكون نظره موجهاً اليه دائماً دون ان يلتفت الى ورائه. بل كما ان الفلاح المداوم على العمل ثكثر غلاته. كذلك تابع المسيح فاذا كان متمسكاً بالفضيلة أتى بثمار جيدة. والذي يقصد ان يعمل الاعمال الروحية ثم يرجع الى اعماله الجسدية فهذا لا يصلح للملكوت فيكون اشبه بالذين دعوا الى العرس واحتج كل منهم بحجة تخلصاً من الذهاب اليه. وهذا القول ينطبق على هؤلاء الرهبان والمتوحدين الذين يكرسون انفسهم لعمل البر ثم يرجعون الى الجسديات اي انهم ينزعون الاسكيم والثياب الرهبانية فيرجعون الى العالم.
عدد 23: ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه.
ركب السفينة ليمضي الى بلد الجرجسيين.
عدد 24: واذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطّت الامواج السفينة. وكان هو نائماً.
ان المسيح هو الذي اهاج البحر على التلاميذ ليثبت لهم انه رب البحر والبر. ويريهم عجباً ذكره يدوم الى الابد. وقوله ” كان نائما ” ذلك ليبين عدم افتخاره ويعلمنا التواضع. واذا وقعوا في خوف شديد تعظم الاعجوبة في اعينهم. فلو كان مستيقظاً لما استغاثوا به. ولم يكن نومه طبيعياً ولكن بالتدبير وكان عارفاً بالامواج وذلك معلوم من ضرب الامواج وهب الرياح وتصادم السفينة وصراخ الملاحين. ثم يجب ان نعلم ان الله الكلمة المتجسد قد اخذ جسد آدم المخلوق قبل ان يخطئ وان كان عرضة للآلام والضعف كما حدث ذلك لآدم بعد الخطيئة ولكن ذلك حسب جبلته. اما المسيح فباختياره وارادته كان يحتملها. ولذا فلم تكن تلك الآلام تطرأ عليه كل حين. ولكنه كان قد حدد وقتاً لنومه وعطشه وتعبه وآلامه وموته فكان ينام بارادته غير مدفوع من الطبيعة كما ارتاى موسى الحجري وفيلكسينوس ويعقوب اسقف عانا. أما الذهبي فمه فيقول ان المسيح كان لابساً جسداً طاهراً خالياً من الخطيئة لكنه غير منزه عن العوارض الطبيعية والا لما كان ذا جسد. أما نحن فنتبع رأي ملافنة اليونان ويعقوب الرهاوي اذ يقولون ان المسيح قد أخذ جسداً بعد تجاوز الوصية الا انه كان منزهاً عن الخطيئة.
عدد 25: فتقدم تلاميذه وايقظوه قائلين يا سيد نجنا فاننا هلكنا.
قال القديس يعقوب السروجي ان التلاميذ تنازعوا في اختيار من يوقظه فاقروا جميعهم على ان يوحنا يوقظه فاوقظ من ثم النائم الذي لا تاخذه سنة ولا نوم. والذي اراد ان ينام بالناسوت اما باللاهوت فكان مستيقظاً وهو امر البحر فهاج ولاطمت الامواج السفينة فقلّ ايمانهم من الخوف.
عدد 26: فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان. ثم قام وانتهر الرياح والبحر فحدث هدوء عظيم.
فسماهم قليلي الايمان لايقاظهم اياه ظانين انه بقي نائماً لا يقدر ان ينجيهم. وهذا دليل على قلة ايمانهم كما وبخهم وهو على ذلك. ثم ان في انتهار البحر ليهدأ اظهر سلطان لاهوته اذ امر العنصر المائي فاطاعه وهو ما لم يستطع غيره ان يفعله.
عدد 27: فتعجب الناس قائلين اي انسان هذا. فان الرياح والبحر جميعاً تطيعه.
فمن سؤال التلاميذ بعضهم لبعض اتضح انهم كانوا مرتابين بصحة كونه الهاًً. وقد مثلت السفينة بالبيعة والبحر بالعالم القائم ضد الكنيسة. والهدوء بظهور كرازة الانجيل المقدس.
عدد28 : ولما جاء الى العبر الى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً حتى لم يكن احد يقدر ان يجتاز من تلك الطريق.
بقعة الجرجسيين اي بلد الشعوب وذلك معلوم من انه كان لهم خنازير اذ لم يكن مأذوناً لليهود ان يقتنوا خنازير. ثم ان الشياطين لم يقصدوا باستقبالهم للمسيح ان يضروه ولكن لكي يطلبوا منه ان يبقيهم في ذينك المجنونين لانهم سمعوا عنه انه يطرد شياطين كثيرين.
عدد 29: واذا هما قد صرخا قائلين مالنا ولك يا يسوع ابن الله. اجئت الى هنا قبل الوقت لتعذبنا.
فليخز النساطرة فان الشياطين انفسهم اعترفوا قائلين انه ابن الله وليس ابن النعمة. اما ما اعترض به تاودورس من ان الشياطين كيف عرفوا انه ابن الله بالطبيعة ؟. فنجيب انهم عرفوا ذلك من اقوال الانبياء لان طبعهم الطف من طبعنا. ولا سيما من انغلاب رئيسهم منه في البرية. ثم يريدون بقولهم ” قبل الزمان ” الزمان الذي فيه تخرج البشارة الى الامم. وقد ارتاى بعضهم ان المقصود من قولهم قبل الزمان اي قبل مجيئك الثاني وهذا ما نرتئيه نحن.
عدد 30: وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى.
عدد 31: فسأله الشياطين قائلين ان كنت تجربنا فارسلنا الى قطيع الخنازير.
اي لكي يضروا الناس في مالهم فيبغضه اصحاب الخنازير ويطردوه من بلادهم ولا يقبلوا بشارته. أو يقتلوه فتبقى الارض معدومة من الايمان ويرجعوا هم الى مكانهم ثانية. ولما عرف الرب بافكارهم اذن لهم فيما طلبوه لتعرف عنايته ببني البشر. اذ لولا عنايته ببني البشر وبذينك المجنونين لكانت فعلت تلك الارواح النجسة بهما اكثر مما فعلته بالخنازير لان سماحه للشياطين بتجربة الناس هو لئلا يغصب حرية الشياطين.
عدد32 : فقال لهم امضوا. فخرجوا ومضوا الى قطيع الخنازير. واذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من عن الجرف الى البحر ومات في المياه.
ان جميع الشياطين الذين أخرجهم السيد المسيح من المجنونين سقطوا في البحر ولم يبق منهم احد.
عدد 33: اما الرعاة فهربوا ومضوا الى المدينة واخبروا عن كل شيء وعن امر المجنونين.
اي ليخبروا بما قد جرى لئلا يطالبوا بالخنازير.
عدد 34: واذا كل المدينة قد خرجت لملاقاة يسوع. ولما ابصروه طلبوا ان ينصرف عن تخومهم
اي وجدوا انفسهم غير مستحقين ان يروا المسيح بعد ان بلغهم انه اخرج الشياطين وذلك لئلا يصيبهم شر بسبب خطاياهم. فالقديس كيرلس انه اكرموه اولاً وبعد ذلك طلبوا منه ان ينصرف. ثم ان المجانين كانوا اثنين كما ذكر متى وكان احدهما رديئاً جدا وعنه تكلم الانجيليون وربما كان الاثنان رديئان. فلم يذكروا الا واحدا على سبيل الاطلاق. سيما ان الذي يبري الواحد يستطيع ان يبري كثيرين
(لو 8: 29) وكان يربط بسلاسل ويحبس بقيود فيقطع الربط الخ
ولكن مع ذلك لم يستطع الشيطان ان يلقي به الى البحر ليعلم الكل انه وان اعطى للشياطين سلطان على جسد الانسان لكن لا سلطان لهم على موته. فلو كان لهم هذا السلطان لاهلكوه منذ دخولهم فيه.
وقوله ” صاح وخر له (لو 8: 28) اي الشياطين. ويعرف من سؤاله اياه ما هو اسمك فقال جوقة. ان هذا الاسم ليس هو اسم انسان. والمتكلم كان رئيسهم وهو جاء بارفاقه لاهلاك الانسان كما قد قيل ” اذا خرج الروح النجس… فيأخذ سبعة ارواح الخ ” اما لاجاون فترجمتها باللغة الرومانية ربوة والربوة عشرة آلاف: فكل هؤلاء كانوا في ذلك الانسان. وسؤاله اياه ما هو اسمك لا يدل على انه كان يجهل اسمه حقيقة ولكن ليعرف انهم كثيرون وانه ليس شيطان واحد فقط يستمع له. لكن كلهم يطيعونه ويرتجفون منه وانه لولا امره تعالى لكان هلك ذاك الانسان.
(لو 8: 38) فطلب اليه الرجل الذي خرجت منه الشياطين ان يكون معه فصرفه يسوع قائلاً
ذلك دليلاً على خوفه من انه اذا انتقل المسيح يرجعون اليه ثانية وقوله ” فصرفه ” اي انه اراد ان يمضي الى بيته ويفرح اهله بسلامته. اما الشياطين فانهم يريدون السكنى بين القبور لكي يزرعوا في الناس الافكار الشريرة ويعلموهم ان انفس بني البشر تصير بعد الموت شياطين وبهذا الظن يقتل السحرة الاطفال على امل ان تصير انفسهم شياطين خاضعين لهم
(الاصحاح التاسع)
عدد 1: فدخل السفينة واجتاز وجاء الى مدينته.
اي الى كفرناحوم. فقد ولد في بيت لحم وتربى في الناصرة وكان يتردد الى كفرناحوم فقد ذكر متى انه اتى الى مدينته اما مرقس فقال اذ دخل كفرناحوم .
عدد 2: واذا مفلوج يقدمونه اليه مطروحاً على فراش. فلما رأى يسوع ايمانهم قال للمفلوج ثق يا بني. مغفورة لك خطاياك .
ان هذا المفلوج هو غير المذكور في يوحنا. ويعرف من ان ذاك كان في اسطوان سليمان وهذا في كفرناحوم وذاك كان منذ 38 سنة مفلوجاً. وهذا غير مذكور عدد السنين التي بقي فيها مفلوجاً. وذاك لم يكن له من يخدمه وهذا كان كثيرون يخدمونه. لذلك قال قد شئت فاطهر. ولهذا مغفورة خطاياك. وقد ارتاى كثيرون غير القديس يوحنا وفيليكسينوس وموسى الحجري ان كلا المخلعين واحد. وكذا الانجيليون فانهم يذكرون مخلعا واحدا في القوانين. ثم ان الحاضرين لشدة ايمانهم بقدرة يسوع دلوه من سقف البيت. والمخلع من ايمانه سلم نفسه لينزل من فوق. اما الانجيليون الآخرون فقد كتبوا ان يسوع كان في البيت. ذلك ليعلمنا الاتضاع ويظهر انه غير محتاج لان يتمجد من الناس. ثم ان الخطايا كانت سبب مرض المخلع فكما ان الاعضاء الصحيحة اذا ربطت بالقيود لا تستطيع ان تاتي باقل حركة فكذلك المخلع فانه لسبب الخطايا قد انحلت وارتخت يداه ورجلاه واعضاءه. ولما قال له مغفورة لك خطاياك في الحال نال الشفاء. وعادت اعضاؤه الى حركتها الطبيعية .
عدد 3: واذا قوم من الكتبة قد قالوا في انفسهم هذا يجدف.
فلما كان غفران الخطايا منوطاً بالله وحده فلذا تعجب اليهود من انه يغفر الخطايا. لانهم كانوا يحسبوه انساناً ساذجاً. وكذا الانبياء كانوا يعلّمون ان الله وحده يغفر الخطايا. كقول احدهم ” باركي يا نفسي للرب لانه يغفر لك خطاياك ” وآخر قال من مثلك يغفر الذنوب.
عدد 4: فعلم يسوع افكارهم فقال لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم.
من هذا يعرف انه اله لان الله فاحص القلوب والكلى. وقد علم هو بما في قلوبهم
عدد 5 : ما الايسر ان يقال مغفورة لك خطاياك ام يقال قم فامشِ
اعني اي شيء اسهل أشفاء المفلوج ام تحرير نفسه من قيود الخطايا ؟ فلا ريب ان شفاء النفس لأفضل من الجسد لانها افضل منه. اذ ان النفس خفية والجسد ظاهر.
عدد 6: ولكن لكي تعلموا ان ابن البشر له سلطان على الارض ان يغفر الخطايا حينئذ قال للمخلع قم احمل سريرك واذهب الى بيتك
فقد قال ان له سلطاناً ولم يقل أعطي سلطاناً وبذلك اثبت كونه الهاً. وقوله ” ابن البشر ” ذلك لانه تجسد. قال بولس الرسول عن الله الذي جرد ذاته. وتجرده هو انه اله بالطبيعة قبل ان يصير انساناً لاجلنا ودعي ابن الانسان حقاً. واذا كان قد دعي ابناً لا يفهم منه انه ابن مثلنا كما ارتأى نسطور. وليس وحيداً كاسحق أو مسيحاً كواحد من جملة الملوك الممسوحين أو سيداً مثل ساداتنا . فوقوع الشبه في الاسم لا يلزم عنه التشبه بالطبع وقد دعي ابن البشر لكنه ليس ساذجاً وطبيعياً كالبشر كما قد قال تاودروس الملعون لكنه اله بالطبع ثم صار انساناً بلا تغيير وجرد نفسه. ومع كونه مسمى باشرف الاسماء قبل ان يسمى باسماء دنيئة. قال القديس فيلكسينوس دعي ابن البشر لانه صار ابن ذلك الانسان الجديد قبل تجاوز الوصيئة وقوله ” قم احمل سريرك واذهب الى بيتك ” أي فعند قوله شفي المخلع. واظهر انه خالق النفس والجسد لانه شفاهما كليهما. فارسله الى بيته تخلصاً من الافتخار لانه اذا بقي واقفاً عنده يراه الكثيرون انه قد شفي. بل ويتحققوا ان الاعجوبة قد حدثت فعلاً لا خيالاً فيؤمن اهل بيته وغيرهم بذلك
عدد 7 : فقام ومضى الى بيته
عدد 8 : ولما نظر الجموع خافوا ومجدوا الله الذي اعطى الناس سلطاناً كهذا
خافوا لانهم رأوا اعجوبة عظيمة ومجدوا الذي تكلم وعمل هذه فلم يزالوا في الارض والارضيات عقولهم فيسأل الهرطوقي هل المسيح هو انسان فقط ام اله. فان قال انه انسان كذبه الكتبة القائلون ان الانسان لا يقدر ان يغفر الخطايا. وان قال انه اله فانه كانسان كان يرى ويتكلم. وان قال اثنين معاً فانه واحد هو الذي يرى ويتكلم . اما نحن فنقول انه اله تأنس بلا تغيير فحسب ظن الجمع فيه انه انسان لما شفى المخلع لذلك قال متى انه انسان مع انه كان يعتقد انه اله متأنس
لو ص 5 : 17 وكانت قوة الرب لشفائهم
فيسمي الآب رباً اما المسح فهو قوة وحكمة الآب وهو كان يشفي المرض. وآخرون يقولون ان لوقا سمى المسيح رباً. اذ قال ” انه قد ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب ” (2: 11) بالحقيقة فقوته اذاً كانت تشفي المرض ولم يتخذ قوة من آخرين.
عدد 9: واجتاز يسوع من هناك فراى رجلاً جالساً عند مائدة الجباية اسمه متى فقال له اتبعني فقام وتبعه
فاجتاز من هناك ليهدي حسد اليهود. ويعلمنا ان لا نلقي انفسنا قدام مضطهدينا. ولا ندخل ذواتنا في التجارب. فاثنان دعيا من التعشير يعقوب ابن حلفى ولاوي الذي هو متى. ويعرف ذلك من ان مرقس ولوقا بعد ما اخبرا عن المخلع ذكرا لاوي والقديس يوحنا يشهد بهذا فالعشارون هم الذين يجلسون على قارعة الطريق ويحببون الفضة من المجتازين. ومتى هنا لم يخف صنعته لتواضعه ولم يخز من سيرته القديمة. ورب قائل لماذا لم يدعه مثل بولس ويوحنا ؟ فنجيب انه كان عارفا بالزمان الذي سيسمع فيه دعاه. كما قد فعل في دعوة بولس بعد صعوده دعاه. ولماذا لم يخبر عن دعوة التلاميذ الآخرين مثلما اخبر عن هؤلاء ؟ فنجيب ان صناعة هؤلاء كانت حقيرة فيذكرهم لاجل عدم افتخارهم .
عدد 10: وبينما هو متكئ في البيت اذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاؤوا واتكأوا مع يسوع وتلاميذه.
انظر كيف يخبر عن تعشيره ويخفي خبر اتكاء المسيح في بيته ليعلمنا الاتضاع ولكي لا يعرف احد انه اضاف المسيح في بيته وقوله ” اذا بعشارين وخطأة جاؤوا ” ذلك لانه ابن صناعتهم. وكان يفتخر متى بدخول المسيح الى بيته لاجل ذلك دعاهم. اما المسيح فلم يمتنع لانه كان مزمعاً ان يتلمذهم.
عدد 11: فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة.
فقد كان محظوراً في الناموس ان خالط النجسة لاجل ذلك قالوا لماذا معلمكم يأكل مع العشارين والخطأة. ثم ان الفريسيين لخبثهم كانوا اذا رأوا ذنباً من التلاميذ لاموا عليه المسيح قائلين ” ان تلاميذك يعملون ما لا يحل في السبت “. وكذا عندما كانوا يسمعون عن المسيح شيئاً مذنباً كانوا يتقمقمون على تلاميذه قائلين ” لماذا معلمكم يأكل مع الخطأة ” ذلك لكي تضعف محبتهم له اما المسيح فرد عليهم الملامة قائلاً.
عدد 12: فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الأصحاء الى طبيب بل المرضى.
فكانوا يلومونه كشريك للعشارين. اما هو فاراهم ان عدم الاشتراك معهم هو خطأ فان الطبيب الذي يستنكف من رائحة المريض ويمتنع عن شفائه فهو يستحق اللوم. فقد أكل السيد المسيح مع العشارين وان ذلك ممنوعاً عندهم يومئذ ناظراً الى المنفعة كالطبيب الذي اذا كان لا يعاني المشقة في معالجة المريض لا يقدر ان يشفيه. اما بولس الرسول فقد حذرنا من ان لا ناكل مع الزناة والظالمين ومن معاشرتهم ما داموا في افعالهم الرديئة.
عدد 13: فاذهبوا واعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم آت لادعو صديقين بل خطأة.
فقد افحمهم بقوله ” لا يحتاج الاصحاء الى طبيب ” لان اليهود كانوا يتهاونون بكل الفضائل قائلين ان البر يكمل بالذبيحة لاجل ذلك ذكر لهم النبوة القائلة ان الله يريد رحمة لا ذبيحة فالواجب عليكم ان تتعلموا ان الرحمة مع القريب هي مقبولة عند الله اكثر من كل الذبائح والقرابين. فلهؤلاء المرضى تجب الرحمة. ولاجل هذا انا آكل مع الخطاة متحنناً عليهم وداعياً اياهم الى التوبة فقد دعا الفريسيين صديقين تهكماً كقوله ان آدم صار كواحد منّا. وقوله ان جعت فكم اقل لك. فيسميهم صديقين لانهم كانوا يتراءون للناس صديقين ويكرهون العشارين والخطاة مع انه لم يكن في ذلك الزمان صديق كما شهد بولس الرسول اذ قال الجميع أخطأوا واعوزهم مجد الله. وقال آخرون انه يسمي صديقين الابرار حسب الناموس
(بل خطأة) اي ليمتنعوا من الخطايا. وقد عزى قلوب المتكئين بقوله لاجلهم جاء لئلا يميلوا ويتهاونوا في البر ويستمروا في خطاياهم. وقد عرف المسيح الهاً من قوله انه جاء لاجل الخطأة. ومن قوله فاذهبوا واعلموا ما هو اني اريد رحمة ومن قوله انه ليس من العالم لكنه جاء الى العالم.
عدد 14: حينئذ أتى اليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً واما تلاميذك فلا يصومون.
ان لوقا ذكر ان الفريسيين جاءوا اليه وكلاهما صادقان فاولاً جاء تلاميذ الفريسيين وبعد ان افحموا جاء تلاميذ يوحنا ليعينوهم. وقالوا اننا تعلمنا ان نصوم من يوحنا اما الفريسيون فمن الناموس. وقولهم كثيراً دليل على الافتخار الذي ابطله المسيح بقوله اذا صمت فاغسل وجهك الخ. (اما تلاميذك فلا يصومون) اي ان كنت وانت طبيب هكذا تعمل وتأكل فلماذا تلاميذك اذا يأكلون ويشربون.
عدد 15: فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العرس ان ينوحوا ما دام العريس معهم. ولكن ستأتي ايام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون.
فيسمي نفسه عريساً ونزوله الى الارض عرساً ويسمي بني العرس اولئك المدعويين بواسطة كرازة الانجيل. فكما ان بني العرس لا يقدرون ان يصوموا ما دام العريس معهم لان الوقت وقت فرح فكذلك التلاميذ لان الزمان زمان الفرح لا زمان الصوم فعلامة الصوم هي الالم والحزن وذلك لضعيفي الارادة. وكما انه في العرس يتكئ العريس والمدعوون دون ان يصوموا كذلك ان العريس السماوي الذي خطبت الكنيسة وجميع الذين دعوتهم لا يجب ان يفرح معهم الغرباء عن الدعوة. وبقوله هذا لم يرذل الصوم ولكن علمنا ان نصوم في الزمان المفروض في الصوم. وهذا القول هو تبكيث وتوبيخ لاولئك الذين يصومون السبت والاحد الى المساء ولكن ستأتي ايام يرتفع فيها العريس عنهم فحينئذ يصومون اي عندما يصعد العريس الى السماء. حينئذ يصومون فيصومون صوما مستحقاً لا كرهاً. وبقوله ” حين يرفع ” يشير الى موته. ثم انه لم يتكلم عن قيامته كما تكلم عن موته. لانهم كانوا يظنون انه انسان ولذا فانه تكلم عن موته فقط
عدد 16: ليس احد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق. لان الملء يأخذ من الثوب فيصير الخرق أردأ.
شبه قلوب اليهود بالثياب البالية والزقاق البالية. وقلوب التلاميذ بالثياب الجديدة والزقاق الجديدة. وجميع المؤمنين به يتجددون بروح القدس. ثم ان تلاميذ الجديدة لا يجب ان يخدموا العهد القديم. وقد علمنا ان الصوم المفروض لهو افضل من الصوم الاختياري. وكما ان هذه البراهين لا يجب استعمالها فهكذا التلاميذ لا يجب ان يتحملوا الصوم الثقيل لانهم لم يتجردوا بالروح ولا تقووا.
عدد17 : ولا يجعلون خمراً جديدة في زقاق عتيقة. لئلا تنشق الزقاق فالخمر تَنْصَب والزقاق تتلف. بل يجعلون خمراً جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعاً.
اي ان التلاميذ الذين يتجردون بالروح يصيرون اقوياء فيوضع عليهم ثقل الوصايا. وقد جاء بالخمر والزقاق مثلا لان الكلام كان على المائدة فمن المائدة اخذ واستعمل
(لو ص 5: 39) وليس احد اذا شرب العتيق يريد للوقت الجديد لانه يقول العتيق اطيب
فالعتيق اشارة الى الوصايا الناموسية والخمر الجديدة الى الوصايا الانجيلية كما قد سبق القول.. وقوله ” لانه بقول العتيق اطيب ” يعني ان الوصايا القديمة حلوة على الارض. وهي السن عوض السن والجديدة تعلم انه اذا لطمك احد على خدك حول له الآخر. وبع كل مالك واعطه للمساكين وكما ان الرقعة الجديدة اذا وضعت على الثوب البالي لا تناسبه. فهكذا معلمون العهد الجديد لا يقدرون ان يخدموا الناموس العتيق.
عدد 18: وفيما هو يكلمهم بهذا إذا رئيس قد جاء فسجد له قائلاً إن ابنتي الآن ماتت. لكن تعال وضع يدك عليها فتحيا.
هذا الرجل كان رئيس جماعة واسمه يابيرس. وابنته كان لها من العمر اثنتا عشرة سنة. فقال متى انها ماتت اما لوقا ومرقس فقالا انها كانت مريضة وبعدما جاء وراء يسوع جاء آخرون يقولون قد ماتت فنقول ان غرض متى كان اشهار عجائب المسيح لكن كيف واين عمل العجائب فانه لم يذكر شيئاً من ذلك. فهكذا عمل هنا فكتب ان المسيح احياها وترك تتمة الخبر لمرقس ولوقا. فهكذا عمل في امر النازفة الدم وفي مواضع كثيرة. فاولاً قالوا انها في سوء حال وبعد ذلك ماتت اما متّى فذكر انها ماتت وان لم تكن قد ماتت اما قوله ” تعال وضع يدك عليها ” فذلك من قلة ايمانه لانه طلب ان يمضي معه ويضع يده. لأن الغليظي القلوب يحتاجون الى النظر بالعين والحسن.
عدد 19: فقام يسوع وتبعه هو وتلاميذه.
تبعوه ليروا الآية العجيبة وكرامة الذي دعاه.
عدد 20: واذا امراة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة قد جاءت من وراءه ومست هُدْبَ ثوبه.
هذه اول امراة تقدمت اليه في وسط الجمع فتشجعت لما سمعت انه يشفي النساء سيما وانه كان ماضياً ليحيي الصبية الميتة ومن العجائب التي يصنع ثم ان الناموس القديم لم يكن يأذن للنجسات ان يخالطن احداً ولذا فانها لخوفها اتت من ورائه ومست طرف ثوبه ففي الحال انقطع نزيف دمها ونالت ما كانت ترجوه من الشفاء. واذا كانت تلك المراة لمست طرف ثوبه بخوف فكم بالاحرى يجب علينا نحن ان نتقدم بالخوف الى جسد ربنا.
عدد 21: لانها قالت في نفسها ان مسست ثوبه فقط شفيت.
فكانت تفكر ان الذي عمل عجائب كثيرة ففي استطاعته ان يشفيني ايضاً.
عدد 22: فالتفت يسوع وأبصرها فقال لها ثقي يا ابنة. ايمانك قد شفاك. فشفيت المرأة من تلك الساعة.
فعزاها كما عزى المخلع برقة كلامه وسماها ابنة لاجل ايمانها اذ قال لها ” ايمانك ابراك ” ذلك لكي يشجع قلوب الاخرين ويعلم رئيس الجماعة الا يشك. وقد اكتفى القديس متى ذكر الاعجوبة دون ان يذكر كيف جرت واين.
(لو 8: 45) فقال يسوع من لمسني واذ انكر الجميع قال له بطرس والذين معه يا معلم ايكون الجموع يضايقونك و يزحمونك وتقول من الذي لمسني.
ان المسيح لم يقل هذا لعدم معرفته بمن لمسه ولكن لكي يحمل الجمع على الفحص والتفتيش ويشهر ايمانها امام الجموع ليقتدوا بها ويوبخ ياييرس على قلة ايمانه ولكي لا تمرض المراة مرضا نفسانياً بعد ان شفيت بالجسد. ولو لم يشعر المسيح بلمسها اياه لكانت ارتابت بكونه الهاً. والجموع نكروا لانهم خافوا ان يوبخهم. وبقوله ” الجموع يضايقونك يزحمونك ” عرف ان له جسد كجسدنا وبعيد من الكبرياء فالجمع يزحمه ولم يكن يغتاظ مع ذلك.
(لو ص 8: 46) فقال يسوع انه قد لمسني واحد لاني شعرت بان قوة قد خرجت مني.
اي ان قوة الهية خرجت منه فمنحت المرأة الشفاء قال هذا ليجعلها ان تقر بما عملت. لانه علم انها كانت تظن انه غير عارف بضميرها. فاربعة اشياء ظهرت في شفائها. اولاً عظم قدرته ثانياً سابق علمه. ثالثاً ايمان المرأة رابعاً استفادة الجمع.
(لو ص 8: 49) وفيما هو يتكلم جاء واحد من ذوي رئيس المجمع وقال له ان ابنتك قد ماتت فلا تتعب المعلم.
أي انهم كانوا يظنون انه يشفي المرضى ولا يمكنه ان يحيي الموتى لذلك قال لا تتعب المعلم فاخّر ذهابه بقوله من لمسني حتى تموت الجارية ويتشرف بانبعاثها
(لو ص 8: 50) فلما سمع هذا الكلام اجابه لا تخف آمن فقط فتبرأ
ان الرئيس ضجر من الكآبة وخفق قلبه من الحزن لذلك قال له يسوع لا تخف وبقوله آمن فتشفى ابان انه رب الاحياء والموتى.
عدد 23: ولما جاء يسوع الى بيت الرئيس ونظر المزمرين والجمع يضجون.
اي لما جاء الى بيت ياييرس راى البكاء والعويل على ابنته بالدفوف والزمرة اكراما لابيها.
عدد 24: قال لهم تنحوا. فإن الصبية لم تمت ولكنها نائمة. فضحكوا عليه.
أبان بهذا ان احياءه لميت عنده أسهل من ان يوقظوا هم النائم. وقوله فضحكوا منه ذلك لانه قال انها نائمة وهي قد كانت ماتت فقالوا فيما بينهم ان الذي لا يعرف اذا كانت قد ماتت فكيف يقدر ان يحييها.
عدد 25: فلما اخرج الجمع دخل وامسك بيدها. فقامت الصبية.
اخرج الجمع لكي لا يظن احد به انه يفتخر ويعلمنا ان نبتعد عن الافتخار اذا عملنا عملا صالحا ويفهمنا ان الباكين لم يكونوا مستحقين ان ينظروا الاعجوبة. ثم لكي نتعلم الا نبكي على الموتى. وقوله ” فقامت ” اي رجعت اليها روحها. فامسك بيدها ليجعل الناظرين ان يؤمنوا بالقيامة. فلم يدعها باسمها لا لعدم معرفته به وهو الذي بسط الكواكب وجعل لها الاسماء فسماها صبية كما هو مكتوب بالسرياني. وقال القديس افرام ان المسيح لم يسمها طبيثا كما هو مكتوب في اليوناني بل طليثا. اما لعازر فقد دعاه باسمه لمحبته له وليفرزه عن الموتى الكثيرين الذين كانوا في ذلك الموضع مع لعازر. وقد قال لوقا ان المسيح أدخل اباها وامها ليكونا ناظرين الاعجوبة وادخل معهما ثلاثة من التلاميذ وهم سمعان ويعقوب ويوحنا لانه على شهادة اثنين او ثلاثة تقوم كل كلمة. فأدخل هؤلاء الثلاثة ليتشبه التلاميذ بهم ويصيروا مثلهم ولم ياخذ التلاميذ كلهم معه بسب يهوذا الذي لم يكن مستحقاً ان ان يرى الاعجوبة وهي قيامة الصبية.
(لو ص 8: 54) فامسك بيدها ونادى يا صبية قومي.
اي بامره اقامها لانه الهاً قادراً على كل شيء .
(لو 8: 55) فرجعت روحها وقامت في الحال فامر ان تعطى طعاماً
اي حتى لا يظن احد ان الاعجوبة هي خيال وان عاشت حقاً. واراد ان يخفي بذلك الاعجوبة ويعلمنا ان نتضع ونبعد عنا الصلف والكبرياء. واذا رأوها تاكل يعلمون انها قد حييت لا كالمريض الذي يشفى رويداً رويداً من المرض.
(لو 8: 56) فدهش ابواها فاوصاهما ان لا يقولا لاحد ما جرى.
قال هذا ابتعاداً من الافتخار بالاعجوبة التي صنعها.
عدد 26: فذاع هذا الخبر في تلك الارض كلها.
اي لان أباها كان رجلاً معروفاً عند قومه فجاء كثيرون لتعزيته وشاع الخبر في كل مكان مع انه امرهم ان لا يقولا لاحد بذلك. فلما نظرت الجارية شعر أمها محلوقاً ووجهها مخدشاً جلست تاكل وتبكي فحلفتها امها قائلة اقسمت عليك بحياة يسوع الذي احياك الا تحزنيني فسكتت الجارية وخرجت هي وأمها الى النساء الباكيات واكلنا هناك وأخذت النساء يهنئن امها بدلاً من التعزية.
عدد 27: وفيما يسوع مجتاز من هناك تبعه اعميان يصرخان ويقولان ارحمنا يا ابن داود.
ان صراخهما كان دليلاً على ايمانهما الحي بقدرة يسوع لانهما كانا يطلبان رحمة منه. اما قولهم ” ابن داود ” فلأنهما تحققا ظهوره من نسل داود واسم داود كان عند اليهود مكرماً. وكثيراً ما كان الانبياء يكرمون الملوك باسم داود. وبهذين الاعميين ايضاً خزأ اليهود فان العميان بمجرد السمع عنه آمنوا به قبل ان يروا اعجوبة منه اما هم فبعكس ذلك.
عدد 28: ولما جلء الى البيت تقدم اليه الاعميان. فقال لهما يسوع أتؤمنان اني اقدر ان افعل هذا. قالا له نعم يا سيد.
انه أراد ان يدخل البيت ويشفيهما ليعلمنا ان نبتعد عن المجد الباطل. لان البيت كان قريباً فتركهما ان يأتيا ليشفيهما داخلاً والشاهد لذلك انه اوصاهما ان لا يقولا لاحد. ثم انه تعالى لم يسألهما ذلك لعدم معرفته بايمانهم فانه فاحص القلوب والكلى ولكنه سألهما ليثبت للناس انهما اصحاب علة فشفاهما ولم يكن يريد ان يفعل العجائب لئلا يظن به الناس انه يفعل ذلك رغبة في المجد الباطل اما هذان فبين انهما يستحقان الشفاء. وقوله ” هل تؤمنان اني أقدر ان افعل ذلك ” ليؤمنوا انه اله ويقروا بذلك علناً ولم يقولا له نعم يا ابن داود ولكن سمياه رباً حتى اذا أقرا بربوبيته يخلصهما من العمى وحال الذل.
عدد 29: حينئذ لمس اعينهما قائلاً بحسب ايمانكما ليكن لكما.
قال هذا ليثبتهما في الايمان الخفي. فلم يقل لهما تنفتح اعينكما لكن ” كايمانكما فليكن لكما ” كما كان يقول للكثيرين الذين كانوا يدنون منه. فكانت عادته ان يكرز بالايمان قبل شفاء الجسد. فهكذا كان يجعلهم باحسن حال ويجعل الآخرين ان يأتوا اليه ليسمعوا كرازته برغبة.
عدد 30: فانفتحت اعينهما. فانتهرهما يسوع قائلاً انظرا لا يعلم احد.
اي في الحال انفتحت اعينهما. فانتهرهما لئلا يظن به احد انه يتراءى للناس بفعل العجائب ويحرض الذين يشفيهم على ان يذيعوا خبره لانه كان عالماً ان الاعميين مزمعان ان يكرزا به قبل ان يوصيهما. ورب قائل يقول كيف منع هذين من ان يقولا شيئاً عنه وهو الذي امر المخلع قائلاً له امضي الى اهلك واخبرهم ؟ فنقول انه اوصى الاعميين بالا يقولا عنه شيئاً ليعلمنا الا نقول نحن عن انفسنا شيئاً مثل هذا ونمنع الذين يريدون ان يمدحوننا. وبامره للمخلع قد علمنا الا نسكت عما فيه تمجيد الله. وليس فقط انه لا يمنعه. ولكنه يوصينا بالعمل به.
عدد 31: ولكنهما خرجا وأشاعاه في تلك الارض كلها.
فقد فعلا هذان الاعميان فعلاً يحمدان عليه بشهرهما لاعمال يسوع. وان اوصانا الا نعلم احداً حتى لا يظن الناس انه يطلب المجد والشهرة اما نحن فواجب علينا ان ننادي بافعاله امام كل الناس. فكانوا يجولان ويخبران عنه.
عدد 32: وفيما هما خارجان اذا انسان اخرس مجنون قدموه اليه.
اخرس هو الذي لا يسمع ولا يتكلم. فخرس هذا لم يكن طبيعياً لكن من الشيطان الساكن فيه. فقد اعتاد الشياطين ان يعملوا ضرراً في اجساد البشر متى ما سمح الله بذلك. وقوله قدموا اليه يعني آخرون قدموه اذ لم يتقدم بنفسه لان الشيطان كان ربط لسانه ومسمعه وقيد نفسه لاجل ذلك لم يطلب منه الله الايمان كما طلب ذلك من رئيس المجمع والاعمين.
عدد 33: فلما اخرج الشيطان تكلم الاخرس. فتعجب الجموع قائلين لم يظهر قط مثل هذا في اسرائيل.
فقد تعجبوا منه اكثر من كل الانبياء القدماء لانه كان يشفي بسهولة حتى يؤمنوا به انه اله وان يكن في الظاهر انساناً وقد كانوا يجهلون هذا السر العظيم.
عدد 34: اما الفريسيون فقالوا انه برئيس الشياطين يخرج الشياطين.
ان الفريسيين حسداً منهم واخفاء لاعماله تعالى قالوا هذا القول لانه كيف يمكن الشيطان ان يخرج شيطاناً مثله. اما يسوع فلم يخرج الشياطين فقط بل طهر البرص واقام الموتى طالباً مجد الاب. وهذا لم تعمله الشياطين لانهم يجتهدون بتقديم المجد للاصنام. فما قول النساطرة في ذلك فلا نظنهم يقولون بقول الفريسيين من انه برئيس الشياطين يخرج الشياطين ولا يمكنهم ان يؤمنوا بان انساناً يقدر ان يعمل مثل هذا. فاذاً فليقروا ويعترفوا معنا بانه كإله يفعل هذا بسلطانه وهو متجسد. ثم ان الاخرس يشير الى من يصم اذنيه عن سماع الاقوال الالهية ويمتنع عن الشكر لخالقه ومبدعه. وكما ان الاخرس بالمسيح نال التكلم والسمع. كذا العالم بمجيء المسيح اصغى للوصايا الالهية وسمع برجاء الحياة.
عدد 35: وكان يسوع يطوف المدن كلها والقرى يعلم في مجامعها. ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.
اي انه كان يكرز بملكوت الله الساكن في السماء لان ابليس كان قد اغتصبها منه فارسل ابنه ليرد الكل. فكل واحد من الانبياء كان يشفي علة او علتين بقوة اله. اما المسيح فكان يشفي كل علة ومرض ووجع مهما كان بسلطانه الذاتي.
عدد 36: ولما راى الجموع تحنن عليهم اذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها.
اي تحنن على اليهود الذين كانوا يجتمعون حوله ليشفيهم ويشفي مرضاهم ولاجل العجائب ولاجل حسنه ومنظره كقول القديس يوحنا. تحنن على القطيع كرب وإله وكمن له سلطان عليه. وكانوا منطرحين مثل الخراف اي من تعب الطريق ليعلمهم ما هو نافع لانفسهم. هذا كان توبيخاً لرؤسائهم لانهم كانوا رعاة واعمالهم عمل الذئاب.
عدد 37: حينئذ قال لتلاميذه ان الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون.
الحصاد الناس الذين كانوا يريدون ان يؤمنوا والفعلة الذين يعلمونهم وقوله قليلون اي لا يوجد فعلة. فلما رأوا ان ليس لهم مرشد ذهبوا وراءه صابرين على التعب والشدائد. قال القديس فيلكسينوس ان الفعلة هم المعلمون والانبياء في العهد القديم الذين لم يقدروا ان يجمعوا الغلات لبيدر الرب اما لكونهم ضعفاء واما ان وصايا الناموس كانت ناقصة وقال آخرون غير ذلك ان الفعلة في الناموس كانوا كثيرين الا ان الفعلة اي الرسل فهم قليلون الحصاد كثير برجوع كثيرين الى الايمان. وقوله كثير لانه دعا الشعب والشعوب ولم يكن الا اثنا عشر رسولاً فقط الا ان معونته كانت تكفيهم.
عدد 38: فاطلبوا من رب الحصاد ان يرسل فعلة الى حصاده.
رب الحصاد هو يسوع. يعني اطلبوا مني لاني رب الحصاد. وقوله يرسل عملة اي مثل ملك يترحم على مملكته وراعي على قطعانه وكرب الحصاد ان ارسل فعلة اي رسلاً لحصاد المؤمنين المحصودين من الضلالة الى الحق.
(الاصحاح العاشر)
عدد 1: ثم دعا تلاميذه الاثني عشر واعطاهم سلطاناً على ارواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف
فلم يرد ان يأتوا هم اليه ليبين اتضاعه فارسل تلاميذه ليعدهم للقتال كالطير لفراخه ولاجل شرفهم. وكان يرسل السبعين تلميذاً على الدوام اما الرسل فارسلهم مرة واحدة للاستعداد وانه رأى الجموع منطرحين وليس فيهم احد يطلب خلاص نفسه الهالكة بالخطيئة فدعاهم ولم يأتوا لاجل ذلك ارسل تلاميذه. ورب قائل كيف كانوا يخرجون الارواح والروح لم يكن قد اعطي ولا المسيح كان قد مجد بعد ؟ فنجيب انهم كانوا يخرجونهم بسلطانه. ثم ان الارواح النجسة يعني الشياطين هم سبب الخطايا والخطايا هي علة الاوجاع والامراض في النفس والجسد. ولاجل ذلك امرهم اولاً ان يخرجوا الارواح النجسة لانه متى ما زالت اسباب الخطايا والامراض زالت الخطايا كذلك
عدد 2: واما اسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه. الاول سمعان الذي يقال له بطرس واندراوس اخوه. يعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه
اي ان عددهم اثنا عشر لا غير كالاثني عشر سبطاً الذي ادخلهم يعقوب في ميراثه اذ يحسب ابني الابن الواحد عوض ابيه يوسف والآخر عوض عمه لاوي لانه ورث قربان الرب وقد ارسلهم المسيح اثنين اثنين لكي يعينوا بعضهم بعضاً. وقال الذهبي الفم ان متى لم يذكرهم مرتين فان يوحنا مع كونه افضل من جميعهم ومن اخيه فقد ذكره بعد اخيه ولكن مرقس قد رتبهم صيدا. فقد ذكر يوحنا ان سمعان واندراوس من سبط نفتالين من بيت صيدا. اما اوسبيوس فيقول ان سمعان واندراوس كانا من كفرناحوم
عدد 3: فيلبس وبرتلماوس. توما ومتى العشار. يعقوب بن حلفى وتداوس
يعقوب بن زبدى ويوحنا أخوه من سبط زابلون. وفيلبس وبرتلماوس من سبط اشير فيلبس من بيت صيدا وبرتلماوس من عيرعير القرية وقيل ان برتلماوس هو ناثانائيل. وآخرون يقولون ان برتلماوس كان يدعى يسوع واجلالاً لمعلمهم ابدلوا اسمه باسم ابيه برتلماوس وقيل انه من سبط يساخر. فذكر متى هنا اسمه بعد اسم توما اتضّاعا منه مع ان الانجيليين الثلاثة الأخر قد ذكروا اسمه قبل توما. توما من سبط يهوذا ومتى من سبط يساخر من الناصرة أما يعقوب بن حلفى فهو من سبط منسى تداوس من سبط شمعون وكان لهذا ثلاثة اسماء لاباي وتداوس ويهوذا ابن يعقوب ولقب لاباي وتداوس لحكمته
عدد 4: سمعان القانوي ويهوذا الاسخريوطي الذي اسلمه
سمعان القانوي من سبط افرام من قانا الجليل وقال آخرون ان سمعان هو من الكنعانين والحقيقة انه من قانا قريته. ويهوذا الاسخريوطي من سبط جاد من قرية سخريوط وارتأى بعضهم انه من سبط روبيل. ستة منهم يدعون بثلاثة اسماء كل اثنين باسم واحد سمعان بطرس وسمعان القانوي. يعقوب بن زبدى يعقوب بن حلفى. ويهوذا ابن يعقوب الذي هو تداوس ويهوذا الاسخريوطي. اثنان منهم كانا عشارين متى ويعقوب ابن حلفى واربعة منهم صيادين وواحداً خائناً
عدد 5: هؤلاء الاثنا عشر ارسلهم يسوع واوصاهم قائلاً. الى طريق امم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا
فقد دعا الشعوب الذين كانوا يعبدون الاصنام امماً. فهنا منع الرسل من الذهاب عند الحنفاء والسامريين. وفي موضع آخر بعد قيامته ارسلهم الى كل الامم قائلاً اذهبوا وتلمذوا كل الامم. فقد نهى رسله عن مخالطة الامم والسمرة لان اليهود كانوا ينفرون منهم. فلكي لا يتذمروا عليه قائلين انه يرسل رسله الى من نبغضهم منع رسله عن ذلك. فقال الى طريق الامم لا تتجهوا يعني لا تتركوا بلاد اليهود وتذهبوا الى بلاد الحنفاء الكافرين. اما قوله ومدن السامريين لا تدخلوا ذلك لانها كانت داخل بلاد اليهود فلذلك امرهم الا يدخلوها. واراد بطريق الامم ايضاً عوائد الحنفاء وسيرتهم القبيحة ونواميسهم فامرهم ان يحيدوا عنها واراد بمدن السمرة عوائد السامريين التي تحدث في المدينة ومعتقداتهم المضلة فأمرهم ان يردلوها وهي التي اشار اليها سليمان الحكيم في الامثال بقوله يوجد طريق يظن انها مستقيمة مع انها تؤدي الى هاوية الهلاك
عدد 6: بل اذهبوا بالحري الى خراف بيت اسرائيل الضالة
اراد بالخراف الضالة اولئك الذين زاغوا عن طريق الحق والتعاليم الصحيحة وتمسكوا بمعتقدات الكتبة والفريسيين واضاليلهم. فامر رسله ان ينطلقوا الى هؤلاء الخراف ليرجعوهم الى طريق التوبة والخلاص
عدد 7: وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقترب ملكوت السماوات
اراد بالملكوت ذلك التنعم الابدي الذي نرجو الحصول عليه بعد ان تنكسر شوكة الموت والخطيئة. وقوله ” قد اقترب ” اي من الذين ينالون سر المعمودية
عدد 8: اشفوا مرضى. طهّروا برصاً. اقيموا موتى. اخرجوا شياطين. مجاناً اخذتم مجاناً اعطوا
انه نهاهم عن اخذ اجرة مقابل اعجوبة يصنعونها او مرض يشفونه او هبة يمنحونها. واوصاهم ان يفعلوا كل ذلك مجاناً كما فعل هو وعلمنا ان تكون اعمالنا صادرة عن قلب نقي ونيّة طاهرة لا غش فيها. اما نهيه الرسل عن اخذ اجرة فذلك ليبعد قلوبهم عن محبة الفضة ولكي لا يظنوا انه بقوتهم يعملون العجائب فيتكبرون متشبهين بكهنة اليهود الذين يعملون بالاجرة والانبياء الذين يتنبؤون بالفضة
عدد 9: لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم
فقد استأصل منهم هذا الداء العضال وابعدهم عن الظن الشرير ليتفرغوا للتبشير. لان من كان مثلهم يطهر البرص ويخرج الشياطين لا يحتاج الى الفضة. (نحاساً) اي النقود التي تتداولها ايدي الناس في البيع والشراء
عدد 10: ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً لان الفاعل مستحق طعامه
اي ان من يقتني مزوداً فهو عديم اليقين بقوله فيحمل كيسا معه. (ولا ثوبين) اي لا تتخذوا الصلاح والطلاح (ولا حذاء) لان الدبابات لا يمكنها ان تقترب منكم ولكي يتجردوا وقد دعاه مرقس خفا بقوله لا تلبسوا خفا في ارجلكم والملاك قال لبطرس البس خفيك. ومنعهم عن أخذ عصا بايديهم لانها تمسك احتراسا من شر الناس او الحيوانات المؤذية وأفهمهم ان القوة الالهية القادرة على كل شيء ترافقهم في مسيرتهم فلا حاجة الى أخذ عصا أوغيرها. وقوله (لا تقتنوا ذهبا) اي لا تتشبهوا بيهوذا وعاكار وجحزي ” ولا نحاسا ” لانه يصدأ عاجلا. وقوله هذا رمز عن صدأ النفس بالخطيئة فيأمرنا ان نبتعد عن الخطيئة الممثلة بالنحاس (ولا مزودا) علامة السذاجة والتواضع (ولا عصاً) لانهم لم يخرجوا ليرعوا القطعان الضالة على مثال موسى. ورب قائل يقول فلا بدع اذا حسب التجرد عن الذهب والفضة فضيلة. ولكن اي فضيلة في التجرد عن المزود والثوبين والعصاء ؟ فنجيب ان المسيح أمر رسله بذلك ليعلمهم كمال التجرد عن مقتنيات هذا العالم وهو القائل لا تهتموا بشأن الغد. ولما ارسلهم في المرة الاولى للتعليم نهاهم عن ان يأخذوا شيئاً معهم لأنهم كانوا مرسلين لليهودية. غير انه لما ارسلهم بعد قيامته للمرة الثانية للتبشير في العالم كله لم ينههم عن أخذ شيء لانهم كانوا مزمعين ان يبشروا الكفرة وهؤلاء يأبون مخالطة المؤمنين فضلاً عن القيام بما يحتاجون اليه من القوت والكسوة ولذا فان الرسل أخذوا معهم ما يلزمهم فان بطرس قد اخذ نعلين وبولس قد اخذ رداء وكتباً ونفقة من اهل فيلبي شاكراً فضلهم متعجبا من سخائهم وكذا التلامذة فقد اقتنوا ما هو ضروري لهم من غير ان يتعدوا وصايا المسيح. واتضح مما تقدم ان المسيح كان يأمرهم تارة وينهيهم اخرى عن مقتنى شيء بحسب الامكنة التي كانوا مزمعين ان يتوجهوا اليها كمثل موسى لما ارسل الى مصر ولما اخرجهم عالهم في القفر بلا زاد بما انهم لم يقتنوا شيئاً اذ علموا ان الله مهتم بأمرهم. ولما كان الرسل يمضون عند المؤمنين كانوا يتزودون منهم ماهم محتاجين اليه كما فعل بولس وغيره من الرسل ولكنهم لم يكونوا يطلبون شيئاً من الكفرة والغير المؤمنين كما نهاهم السيد المسيح اذ قال لهم ” لا تقتنوا شيئاً وبقوله ” الفاعل مستحق طعامه ” سمى الرسل فعلة لانهم اصلحوا الارض واستأصلوا منها أشواك الخطيئة. فقال طعامه ولا اجرته لان اجرهم يأخذونه في يوم الحكم والدين
عدد 11: واية مدينة أو قرية دخلتموها فافحصوا من فيها مستحق. وأقيموا هناك حتى تخرجوا
ان المسيح لم يعط رسله ان يعرفوا من يستحق ذهابهم اليه او من لا يستحق ذلك لئلا يهربوا من مدن كثيرة ومن كثيرين غير مستحقين فيكون لدى الآخرين حجة انه لم يأت اليهم رسول ليبشرهم ولا سمعوا باسم المسيح لكنه اوصى رسله ان يحترزوا من ان يدخلوا بيوت الاشرار والكفرة الذين لا يريدون الرجوع عن كفرهم. ورب قائل يقول اذاً كيف دخل هو بيت زكى العشار ؟ فنجيب لانه ادرك بسابق علمه انه سيرجع عن ظلمه وخطفه أموال الناس. ثم قال ” وكونوا هناك حتى تخرجوا ” لكي لا يكثروا التنقل من بيت الى آخر فيحزن الذين قبلوهم ظناً منهم انهم محبون لبطونهم ومراءون وكذلك الا يبغضوا من لا يكرمهم كما يجب
عدد 12: وحين تدخلون البيت سلموا عليه
أراد بقوله هذا ان يباديء رسله الناس بالسلام اولا لان سلامهم ليس عادياً ولكنه مقرون بالبركات
عدد 13: فان كان البيت مستحقاً فليأت سلامكم عليه. ولكن ان لم يكن مستحقاً فليرجع سلامكم اليكم
اي انه مع حلول السلام على البيت الذي يدخلونه تحل البركة ايضاً. وقوله ” ان كان غير مستحق ” معناه ان الغضب الذي حل على البيت الذي أبى قبولهم حرمه البركة عدى الدينونة التي حفظت له. ولعل سائلاً يسأل قائلاً كيف قال قبلا اسألوا عمن يستحقكم والان يقول ان كان غير مستحق ؟ فنجيب انه لما أمر ان يسألوا وبعد ذلك يدخلون زاد على ذلك قائلاً ان لم يستحقوا. لانه قد يتفق ان الذين يسألون منهم لا يعرفون او ربما مدحوا مواطنيهم أمام الرسل بداعي المحبة الجنسية
عدد 14: ومن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجاً من ذلك البيت او من تلك المدينة وانفضوا غبار أرجلكم
أي ان الطريق التي يسلكونها بمشقة ليبشروهم بانجيل المسيح يتركونها لهم شهادة. لانهم رفضوا قبول البشارة منهم ولذا فانهم سوف ينالون دينونة عن ذلك. ونفض الغبار دليل على العناء الذي قاسوه في الطريق وانهم مع تبشيرهم باسم المسيح صاحب البشارة كانوا يعلنون عنه انه الله وابن الله وباسمه كانوا يعمدون المؤمنين الذين كانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا لغفرن الخطايا لان الرسل لم يعيدوا تعميدهم قبل آلام المسيح ولكن بعد القيامة لكي يقبلوا الروح القدس. أما المسيح فلم يعمد أحداً قط
عدد 15: الحق اقول لكم ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً مما لتلك المدينة
اي ان سكان سادوم وعمورة ستكون حالتهم يوم الدينونة أخف من اولئك الذين يرفضون تعاليمه لان اهل سدوم وعمورة نالوا جزءاً من العذاب في هذا العالم ولذلك فسيكون عذابهم في العالم الأخير أخف مما يستحقونه
عدد 16: ها انا ارسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام
شبه الرسل والمسيحيين بالخراف والحنفاء واليهود بالذئاب فكما ان الخراف تجهل شر الذئاب فتخطفها هذه وتمزقها فهكذا اوصى رسله ان يكونوا ودعاء. فقد اشار بالذئاب عن قحة الاعداء وخبثهم.
ان في الحية اربع صفات منها انها تسلم جسدها للضرب مدافعة عن رأسها فيريد بذلك ان نقتدي بالحية محافظين على ايماننا الذي بمنزلة الراس وان اسلمنا اجسادنا للعذاب والشدائد. وأيضا اذا شاخت الحية ثقل جلدها وعميت عيناها فتصوم اربعين يوماً حتى يضعف جسدها ثم تدخل في ثقب ضيق فتزحم من ضيقة الموضع الذي جازت فيه فتنزع عنها جلدها الشائخ فيتجدد شبابها وتتقوى وتنفتح عيناها. فيعلمنا ربنا مما تقدم ان ندخل الباب الضيق المكنى به عن التجارب وننزع عنا الثياب العتيقة المشبهة بالخطيئة ونلبس الجديدة متجددين شبه خالقنا كما قد قيل أدخلوا من الباب الضيق. ثم ان الحية اذا ارادت ان تشرب ماء تخفي سمها فكذلك الذين يكرزون بالبشلرة لا يجب ان يحقدوا على من يضطهدونهم لان الذين يتوقون الى الشرب من ماء الحياة اي من التعاليم الالهية ينبغي ان يتنقوا من الشهوات الجسدية المشبهة بالسم. ثم ان الحية اذا رأت انساناً عرياناً خافت وهربت منه واذا رأته لابسا هجمت عليه. فيفهم من ذلك انه مادمنا في الافكار النجسة سهل على الشيطان اقتناصنا وتجربتنا واذا تعرينا عنها صعب عليه التغلب علينا فيولي هارباً منا. وقوله ” وودعاء كالحمام ” هو ان الحمام اذا قتلت فراخه لا يغضب ولا يترك مكانه. فيريد المسيح ان نتشبه به مبتعددين عن ايقاع الضرر بمبغضينا والحقد على من يضطهدنا وبذلك نقوى على جذبهم الى الايمان والصلاح
عدد 17: ولكن احذروا من الناس لأنهم سيسلمونكم الى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم
عدد 18: وتساقون الى ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم
فقد حذر هنا رسله من ان يسلموا ذواتهم للشدائد منبئاً اياهم عما سيلاقونه من الشدائد وانواع العذابات وغيرهم من اليهود بسبب تبشيرهم بتعاليمه وأوصاهم ان يحتملوا ذلك كله بالصبر
عدد 19: فمتى اسلموكم فلا تهتموا كيف او بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به
عدد 20: لان لستم انتم المتكلمين بل روح ابيكم الذي يتكلم فيكم
فاوصى رسله الا يخافوا اذا احضروا لدى الولاة والمحاكم ولا يهتموا بما يقولونه دفاعاً عن تعاليمهم لان المتكلم فيهم هو الروح القدس الذي سيوحي اليهم بما ينطقونه تزكية لنفوسهم
عدد 21: وسيسلم الاخ اخاه الى المـوت والاب ولده. ويقوم الاولاد على والديهم ويقتلونهم
اي انه بسبب كرازتهم بتعاليمي سينالكم كل عذاب واضطهاد حتى من أخوتكم
عدد 22: وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي. ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص
انه ان انذرهم بما سينالونه من الشدائد وبغض الناس جميعاً لهم لاجل اسمه أخذ يعزيهم ويشجعهم على احتمال ذلك بصبر ليستحقوا المجازاة وهي التمتع بالنعيم الابدي. ثم بعد ان تكلم عن التجارب المزمعين ان يقاسوها من الشعوب بعد قيامته اتبع كلامه قائلاً
عدد 23: ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا الى الأخرى. فاني الحق اقول لكم لا تكملون مدن اسرائيل حتى ياتي ابن الانسان
يريد بقوله ” اذا اضطهدوكم اليهود “. الا انه لا يشير الى الاضطهادات التي سيقاسونها بعد الصليب ولكن الى التي قبل الآلام لاجل ذلك قال اهربوا. ثم قال ” انكم لا تتمون مدن اسرائيل ” ليزيل عنهم الخوف من انهم حيث ذهبوا يطردون. ثم ان المسيح ارسل رسله الاثني عشر دفعتين ففي الاولى الى اليهود وفي الثانيه الى باقي الشعوب قائلاً امضوا وتلمذوا على الاطلاق فقد قال حتى يأتي ابن البشر. ليعزيهم ويفهمهم ان قبل ان يجولوا جميع مدن اسرائيل وتصادفهم الضيق والشدائد فانه يأتي وينجيهم كما سبق وعد الآب لاسرائيل قائلاً انك حيثما تذكر اسمي فالى هناك آتي وأباركك. فقد اتضح ان المراد من المجيء هو المعونة والمساعددة. ثم حذرهم من ان يضعف صبرهم ورجاؤهم لانه هو ايضاً قبل الاهانة
عدد 24: ليس التلميذ افضل من المعلم ولا العبد افضل من سيده
يريد بذلك ان التلميذ لا يفضل معلمه ما دام هو خاضعاً له وتحت سيطرته وان كان ممكناً ان يفوق معلمه. ها اننا نرى صاموئيل قد فاق عيلي وبولص غمالائيل معلمه، وعبيد كثيرون فاقوا ساداتهم
عدد 25: يكفي التلميذ ان يكون كمعلمه والعبد كسيده. ان كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول فكم بالاحرى أهل بيته
مثّل ذاته برب البيت فقال اذا كانوا قد شتموني ودعوني شيطاناً وانا معلمكم فلا بدع اذا شتموكم وأهانوكم وانتم تلاميذي فاحتملوا ذلك بصبر واناة. واليهود بمصاحبتهم للشياطين عرفوا ان رئيسهم هو يدعى بعلزبول
عدد 26: فلا تخافوهم. لأنه ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف
اي يجب الا تخافوا من الاعداء الذين يحتجون عليكم بحجج كاذبة فان الكذب لا يدوم وسيأتي زمن ينكشف فيه ستار الشك عن وجه الحقيقة
عدد 27: الذي اقوله لكم في الظلمة قولوه في النور. والذي تسمعونه في الاذن نادوا به على السطوح
اي ان ما ابيح به سراً ينادى به على مسمع من الناس لانه لو اظهر تعاليمه جهاراً بنفسه لقالوا له انت تشهد لذاتك. لهذا قال لهم ان الذي اقوله لكم في الظلمة نادوا به انتم على السطوح وامام الولاة والملوك
عدد28 : ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم
اي لا تخافوا ممن يستطيع ان يقتل جسدكم ولا سلطان له على قتل انفسكم ولكن يجب ان تخافوا ممن يقتل النفس والجسد معاً ويلقيهما في عذاب لا نهاية له. وان كان للناس سلطان مرة واحدة على الجسد في هذا العالم فقط فانّ لله سلطاناً على النفس والجسد معاً الى الابد ولذا فيكون عذاب من له السلطان على العالمين اشد ومن غير نهاية. ثم انه لم يرد بقوله هذا ان النفس والجسد يهلكان وانما قال ذلك على سبيل الارهاب لان جهنم هي معذبة للاحياء لا آكلة فاذا الجسد يفنى هناك لا النفس
عدد 29: أليس عصفوران يباعان بفلس. وواحد منهما لا يسقط على الارض بدون ابيكم
ان العصافير الغالية تباع أفراداً اما الرخيصة فبالاجمال وذلك كل اثنين بفلس ولولا انها خلقت منذ البدء لخدمة الانسان لما سمح الله بان تسقط بفخ او تقتل. والمراد انه اذا كان تعالى يهتم بأمر مثل هذه العصافير ولا يدع واحداً منها يسقط في الفخ دون ارادته فكم بالحري يهتم بأمر الانسان. الا ان بعض الجهلة زعموا مما تقدم ان الانسان لا يملك حرية العمل خيراً كان ام شراً لان كل ما ياتيه هو انما يكون بارادة الله. اما نحن فنجيب ان ليس كل ما نفعله يكون مصدره الارادة الالهية. فلنا كمال الحرية في عمل ما نريده صالحاً كان او طالحاً. اما ارادته تعالى فهي المقومة والمتممة لما نقصده من الخير. غير ان فحوى الكلام هو انه لولا تخلق الطيور لاستعمال الناس كقوله مخاطباً الانسان 0 على حيتان البحر وطيور السماء سلطتك لما سقط في الارض ولا خرجت سمكة من البحر. ثم انه لم يقل بدون الله ولكنه قال ” بدون ابيكم ” ليظهر جزيل عنايته بنا كما يعتني الاب بالبنين
عدد 30: واما انتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة
ليس المراد من ذلك تعريف عدد الشعر وانما اظهار مزيد اهتمامه وعنايته بنا وبجميع المخلوقات وقد شبه بعضهم شعر الرؤوس بنفس القديسين من الشعوب الذين آمنوا بانذار المسيح وتلاميذه وبالرأس المسيح وقوله ” محصى ” يفيد انها مكتوبة في سفر الحياة
عدد 31: فلا تخافوا. انتم افضل من عصافير كثيرة
فقد عرف كفاحص القلوب انهم خافوا خوفاً شديداً فلهذا قال لهم لا تخافوا ممن يقتل الجسد الذي هو ادنى منزلة من النفس فاذا لم يقتل مات موتاً طبيعياً لا محالة
عدد 32: فكل من يعترف بي قدام الناس اعترف انا ايضاً به قدام ابي الذي في السموات
المعترف به هو الذي يجاهر باسمه وبتعاليمه دون خوف ولا وجل
عدد 33: ولكن من ينكرني قدام الناس انكره انا ايضاً قدام ابي الذي في السموات
اي ان من يستحي من الاعتراف به وبكلامه امام الناس ويكفر اسمه او ينكر على الشهداء قوتهم وثباتهم ولا يسرع الى مساعددة من يلتجئ اليه عند الضيق فلا يستحق ان يكون تلميذا له او يتنعم معه في ملكوت السماء وانما يكون جزاؤه العذاب الذي لا نهاية له
عدد 34: لا تظنوا اني جئت لألقي على الارض سلاماً. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً
ربما ظن البعض ان كلامه هذا مخالف لقوله انه جاء ليعمل الامن وان يتكلم بالسلام ومناقض لقوله سلامي اعطيكم ولكن من امعن النظر في القولين لا يجد اقل تناقض بينهما فانه لما رأى ارتياب المؤمنين بكرازته انبأهم ان الآباء ينقسمون على اولادهم الذين لم يؤمنوا بالمسيح والبنين على الاباء لانهم تركوا مذهب آبائهم
عدد 35: فاني جئت لافرق الانسان ضدّ ابيه والابنة ضدّ امها والكنة ضدّ حماتها
اي ان الامن الحقيقي هو افراز الناس عن الشيطان. فبقطع العضو الساقطة من الجسم يكون الامن الحقيقي. وقوله الابنة عن امها اي انه يفرق البيعة من مجمع اليهود لانها تدعى بيعة العريس السماوي والعروس الممجدة. فالكنيسة اكثر حداثة من مجمع اليهود قد خطب في جبل سينا والكنيسة في جبل الزيتون وفي الاردن. فشبه المجمع بالام والحماة والكنيسة بالبنت والعروس ففرق البنت التي آمنت عن الام لان الاولى آمنت وهذه جحدته وكفرت به وباعماله
عدد 36: واعداء الانسان اهل بيته
اراد باهل البيت بني اسرائيل الذين صاروا اعداء له فرفضوا تعاليمه وطردوا رسله الذين هم منهم
عدد 37: من احب اباً واماً اكثر مني فلا يستحقني. ومن احب ابناً او بنتاً اكثر مني فلا يستحقني
يوجد في الناس طبيعتان تفوقان ما سواهما من المحبة هما محبة الآباء للابناء ومحبة الابناء لآبائهم. فالذي يحب الله ويبغض الشيطان ينال جزاءه في العالم الآتي والذي يحب ذاته هو بعيد من محبة الله الذي اياه يجب ان نكرم اكثر من كل المخلوقات
عدد 38: ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني
اي ان من لا يميت نفسه عن محبة العالم ويتعرى عن كل مقتنياته وافراحه ولا يحيا لله وحده محتملاً كل عار واحتقار حباً به تعالى لا يستحق الجزاء الموعود به ابناؤه فان المراد بحمل الصليب هو احتمال الآلام والشتائم والمشقات والتجرد عن بهرجة هذا العالم واباطيله
عدد 39: من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من اجلي يجدها
يريد ان من متّع نفسه بملاهي هذا الدهر فقد افقدها الحياة. ومن احتمل الشدائد والمشقات فاطماً نفسه عن لذات هذا العالم فقد استحق الحياة الابدية
عدد 40: من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي ارسلني
اي اذا قبلوكم اثبتوا بذلك انهم يحبوني واذا رذلوكم برهنوا على انهم غير حافظين لوصاياي
عدد 41: من يقبل نبياً باسم نبي فأجر نبي يأخذ. ومن يقبل باراً باسم بار فأجر بار يأخذ
ان من يقبل الانبياء لا طمعاً في اكتساب الشهرة والمجد الباطل بل بارادة صالحة ونية طاهرة فذلك ينال الجزاء لان كثيراً من الناس يعملون الخير طلبا للشهرة. وقوله ” من قبل صديقا الخ ” اي من قبل صديقاً او نبياً وان لم يكن هو كذلك بالحقيقة فلن يضيع اجره
عدد 42: ومن سقى احد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره
اي اذا سقى بارادته الصالحة ياخذ اجراً
(الاصحاح الحادي عشر)
عدد 1: ولما أكمل يسوع امره لتلاميذه الاثني عشر انصرف من هناك ليعلم ويكرز في مدنهم
انه اعطى رسله مهلة وزماناً ليعلموا بما قد اوصاهم. فلما كان حاضراًً هو ويصنع الايات والعجائب لم يكن احد يمضي عند تلاميذه
عدد 2: أما يوحنا فلما سمع في السجن باعمال المسيح ارسل اثنين من تلاميذه
عدد 3: وقال له أأنت هو الآتي ام ننتظر آخر
ذلك لانه كان قد وقع خلاف وحسد بين تلاميذ يوحنا ضد المسيح اذ رأوا ان المسيح يعظم قدره فيما ان يوحنا يستصغر شأنه. ولما علم يوحنا بقرب انتقاله من العالم خاف ان يبقى هذا النزاع بين تلاميذه بعدد انتقاله فلذلك ارسل اثنين من تلاميذه عند المسيح. أما المسيح فلمعرفته بقصد يوحنا لم يقل للتلميذين اني انا هو لكنه عمل عجائب كثيرة في الوقت امامهما وقال لهما
عدد 4: فاجاب يسوع وقال لهما اذهبا واخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران
ان المسيح لعلمه ان الاعمال لهي اكثر تاثيراً واصدق شاهداً من الاقوال لذلك صنع العجائب ليزيل الخلاف الواقع بين تلاميذ يوحنا لا ليقنع يوحنا انه هو المسيح لان يوحنا كان يعلم ذلك من الروح القدس وهو في بطن امه وكان يعرف انه مزمع ان يقتل وكان يريد تثبيت تلاميذه في الايمان بالمسيح انه المخلص وان تظاهر بعددم معرفته واياه اما المسيح فكانه علم ما في قلبهما فلم يرد عليهما جواباً لكنه صنع امامهما قوات كثيرة وقال اذهبا واعلما يوحنا. وقال آخرون ان سؤال يوحنا للمسيح انت هو الآتي يشير الى القبر. فكأنه يقول انت هو المزمع ان تدخل الهاوية وتخاص آدم فلو كان سؤاله هذا يشير الى مجيئه لما افاد سؤاله معنى لان مجيئه كان قد تمّ. وبعضهم قال ان يوحنا لم يكن يعلم ان المسيح كان مزمعاً ان يموت لاجل ذلك سأل قائلاً انت هو الآتي. اما نحن فنقول ان يوحنا لم يكن يجهل ان المسيح مزمع ان يموت لانه بتسميته اياه ” حمل الله ” اشار عن صلبه. وبقوله حامل خطيئة العالم تنبأ انه سيرفع على الصليب ثم يقوم ويهب الروح القدس بعدد القيامة اذ قال ” ان الذي يأتي بعددي سيعمدكم بالماء والروح “. ثم قال بعضهم ان يوحنا سأل المسيح ذلك حتى يأخذ الجواب منه ويكرز عنه في الهاوية اما نحن فنقول ان هذا الرأي هو بخلاف الحقيقة لان هذا العالم هو عالم التبشير والعمل والتعب والعالم الآتي هوعالم الدينونة والعذاب. كقوله في الجحيم من يعترف لك ويشكرك. فيتساءل البعض في انه كيف يكرز المسيح بابواب الهاوية ويحطم مخال الحديد ؟ فنجيب انه بواسطة جسده الذي حاز عددم الموت ابطل سلطان الموت ورب سائل يسأل هل اعتق المسيح من الجحيم الذي كانوا قبل مجيئه فيه ؟ فنجيب كلا حتى ولا خطاياهم غفرت لكن خطايا الذين آمنوا به لما هبط ويعرف ذلك من قوله انه سيكون لسادوم راحة. فهذه الاية تشير الى اولئك المزمعين ان يتعذيوا. فان كان السادوميون الذين تعذبوا هنا سوف يتعذبون هناك فكم بالاحرى اولئك الذين لم يعذبوا في هذا العالم ولعل قائل يقول أمن العددل ان يتعذب السادوميون في هذا العالم وفي العالم الثاني ؟ فنجيب ان ما نالوه من العذاب في هذا العالم لم يكن موازياً لما اقترفوه من الذنوب والمعاصي فاقتضت العددالة ان يكفروا عنها بعذابات العالم الاخير. اما ما يعترض به البعض من انه ليس من العددل في شيء ان يعذب في جهنم من لم يسمع بذكرها ؟ فنجيب عليه بانه ولوسمع بذكرها لما تاب ايضاً والشاهد على ذلك اننا كل يوم نسمع الكتب تتلى علينا وتهددنا بعذاب جهنم ان لم نرجع عن سيئاتنا تائبين ونحن مع ذلك نبقى على غيبنا غير ملتفتين الى اقـوال هذه الكتب والمرشدين. ولعل معترضاًً يعترض قائلاً اذاً مجيء المسيح لم ينفعنا شيئاً اذا كان الامر كذلك ؟ فنجيب ان مجيئه افاد من خضعوا لتعاليمه المقدسة فائدة كبرى كما انه أضر من لم يصغ الى تعاليمه فكما ان تجربة الشيطان لنا نحن الذين استفدنا من مجيء المسيح هي غير تجربته للذين جاؤوا قبل المسيح كذلك المكافاة تختلف فان تجربته لنا هي كثيرة متواصلة وستكون مكافأتنا اعظم ايضاً، فان من يقتل عند الاولين كان يستحق اللوم وعندنا اليوم ان من يغضب على اخيه باطلاً يستحق اللوم، ثم ان المسيح لم يرد ان يظهر نفسه ليوحنا بواسطة العجائب انه هو الآتي ولكن اظهر ذلك لتلميذه يوحنا واندراوس
عدد 5: العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون
دعى مساكين اولئك الواقعين تحت ثقل الخطايا والمعددومين من الفضيلة والاعمال الصالحة فقال ان مثل هؤلاء يجب ان يبشروا بغفران الخطايا ببطلان الموت
عدد 6: وطوبى لمن لا يشك فيّ
اي ان كنتم تشكون فيّ بعدد ما رأيتم الآيات فانتم تستحقون الدينونة
عدد 7: وبينما ذهب هذان ابتدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنا ماذا خرجتم الى البرية لتنظروا. اقصبة تحركها الريح
ان التلميذين بعد ان تحققا عن المسيح انه هو الآتي عادا الى يوحنا اما الجموع فخالجهم الشك من سؤال التلميذين اذ انهم تعجبوا كيف ان يوحنا يعمد المسيح ويكرز عنه وهو يجهله اما المسيح فلما علم ظن الجموع بيوحنا انه متقلب وضعيف العقل لانه ارسل تلميذيه يسألان المسيح من هو وقد سبق انه كرز باسمه وعمده اخذ يوبخهم على سوء ظنهم هذا مفهماً اياه ان يوحنا ليس كما يظنون ضعيف العقل كالقصبة التي تحركها الريح وانما فعل يوحنا ذلك ليثبت تلاميذه في الايمان به ويزيل من بينهم الحسد والاختلافات لانهم اذ كانوا يعتبرون ان يوحنا اعظم من المسيح
عدد 8: لكن ماذا خرجتم لتنظروا. أإنساناً لابساً لباساً ناعمة. هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك
اي ان حالة يوحنا لم تتبدل من الفقر الى الترفه فهو الآن كما كان قبل والشاهد على ذلك لباسه الخشن ومسكنه في البراري والقفر. اما الذين تغيرت اطوارهم فصاروا من ذوي اليسار والتنعم هم في بيوت الملوك. أما يوحنا فقد قهر نفسه عن الشهوات اللحمية ولم يعتن باللذات العالمية فلذلك يعرفني جيدا من انا.
عدد 9: لكن ماذا خرجتم لتنظروا. أنبياً. نعم اقول لكم وافضل من نبي
يريد بالانبياء اولئك الذين تنبأوا عن مجيئه. وهذا تنبأ عليه كالانبياء ورآه كالرسل. ولم يخبر عنه قبل عهد بعيد كالانبياء ولكن تنبأ عنه وهو معاصر له. ليتم ما جاء بنبؤة ملاخي النبي
عدد 10: فإن هذا هو الذي كتب عنه ها أنا ارسل امام وجهك ملاكي الذي يهيء طريقك قدامك
اي قريب منك والى جانبك لانه مكرم كالقريبين من الملك فانهم يكونون مكرمين عنده اكثر من الاجناد البعيدين منه
عدد 11: الحق اقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء اعظم من يوحنا المعمدان
يوحنا اعظم من كل مواليد النساء غير ان المولودين من المعمودية بواسطة الروح القدس اعظم منه. ان مواليد النساء بني الجسد يدعون اما المولودين بالمعمودية بني الله يدعون حتى اذا كان مواليد النساء ذوي اعمال صالحة فلا يكونون افضل من بني الملكوت المدعوين بني الله. ان يوحنا كان كاملاًً في الفضيلة لكنه يطلب نعمة الميلاد لانها تفوق كل فضيلة ويشهد على ذلك قوله للمسيح ” انا المحتاج ان اعتمد منك ” اما انه لم يقم اعظم منه في مواليد النساء فذلك لانه قبل الروح في بطن امه وغفر الخطايا في المعمودية
ولكن الاصغر في ملكوت السموات اعظم منه
يريد ان المولود بالماء والروح ليكون عدديم الموت هو اعظم من يوحنا. لان يوحنا لم يزل موجوداً في عالم الموت الا انه نال بعدد ذلك نعمة عددم الموت بواسطة معمودية دمه. فيسمى ملكوت السماوات تلك الموهبة التي يمنحها الروح القدس بواسطة المعمودية ولما قتل يوحنا اعتمد بدمه وفاز بالدرجة العليا فاصبح افضل من المولودين بالمعمودية. ثم ان الوظائف المعطاة من الروح القدس هي ثلاث الاولى وظيفة الانبياء والثانية الوظيفة التي اعطيت ليوحنا المعمدان والثالثة وظيفة الرسل بعدد القيامة عندما نفخ المسيح فيهم قائلاً اقبلوا الروح القدس. لان الموهبة التي اعطيت للرسل اعظم من التي اعطيت ليوحنا. اما قوله 00 الصغير في ملكوت السموات اعظم منه فقد اراد بالصغار بالرسل وبالملكوت الرمان الذي بعدد القيامة حين نفخ فيهم الروح. فيوحنا وجد متوسطاً بين الفريقين فهو اعظم من الانبياء واصغر من الرسل. ثم اراد بالملكوت البشارة الجديدة وبالصغار الكهنة ففضلهم على يوحنا لانهم يغفرون الخطايا من غير ان يفضحوا المعترف. ثم نقول ان ربنا جعل فرقا بين العالمين والنعمتين وابان ان يوحنا نال نعمة في هذا العالم اكثر من جميع الناس ومع ذلك فانه لم يبلغ كمال السعادة في العالم الثاني. لان النعمة التي سوف يقبلها واحد من الصغار هي اسمى من تلك التي قبلها هنا. فان كانت المنزلة التي سيبلغها يوحنا هناك لا توصف. اذا ان المسيح لم يستصغر يوحنا لكنه فضل خيرات العالم الآتي على خيرات هذا العالم كما انه فضل يوحنا على مواليد النساء اصحاب الفضيلة في الناموس. وقوله لم يقم يعني ان النساء لم يلدن اعظم من يوحنا ببره وزهده. ولكيلا يظن احد انه اعظم من المسيح استدرك كلامه قائلاً لكن الصغير في الملكوت اعظم منه. فالصغير هو المسيح لانه اصغر سناً منه بستة اشهر الا انه اكبر منه عملاً وتعليماً في طريق الانجيل. اما يوحنا فقد عاجله الموت قبل ان يسير في الطريق الجديدة اي التعاليم الانجيلية ولم يتناول جسد المسيح ودمه. ويقوله الصغير… اعظم منه عنى عن ذاته لان اليهود يظنونه كذلك اذ كانوا يقولون عنه هوذا اكول وشريب الخمر. ثم ان المسيح ليس فقط اعظم من يوحنا ولكنه أعظم من جميع من في الاعالي. اما قول المسيح لليهود عن نفسه هو ذا افضل من سليمان فلم يقصد التشبيه لكنه قال هذا ليقرب معناه الى فهم السامعين. ولان يوحنا كان عظيماً في اعينهم فشبهه بنفسه. ولا عبرة بما يرتئيه البعض من المقصود من كلمة الصغير هو يوحنا او آدم ويوحنا ابن زبدى او متياس الذي انتخب رسولاًعوض يهوذا فلو كان المراد بلفظه صغير احد الذين تقدم ذكرهم لما رأى المسيح مانعاً من ذكر امه لكن المقصود بالصغير هو ذات المسيح غيرانه أخفى نفسه لاسباب
عدد 12: ومن ايام يوحنا المعمدان الى الآن ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يخطفونه
انه دعى العالم الآتي ملكوت السماء فقال ان ابتداء هذا الملكوت من معمودية يوحنا ولا يمكن احد ان ينال الملكوت الا بشق النفس وقهر الشهوات وتحمل الشدائد مع ممارسة الفضائل واعمال البر في هذا العالم
عدد 13: لان جميع الانبياء والناموس الى يوحنا تنبأوا
اي ان النبؤات التي قيلت عن مجيئي قد ختمت بنبوات يوحنا فجئت انا المسيح المنتظر فالواجب عليكم ان تؤمنوا بي
عدد 14: وان اردتم ان تقبلوا فهو ايليا المزمع ان يأتي
قال ذلك لاجل مساواة درجتهما وكما ان يوحنا جاء قبل المسيح وبشر بمجيئه هكذا في آخر الزمان يأتي ايليا قبل مجيئه الثاني فتتم فيه النبؤة القائلة اني سوف ارسل لكم ايليا التشبي الذي يرد قلوب الآباء الخ
عدد 15: من له اذنان للسمع فليسمع
اي من كانت له نفس خاضعة فلتسمع ما أقوله عن يوحنا
عدد 16: وبمن اشبه هذا الجيل. يشبه أولاداً جالسين في الأسواق ينادون الى اصحابهم
اراد بالجيل الشعب اليهودي. فان بذلك ان غايته وغاية يوحنا واحدة وان كانا مختلفين في الحال والمعيشة. فان يوحنا سلك في حياته طريق البر والزهد والمسيح طريق الاكل والشرب ولكن بسذاجة حتى اذا كانوا يحبون الصوم تبعوا يوحنا وان صعب عليهم اتباع طريقة يوحنا تبعوا المسيح. أما هم فلم يسلكوا الطريقين فهم اذاً لا يبرأون من اللوم لانهم لم يؤمنوا بالمسيح ولا قبلوا تعليم يوحنا فالذين قبلوه كانوا كفرة وخطفة فورثوا الملكوت
عدد 17: ويقولون زمرنا لكم فلم ترقصوا. نحنا لكم فلم تلطموا
قال قوم ان هذه القصة وقعت في عهد المسيح في احدى المدن وذلك ان فئة من صبيان اجتمعت فانقسمت قسمين واخذ القسم الواحد يغني حتى يرقص الآخر ويفرح الواحد ليفرح الثاني فما فرح ولا رقص لكنه اخذ يبكي وينوح حتى ينوح الثاني ويبكي فما بكي القسم الاول ولا غنى القسم الثاني فوقف الفريقان في الطريق يتعاتبان قائلين ” زمرنا لكم فلم ترقصوا نحنا لكم فلم تلطموا ” فاورد يسوع هذا المثل ليفهم السامعين انهم لم يتبعوا تعاليمه ولا تعاليم يوحنا. لان المسيح جاء اليهم يأكل ويشرب فرذلوه قائلين عنه انه اكول شريب للخمر محب للعشارين والخطاة وفيه شيطان. ويوحنا جاءهم بطريق الزهد والتقشف فقالوا ان به شيطاناً
عدد 18: لأنه جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب. فيقولون فيه شيطان
عدد 19: جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون هو ذا انسان أكول وشريب خمر. محب للعشارين والخطاة و الحكمة تبررت من بنيها
اي ان المسيح المشبه بالحكمة قد تبرأ من بنيه العصاة المردة لانه عاش بينهم لفائدتهم فلم يستفيدوا منه. ثم ان الحكمة في عمل المسيح هي ترك سيرة يوحنا الشاقة واتخاذه طريقاً متوسطة ليسهل على الناس اتباعها واما قوله بنوالحكمة فهم اولئك الذين ارعووا وصاروا صالحين فاضلين
عدد 20: حينئذ ابتدأ يوبخ المدن التي صنعت فيها اكثر قواته لانها لم تتب
اي ان المسيح أخذ يوبخ سكان المدن التي صنع فيها قوات كثيرة فلم يتب اهلها
عدد21: ويل لك يا كورزين. ويل لك يا بيت صيدا. لانه لو صنعت في صور وصيداء القوات المصنوعة فيكما لتابتا قديماً في المسوح والرماد
اي ان اهل صور وصيدا الين كانوا مشهورين بالوثنية رأوا العجائب التي يراها اهل كورزين وبيت صيدا لكانوا تابوا بالمسوح والرماد عن معاصيهم
عدد 22: ولكن اقول لكم ان صور وصيداء تكون لهما حالة اكثر احتمالاً يوم الدين مما لكما
اي ان عذاباتهما ستنقص في يوم الدين
عدد 23: وانت يا كفرناحوم المرتفعة الى السماء ستهبطين الى الهاوية. لانه لو صنعت في سدوم القوات المصنوعة فيك لبقيت الى اليوم
انه تعالى انذر كفرناحوم بالهلاك لانها لم تؤمن بكلامه ولا تابت عن شرها مع ما فعله فيها من القوات والمعجزات وقوله ” لو صنع في سدوم الخ ” يفيد ان سدوم مع ما اشتهرت به من النفاق والشرور فلو صنع فيها من القوات ما صنع في كفرناحوم لتابت عن شرها
عدد 24: ولكن اقول لكم ان ارض سدوم تكون لها اكثر احتمالاً يوم الدين مما لك
قصد المسيح بهذا الكلام ان يرهب اهل كفرناحوم لعلهم يتوبون
عدد 25: في ذلك الوقت اجاب يسوع وقال احمدك ايها الآب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال
ان المراد بالحكماء والعقلاء والكتبة والفريسيين وبالاطفال الرسل اي ان مالم يدركه الكتبة والفريسيون ادركه الرسل الجهلة. واما قوله الحكماء فلا يقصد به انهم حاصلون على الحكمة الحقيقية ولكن رفقا لما كانوا يدعونه هم. وسمى اطفالاً أولئك السذج الذي لم يكونوا يعرفون شيئاً من الناموس فكأنه يقول ان الكتبة الذين يدعون انهم حكماء ويفقهون الناموس ما آمنوا بي. والسذج الذين يجهلون الناموس قبلوا تعاليمي وآمنوا بي. وقال قوم ما ذنب الحكماء والعقلاء اذا كان الآب قد اخفى عنهم تعاليمه وأظهرها للاطفال. فالجواب ان الآب مع منحه اياهم الحرية التامة والاختيار الذاتي في الايمان به وعددمه قد ادرك بسابق علمه انهم سوف يعصونه كما انه علم بطاعة السذج له فأظهر لهؤلاء واخفى عن اولئك وهو الذي سبق فأدرك طلاح عيسو وصلاح يعقوب قبل ان يولدا. أما اعترافه لابيه من اجلنا فذلك لكي يظهر لنا مزيد محبته وعنايته بنا ويفهمنا ان ارادته وارادة ابيه واحدة
عدد 26: نعم ايها الآب لان هكذا صارت المسرة أمامك
اي اني أحملهم قسراً على الايمان بي لكني تركتهم ان يعملوا ذلك بحريتهم كما انك ارتضيت ان لا يداخل التلاميذ شيء من الكبرياء اذا ما افتعلوا العجائب كطرد الشياطين وغير ذلك وابان ان كل هبة وعطية صالحة هي من عند الله وعلم تلاميذه ليكونوا متشبهين بالاطفال في سذاجة القلب
عدد 27: كل شيء قد دفع الي من أبي. وليس أحد يعرف الابن الا الآب. ولا أحد يعرف الآب الا الابن ومن اراد الابن ان يعلن له
ان قوله ” كل شيء قد دفع الي من أبي ” انه متساو بالاب وانه مولود منه وان كلما للآب فهو له وانه يعرفه. وبقوله ” ليس احد يعرف الابن الا الآب ” أشار عن المعرفة الحقيقية المخفية عن الملائكة والبشر التي بها الآب يعرف الابن والابن والروح القدس يعرفان الآب خلافاً لما قاله مرقيان بان هذه الاية قد قيلت عن الاله الغير المعروف لان المؤمنين مع معرفتهم الله لا يعرفون حق المعرفة ذاته القديسة. وقوله ” من يريد الابن ان يكشف له ” يفيد ان الابن يفعل ذلك بمجرد ارادته غير مأمور من الآب فضلاً عن انه باعلانه عن الآب اعلن عن نفسه ايضاً فقد صار معلوماً مما تقدم ان ارادة الاب والابن واحدة كما سلطانهما واحد. وبعدد هذا كلمهم قائلاً
عدد 28: تعالوا الي يا جميع المتعبين وامثقيلي الأحمال وأنا اريحكم
اراد بالمتعبين الضعفاء المثقلين بالاحمال وبالحمل الخطيئة لان ليس في الاحمال اثقل من الخطيئة كقول داود ” وكالحمل الثقيل ثقلت علي ” وزكريا يشبه الخطيئة بوزنة رصاص. وقد شبه صعوبات الناموس وشرور العالم بالحمل اما الفضيلة فهي خفيفة الحمل وتسمو بالنفس الى العلاء. وقوله ” انا اريحكم ” اي اني ساعتقكم من عبودية الناموس وأرفع عنكم ثقل الخطايا
عدد 29: احملوا نيري عليكم وتعلموا مني. لاني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم
شبه المسيح وصاياه بالنير وعلم رسله ان يقتدوا به في التواضع والوداعة ويعاملوا اعدداءهم بالحلم والصبر مثله حتى يرجعوا من انفسهم تائبين اليهم لان في الوداعة والاتضاع الراحة التامة والحياة السعيدة
عدد 30: لان نيري هين وحملي خفيف
اي ان وصاياه لا يصعب على الانسان حفظها سيما وانها تتضمن غفران الخطايا فيما ان وصايا الناموس ثقيلة الحمل يصعب ويعسر على الانسان السير بموجبها ورب قائل يقول كيف ان المسيح قال سابقاً ” ما اضيق الباب واكرب الطريق ” وهنا يقول نيري لين وحملي خفيف. فنجيب ان ذلك متوقف على الارادة فان كنا نشيطين مجتهدين اصبحت وصاياه سهلة خفيفة الحمل وان كنا متهاونين متكاسلين اصبحت صعبة الحفظ كربة. ثم نقول ان نيره لين لانه يدعو الخطاة للتوبة والناموس ثقيل لانه يرجم الفاجرين ويقتل القاتلين ورب معترض يقول كيف يكون نيره لينا وهو يأمر الا يبغض أحد قريبه باطلاً والا ينظر نظراً فاسقاً وان نبغض انفسنا. فنجيب اننا اذا قسنا أوامره ومكافأته المحفوظة للذين يحملون نيره رأيناها خفيفة وسهلة كقول بولس ان مشقات هذا الدهر لا توازي المجد المزمع ان يظهر
الاصحاح الثاني عشر
عدد 1: في ذلك الوقت ذهب يسوع في السبت بين الزروع. فجاع تلاميذه وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون
ان المسيح باجتيازه في السبت حل السبت واراح الناموس وهو الذي حفظ الناموس مدة ثلاثين سنة حتى اعتمد وتمم السيرة الجديدة من العماد الى الصليب فنقض السبت حين جبل طيناً وطلى به عيني الاعمى وقال ابي الآن يعمل وأنا أعمل. والآن نقض السبت بضرورة الجوع لان الضرورة تحل الناموس وفي الانجيل اليوناني والحرقلي يسميه سبتاً مضاعفاً ولوقا يدعوه السبت الثاني بعدد الاول لانه وقع فيه العيد. واليوم الذي لم يكن يجوز فيه العمل كان يدعى سبتاً. ثم ان جوع التلاميذ يدل على انهم كانوا متجردين غير مهتمين بالجسديات فكانوا يحاربون الجوع دون ان يفارقوا المعلم ويرحلوا مثل ذلك
عدد 2: فالفريسيون لما نظروا قالوا له هو ذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبت
ان الفريسيين لاموا المسيح على اجتيازه وسط الزرع واكل التلاميذ لوماً بسيطاً لكنهم اغتاظوا منه حين بسط اليد اليابسة يوم السبت لان الاعجوبة كانت عظيمة
عدد 3: فقال لهم اما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه
عدد 4: كيف دخل بيت الله واكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا للذين معه بل للكهنة فقط
ان الذين حلوا الناموس كثيرون الا ان المسيح لم يذكر منهم الا داود لان داود كان ممجداً عندهم. ولم يسميه ملكاً ونبياً لانه كان من قبيلته حتى لا يظن اليهود انه يفتخر باول ناقض للسبت. فكما ان داود لما عرض له الجوع اضطر الى حل الناموس. كذلك التلاميذ حلوا السبت بسبب الجوع . ولو كان في قلوب الفريسيين رحمة لعذروا المسيح وتلاميذه من نقضهم السبت لان الجوع يحمل صاحبه على تحليل ما هو محرم ولكونهم ملاعين ذكر لهم داود مع ان داود هو ملوم خصوصاً لانه سبب قتل الكهنة من يد شاول. فان كان داود غير ملوم بذلك فكم بالحري تلاميذ المسيح سيما وان كثيرين نقضوا السبت فمنهم يشوع ابن نون وايليا النبي عندما مشي أربعين يوماً وغيرهما. ثم ان نقض السبت. فان قال قائل ان داود كان نبياً. أجبناه ان الانبياء انفسهم لم يكن يحل لهم الاكل من ذلك الخبز فكم بالحري للرجال الذين كانوا مع داود فانهم لم يكونوا انبياء ولا كهنة. ان مرقس يسمي الكاهن الذي اعطى داود خبز التقدمة ابياتار وصاموئيل يسميه اخيمالك. فكان يسمى باسمين فكل واحد سماه باسم
عدد 5: او ما قرأتم في التـوراة ان الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء
اي كما ان الكهنة في الهيكل يحلون السبت لانهم يصعددون الذبائح ويقربون القرابين فلا يلامون على ذلك. هكذا فانه لا لوم على التلاميذ لقلعهم السنبل واكلهم منه. وقد استعمل لفظة التدنيس بدلاً من نقض السبت لانها اصعب
عدد 6: ولكن اقول لكم ان ههنا اعظم من الهيكل
بقوله اعظم عني نفسه لانه رب الهيكل. وكما ان الله اعظم من الهيكل الذي يكرم فيه هكذا فان التلاميذ الذين يخدمونه هم اعظم من الكهنة الذين يخدمون الهيكل
عدد7 : فلو علمتم ما هو. اني اريد رحمة لا ذبيحة. لما حكمتم على الأبرياء
اي لو كنتم تذكرون الكتاب القائل ان الله الرحمة على الذبيحة لما لمتوني على نقضي السبت لانه اذا كان السبت ينقض لاجل الذبيحة من الكهنة فكم بالاحرى يجب نقضه لاجل الرحمة والشفقة
(مر ص 2: 27) ثم قال لهم ان السبت جعل الانسان لا الانسان لاجل السبت
يتساءل البعض انه اذا كان السبت جعل لاجل الانسان فلماذا قتل صلفحد أليس لانه نقض السبت ؟ فنجيب ان السبت لو لم يحفظ من البدء لكان نقض شيئاً فشيئاً واستحقر الناس أوامر الناموس. ان حفظ السبت كان يفيد العبرانيين كثيراً وكان يذكرهم بخلق الله للكائنات ويبعددهم عن عبادة الاوثان ويجعلهم رحومين على العبيد والاماء. ويرجعهم من الشر الى الصلاح. ورب معترض يقول لماذا ابطل المسيح هذه العوائد ؟ فنجيب انه لم يبطلها لكنه زادها بتعليمه الناس ان الله هو خالقهم وابوهم ومسكنه السموات كما انه علمهم ان يكونوا رحومين ولا يحتفلوا باعيادهم في السبت فقط بل في كل بوم لان الناموس انحل وابتدأت خدمة الانجييل ومنعهم ان يخدموا قبة الزمان والمذبح الرمزي بل ان تكون ذواتهم مذبح ومساكن للاهوته
عدد 8: فإن ابن الانسان هو رب السبت أيضاً
فبقوله ” ابن البشر ” عنى نفسه واثبت لاهوته بكونه خالق السبت. فكأنه يقول كما قد اعطيتكم السبت. هكذا لي السلطان ان احله وليس لاحد ان يلومني على نقضه بصنعي العجائب فيه
عدد 9: ثم انصرف من هناك وجاء الى مجمعهم
اي انه اجتاز يوم السبت وهو غير السبت الذي قلع فيه تلاميذه السنبل كما ذكر لوقا
عدد 10: واذا انسان يده يابسة. فسالوه قائلين هل يحل الابراء في السبوت. لكي يشتكو عليه
ذكر الانجيليون الآخرون ان السيد المسيح اقامه في الوسط وقال للجموع انه يجب ان يعمل الخير في السبت. اما اقامته له في الوسط فلكي تثير رؤيته في قلوب الحاضرين عواطف الشفقة والرحمة عليه. اما متى فقال ان الكتبة والفريسيين سألوه ذلك. وكلتا الروايتين صحيحة. لانهم كانوا يعرفون انه يريد ان يشفيه فارادوا ان يمنعوا الشفاء بواسطة سؤالهم اياه بالحيلة والغش ويشكوه بكونه لم يحفظ السبت. اما المسيح فلمعرفته بخبثهم اقامه في الوسط كما يقول الانجيليون الاخرون. ولما لم يندموا على سوء فكرهم وعمى قلوبهم وبخهم بعنف كقول مرقس البشير “ فأدار نظره فيهم بغيظ ” (مر ص 3:5) ذلك لكي يجذبهم بنظره هذا الى التوبة
(مر ص 3: 4) ثم قال لهم أخير يحل ان يفعل في السبت ام شر الخ
انه تعالى أخذ قبل صنعه الاعجوبة يضرب لهم الامثال ويسألهم بعض الاسئلة حتى اذا أجابوه عليها أخذ جوابهم حجة عليهم فقال لهم
عدد 11: أي انسان منكم يكون له خروف ان سقط في حفرة في السبت لا يمسكه ويرفعه
فاتاهم بمثل الخروف لانهم مبتلين بمحبة المال والمقتنيات
عدد 12: والانسان كم هو أفضل من الخروف فاذن يحل فعل الخير في السبوت
انه أثبت من كلامه لهم وجوب فعل الخير في السبت. وذكر مرقس انهم
” فصمتوا ” أي انهم لم يجيبوه بشيء ولا استفادوا من كلامه
عدد 13: حينئذ قال للرجل امدد يدك فمدها فعادت صحيحة مثل الاخرى
انه تعالى شفى يد الرجل اليايسة بمجرد كلمة قالها له. وفي غير موضع كان يضع يده على الذين يريد شفاءهم فتعود أعضاؤهم أصح مما كانت حالة العافية
عدد 14: فخرج الفريسيون وتآمروا عليه لكي يهلكوه
اي ان الفريسيين تشاوروا على قتله حسداً منهم
اي انه لما علم بما يضمرونه له من الشر انصرف عنهم علماً من ان النفس السقيمة لا تنتفع بالعجائب. ولا عبرة بما يقوله البعض من انه كان يجب ان يصنع المسيح المعجزات الكثيرة ليجذب السامعين الى اليمان به مع ان هؤلاء كما راينا احتدموا غيظا لاعجوبة واحدة صنعت امامهم ومع انه كثيراً ما تكلم عن جواز حل السبت عند الضرورة حينما كان يصنع المعجزات فيه الا انه حين فتح عيني الاعمى لم يتكلم عنه شيئا ولما شفى المخلع تكلم قائلا الآن ابي يعمل وانا اعمل. وقال في موضع آخر اذا كان الانسان يختن يوم السبت لئلا ينقض الناموس فلماذا تغضبون علي لاني شفيت هذا الانسان ولما لاموه بسبب نقض تلاميذه للسبت عند اجتيازهم السنبل واقتلاعهم منه اتاهم بمثل داود و الكهنة وذكرهم الآية القائلة ” اريد رحمة لا ذبيحة وان السبت جعل لاجل الانسان ” اما عند شفائه اليد اليابسة فضرب لهم مثلا الخروف الذي سقط في الحفرة ثم ان ذهاب الجمهور وراءه كان ليشفي مرضاهم ويروا الايات ويسمعوا تعاليمه
انه تعالى لعلمه بان الكتبة يحسدونه ويغتاظون منه لعمله القوات امر الجموع الا يذيعوها لئلا تكون سببا لامتناعه عن شفاء الامراض ثم لكي يهدأ حسد اليهود
عدد 17: لكي يتم ما قيل باشعيا النبي القائل
عدد 18: هو ذا فتاي الذي اخترته. حبيبي الذي سرت به نفسي. اضع روحي عليه فيخبر الامم بالحق
هذه الآية قد قيلت من طرف الآب عن الابن لانه تانس وصار انسانا وأخذ مثال العبد كقول بولس الرسول فلذا سماه فتاه وسرت به نفسه لانه فعل ارادته. ثم قال الآب احل روحي عليه لانه صار انسانا فقبل الروح بالجسد واعطاه لنا بواسطته ز وقوله يخبر اي بالبر والايمان
عدد 19: لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته
اي ان وداعته لم تشتهر عند المؤمنين فقط لكن عند أعدائه ومبغضيه أيضا. وحين سيق للتعذيب والحكم عليه بالموت لم يخاصم ولا نازع بل سكت كالحمل الوديع
عدد 20: قصبة مرضوضة لا يقصف. وفتيلة مدخنة لا يطفئ. حتى يخرج الحق الى النصرة
انه تعالى شبه اليهود بالقصبة المرضوضة وغضبهم بالكتان المدخن اي انه كان يعامل مبغضيه بفعله الآيات بالحلم وطول الاناة حتى يكمل كل الواجبات ولا يجعل لهم سببا ان يتكلموا بالسوء عنه. بل احتملهم حتى صلب وقام من بين الاموات واظهر غلبته على الثلاب فأجلب عليهم القضاء اذ ذلك وبلاهم بسبي الرومانيين لهم
عدد 21: وعلى اسمه يكون رجاء الامم
اي ان بشارة الانجيل لا تبطل وان صلبوه بل تجذب كل الشعوب اليه. يتساءل البعض في ان كيف قال متى هنا انه لا يصيح ويوحنا قال انه في آخر أيام العيد كان يقوم يسوع ويصرخ فنجيب ان الصراخ له معنيان معنى ممدوح ومعنى مذموم. فيوحنا قال عن الصراخ الناموسي والتعليمي ومتى قال عن صراخ الرداوة والنفاق. وفي قوله لا يماري ولا يصيح دليل على وداعته وحلمه. اما قول النبي ان احد لا يسمع صوته في الشوارع مع ان الانجيل كان يذكر انه كان يجول في المدن والقرى ويعلم فيفيد ان التعليم جهارا اما ان يكون لاكتساب المجد الباطل او لفائدة السامعين فقول النبي لا يسمع صوته يستدل منه انه بعيد عن طلب المجد الباطل لاييما وان في مخاطبته الناس بالامثال والالغاز دليلا آخر على تعليمه سرا لئلا بعطي القدس للكلاب
عدد 22: حينئذ احضر اليه مجنون أعمى واخرس. فشفاه حتى ان الاعمى الاخرس تكلم وابصر
ان قوله ” مجنون ” اتضح منه ان الضرر الذي اصيب به كان مصدره الشيطان فانه سد الحاستين اللتين ينظر باحدهما نور الايمان ويسمع بالاخرى كلام الخلاص والتعاليم الالهية. لان قبول الايمان اما ان يكون بواسطة النظر او السمع. اما ربنا فافتعل آية مضاعفة. فطرد الشيطان وشفى النظر والسمع
عدد 23: فبهت كل الجموع كلهم وقالوا لعل هذا هو ابن داود
اي ان الجمع الساذج تعجب لانه لم يكن يعلم عن المسيح سوى انه ابن داود فقط وكان يجهل انه ابن الله بالطبيعة وانه صار انساناً بلا تغيير
عدد 24: أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا انما هذا لا يخرج الشياطين الا ببعلزبول رئيس الشياطين
ان الفريسيين عندما رأوا المعجزات التي عملها المسيح اتهموه لحسدهم اياه قائلين انه ببعل زبوب يخرج الشياطين لانه بهذا الاسم كان يدعى رئيس الشياطين. ورب قائل يقول كيف يختمل ان يكون قد انصرف من عندهم بعدد ما صحح اليد اليابسة ويقول انه منح الشفاء للآخرين وتكلم معهم ؟ فنجيب اما ان يكون قد تم شفاء المجنون في غير الوقت الذي شفى فيه صاحب اليد اليابسة او اما ان يكون قد تم شفاءه بعدد انصرافه من هنالك اذ كانوا بعيدين عنه فعرف افكارهم قبل ان يصلوا اليه
عدد 25: فعلم يسوع افكارهم وقال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وكل مدينة او بيت منقسم على ذاته لا يثبت
ان الفريسيين لم يستطيعوا ان يظهروا افكارهم خوفا من الجمع. اما هو فلم يرد ان يكشف ما في قلوبهم لكنه وبخهم بضربه لهم مثلاً عن الكتاب لانهم لم يكونوا يسمعون من الكتب ولا يفسرونها تفسيراً حقيقياً ولما سموه قبلا بعل زبوب لم يزجرهم بل اراد ان يعرفهم عن نفسه بانه قادر وعالم بما فعله من الآيات والمعجزات. اما هنا فلما رآهم مصرين على شرهم اراد ان يوبخهم بضربه لهم مثلا قائلاً ان كل سلطة اذا انقسمت على ذاتها خربت لان الاعدداء الخارجين لا يستطيعون ان يلحقوا بالسلطنة الخراب الذي يلحقه النزاع والانقسام الداخلي وكذا قل عن المدينة والبيت ثم استتلى قائلاً ان كان في شيطان وبه اخرج الشياطين على ذواتهم فتبيد بذلك قوتهم وتبطل
عدد 26: فان كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته
لم يقل الشيطان يخرج الشياطين لكن الشيطان ليبين اتفاقهم مثل محبة الواحد لنفسه. فاذا اخرج هو نفسه فقد انقسم على ذاته وهلك.
عدد 27: وان كنت انا ببعلزبول اخرج الشياطين فابناؤكم بمن يخرجون. لذلك هم يكونون قضاتكم
أراد بالبنين الرسل فلو قال بدلا من البنين تلاميذي ورسلي لكان عندهم جواب يجيبونه به حين لا يؤمنون به. لان الرسل كانوا يخرجون الشياطين ومع ذلك فلم يكونوا يثلبونهم كما كانوا يثلبون المسيح مع انهم كانوا يخرجون الشياطين باسمه وقوله ” من اجل هذا يحكمون عليكم ” أي ان ابناؤكم لاطاعتهم وقبولهم تعاليمي سيحكمون عليكم
عدد 28: ولكن ان كنت انا بروح الله اخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله
المراد بروح الله هو الروح القدس. أما القديس افرام فيقول انه روح الله الذي قبله بالعماد
(لو ص 11: 30) وان كنت انا باصبع الله اخرج الشياطين الخ
المراد باصبع الله هو الروح القدس الذي يخرج من جوهر الآب وهو بالطبع كائن فيه كمثل الاصبع في يد الانسان. والكتب المقدسة تدعو الابن يمينا وذراعا كما ان الذراع من طبعه متصل بالجسم واليد والاصبع مساويتان بالجوهر للجسم كذلك الابن المكنى عنه باليد والروح بالاصبع مساويان للآب بالطبع اذا ان خروج الشياطين من الناس لم يكن الا بقوة الروح القدس المساوي بالجوهر للآب والابن وليس ببعل زبوب فباصبع الله كان يضع يده على المرضى ويشفيهم اذ حال لمسه الانسان باصبعه كان يخرج الشيطان. ثم المراد بملكوت الله ذلك النعيم الابدي الذي نناله بعدد القيامة. فكأنه يقول ان كنتم تؤمنون اني بقوة الروح المساوي لي بالطبع أخرج الشياطين فق اقترب منكم ملكوت الله وقال بعضهم ان المقصود من قوله ملكوت الله هو مجيئه اليهم لخلاصهم الا انهم لعمى قلوبهم لم يقدروا هذه النعمة الكبرى لكنهم رفضوها بعصيانهم
عدد 29: أم كيف يستطيع احد ان يدخل بيت القوي وينهب امتعته ان لم يربط القوي اولا. وحينئذ ينهب بيته
أراد بالقوي بعلزبول وذلك ليس لكونه قوياً من طبعه لكن بغباوتنا وتهاوننا جعلناه ان يتغلب علينا كما تغلب على الانسان الاول. واراد “ بامتعته “ الشياطين رفاقه فاني بهذا المثل يفند. عم اليهود في انه ببعل زبوب يخرج الشياطين لانه لا يعقل ان القوي يدع بيته ان ينهب ولا يدافع عن نفسه
(لو ص 11: 21) فانه يذهب بجميع اسلحته التي كان يعتمد عليها ويقسم غنائمه
فقد فسرها القديس افرام قائلا ان المسيح كسر الاصنام التي كان قد خطف الشياطين اسم اللاهوت ووضعوه عليها. واخذ نهيبته اي أخرجهم منها
عدد 30: من ليس معي فهو علي ومن لا يجمع معي فهو يفرق
اي كيف مكن للشياطين الذين هم ضدي ان يتفقوا معي حتى اني بواسطة رئيسهم أخرجهم من الناس. وهم الذين اذا اردت ان اقرب الانسان الى الله وعلمته ان يعمل الصالحات يسعون جهدهم ليبعددوه عن الله ويحملوه على ان يصنع الشر والعصيان. ورب سائل يسأل قائلاً كيف يقول المسيح في غير موضع ان من لم يكون ضدكم فهو معكم وهنا يقول من ليس هو معي فهو علي ؟ فنجيب ان قوله من ليس هو ضدكم فهو معكم خصيصاً بتلاميذه والذين كانوا معهم ز اما قوله هنا المراد منه ليس الشياطين فقط بل كل من كان ضده من اليهود فساواهم بالشياطين لانهم كانوا يضادونه كالشيطان ويبددون ما كان يجمع
عدد 31: لذلك اقول لكم كل خطيئة وتجديف يغفر للناس. واما التجديف على الروح فلن يغفر للناس
قصد بهذا تخويف اليهود وارهابهم لعلهم يتوبون فكأنه يقول لهم انكم اذا تبتم على ما اقترفتموه نحوي من الخطايا كتجديفكم علي وتسميتكم لي مضلاً ومجنوناً وسامراً مدعين اني غير حافظ للناموس واني لست من الله غفرت ذلك لكم. اما اذا جدفتم على الروح القد س الذي به أخرجت الشياطين وشفيت المرضى ونسبتم الاعاجيب التي صنعتها بقوته الى الشياطين فلا يغفر لكم ذلك لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي. ورب معترض يقول اذا كان التجدف عليه يغفر والتجديف على الروح لا يغفر أصبح الابن اذاً أحط شأناً من الروح القدس ؟ فنجب انه لم يقل ان التجديف على الروح لا يغفر على الاطلاق الا اذا كانوا لا يتوبون على هذا التجديف لان كثيرين من الذين قد جدفوا على الابن ولم يتوبوا فما غفر لهم كما ان كثيرين جدفوا على الروح ثم تابوا فغفر لهم. ثم ان التجديف عله أخف من التجديف على الروح لانه ربما كان للمجدفين عذر وهو رؤيته لابساً جسدا. اما في تجديفهم على الروح فلا عذر لهم في ذلك لان الكتب والانبياء تكلموا عنه وأخبروا به.
عدد 32: ومن قال كلمة على ابن الانسان يغفر له. واما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي
أي يوجد قوم يتعذبون هنا في هذه الدنيا وفي الاخرى كالسادومين واليهود الذين تعذبوا في السبي. وكثيرون لم بتعذبوا هنا ولا هناك كالرسل والشهداء وايوب. واذا كانوا هؤلا قد احتملوا الشدائد فذلك لم يكن قصاصاً لكن قتالا مع الاشرار لتمتحن شجاعتهم لان الفرق عظيم بين العذاب لاجل الذنوب والخطايا. وبين التجارب والبلايا التي يمتحن بها المختارون والبررة منالناس في هذا العالم. ثم ان الخاطئ بالجهد نال الغفران عن خطاياه بواسطة العذابات التي يكابدها. وهذا يتحق اكليل الغلبة. وكثيرون يتعذبون هنا مل المساكين والعازر. وكثيرون هناك مثل الغني وأمثاله. ثم ان المراد من قوله “ من جدف على ابن الانسان “ جسده. أي من انكر ان جسده ليس من البتول او انه نزل من السماء ولم يتألم في الحقيقة لكن خيالا فهذا يغفر له اذا تاب. ومن جدف على اللاهوت صانع الباهرات المتجسد لا يغفر له
عدد 33: اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيداً. أو اجعلوا الشجرة رديّة وثمرها رديّاً. لان من الثمر تعرف الشجرة
أراد بالشجرة الصالحة الروح القدس وبثمرتها اخراج الشياطين. وبالشجرة الفاسدة الشيطان وبثمرتها سكنه في الناس. ثم يراد بالشجرة الفاعل وبالثمرة الافعال. فكانه يقول كما انكم تمدحون القوات أي الاثمار التي فعلتها هكذا امدحوني انا الشجرة ولا تفتروا علي بأني بقوة رئيس الشياطين أخرج الشياطين واصنع المعجزات. فشبه ذاته بالشجرة وافهمهم ان العجائب التي فعلها تعرف انه ليس فيه بعل زبوب لكنه فعلها بقوة الروح الشريك له بالطبيعة. وان من يفعل مثل هذه العجائب فلا يمكن ان يكون رديئاً. ثم ان كلامه لم يكن مقصوراً على ذاته فقط بل شمل الروح القدس أيضاً لاجل ذلك ماهم تسمية تلق بهم اذ انتهرهم قائلاً
عدد 34: يا اولاد الافاعي كيف تقدرون ان تتكلموا بالصالحات وانتم اشرار. فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم
شبههم بالافاعي لخبثهم ولكي يجردهم من المجد الذي كانوا يتظاهرون به ويخرجهم من قرابة ابراهيم وأنكر عليهم امكان صدور الصالحات منهم مع ما هم عليه من الشر والخداع. وأما قوله ” فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم ” فذلك لان ما نطبق به الآن هو نتيجة ما يحويه القلب شراً كان ام خيراً. ان اللسان يتعذر عليه احياناً لداعي الخوف أوالحياء اظهار ما ينطوي عليه القلب من الشر والرداوة. الا انه لا شيء يمنع القلب من ان يفكر في الشر كل حين كقلوب اليهود التي كانت تضمر الشر للمسيح وتقوي له الصلب والتعذيب وفي افواههم كانوا يتهمونه انه بعل زبوب يخرج الشياطين
عدد 35: الانسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات. والانسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور
أي ان الرجل الشرير القلب لا يصدر منه الا الشر. والصالح فانه لا يصدر منه الا الصلاح
عدد 36: ولكن أقول لكم ان كل كلمة بطّالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين
عدد 37: لانك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان
أي ان الانسان ربما كان كلامه سبباً في تبريره او تخطيئته. ولذا فليتجنب الطعن والقدح في الناس وكل كلام يكون سبباً لشجبه يوم الدين سواء كان ذلك موجهاً للخالق او للمخلوق
عدد 38: حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد ان نرى منك آية
ان الكتبة والفريسيين لمّا لم يجدوا في كلام المسيح ما يصلح ان يتخذوه حجة عليه طلبوا منه آية لا ليؤمنوا به اذا رأوها بل لعلهم يجـدون فيها ما يتخذونه حجة عليه فيدينونه بها. فجعلوا يدعونه معلماً على سبيل الخداع والتعليق ظناً منهم انهم يخدعونه. اما هو فكان يجيبهم بالسكينة واللين. ولكن عندما كانوا يكلمونه بالهدوء كان يجيبهم بزجر وانتهار مظهراً لهم انه بعيد عن الحدة والفرح معاً. فانه لم يصنع آية كما طلبوا منه هرباً من المجد الباطل لانهم دعوه معلماً على وجه التمليق فلذا انتهرهم قائلاً
عدد 39: فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية الا آية يونان النبي
فسماهم جيلاً شريراً لانهم نكروا خيرات أبيه واحسانه اليهم. وفاسقاً لسبب كفرهم. وبين مساواته مع أبيه ثم دعاهم أشراراً لانهم علىالدوام يفعلون الشرور وفاسقين لانهم فسقوا بالاصنام وسجدوا للمنحوتات صور النساء ثم انه تعالى لما رأى قلوب اليهود غارقة في لجج الخطايا أتاهم بآية يونان. ورب سائل يسأل قائلا كيف عمل آيات بعد ذلك ؟ فنجيب ان الآيات التي عملها فيما بعد لم تكن لاجلهم لكن لاجل غيرهم الذين آمنوا به كالعميان والمخلعين أما الذين لم يؤمنوا به فخاطبهم. بما معناه قد عملت آيات ولم تؤمنوا بي فلذا لا تعطون آية الا عندما تنهدم مدينتكم من الرومانيين بعد صلبي
عدد 40: لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلثة ايام وثلاث ليال
قال ذلك اشارة الى قيامته. فقد عرفوا معنى كلامه. والشاهد لذلك قولهم لبيلاطوس قد تذكرنا ذلك الضال اذ كان يقول اني بعد ثلاثة ايام اقوم. اما التلاميذ فانهم لم يدركوا معنى كلامه لانهم كانوا جهلة. ولم يقل في الارض ولكن في قلب الارض اشارة الى القبر. ثم انه مكث في القبر ثلاثة ايام ليكون موته حقيقياً لا خيالاً اما ما يعترض به البعض من ان المسيح لم يمكث في القبر ثلاثة ايام وثلاث ليال حسبما قال فسنجيبه عن تفسير ذلك في الاصحاح 28 من متى
عدد 41: رجال نينوى سيقومون في الدّين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم من يونان ههنا
أي انكم تستوجبون الدينونة اضعافاً بالنية الى اهل نينوى لان اولئك تابوا بالانذار فقط اما انتم فمع ما رأيتموه من العجائب وسمعتموه من التعليم لم تتوبوا سيما وان اهل نينوى قد وعظهم أحد الانبياء. اما انتم فقد وعظكم الله ثم ان يونان خرج من الحوت فآمنوا بكلامه وتابوا بانذاره اما انا فقد خرجت من القبر وغلبت الموت ولم تؤمنوا بي. ويونان انذرهم بالهلاك وخراب المدينة اما انا فقد بشرتكم بالملكوت
عدد 42: ملكة التيمن ستقوم في الدّين مع هذا الجيل وتدينه. لانها اتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة
سليمان وهوذا اعظم من سليمان ههنا
اي ان ملكة التيمن كابدت تعب الطريق بقصد ان تسمع حكمة سليمان. اما المسيح فقد نزل من اعلى السموات تشوقاً الى خلاص بني البشر فلم يؤمنوا به. ثم ان سليمان تكلم عن الخشب والاشجار والمسيح كلمهم عن الاسرار الخفية والامور الغير الموصوفة. فكأنه يقول لهم انتم مدانون بالنسبة الى ملكة التيمن لان تلك لم تر الايات ومع ذلك فقد اعتقدت حكمة سليمان. أما انا فقد عملت الآيات امامكم ولم تقبلوا كلامي. اما قوله عن نفسه انه اعظم من يونان وسليمان فقد قصد بذلك مجرد التفضيل وان لم يكن بينه تعالى وبينهما وجه الشبه
عدد 43: اذا خرج الروح النجس من الانسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا يجد
عدد 44: ثم يقول ارجع الى بيتي الذي خرجت منه. فيأتي ويجده فارغاً مكنوساً مزيناً
انه تعالى شبه اليهود لكثرة شرورهم وعدم توبتهم بانسان فيه شيطان وخرج منه. فان استمر ذلك الانسان في الشرور وجد الشيطان فيه مكاناً فيذهب ويجلب معه شياطين اخر فسيكنون في ذلك الانسان فتكون اواخر ذلك شراً من اوائله ثم انه اراد بالامكنة والاراضي التي لا ماء فيها أولئك الشعوب الذين لم تبلغهم أقوال الانبياء والبشارة الممثلة بالماء والذين لم يتيسر لهم الاصطباغ بمياه المعمودية. فلم يحج فيهم راحة لانهم صاروا ينبوعا للتعليم المضل. ويراد كذلك بذلك الانسان الشعب الاسرائيلي وبالروح النجس عبادة الاوثان التي دخلت فيه بمصر. فأزالها الآب بواسطة الناموس الذي اعطاه في جبل سينا وملأه من الروح القدس ثم ان في قوله الروح النجس اشارة الى قتل الانبياء ولما طاف في الشعوب الذين كانوا معددومين من المياه الروحية المكنى بها عن الفرائض الالهية ولم يجد فيهم راحة كما كان له في الشعب قال لارجعن الى الشعب فجاء ووجده مكنوساً أي فارغاً من الخيرات والمواهب الروحية التي قد منحت له جبل سينا بل ومزيناً بالشر ومستعدا لقتل المسيح فأخذ معه سبعة ارواح أخر أشراً منه الذين كانوا بالشعوب والطوائف السبع الذين قتلوهم وورثوا ارضهم ودخلوا في الشعب. وقد فسره بعضهم ان التلاميذ لما طردوا الارواح النجسة من الشعب المؤمن بالمسيح دخلوا في الشعب اليهودي الغير المؤمن
عدد 45: ثم يذهب ويأخذ معه سبعة ارواح اخر أشر منه فتدخل وتسكن هناك. فتصير
أواخر ذلك الانسان أشر من أوائله. هكذا يكون أيضاً لهذا الجيل الشرير
اي ان شعب اليهود كان قبلاً يقتل الانبياء. ولاجل ذنبه هذا كان يسبى ثم يرجع. ثم سبي ولم يرجع لانه قتل رب الانبياء. وكانت خطيئته عظيمة
عدد 46: وفيما هو يكلم الجموع اذا أمه واخوته قد وقفوا خارجاً طالبين ان يكلموه
انه سمى اولاد يوسف يعقوب ويوسي ويهوذا اخوته الذين لم يدخلوا ليسمعوا تعليمه ولا جلسوا خارجاً حتى يكمل تعليمه لكنهم ارسلوا رسلاً وراءه كمن لهم عليه سلطان
عدد 47: فقال له واحد هوذا امك واخوتك واقفون خارجاً طالبين ان يكلموك
عدد 48: فأجاب وقال للقائل له. من هي امي ومن هم اخوتي
انه لم يقصد بذلك ان ينكر أمه لكن ليريها ان لا فائدة لها من كونها امه اذا لم تعمل الفضائل. وليعرف الناس انه ليس فقط ابنها لكن ربها ايضا فربها من حيث انه اله وابنها لانه مولود منها بالطبيعة. ولانهم دعوه بافتخار وبمجد باطل كمن لهم عليه سلطان فلذا وبخهم. اما المراد من قوله لهم من هي أمي ومن هم اخوتي فليس انكار القرابة الطبيعية ولكن ليفهم الحاضرين ان القرابة الروحية يفضلها على القرابة الجسدية
عدد 49: ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال ها أمي وأخوتي
عدد 50: لأن من يصنع مشيئة ابي الذي في السموات هو اخي واختي وأمي
ان بقوله هذا ابان مزيد اعتباره لارادة ابيه وضرورة العمل بها حين سمى الذين يتبعونها مبتعددين عن الشرور باخيه واخته وأمه
(الاصحاح الثالث عشر)
عدد 1: في ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس عند البحر
اي في اليوم الذي جاءت اليه أمه وأخوته ليكلموه. وجلس بجانب بحيرة طيباريوس
عدد 2: فاجتمع اليه جموع كثيرة حتى انه دخل السفينة وجلس. والجمع كله وقف على الشاطىء
كان القصد من اجتماع الناس حوله ان يسمعوا تعليمه ويشفي مرضاهم ويشبع جوعهم ويروا جماله على ما قال الذهبي الفم. اما الكتبة والفريسيين فكانوا ياتون اليه لكن يقرفوه بذنب ويأخذوه بكلمة ما ليشتكوه. وانه ركب السفينة وجلس تخلصاً من مزاحمة الجموع له ولكيلا يقفوا وراءه فيمتنعوا عن سماع تعليمه
عدد 3: فكلمهم كثيراً بامثال قائلاً هوذا الزارع قد خرج ليزرع
انه حين كان على الجبل لم يكلمهم بالامثال لانهم كانوا بعد ساذجين أما هنا فتكلم بالامثال لاجل الكتبة والفريسيين المدعين بالمعرفة. اما الفرق بين الالغاز والبراهين والامثال والغوامض هو ان البرهان يأتي غالباً على شهادة الناس. فيكون من المعلومات على غير المعلومات كقوله انه شعاع مجده وصورة ذاته. ومن المعلومات على المعلومات كقوله سيق كالخروف للذبح. ومن غير المعلومات على المعلومات كقول بولس الرسول رأيت ما لم تره عين ولا سمعت به اذن. اما المثل على الالغاز فهو كقوله تعالى تشبه ملكوت السماء عشر بتولات. وكقوله تشبه ملكوت السماء حبة خردل والغامض هو كلمة معقدة كقوله خرج من الآكل اكلاً وغير ذلك. اما القديس يوحنا وموسى ابن الحجر فيسمون الامثال الغازاً وكذلك القديس متى سماها الغازاً والانجيليون الثلاثة الاخرون سموها امثالاً وقد كان يتكلم بالالغاز مع الجموع والتلاميذ اولاً لان الفلاسفة ما كانوا يعلمون ما سيكون من تعليمهم لاجل ذلك بنوا علومهم على الامثال والالغاز اما هو وان كان يلقي تعاليمه بالامثال و الالغاز الا انه اظهر ما سوف يكون من وراء تعليمه. ثانياً لان قوله كان ضد اليهود كقوله كرماً كان لحبيبي لاجل ذلك اخفي كلامه تحت طي الالغاز. ثالثاً اراد ان يجعل التلاميذ متيقظين ومستعدين لفحص الكلام. رابعاً لانه كان يتكلم دائماً عن انتشار الانجيل بين الشعوب اقتضى ان يتكلم بالالغاز لئلا يهيج اليهود ضده او يغضب اولئك الذين كانوا يرمون الشقاق والذي اشار عنهم قوله احذروا من الانبياء الكذبة. او ربما لاجل الامور غير المنظورة التي كان يتكلم عنها اراد ان يتكلم بالالغاز لكي لا يفهم السامعون الاسرار الالهية لانه كان بينهم الذين لا يستحقون ان يسمعوا مثل هذه التعاليم من الكتبة والفريسيين ثم انه تعالى ضرب هذا المثل لاولئك الذين كانوا مزمعين ان يقبلوا تعاليمه الا ان قلوبهم كانت مرتابة وقتئذ بتعاليمه. فشبه نفسه بالزارع وتعليمه بالزرع والنفس وقلوب بني البشر الذين يزرع فيهم التعليم بالحقول والاراضي. وقوله خرج اشار الى نزوله الى الارض من غير ان ينتقل من عند ابيه ليفلح ارض قلوبنا وينقي منها الخطيئة ويزرع فيها الفضيلة
عدد 4: وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق. فجاءت الطيور واكلته
عدد 5: وسقط آخر على الاماكن المحجرة حيث لم تكن له تربة كثيرة. فنبت حالاً اذ لم يكن له عمق أرض
عدد 6: ولكن لما اشرقت الشمس احترق. وإذ لم يكن له أصل جفّ
عدد 7: وسقط آخر على الشوك. فطلع الشوك وخنقه
انه تعالى شبه هنا الذين يسمعون تعليمه بالطريق والصخرة وشبه الشيطان بالطائر. فالطريق هم المتهاونون والكسالى الذين لم يقبلوا تعليم الأنجيل لكنهم داسوه بأرجلهم مثل الزرع الساقط علي الطريق. والصخر هم الضعفاء الذين يقبلون التعليم زماناً يسيراً فاذا عرض له شيء تركوه والمراد بالأشواك أولئك الذين هم مشتبكون بأمور العالم وقلوبهم متعلقة بشهواته ومقتنياته فهؤلاء يختنقون كالزرع بين الشوك ويأبون الموعظة والتعليم. وكما ان الاشواك تؤذي من يدنو منها هكذا الغنى والعالم فانهما يؤذيان الذين يحبونها. أما الذي سقط في الارض الجيدة فشبه به الذين يقبلون التعليم ويثبتون فيه
عدد 8: وسقط آخر على الارض الجيدة. فأعطى ثمراً. بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين
انه تعالى شبه بالزرع الذي اعطي ثمراً الواحد مئة أولئك الذين اقتنوا الفضيلة نفساً وجسداً وتلمذوا الامم وأرجعوها عن عبادة الاوثان مثل الرسل وبالذي أعطى واحده ستين اولئك الذين قرنوا الفضيلة الجسدية بالفضيلة الروحية فحولوا الخد للضارب وعوض الميل مضوا ميلين. وبالذي أعطى واحده ثلاثين الذين يمارسون الفضائل الجسدية فقط كالعفة والتقشف. وبقوله مئة وستين وثلاثين أشار الى ان ممارسي الفضائل ليسوا على السواء فان الذي يعطي ثمراً واحده ثلاثين يشبه العبد الذي يعمل خوفاً من العذاب والذي يعطي ستين يشبه الاجير الذي ينتظر أجره في العالم الآتي. والذي يعطي مئة يشبه الابن الذي يعمل ليرث ملكوت أبيه السماوي. فيسمي نفسه زارعاً لانه زرع الانجيل المقدس وعلمه للاغنياء والفقراء وللمجتهدين والمتهاونين كي يعطوه ثماراً. فكما رتب عاملي الخيرات على ثلاث مراتب وان لم يعملوا على السواء هكذا جعل عاملي السيئات على ثلاثة أنواع. ثم ان الانبياء كانوا يضربون الامثال بالكرم للشعب كقول احدهم كان كرم لحبيبي. وكرمة أخرجت في مصر. أما المسيح فكان يضرب بالحقل المزروع أمثاله للشعب اشارة الى ان المشبهين بالزرع هم سريعوا الانقياد والطاعة لاوامره وانهم كالزرع سريعوا النمو والاثمار لان الزرع يثمر في ثمانية أشهر والكرمة في ثلاث سنين. ورب سائل يسأل لماذا تلف ثلاثة أجزاء الزرع أو بالاحرى من النفس السامعة. ولعل سائل يسأل لماذا لم يقل المسيح ان المتهاونين أتلفوه وهم الممثلون بالزرع الساقط بين الشوك ؟ فنقول انه لم يشأ ان يؤلمهم كثيراً لئلا يقطعوا رجاءهم. لكنه تركهم ان يوبخوا هم ذراتهم. ثم ان المثل قاله لتلاميذه لكيلا يتهاونوا بالوعظ. أما قوله على الصخرة والطريق والشوك فليس المراد منه الارض والبذار لكن النفس القابلة للتعليم. ورب سائل يسأل قائلاً اذا كانت الارض جيدة والزرع واحداً فلماذا لم يثمر على السواء؟ فنقول ان هذا ليس سببه الفلاح والزرع لكن الارض القابلة للزرع
عدد 9: من له أذنان للسمع فليسمع
اي ان كانت آذان نفسه سامعة فليسمع ويفهم ما قد قلت
عدد 10: فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال
عندما سأله تلاميذه هذا السؤال لم تكن الجموع حاضرة ولكنها كانت بعيدة على ما ذكره مرقس البشير فعلى هذا النمو كان يجب ان يسأله أمه وأخوته. ومن هذا السؤال يتبين لنا اهتمام ومحبة تلاميذه للجموع لانهم رأوا ان الامثال يصعب فهمها على الجموع فطلبوا منه ان يكلمهم بسذاجة
عدد 11: فأجاب وقال لهم لأنه قد اعطي لكم ان تعرفوا اسرار ملكوت السموات. وأما لأولئك فلم يعط
انه لم يعط التلاميذ فقط معرفة الاسرار لكن التلاميذ قد عرفوها بارادتهم كما ان الجموع امتنعوا عنها بحريتهم ايضاً. ويعرف هذا من قوله بعد
عدد 12: فإن من له سيعطى ويزاد. وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه
أي ان من له ارادة صالحة واجتهاد ويخاف الله يمنح معرفة أسرار ملكوت السموات كالبشارة والرموز المقولة عن آلامه وموته وقيامته. ومن ليس له الارادة فلا يعطى له ذلك وليس المراد من ذلك ان الله يسترجع هذه المعرفة ممن كانت له. ولكن لا يجعله أهلاً لها ويقصيها عنه اذا كان مزمعاً ان ينالها
عدد 13: من أجل هذا أكلمهم بأمثال. لانهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون
اي اني اكلمهم بامثال لكي امتحن ارادتهم. وقال يبصرون ولا يبصرون لان شرورهم كانت بسبب عمى قلوبهم ارادةً لا طبعاً. ومعنى ذلك هو انهم ينظرون الشياطين يخرجون ولا يؤمنون كالذين لا ينظرون وفوق ذلك يتهمونه انه ببعل زبوب يخرج الشياطين. وكذلك فمع انهم يسمعون. ولذا اتاهم بشهادة من اشعيا وهي
عدد 14: فقد تمّت فيهم نبوة اشعيا القائلة تسمعون سمعاً ولا تفهمون. ومبصرين تبصرون ولا تنظرون
اي انكم مع سماعكم للاقوال تتجاهلون عن سمعها وتأبون معرفتها وفهمها
عدد 15: لان قلب هذا الشعب قد غلظ. وآذانهم قد ثقل سماعها. وغمضوا عيونهم لئلا
يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم
انه تعالى يحثهم على التوبة والعودة اليه ليغفر لهم ويخلصهم. لذلك خاطب تلاميذه قائلاً
عدد 16: ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر. ولآذانكم لانها تسمع
انه تعالى اعطى تلاميذه الطوبى لانهم بما قد أبصروه وسمعوه منه بارادة صالحة
عدد 17: فإني الحق أقول لكم ان أنبياء وأبرار كثيرين اشتهوا ان يروا ما أنتم ترون ولم يروا. وان يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا
أي ان الانبياء والصديقين الذين تقدموكم اشتهوا ان يروني ويروا ما رأيتموه من المعجزات فلم يروا ذلك عياناً لكنهم أبصروه بالايمان. وقال بعضهم ان الجموع ربما لم يؤمنوا بأقوال المسيح لغموضها وعدم فهمهم لها ؟ فنجيب انه كان في امكانهم ان يسألوه عما أشكل عليهم فهمه ولكنهم لم يريدوا ذلك. اما الرسل فأرادوا واستحقوا الطوبى
عدد 18: فاسمعوا أنتم مثل الزارع
عدد 19: كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه. هذا هوالمزروع على الطريق
عدد 20: والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالاً يقبلها بفرح
عدد 21: ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو الى حين. فاذا حدث ضيق او اضطهاد من أجل الكلمة فحالاً يعثر
عدد 22: والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة. وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر
عدد 23: وأما المزروع على الارض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم. وهو الذي يأتي بثمر فيصنع بعضٌ مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين
انه تعالى وجّه كلامه هذا الى الرسل لانه علم ان لهم ارادة صالحة في سماعه وفهمه
عدد 24: قدّم لهم مثلاً آخر قائلاً. يشبه ملكوت السموات إنساناً زرع زرعاً جيداً في حقله
ان هذا المثل هو غير ما تقدم لان ذاك منهم قبلوه كقوله الارض الجيدة ومنهم ما قبلوه كالطريق والصخرة والشوك. اما هذا الاخير فقد قبله الجميع لانه كان اشارة الى الشيطان والرسل الكذبة والهراطقة الذين يزرعون زؤان تعليمهم بين زرع تعليمه الجيد
عدد 25: وفيما الناس نيام جاء عدوه وزرع زؤاناً في وسط الحنطة ومضى
أراد بالنوم التغافل عن عمل الفضائل وبالعددو الشيطان. اما الزؤان فيراد به الانبياء الكذبة الذين أدخلهم مع الانبياء الحقيقيين والرسل الكاذبين مع الرسل الصادقين. وقد مثل بالزؤان أولئك الذين هم بالاسم مسيحيون وبالفعل بعيدون عن الاعمال المسيحية
عدد 26: فلما طلع النبات وصنع ثمراً حينئذ ظهر الزؤان أيضاً
انه يشير بذلك الى ان الهرطقات مزمعة ان تظهر عندما تنمو الديانة المسيحية. وقوله ” ظهر الزؤان ” اي كما ان الزؤان يكون خفياً ثم يظهر هكذا الهراطقة فانهم يخفون أنفسهم ثم بعدما يقبلهم الناس معلمين يفرغون سم تعليمهم
عدد 27: فجاء عبيد رب البيت وقالوا له يا سيد أليس زرعاً جيداً زرعت في حقلك. فمن اين له زؤان
العبيد هم الملائكة ورب البيت هو المسيح فكأنهم يسألونه تعالى كيف وجد الزؤان داخل الزرع
عدد 28: فقال لهم. انيان عدو فعل هذا. فقال له العبيد أتريد ان نذهب ونجمعه
فالعدو هو الشيطان وسمّاه عدواً لانه ضدّ الله وبني البشر. ثم تأمل بمحبة الملائكة الذين يريدون اهلاك موجدي الطغيان
عدد 29: فقال لا. لئلا تقلعوا الحنطة مع الزؤان وأنتم تجمعونه
فيمنعهم الا يجمعوه لعل هؤلاء يقلعون عن رذائلهم ويرجعون الى الحق
عدد30 : دعوهما ينميان كلاهما معاً الى الحصاد. وفي وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا اولاً الزؤان واحزموه حزماً ليحرق. وأما الحنطة فاجمعوها الى مخزني
أراد بأوان الحصاد منتهى العالم وبالحصادين الملائكة فانه سيأمرهم بان يجمعوا الهراطقة ويلقوهم في النار. وقوله اجمعوا لا يفيد ان الهراطقة الآثمين يدخلون النار أولاً لكن معنى قوله أولاً هو ان الصالحين سيسمعون صوت الديّان العادل فيزول عنهم الخوف أما الاشرار فسيذهبون وحدهم الى النار المعددة لابليس معلمهم
عدد 31: قدّم لهم مثلاً آخر قائلاً. يشبه ملكوت السموات حبة خردل اخذها إنسان وزرعها في حقله
عدد 32: وهي اصغر جميع البزور. ولكن متى نمت فهي اكبر البقول. وتصير شجرة حتى ان طيور السماء تاتي وتتأوى في اغصانها
المراد بحبة الخردل الكرازة وبالرجل المسيح وبالحقل الخليقة وطيور السماء الشعوب الحنفاء المستظلون في ظلها. فمن هذا المثل يتضح ان مفعول بشارة الانجيل في ابتدائها كان قليلاً وضعيفاً جداً اكثر من جميع العلوم. لانه في الانجيل المقدس مذكور عن الصليب والآلام والموت فكل هذا مما يبعث على عدم الثقة والايمان بها ولكنها مع ذلك نمت وعظم شأنها وفاقت جميع العلوم كحبة الخردل التي تنمو أكثر من كل الزروع الاخرى
ان خواص الخردل كثيرة منها أولاً انها أصغر من الحنطة والشعير فاذا نمت صارت أكبر منهما وهكذا بشارة الانجيل. ثانياً انها مدورة ملساء فهكذا البشارة فهي صحيحة وغير منشقة. ثالثاً ان حبة الخردل لا تنقسم الى شطرين كمثل باقي الزروع هكذا الكرازة بالثالوث فانها تعلمنا ان فيه طبيعة واحدة غير منقسمة. وكما ان حبة الخردل غير متجزئة هكذا يجب الا نتجزأ او نبتعد عن محبة الله ومحبة بعضنا لبعض. رابعاً ان حبة الخردل هي أحد أشد حرارة من النباتات هكذا ان المؤمنين يجب ان يكونوا حارين بموهبة الروح القدس التي يقبلونها. خامساً ان الذي يسحق الخردل تدمع عيناه هكذا من يقاوم البشارة ويضطهد المبشرين سوف يبكي في يوم الدينونة. سادساً ان حبة الخردل تحفظ الجسم من النتانة هكذا كرازة الانجيل المقدس فانها تبعد عن الانفس نتانة الخطيئة. سابعاً حيث يزرع الخردل تبيد المزروعات الاخرى. وهكذا كرازة الانجيل فانها تبيد زروع الهرطقات النجسة. ثامناً ان حبة الخردل حمراء وملساء فاحمرارها يشير الى ان المسيحية لا تكتسب الا بالدم والشدائد وملاستها تفيد ان مقاومة الاعداء لا تضرنا ما دمنا متحدين في الاعمال الصالحة. تاسعاً اذا اختلط الخردل ببعض المأكولات اتصل الى المفاصل وهكذا الكلام عن الايمان يجب ان يدخل الى أعماق قلوبنا. عاشراً ان الخردل يهضم الاكل وينقي الاخلاط هكذا يجب علينا ان نتنقى من الخطيئة بواسطة التعب
عدد 33: قال لهم مثلاً آخر. يشبه ملكوت السموات خميرة اخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع
ان كلامه لما كان موجهاً الى اناس جهلة استعمل امثالاً طبيعية كالخردل والخمير لكي يفهموا. اما المراد بالخمير فبشارة الانجيل لانها تمتد مثل الخمير وتبطل كل العلوم. والمراد بالمرأة اللاهوت. ومثلها آخرون بالكنيسة التي بطلت الحنفية واليهودية والسامرية. اما الثلاثة اكيال فترمز عن بني نوح الثلاثة الذين منهم تناسل العالم. وقال آخرون ان الثلاثة اكيال تشير الى أجزاء النفس الثلاثة كما يشير اليها قوله ثلاثون وستون ومئة. فالقمح هو الشعب والشعوب الذين آمنوا به وكما ان الخمير اذا وضع في ثلاثة اكيال دقيق خمّرها كلها ويجذبها اليه هكذا تعليم المسيح فانه يجذب الحنفاء واليهود والسمرة الى وحدة الايمان. وقال آخرون ان الضمير اخذ النعمة ودفنها في الجسد والنفس والروح. فقد أتاهم بالخمير مثلاً ليبين لهم انه سيجذبهم اليه كما ان الخمير يجذب العجين اليه
عدد 34: هذا كله كلّم به يسوع الجموع بأمثال. وبدون مثل لم يكن يكلمهم
انه لم يكلمهم بالامثال بقصد ان لا يفهموا. لكن ليحثهم على ان يسألوه بواسطتها كما فعل التلاميذ مع انه كثيراً ما تكلم معهم بغير أمثال ولكن لم يسأله أحد عن المعنى.
عدد 35: لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سافتح بأمثال فمي وانطق بمكتومات منذ تأسيس العالم
أي ليبين انه ما عمل شيئاً جديداً لكنه كمّل ما قد قاله الانبياء وهذا القول مذكور بالمزمور السابع والسبعين.
عدد 36: حينئذ صرف يسوع الجموع وجاء الى البيت. فتقدم اليه تلاميذه قائلين فسر لنا مثل زؤان الحقل
عدد 37: فأجاب وقال لهم. الزرع الزرع الجيد هو ابن الانسان
عدد 38: والحقل هو العالم. والزرع الجيد هو بنو الملكوت. والزوان هو بنو الشرير
عدد 39: والعدو الذي زرعه هو ابليس. والحصاد هو انقضاء العالم. والحصادون هم الملائكة
عدد 40: فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار هكذا يكون في انقضاء هذا العالم
عدد 41: يرسل ابن الانسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم
عدد 42: ويطرحونهم في اتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان
انه تعالى لم يترك الجموع لانهم لم يسألوه تفسير الامثال حال كون اباؤهم قد سألوا الانبياء. ولكنه تركهم لانهم أرادوا ان يقرفوه بذنب ما من كلامه
عدد 43: حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم. من له أذنان للسمع فليسمع
أي ان الصالحين من أجل فضائلهم سيفوق ضياء الشمس اما قوله في ملكوت أبيهم ذلك لانهم عملوا ارادته كالولد العامل ارادة أبي.
عدد 44: أيضاً يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفى في حقل وجده انسان فأخفاه ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل
أراد بملكوت السموات بشارة الانجيل وبالكنز لاهوت سيدنا الذي كان مخفياً في ناسوته وبالرجل الذي خبأه الشعوب الذين كانوا غريبين عن الايمان وعرفوا لاهوت المسيح من العجائب والانذار به فحفظوه في قلوبهم وباعوا تعليمهم واشتروا غنى المسيح الذي أغناهم اكثر من كل ذخيرة
عدد 45: أيضاً يشبه ملكوت السماوات انساناً تاجراً يطلب لآلىء حسنة
ان الرجل التاجر هو الشعب اليهودي الذي ترك الناموس العتيق وتتلمذ لبشارة الانجيل مثل بولس
عدد 46: فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها
المراد باللؤلؤة ايمان المسيح. فمضى وباع كل ماله كقول بولس ان الفرائض المفيدة لي حسبتها خسارة بالمسيح. فانه سمى تجاراً أولئك اليهود الذين كانوا يظنون انهم بالناموس يخافون الله. وبمثل الكنز يعلمنا ان بشارة الانجيل تفوق كل شيء لشرفها وأهميتها. وبمثل الخردل أفهمنا ان البشارة ستمتد في كل المسكونة وتنمو كالخردل. وانها تمجد وتكرم كاللؤلؤة وانها ممتلئة كثيراً من الفوائد كالكنز وتجذب الكل اليها كالخمير
عدد 47: أيضاً يشبه ملكوت السماوات شبكة مطروحة في البحر وجامعة من كل نوع
عدد 48: فلما امتلأت أصعدوها على الشاطئ وجلسوا وجمعوا الجياد الى اوعية. وأما الأردياء فطرحوها خارجاً
عدد 49: هكذا يكون في انقضاء العالم. يخرج الملائكة ويفرزون الاشرار من بين الابرار
أراد بالشبكة بشارة الانجيل الممتدة كل العالم وبقوله جمعت من كل جنس بني البشر المختلفي الاديان والمذاهب الذين اصطيدوا بكرازة الانجيل المقدس. واراد بشاطئ البحر القيامة وبالاخيار الصديقين وبالاشرار الاثيمين
عدد 50: ويطرحونهم في اتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان
انه كنى بالبكاء وصريف الاسنان عن العذابات الصعبة التي سوف يقاسيها الاشرار الذين رفضوا البشارة والعمل بالاوامر الالهية
عدد 51: قال لهم يسوع افهمتم هذا كله. فقالوا نعم ياسيد
اي انهم اعترفوا بالفهم الذي وهب لهم ولذلك مدحهم بقوله
عدد 52: فقال لهم.من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السماوات يشبه رجلاً رب بيت يخرج من كنزه جدداً وعتقاء
انه دعى الرسل وكل الذين لهم معرفة بالعهدين العتيق والجديد كتاباً لانهم اذا شاءوا تكلموا من العهد العتيق وان شاءوا فمن الجديد. وبقوله هذا مدح العهد القديم ورذل الهراطقة ماني ومرقيان الذين يرفضونه
عدد 53: ولما أتم يسوع هذه الامثال انتقل من هناك
أي انه انتقل الى مكان آخر حتى يبث تعليمه النافع في كل مكان
عدد 54: ولما جاء الى وطنه كان يعلمهم في مجمعهم حتى بهتوا وقالوا من أين لهذا هذه الحكمة والقوات
فوطنه هو الناصرة لانه تربى فيها ودعي بصفة كونه انساناً ناصرياً نسبةً اليها وان يكن الهاً مثل أبيه.وكان يعلم في مجامعهم دائماً لئلا اذا رأوه يعلم في البرية أتهموه انه يرمي الشقاق ويضاد السلام
عدد55 : أليس هذا هو ابن النجار. أليست أمه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا
عدد 56: أوليست أخواته جميعهن عندنا. فمن اين لهذا هذه كلها
دعوه ابن النجار استحقاراً له. فكان يجب ان يعرفوا انه نشأ من آباء حقيرين أبناء فاضلون كموسى من عمرام وداود من يسى. فضلاً عن انه كان يجب ان يعتبروا كلامه كلام اله لا كلام انسان. وذكر مرقس انهم قالوا أليس هذا النجار ابن مريم ؟ كما هي العادة في تسمية الابن باسم أبيه ولذا فانهم دعوه نجاراً لان والده كان كذلك. أو لانه كان يشتغل هو نفسه بالنجارة. وتنبأوا في ذلك الوقت بما لم يريدوا فسموه نجاراً اشارةً الى كونه خالق العوالم ومكون السماء والارض. كما تنبأ عنه قيافا
عدد 57: وكانوا يعثرون به. وأما يسوع فقال لهم ليس نبي بلا كرامة الا في وطنه وفي بيته
أي انه يكون حقيراً ومرذولاً مثله حتى ان اخوته لم يؤمنوا به بل كان عندهم كاحد الناصريين
عدد 58: ولم يصنع هناك قوات كثيرة من أجل عددم ايمانهم
أي انه لم يصنع في الناصرة قوات كثيرة لئلا يقل ايمانهم اذا كثرت فيمتلئوا حسداً ضده ويشجبون. فضلاً عن انه كان عارفاً انهم لا يستفيدون ولذا فقد صنع قوات قليلة عندهم لئلا يقولوا عنه قبلاً ” أيها الطيب شف نفسك “. لوقا يقول انه أتاهم ببراهين من ذلك قوله ان ايليا لم يمض الى أحد من بني جنسه لكن الى ارملة من الشعوب. واليشع لم يطهر من البرص سوى نعمان السرياني الذي كان من امة غريبة. والمسيح فعل كما فعل قبله الانبياء دون ان يزيد شيئاً جديداً. وفي يومنا هذا نرى ان عظام القديسين تظهر منها القوات للغرباء ولا تظهر لنا لقلة ايماننا
(الاصحاح الرابع عشر)
عدد 1: في ذلك الوقت سمع هيرودس رئيس الربع خبر يسوع
اي انه تغافل ولم يرد ان يسمع قبلاً لنفاقه. لان المنهمكين مثله في الامور الدنيوية يعسر عليهم معرفة الامور الصالحة. ثم ان هيرودس هذا هو غير ذلك الذي قتل الاطفال لان ذاك كان ملكاً مسلطاً من طرف القيصر الروماني على كل اليهودية وهذا هو ابن ذلك. فقد كان له ستة بنين من امرأته مريم ابنه اورقانوس فولد اريسطوبولس واورقانس. ولما قتل امرأته مريم أراد بنوه ان يقتلوه فاصعدهم الى قيصر وقتلا هناك. وولد له أيضاً ارخلاوس وهيرودس وفيلبس ولوسانيا من نساء اخر. ثم بعد موته استولى الرومانيون على كل اليهودية وكان ارخلاوس يوم ذلك ابن تسع سنين. فلما وشي به للرومانيين انه قاصر لصغر سنه قسم الرومانيون ملكه الى اربعة أجزاء وولوا على الاجزاء الثلاثة اخوته الثلاثة هيرودس وفيلبس ولوسانيا وكل واحد منهم كان يدعى ططرخا أي رئيس جزء من الاربعة الاجزاء. ثم بعد ذلك أخذوا قسم ارخلاوس وأضافوه الى قسم فيلبس أخيه
عدد 2: فقال لغلمانه هذا يوحنا المعمدان. قد قام من الاموات ولذلك تعمل به القوات
تأمل بشرف الفضيلة فقد كان يخاف هيرودس من يوحنا حتى بعد موته ومن خوفه تكلم عن قيامته قائلاً ذلك لعبيده فقط ظناً منه ان يسوع هو يوحنا. وذكر لوقا ان هيرودس قال “ ان يوحنا انا قطعت رأسه 9: 9 “ وليس في روايات الانجيلين تناقض. فاولاً قال انه قام. ولما سمع انه قام لم يصدق وقال انا قطعت رأسه. وربما قال ذلك متعظماً امام الذين قالوا انه يوحنا
عدد 3: فان هيرودس كان قد امسك يوحنا واوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس اخيه
ان يوحنا لما لم يسمح لهيرودس بالتزوج من امرأة أخيه نقم عليه وسجنه بحجة انه يضل الناس بمعموديته وبأعماله وربما كان ذلك لحدوث فتنة بين اليهود. اما متى فلم يكتب قصة يوحنا في محلها. واكتفى في روايته بالاشارة الى قول هيرودس عن يوحنا انه قد قام من بين الاموات. ثم يتساءل البعض في انه لماذا كان يمنع يوحنا هيرودس من أخذه امرأة أخيه اذا مات هذا دون بنين ليقيم زرعاً لاخيه الميت ؟ فنجيب ان ذلك كان مباحاً لهم لعدم اعتقادهم بالقيامة ولاهتمامهم الزائد في أمور هذا العالم الزائل وقد كان لفيلبس ابنة من هيروديا وكانت تسمى هيروديا باسم امها. وقد ذكر يوسيفوس المؤرخ ان هيرودس المنافق كان قد زنى بامرأة أخيه في حياته وعزلها عن بعلها وهجر امرأته الحلال ابنة ارطا ملك الفرتيين. فحاربه حموه لاحتقاره ابنته وزنائه بامرأة أخيه وبسبب هيروديا سقط هيرودس من سلطنته ونفي معها الى بيبيانا وهي مدينة الجليل فيكون منع يوحنا له من التزوج منها هو لانه زنى بها في حياة أخيه لا لانه كان لها ابنة لان الانثى لا تقيم زرعاً والناموس لا يمنع الزواج من امرأة الاخ بعد موته
عدد 4: لان يوحنا كان يقول له لا يحل ان تكون لك
في العهد القديم كان الناموس يأذن بأخذ امرأة الاخ الميت ولان يوحنا كان كاروز العهد الجديد منع هيرودس من أخذ امرأة أخيه الميت. والذي كان يخلف أولاداً ويموت لم يكن مأذوناً ان يتزوج بامرأته الا الغريب وذلك لكي تنمو القرابة وتكثر لانهم لم يكونوا يؤمنون بالقيامة
عدد 5: وكان يريد قتله فخاف من الجمع لان يوحنا كان يعدد عندهم نبياً
اذاً لم يقتله تمسكاً بقسمه فكان يريد قتله قبل القسم الا انه كان يخاف من قداسته ومن سجن الشعب. ومن هذا يظهر جلياً ان أرباب القداسة هم مكرمون ومشرفون حتى من أعدائهم. ثم ان يوحنا لم يوبخ هيروديا بل هيرودس لانه كان صاحب الشأن في هذا العمل وصاحب الامر والنهي
عدد 6: ثم لما صار مولد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في الوسط فسرّت هيرودس
عدد 7: ومن ثم وعد بقسم انه مهما طلبت يعطيها
عدد 8: فهي إذ كانت قد تلقنت من امها قالت اعطني ههنا رأس يوحنا المعمدان
فقد جرت العادة عند الملوك والرؤساء انه اذا ولد لهم ابن يؤرخون يوم ولادته وفي كل سنة يقيمون الافراح تذكاراً لذلك اليوم وغير الملوك ايضاً يحتفلون بذكرى مولدهم عندما يبتدئون ان يحلقوا اللحى والشعر. أما أجرة هيروديا الراقصة في ذلك الديوان الذي كان جامعاً أنواع الشراهة والسكر والفجور فكان اراقة دم بريء وقد دعته المعمدان دون خشية ولا حياء
عدد 9: فاغتمّ الملك. ولكن من أجل الاقسام والمتكئين معه أمر ان يعطى
قال قوم ان هيرودس مع اشهاره بالشر والفجور قد حزن لهذا الطلب حزناً حقيقياً وذلك لقداسة يوحنا أما نحن فنقول انه تظاهر بالحزن امام المتكين تخلصاً من اللوم وقال آخرون انه قد علمها سراً ما الذي تطلبه قبل حضورها الى المجلس ولذلك اقسم لها. ثم انها ما طلبت احضاره من السجن خوفاً من ان يوبخها لكنها طلبت رأسه لتشمت به امام الحضور اقتصاصاً منه. فكان واجب على الاثيم ان يختزي من الاثم الذي عمله في حضرة المتكين أزيد من ان يكذب امامهم
عدد 10: فأرسل وقطع راس يوحنا في السجن
أي رأس ذلك الذي فضح أمر هيروديا في البلاد اليهودية وهو حي وفي موته فضحها في كل الاقطار بواسطة تخليد ذكرها السيء في الكتب
عدد 11: فأحضر رأسه على طبق ودفع الى الصبية. فجاءت به الى أمها
ان هيروديا بعد ان أخذت رأس يوحنا الى أمها عادت الى المتكين حتى تجدد الرقص وكانت بركة ماء الى جانب المجلس فنزلت لترقص على الجليد وفي الحال انكسر الجليد وغرقت فابتلعها حوت كبير. ولما لم يقدروا ان ينجوها قطعوا رأسها بالسيف الذي قطع به رأس يوحنا وللوقت قذفتها الحوت وابتلعتها الارض وكان رأس يوحنا لا يزال امام أمها تسخر به قائلةً أين فمك الذي كان يؤلم حياتنا. فوضعوا امامها رأس ابنتها فرجت عيناها لكثرة بكائها وسقطتا على رأس يوحنا ورأس ابنتها. فلما سمع بيلاطوس بما قد جرى ليوحنا أرسل وقتل كل المتكين الذين كانوا في مجلس هيرودس ومن ذلك اليوم وقعت عداوة بينهما ولم يتصالحا الا في أيام آلام السيد المسيح. وهيرودس هذا كان رئيس الربع فانتقم الله منه كانتقامه قبلاً من أبيه فنفي من ملكه وابتلي بمرض الاستسقاء ودود ومات موتاً شنيعاً
عدد 12: فتقدم تلاميذه ورفعوا الجسد ودفنوه. ثم اتوا واخبروا يسوع.
ان تلاميذ يوحنا لمزيد محبتهم له دفنوا جسده دون ان يهابوا انتقام هيرودس وأتوا فتبعوا يسوع وأخبروه بما قد جرى لان معلمهم قبل ان يقتل ارسلهم الى يسوع ليسالوه أأنت هو الآتي. ان يوحنا سبق السيد المسيح الى القبر بستة أشهر كما سبقه بالميلاد ستة اشهر وكان يوم قتله في التاسع والعشرين من شهر آب
عدد 13: فلما سمع يسوع انصرف من هناك في سفينة الى موضع خلاء منفرداً. فسمع الجموع وتبعوه مشاة من المدن
انه تعالى لم ينتقل من موضعه قبل ان يخبروه بقتل يوحنا وان كان يعلم بما قد جرى ليبين سياسته الحقيقية وكان يفعل كل افعاله انسانياً لانه لم يكن قد حان زمان اظهار لاهوته فلاجل ذلك أوصى تلاميذه بالا يقولوا لاحد انه هو المسيح حتى يقوم من بين الاموات. ولان الجموع لم يخافوا مما جرى ليوحنا ويمتنعوا عن اتباع يسوع لمجرد محبتهم له كافاهم في الحال. ثم نقول ان التلاميذ لم يخبروه بقتل يوحنا لانه كان قد علم بذلك قبلاً. أما خبر يوحنا فوارد على هذا النسق وهو ان هيرودس لما سمع بخبر المسيح وعجائبه ظن ان يوحنا قام من بين الاموات وأراد ان يراه اذا امكنه ذلك فلما قيل ليسوع ان هيرودس يريد ان يراك انتقل الى البرية فينتج مما تقدم انه لم يخبره احد عن قتل يوحنا بل عن رغبة هيرودس في رؤيته اياه
عدد 14: فلما خرج يسوع أبصر جمعاً كثيراً فتحنن عليهم وشفى مرضاهم
انه تحنن عليهم لحفظهم الامانة نحوه اذ تركوا المدن وذهبوا وراءه ومع انهم كانوا معذبين من الجوع لم يشأوا ان يتركوه فلاجل ذلك شفى مرضاهم
عدد15 : ولما صار المساء تقدم اليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء والوقت قد مضى. اصرف الجموع الي يمضوا الى القرى ويبتاعوا لهم طعاماً
ان ما ذكره يوحنا عن قول فيلبس انه لا يكفي لهذا الشعب خبز بمائتي دينار لا يراد به ثمن الخبز ولكنه يشار به عن كثرة الجمع سيما وان التلاميذ لم يكن مسموحاً لهم ان يقتنوا فضة اذ لم يكن في وسعهم ان يبتاعوا خمسة ارغفة من ذلك الشاب. وعندما سألهم سيدنا لم يكونوا قد اشتروا الخبز لانه لم يكن عندهم ما يشترون به كما كانوا مامورين من المسيح بألا يأخذوا معهم شيئاً للطريق حين تطوافهم في البلاد اليهودية. ولم يطلبوا منه ذلك لا خجلاً منه ولكن لعدم اهتمامهم بالجوع لمزيد محبتهم له كما ان التلاميذ ليس لقلة ايمانهم بالمسيح سألوه ان يصرف الجموع الخ لكن لانهم لم يكونوا يظنون انه سيعمل شيئاً مثل هذا وان كانوا يعرفون قدرته من العجائب الكثيرة التي صنعها
عدد 16: فقال لهم يسوع لا حاجة لهم ان يمضوا. اعطوهم انتم ليأكلوا
أي اذا كان قد فاتهم الوقت فلا حاجة الى ذهابهم ولم يقل انا أعطيهم لياكلوا ولكنه قال لتلاميذه اعطوهم انتم اما هم فلم يفهموا كلامه هذا
عدد 17: فقالوا له ليس عندنا ههنا الا خمسة ارغفة وسمكتان
ان هذه الكمية القليلة من المأكول مع كثرة عددهم تدل على ما كانوا عليه من الفقر وعدم اهتمامهم بغير الروحانيات
عدد 18: فقال لهم ائتوني بها الى هنا
ان التلاميذ ما ارادوا ان يحفظوا لهم هذا المأكل القليل بل قدموه للمسيح حسب طلبه منهم ليناوله للجموع
عدد19 : فأمر الجموع ان يتكئوا على الشعب. ثم أخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره الى السماء وبارك وكسر واعطى الارغفة للتلاميذ والتلاميذه للجموع
ان المسيح له المجد نظر الى السماء وبارك ليعلمنا بذلك اننا اذا اكلنا فلنشكر الاله واهب القوت. وصلى لئلا يقول عنه الحاضرون انه يعظم لنفسه فيجدفون عليه كما جدف اباؤهم في البرية لما اكلوا المن لاجل ذلك شكر الاب. ثم نقول انه لم يكن محتاجاً الى رفع نظره الى السماء لانه القوة والقدرة وقد فعل اعظم من هذه الاعجوبة دون ان يرفع نظره ويستمد المساعددة وذلك حين تطهيره البرص وشفائه المخلعين وفتحه عيون العميان وزجره البحر واخراجه الشياطين كل هذه بسلطان ذاته فعلها بل واعماله الحقيرة كسؤاله لتلاميذه كم خبزاً عندكم وماذا يقولون الناس عني وقوله للاعميين اتؤمنان اني قادر. وسؤاله لجيون ما اسمك وللمخلع أتريد ان تشفى وغير ذلك فكل هذه ليبين انه من الاب وان ارادتهما واحدة وليس بينهما انقسام. ورب سائل يسال قائلاً لماذا لم يصنع الخبز من لا شيء ؟ فنجيب انه لم يفعل ذلك لكي يكذب اقوال مرقيان وماني الذين يجعلان الخليقة غريبة. وقد فعل اعجوبة ازدياد الخبز والسمك في البرية لاجل اليهود الذين كانوا يتعجبون من نزول المن في القفر. ثم لكيلا يظن الجموع ان الخبز الكثير جيء به من المدن والقرى لاجل ذلك فعل هذه الاعجوبة في القفر. ان المسيح بتسليمه الخبز لتلاميذه بعد كسره كرم تلاميذه حتى لا ينقسموا ويختلفوا ما بينهم وينسوا الاعجوبة. وقال قوم ان الكسر التي كانوا يتناولونها من سيدنا كانت تصير ارغفة قدام الجموع. وهذا القول غير صحيح اذ لو كانت تتحول الكسر الى أرغفة صحيحة لكان يظن انها ليست من الخبز الذي كسر بل من موضع آخر جيء بها ولكن الحقيقة هي انه كسر وناول التلاميذ والخبز كان ينمو ويزداد على ايدي التلاميذ وقدام الجموع. ورب قائل يقول كيف كان ينموا على ايدي التلاميذ وخصوصاً على يدي يهوذا ؟ فنجيب ان ذلك الخبز كان رمزاً عن الخبز السماوي الذي تقتات انفسنا منه وهو منحة الروح القدس التي بها تقتات الحواس الخمس فحواس النفس الخمس هي اشارة عن الخمسة آلاف رجل والرسل والاثنا عشر الحاملون الخبز اشارة الى الاثنتي عشرة قفة
عدد 20: فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوءة
ان المسيح بتدبيره الالهي أمر تلاميذه ان يحملوا الكسر الفاضلة وكان من جملة الحاملين يهوذا الذي اسلمه لكي لا يظن الحاضرون ان الاعجوبة خيالية بل اذا رأوا الفضلات ظنوا انها تكفي يوماً ويومين. والكسر فضلت امام سيدنا وامام الجموع وعلى ايدي التلاميذ ولم يكن فيها رغيف صحيح. والباباويون يقولون ان عندهم من تلك الكسر في رومية حتى هذا اليوم ولا صحة لقولهم لانهم لم يكونوا في ذلك الزمان مسيحيين حتى يحتفظوا بالكسر. ومن كثرة تعجب الجموع أرادوا ان يقيموا يسوع ملكاً عليهم
عدد 21: والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد
ان عدد الجموع الوافر يزيد شأن الاعجوبة ويدل على فضيلة الذين تبعوه
عدد 22: وللوقت الزم يسوع تلاميذه ان يدخلوا السفينة ويسبقوه الى العبر حتى يصرف الجموع
ان التلاميذ لما لم يستعظموا اعجوبة الخبز أمرهم ان يركبوا السفينة ويسبقوه ليأدبهم بتهيج البحر عليهم فيذكروا اذ ذاك اعجوبة الخبز سيما وقد كان غرضه الصعود الى الجبل
عدد 23: وبعدما صرف الجموع صعد الى الجبل منفرداً ليصلي. ولما صار المساء كان هناك وحده
انه بانفراده في الجبل عن اعين الناس للصلاة يعلمنا ان نبتعد عن المجد الباطل وتعظيم الناس لنا. ويعلم بذلك رعاة الكنيسة الا يخالطوا رعاياهم في كل حين ثم ليعلمنا اننا متى اردنا مناجاة الباري تعالى بالصلوة فيجب ان يكون بالاعتزال عن ضوضاء العالم حتى نستطيع جمع حواسنا وافكارنا وأحسن وقت لذلك هو الليل كما ان البر أوفق محل للاختلاء والانفراد
عدد 24: وأما السفينة فكانت قد صارت في وسط البحر معذبة من الامواج. لان الريح كانت مضادة
انه أمر الريح والبحر ضدّهم فصاروا في ضيقة عظيمة لانهم كانوا في وسط البحر وهو كان بعيداً عنهم وكان ذلك في الليل. وفي المرة الاولى لما اضطرب البحر لم يشعروا بالضيق كهذه المرة لانه كان قريباً منهم وكان ذلك نهاراً. أما هذه المرة فتركهم يتعذبون ليدربهم على الصبر
عدد 25: وفي الهزيع الرابع من الليل مضى اليهم يسوع ماشياً على البحر
ان الليل يقسم الى أربع هجعات وكل هجعة (هزيع) ثلاث ساعات. فأتى في الهجعة الرابعة اليهم ليعلمهم الاحتمال بشجاعة
عدد 26: فلما ابصره التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا قائلين انه خيال. ومن الخوف صرخوا
قال القديس افرام انهم ظنوه شيطاناً يمشي على البحر. ثم انه قد اعتاد له المجد متى رأى احداً محتاجاً بالمخاوف فيزيدها صعوبةً ثم يزيلها عنه كما فعل مع ابراهيم واسحاق ويعقوب وأيوب. ثم ان رؤيته زادتهم خوفاً اكثر من أمواج البحر
عدد 27: فللوقت كلمهم يسوع قائلاً تشجعوا. انا هو. لا تخافوا
لانهم ما أمكنهم ان يعرفوه من رؤيته اذ كان في الليل فتكلم معهم ليعرفهم بنفسه. وقوله انا هو لا تخافوا أي انا هو يسوع معلمكم سيد البحر وابن الله والاعمال التي عملتها تشهد لي بذلك
عدد 28: فاجابه بطرس وقال يا سيد ان كنت انت هو فمرني ان آتي اليك على المياه
انه لما كانت محبة بطرس لمعلمه اكثر من محبة رفاقه لم يقل لمعلمه ائذن لي ان امشي على المياه لكن ان آتي اليك اذ كان يعتقد ان ليس المسيح وحده يقدر يمشي على المياه لكن هو ايضاً يقدر على ذلك اذا امره المخلص. وهكذا بعد قيامة معلمه من الاموات لم ينتظر حتى يأتي مع رفاقه التلاميذ الى القبر لكنه سبقهم ودخل القبر
عدد 29: فقال تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على المياه ليأتي الى يسوع
لانه رأى البحر هادياً فمشى بلا خوف. ولكن لما كان الريح شديداً خاف وشك واوشك ان يغرق. ولما راى البحر سمعان ثابتاً حمله ولما رآه خائفاً مرتاباً هاج عليه. فقوي على البحر الهائج وخاف من الريح الضعيفة وهكذا هو الطبع البشري فانه مراراً كثيرة يتغلب على أعظم الامور ويندحر مغلوباً في الامور الصغاير كما اتفق ذلك لايليا حين هددته ايزابل الشقيئة. ولموسى عندما هدده ذلك المصري
عدد 30: ولكن لما راى الريح شديدة خاف واذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً يا رب نجني
والتلاميذ أيضاً خافوا من صوته ظانين انه غرق
عدد 31: ففي الحال مدّ يسوع يده وأمسك به وقال له يا قليل الايمان لماذا شككت
عدد 32: ولما دخلا السفينة سكنت الريح
يتساءل البعض قائلين لما لم يأمر المسيح الريح ان يسكت بل مسك بطرس بيده ؟ فنجيب ليفهمه انه ليس الريح هي التي اوشكت ان تغرقه ولكن قلة ايمانه. ولولا يضعف ايمانه لقاوم الريح وانتصر عليها لاجل ذلك بعدما مد يسوع يده ومسكه ترك الرياح تهب عاصفة مفهماً اياه ان الرياح لا تستطيع ان تضر من هو ثابت في الايمان
عدد 33: والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة انت ابن الله
قبلاً كانوا يتساءلون من عسى ان يكون هذا الذي تطيعه الرياح والبحر. اما الآن فأقروا انه بالحقيقة ابن الله. فقد قاد المسيح رسله رويداً رويداً الى المعرفة الحقيقية وذلك اذ رأوه ماشياً على البحر وحين أذن لسمعان ان يمشي على البحر فمشى ونجاه من الغرق وسكنت الرياح حال دخوله للسفينة. ولم يزجرهم عند اقرارهم به انه ابن الله لكنه ثبت قولهم لانه شفى المرضى في بلد جناسر
عدد 34: فلما عبروا جاءوا الى أرض جنيسارت
عدد 35: فعرفه رجال ذلك المكان. فأرسلوا الى جميع تلك الكورة المحيطة وأحضروا اليه جميع المرض
فقد كان ابتعد عن أهل جنيسارت منذ زمن ومع ذلك فان ايمانهم لم ينقص بابتعاده عنهم لكنه ازداد حين شفى مرضاهم
عدد 36: وطلبوا اليه ان يلمسوا هدب ثوبه فقط. فجميع الذين لمسوه نالوا الشفاء
قد تعلم الناس ان يلمسوا طرف ثوبه من تلك المرأة فاعتقدت لشدة ايمانها انها تبرأ اذا لمست طرف ثوبه وتم ذلك فعلاً. فهكذا يجب علينا ان ندنو من جسد المسيح بإيمان ونشرب دمه لننال الشفاء. فمتى رأيت الكاهن يعمّد ويناول الجسد فاعلم اذ ذاك ان يمين السيد المسيح مبسوطة اليك
(الاصحاح الخامس عشر)
عدد 1: حينئذ جاء الى يسوع كتبة وفريسيين الذين من اورشليم قائلين
فالكتبة هم الذين كانوا يواظبون على نسخ الكتاب القديم ومطالعته والفريسيين هم الذين قد ميزوا أنفسهم لحفظ الناموس والوصايا. ولما رأى الكتبة والفريسيون النبوات والآيات كإشباعه الوفاً من خبز قليل وانه بمجرد اللمس شفى الاوجاع والامراض دنوا اليه. وذكر متى الزمان لكي يرى شرهم الغير المتناهي وذكر اورشليم لانها أم المدن وكثيراً ما كان يهتم كتبتها وفريسوها بحفظ الناموس اكثر من الكتبة والفريسيين الذين في غير مكان فسبطا يهوذا وبنيامين كانا ضابطين لأورشليم محافظين على العادات الناموسية. اما الاسباط العشرة الاخر فانهم اخذوا يتقلدون بعادات الشعوب الذين كانوا يجاورونهم بعد عودتهم من السبي.
عدد 2: لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ. فانهم لا يغسلون ايديهم حينما يأكلون خبزاً.
لم يقولوا لماذا يتعدون ناموس موسى لكن تقليد الشيوخ. فيتضح من هذا انهم من ذواتهم كانوا وضعوها مع ان موسى أوصى بالا يزيد أحد شيئاً على الناموس او ينقص منه. وقد سألوه هذا السؤال لعله يجيبهم قائلاً عنهم الشيوخ وانه لاحق لهم في وضع النواميس والشرائع. فيتخذون جوابه حجة على انه يرذل كهنتهم وشيوخهم. ثم ان المسيح لم يفرض على تلاميذه الاغتسال او عدمه اذ كانوا يعملون بما هو جار بين اليهود. ولكنه كان يعلمهم بترك ما نافل والاهتمام بخلاص نفوسهم. لاجل ذلك فانهم أكلوا من دون ان يغسلوا ايديهم. فلما أخرج الله بني اسرائيل من مصر وضع لهم نواميس مطهّرة للنفس كمثل لا تقتل ولا تزنِ وغير ذلك ومطهرة للجسد كقوله من يدن من الابرص أو الميت فليغتسل. أما الكتبة فزادوا على الناموس ان يغسل الانسان يديه قبل الاكل وكذا عندما يرجع من السوق يغتسل و اذا أولم وليمة فليغسل الكؤوس والقصع والمنارات والاسرة وبعد ذلك يستعملها. وايضاً قد علّموا الناس ان يقولوا لآبائهم ان ما تريدون ان تستفيدوه منا هو قربان وغير ذلك. اما المسيح فقد وبخهم عن ثلاثة أشياء. أولاً، لوضعهم نواميس جديدة من عندهم. ثانياً، لان هذه النواميس تخالف ناموس الله. ثالثاً، لانهم الزموا العامة ان يحفظوا اوامرهم وياخذوا منهم الاجرة.
عدد 3: فأجاب وقال لهم وأنتم أيضاً لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم.
لم يقل لهم ان تلاميذي غير محتاجين الى الغسل الجسدي لانهم مغسولون ومطهرون بالروح. ولم يقل وصايا الشيوخ لكن أوامركم مع ان الشيوخ هم الذين وضعوا التسليم لا الكتبة والفريسيون اما هو فقال أوامركم لئلا يثقل عليهم كلامه فسماها تسليماً لان الناس أسلموها لا الله ثم انهم ارادوا ان يثبتوا ان التلاميذ تعددوا الناموس فدحض قولهم هذا. وأظهر انهم هم المتعددون له. ولم يقل ان تلاميذي حسناً عملوا أو رديئاً لئلا يجعل لهم حجة على التلاميذ. ولم يوبخ الشيوخ لكنه ترك الكل وجاء في طريق جديدة وابان ان عددم غسل اليدين قبل الاكل لا يخالف الناموس.
عدد 4: فإن الله أوصى قائلاً اكرم أباك وامك. ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاُ.
عدد 5: وأما أنتم فتقولون من قال لابيه او أمه قربان هو الذي تنتفع به مني. فلا يكرم اباه أو امه.
عدد 6: فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم.
ان الله أمر ان يكرم الولد أباه وأمه الا ان الشيوخ لما رأوا ان هذه الوصية تضرهم تحايلوا ونقضوها بوصية اخرى أثقل منها بقولهم ان تحب الرب الهك من كل قلبك. ولان الابناء كانوا يحسبون ان كلما يقتنون هو مال لآبائهم لا لهم فكان الشيوخ يعلمون الابن انه اذا جاء ابوه وطلب كباشاً أو ثيـراناً وغير ذلك فليقل له ان ما تريد ان تنتفع به مني هو قربان لله. فعند سماع الآباء لهذا الكلام كانوا يخافون ان يلمسوا ذاك الشيء لئلا ينقضوا الوصية القائلة حب الرب الهك. فبواسطة تسليم الشيوخ كانت تبطل وصية الله القائلة اكـرم أباك وأمك. ثم انه لما كان الاب يريد من ابنه شيئاً كان الكاهن يعلمه ان يجعل ذاك الشيء قرباناً لله حتى لا يقدر الاب ان يتقرب اليه ويأخذه فيأخذ الكاهن منه جزءاً والباقي يتركه للولد. وكان يمضي واحدهم ويسكن مع الكاهن أو كان ينذر نفسه. فكان يوفي ثمن نفسه مقدار ما كان ماموراً في الناموس. فان كان فقيراً لم يكن يعطي الا الذي يأمر به الكاهن. فلما كان ابوه وامه ياتياناه قائلين له اكرمنا حسب المأمور في الناموس فالولد كان يقول لهما ان الشيء الذي تريدان ان تستفيدانه مني هو قربان لله فلا تقولا تعال اكرمنا فانما انا اكرم الكهنة. فالقديس ساويرس يقول ان لفظة قربان باللغة العبرانية معناها موهبة وباليونانية ايضاً موهبة. ثم كانوا يعلمون انه يجب ان يكرم الابناء آباءهم قبل ان يكون لهم بنين وبعدد ان يصير لهم بنون فلا يبقى لآبائهم سلطان عليهم لانهم صاروا اباء فالذي يعطاه من ابنه انعام هو لا واجب. هذا ما كتبه فيلون في كتابه المسمى تسليماً. وقال يوسيفوس ان بعد عود اليهود من السبي تسلط اليونانيون على اليهود وتحننوا عليهم اذ ابتنوا لهم مجمعاً في اورشليم فاختلطوا معهم وتعلموا عوائد اليونانيين فأبطلوا الاعتقاد بقيامة الاجساد بل بالانفس فقط حسب رأي افلاطون وان الجسد لم يخلق لاجل ذاته لكن لاجل النفس وهو فضلة ولم يستخفوا بالجسد فقط بل وبوالدي الجسد فكانوا يكرمون الذين يؤدبون النفس بخوف الله. وبهذا التعليم أبطلوا الوصية القائلة اكرم اباك وامك.
عدد 7: يا مراؤون حسناً تنبأ عليكم اشعيا قائلاً:
ان المسيح له المجد دعاهم مراءين لانهم يتكلمون بغير ما يضمرون.
عدد 8: يقترب الي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيداً.
أي انه يرذل من هم من عند الله ويهتم بما يخصه.
عدد 9: وباطلاً يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس.
فالتلاميذ اذاً مصيبون في عدم حفظهم فرائضهم. ولم يتكلم معهم لكنه وجّه كلامه نحو الشعب.
ما ينجس الانسان
عدد 10: ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا.
أي ايقظوا ضمائركم لا كتب لكم ناموساً جديداً. ولم يقل ان حفظ الاطعمة وفرائض الناموس ليست بشيء لكنه بطريق الموعظة يأتيهم بالبراهين. فقد كان غرضه تعالى من تمييز الاطعمة الطاهرة من النجسة ان يبعد بني اسرائيل عن المصريين وعن سائر الشعوب. فالنجسة لا يمكن ان تكون طاهرة وبالعكس. والنجسة ليس من طبعها نجسة ولكن الناموس حرم أكلها. ثم انه تعالى بواسطة التمييز بين الاطعمة الطاهرة والنجسة يعلمنا ان نقترب من الناس الفاضلين ونبتعد من النجسين بالخطيئة والشرور.
عدد 11: ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان.
انه تعالى بهذه الوصية أبطل الفرائض القديمة. وبقوله ما يخرج من الفم الخ وضع ناموساً على الافكار والاقوال الرديئة وعلمنا ان الطعام لا ينجس من طبعه لكن اذا أكل بنية نجسة. فالافكار الشريرة والشتيمة والثلب والتجديف تنجس الانسان. وبقوله ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان أخفى كلمته ليظن السامعون انه يتكلم عن غسل الايدي لان حفظ الاطعمة عندهم كان أمراً عظيماً ويعرف ذلك من قول بطرس انه لم يدخل فمي شيء نجس.
عدد 12: حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له أتعلم ان الفريسيين لما سمعوا القول نفروا.
أي ان الفريسيين وحدهم شكوا لا الجموع. أما المسيح فلم ينقض شكوكهم كما نقضها حين قال لبطرس لئلا نشككهم امضِ الى البحر الخ لكن زادها فنقض شكوكهم هناك لانهم طلبوا الدراهم أما هنا فانه لم يبعد عنهم الشكوك لانهم أرادوا ان يمنعوا ملكوت الله عن السامعين لئلا يستفيدوا هذه قالها للتلاميذ لا لانهم كان يعنيهم أمر شكوك الفريسيين لكن لانهم قد اضطربوا هم أيضاً.
عدد 13: فأجاب وقال كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يقلع.
فسمى الناموس وفرائض الفريسيين غرساً. أي ان الفرائض والوصايا التي لم يفرضها أبي بل الشيوخ و الفريسيون يهلك وتبطل لان الكتبة كانوا يضلون الناس في امور كثيرة.
عدد 14: اتركوهم. هم عميان قادة عميان. وان كان اعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة.
فحذر السامعين من الذهاب وراء تعليمهم لئلا يسقطوا في حفرتهم. وسمى الفريسيين عمياناً لانهم أعموا أعينهم عن الحق وذهبوا وراء الشيوخ ان الاعمى من الحق اذا تبع أعمى شبيهاً له فالاثنان يسقطان في حفرةالكذب. مثل يهوذا الاعمى الذي جذب اليهود العميان والجميع سقطوا في حفرة الخيانة.
عدد 15: فأجاب بطرس وقال له فسر لنا هذا المثل.
فكان بطرس خائفاً من ان يظن به المسيح انه مرتاب لذلك ابان صعوبة تفسير الكلام. اما المسيح فعرف انه تشكك لذلك وبخه.
عدد 16: فقال يسوع هل أنتم أيضاً حتى الآن غير فاهمين.
ان الجموع لم يفهموا ان زجره للتلاميذ كان لانهم تشككوا.
عدد 17: ألا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج.
عدد 18: وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر. وذاك ينجس الانسان.
عدد 19: لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف.
عدد 20: هذه هي التي تنجس الانسان. وأما الاكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان.
انه ضرب لهم مثلاً من العادات الجارية بين الناس ليشفي التلاميذ وقلة عقل اليهود. وبعد ما أعتقهم من الامتناع عن الاطعمة مضى ليفتح باباً للشعوب.
ايمان المرأة الكنعانية
عدد 21: ثم خرج يسوع من هناك وانصرف الى نواحي صور وصيدآء.
يتساءل البعض في انه كيف اوصى تلاميذه الا يمضوا في طريق الامم وهو يمضي فيها ؟ فنجيب ان الذي كان يوصي به يسوع لم يكن مازماً بحفظه لانه واضع الناموس. ولم يمضِ الى هناك ليكرز والشاهد لذلك انه دخل البيت وأراد ان لا يعلم بع أحد. فكما ان الذهاب اليهم كان من اختصاصاته هكذا لم يكن يليق برحمته ان يردهم حين كانوا ياتون اليه.
عدد 22: واذا بامرأةٍ كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت اليه قائلة ارحمني يا سيد يا ابن داود. ابنتي مجنونة جداً.
ان المرأة الكنعانية ما مضت لأورشليم لان اليهود كانوا ينفرون من الامم وهي حسبت نفسها غير مستحقة ان تمضي الى هناك. ويشار بالكنعانية الى الجنس البشري وبابنتها الى النفس المعذبة من آلام الخطيئة. وكذلك الكنعانية هي رمز الى البيعة اي أنفس القديسين. والبنت المعذبة كناية عن بني البشر المعذبين من الآلام السمجة. وعليه فكل فرد منا يجب عليه ان يضرع الى المسيح بالحاح لتعتق نفسه من الآلام وان ظهر له كأن ضراعته غير مسموعة فلا يكل ولا يمل عن الصراخ اليه من صميم قلبه حتى يجاب فكما ان المسيح خرج من تخومه أي من اليهودية هكذا البيعة خرجت من تخومها وتقدمت اليه وحينئذٍ استطاعا ان يتكلما فيما بينهما. فالشعوب الذين أفسدوا ناموس الطبيعة ونزحوا عن بلاد اسرائيل كيلا يغيروا عاداتهم ويحيدوا عن ضلالهم أسرعوا اليه واليهود الذين أتى لاجلهم وشفى مرضاهم يطردونه. ثم ان الكنعانية ما تجاسرت ان تاتي بالمجنونة اليه او ان تدعي الطبيب اليها كما دعاه عبد الملك لكنها قالت ترحم علي. وقد كانت ابنتها في أشد الضيق من سكون ذلك الشيطان فيها.
عدد 23: فلم يجبها بكلمة. فتقدم تلاميذه وطلبوا اليه قائلين اصرفها لانها تصيح وراءنا.
انه تعالى كان يؤخر شفاء الكنعانية لثلاثة أسباب. أولاً، لانها من الامم الغريبة لئلا يتهمه اليهود انه يساعد الغرباء. ثانياً، لكي تظهر امانتها. ثالثاً، لتبان عدم أمانة اليهود اذ كان يجول بينهم ويشفي مرضاهم وهم كانوا يتخاصمون ضده ويجدفون عليه. ولانه لم يجاوب هذه التي كانت تصيح وراءه وتضرع اليه تشكك التلاميذ وقالوا اصرفها. لانهم كانوا يجهلون انه يؤجل اجابة طلبتها وقالوا ” في أثرنا ” لانها لم تكن تتجاسر ان تقف قدامه.
عدد 24: فأجاب وقال لهم لم أرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة.
أراد بالخراف الضالة اليهود وأبان لتلاميذه انه طالما اكرم اليهود وما ترك لهم محلاً للجواب بعدم قبولهم اياه.
عدد 25: فأتت وسجدت له قائلة يا سيد اعنّي.
أي انها ما امتنعت على الصراخ لعدم إجابة طلبتها لكنها ركضت حتى أتت قدامه وسجدت. فنتعلم من ذلك انه لا يجب ان نقطع رجاءنا حين لم نأخذ ما نريد في الحال بل نلحف في الضراعة حتى نفوز بالإرب. أما المسيح فأخذ يزيد امتحان ايمانها بقوله.
عدد 26: فأجاب وقال ليس حسناً ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب.
دعى معونات الشفاء خبزاً وأبان وجوب إعطائه لأولاد البيت. ولما أهلها للمخاطبة زاد ألمها أكثر من السكوت. ولم يعلق الأرتسال بغيره. لكنه بين انه منه هو. ولم يسمهم هنا خرافاً لكن بنين وسمى الكنعانية كلباً لأنها مولودة من الأمم الكلاب. فبمقدار ما أكثرت هي من التضرع أكثر هو من الابتعاد فوجدت لنفسها من كلامه باباً للشفاعة.
عدد 27: فقالت نعم يا سيد. والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة اربابها
في جوابها هذا ثلاث فضائل الأمانة والعفة والحكمة. فالعفة، في حسبانها نفسها مثل الكلب والأمانة، في قولها وإن كان مما يعطي للكلاب فهو كاف لشفاء ابنتها والحكمة، في موافقتها المسيح على اعتبارها كلبة حتى تأخذ لنفسها مكاناً في البيت. وكأنها تقول قد سميتني كلباً فكلامك مقبول لدي أنت صرت شفيعاً عوضي فاعطني الفتات قليلاً من معونتك وهو يكفي لشفاء ابنتي وبما انك حسبتني كلباً فلي حق الكلام في البيت فسمت المسيح رباً ومعونة الشفاء فتات.
عدد 28: حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم إيمانك. ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة.
ان الرب يسوع لم يمدح المرأة الكنعانية أولاً لئلا يقال عنه انه يحب الأمم ولقد تأنى في إبراء ابنتها حتى يتأكد عظيم إيمانها للناظرين وبقوله ليكن لك كما أردت أظهر ان كلامها كان مقروناً بالإيمان الأكيد والرجاء الوطيد وعليه فقد نالت الابنة الشفاء في ذات الساعة التي قال فيها ليكن لك كما اردتِ.
يسوع يشفي المثيرين في الجليل
عدد 29: ثم انتقل يسوع من هناك وجاء الى جانب بحر الجليل. وصعد الى الجبل وجلس هناك.
عدد 30: فجاء اليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخرس وشل وآخرون كثيرون.
وطرحوهم عند قدمي يسوع. فشفاهم
كان المسيح له المجد يذهب أحياناً بنفسه الى المرضى وأحياناً يأتون هم فيبرأون دون ان يلمسوا ثيابه كالسابق.
عدد 31: حتى تعجب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلمون والشل يصحون والعرج يمشون والعمي يبصرون. ومجدوا اله اسرائيل.
ان عجب الجمهور كان لأنهم رأوا المرضى المحمولين على الأكتاف يشفون بمجرد إرادته بدون قول ولا لمس ومما يجب ملاحظته هنا أنه قد تأخر في برء ابنة الكنعانية حتى يتبين قوة إيمانها أما هؤلاء فقد اسرع بشفاءهم ليكم افواههم حتى لا يجدوا حجة عليه. وليس لأنهم كانوا أكثر فضيلة من تلك. لأن من يعطى نعماً كثيرة يطالب بدينونة أكثر.
عدد32 : و اما يسوع فدعا تلاميذه وقال اني اشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون. ولست أريد ان أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق.
قد أظهر المسيح حنانه للجمع كما اظهر ذلك قبلاً للمرضى ولم يعل له المجد اية إشباع هؤلاء الجموع في اليوم الأول أو الثاني لأن الخبز لم يفرغ ونظراً لأنهم كانوا بعيدين عن منازلهم ” كما يقول مرقس ان منهم جاءوا من بعيد ” أراد أن يطعمهم.
عدد 33: فقال له تلاميذه من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار حتى يشبع جمعاً هذا عدده.
من هذا القول اظهر التلاميذ أمرين الأول، ضعف الإيمان والثاني، بعد المكان فهم لم يتذكروا الآية الاولى حتى كانوا يؤمنوا ان المسيح لا يكلفهم مشقة السفر.
عدد 34: فقال لهم يسوع كم عندكم من الخبز. فقالوا سبعة وقليل من السمك.
فلم يكن لهم جوابه كالجواب في الآية السابقة لأنه رأى منهم تقدماً تدريجياً في الإيمان.
عدد 35: فأمر الجموع ان يتكئوا على الارض.
عدد 36: وأخذ السبع خبزات والسمك وشكر وكسر وأعطى تلاميذه والتلاميذ اعطوا الجمع.
عدد 37: فأكل الجميع وشبعوا. ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة.
عدد 38: والآكلون كانوا اربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد.
ان ما عمله المسيح في الاية الثانية هذه كان نظير ما فعله في الاية الاولى تماماً ما عددا ان هنالك قد تبنى اثنتى عشرة قفة وهنا سبع سلال وذلك حتى لا تكون الآيتان في نظر القاريء آية واحدة متكررة. فالأثنتى عشر قفة تشير الى عدد التلاميذ أما السبع سلال التي فضلت من السبعة أرغفة فانها تشير الى التعليم الكامل من الروح القدس الذي له السبعة مواهب لان عدد السبعة هو علامة الكمال كقوله روح الحكمة روح الفهم والرأي والقوة والمعرفة والخوف من الله ومع ان المسيح عمل آيات عديدة فلم يتبعه أحد من الجمع الا عندما عمل آية اطعام الجياع فقد تبعوه في المرة الاولى ليعملوه ملكاً. قال القديس ساويرس عند تفسيره الآية الاولى. ان الأتكاء على العشب الأخضر دليل على رطوبة المعاني الانجيلية التي يسمعها المؤمنون حديثاً واذا ثبتوا فهم يكسرون خمس خبزات أي تنقية الخمسة حواس بالكلام الإلهي. وأكل السمك يشير الى طعام الإنجيل فكما ان السمك يصطاد بصعوبة ولكنه يوجد لذة في أكله هكذا ان الذين ينقادون بكلمته فهم يشعرون بألم الجهاد ولكنهم أخيراً ينالون النصر والظفر.
عدد 39: ثم صرف الجموع وصعد الى السفينة وجاء الى تخوم مجدل.
يقول مرقس جاء الى دلمانوتا وهو اسم لمكان خاص وأما متى فيقول انه جاء الى تخوم مجدل.
(الاصحاح السادس عشر)
عدد 1: وجاء اليه الفريسيون والصدوقيون ليجربوه فسألوه ان يريهم آية من السماء.
فلم يكن هذا على سبيل ان يؤمنوا به ولكن ليجدوا عليه حجة ولذلك دعاهم مراءين فكانوا يسألونه ان يحدث انقلاباً في النظام الشمسي كإيقاف الشمس كما فعل موسى أو انزال النار كما فعل ايليا. اما هو فلم تعجزه البيعة لأنه خالفها ولكنه علم خبث نياتهم فتنهد بروحه كما يقول مرقس دليلاً على أسفه من تعنتهم وتعاميهم عن العجائب المتعددة التي صنعها بين ظهرانيهم فلم تثمر فيهم لصلابة رقابهم ولذلك أبى ان يجيبهم الى طلبهم.
عدد 2: فأجاب وقال لهم اذا كان المساء قلتم صحو. لأن السماء محمرة.
عدد3 : وفي الصباح اليوم شتاء. لأن السماء محمرة بعبوسة. يا مراؤون تعرفون ان تميزوا وجه السماء وأما علامات الازمنة فلا تستطيعون.
أي كما ان في السماء علامة الصحو وعلامة الشتاء شيء آخر فاذا رأيت علامة الشتاء لا تطلب راحة واذا رأيت علامة الصحو لا ترجو شتاء هكذا يجب عليكم ان تذكروني وتطلبوني. فينبغي ان اعمل الآن الآيات النافعة لبني البشر على الارض كتطهير البرص وفتح أعين العميان واحتمال الآلام ثم الموت والقيامة أما الآيات التي من السماء فسوف تظهر عند مجيئي الثاني حيث آتي بعظمة لا توصف فاطوي السماء كدرج وأظلم الشمس واخنق القمر واقف النجوم فتتساقط. ثم من جهة أخرى اذا أخذت حركات الكون مجراها الطبيعي تعرفون ان تميزوا العلامات ان متى يكون صحواً ومتى يكون شتاءً ولكنكم تزعمون ان الايات التي اعملها الآن عقيمة الفائدة ولا قيمة لها في نظركم فلم تصل حالتكم الى أولئك الذين كانوا في زمان فرعون يعرفون ان من المقاتلين كان يجب الخلاص وان من يلتجيء الى محبيه لا حاجة به الى الآيات.
عدد 4: جيل شرير فاسق يلتمس آية. فلا تعطى له آية الا آية يونان النبي. ثم تركهم ومضى.
له المجد دعاهم جيلاً شريراً لأنهم كانوا منغمسين في الشرور مبتعدين عن الله وفاسقاً لأنهم زنوا مع الصنام بعبادتهم اياها.
عدد 5: ولما جاء تلاميذه الى العبر نسوا ان ياخذوا خبزاً.
ذلك لأنهم لم يكونوا يهتمون بالجسديات بل بالروحانيات.
عدد 6: وقال لهم يسوع انظروا واحذروا من خمير الفريسيين والصدوقيين.
لم يقل المسيح احذروا من خمير التعليم لكي يذكرهم آيتي الخبز لعلمه انهم نسوها.
عدد 7: ففكروا في أنفسهم قائلين اننا لم نأخذ خبزاً.
المسيح قال عن التعليم وهم فهموا عن الخبز لأنهم لم يزالوا متمسكين بحفظ التطهير اليهودي لجل ذلك انتهرهم معلناً افكارهم.
عدد 8: فعلم يسوع فقال لماذا تفكرون في نفوسكم يا قليلي الإيمان انكم لم تأخذوا خبزاً.
عدد 9: أحتى الان لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلآف وكم قفة اخذتم.
عدد 10: ولا سبع خبزات الاربعة الآلآف وكم سلاً اخذتم.
عدد 11: كيف لا تفهمون اني ليس عن الخبز الخبز لكم ان تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين.
أي من آيتي الخبز اللتين صنعتهما كان يجب ان تفهموا اني لم اقل لكم من اجل الخبز بل من اجل التعليم. ولم يزجرهم في البرية لئلا يخجلهم قدام الجموع. أما هنا فرأى الفرصة سانحة لتخجيلهم لأن الاية كانت مزدوجة فاستوجبوا التوبيخ.
عدد 12: حينئذ فهموا انه لم يقل ان يتحرزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين.
أي وإن كان لم يفسرها فان توبيخه ايقظهم من الغفلة وصانهم عن الاستمساك بالتعاليم اليهودية وثبت إيمانهم.
عدد 13: ولما جاء يسوع الى نواحي قيصرية فيلبس سال تلاميذه قائلاً من تقول الناس ان ابن البشر هو.
ذكر البشير متى اسم الذي عمّر المدينة. وذهب البعض ان فيلبس هذا كان قاطناً في المدينة فذكرها باسمه تمييزاً لها عن قيصرية أخرى كانت تدعى قديماً اسطرطون. وبعد سبع سنوات من حكم طيباريوس القيصر عمّرها ثم وسع نطاقها فيلبس الرابع وسمّاها قيصرية. وقد بنى هيرودس أخوه مدينة وسماها باسمه طيباريا فزاد على اسم قيصرية اسم فيلبس لكي تتميز عن قيصرية كبادوكية وعن قيصرية التي في داخل ارمينيا. ثم ان المسيح لم يسأل تلاميذه في مكان قريب يعتريهم فيه الخوف والوجل بل في مكان بعيد حتى تتنبه فيهم دالتهم عليه فيكشفون ضمائرهم بلا حذر ولا وجل. ولم يسألهم عن أفكارهم الخصوصية مباشرةً بل عن أفكار غيرهم حتى اذا ذكروها أعطوها الجواب عن أنفسهم. وسمى نفسه هنا ابن البشر لان اسم ابن البشر يطلق على من كان كساير الناس ولد من زرع. ويقصد بهذا اللقب ان يبين ان ليس له أب خاص بناسوته كسائر الناس لكنه ابن الانسان الاول (آدم). ويؤخذ من ذلك أيضاً انه يريد ان تكون تدابيره منوطة بابن البشر. ومراده هنا لاهوته كقوله ما صعد أحد الى السماء الا ابن البشر ومتى رأيتم ابن البشر يصعد الى حيث كان. لاجل الاتحاد الحقيقي.
عدد 14: فقالوا. قوم يوحنا المعمدان. وآخرون ايليا. وآخرون ارميا أو واحد من الانبياء.
ذكروا هؤلاء الثلاثة لانهم حفظوا بتوليتهم وقد شاهدوا المسيح على هذه الصفة. فذكروا يوحنا لسبب المدهشات التي قد جرت في حياته ومولده ومناقشته الفريسيين. وايليا لشهرته بآية ابنة الارملة الصارافية. ويقول القديس افرام ان ابن الصارافية هو يونان وانه ذاق الموت ثلاث مرات الاولى حين احياء ايليا النبي والثانية حين ابتلعه الحوت والثالثة حين مات كسائر الناس. فمرتين مات موتاً سرياً. ومرة مات موتاً طبيعياً. ثم ان يعقوب الرهاوي ونحن له تابعون لا نجزم بصحة هذا الرأي. لان بينه وبين زمان آخاب معاصر ايليا مراحل شاسعة. فأين هو وزمان حزقيا الذي كان فيه يونان. أما ذكرهم لايليا فلأن النبي قال ” هو ذا ارسل لكم ايليا قبل ان يأتي يوم الرب “. وأما ذكرهم لارميا فقد قيل لأجله ” انك قبل ان تخرج من الرحم قدستك ونبياً للامم وهبتك “. ثم لان اليهود كانوا يقولون في ذلك الزمان ان ارميا حي وانه جاث على ركبته ويقتات الطين والتراب وانه كان ينوح ويبكي على خراب اورشليم لذلك ظنوا ان ارميا قد تراءى وان يسوع المسيح هو ارميا بعينه. وذهب البعض ان أولئك القوم لم تطوح بهم الظنون الى حد انهم حسبوا المسيح انه موسى بل انهم ظنوه النبي الذي نوّه عنه موسى حيث قال انه ” سيقيم لكم الرب نبياً من أخوتكم مثلي ” فان ذلك وان كان المقصود به يشوع بن نون والانبياء الذين جاءوا بعده. فموسى نطق بالنبوة وهم طبقوها على المسيح.
عدد 15: قال لهم وانتم من تقولون اني أنا.
عدد 16: فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي.
ان المسيح له المجد طلب رأي جميعهم أما سمعان فانبرى في مقدمة التلاميذ لأنه اكبرهم سناً ورد الجواب بإعلان الحقيقة فما سمع سؤال المسيح ” من تقولون اني انا ” حتى صعد بعقله الى العلى فكشف له الاب عن المسيح انه ابن الله بالطبيعة فنادى على الارض قائلاً أنت هو المسيح ابن الله لاجل ذلك أعطيت له الطوبى ولما سأله مرتين أجابه انت هو ابن الله. ورب سائل لماذا لم يأتِ يوحنا بذكر الطوبى ؟ فنجيب ان في المرة الاولى كان وقت البدء بانتخابهم ولم تحن بعدد أيام آلام السيد المسيح وكان كفر سمعان بعيداً أيضاً ولم يكن معهم أحد إلا المسيح وتلاميذه. أما المرة الثانية فلأن أيام آلام السيد المسيح وموته كانت تقرب وكان له المجد يعلم ان سمعان سيجحده.
عدد 17: فاجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا. ان لحماً ودماً لم يعلن لك هذا لكن ابي الذي في السموات.
يتساءل البعض لماذا لم يعطِ الطوبى لاولئك الذين كانوا في السفينة حين قالوا ” حقاً هذا ابن الله ” ولا لنتنائيل الذي قال ” انت هو المسيح بن الله ولا لمرتا كذلك “. فنجيب ان اولئك مثل غيرهم من أبناء الله الكثيرين اعترفوا به كابن النعمة ولم يدركوا انه المولود من جوهر الآب أما سمعان فاعطي الطوبى لاقراره به ابناً طبيعياً لله وانه مولود من جوهره وإن كان قد صار انساناً. ثم تامل بقوله ” لكن أبي الذي في السموات ” كيف الاب يكشف للابن والابن للاب مصداقاً لقوله لا أحد يعرف الابن الا الآب وهنا اظهر مساواته للاب في الجوهرالواحد.
عدد 18: وأنا أقول لك أيضاً انت بطرس وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.
لم يقصد المسيح ان يسمي شخص سمعان بالصخرة بل ذلك الإيمان القويم الذي ملأ قلبه حتى كشف له الاب معرفة الابن فسماه المسيح بطرس أي صخرة (باليونانية) ويقصد بذلك الإيمان الذي نطق به. وقوله ” على هذه الصخرة ” أي على هذه الامانة التي نطقت بها قائلاً انني الابن الطبيعي للاب أبني كنيستي. والكنيسة هي مجمع مؤمنين ذوي امانة واحدة على شكل البيعة التي في السماء لا الحجارة والخشب. والمراد بابواب الجحيم الدسائس الشيطانية والاضطهادات الهائلة وكأنه يقول لبطرس اذا كان ابواب الجحيم لن تقوى عليها فبالاولى لا تقوى علي انا فلا تضطرب متى رأيتني اصلب واتألم.
عدد19 : واعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الارض يكون مربوطاً في السموات. وكل ما تحله على الارض يكون محلولاً في السموات.
لم يقل له المجد اسال الآب فيعطيك ولكن (انا) اعطيك فليخز الذين يضعون مقام الابن في منزلة احط من منزلة الآب والعياذ بالله. وهنا نرى ان سلطاناً اعطى لجميع الكهنة القويمي الامانة بواسطة بطرس ورفاقه لان مسألة الربط والحل التي هي من حقوقه تعالى قد وكّل بها تلاميذه ثم تسلمت الينا بواسطتهم.
عدد 20: حينئذ اوصى تلاميذه ان لا يقولوا لاحد انه يسوع المسيح.
ان ما لم يكشفه المسيح قبل صلبه قد كشفه بعد قيامته بعد ان زالت الشكوك التي خامرت الاذهان في حوادث الآلام والصلب والموت فبعد القيامة قويت فيهم روح الشجاعة والثبات فهجروا الملأ بانه المسيح المنتظر ونشروا تعاليمه. فانهم لو كرزوا به قبل تجرعه غصص الآلام لوجد السامعين مندوحة لادحاض تعليمهم وانكارها عليهم ولاقتلعت الشكوك كل ما يزرعونه في القلوب من حقائق الإيمان. فان سمعان نفسه الجريء في الإيمان ما لبث ان رأى الآلام حتى استسلم للشكوك فأفزعته جارية حقيرة ولكنه بعد قيامة المسيح وثب وثوب الاسد وناضل نضال الابطال البواسل وجاهد في الإيمان حتى الموت
عدد21 : من ذلك اليوم ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي ان يذهب الى اورشليم ويتألم كثيراً من المشايخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم.
أي من ذلك الحين غرس فيهم التعليم من حيث ابتدأ بقبول الامم وادخالهم في الحظيرة. ولم يفهم التلاميذ قوله ” يقوم ” لان ذلك بعيد عن ادراكهم البشري ولكنهم كانوا يقلقون عند ذكره الموت لانهم لا يرون في موته اقل خير لهم.
عدد 22: فاخذه بطرس اليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب لا يكون لك هذا.
ونحن نظن ان سمعان أخذه من وسط التلاميذ الى خلوة خوف ان يسمعوا انه مزمع ان يموت فيتشككون ولكي لا يسمعوا احتجاجه على المسيح كأن يقول له: انت تموت ؟ اذاً فالنبوات عنك تبطل والمواعيد لا تتحقق لانها تشير الى ان المسيح يدوم الى الابد فكيف تقول انك تموت والآب كشف لي انك انت المسيح ابن الله الحي واين صحة الطوبى التي اعطيتها حاشى لك من آلام الموت. بمثل هذا كان بطرس يحاجج سيده غير عالم انه سيقوم بعد موته ورب سائل كيف جهل هذا من أعلن له الله وخصّه بالطوبى من اجل إيمانه ؟ فنجيب لانه استسلم لذاته عند سماعه ذكر الموت فرآه غريباً على المسامع بحسب الطبيعة بعد إعلان الوحي له انه ابن الله الحي.
عدد 23: فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي لانك لا تهتم بما لله لكن بما للناس.
سمّاه شيطاناً اي مضاداً لان غيرته على المسيح اكتسبت صبغة شيطانية فظهرت كعثرة امام المسيح فانتهره وزجره ليتعظ الذين يستحون من ذكر آلام المسيح وصلبه وموته. لانه ان كان ذاك الذي اعلن له عن المسيح انه ابن الله وقبل الطوبى وتسلم المفاتيح سمي شيطاناً فما اعظم جرم الذين يستحون ان يقروا بتعاليمه ويجهروا بإيمانهم امام الجاحدين والمعطلين وقوله ” انك لا تقطن الخ ” أي لست تفكر فيما لله روحياً بل ان فكرك انساني لا يسمو عن طبيعة اللحم والدم.
عدد 24: حينئذ قال يسوع لتلاميذه ان أراد احد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني.
لما قال بطرس حاشى لك. أجابه قائلاً أما انا فاقول لك ولا انت تخلص ان لم تكن مستعداً للموت في كل حين. لا تظن يا بطرس ان اعترافك بي اني ابن الله يكفي لخلاصك بل ان عليك مواجب متعددة. فيجب عليك ان تجاهد حتى تنال الاكليل وقال مرقس الانجيلي ” ان يسوع دعا الجمع مع تلاميذه ” فأبان بذلك ان المسيح يدعو الجميع ولا يجبر انساناً على الإيمان به وانما كل انسان حرّ في ان يختار لنفسه ما يحلو له وقوله ” فليكفر بنفسه ” أي ان يسلم جسده للعذابات ويفكر بعقله ان آخر غيره هو المتألم لا هو وقوله ” يحمل صليبه ” أي ان يهيء نفسه للموت كل يوم وهذه نتيجة الكفر بالنفس ” ويتبعني ” أي يقتدي بي في التواضع والوداعة والعمل بما يسمعه مني.
عدد 25: فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها. ومن يهلك نفسه من اجلي يجدها.
أي من يحتمل الآلام باسمي ولاجلي في هذا العالم تخلّد نفسه في العالم الآتي. وهذه الدعوة مقدمة للعموم ولا يؤخذ منها انه يطلب منا ان نقتل انفسنا بل ان نعبد الله مؤمنين به كما يجب. ويقول لوقا البشير عوض يجدها يحييها. أي ان الذي لا يسلم نفسه للشهوات النجسة فانه يحييها. واما الذي يحب سد اطماع نفسه فانه يهلكها.
عدد 26: لانه ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. ام ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه.
خسارة النفس هلاكها فاذا خسرتها لم يبق لك شيئاً وان اعطيت العالم كله لانه لا يساوي نفساً تشتريها عوضاً نفسك. فالنفس اشرف واثمن ما للانسان فماذا تعطي عوض عنها اذا انت اهلكتها. وكل ما في العالم من الجواهر والنفائس لا يقوم مقامها وماذا يعود عليك اذا رايت العالم كله متنعماً وانت معذب.
عدد 27: فان ابن الانسان سوف يأتي في مجد ابيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب اعماله.
ابان بهذا ان مجده ومجد أبيه واحد. ولما ذكر آلامه امام تلاميذه فزعوا وتقدم سمعان وقال حاشا لك يا رب. فأخذ هؤلاء الثلاثة وصعد الى الجبل لينفي عنهم الخوف ويزيل ما اعتراهم من الحزن والكآبة.
عدد 28: الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوماً لا يذقون الموت حتى يروا ابن الانسان آتياً في ملكوته.
صعد يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا الى الجبل معه واراهم مجده الذي مزمع ان يأتي به في مجيئه الثاني الذي يسميه ملكوته. وفي اليوم الذي كلمهم فيه لم يصعد الى الجبل لئلا يشك سائر التلاميذ ويزداد حزنهم وغيرتهم من رؤية ثلاثة منهم يتمتعون وحدهم بذلك المجد الباهر. فانهم جميعاً كانوا متشوقين لرؤيته لانه كان قد انبأهم بالامر قبل ذلك بايام ليمنعوا نظرهم فيتوقون لذلك المشهد السامي الذي تجلى به.
)الاصحاح السابع عشر)
عدد 1: وبعد ستة أيام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا اخاه وصعد بهم الى جبل عال منفردين.
لوقا البشير يقول بعد ثمانية أيام. ولا يعد هذا خلافاً بين المشيرين لان متى ترك اليوم الذي قيلت فيه تلك الكلمة واليوم الذي صعدوا فيه الى الجبل. أما لوقا فأدخل اليومين في الحساب. وقد انتقى اولئك الثلاثة من بين التلاميذ ليشهدوا مجده لانهم كانوا اشرفهم واكثرهم غيرة وايماناً. فأخذ بطرس لانه كان اشدهم غيرة واكثرهم اقداماً. ويوحنا لانه كان احبهم اليه. ويعقوب لانه قال نستطيع ان نشرب الكأس وذلك مما يدل على قسوته على اليهود حتى أراد هيرودس مرة ان يقتله تزلفاً الى اليهود. فما احسن اخلاص متى فانه لم يغفل ذكر الذين اكرموا من دونه لانه كان لا يعرف الحسد. وقد اكتفى المسيح باولئك الثلاثة لانه مكتوب على فم شاهدين او ثلاثة تثبت كل كلمة. ثم ان المسيح أظهر نفسه على الجبل مثلما هو مزمع ان يظهر في مجيئه الثاني. ولم يظهر مجده في بقعة او بيت معلماً كما قال القديس تاولوغوس ان كل الذين يستحقون القرب من الله يجب عليهم ان يتطهروا فيبلغوا الى علو الفضيلة لكي يكونوا اهلاً لمنادمة الله. ولم يظهر نفسه في بداية البشارة على الصورة التي هي مزمع ان يأتي بها في مجيئه الثاني لكي لا يخامرهم الشك في الوهيته اذا رأوه يتألم لاجل ذلك أظهر مجده قبل ان يتألم بأيام قليلة. قال القديس ساويرس انه تعالى لم يتغير شكل جسده بل لونه تغير فصار نيراً بالمجد الباهر حتى ان التلاميذ انبهروا فلم يستطيعوا النظر اليه فسقطوا على وجوههم. وقوله تغير معناه انه شاء ان يظهر بهاء مجده فسطعت انواره واشرقت فبهر بريقها اعين الرسل. فالتغير وقع على الهيئة النظورة لا على رسم جوهره ويختلف هذا التغير عن تغير موسى فان موسى قد لحق التغير وجه فأنار واما المسيح فكله نور على نور.
عدد 2: وتغيرت هيئته قدامهم واضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور.
لم يستطع متى ان يشبه ذلك النور الساطع باعظم من نور الشمس مع كونه اسمى واسطع. ثم ان ذلك النور كشف الحجب عن اعينهم ليروا بهاءه الذي هو مجد الآب عينه وقد تشعشع من الابن لانهما واحد في الجوهر.
عدد 3: واذا موسى وايليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه.
ذلك لكي ينفي عن التلاميذ الوهم الذي كان سائداً عند الناس انه ايليا او ارميا او واحد من الانبياء على ان موسى وايليا لم يظهرا بجسدهما بل كان ظهورهما كشفاً كما اظهر الروح للانبياء وادنى اليهم ما كان بعيداً وأجلى أمام اعينهم ما كان خفياً. وأتى برئيسي العتيقة ليعلم التلاميذ انه رب الاحياء والاموات فموسى من الموتى وايليا من الاحياء. وان الموتى عند ظهوره يقومون والاحياء المتأخرين يتجددون دون ان يذوقوا الموت. ثم ان موسى من المتزوجين وايليا من البتولين. وجعلا يخاطبانه عن خروجه الذي كان مزمعاً ان يتم في اورشليم وعن آلامه وعن موته فعرفهما التلاميذ من كلامهما مع كونهم كانوا مستغرقين في النوم وذاك ناشئ عن فعل الروح القدس ورمز الى سريان المعرفة في الآخرة في قلوب المؤمنين اجمعينز ولعل كلاً منهما كان يتكلم عما عمل ويسرد ما جرى في زمانه. وقال القديس يعقوب السروجي ان موسى كان يطلب من المسيح ان يمكث على الارض حتى يتوب جميع الخطأة. وايليا كان يسأله النزول الى الموتى من اجل الانفس التي كانت في حبوس الجحيم. وقال أيضاً انه تعالى أتى بموسى وايليا لاتحاد العتيقة والحديثة.
عدد 4: فجعل بطرس يقول ليسوع يا رب جيد ان نكون ههنا. فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال. لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة.
ان سمعان لما سمع موسى وايليا يضرعان اليه ان يتألم ليخلص آدم خاف ومن خوفه طلب اليه ان يجلسوا في الجبل. لانه ان ذهب الى اورشليم ألبوا عليه وصلبوه وأذاقوه الآلام واما اذا بقوا في الجبل فهناك الهدوء والسلام. وهنا نرى ان بطرس قد اظهر الغيرة على معلمه فلم يكن يطلب من جل نفسه وان كان غير مصيب في طلبته كما يتضح ذلك من اجابته للمسيح حين تكلم عن الآلام حيث قال ” اني أضع نفسي عوضك. ولم يقل نضع ” بصيغة الامر بل تأدب فقال باتضاع ” ان شئت ” لئلا ينتهره كما سبق حين قال ” حاشى لك “. ومن الغريب ان بطرس الذي كان قد اعترف به قبل ذلك بانه المسيح ابن الله قد حسبه الآن كبعض خلائفه أي عبيده لان اعترافه الاول كان بالهام الروح القدس. ولكنه ما سمع ذكر الآلام حتى تشوش ذهنه وخصوصاً عندما راى موسى وايليا يترائيان مع المسيح فحسبهم متساوين في المنزلة ولذلك يقول الانجيليون الاخرون ” انه لم يكن يدري ما يقول لما كان بهم من الرعب ” وكما تعشو العيون من اشعة الشمس الساطعة هكذا حصل للرسل فاستغرقوا في النوم مع ان الوقت لم يكن ليلاً. على ان البعض يذهبون الى ان التجلي كان ليلاً.
عدد 5: وفيما هو يتكلم اذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا.
قد اعتاد له المجد ان يتكلم من وسط السحاب اظهاراً لمجده. فتجد آياتاً كثيرة في هذا الصدد كقوله السحب والضباب حوله. ووضع على السحاب مركبته وراكب على السحاب الخفيفة ويدخل مصر. وابن البشر سوف ياتي على السحاب. ولم يكن الصوت لاجل موسى وايليا بل من اجل يسوع لان التلاميذ رفعوا اعينهم فلم يروا الا يسوع وحده. أما موسى وايليا فكانا قد ارتفعا (به سررت) أي ترتاح اليه نفسي لانه مساوٍ لي في الجوهر. وقوله ” له اسمعوا ” أي وان يكن المسيح مزمعاً ان يتالم ويصلب فمن حيث انه ابني موضوع مسرتي فعليك يا سمعان انت ورفقاؤك ان تسمعوا لقوله بلا مشاحنة.
عدد 6: ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً.
لانهم كانوا في جبل منفرد بعيداً عن الناس فلما رأوا تلك السحابة المنلرة وسمعوا ذلك
الصوت دهشوا أكثر مما دهشوا حين سمعوه في الاردن.
عدد 7: فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا.
شجعهم لئلا يتمكن منهم الخوف فينسوا ما قد نظروا.
عدد 8: فرفعوا اعينهم ولم يروا احداً الا يسوع وحده.
عدد 9: وفيما هم نازلون من الجبل اوصاهم يسوع قائلاً لا تعلموا احداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الانسان من الاموات.
لان العظائم التي كانت تروى عنه في ذلك الزمان كان يعسر قبوله عند كثيرين لان الصليب كان عثرة شكوك. فما قال لهم ان يسكتوا سكوتاً ابدياً بل الى حين ان يقوم من بين الاموات. وسبب هذه الرؤيا انه كان سبق واخبرهم عن آلامه وموته لانها كانت قريبة الحدوث. أما مجده العتيد فكان زمنه بعيداً. فأراد ان يريهم شيئاً منه لاجل تعزيتهم. أما راي المعلمين عن موسى وايليا. فالقديسون ساويرس ويعقوب السروجي ويعقوب الرهاوي يقولون ان ايليا نزل بالجسد الى الجبل لانه لا يزال حياً. اما عن موسى فما قالوا شيئاً. نعم قال القديس ساويرس ان ربما نفسه قد تمثلت بهيئة شخص كما كان الملائكة يتراؤن للانبياء في زي الرجال وهكذا قال يعقوب الرهاوي وافريقيانوس ان نفس موسى تشبهت وترآءت مثل جسده. وقال الاسقف انطياخوس ويعقوب السروجي ان موسى قد قام حقاً بعد ان بلي وجاء الى الجبل بأمر سيدنا. ويتضح من استغراقهم في سنة النوم ان الوقت كان ليلاً كما اعتاد سيدنا كلما صعد الى الجبل ليصلي. ويلاحظ هنا ان العالم بالليل خلق والمسيح بالليل ولد وبالليل قام من القبر وبالليل سوف يأتي في مجده. وفي قول لوقا ” ان بطرس والذين معه قد أخذهم ثقل النوم ” اشارة الى سر الموت والسحابة التي ظللتهم اشارة الى الغمام الذي فيه سوف يخطف الابرار. وفي دخول موسى وايليا في السحابة اشارة الى ان الصديقين سيدخلون هكذا الى السماء والصوت المسموع كناية عن دعوة مخلصنا للموتى هلموا خارجاً. ولا بد ان التلاميذ حين رفعوا أعينهم ولم يروا احداً سوى المسيح وحده لاموا انفسهم لانهم حسبوا المسيح في عداد العبيد فطلبوا ان يصنعوا ثلاث مظال بقدر عددهم.
عدد 10: وسأله التلاميذ قائلين فلماذا يقول الكتبة ان ايليا ينبغي ان يأتي اولاً.
ليس من الكتب كان يعرف التلاميذ ان ايليا ينبغي ان ياتي اولاً. لكنهم سمعوا ذلك من الكتبة. أما الكتب فتنبئ عن مجيئين. المجيء الاول يسبقه يوحنا والثاني ايليا. والمجيئان مذكوران في ملاخي النبي حيث يقول عن المجيء الاول ” ها انا مرسل ملاكي امام وجهك ” وعن الثاني ” هو ذا ارسل لكم ايليا التشبي ” أما الكتبة فكانوا يقبلون النبوتين ولكنهم كانوا يسكتون عن الاولى ويذكرون الثانية قائلين للشعب ان كان المسيح هو هذا فأين ايليا الذي انبأنا الكتاب انه يسبق المسيح.
عدد 11: فاجاب يسوع وقال لهم ان ايليا يأتي اولاً ويرد كل شيء.
أي ليرد قلوب الآباء على البنين أعني ليرد اليهود لتعليم الرسل. ثم ان ايليا سوف يأتي ليعد كل شيء ويرد الكثيرين عن ضلالهم قبل ان آتي وأضرب الارض ضربة الهلاك أي قبل ان يفاجئهم الهلاك.
عدد 12: ولكني أقول لكم ان ايليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن الانسان أيضاً سوف يتألم منهم.
فسمى يوحنا باسم ايليا لانه كان يكمل خدمته. فروحهما واحدة وخدمتهما واحدة. وقوله ” صنعوا به كل ما أرادوا ” أي انهم طرحوه في السجن وشيموه وقتلوه وأتوا برأسه على طبق. وبقوله ” هكذا ابن البشر مزمع ان يتألم منهم ” وجه التفاهم الى آلام يوحنا عساهم ان يتشجعوا حين يشاهدون آلامه.
عدد 13: حينئذ فهم التلاميذ انه قال لهم عن يوحنا المعمدان.
فهموا من قوله لهم ان ايليا قد جاء انه قال عن يوحنا لانهم صاروا يصغون جيداً لما كان يقول. ولكنهم لم يسألوه متى يأتي ايليا لانهم كانوا في ضيقة جل آلامه.
عدد 14: ولما جاءوا الى الجمع تقدم اليه رجل جاثياً له.
عدد 15: وقائلاً يا سيد ارحم ابني فانه يصرع ويتألم شديداً. ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء.
يسمي اليونان هذا الشيطان قمرياً والسريان ابن الاسطحة لان في الازمنة القديمة كثيراً من المجانين قد طرحهم هذا الشيطان من الاسطحة وقتلهم. اما نحن فنقول انه شيطان ويعمل عمله الشرير في رؤوس الاهلة اوآخرها لكي يظن الكثيرون ان الهلال هو العامل فيجدفون كما يفعل الشياطين على أيدي السحرة فكأن الانفس كانت تنقلب الى شياطين وبهذا الزعم يقتل السحرة الاطفال حتى تصير أنفسهم خاضعة لهم. وقال القديس ساويرس ان الشياطين تدخل في انفس المنجمين الذين يعرفون حساب المولد فيزعمون ان ذلك الفعل الشرير فعل بعض الكواكب. ويفعل الشياطين فعلهم الشرير عند استهلال القمر وامحاقه لكي يوقعوا المنجمين في وهدة والقلق بهذا الحساب الكاذب. وزعم الاطباء انه مرض ينشأ عن الرطوبة فمتى زادت رطوبة الجسد اعتراه المرض ولذلك تقع التجارب بذلك المرض على الاطفال الصغار حتى اذا ما خرجت الرطوبة شفوا منه. ويقولون أيضاً ان مرض الرطوبة هذا يزداد تحركه في الناس في دائرة ضوء القمر. والذي يعتريه ذلك المرض في زمن الشبيبة بالجهد يشفى. وذهب غيرهم من الاطباء ان هذا المرض ينشأ عن عوارض الاخلاط اي الامزجة ويكون محبوساً في عروق القلب الذي تصعد الى المخ الذي هو موضع المخيلة وما دام مستقراً في الاسفل فلا ضرر منه. ولكنه متى صعد الى الرأس خيم على العينين فيتخيل لذلك الانسان انه واقف على السطح وقدامه شيطان ففي الحال يقع ويرتعش ويرغو ويزبد. اما نحن فنقول كما قلنا سابقاً حسب نص الانجيل انه شيطان. ولولا رحمة الله لكان ذلك الشاب قد هلك.
عدد 16: وأحضرته الى تلاميذك فلم يقدروا ان يشفوه.
يشير الى الزمان الذي ارسلهم الى اليهود. وقد اظهر الرجل حماقته في شكايته التلاميذ وتنديده عليهم امام الجمع لانهم لم يستطيعوا شفاءه.
عدد 17: فأجاب يسوع وقال ايها الجيل الغير المؤمن الملتوي. الى متى أكون معكم. وحتى متى احتملكم. قدموه اليّ ههنا
لم يلم المسيح التلاميذ امام الشعب لعدم امانة الرجل. وهنا نتعلم ان الحصول على الشفاء من المسيح ممكن من الايمان قلوب الذين يقربونه. كما فعل اليشع النبي باحيائه الجسد المائت وذلك لان قوة الشافي كانت كافية. واحياناً ينظر الله الى ايمان المريض نفسه فيشفيه بسبب ايمانه كما جرى في بيت قورنيلوس فانه لسبب ايمانه أخذ نعمة الروح القدس
(مر 9: 22) فقال له يسوع ان استطعت انت ان تؤمن فكل شيء ممكن للمؤمن
اي ان لي القدرة واريد شفاءك فان آمنت شفيت بايمانك ابنك وآخرين
(لو 9: 42) وفيما هو يدنو صرعه الشيطان وخبطه
ان جسارة الشيطان في حضرة سيدنا هو لتخلي المسيح عنه حين صرعه ليظن الشيطان ان المسيح ايضاً غير قادر على شفائه ولكي يظهر فظائع الشياطين امام الجمهور ويوبخ والد الشاب على عددم ايمانه. فيتخلى المسيح عن شيطان واحد قد ثبت ضد الرسل واقام في الناس برهاناً محسوساً لادحاض كل ما سيقال ضده من المفتريات لانه اذا كان آخرون يخرجون الشياطين باسمه كما سبق الرسل اذ قالوا لسيدنا ” اننا راينا واحداً يخرج الشياطين باسمك ” فمعناه فمن باب اولى ان لا يعصى على المسيح شيء.
عدد 18: فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشفي الغلام من تلك الساعة.
لم يستعمل الصلاة واسطة في اخراج الشيطان كما يفعل غيره لكن الانتهار لأنه إله قدير.
عدد 19: ثم تقدم التلاميذ الى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن ان نخرجه.
خشوا ان تكون قد زالت عنهم منحة الروح القدس فسألوه ولكن ليس امام الجمع.
عدد20 : فقال لهم يسوع لعدم ايمانكم. فالحق أقول لك لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم.
أي ان الامانة التي بها تفعل العجائب. وليلاحظ ان ابا الشاب ظن انه غير محتاج الا لشفاء ابنه ولكن المسيح رأى انه محتاج لشيء آخر وهو التوبيخ لعدم ايمانه ولذلك اعجز التلاميذ عن شفائه حتى يلتجي اليه فيصلح قلبه ويقوي ايمانه فكما ان حبة الخردل صغيرة الحجم قوية المفعول كذلك قليل من الامانة المستقيمة قوي المفعول في عمل المعجزات وكما ان حبة الخردل لا تنقسم الى قسمين كذلك أنتم لا تنقسمون على ما في ايديكم. فما اعظم هذا الإيمان لصاحبه ولمن ينتفعون بعمل الآيات. وربما ظهر قول المسيح هذا ” لكنتم لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من ههنا الخ ” غريباً لدى قليلي الإيمان ولكن كثيراً من القديسين بايمانهم الفعّال نقلوا الجبال حقيقة كما فعل مرقس الترمقي. على ان المسيح لم يحتم عليهم بنقل الجبال بلا موجب وانما أراهم ان ذلك الإيمان قدير حتى على نقل الجبال فان ارادوا نقلوا وان لم يكونوا قد نقلوا فلأنهم ما أرادوا لعددم اقتضاء الحال. ولعل كثيراً من القديسين الذين نقلوا الجبال لم تدونت لهم تلك الحوادث. ثم ان المسيح يسمي الشيطان أيضاً جبلاً كقول زكريا ” ماذا تكون انت ايها الجبل العظيم قدام زور بابل ” وكقول حزقيال ” ها انا ضدك ايها الجبل الخراب وكما ان الشياطين مثلوا بالحيات والعقارب لسبب غدرهم وشرورهم هكذا مثلوا بالجبال لسبب كبريائهم “..
عدد 21: وأما هذا الجنس فلا يخرج الا بالصلاة والصوم.
يعني بالجنس هنا جنس الشياطين على اختلاف انواعها لا النوع القمري وحده. وللصلاة والصوم قوة عظيمة لا يسـتهان بها لانها تجعل الجسماني روحانياً والجسداني ملائكياً. وقد فرض الصوم على الجسد والصلاة على النفس فيقتضي ان يكون المستشفي وهم مجردون من الفضيلة وفي الازمنة القديمة كان الاساقفة يختارون رجالاً اعفاء وفضلاء ويمنحونهم السلطان بواسطة الصلاة ليطردوا الشياطين من المجربين وكانوا يسمونهم المقسمين وتذكارهم وارد في قوانين البيعة. اما اليوم فقد بطلت هذه العادة لقلة ايماننا وفضائلنا.
عدد 22: وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع. ابن الانسان سوف يسلم الى ايدي الناس.
عدد 23: فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. فحزنوا جداً.
أي انهم كانوا يكثرون من التجوال في الجليل. ولكي لا يقولوا لماذا لا نذهب الى اورشليم ذكر آلامه لكي لا يقصدوا الذهاب اليها. ولما قال لهم الى ثلاثة أيام أقوم لم يفهموا مراده ولكنهم حزنوا جداً.
عدد 24: ولما جاءوا الى كفرناحوم تقدم الذين يأخذون الدرهمين الى بطرس وقالوا أما يوفي معلمكم الدرهمين.
كانت جباية الدرهمين تجري في كل مدينة واصل وضعها انه لما قتل الله أبكار المصريين قال للعبرانيين ان ليكن ابكاركم لي عوض أبكار المصريين الذين قتلهم. فلما احصوا أبكار العبرانيين أي أبكار الاحد عشر سبطاً كان عدددهم 22,237 بكراً فأمر فأحصوا بني لاوي من الذكور كباراً وصغاراً مع الابكار من ابن سنة فما فوق فاذا هم 22000 فنقصوا عن العددد المطلوب 237 عبرانياً ولذلك فرض على أبكار الاحد عشر سبطاً ان يؤدي كل فرد منهم درهمين في السنة فدية عن العدد الناقص لان الله قد اتخذ سبط لاوي عوض أبكار المصريين. ولما جاءوا الى كفرناحوم طلبوا من المسيح تلك الضريبة لانهم كانوا يظنونه من تلك البلدة وقالوا لبطرس لانه كان أكبر التلاميذ سناً. فسألوه بروح السكينة والسلام ” أما يؤدي معلمكم الدرهمين ” لانهم أكرموه من أجل العجائب التي صنعها لذلك لم يطلبوا منه. فقديماً كان كل واحد من بكار العبرانيين يعطي اربعة دراهم اكراماً لله وللهيكل ولكن بعد ان خضعوا للرومانيين وافتقروا لم يعد في وسعهم الا ان يعطي كل واحد درهمين لرئيس الكهنة وهي الجزية التي سألوا بطرس ما اذا كان معلمك يؤديها كأنه انسان خائف الله خاضع للشريعة كسائر الناس. فأجابهم بطرس هو غير عارف بلاهوته نعم.
عدد25 : قال بلى. فلما دخل البيت سبقه يسوع قائلاً ما تظن يا سمعان. ممن يأخذ ملوك الارض الجباية أو الجزية أمن بنيهم من من الاجانب.
فقال أي نعم يعطي ولكنه لم يخبر معلمه بذلك ولما دخل البيت سبقه يسوع كعارف الخفايا وقال ممن يأخذون ملوك الارض الخراج أي انهم يأخذونها من رعيتهم فأنا حر من ادائها لاني ابن الملك السماوي لا الارضي وبهذا ابان انه ابن الآب ازلياً ولو انه تجسد لفداء البشر.
عدد 26: قال له بطرس من الاجانب. قال له يسوع فاذاً البنون احرار.
أي ان الله لم يفرض على ابنه الجزية لان سلطانهما واحد. ولكن لئلا نشكك ضعفهم لانهم غير عارفين بالوهيتي ولكي لا يظن ي اني اضع ناموساً آخر فيستخفون بالذي قد ميزه الله ولئلا ابطل الناموس الذي يأمر ان يؤدي كل بكر الدرهمين. امضِ الى البحر.
عدد27 : ولكن لئلا نعثرهم اذهب الى البحر وألق صنارة والسمكة التي تطلع اولاً خذها ومتى فتحت فاها تجد استاراً فخذه وأعطهم عني وعنك.
ليثبت انه خالق البـر والبحر وله السلطان على كل ما فيهما. ” استاراً ” اي اربعة دراهم. ورب سائلٍ من اين للحوت هذا الاستار ؟ قال قوم ان السفن التي تغرق في البحر قد لا تخلو من دراهم ودنانير تبتلعها الحيتان وان قوت الحيتان ليس الدراهم والدنانير فقط بل حجارة أيضاً تزدرها ومهما اكلت هضمت. وقال غيرهم ان في ذلك الوقت قد خلق الاستار من لا شيء وقال آخرون ان ذلك الاستار كان متموغاً بصورة الملك وقد غرق في البحر في وقت من الاوقات فبلعه الحوت وحفظه الى ذلك الزمان. ومن قول المسيح له المجد “ عني وعنك “ يتضح ان بطرس أيضاً كان بكراً أما مرقس فلم يورد هذه الحكاية لانه كان يرى معلمه لا يحب الافتخار فاقتصر عللى ايراد حادثة انكار بطرس لسيدة تماماً. ولنا في هذه الآية معنى روحي فالبحر رمز عن العالم وسمعان عن الكاهن الذي يصيد الناس ويأتي بهم الى الحياة والشص رمز الى الكرازة التي القيت في العالم. والحوت الملقى في الماء يشير الى جنس البشر المطروح في رطوبة الخطيئة. والاستار اي الاربعة دراهم كناية عن الامانة التي بشر بها الاربعة البشيرون في الاربعة أقطار عني وعنك أي عن شعب اليهود والامم. ثم ان السمك يرمز الى البيعة التي صعدت بشص التعليم من العالم بحر الخطيئة. والدرهمين اللذين وزنهما خمس حبات يشيران الى جنسنا البكر قد ضل بالخمس الحواس اي بالنظر والسمع والشم والذوق واللمس. فيجب ان نقدس ذواتنا لله أي حواسنا بالتعليم الممثل بالفضة. والدرهمين الذبن أعطاهما هم رمز الى نفسه وجسده اللذين قدمها كفارة عن كل البشر. ثم ان بطرس فتح فاه الحوت فوجد الاستار في فمه لانه لم يبتلعه بل حمله بأمر الله متعبداً لخالقه جل جلاله
(الاصحاح الثامن عشر)
عدد 1: وفي تلك الساعة تقدم التلاميذ الى يسوع قائلين فمن هو أعظم في ملكوت السموات.
أكرم المسيح بطرس بقوله ” عني وعنك ” و ” طوباك يا سمعان ” فدب مرض الغيرة في قلوب التلاميذ ولانهم استحوا ان يكشفوا مرضهم ويقولوا لعل بطرس أعظم منا قدموا هذا السؤال. ويعرف ذلك من قول الانجيلي ” انه في تلك الساعة التي قال فيها لبطرس ادعني عنك “. أما مرقس فلم يقل انهم سألوا بل افتكروا. وأما نحن فنقول ان المرض تولاهم مرة ومرتين ففكروا أولاً في قلوبهم كما يقول مرقس ولوقا ثم سألوا بفمهم كما يقول متى.
عدد 2: فدعا يسوع اليه ولداً واقامه في وسطهم.
ان الصبي الذي دعاه واقامه كان صغيراً وبريئاً من الامراض المعيبة وقال قوم ان اغناطيوس النوراني الذي صار بطريركاً على انطاكية هو ذاك الصبي وهو الذي شاهد الملائكة يرتلون جوقتين فأدخل هذا النظام في ترتيل الكنائس. أما سؤال التلاميذ فلم يعجب المسيح فحول أفكارهم من الظن ان العظمة تنال قبل الامتحان الى تمثيل الصفات المؤهلة للعظمة الحقيقية وهي السذاجة والطهارة فأقام صبياً في وسطهم وقال.
عدد 3: الحق أقول لكم ان لم ترجعوا وتصيروا مثل الاولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات.
عدد 4: فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فذاك فهو الاعظم في ملكوت السموات .
وهذا دواء الداء الذي استولى على افكارهم وكأنه يقول تسألوني من هو الاعظم في الملكوت فأجيبكم هو الطاهر الوديع الذي يحاكي الطفل في نقاء القلب وسذاجته ودعته.
عدد 5: ومن قبل ولداً واحداً مثل هذا باسمي فقد قبلني.
أي ان الذين يكرمون الودعاء مثل الصبي اياي يكرمون.
عدد 6: ومن أعثر احد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له ان يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر.
كذلك الذين يسيئون الى الودعاء مثل هذا الصبي فاني أجلب الإساءة عليهم اضعافاً. والمقصود من كلمة الشك السب والاحتقار. ولم يقل ان يعلق حجر الرحى في عنقه بل أجدر له لو علق وذلك ليبين وخامة الشر والعقوبة المتربة عليه. ثم وجه كلامه الى العامة فقال:
فعدد 7: ويل للعالم من العثرات. فلا بد ان تقع العثرات ولكن ويل لذلك الانسان الذي به تأتي العثرة.
يريد بالعالم الناس الاشرار والخطأة الذين يجلبون الشكوك كما قال القديس ساويرس. ويريد بالشكوك القتال الخصومة الضربات القتل الزنى السرقة وغير ذلك. وقد جرت عادة الكتاب ان يسمي الناس الاشرار عالماً كقوله ” لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته (يو 15: 19) لان العالم كله قد وضع في الشرير (ايو 5: 20) وكقوله لينقذنا من العالم الحاضر الشرير (غلا 1: 4) وقد تنبأ له المجد بوقوع الشكوك وأعطاهم الويل ليحذرهم من غائلتها ويجعلهم مستيقظين ونبه التلاميذ أيضاً لانه يرسلهم الى القتال داخلاً وخارجاً. ثم ان الانسان متروك لحريته وارادته الذاتية فاذا وقعت منه المعاثر والشكوك وقع تحت طائلة اللوم والمسؤولية. وبقوله ” لابد ان تقع الشكوك ” لم يسلب منهم حريتهم لكنه لما كان قد سبق فرأى بواسع علمه استحكام ذلك الداء الوبيل ليس له شفاء في قلوب أهل العالم تنبأ بوقوع الشكوك. فمثلهم معهم مثل الطبيب الذي يهتم بالمريض ويصف له العلاج الناجع فاذا عمل بأمره شفي والا رزح تحت أثقال مرضه وحينئذٍ يحق للطبيب ان يقول الويل لفلان من مرضه. ورب معترضٍ يقول اذا كان لا بدّ من وقوع الشكوك فكيف يمكن الخلاص منها ؟ فنجيب ان الشكوك لا بدّ ان تقع ولكن الهلاك غير محتم وباب الخلاص غير موصد فاذا قال الطبيب ان فلاناً لا بدّ من معاناته تباريح المرض لم يستلزم ذلك موته ضرورة لان سبيل الخلاص لا يزال مرجواً فمن لم يهتد اليه حق عليه الموت والهلاك فالناس بحسب حريتهم فريقان مهتد وضال والشكوك لا بدّ من وقوعها فمن اعترته اسقامها وغفل وتهاون حل به الهلاك ومن استمسك بعرى النجاة وسهر على مقاومة التجارب بقوة الروح نجا من الداء ونال الشفاء. ويقول البعض ان قوله لا بدّ ان تقع الشكوك يطلق عن آلام سيدنا وموته لان هذه الحوادث كان وقوعها محتماً ويستدلون على ذلك من قوله عن حبة الحنطة ان لم تمت لم تأت بثمر. ومن قول بولس الرسول ” لكي بموته يبطل الذي بيده عز الموت وهو ابليس (عب 2: 14 22) وكما ان موته كان عن ضرورة وابطاله الموت كان أيضاً عن ضرورة فتجديد جنسنا أيضاً عن ضرورة. ولكن لا يلزم عن ذلك ان فاعلي الاثم يفعلونه عن ضرورة لان لهم حرية الاختيار ولذلك أعطى الويل لذلك الذي على يده تقع الشكوك أما زعم البعض ان خيانة يهوذا كانت عن ضرورة فباطل لأنه لو صح هذا الوهم لما كان قد شق بطنه وخنق نفسه. وقوله ” عن يديه تقع الشكوك ” يعني منه لان قد جرت عادة الكتاب ان يقول بيديه او بواسطته عوضاً عن منه كقوله ” صادق الذي هو بيده دعيتم ” يعني منه. والويل المذكور هنا هو موجه للمضلين الذين يلقون العثرات في طريق السذج فيضلون السبيل ويتزعزع إيمانهم.
عدد8 : فإن اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها والقها عنك. فخير لك ان تدخل الحيوة وأنت اعرج او اقطع من ان تلقى في النار الابدية ولك يدان او رجلان.
عدد 9: وان اعثرتك عينك فاقلعها والقها عنك. فخير لك ان تدخل الحيوة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان.
من هنا تعلم ان الشكوك لا تأتي عن ضرورة بل عن الارادة. فان كان لك أخ او محب ولو كقرب يدك منك ورأيت منه ما يشككك في طريق الإيمان والحق فاقطعه. وكذلك ان وجد في الكنيسة أخ بدا منه ما يعثر الآخرين فلا تشفق عليه بل اقطعه لانه خير لك ان تصير غريباً عن الاخ الممثل بالعين لتدخل الملكوت. والا فاذا جاريته وقعتما كلاكما في جهنم.
عدد 10: انظروا لا تحتقروا احد هؤلاء الصغار. لأني أقول لكم ان ملائكتكم في السموات كل حين ينظرون وجه ابي الذي في السموات.
لا يعني بالصغار صغار القامة بل المحسوبين عند العالم صغار المقام ولكنهم عند الله مكرمين فهؤلاء يجب علينا اكرامهم والا نحتقر احد. ان الملائكة يصحبون حميع الناس لحراستهم كما قال الذين كانوا في بيت مريم ام يوحنا الملقب مرقس عن بطرس ” انه ملاكه ” (اع 12: 15). وقال ابينا يعقوب الملاك الذي خلصني من كل شرتك 48: 16 وقال الرسول لذلك ينبغي للمرأة ان يكون لها سلطان على رأسها من أجل الملائكة (اكو 11: 10) ثم انه أراد بقوله ” وجه ابي ” ان يخبرهم عن الدالة التي لهم عند الله وعما يخصهم الله من المكاشفة حيث تعاين ملائكتهم أعمال أبيه السماوي نحو مخلوقاته.
عدد 11: لأن ابن الانسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك.
يشير الى موته الذي جاء من أجله حتى يموت على الصليب بالجسد ليحيي الانسان الهالك بالخطيئة.
عدد 12: ماذا تظنون. ان كان لإنسان مئة خروف وضل واحد منها أفلا يترك التسعة والتسعين على الجبال ويذهب يطلب الضال.
عدد 13: وان اتفق ان يجده فالحق اقول لكم انه يفرح به اكثر من التسعة والتسعين التي لم تضل.
يسمي المسيح نفسه انساناً والخراف الملائكة وبني البشر والذي ضل من الخراف هو الجنس البشري واما التسعة والتسعين فهم الملائكة الكثيرو العدد. واما الجبال فيقصد بهم السماوات. وقوله ” يمضي في طلب الضال ” أي انه صار انساناً وطلب آدم الضال ومات عوضه وقوله ” يفرح به اكثر من التسعة والتسعين ” يفيد وجوب اكرام الصغار. كما انه اذا كان لاحد خراف وضل احدها فيترك البقية ويمضي طالباً ذلك الضال. فان كان الله هكذا يفرح بالصغار حين يجدهم فكيف نحتقر نحن الذين يهتم بهم الله.
عدد 14: هكذا ليست مشيئة امام ابيكم الذي في السموات ان يهلك احد هؤلا الصغار.
فان كانت ارادة الآب ان لا نهلك لكنه يفرح برجوعنا فكيف نحن البشر نحتقر من هم مثلنا
ويزيد لوقا على ذلك قوله
لو 15: 8 أم اية امرأة اذا كان لها عشرة دراهم فاضاعت منها درهماً واحداً لا توقد سراجاً وتكنس البيت وتطلبه باهتمام حتى تجده
وهنا أنث اللاهوت فكنى عنه بامرأة كما كنى عنه بالحكمة وكذلك اليونان يؤنثون أقانيم الثالوث. وكما ان المرأة والدة البنين هكذا الله خالق المخلوقات وكما ان المرأة هي رحيمة على ابن احشائها هكذا الله يترحم على مخلوقاته. العشرة دراهم كناية عن الملائكة والعشرة تدل على الكثرة والدرهم الضائع هو الجنس البشري والسراج هو جسده الذي اناره بهاء لاهوته. ويراد بالبيت العالم وبالمحبين والجيران الملائكة الذين يفرحون بالخطاة التائبين وقد سماهم محبيه لانهم يعملون ارادته. وقد سماهم جيرانه لا لمناسبة المكان لكن لانهم روحانيون وغير مجسمين. ثم يسمى جسده سراجاً والعالم بيتاً لان جسد الابن قد اضاء للعالم بالتعليم وبعمل الآيات والمعجزات ازيد مما يضي السراج البيت.
عدد 15: اذا أخطأ اليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. ان سمع لك فقد ربحت اخاك.
أي انك اذا شتمت أو أهنت وما اسأت، عليك ان تذهب الى من اهانك وتصالحه وترجعه لانه يستحي ويخجل ان يأتي اليك لان الخجل من الخطيئة يظلم الفكر وقوله ” عاتبه ” اي لا توبخه امام الآخرين بما قد فعل من الاساءة بل وبخه على انفراد. (وان سمع منك) أي ان لام نفسه ورجع فتكون قد ربحت ربحاً مضاعفاً.
عدد 16: وان لم يسمع فخذ معك واحداً او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة.
أي ان لم تستطع ان تصلحه أعانوك على اصلاحه وليشهد الشهود بانك أكملت الواجب ولم تنقص شيئاً مما يجب.
عدد 17: وان لم يسمع لهم فقل للكنيسة. وان لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار.
يراد بالكنيسة الاسقف صاحب الكرسي. ويقول البعض انه يقصد بالكنيسةة جماعة المؤمنين. فان لم يسمع للاسقف ولا للكهنة ولا لجماعة المؤمنين فانه مريض مرضاً لا شفاء له. ويريد بالوثني المتمادي في شروره.
عدد 18: الحق أقول لكم ان كل ما تربطونه على الارض يكون مربوطاً في السماء. وكل ما تحلونه على الارض يكون محلولاً في السماء.
أي اذا ربطه الاسقف وأخرجه من البيعة فهو مربوط في السماء. فيبقى هنا مربوطاً بالحكم عليه وهناك بالعذاب. ولم يحتم بربطه بل سوغ ربطه حتى يبقى مهدداً فيخاف عقاب الربط.
عدد 19: وأقول لكم أيضاً ان اتفق اثنان منكم على الارض في اي شيء يطلبانه فانه يكون لهما من قبل أبي الذي في السموات
كثيرون يسألون متفقين فلا تجاب طلباتهم لانهم غير مستحقين او لان طلباتهم غير نافعة في نظر الله كما سأل بولس مرة فأجابه تكفيك نعمتي أولانهم يطلبون انتقاماً من الذين أوقعوا بهم ضرراً وهذا غير جائز للمسيحي أو الذين يطلبون لاجلهم غير مستحقين لانهم قد اخطأوا ولم يندموا. كما قال الله لارميا. لا تصل لاجل هذا الشعب فاني لا اسمعك (ار 7: 16).
عدد 20: لانه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون فب وسطهم.
ليس العبرة هنا باجتماع اثنين او ثلاثة بل ان يجتمعوا باسم المسيح بروح المحبة وقد يجتمع كثيرون لاجل أمور عالمية ويحبون بعضهم بعضاً فهؤلاء لا يكون المسيح بينهم لانه لا يسكن الا حيث توجد الامانة والرجاء والمحبة. وكذلك حيث يوجد تكون النفس والجسد متفقين وخاضعين لارادة الله. وفي رأي آخرين انه يوجد النفس والعقل والجسد فنجيبهم ان كل انسان خاطئاً كان او باراً مركب من هذه الثلاثة لكن لا يسكن الله في الانسان اذا كان منافقاً. والحيوانات غير الناطقة هي ذات جسد ونفس غير ناطقة وتنقسم الى اثنين من جهة التركيب ولكن الله لا يسكنها. ثم نقول ان العقل ليس شيئاً آخر غير النفس بل ان الانسان قد يسمى نفساً أو عقلاً او روحاً بحسب طهارته ويوجد من يقول ان سراج الجسد هو العين وسراج النفس العقل وقد كتبنا عن ذلك باسهاب في كتاب علم اللاهوت وعلم الطبيعيات فليراجع.
عدد21 : حينئذٍ تقدم اليه بطرس وقال له يا رب كم مرة يخطئ الي أخي وأنا اغفر له. هل الى سبع مرات ؟
قال حينئذٍ اي في ذلك الزمان الذي وضع فيه المسيح الناموس حيث قال ان الذي يخطئ ولم يتب فليكن عندك كالوثني والعشار. فسأل بطرس ان الذي يخطئ ويتوب أيكفيه ان أغفر له سبع مرات ظاناً ان السبع مرات عدد كبير.
عدد 22: فقال له يسوع لا أقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات.
وليس المعني ان المسيح حدد الغفران في هذا العدد بل اوجبه في كل حين وبلا حد.
عدد 23: لذلك يشبه ملكوت السموات انساناً ملكاً اراد ان يحاسب عبيده.
اراد بالملكوت الانجيل اي البشارة الجديدة وبالملك الله الآب وبعبيده بني البشر. اما الحساب فعن مقدار الذنوب التي قد غفرها لهم لكي يكونوا هم أيضاً رحماء فيغفروا لغيرهم.
عدد 24: فلما ابتدأ في المحاسبت قدم اليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنه.
ليس المقصود بالوزنات كثرة الذهب والفضة بل الخطايا التي قد فعلناها بلا عدد امام الله سواء كانت خطايا عامة او خاصة يعملها كل الناس او يعملها كل واحد حسب اختراعه. وقال آخرون ان العشرة آلاف وزنه هي الديون التي علينا لله والمئة دينار هي مواجبنا لبعضنا. والوزنة مائة وخمسون رطلاً والرطل اثنان وسبعون ديناراً والدينار درهم ونصف.
عدد 25: واذ لم يكن له ما يوفي امر سيده ان يباع هو وامرأته وأولاده وكل ماله ويوفي الدين.
قال ذلك ليبين جسامة الدين وخطارته وانه ماله وفاء.
عدد 26: فخر ذلك العبد ساجداً له قائلاً تمهل علي فاوفيك كل مالك.
ان سجوده ملتمساً امهاله واقراره بانه سيوفي لهو عمل حسن يستحق عليه الغفران واما عمله الاخير فمقوت ومرذول.
عدد 27: فتحنن سيد ذلك العبد واطلقه وترك له الدين.
هذه الآية تبين لنا رحمة الله الواسعة.
عدد 28: ولما خرج ذلك العبد وجد واحداً من العبيد رفقائه كان مديوناً له بمئة دينار. فامسكه وأخذ بعنقه قائلاً اوفني مالي عليك.
عدد 29: فخر العبد رفيقه على قدميه وطلب اليه قائلاً تمهل علي فاوفيك الجميع.
عدد 30: فلم يرد بل مضى والقاه في سجن حتى يوفي الدين.
انظر الى وقاحة ذلك العبد فان سيده ترك له عشرة آلاف وزنه وهو لم يمهل رفيقه على مئة دينار لكنه أخذ يخنقه ثم طرحه في السجن.
عدد 31: فلما رأى العبيد رفقاؤه ماكان حزنوا جداً وأتوا وقصوا على كل ما جرى.
ان ذلك العبد لم يفعل حسناً لا لله ولا لرفيقه ولا للناس وذلك واضح من ان العبيد جاءوا واعلموا سيدهم بما جرى.
عدد 32: فدعاه حينئذٍ سيده وقال له. ايها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لانك طلبت اليّ.
لم يسمه في المرة الاولى شريراً لكنه تحنن عليه. فلما راى قسوة قلبه سماه شريراً وغضب عليه
عدد 33: أفما كان ينبغي أنك انت أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك انا.
اي ما اعظم جرمك قد تركت لك الوزنات الكثيرة وبطلبة صغيرة أرضيتني كما يجب عليك ان ترحم رفيقك وتترك له المئة الدينار.
عدد 34: وغضب سيده وسلمه الى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه.
فكما انه لا يقدر ان يوفي ولا فلس كذلك جلده يكون بلا نهاية حتى يوفي. وفي ذلك اشارة الى العذاب الذي لا نهاية له.
عدد 35: فهكذا ابي السموي يفعل بكم ان لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لاخيه زلاته.
اي مثلما عاملت رفيقك هكذا سيعاملك الله. ولم يقل ابوكم ههنا لان ذاك العبد والذين على شاكلته في الحقد لا يدعي الله اباهم. وبقوله ” من قلوبكم ” اوجب الغفران قلباً وفماً. ولكي لا يتعلل احد قائلاً لا اغفر لرفيقي لانه وبخني امام الناس فنجيبه ان من وبخك جعل نفسه مذنباً امام الله.
(الاصحاح التاسع عشر)
عدد 1: ولما أكمل يسوع هذا الكلام انتقل من الجليل وجاء الى تخوم اليهودية من عبر الاردن.
عدد 2: وتبعته جموع كثيرون فشفاهم هناك.
لأن وقت الآلام كان قريباً لم يصعد الى اورشليم لكنه مكث في تخومها. وقوله ” جموع كثيرون ” يدل على انه شفى مرضى كثيرين.
عدد 3: وجاء اليه الفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل ان يطلق زوجته لكل سبب.
لانهم ما استطاعوا لومه من أجل اعماله فدبروا هذا السؤال حتى يحكموا عليه من جوابه انه يعلم الناموس. فان قال يحل الطلاق اعترضوا عليه بانه قال سابقاً انه ” لا يحل مت 5: 32 ” وان قال لا يحل قاموا ضده وقالوا ان موسى كتب ان من يريد ان يطلق امراته فليعطها كتاب طلاق ظانين انه قد نسي ما قاله اولاً.
عدد 4: فاجاب وقال لهم أما قراتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وانثى وقال.
عدد 5: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامراته ويكون الاثنان جسداً واحداً.
كان جواب المسيح حكيماً لانه لم يبادرهم بنعم او لا فيعطيهم فرصة للشكاية بل أخذ يشرح المسألة من بدء الخليقة ومن الوصية. فمن الخليقة لانه لو كان قصد الله ان يترك الانسان امراته ويتزوج باخرى لما كان قد خلق في البدء انثى واحدة لآدم. ومن الوصية لان الله اوصى في كتابه ان يترك الرجل اباه وامه ويلزم امراته ولم يقل نساءه فهذا هو الناموس لان الذي صنع من البدء هو ليس جديداً وبقوله ذكراً وأنثى ابان انهما من اصل واحد وبالزواج صارا جسداً واحداً. فهنا أسند المسيح قوله ” ان يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته (تك 2: 24) ” الى الله واما موسى فاسنده الى آدم اما نحن فنقول وان كان آدم قد قالها لكن لم يكن من شانه الاطلاع على المستقبل فان ذلك من خصائص الله وحده. وبقوله ” فيصيران كلاهما جسداً واحداً ” ابان كما انه صعب جداً ان يشطر الجسد الواحد الى شطرين هكذا ليس بمأذون ان يترك الرجل امراته لانهما جسد واحد فلا يمكن فصله.
عدد 6: إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان.
بعد ان أثبت من الناموس ومن الخليقة عدم جواز ترك الرجل امرأته جمع النتيجة قائلاً فليسهما اثنين بل جسد واحد ونفس واحدة غير مفترقين وبقوله “ما جمعه الله فلا يفرقه انسان ” اعلن ان الذين يفرقون يقاومون الله الذي جمع الاثنين واحداً ويقاومون الطبيعة بشطر الجسد الى شطرين ولم يجز المسيح الانفصال الا لعله الزنى سواء كان من قبيل الرجل او المرأة.
عدد 7: قالوا له فلماذا اوصى موسى ان يعطى كتاب طلاق فتطلق.
اي كتاب الترك والترك عند اليونان الابتعاد. وكان اليهود يطلقون نسائهم ويتزوجون اخريات لذلك قالوا موسى اوصى لعلهم يثيرون غضب الجموع ويشتمونه.
عدد 8: قال لهم ان موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم ان تطلقوا نسائكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا.
ان موسى لكي يدفع الشر الكبير بالصغير اجاز لهم تطليق المرأة دفعاً لقتلها فكان شيخ اليهود ورؤساؤهم يفجرون بالمتزوجات وكان ازواجهن يخشون باسمهم فلا يجسرون على مقاومتهم ولا يجدون حيلة للتخلص من زوجاتهم الا بدس السم لهن او خنقهن ليلاً قائلين انهن متن موتاً طبيعياً فلاجل هذا أمر موسى ان تعطى كتاب طلاق وتخلى استبقاء لحياتها. ثم ان المسيح علل سماحة موسى لهم بالطلاق لسبب قساوة قلوبهم فاذا لم يقنعهم هذا التعليل فقد اثبت لهم من التوراة ان الله لم يامر بتطليق النساء لانه منذ البدء خلق ذكراً واحداً وانثى واحدة. فلما رأى موسى انهم يتخلصون من نسائهم بالقتل اباح لهم الطلاق الذي لم يكن مشروعاً في الاصل.
عدد 9: واقول لكم إن من طلق امرأته الا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزنى. والذي يتزوج بمطلقة يزنى.
الزواج عقد الهي فمن حله فهو زان لانه نقض ناموس الله.
عدد 10: قال له تلاميذه ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يتزوج.
اي ان كان الزواج يجعل الزوجين جسداً واحداً وان كان طلاق المرأة الشريرة يجعل مطلقها مذنباً فخير للانسان ان يمتنع عن الزواج ويقاتل ضد الشهوة وقول مرقس ” سأله تلاميذه في البيت عن ذلك (مر 10: 10) ” يدل على فزع التلاميذ.
عدد 11: فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذي أعطي لهم.
اي ان قولكم “ اجدر للرجل الا يتزوج “ لا يحتمله كل احد ولم يكشف لهم الكلمة لئلا يظنوا انه يضع ناموساً جديداً يقضي بعدم الزواج ثم ان التلاميذ كانوا يفكرون ان سكنى الرجل مع امرأة شريرة صعب وان طلقها وقع تحت ملامة الله لذلك فضلوا عدم الزواج: فرأى سيدنا له المجد انه اذا قال يجب ان لا يتزوجوا خالف الله والناموس وخالف قوله ان الذي جمعه الله لا يفرقه انسان وان قال يجب ان يتزوجوا نقض ناموس البتولية المزمع ان يفرضه فتخلص من الامرين بقوله ” الا للذين وهب لهم ” ولسائل يسأل ان كان احد لا يستطيع ان يحفظ البتولية الا الذي وهب له فكيف يقول جاهدوا للدخول من الباب الضيق. وبصبركم تقتنون أنفسكم. فنجيب ان الارادة لا تكفي وحدها لاختيار البتولية والزهد دون نعمة الله المكملة. لان تكميل ما هو فوق الطبيعة ليس من خصائصنا. فعلينا العزم والاهتمام والنعمة تكمل ذلك. وبقوله الا الذين وهب لهم ابان شرف البتولية وانها عمل فاضل يتم بالاختيار أولاً والموهبة ثانياً. وهنا نرى ان البتولية بالاختيار لا بالضرورة.
عدد12 : لانه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون امهاتهم. ويوجد خصيان خصاهم الناس. ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات. من استطاع ان يقبل فليقبل.
الخصيان على اربعة انواع وسيدنا تكلم على ثلاثة. فالذين ولدوا من بطون أمهاتهم هؤلاء ذوو عاهة طبيعية او عرضية. والذين خصوهم الناس هؤلاء ذوو عاهة قسرية تنجت عن استبداد الناس بهم وهذان النوعان لا يمدحان ولا يذمان كما لا مدح للنار المحرقة ولا للثلج المبرد. أما النوع الثالث وهم الذين خصوا أنفسهم لاجل الملكوت فهم ممدوحون لان فيهم ثمرة الارادة الحرة حيث قطعوا أفكارهم الرديئة لا أعضائهم. أما النوع الرابع وهم الذين يقطعون أعضائهم التناسلية فهم ملومون جداً لان الذي يقطع عضوه ملوم لانه يرذل خليقة الله ويفسد الانسان الذي هو حسن في خلقته ولا خير في تبتله لانه يحترق في الشهوة. وقد أشجب هؤلاء القديس تاولوغوس في تفسيره هذه الآية. وقد أورد المسيح هؤلاء الخصيان برهاناً موضحاً لتلاميذه ان قولهم ” أجدر للرجل ان لا يتزوج ” أمر ممدوح. لان الذين يخصون أنفسهم لاجل الملكوت لهم الاجر العظيم وأثبت لهم ان البتولية ممكنة وجذبهم اليها خفية. وقد اختلف الناس في منبع الزرع البشري فقال قوم ان معين الشهوة هو المخ وقال غيرهم بل الصلب أما نحن فنقول ان الشهوة لا تنبت من مكان الا من ارادة غير ملجمة ومن فكر منحل وبقوله ” من استطاع ان يحتمل فليحتمل ” أكرم البتولية وأوضح ان الزهد ليس تحت الضرورة لكنه خاضع للارادة الحرة.
عدد 13: حينئذٍ قدم اليه صبيان ليضع يديه عليهم ويصلي. فانتهرهم التلاميذ.
قد جرى الناس على هذه العادة فاذا رأوا قديسين ومتوحدين وأساقفة قدموا لهم اولادهم ليضعوا عليهم أيديهم ويباركونهم. فزجر التلاميذ لهم يدل على سلطانهم. وبقوله دعوا الصبيان علم تلاميذه ان يحبوا التواضع ويبغضوا الكبرياء ولذلك حمل الاطفال واعتنقهم.
عدد 14: أما يسوع فقال دعوا الاولاد يأتون اليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات
أي ان الملكوت ميراث المتشبهين بالاطفال طهارة في القلب وعدم الحقد.
عدد 15: فوضع يديه عليهم ومضى من هناك.
عدد 16: واذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أيّ صلاح اعمل لتمون لي الحيوة الأبدية.
قال قوم ان هذا الرجل تقدم الى يسوع ليجربه. اما نحن فنقول انه كان محباً للفضة لا مجرباً ويعرف ذلك من قول مرقس “أنه أسرع اليه وجثا له وسأله (مر 10: 17) وان المسيح نظر اليه وأحبه ” لأنه فاحص القلوب والكلى. ولو دنا اليه مجرباً لاشار الى ذلك وانما لاحظ عليه انه مضروب بحب المال. وقال آخرون انه كان مولعاً بالمجد الباطل وانه كان يقصد نيل المدح من المسيح و لذلك فتح الحديث بالثناء عليه طمعاً في ان يقابله بالمثل فيمدحه ولكن المسيح عرف ما في قلبه وعارضه قائلاً لماذا تدعوني صالحاً كأنه يسأله لماذا تملقني لانك ستتذمر على لشورى عليك ان توزع مقتناك ولسائل يسأل من اين عرف ذاك الفتى ان يسأل عن حياة الابد اذ لا موسى ولا الانبياء كرزوا بحياة الابد ؟ فنجيب انه قد تعلمها من مخلصنا حين كان يصرخ قائلاً ان من يؤمن بي فله حياة الابد.
عدد 17: فقال له لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالحاً الاّ واحد وهو الله. ولكن ان أردت ان تدخل الحيوة فاحفظ الوصايا.
لم يخل نفسه من الصلاح بقوله هذا فانه هو الذي قال عن نفسه انا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عوض الخراف. وكذلك لم ينفي الصلاح عن بني البشر لانه قال “ الرجل الصالح من كنزه الصالح يخرج الصالحات (مت 12: 35) ” وداود النبي قال صالح هو الرجل الذي يترأف ويقرض (مز 112: 5) ولكنه لما رأى ذلك الشاب ينظر اليه كإنسان ساذج أو كمعلم لليهود لا كإله متأنس فجاوبه على قد فكره أما زعم الهراطقة انه سأله كمن يكلم الله وانه جاوبه كذلك فزعم فاسد. ويرى البعض ان المسيح قصد توبيخه على ريائه. وقوله فاحفظ الوصايا اي الناموس.
عدد 18: قال له أية الوصايا. قال يسوع لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد بالزور.
عدد 19: اكرم اباك وامك واحبب قريبك كنفسك.
خامر الظن الرجل وصايا أخر غير الناموس توهب الحياة فلذلك سأله مستفهماً ما هي.
عدد 20: فقال له الشاب هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فماذا يعوزني بعد.
تأمل كم كان يحفظ ذلك الشاب من الوصايا التي لا يحفظ بعض المسيحيين بعضها الا بالجهد. ولم يكتف بذلك لكنه سأل ماذا ينقضي وهذه علامة شوقه الى الحياة الابدية.
عدد 21: فقال له يسوع ان اردت ان تكون كاملاً فاذهب وبع املاكك واعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني.
فبقوله ” ان كنت تريد ” سلمه لارادته. وبقوله ” بع كل شيء ” عرفه بالوصايا التي تؤدي الى طريق الكمال ثم عرفه بمكافأة الانتصار فقال ” فيكون لك كنز ” وهذا جزاء الغلبة. وقد سماه كنزاً ولم يقل الحياة لان الكلام كان عن المقتنى. وكأنه يقول له ان المال الذي يؤخذ منك ويعطى للمساكين لم تفقده بل يزداد كالذخيرة التي لا يشوبها نقص فما أعظم محبي البر. وتعال اتبعني لتعمل ما أمرك به وأعدد نفسك لاحتمال الآلام حتى الموت عني.
عدد 22: فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزيناً. لانه كان ذا أموال كثيرة.
من هنا نعلم ان الحزن يزداد كلما ازداد المقتنى.
عدد 23: فقال يسوع لتلاميذه الحق اقول لكم انه يعسر ان يدخل غني الى ملكوت السموات.
لم يسم صاحب مال غنياً بل الذي باهتمام زائد وبتعب كثير يجمع الفضة والذهب ويلقي رجاءه على المنظورات والزائلات.
عدد 24: وأقول لكم أيضاً ان مرور جمل في ثقب ابرة أيسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله.
يذهب القديس كيرلس انه يعني بالجمل هنا الحبل الغليظ الذي يقام في نصف البناء فيوضع عليه الاخشاب من الجانبين. وآخرون لا يودون تأويله بغير الجمل المعتاد كما هو مدلول الكلمة اليونانية.
عدد 25: فلما سمع تلاميذه بهتوا جداً قائلين. اذاً من يستطيع ان يخلص.
اضطرب التلاميذ المساكين شفقة منهم على حالة العامة لانهم رأوا الناس جميعاً يحبون المال فهم بعيدون عن الملكوت. فنظر اليهم يسوع أي عزاهم وازال عنهم الخوف
عدد 26: فنظر يسوع اليهم وقال لهم. هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع.
أي كل ما هو عند الناس غير ممكن فعند الله ممكن ولكن لا يجوز لك ان تأخذ هذا القول حجة للابتعاد عن الملكوت لانه ابتعاد عن غير الممكن بل عليك ان تطرح المقتنى وتبتعد عن الشهوة وتطلب من الله فيعينك وتكون مستحق الحياة.
عدد 27: فأجاب بطرس حينئذٍ وقال له. ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فماذا يكون لنا.
لم يقل بطرس هذا عن نفسه فقط بل عن جميع البائسين علماً بانهم بغير مقتنى يرثون الملكوت. وقد طلب سيدنا من ذلك الغني شيئين هما ان يعطي كل ماله للمساكين وان يتبعه وكذلك بطرس ذكرهما قائلاً ” هوذا نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك “. ان اتباع التلاميذ ليسوع هو السبب الوحيد الذي جعلهم ان يتركوا كل شيء.
عدد28 : فقال لهم يسوع الحق اقول لكم انكم انتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون أنتم ايضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر.
ولسائل يقول ان يهوذا احد الاثني عشر لم يجلس فكيف يكمل قوله ” تجلسون على اثني عشر كرسياً ” فنجيب ان قوله هذا يشبه قول الله لارميا ” تارةً اتكلم على امة وعلى مملكة بالقطع والهدم والاهلاك فترجع تلك الامة التي تكلمت عليها عن شرها فاندم عن الشر الذي قصدت ان اصنعه بها (ار 18: 7و8) “. وقوله لنوح ” لتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الارض (تك 9: 2) ” مع انها غير سائدة. فان الله اذا رأى الناس يخطئون توعددهم بالقصاص والهلاك حتى اذا ما تابوا ورجعوا اليه بقلوبهم نقض وعيده وشملهم برحمته ولطفه كما فعل مع اهل نينوى. وأما اذا اصروا على غيهم وفسادهم كيهوذا الذي اثبت عددم استحقاقه للميعاد نقض وعدده معهم لان وعدده يفيد المؤمنين العاملين. وبقوله ” انتم الذين تبعتموني ” يستثتى منه يهوذا الذي لم يتبعه ويشمل كل من تبعه. فان قال قائل ان كان يقصد التعميم فلماذا اقتصر على ذكر الاثني عشر رسولاً. فنجيب انه لم يقل ذلك من اجل الجلوس عن الكراسي والدينونة بل من أجل اسباط اسرائيل وكما ان قوله عن رجال نينوى وعن ملكة التيمن انهم سيقومون في الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه (مت 12: 41 و42) لا يفيد انهم سيكونون ديانين كذلك قوله هنا ليس معناه انهم سيجلسسون ويدينون لانه هو وحده الذي سيجلس ويدين ويتضح ذلك من تخصيصه اسباط اسرائيل فقط. فلأن الرسل كانوا من معشر اليهود انفسهم وقد تربوا معهم في الناموس ولكنهم آمنوا بالمسيح وبقي اليهود على ضلالهم ولكي لا يحتج هؤلاء في عددم إيمانهم بحجة ان الناموس كان يمنعهم عن ذلك ذكر الرسل والدينونة ز ويؤخذ من قوله ان الرسل سيجلسون ومن قوله عن اهل نينوى وملكة التيمن انهم سيقومون للدينونة انه خص الرسل بكرامة وبمجد أعظم.
عدد29 : وكل من ترك بيوتاً أو أخوةً أو أخوات أو اباً او اماً او امرأة او اولاداً او حقولاً من اجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحيوة الابدية.
كما انه لا يقصد بقوله ” من اراد ان يخلص نفسه يهلكها (مت 16: 25) ” ان نقتل نفسنا او ان نفصلها عن الجسد قبل الفراق كذلك لا يقصد بقوله هذا ان يفسخ الزواج او حل ربط الاقارب. لكنه يعلمنا ان نكرم ونفضل مخافة على الزوجة والاخوة والجنس والاقارب. فحسب ظني انه يشير عن الاضطهاد لان كثيراً من الآباء كانوا يحاولون رد ابنائهم من الإيمان بالمسيح الى النفاق وكذلك كان النساء يفعلن مع الرجال فيأمرنا المسيح ان ننفصل عن المعطلين لنا في سبيل الإيمان ولو كانوا أخص أقاربنا.
عدد 30: ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين وآخرون اولين.
الاولون الذين صاروا آخرين هم الفريسيون. والاخرون الذين صاروا أولين هم الرسل اما عموماً فالاولون آخرون هم المؤمنون الذين يكفرون بالمسيح. والآخرون اولون هم الكافرون الذي يؤمنون ويسبقون غيرهم بالسيرة المقدسة. وكثير من الذين يتقدمون أخيراً لمخافة الله بمحبة حارة يفعلون البر والفضيلة اكثر من المؤمنين الذين سبقوهم. ثم ان المؤمنين يكونون أولين ليس لاجل طول زمان إيمانهم للكن لانهم يحملون في قلوبهم من الإيمان الحار المثمر ثمر البر لذلك يمنحون التقدم في الكرامة.
(الاصحاح العشرون)
عدد 1: فإن ملكوت السماوات يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه.
عدد 2: فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وارسلهم الى كرمه.
يسمي المسيح نفسه رب بيت لانه تجسد والملكوت البشارة والعملة بني البشر ويسمي الكرم الوصايا التي وضعها وزمان العمل مدة حياة هذا العالم ودينار كل يوم هو سيدنا الذي يلذذ العملة في ملكوته. والعملة الذين استأجرهم وقت الصباح هم الذين منذ نشأتهم يبتدون بعمل البر.
عدد 3: ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأى آخرين قياماً في السوق بطّالين.
عدد 4: فقال لهم اذهبوا انتم أيضاً الى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم. فمضوا.
عدد 5: وخرج أيضاً نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك.
عدد 6: ثم نحو الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياماً بطّالين. فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين.
عدد 7: قالوا له لأنه لم يستأجرنا احد. قال لهم اذهبوا انتم ايضاً الى الكرم فتأخذوا ما يحقّ لكم.
العملة الذين استأجرهم في الساعة الثالثة هم الذين يتتلمذون في الشبيبة وعملة الساعة السادسة هم البالغين. وعملة التاسعة هم منتصفوا الاعمار وعملة الحادية عشرة هم الشيوخ. وهناك شرح آخر مؤداه ان عملة الصباح هم آدم وشيت وغيرهما. وفعلة الثالثة الذين جاءوا بعدد الطوفان كابرهيم واسحق ويعقوب وعملة الساعة السادسة هم موسى وهارون ويشوع والانبياء الى سيدنا. وفعلة التاسعة هم الاثنا عشر رسولاً والاثنان والسبعون مبشراً وغيرهم من الذين آمنوا به من ميلاده الى صلبوته. وفعلة الحادية عشرة هو لص اليمين ومن تبعه من فاعلي البر الى الآخرة مثل الشهداء والمعترفين. ثم شرح آخر مفاده ان الكرم كناية عن المؤمنين. والرجل عن الله والعملة عن الناس الفضلاء. والصباح عن بدء البشارة. والشرط مع الفعلة عن مدة الحياة. والارسال الى الكرم عن الخدمة المعينة لكل واحد. واليوم عن زمن مجيئه في الآخرة. وفعلة الصباح عن الذين آمنوا في زمن وجود ربنا بالجسد على الارض. وفعلة الثالثة عن الذين آمنوا بعدد صعوده. وفعلة الساعة السادسة والتاسعة عن الذين آمنوا جيلاً بعدد الجيل. وفعلة الحادية عشرة هم الذين سوف يؤمنون في آخر العالم.
عدد 8 فلما كان المساء قال رب الكرم لو كيله ادع العملة واعطهم الاجرة مبتدئاً من الآخرين الى الاولين.
يراد بالمساء انتهاء العالم الذي به تكون القيامة العامة وبالوكيل عدل الله تعالى الذي يجازي كل واحد حسب اعماله وبالاجرة والدينار مكافأة الابرار في الملكوت. ثم ان المسيح يأمر باعطاء الاجرة مبتدئاً من الآخرين اولاً لصعوبة الأزمنة الاخيرة كقوله تأتي أيام صعبة (2 تي 3: 1). وثانياً لان المدعوين في الاخير يبقون أحياء دون ان يذوقوا الموت كقول بولس (1 تس 4: 15) وثم لانه لا حسد في جهنم ولا تعمل عجائب في الازمنة الاخيرة كما كان في الازمنة الاولى.
عدد 9: فجاء اصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا ديناراً ديناراً.
عدد 10: فلما جاء الاولون ظنوا انهم يأخذون اكثر. فاخذوا هم ايضاً ديناراً ديناراً.
عدد 11: وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت.
عدد 12: قائلين. هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل التهار والحرّ.
يراد بالساعة قصر الزمان او آخر ساعة من حياة الانسان أوشهر او يوم كما وقع للص ولمريم الخاطية الذين تبررا في ساعة واحدة ويراد بالمساواة في الاجرة دخول جميع المؤمنين الى الملكوت لا المساواة في المكافاة لان كل واحد سيجازى حسب اعماله. وقول الاولين “ اننا حملنا ثقل النهار وحره “ يشير الى الاتعاب والشرور الكثيرة التي احتملوها من اليهود. ولسائل يسأل لماذا لم يستاجر الجميع معاً. فنجيب ان المسيح استاجر الجميع معاً فان لم يسمعوا معاً فالعلة في اختلاف ارادتهم. ثم نقول انه دعاهم في خمسة أوقات ولان الانسان ذو خمس حواس ولانه يتدرج في خمسة أدوار وهي الطفولة والصبوة والشبيبة والكهولة والشيخوخة. ولان التوراة خمسة اسفار ولان عهود الله لبني البشر عن ابنه الحبيب كانت مع آدم ونوح وابرهيم وموسى وداود. كقول الرسول بولس ان ليس مكان لعهد آخر لان العالم بلغ الى المنتهى.
عدد 13: فاجاب وقال لواحد منهم. يا صاحب ما ظلمتك. أما اتّفقت معي على دينار.
عدد 14: فخذ الذي لك وأذهب. فاني اريد ان اعطي هذا الآخير مثلك.
عدد 15: او ما يحلّ لي ان أفعل ما أريد بما لي. ام عينك شريرة لاني انا صالح.
عدد 16 هكذا يكون الآخرون اولين والاولون آخرون. لان كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون.
حسب ظني ان اليهود كانوا اولين وشعباً مختاراً ولكنهم لما لم يؤمنوا بالانجيل صاروا آخرين. والآخرون الذين صاروا اولين هم الشعوب الذين رجعوا من الضلالة وأمنوا بالانجيل فصاروا اولين. وقد ضرب هذا المثل تشويقاً وتشجيعاً للذين هم في الشيخوخة ليقبلوا الى الصلاح. ولكي لا يظنوا انهم ينقصهم شيء يشجعهم بانهم سيتنعمون مع الاولين في الملكوت حيث لا حسد ولا غيرة.
عدد 17: وفيما كان يسوع صاعداً الى اورشليم اخذ الاثني عشر تلميذاً على انفراد في الطريق وقال لهم.
عدد 18: ها نحن صاعدون الى اورشليم وابن الانسان يسلم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت.
لم يصعد من فوره الى اورشليم بل بعدما شفى المرضى وعمل الآيات امام الجموع. وقد انفرد بالتلاميذ ليحدثهم عن آلامه وموته حتى لا يعتريهم الشكوك عند وقوعها. بل يعلموا انه انما يتألم بارادته.
عدد 19: ويسلمونه الى الامم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه. وفي اليوم الثالث يقوم.
أي انه يقوم بنفسه لا بقوة آخر يقيمه.
عدد 20: حينئذٍ دنت اليه أم ابني زبدى مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئاً.
يقول الانجيليون الاخرون ان ابني زبدى هما اللذان تقدما اليه. والقولان صحيحان. لانهما قد أخذا امهما معهما كي يعززا طلبهما حتى يحوز القبول وربما استحيا من تفردهما بتقديم الطلب. اما السبب في طلبتهما هذه فلانهما كانا مكرمين اكثر من رفاقهما لذلك قصدا ان ينالا هذه الطلبة بواسطة كرامتهما.
عدد 21: فقال لها ماذا تريدين. قالت له قلْ ان يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك.
لا لانه كان يعلم مرادها سألها ولكنه تشبه بأبيه الذي سأل آدم اين انت. وطلبت لابنيها
التقدم في الجلوس على الكرسي مع كون ابناها يعلما انهما مكرمان اكثر من غيرهم من الرسل ولكنهم خشوا تقديم بطرس عليهما. وكانوا يظنون ان ملكوت الله محسوسة وانها ستظهر في الحال كقول لوقا (19: 11).
عدد22 : فاجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان. اتستطيعان ان تشربا الكأس التي سوف أشربها انا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها. قالا له نستطيع.
ابان بقوله “ لا تعلمان “ انهما يطلبان هذه الطلبة عن غيرة انسانية وان ملكوت السماوات تفوق افكارهم وانها اسمى شرفاً وأجل قدراً وان عقول العلويين لا تقدر ان تحدها. وقد سمى الموت معمودية تنويهاً عن التطهير والغفران المزمع ان يظهر من موته للخلائق أجمع. وقد سماه كأساً لان الكأس يسكر أولاً ولكنه يفرح أخيراً. والمعمودية هي التغرب عن العالميات.
عدد23 : فقال لهما اما كأسي فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان. واما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي ان اعطيه الا للذين أُعدّ لهم من أبي.
(كأسي تشربانها) اي ستقتلان من اجل بشارتي فتموتا لاجلي وبهذه تتشبهون بي مستحقين الشهادة عني. وقد أشركهم معه بقوله كأسي تشربانها. فاني مزمع ان اموت وأشرب الكأس فكونوا مستعدين انتم ايضاً لشربه. وكانه يقول لهما انكما تطلبان مني مكافأة الجلوس في اكرم موضع واما انا فاتكلم عن الجهاد والموت الذي سيتصادفانه لان هذا الزمان ليس زمان المكافأة بل زمان الخوف والمخاطرات ز وقوله “ اما جلوسكم عن يميني “ اي ان هذه الموهبة لا تعطى بالطلب ولا تمنح على سبيل الاطلاق. لكنها تعطى مكافأة للذين نالوا اتعاباً ومشقات في هذا العالم من اجل اسمي وليس المراد بقوله “ ليس لي ان اعطيه “ انه عاجز عن ذلك بل المراد هنا ان هذه العطية لا تعطى عدلا إلا للذين استحقوها بالأعمال الصالحة. ثم نقول لا يجلس احد عن يمينه و شماله لا الرسل والقديسين ولا الملائكة لان الجلوس خاص به وحده ويتضح ذلك من قول بولس الرسول مشيراً الى اكرام المخلص “ لمن من الملائكة قال قط اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئاً لقدميك (عب 1: 13). وأما عن الابن كرسيك يا الله الى دهر الدهور (عب 1: 8) فاذاً ليس من يجلس ولكنه جارى ابني زبدى حسب ظنهما وهما لا يعرفان ذلك الكرسي الشريف ولا يدركان الجلوس عن يمين الآب. وانما غاية ما أراد ان يكون لهما الاكرام الاول فافهمهم المسيح ان قتلهما وموتهما لأجله ليسا بكافيين ان يحلاهما في المحل الاول لان قد يوجد من يحوز مع الاستشهاد فضائل اوفر منهما. وان مجرد محبته لهما اكثر من رفقائهما لا تجيز لهما التقدم على من يفوقهما بالفضائل. ولم يقل ذلك ظاهراً لكن رمزاً لئلا يكدرهم. وقوله “ للذين اعدد لهم من قبل أبي “ أي للذين قد اظهروا ذواتهم مستحقين بواسطة الاعمال الصالحة كقول القديس تاولوغوس فاعدد لهم من الآب مقابل اعمالهم. وقوله من ابي لا ينفي انه من الابن لان الاعطاء مخصوص به واضح من قوله “ لان مهما عمل الآب… يعمله الابن كذلك (يو 5:19) ومن قوله “ قد اعطى كل الدينونة للابن (يو 23: 5) ومن قول بولس الرسول “ فقد اعدد لي اكليل يكافيني به سيدي (تي 4: 8) وقال له المجد (ليس لي ان اعطيه) لكي يشوقهم ان يكونوا مجتهدين في الاعمال الصالحة. فمثل المسيح مثل قائد الجيش مع عساكره حيث يعد المجاهدين المنتصرين بأكاليل الشرف وعنده اثنان من المخلصين له ويطلبان منه الخلع وهما لم يخوضا غمار الحرب بعدد فيجيبهم اني لست انا المكلل اياكما لكن الذين قد اعد لهم من المنصورين في القتال فهو لا يحجم عن تتويجهما عجزاً بل عدلا. هكذا السيد المسيح عمل مع ابني زبدى . وليس من شأن الابطال الجلوس مع الملك المنتصر عن يمينه وشماله ولكن الاكاليل محفوظة للغالبين والمنصورين.
عدد 24: فلما سمع العشرة اغتاظوا من أجل الاخوين.
غضبوا عليهما لما سمعوا توبيخ المسيح لهما. ولان الرسل جميعهم لم يكونوا كاملين قبل الصليب فيعقوب ويوحنا ابتليا بمرض الكبرياء والمجد الباطل والعشرة ابتلوا بمرض الحسد ولكنهم شفوا بعدد الصليب من تلك الامراض. فيوحنا سمح لبطرس بالدخول الى القبر أولاً وغير هذه أشياء كثيرة مذكورة في كتاب الابركسيس.
عدد 25: فدعاهم يسوع وقال لهم انتم تعلمون أن رؤساء الامم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم.
قوله دعاهم يفيد انه دعاهم للمصالحة. لان الاخوين كانا يسألانه وهما متجنبين عن البقية. وبقوله رؤساء الامم الخ. نبههم تنبيهاً ان ل ايطلب احدهم التصدر في مقدمة الاخرين كما يجري عند الامم.
عدد 26: فلا يكون فيكم. بل من اراد ان يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً.
عدد 27: ومن اراد ان يكون فيكم اولاً فليكن لكم عبداً.
هنا يعرفهم ان الكبير هو من يخدم الصغير كما فعل وأقام نفسه قدوة لهم.
عدد 28: كما ان ابن الانسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.
كأنه يقول لهم أنا ملك القوات العلوية قد صرت انساناً وقبلت الحقارة والآلام والموت فدية لخلاص اعدائي افلا تقبلون انتم ان تضعوا انفسكم لا فدية من اجل الغير بل لتكسبوا الرفعة لأنفسكم.
عدد 29: وفيما هم خارجون من اريحا تبعه جمع كثير.
اريحا رمز عن هذا العالم وأورشليم عن العالم المزمع ومعناها المزمع.
عدد 30: واذا اعميان جالسان على الطريق. فلما سمعا ان يسوع مجتاز صرخا قائلين ارحمنا يا سيد يا ابن داود.
يظهر ان الاعميين لم يكن لهما مرشد لذلك جلسا في الطريق. ذكر مرقس انه اعمى واحد واسمه طيمى ابن طيمى اي عيناه مطموستان فهو أعمى ابن أعمى. ومتى يذكر أعميين فيستنتج من ذلك ان طيمى الذي ذكره مرقس كان احد هذين الاعميين أو ان المسيح عمل آيتين في ذلك الطريق ففتح اعين الاعميين كما ذكر متى وعيني طيمى ابن طيمى الذي ذكره مرقس. وقد اعترفا هذان الاعميان بأنه الرب الاله وان كان ابن داود بالجسد.
عدد 31: فانتهرهما الجمع ليسكتا فكانا يصرخان اكثر قائلين ارحمنا يا سيد يا ابن داود.
ترك المسيح الجمع ان يزجرهما لكي يظهر إيمانها الكثير.
عدد 32: فوقف يسوع وناداهما وقال ماذا تريدان ان افعل بكما.
عدد 33: قال اله يا سيد ان تفتح أعيننا.
لم يكن يجهل غرضهما ولكنه تشبه بابيه حين سأل آدم اين انت. وقابين اين هابيل أخوك. وموسى ما هذه في يدك (خر 4: 2). وثم لكي تظهر امانتهما وعدم أمانة اليهود وحتى لا يظن اليهود ان الاعميين كانا يطلبان شيئاً وهو اعطاهما شيئاً آخر.
عدد 34: فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت اعينهما فتبعاه.
اثنتان أظهرتا انه اله الاولى منح الشفا بسلطانه لا بالصلاة والثانية سرعة قوته في شفائهما في لحظة. وكثيرون بعدد ان شفوا انكروا احسانه. اما هذان الاعميان فقبل الشفاء اظهرا الصبر وبعدد الشفاء اعترفا بفضله ومضيا
)الاصحاح الحادي والعشرون)
عدد 1: ولما قربوا من اورشليم وجاءوا الى بيت فاجي عند جبل الزيتون حينئذٍ ارسل يسوع تلميذين.
فاجي يعنى مفرق الطرق. وقال آخرون ان فاجي هي شجرة التين غير المثمرة المذكورة في الانجيل في خبر زكى الذي صعدد لفاجي لينظر المسيح وفي السريانية مكتوب انه صعد الى شجرة التين غير المثمرة والتلميذان اللذان ارسلهما هما سمعان ويوحنا.
عدد 2: قائلاً لهما. اذهبا الى القرية التي امامكما فللوقت تجدان اتاناً مربوطة وجحشاً معها فحلاهما وأتياني بهما.
القرية هي بيت عنيا وهي كناية عن العالم والتلميذان عن النبوة والرسولية اللذان ارسلا ليحلا العالم من رباطات الخطيئة مثلما حلوا الاتان. والجحش كناية عن الامم الذين جاءوا الى الإيمان. قال قوم ان الجحش كان صاحبه لعازر الذي من بيت عنيا. وقال آخرون ان حماراً كان هناك مربوطاً في جفنة وجحشاً معه ولم يكونوا يعرفون من ربطه. وقال غيرهم انه ركب حماراً ابيض كعادة الملوك والرؤساء والشاهد لذلك دابورا التي قالت سبحوا ياراكبين الاتن البيض (قض 5: 1). آخرون قالوا انه ركب جحشأً برياً وهذا القول غير صحيح لان مع الجحش أتت أمه. وقد ركب على جحش ليعلم الرعاة التواضع وان عند احتياجهم الى مركوب يركبون حماراً ويذكرنا بوحشية طبع الانسان. كما قال اشعيا ” ان الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه اما اسرائيل فلا يعرف ” (اش 1:3). ثم ان الجحش كان مربوطاً بالقرية لان ارض القرية كانت مطروقة غير مفلحة وهذا يعلمنا ان القرية التي كانت منتنة الرائحة قد أذكاها عبير الفضيلة وأفلحها الايمان فامتلأت بالاثمار الصالحة.
عدد 3: وان قال لكما احد شيئا فقولا الرب محتاج اليهما. فللوقت يرسلهما.
عدد 4: فكان هذا كله ليتم ما قيل بالنبي القائل.
عدد 5: قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على اتان وجحش ابن اتان.
قد برهن الانجيلي على ان السيد المسيح استجلب الجحش لتتم نبوة زكريا وذلك على سبيل التواضع.
عدد 6: فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع.
عدد 7: واتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهم فجلس عليهما.
تأملوا أيها المسيحيون باصحاب الاتان والجحش انهم لم يعترضوا على طلبهما بل لما سمعوا انهما يساقان لسيدنا له المجد سكتوا ولعمري ان هذا لموضع العجب كيف ان أولئك الذين كان المسيح بعيداً عنهم سمعوا امره وأطاعوه فيما ان اليهود الذين كان المسيح حاضراً في وسطهم يعمل العجائب وياتي بالمعجزات لم يؤمنوا به وقد علم التلاميذ بهذا ان كان الذين لم يعرفوا قبلوا كلامه وأعطوه ما اراد فاحرى بالتلاميذ ان يبذلوا انفسهم عوضاً عنه. ان متى البشير قال تجدان اتاناً وجحشاً والانجيليون الآخرون رأوا جحشاً فقط. والاتان هو في اللغة اسم عام يطلق على الذكر والانثى من الحيوان المعروف والجحش خاص بالذكر دون الانثى وعلى ذلك يكون كل اتان جحشاً ولا يعكس. ولنرجع الى الآية فقد اتوا بالاتان والجحش اما السيد له المجد فركب اولاً الاتان ولما قرب من المدينة قدموا له الجحش وركبه. ثم ان الاتان هو رمز عن مجمع اليهود وفي ركوبه لها ونزوله عنها دليل على انه ترك كنيسة اليهود بعد ان كان قد خطبها لنفسه أولاً وازانها بالمنح الالهية والاحكام ثم طلقها عندما تركت التعاليم الالهية وانغمست في حماة الرذائل وقيل لذويها هو ذا يترك لكم بيتكم خراباً. اما الجحش الذي ركبه فيما بعدد فهو رمز عن كنيسة المسيح التي تجمع الامم وعلى هذا فيكون قد ركب الاثنين لتتم نبوة زكريا القائلة ” هو ذا ملكك ياتي اليك… وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان (زك 9: 10) وقال آخرون ان الجحش هو نفس الاتان فلما ركب الجحش ركب الاتان كقول يوحنا ” ووجد يسوع جحشاً فجلس عليه ” (يو 12:14) على ان يسوع له المجد جال في ارض اليهودية مراراً دون ان يحتاج الى مركوب حتى عندما كان يتعب. وفي هذه المرة كذلك لم يركب لتعبه ولكن لتتميم النبوة وهذا يتضح جلياً من انه سافر ماشياً من اريحا الى بيت عنيا والمسافة سبعة عشر ميلاً من غير ان يتعب فكيف يتعب في رحلته من جبل الزيتون الى اورشليم والمسافة دون الميلين والخلاصة انه بمشيه من اريحا الى بيت فاجي أراد ان يتشبه بالشعوب والتعب الذي احتمله طبعنا البشري في هذه الارض الملعونة لتجاوزه الوصية. وأشار بركوبه من بيت فاجي الى اورشليم الى زوال الاتعاب والاحزان من جنسنا ليستريح بالسماء. وركب حماراً لا بهيمة أخرى ليعرف اليهود انه هو الملك الذي قد تنبأ عنه زكريا وانه يسحق كبرياء ابليس اللعين وليعلم الناس التواضع. ثم ان ملوك الارض كانوا يركبون الافيال والخيول عند دخولهم ميادين القتال اما المسيح لما شاء ان يبطل الحروب ويتكلم بالسلام مع الشعوب ركب حماراً وهو ليس مما يركب للغزو والقتال وأبطل الحروب وزرع بذور السلام. وبواسطة الجحش اشار عن الشعوب غير الخاضعة للنواميس الالهية وهو أخضعها لتحفظ وصاياه ثم ان الجحش بموجب العتيقة نجس لانه لا يشتر وحافره غير مشقوق وكذلك الامم كانت نجسة لعدم تمييزها الطاهر من النجس فبركوبه الجحش الذي هو رمز عنهم طهرهم. ثم ان الجحش كان مربوطاً برباطين ” ارادياً وقسرياً ” ارادياً بامه كما كانت الشعوب خاضعة بارادتها لعبادة الاصنام. وقسرياً بالزمام كما كان الشيطان قد ربط الامم قسراً. أما المسيح فقد حل الرباطين. ثم انه ركب الجحش غير المروض مبيناً ان ما كان عسراً عند غيره فهو سهل عنده كارجاعه الامم الى العبادة الالهية ذلك لانه خالق الطبيعة وقال قوم ان المسيح ارسل وأتى بالجحش كسيد يأخذ من عبده ما يريد. وقال آخرون بل أخذه بالالتماس كمحتاج لانه مع غنائه بلاهوته وشرفه غير المحدود قد لبس ثوب الفقر والتجرد. وقد ارجع الجحش مع الذين أتوا به. ولو سألنا اليهود عن ملك غير المسيح دخل اورشليم راكباً جحشاً لما استطاعوا ان يذكروا لنا احد سواه. ثم ان المسيح أرسل تلميذين ليأتيا بالاتان ولم يرسل واحداً او ثلاثة اشارة الى الانبياء والرسل الذين دعوا الامم الى الإيمان فسمعان الشيخ والمتزوج رمز الى الانبياء ويوحنا الشاب والبتول رمز الى الرسل الذين بواسطتهم دعينا الى الحياة.
عدد 8: والجمع الاكثر فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا اغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق.
الثياب هنا اشارة لعبادة الصنيمة التي احتقرت ورذلت امام المسيح المخلص. وقد فرش الناس ثيابهم امامه اشارة الى سودده عليهم وبيان الى ان الذين يتبعون المسيح يتجردون لا من ثيابهم فقط بل يسلمون أجسادهم لاجله كما فعل الشهداء. وفرش الثياب كذلك هو دلالة على انهم داسوا فخارهم بارجلهم. ولسائل ان السيد المسيح دخل مراراً الى اورشليم فلماذا لم يخرج الناس للقائه مثلما خرجوا في هذه المرة. والجواب على ذلك هو انهم سمعوا بقيامة العازر من القبر. وقد يكون هو الذي حركهم الى ذلك لان عهد آلامه أصبح قريباً. وخروج الجمع الكثير للقائه باغصان الزيتون والنخل لان هذه كانت عادتهم عندما كانوا يخرجون لملاقاة ملوكهم وانبيائهم. وقد اتخذوها من داود القائل ” الصديق كالنخلة يزهو ” (مز 92: 12) وانا مثل الزيتونة الممجدة في بيت الرب. ويظهر انهم خرجوا باغصان النخل والزيتون لملاقاة داود وشاول لما انتصرا على الفلسطينيين. على ان الزيتون كان في اورشليم بكثرة فلا عجب اذا حملوا اغصانه. ولكن من اين اتو بالنخيل وهو غير موجود عندهم ؟ قال بعضهم ان عيد الغفران والمظال يقع في اليوم العاشر من تشرين الاول قمري والناموس يأمر ان يستظلون باغصان الزيتون والآس والنخيل ولما بلغوا زمن العيد في ذلك العام ما استطاعوا ان يعيدوه لانهم كانوا تحت نير عبودية الرومانيين. وكان اليهود قد ارسلوا الى الاماكن البعيدة واستجلبوا منها أغصان النخيل ليعملوا عيد المظال فلما قدم ربنا الى اورشليم خرجوا بها لملاقاته فيكون دخول السيد له المجد الى اورشليم في ذلك العام الذي ما استطاعوا فيه ان يعيدوا عيد المظال في حينه لضغط الرومانيين عليهم.
وقال آخرون ان بالهام من المسيح أعدد القوم النخيل ليستقبلوه حفاوة واجلالاً. لان اغصان النخيل يرمز بها الى انتصار الامم على ابليس اللعين لان الجحش رمز للمؤمنين والشجر رمز للاعداء الذين قطعوا كما تقطع الشجر وطرحوا تحت اقدام المؤمنين. اما الزيتون فله خاصيتان الرحمة لان شجر الزيتون لا يعرى لا في الصيف ولا في الشتاء كالاب الرحوم يحافظ على ورقه وهو دسم يعطي الوجوه لمعاناً كقوله دهنت رأسي بالدهن وهكذا السيد المسيح هو رحوم لانه رحم جنسنا وابهجنا بخلاصه لنا. وبالزيت كان يخبز خبز الوجوه المذكور في الناموس وبورقة الزيتون بشرت الحمامة نوحاً بنهاية الطوفان. ولذلك اتخذوها اشارة الى السلام كما ان سيدنا المسيح له السلام يدعى. واما النخل ففيه خواص العلو وهو رمز للسيد المسيح الذي هو عالي وسموي. ومستقيم القامة كما ان احكام المسيح مستقيمة كقول داود بارانت يا رب واحكامك عادلة وثمره حلو كتعليم المسيح الحلو. كقوله ان كلامك (أي تعليمك) حلو في حلقي وشجر النخيل ابيض كما ان المسيح هو نور العالم وفي رأس النخيل شوك يجعل الصعود الى اعالي اشجاره مستحيلاً وذلك رمز الى ان من لا يخاف الله يستحيل عليه ان يصعدد الى المسيح بروح المعرفة وورق النخيل لها رؤوس كالابر وهي جارحة وهي رمز الى الصليب الذي هو حربة المؤمنين المسنونة ضد ابليس اللعين وقلب النخلة واحد كما ان الله الكلمة واحد.
عدد 9: والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين هوشعنا لابن داود. مبارك الآتي باسم الرب هوشعنا في الاعالي.
الذين يصرخون هوشعنا مراراً هم اربع رتب الجموع والتلاميذ والاطفال والاولاد وكان الجميع يصيحون هوشعنا مرحبين بقدوم السيد له المجد. بينما كان رؤساء الكهنة يلحون عليهم لاسكاتهم. وانقسم الجموع يومئذٍ اربعة اقسام مشوا امامه وخلفه وعن شماله وعن يمينه. وهذا رمز لمجد المسيح في اليوم الاخير حيث ينقسم الصالحون الى اربعة اقسام فالملائكة تكون امامه والصديقون عن يمينه والتائبون عن شماله والصبيان من ورائه اما الاشرار فسيمكثون اسفل. وكان صراخ اولئك المستقبلين رمز للانتصار على الشيطان والموت والخطيئة. وكلمة هوشعنا عبرانية معناها الخلاص. اي الخلاص لابن داود الذي خلصنا من الموت والشيطان والخطيئة واليونانيون يقولون اوساننا عوض هوشعنا لعدم وجود الحرف ع والحرف ش في لغتهم ومعناها المجد لان المسيح القادم هو رب المجد والمجد له واجب. وقولهم هوشعنا لابن داود هو اعتراف صريح من اليهود بان المسيح ظهر في الجسد من ذرية داود. وقولهم ” مبارك الآتي بأسم الرب ” اي مبارك هو الذي قدم للآلام والموت ومبارك هو المزمع ان ياتي بعد قيامته وسننتظره ” هوشعنا في الاعالي ” يعني المجد للذي وان لبس جسدنا الترابي لم يخل منه العرش الالهي
(لو ص 19 ك 40) فاجاب وقال لهم اقول لكم ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ
نعم ان الذي عمل امراة لوط حجراً وامر الصخرة فانبجست منها المياه واعطى النطق للاتانة جعل الامم التي كانت ذات قلوب متصلبة حجرية والعدديمة الناموس ان تسبحه وتمجده لقادر ان يترك الحجارة تصرخ لانه خالقها
لو 19: 41 وفيما هو يقترب نظر الى المدينة وبكى عليها.
مكتوب عن المسيح انه قد بكى مرتين اولاهما عندما دخل اورشليم وثانيتهما عندما اقام لعازر ولم يذكر الانجيليون انه ضحك مرة واحدة وبكاؤه في هاتين المرتين هو ليري الناس عياناً انه لبس جسداً كاجسادنا كما قد جاع وعطش وتعب لهذا الغرض عينه. نعم بكى على اليهود الذين ابوا ان يعرفوا خالقهم.
عدد 10: ولما دخل اورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا.
ان مدينة اورشليم ارتجت فزعاً مرتين احداهما عند مجيء المجوس والمرة الثانية عندما
سمع اهلها بهؤلاء الصارخين المرحبين. وفزع سكان اورشليم في هاتين المرتين هو لانهم يعرفون افعالهم الشريرة وما كانوا يريدون الخلاص وقد قال يهود اورشليم ” من هذا “ على سبيل تجاهل العارف وقد تجاهلوا حسداً منهم له كما قالوا عنه اليس هو هذا ابن النجار
لو 9:42 قائلاً لو كنت علمت انت ايضاً حتى في يومك ما هو لسلامك ولكن الآن قد أخفي عن عينيك
أي ان اورشليم هي بارادتها اغمضت عينيها عن النظر الى الحق وما كلامه على المدينة الا اشارة الى اهلها
لو 19:43 فانه ستأتي ايام ويحيط بك اعدداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة.
يشير بذلك الى سبيها من اسبيسيانوس الذي كان بعد حادثة صلب المسيح باربعين عاماً.
عدد 11: فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل.
فظن الجموع انهم قالوا عن يسوع شيئاً كبيراً بتسميتهم اياه نبياً لان قلوبهم كانت لا تزال مشتبكة بالارضيات نعم نقول لهؤلاء ان المسيح ليس نبياً كما قالوا مستعظمين بل هو الاله الحق ورب الانبياء.
عدد 12: ودخل يسوع هيكل الله وأخرج جميع الذين يبيعون ويشترون في الهيكل. قلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام.
عدد 13: وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة لصوص.
كان الصيارفة في الهيكل والذين يبيعون الخراف والحمام فقط لاكل أنواع ما يباع ويشرى. لان كهنة اليهود كانوا مستميتين بمحبة الفضة. واما السبب الذي اذن لهم لاجله حتى يبيعوا ويشتروا في الهيكل فهو هذا. ان الله قد أمر شعب اسرائيل ان لا يذبحوا الحيوانات المنذورة الا عند باب قبة الزمان وذلك اولاً لكي لا ياكلوا الدم وثانياً لكي لا يذبحوا ذبائحهم للشياطين وامرهم ايضاً انهم اذا كانوا بعيدين عن اورشليم فليبيعوا ثيرانهم وخرافهم المنذورة وعندما يدخلون اورشليم يشترون عوضها بالفضة. فاتخذ كهنة اليهود هذا الامر الالهي وسيلة للربح وادخلوا باعة الخراف والحمام والثيران الى الهيكل حيث يبيعون ويشترون لقاء جزء من الربح كانوا يتقاضونه منهم. وكانوا في الوقت نفسه يامرون أصحاب النذور ان يشتروا نذورهم من باعة الهيكل. وكان باعة الثيران والخراف والحمام في الهيكل يبيعون هذه الحيوانات باثمان فاحشة لسد جشعهم وجشع الكهنة الذين يشاركونهم وهكذا اصبحت هذه القرابين التي تذبح لمغفرة الخطايا على حسب الناموس وسيلة لسلب الناس اموالهم فتأمل على ان الكهنة قد رتبوا في الهيكل صرافين حتى اذا احناج احدهم ان يستلف فوق المال الذي أحضره لدفع اثمان القرابين أو ان يصرف دنانيره بدراهم فيرجع الى صرافي الهيكل الذين هم ايضاً كانوا يشاركون الكهنة بارباحهم. وكان لهؤلاء الصرافين طرق اخرى لابتزاز الاموال كمشترى الغرباء الذين كانوا يأمون الهيكل للصلاة ونحو ذلك. والمسيح قلب موائد هؤلاء الذين دعاهم متى الانجيلي بالصيارفة على الاصطلاح اليوناني. وكان الكهنة يشاركون هؤلاء الصيارفة وباعة القرابين بسرقة اسرائيل بحيث كانوا لا يصدقون على ذبيحة كبش أو ثور اذا أتى بهما مقدم النذور من الخارج بل كانوا يقولون له ان كبشك او ثورك لا يصلح للذبيحة فبعه واشتر غيره من الهيكل ومن المعلوم ان المؤمن الذي يقصد الهيكل للعبادة ويسوق قرابينه لمغفرة خطاياه ملزم ان يصدق كلام الكاهن ويحسبه حجة مسلمة وعليه فسواء كان ذلك المؤمن مقتنعاً بنصح الكاهن أو غير مقتنع يجد نفسه ملزماً ان يبيع ماشيته بالثمن القليل ويشتري من الهيكل غيرها بالثمن الكثير. وكما قلنا كانت هذه الارباح الطائلة تقسم بين الكهنة والباعة والصيارف ولاجل ذلك قال ربنا انكم جعلتم بيتي مغارة اللصوص ويقول آخرون ان البقر والغنم التي كان يبيعها بائعوها كان الكهنة أنفسهم يشترونها بالثمن البخس ويعودون فيبيعونها ثانية للبائعين. والمسيح أخرج هؤلاء الصيارف والباعة مرتين من الهيكل والمرة الاولى كانت في مبدا العجائب التي رواها يوحنا الانجيلي والثانية في هذه المرة التي كانت قريبة من آلامه لذكره السجود كما جاء في متى. وقد قال في المرة الاولى لا تجعلوا بيت ابي بيتاً للتجارة. وفي الثانية اي هنا قال وانتم جعلتموه مغارة اللصوص. وهناك أجابه هؤلاء الصيارف والباعة قائلين اية آية ترينا. وهنا سكتوا مخزولين. وقال بعضهم ان الواقعة واحدة وان الانجيليين متى ويوحنا اختلفا في زمن حدوثها فجعلها متى قبيل الآلام ويوحنا في بدء عهد العجائب. وعلى كلا الحالين فان اخراج المسيح لهؤلاء الباعة والصيارف قد كان برهاناً جلياً على صيرورة الذبيحة الالهية روحية بعدد ان كانت دموية على ان الله قد امر اليهود ان يقدموا له الذبائح الدموية لسياسة اراد بها ان لا يدع اليهود بعد ان خرج بهم من مصر يستةحشون من أبطال تقاليدهم الدينية حيث كانوا يعبدون الاصنام ويقدمون لها الذبائح فنهاهم ن عبادة الاصنام وأبقى لهم ذبائحهم. اما المسيح فاذا جاء ليخلص العالم أقر ان يسير بهم الى الكمال الالهي فنهاهم عن الذبائح الدموية وأخرج الباعة والصيلرف بكل شدة فكملت فيه النبوة القائلة ” غيرة بيتك اكلتني ” وبذلك أرى بني اسرائيل ربوبيته وسلطانه على انهم لم يقولوا شيئاً عند اخراجهم من الهيكل خوفاً وجزعاً ولكنهم امتنعوا عن التصديق بعجائبه بينما أشار لهم بعمله هذا على ابطال الذبائح الدموية كما سبق القول. وقال احد معلمي الكنيسة ان من يذبح ذبائح الحيوانات قرباناً لله بعدد ذبيحة حمل الله فلا فرق بين ذبيحته والذبائح التي تقدم للشياطين. على ان يوحنا ازاد في روايته على ما جاء في متى فقال:
يو 2: 15 فصنع صوتاً من حبال أخرج جميعهم من الهيكل والخراف والبقر ايضاً ونثر دراهم الصيارفة وقلب الموائد.
ان المسيح لذكره السجود والتسبيح كمل بنفسه كمعلم حقيقي جميع درجات البيعة التي رتبها وسلمها لنا بواسطة رسله. فلما تناول الكتاب وقرأ ان روح الرب علي قام بدرجة القاري. ولما عمل مقرعة من الحبال وطهر الهيكل من هؤلاء اللصوص قام بدرجة الابدياكن. ولما اتكى الجموع في البرية ولما غسل ارجل التلاميذ قام بدرجة الشمامسة. ولما كسر الخبز ومزج الخمر ودعاهما جسده ودمه قام بدرجة القسوسية. ولما نفخ في وجوه التلاميذ وقال لهم اقبلوا الروح القدس قام بدرجة الاسقفية ولما صعدد الى السماء ورفع يديه وباركهم قام بدرجة البطريركية.
عدد 14: وتقدم اليه في الهيكل عميان وعرج فشفاهم.
عدد 15: ولما رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي صنع والصبيان يصيحون في الهيكل ويقولون هوشعنا لابن داود غضبوا.
ان رؤساء الكهنة عوضاً من ان يخضعوا للمسيح بعدد مشاهدتهم عجائبه من فتح اعين العميان ومنح الشفاء للمقعددين حسدوه لشر في نفوسهم وقال قوم ان الصبيان كانوا يعرفون ما يقولون ولو كانوا صغاراً وان كان الجسد آلة للنفس وهو غير كامل ولكن النفس الناطقة فيه كانت كاملة. وقال آخرون انهم ما كانوا يعرفون ما يقولون وشاهدهم قول داود النبي. وقال آخرون انهم كانوا يعرفون ما يقولون وشاهدهم قول داود النبي ” من افواه الاطفال والرضع هيأت تسبيحاً ” (مز 8: 2) وحسناً قال داود ان التسبيح كان صادراً من الافواه لا من القلوب لان الاطفال يتكلمون بافواههم مالا يعقلونه بقلوبهم. وعليه فيكون الروح القدس هو الذي وضع التسبحة في افواه الرضع. وقال آخرون ان اولئك الاطفال كانوا أولاد سنة وأقل وقال غيرهم انهم كانوا ابناء اربعين يوماً وكان أصعدهم أباؤهم من بلاد اليهودية الى بيت الرب ليقربوا عنهم القرابين حسب الناموس وقيل انهم من اليوم الذي صرخوا هوشعنا ما عادوا تكلموا حتى اللى الزمان الذي يتكلم فيه الاطفال عادة وكانت هذه الاعجوبة أعظم من سائر العجائب.
عدد 16: وقالوا له اتسمع ما تقول هؤلاء. فقال لهم يسوع نعم اما قراتم قط ان من افواه الاطفال والرضع هيأت تسبيحاً.
كان من الواجب ان يوبخهم المسيح بقوله انظروا ما يقول هؤلاء ولكنهم من حسدهم ما احتملوا فسبقوه بقولهم أتسمع الخ. ان لفظة نعم تؤول هنا الى معنيين أولهما اني اسمع. والثاني اما انتم فلا تسمعون. والرضع هم الذين يرضعون الحليب ولانه خالق الطبيعة جعلهم ان ينطقوا وفي ذلك ظهرت الاعجوبة وتجلت بالاكثر لان مثل هؤلاء لا يمكن ان يكونوا قد تعلموا التسبحة ولكنهم نطقوا بها بقونه الالهية.
عدد 17: فتركهم وخرج خارج المدينة الى بيت عنيا وبات هناك.
ان المسيح لم يبتدئ بالتعليم حينئذٍ لئلا يزدادوا حسداً وتصعب عليهم اقواله لاجل ذلك خرج
يسوع وشجرة التين.
عدد 18: وفي الصبح إذ كان راجعاً الى المدينة جاع.
ان المسيح له المجد لم يجع جوعاً طبيعياً لكن سياسياً. فسمح لجسده ان يجوع فجاع. والشاهد على ذلك هو ان الوقت كان صباحاً وليس في الصباح يشعر الانسان بالجوع ولو كان جوع المسيح طبيعياً ما كان المانع له عن الاكل وقد كان ليلتئذ بائتاً في بيت لعازر وباستطاعته ان ياكل ويخرج.
عدد19 : فنظر شجرة تين على الطريق وجاء اليها فلم يجد فيها شيئاً الا ورقاً فقط. فقال لها لا يكن منك ثمر بعد الى الابد. فيبست التينة في الحال.
لم يلعن المسيح التينة لمجرد عددم وجود ثمراً فيها وذلك واضح من قول البشير مرقس ” لانه لم يكن وقت التين ” (مر 11: 13) اذ ان المسألة وقعت في شهر نيسان وهو وقت الازهار لا الثمار. اما متى الرسول فكتب ذلك حسب ظن التلاميذ. قال قوم ان المسيح لعن الشجرة لانها كانت تشير الى الناموس الذي لم يكن فيه ثمرة ليقدم للمسيح. وقال غيرهم انها اشارة الى كنيسة اليهود. اما نحن فنقول انه كان يوجد ثمرة في الناموس وفي كنيسة اليهود ولو كانت قليلة فان الاثني عشر رسولاً والاثنين وسبعين مبشراً وبولس الرسول واليهود الذين آمنوا بسيدنا هؤلاء جميعهم ثمرة الناموس وكنيسة اليهود. لكنه ايبس التينة اولاً حتى يفهم التلاميذ ان المسيح انما يتألم بإرادته ولا من الضعف ثانياً حتى يختزوا اليهود ويعلموا انه لو اراد يوم آلامه لأيبسهم مثل التينة. وبما ان عهد آلامه كان قريباً رأى ان يظهر قوته لتلاميذه ولصالبيه. ولكنه لم يظهرها لبني البشر اولاً لانه محب للبشر وثانياً لكي لا يظن اليهود ان الرجل الذي ايبسه المسيح انما يبس من اجل خطاياه لامن قوة سيدنا بل اظهرها بالشجرة الرطبة والطرية التي لا تيبس الا بعد ان تقطع بمدة طويلة فايبسها بكلمة منه. ثم ان الشجرة التي اكل منها آدم كانت شجرة تين وفيها وفي الدين دخل البر والعددل لانه بعد ان ايبس سيدنا له المجد هذه الشجرة دخل اصحابها بها المدينة وأخذها الصالبون وصلبوا عليه المسيح. وقال قوم ان الجموع لما قطعوا الاغصان من الشجر وطرحوها امام المسيح كانوا قد مروا بتلك التينة وأرادوا قطع اغصانها ايضاً لاستقبال المسيح فعارضهم صاحبها ولذلك أيبسها المسيح. وقال آخرون كما ان الجرجسيين تخلفوا عن الخروج لملاقاة سيدنا ولذلك امر بخنازيرهم فدخلتها الشياطين وألقت بنفوسها الى البحر فاختنقت وخرج اصحابها الى سيدنا رغم ارادتهم وهكذا صاحب التينة اذ نوى في قلبه ان ل ايخرج الى المسيح أيبس تينته لكي يخرج اليه رغم ارادته. وقال غيرهم انه لما قال هن هيكل الحجارة انه لايترك حجر على حجر كان في قوله هذا شكوك فازاله بآية تيبيس التينة وتحقق كلامه وذكر متى ان التينة يبست من ساعتها وأما مرقس فقال انهم ” في الغداة اجتازوا فرأوا التينة قد يبست من أصلها ” (مر 11: 20) اما نحن فنقول انها يبست في الحال كما قال متى وفي صباح اليوم الذي بعده رآها التلاميذ يابسة كقول مرقس.
عدد 20: فلما راى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال.
عدد 21: فأجاب يسوع وقال لهم. الحق أقول لكم ان كان لكم ايمان ولا تشكون فلا تفعلون.
أمر التينة فقط ولكن اذا قلتم ايضاً لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون
ان المسيح له المجد اظهر قدرته القوية في لعنه الشجرة وتيبيسها ليؤكد لتلاميذه قوله السابق وليزيل عنهم الخوف.
عدد 22: وكل ما تطلبونه في الصلوة مؤمنين تنالونه.
اي لا انكم تنقلون الجبال فقط بل وكل ما تسألونه ولو كان اعظم من ذلك بكثير. وقد يعترض بعضهم قائلين لماذا لعن الله الشجرة مع انه لم يكن وقتئذٍ زمان أثمار التين وهكذا يعترضون على خنق الخنازير كأنهم يحاولون التفتيش على افعال الله وعلى ما أظن انهم كالاشجار العدديمة الحياة ينطقون ولا يدركون والواجب علينا بدلاً من ان نعترض ان نتعجب ونمجد الخالق تعالى. اما السبب فهو هذا ان المسيح اراد ان يظهر قوته القادرة لبني البشر لذلك أيبس التينة وخنق الخنازير.
عدد 23: ولما جاء الى الهيكل تقدم اليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يعلم قائلين باي سلطان تفعل هذا ومن اعطاك هذا السلطان.
اي من اعطاك كرسي التعليم ومن خولك رياسة الكهنوت ليكون لك سلطان ان تترجم وتعلم.
عدد 24: فأجاب يسوع وقال لهم وأنا ايضاً اسألكم كلمة واحدة فان قلتم لي عنها أقول لكم انا ايضاً بأي سلطان افعل هذا.
عدد25 : معمودية يوحنا من اين كانت. من السماء ام من الناس. ففكروا في أنفسهم قائلين ان قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به.
عدد 26: وان قلنا من الناس نخاف من الشعب. لان يوحنا عند الجميع مثل نبي.
عدد 27: فاجابوا يسوع وقالوا لا نعلم فقال لهم ولا أنا لأقول لكم باي سلطان افعل هذا.
نتساءل هنا اي مناسبة بين سؤال سيدنا مع سؤال الكتبة والكهنة ولكنا اذا امعنا النظر نرى بين السؤالين مناسبة عظيمة فان الكتبة والكهنة اذا اجابوه انها من السماء فيقول لهم لماذا ما امنتم بكلامه لانه عني كان يكرز وقد قال انه لم يكن مستحقاً ان يحل سيور حذائي. ولو امنت باقوال يوحنا لكنتم تعرفون باي سلطان اعمل هذه الاعمال. وان اجابوه انها من الناس خافوا من ان ينتقض عليهم الجمع في كل مكان لاحتقارهم اعمال الله جل شأنه. وكاني بهم قد رأوا ان المسيح أفحمهم بسؤاله فراوغوا في الجواب قائلين لا نعرف. اما سيدنا فلم يقل وأنا ايضاً لا أعرف ولكن ولا انا اقول لكم ولم يشأ ان يجيبهم لاجل ملعنتهم.
عدد 28: ماذا تظنون. كان لانسان ابنان فجاء الى الاول وقال يا ابني اذهب اليوم واعمل في كرمي.
عدد 29: فاجاب وقال ما اريد. ولكنه ندم اخيراً ومضى.
عدد 30: وجاء الى الثاني وقال كذلك. فاجاب وقال ها أنا يا سيد ولم يمضِ.
أراد بالانسان الله وبالابنين بني اسرائيل وسائر الامم وبالكرم حفظ الوصايا. وبالابن الاول الامم التي امرت ان تعمل في الكرم فامتنعت ولم تعمل وبعد ذلك اطاعت وقبلت بشارة الانجيل وسمعت نواميس الله. وبالابن الثاني اليهود الذين قالوا ها نحن نمضي للعمل وما مضوا اي انهم قبلوا النواميس بواسطة موسى واقروا انهم يعملون بها طائعين وأخيراً اظهروا العصيان والمخالفة.
عدد 31: فأي الاثنين عمل ارادة الآب. قالوا له الاول. قال لهم يسوع الحق أقول لكم ان العشارين والزواني يسبقونكم الى ملكوت الله.
عدد32 : لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به. وأما العشارون والزواني فآمنوا به. وأنتم إذ رايتم لم تندموا اخيراً لتؤمنوا به.
اي ان العشارين والزناة سيرثون ملكوت الله لانهم آمنوا بيوحنا وسمعوا كلامه فيما ان يوحنا جاءكم بطريق البر أي بسيرة صالحة فلم تؤمنوا به حتى بعدد ان رايتم اعمالي ما ندمتم وغيرتم ما بنفوسكم.
عدد 33: اسمعوا مثلاً آخر. كان انسان رب بيت غرس كرماً وأحاطه بسياج وحفر فيه معصرة وبنى برجاً وسلمه الى كرّامين وسافر.
عدد 34: فلما قرب وقت الاثمار ارسل عبيده الى الكرامين لياخذ أثماره.
عدد 35: فاخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً.
عدد 36 : ثم ارسل ايضاً عبيداً آخرين اكثر من الاولين. ففعلوا بهم كذلك.
هذا المثل وضعه المسيح عن الشعب الاسرائيلي. فأراد بالانسان الله تعالى وبالبيت هذا العالم وبالكرم الشعب الاسرائيلي. والمكان الخصب هو ارض فلسطين. وأراد بالسياج الناموس وبالقضبان اسباط اسرائيل. ثم ان السياج هو معونة الله وميخائيل الملاك المسلط عليهم. والمعصرة الذبائح والصعيدة انواع المعموديات. والبرج هو اورشليم والهيكل بل يسمي برجاً لشرف النبوة العالي. والفلاحين الكهنة والكتبة ومسافرته طول اناته واوان الثمر زمن خروجهم من مصر الى تجسد سيدنا وبالاثمار الطاعة والخضوع للنواميس الالهية. وبالعبيد الاولين موسى وهارون وحور وبالعبيد الاخرين سائر الانبياء. والابن الحبيب هو السيد المسيح. فارسل الله العبيد مرتين وثلاثة حتى تظهر محبته للبشر وتمرد وشر اليهود. وقد يتساءل الباحث قائلاً لماذا لم يرسل الله وحيده من الاول. والجواب ان الله جعل مجيء المسيح متاخراً حتى يلوم اليهود انفسهم على ما فعلوا بالانبياء ويستحوا من الابن اذا جاء.
عدد 37: وأخيراً ارسل اليهم ابنه قائلاً يهابون ابني.
فلفظة لعل تقال بثلاثة انواع مشككة ومحققة وواجبة. اما ههنا فهي واجبة. فانه لم يقل لعل كمن لا يعرف لكن ليوضح ان خطيتهم عظيمة وان لا عذر لهم. اما الله الآب فكان عارفاً انهم سيقتلون ابنه الوحيد ومع ذلك ارسله. وقوله هنل لعل يهابون اشبه بقوله لعل يسمعون. ولكن يقول بعض الكفرة ان قوله لعل يهابون نبوة تضطرهم الى عدم الاستماع والحياء كأنه يجزم عليهم ذلك جزماً بنوع التقدير.
عدد 38: وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث. هلموا نقتله ونأخذ على ميراثه.
كان من واجبات اليهود ان يندموا على قتل الانبياء ويطلبوا الغفران ولكنهم عملوا اشر من ماضي اثامهم بتجاسرهم على قتل الابن الوحيد. ولو قيل لهم لماذا تقتلونه فقد عمل عندكم العجائب فاشفى مرضاكم لقالوا نقتله لنرث ملكه على انهم لو حفظوا وصاياه لكانوا اخوته ووارثي ملكه كما قال بولس الرسول. وقال القديس يعقوب ان استعمال الذبائح كان ميراثاً لسبط لاوي وقد علم هؤلاء ان هذه الخدمة تزول عنهم بمجيء المسيح اذ تمسي الخدمة روحية محصناً وتبطل خدمة المراجل والمطابخ والمناشل ولذلك قالوا فليمت لتبقى العوائد كما كانت.
عدد 39: فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه.
قال المسيح هذا اشارة الى انهم يستعددون ان يخرجوا به خارج المدينة ويقتلوه ثم خارج الكرم يعني خلاف ناموس الله فعلوا هذا الاثم العظيم.
عدد 40: فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل باولئك الكرامين.
عدد 41: قالوا له. اولئك الاردياء يهلكهم هلاكاً رديّا ويسلم الكرم الى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها.
قال متى الرسول انهم بانفسهم حكموا على انفسهم وقال لوقا ان المسيح حكم على ما سوف يصيبهم من الرذايا. وليس القولان متضادين لانهما كملا فعلاً فانهم حكموا اولاً وهو امضى عليهم الحكم ثانيا ً. وحينئذٍ لما شعروا بذلك قالوا حاشا لا يكون هذا فأتاهم بشهادة من النبي ان هذا لا بدّ ان يكون. ويسلم الكرم الى عملة آخرين أي الى الشعوب ولم يظهر ذلك جلياً حتى لا يتخذوه حجة عليه.
عدد42 : قال لهم يسوع اما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا.
أراد بالبنائين معلمي اليهود كقول النبي الويل لبنائي الحائط. فرذلوا المسيح الذي هو رأس الزاوية بقولهم هذا ليس من الله مع انه هو الصخرة الحقيقية ودعا اليهود والشعوب ليكونوا به واحداً. هو عجيب في أعيننا لان الشعب اليهودي خرج ودخلت الشعوب لانها آمنت بالمسيح.
عدد 43: لذلك أقول لكم ان ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تصنع أثماره.
أراد بملكوت الله الكهنوت والايمان بالثالوث الاقدس. وقوله يعطى لامة الخ. أي الشعوب التي تستثمره باثمار الاعمال الصالحة.
عدد 44: ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه.
أي ان من يتشكك بالمسيح يهلك. وبقوله من سقط هو عليه يطحنه يشير الى قيامته والى القضاء والبلاء اللذان سوف يأتيان عليهم قتلاً وهلاكاً ابدياً. وبعبارة أخرى ان رؤساء اليهود قد سقطوا على حجرة الماس التي هي الابن الوحيد فسحقهم سحقاً كما سحقت الاصنام وابادت عن وجه الارض عبادتها. وقال بعضهم ان الصالبين والملوك اضطهدوا المسيح الذي هو حجر الزاوية فسحقهم وهو لم يزل باقياً كما هو.
عدد 45: ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون امثاله عرفوا انه تتكلم عليهم.
عدد 46: وان كانوا يطلبون ان يمسكوه خافوا من الجموع لانه كان عندهم مثل نبي.
عندما أرادوا ان يمسكوا قبلاً جاز في وسطهم ولم يروه وفي موقف آخر منع غضبهم وهدأ حدتهم. اما هنا فخافوا من الشعب ان هم نالوه باذى على انه ما عمل اعجوبة لينجو حتى تتحقق سياسة تجسده.
(الاصحاح الثاني والعشرون)
عدد 1: وجعل يسوع يكلمهم ايضاً بامثال قائلاً:
عدد 2: يشبه ملكوت السماوات انساناً ملكاً صنع عرساً لابنه.
عدد 3: وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين الى العرس فلم يريدوا ان ياتوا.
يشير هذا المثل الى الزمان الذي بعد الصلب ومعلوم انه بعدما ذبح دعاهم الى العرس. وأراد بالملكوت بشارة الانجيل وبالرجل الله الآب وبابنه السيد المسيح وبعبيده الانبياء وبالمدعوين اليهود. وسمى الدعوة عرساً لانه خطب البيعة: وليمة لانه دعا اليها الشعوب. ثم شبه الملكوت بالعرس ليبين اهتمامه ومحبته لنا كما يهتم اصحاب العرس بلوازم العرس وراحة المدعوين ثم وليبرهن لنا عن بهاء الملكوت وبهرجته حيث لا حزن ولا وجع. ولسائل يسأل لماذا لم يكن العرس لصاحب الدعوة ولكن لابنه والجواب على ذلك هو لان الآب والابن والروح القدس واحدهم بالجوهر فعرس الابن هو عرس الآب نفسه
عدد4 : فارسل أيضاً عبيداً آخرين قائلاً قولوا للمدعوين هوذا غدائي أعددته. ثيراني ومسمناتي قد ذبحت وكل شيء معدّ. تعالوا الى العرس.
أراد بالعبيد الآخرين يوحنا والاثني عشر رسولاً والاثنين والسبعين مبشراً وبالغداة جسد ودم سيدنا يسوع المسيح الذي قربه فداء عنا. ودعي هنا وليمة لانه مملوء من النعيم والافراح. والذين لم يريدوا ان ياتوا هم الكتبة والفريسيون. ولكي لا يقولوا ان الذي دعانا (اي الابن) هو ضد الله فقال ان الآب عمل العرس. وهو (اي المسيح) الذي دعا اليهود قبل قيامته وبعدها وثم دعا الشعوب. فقبل القيامة قال انما ارسلت للخراف الضالة من آل اسرائيل. وبعد القيامة قال الرسل وبولس لليهود انه لكم انتم يجب ان تقال كلمة الله الخ. ثم ان الله كان عارفاً ان اليهود لا يذعنون ومع ذلك دعاهم ليسد أفواههم عن الاعتراض فيعلمنا بذلك ان نتمم ما هو واجب علينا ولو لم يكن من يستفيد. ويقول القديس كيرلس ان الذي دعا للعرس هو الآب والذي ارسل للمدعوين هو الابن وقد دعي عبداً لانه اتخذ مثال العبد. فاولاً دعا الكتبة وعارفي الناموس ولانهم لم يلبوا الدعوة دعا المساكين والضعفاء وهم الرسل الذين صاروا اقوياء بالمسيح. والذين دعوا من مفارق الطرق هم رمز عن الشعوب. وقد ذكر الرسول أربع دعوات أولها دعوة الصالحين للشعوب فما اذعنوا لها وثانيها دعوة الانبياء لليهود فاصموا مسامعهم عنها وثالثها دعوة الرسل لليهود أيضاً فلم يركنوا لها. ورابعها كانت عامة لليهود وللامم بواسطة الرسل والمعلمين فاطاعت الامم وخضعت. وقوله ” كل شيء مهيأ ” يعني غفران الخطايا منحة الرةح ملكوت السماوات.
عدد 5: ولكنهم تهاونوا ومضوا واحد الى حقله وآخر الى تجارته.
يشير بقوله هذا الى الذين هم منغمسين في فلاحة الاراضي والى المنشغلين في البيع والشراء. اذ محبتهم الزائدة الى المقتنى الزائل أبعددتهم عن ملكوت السماوات.
عدد 6: والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم.
عدد 7: فلما سمع الملك غضب وارسل جنوده وأهلك اولئك القاتلين وأحرق مدينتهم.
يشير الى ارساله عساكر الرومانيين مع اسبيسيانوس الذي قتلهم واحرق مدينتهم أورشليم بعد قيامة المسيح باربعين سنة وذلك اشارة الى طول اناته.
عدد 8: ثم قال لعبيده اما العرس فمستعد واما المدعوون فلم يكونوا مستحقين.
أراد بالعبيد الرسل والمبشرين وبالمدعوين غير المستحقين اليهود.
عدد 9: فاذهبوا الى مفارق الطرق وكل من وجدتموه فادعوه الى العرس.
عدد 10: فحرج اولئك العبيد الى الطرق فجمعوا كل الذين وجدوهم اشراراً وصالحين. فامتلأ العرس من المتكين.
يشير بقوله هذا الى دعوة الامم.
عدد 11: فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك انساناً لم يكن لابساً لباس العرس.
يشير هنا الى الشعوب بالامثال وان ربنا سينظر يوم البعث الى المتكئين وأراد بالرجل الذي ليس عليه حلة العرس المسيحي الذي امانته صحيحة ولكن ليس ذي سيرة صالحة واراد بحلة العرس الاعمال الصالحة وهي الصوم والصلوة والطهارة والقداسة فالذين يمارسون هذه يتنعمون في الملكوت. واراد بالثياب الوسخة الفجور القتل الشراهة الزنى وما اشبه ذلك من الخطايا التي تغضب الله على ان فاعلي هذه القبائح ولو كانوا ذوي امانة مستقيمة فسيخرجون الى الظلمة البرانية.
عدد 12: فقال يا صاحب كيف دخلت الى هنا وليس عليك لباس العرس. فسكت.
انه تعالى ولو انه فاحص القلوب والكلى. ويعرف ما في الانسان لم يوبخه حتى يشجب نفسه بنفسه. وصمت الرجل معناه انه مذنب ومستحق العذاب.
عدد 13: حينئذٍ قال الملك للخدام اربطوا رجليه ويديه واطرحوه في الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.
اراد بالخدام الملائكة المامورين بتأدية مثل هذه الخدم. وبالظلمة البرانية عذابا شديد وظلمة مدلهمة. وبالبكاء التألم وبصريف الاسنان شدة العذاب على ان الانسان يتعذب وقتئذٍ بفكره وياخذ بصرير اسنانه من شدة تبكيث ضميره. وكما ان في الملكوت مخادع كثيرة هكذا في جهنم مخادع كثيرة.
عدد 14: لان كثيرين يدعون وقليلون ينتخبون.
اي ان الذين دعوا للملكوت كثيرون. والذين اختيروا له قليلون وهم الذين بثياب مفتخرة أي باعمال صالحة مع إيمان مستقيم يدخلون الملكوت.
عدد 15: حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة.
ان اليهود بعد رجوعهم من السبي خضعوا للرومانيين رغم ارادتهم وكانوا يعطونهم الجزية وهم صاغرون. اما الرومانيون فكانوا مجتهدين ان يبطلوا عوائد اليهود وعباداتهم وهذا معلوم فانه في زمان طيباريوس وغايوس الملك حاول بيلاطس ان يدخل صورة قيصر الى الهيكل فعارضه اليهود وقتل منهم كثيرين. وفي زمان طيباريوس انقسمت اليهودية الى اربعة اقسام كما يشهد لوقا. وكل فرد من الرؤساء كان يدعى رئيس الربع وكان في ذلك الزمان يهتم الفريسيون جيداً في الناموس ويغارون عليه كأنهم عارفين بمحتوياته لان لفظة فريسي باللغة العبلرانية معناها يقطع ويفرق ويميز. وكانوا يعلمون الشعب العصيان ضد الرومانيين وان لا يعطوا الجزية. وكانوا ياتون بشهادة من موسى القائل انكم انتم حصة الرب. ومن اشعيا ان الرب هو رئيسكم. علة انهم ما كانوا يعرفون انهم اذا اخطأوا سيستعبدون ما كانوا يخضعون لمستعبديهم ومن هؤلاء الفريسيين كان يهود الجليلي اما هيرودس رئيس الربع فقد كان جليلياً وكان يشير على اليهود ان لا يصغوا الى كلام الفريسيين شفقة منه عليهم وينصحهم ان يعطوا الجزية للرومانيين ويحذرهم عاقبة العصيان وقد قبل بعض اليهود مشورته وكانوا يعطون الجزية. وكان يدعى هؤلاء هيرودسيين. وقال آخرون ان الهيرودسيين هم اجناد هيرودس. وهذا ليس بصحيح لان هيرودس كان مسلطاً في الجليل. وهذه المسألة حدثت في اليهودية وعليه فالهيروديسيون هم الذين قبلوا مشورة هيرودس فتشاور الفريسيون مع هؤلاء الذين هم اصحاب هيرودس. الذين هم ضد بعضهم بعضاً في العوائد والشرائع لكي يصطادوه بكلمة ولاجل ذلك جاءوا اليه من الطرفين.
عدد16 : فارسلوا اليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم نعلم انك صادق وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر الى وجوه الناس.
انهم لم يقولوا هذا القول بسذاجة لكن بخبث لكي يصطادوه وقولهم ولا تبالي باحد اي لا بقيصر أو بيلاطس او هيرودس. يعني انك لم ترائي مع هؤلاء.
عدد 17: فقل لنا ماذا تظن. أيجوز ان تعطي جزية لقيصر أم لا.
لم يسألوه عن رأيه بالاحسن او الواجب ولكن عما يظن فيه وكان ذلك منهم توريطاً له. وقد سألوه هذا السؤال بخبث ومكر حتى اذا قال نعم عنفه الفريسيون لانهم يرون دفع الجزية مخالفاً للناموس ويقولون له تريد ان تجعلنا نطيع الناس من دون الله وان قال لا أمسكه الهيرودسيون واجناد بيلاطوس وسلموه الى الوالي كعاص عل الرومانيين مع ان المسيح له المجد كان قد دفع الدينار فتامل أيها القاري بخبثهم وخداعهم.
عدد 18: فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربوني يا مراؤون.
عدد 19: اروني معاملة الجزية. فقدموا له ديناراً.
فلأنه فاحص القلوب والكلى كما قال عنه داود النبي علم بشرهم ولذلك انتهرهم وسماهم مرائين. لان المرائين يظهرون غير ما يبطنون.
عدد 20: فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة.
عدد 21: فقالوا له لقيصر. فقال لهم اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
أي ان الدينار الذي فيه صورة قيصر اعطوه لقيصر. والنفس التي هي صورة الله اعطوها لله اي اعرفوه واحفظوا وصاياه. فبقوله اوفوا ما لقيصر لقيصر وضع قانوناً للمسيحيين بالخضوع للسلطة واجاز اعطاء الجزية للملوك وان كانوا على غير دينهم واوجب تأدية واجب الخدمة لله ببرارة وطهارة قلب. على اننا نقول ان المسيح رأى انفسهم غير حاملة صورة الله لكنها ممتلئة بكتابات قيصر العقلي وهو ابليس فقال ان كنتم تحفظون أوامر الله بطهارة فانتم صورته. وان كنتم تحملون صورة ابليس اللعين قدموا له عبوديتكم واتعابكم ولا تطلبون من الله لانكم لا تحملون صورته.
عدد 22: فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا.
عدد 23: في ذلك اليوم جاء اليه اصدوقيون الذين يقولون ليس قيامة فسألوه
عدد 24: قائلين يا معلم قال موسى ان مات احد وليس له اولاد يتزوج اخوه بامرأته ويقيم نسلاً لاخيه.
ذكر يوسيفوس ان اليهود بعد رجوعهم من السبي انقسموا الى سبعة هرطقات وقد تكلمنا عن ذلك في تفسير المعمودية فليراجع. فمنهم الصدوقيون الذين ينتمون الى صادوق معلمهم. وهؤلاء هيجوا الاضطهاد على بشارة الانجيل وعلى يعقوب اخي الرب وما زالوا يشون به حتى قتل كما صاروا سبباً للرومانيين ليفحصوا عن انسال داود ويقتلونهم وكان الصدوقيون متمسكين بخمسة اسفار موسى ولم يكونوا يقبلون الانبياء ولا يعتقدون بالروح القدس وكانوا يكفرون بالقيامة وبالملائكة وبسائر الغير المنظورات. اما الفريسيون فكانوا يعتقدون بالقيامة ولكنهم يقولون ان في القيامة اكل وشرب وزواج. وكان الصدوقيون يعيرون الفريسيين على ذلك ولاجله سألوا المسيح عن خبر المرأة ذات السبعة رجال التي ماتت بلا بنين.
عدد 25: فكان عندنا سبعة اخوة وتزوج الاول ومات. وإذ لم يكن له نسل ترك امراته لاخيه.
عدد 26: وكذلك الثاني والثالث الى السبعة.
عدد 27: وآخر الكل ماتت المراة ايضاً.
عدد 28: ففي القيامة لمن من السبعة تكون زوجة. فإنها كانت للجميع.
فقد اخترعوا هذا السؤال ظانين انهم يوقعوا المسيح في الحيرة بشان قيامة الموتى والامر واضح ان السؤال اختراع لان اليهود كانوا يهربون من السكنة مع المرأة التي يموت رجالها كما نرى في خبر تامار فانهم لما هربوا منها التزمت ان تسرق الزرع من يهوذا. بل وراعوث الموابية تزوجت مع الغريب من الجنس وعليه فالسؤال اختراع.
عدد 29: فاجاب يسوع وقال لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله.
عدد 30: لانهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون ولكن يكونون كملائكة الله في السماوات.
عدد 31: اما من جهة قيامة الاموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل.
عدد 32: انا إله ابرهيم وإله اسحق وإله يعقوب. ليس الله إله أموات بل إله أحياء.
لم يقل اله ابراهيم الخ بل اني الهمهم الآن كما كنت الههم وهم على الارض. وفي هذا اشارة الى قيامة الموتى واقتصر على ايراد البرهان من كتب موسى لان الصدوقين لم يكونوا يعتبروا الا كتب موسى وهي الخمسة أسفار والا لاورد من العهد القديم براهين منها ما في هذه الاماكن اي (19: 25 و26 ومز 16: 10 و11 واش 26: 19 وحز 37 ودا 12:2) وزاد لوقا على ما قاله متى ما يوافق ذلك وهو قوله (ليس هو اله أموات بل اله أحياء لان الجميع عنده أحياء لو 20: 38 أي لا اله أولئك الذين قد ماتوا وفسدت اجسامهم وما عادوا يقومون ولكن اله الذين وان ماتوا لكنهم أحياء لمو عدد القيامة كآدم الذي أكل من الثمرة وحسب ميتاً للقضاء المقضي عليه وان كان حياً. ولو لم تكن قيامة الموتى فالذين قد ماتوا وفسدوا لما كانوا سيقومون وقد صرح بهذا القول على ان الذين ماتوا منذ ألوف من السنوات سيقومون لانه دعا نفسه الههم. فأبطل رأي الفريسيين بقوله ان في القيامة لا يزوجون الخ وأبطل رأي الصدوقيين بقوله انا هو اله ابرهيم الخ.
عدد 33: فلما سمع الجموع بهتوا من تعليمه.
وليس الجمع هنا الصدوقيون ولكن الجمع الساذج.
عدد 34: أما الفريسيون فلما سمعوا انه أبكم الصدوقيين اجتمعوا معاً.
عدد 35: وساله واحد منهم وهو ناموسي ليدربه قائلاً:
عدد 36: يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس.
جاء هذا الفريسي مجرباً للمسيح منتظراً ان يجد عليه شيئاً لانه كان يقول عن نفسه انه الهاً.
عدد 37: قال له يسوع احبب الرب الهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك.
عدد 38: هذه هي الوصية الاولى والعظمى.
كان يرجو ان يقول له المسيح ان أعظم الوصايا هي ان تعتقد في اني اله.
عدد 39: والثانية مثلها. تحب قريبك كنفسك.
الوصية الثانية هذه لا تقوم بدون الاولى لانه لا يمكن ان نحب اخانا حق المحبة الا بان نحب الله أولاً ايو 4: 20 و21 وهي مثل الاولى في الخلوص والمنفعة للعالم.
عدد 40: بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء.
ان هاتين الوصيتين تشتملان على كل جوهر الناموس والانبياء وهما العهد القديم وبالصواب قال المسيح لان بحفظ الوصية الاولى تقوم أربع من الوصايا العشر وبحفظ الثانية تقوم ست منها لان غرض الناموس والانبياء هو ان لا يخطأ البشر. ثم ان في احدلى هاتين الوصيتين تمتنع الخطيئة وبالأخرى يتم عمل البر. ولم يذكر متى جواب الفريسي الذي ذكره مرقس ولا مصادقته على اقوال المسيح. ويظهر ان هذا الكتاب لم يكن سوى آلة للفريسيين وانه لم يشاركهم في بعضهم ليسوع ولتعاليمه. وان كان قد شاركهم في اول الامر فلا ريب في ان افكاره تغيرت عندما سمع جواب يسوع
فلما رآه يسوع أجاب بحكمة (مر 12:34) اي ان المحبة لله وللقريب أفضل من الذبائح الكاملة. وبهذا القول احتقر السبت وذبائح الحيوانات وهذا مناف لتعاليم رؤساء اليهود ” قال له لست بعيداً من ملكوت الله ” اي ما زلت بعيداً عن الملكوت. ولسائل كيف مدح يسوع ذاك الذي قال ان ما عددا الآب ليس الهاً. فنجيب ان وقت هذا السؤال لم يكن مناسباً لاشهار الوهيته ولذلك مدحه ليبقيه في التعليم الاول مستحقاً لتلقي التعليم الجديد وفوق ذلك ان في الشريعة الموسوية كان التعليم بوحدانية الله كما ان هذا التعليم كان في كل مكان وهو لم يحقر الابن ولكن ليفرق بين عبادة الله وبين عبادة الاصنام التي لم تكن بآلهة وان المسيح عرف ما في ضميره وغرضه ولذلك مدحه.
عدد 41: وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع.
عدد 42: قائلاً ماذا تظنون في المسيح. ابن من هو. قالوا له ابن داود.
عدد 43: قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً:
أراد بقوله هذا ان ينبه ويرفع عقول الفريسيين ليعتقدوا به انه اله نظير الله الآب ولانه مزمع ان يتألم اتاهم بشهادة داود النبي الشاهد عنه انه اله. ولم يجيبوه على ذلك بالحق لانه له وان كان ابن داود بالجسد أما هم فكانوا يعتبرونه كانسان ساذج.
عدد 44: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعدداءك مواطئاً لقدميك.
الرب اي الآب وهو الاقنوم الاول. ربي أي المسيح وهو الاقنوم الثاني المتجسد. وليس بالعجائب فقط بيّن انه ابن الآب لكن بالتخويف أيضاً.
عدد 45: فان كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه.
لم يقل ان ابن داود واحد ورب داود آخر كما يقول الخلقيدونيون لكن للابن المتجسد عينه قال رب داود وابنه. فربه لانه اله وابنه من حيث انه صار انساناً.
عدد 46: فلم يستطع أحد ان يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد ان يسأله بتّة.
فلم يستطيعوا ان يجيبوه بكلمة لان الاسمين الرب وربي مكتوبان بالاسم الاعظم يعني يه يه وقد كتبهما موسى النبي في الناموس بأحرف مخصوصة وكانوا يلفظونها باكرام ويكتبونهما في طرف الورقة. ادوني اي ربي. ومتى صادفوا هذين الاسمين بالكتب يبدلونها بادوني الوهيم. قال قوم ان سوماخوس بدل هذا الاسم وكتب عوضه الرب لربي. كما بدل كلمة بتول بصبية وعوض يقتل المسيح قال ليقتل.
(الاصحاح الثالث والعشرون)
عدد 1: حينئذٍ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه.
اي في الوقت الذي أبكم فيه المعترضين حتى لا يجرأوا ثانية ويجربوه.
عدد 2: قائلاً. على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون.
كان موسى شارعاً وقاضياً للاسرائيليين (خر 18: 13) فالذين خلفوه معلموا الناموس ومفسروه فحسبوا انهم جلوس على كرسيه. وكثيراً ما كان المسيح يحادث ويجتهد ان يقنعهم بانهم ضالون واثمة ولم يستفيدوا شيئاً من تعليمه ولا من مشاهدتهم لآياته فأخذ يحذر تلاميذه والجموع منهم.
عدد 3: فكل ما قالوا لكم ان تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب اعمالهم لا تعلموا لانهم يقولون ولا يفعلون.
مهما قالوا لكم أي ما هو وفق شريعة موسى وهي الوصايا العشر التي تهدي الناس الى السيرة الصالحة وحذرهم سابقاً من اتباع تقاليدهم (ص 15: 1- 6) كفرق الاطعمة والذبائح وحفظ السبت. وبقوله هذا اوضح انه ليس مخالفاً للناموس الذي جاء به موسى. وبقوله (مثل اعمالهم لا تعلمون) أعلن انهم معلمون مفسدون اشرار ولو انه لطخ فيهم كرامة موسى امام الجموع حتى لا يقوموا ضدهم ويرذلوهم بتاتاً. يقولون ولا يفعلون هذه علامة الكسل فانهم يقولون لآخرين ان يحفظوا الناموس وهم لا يحفظونه ولا يعملون به.
عدد 4: فإنهم يحزمون احمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون ان يحركوها باصبعهم.
أمر الفريسيون الشعب بحفظ الشريعة الموسوية وتقاليدهم الوخمة بكل اعتناء فكان ذلك نيراً ثقيلاً كما شهد بطرس الرسول اع 15: 10. واما هم فابوا ان يشاركوا الشعب بممارسة شيء من ذلك ولو كان زهيداً جداً كحركة الاصبع. ولم يقل انهم لم يقدروا ولكن لم يريدوا وهذا منتهى النفاق منهم.
عدد 5: وكل اعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس. فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهدابه ثيابهم .
يصنعون كل اعمالهم. اي الدينية ليمدحهم الناس بالتقوى غير مكترثين برضى الله الذي هو المقصد الوحيد من كل امور الدين (ص 6: 5). (فيعرضون عصائبهم ) قال الله لشعبه بفم موسى في شان الناموس ( فيكون علامة على يدك وعصاية بين عينيك (خر 13: 16) وقال في كلماته (اربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك تث 6:8 و11: 18 وام 3:1 و3 و 6: 21) فاتخذ اليهود هذا المجاز حقيقة واخذوا يكتبون وصايا الله العشرة على رق وقال آخرون على قطع ذهب ويعلقونها في أعناقهم وقال آخرون انهم يعلقونها في اكتافهم. واما الفريسيون فكانوا يلبسونها دائماً في كل مكان حتى في الاسواق ويعرضونها اكثر من غيرهم للتظاهر بزيادة التقوى والغيرة في الناموس وما كانوا يسجدون على جبينهم اكراماً لتلك المتابة. (ويعظمون أهدابهم) أمر الله اليهود ان يحملوا على هدب الزيل عصابة اسمانجونية (عدد 15: 37 – 41 وتث 22: 12) وقال البعض انهم كانوا يخيطون اطراف الثياب بخيوط حريرية وعلى صدورهم من فوق ليتذكروا وصايا الله عندما ينظرون اليها كالخيط الذي يعقد على الاصبع لتذكر الحاجة. اما الفريسيون فكبروا اهداب ثيابهم أكثر من غيرهم دلالة على زيادة اجتهادهم في حفظ دقائق الشريعة ولم يلمهم المسيح على تعليق العصابة لكن لانهم كانوا يعرضونها ويطولونها لاكتساب المجد الباطل.
عدد 6: ويحبون المتكأ الاول في الولائم والمجالس الاولى في المجامع.
ان رغبة الاتكاء في الاول وان كانت صغيرة لكنها مملوءة من المجد الباطل فان كان من يحب
اول المتكات الخ يلام فكم أحرى بالملامة من يعمل ذلك.
عدد 7: والتحيات في الاسواق وان يدعوهم الناس سيدي سيدي.
عدد 8: وأما انتم فلا تدعوا سيدي لان معلمكم واحد المسيح وانتم جميعاً اخوة.
عنى بالمعلم نفسه وقال انتم جميعاً اخوة وليس لاحد ميزة على اخيه كقول بولس الرسول من هو الصفا ومن هو افولو الا اننا خادمون وقوله لا تدعوا معلمين وآباء ومدبرين لا يمنع ان يكون في الكنيسة معلمون وآباء ومدبرون لكنه يمنعهم من التفاخر والكبرياء وأراد ان يكونوا محبين وان لا يكون بعضهم رؤساء لبعض.
عدد 9: ولا تدعوا لكم اباً على الارض لان اباكم واحد الذي في السموات.
لم ينههم عن التسمية لكن يعلمهم بان يعرفوا خاصة الآب الساكن في السماء الذي هو علة
جميع الآباء والمعلمين.
عدد 10: ولا تدعوا معلمين لان معلمكم واحد المسيح.
قوله معلمكم واحد لا يمنع الاب من ان يكون معلماً كما ان قوله معلمكم واحد لا يخرج الاب من ان يكون معلماً. اما قوله واحد هو وهو اشبه هذه الاقوال التي قيلت في الكتب يراد بها التمييز بين الله وخليقته ولا التفريق بين الآب والابن كما يزعم الاريانيون.
عدد 11: وأكبركم يكون خادماً لكم.
عدد 12: فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.
أراد المسيح ان يعلم تابعيه في هذا القول التواضع والوداعة اللذان يرفعان الناس الى المراتب الشريفة.
يسوع يعنف الكتبة والفريسيين
عدد13 : لكن الويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.
يعطيهم المسيح الويل معنفاً وزاجراً وفي الوقت نفسه يحذر السامعين من التشبه بهم. والخطيئة الاولى التي وبخهم المسيح عليها هي محاربتهم للملكوت الجديد اي مقاومتهم الانجيل وصدهم الناس عن معرفة طريق الخلاص بما يسنونه لهم من النواميس الصعبة التي ما كانوا هم يعملونها اصالة لانهم لو آمنوا به لدخلوا الملكوت وتبعهم بالإيمان الجموع المتعلقة بهم.
عدد 14: ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تاكلون بيوت الارامل. ولعلة تطيلون صلواتكم. لذلك تأخذون دينونة اعظم.
الخطيئة الثانية التي وبخ المسيح الكتبة والفريسيين عليها هي الطمع فانه حملهم على خطيئتين ظلم الناس واتخاذ الدين وسيلة الى حشد الاموال واقتصر المسيح على أكلهم بيوت الارامل لان ظلمهم اياهن افظع من ظلم غيرهن لانهن موضوع شفقة الله والانسان. ولا جدال ان من يصنع الشرور يستحق العذاب فكم بالاحرى من يتخذ التقوى وطولة الصلاة سبباً الى سلب اموال الناس وستراً للاثم.
عدد15 : ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلاً واحداً. ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعفاً.
الدخيل هو الوثني الذي يتهود بقبوله الختان والمعمودية وسائر الطقوس فالمسيح لا يوبخ على الاجتهاد الذي غايته نوال المدح من الناس. ولا يتوقع ان يكون تبعة الشرير والمرائي الامثل معلمه بل وأشر منه لانه يقتفى اثاره.
عدد 16: ويل لكم ايها القادة العميان القائلون من حلف بالهيكل فليس بشيء. ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم
عدد 17: ايها الجهّال والعميان ايهما اعظم الذهب ام الهيكل الذي يقدس الذهب.
كان الكتبة والفريسيون بمنزلة القادة للشعب باعتبار كونهم معلميهم الروحيين وكانوا كالعميان لانهم جهلوا طريق الحق وجروا غيرهم الى طريق الباطل فكانوا صالين ومضلين.
عدد 18: ومن حلف بالمذبح فليس بشيء. ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم.
عدد 19: ايها الجهال والعميان ايهما اعظم القربان اوالمذبح الذي يقدس القربان.
عدد 20: فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه.
عدد 21: ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه.
عدد 22: ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.
اي كيف لا تعلمون ان المذبح أعظم وهو الذي يقدس القربان الذي يوضع عليه. فيسمي هنا قربان اواني الخدمة التي تساغ من ذهب وفضة وبوضعها على المذبح تتقدس وهذا حسب الشريعة الموسوية. اما الشريعة الجديدة فهي شيء آخر. فانه متى ما يكمل القداس ويصير الخبز والخمر جسد المسيح ودمه حقاً فانه أعظم من المذبح الذي هو عبارة عن قبر المسيح.
عدد23 : الويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك.
أمر الله ان يؤدوا عشر دخلهم نفقة على اللاويين (لا 27: 30) وعشراً آخر منه لخدمة الهيكل (تث 14: 22و 24). وعشراً آخر على الفقراء كل سنة ثالثة (تث 14: 18: و19). واختلف اليهود في وجوب تادية عشر هذه البقول اي النعنع والشبث والكمون فحكم الكتبة والفريسيون بوجوب تلك التادية وغفلوا عن هذه الفضائل الثلاث اي العدل والرحمة والإيمان التي تشتمل على اعظم واجباتنا للناس ولله لانهم كانو ظالمين منتقمين محبين الذات خادعين مرائين. ولم يلمهم المسيح على حكمهم بتعشير النعنع الخ بل لامهم على انهم
لم يأتوا مثل ذلك الدقيق في امور اولى منها والزم.
عدد 24: أيها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل.
أي انكم تصفون الماء والخمر قبل الشرب لئلا يكون فيها بعوضة التي تحسبونها نجسة وتتهاونون بخلاص نفسكم. واراد المسيح بما ذكر ان يظهر غلط من يتجنب الصغائر ويرتكب الكبائر مطمئناً. مثال ذلك في سيرة الفريسيين بذل الدراهم ليهوذا الاسخريوطي ليسلم المسيح ورفضهم ضمها الى خزانة الهيكل عند رده اياها لهم. ولومهم التلاميذ على اكلهم الخبز بايد غير مغسولة وابطالهم الوصية الخامسة من وصايا الله العشر بتعليمهم الكاذب في شان القربان.
عدد 25: ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافاً ودعارة.
أراد بخارج الكأس الجسد. الصحفة اي الصينية. واراد بداخلهما النفس. كأنه يقول تهتمون بنظافة الجسد وتهملون تطهير انفسكم المملوءة اثماً وخطفاً.
عدد 26: أيها الفريسي الاعمى نق أولاً داخل الكاس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضاً نقياً
ان اول واجبات الانسان ان ينقي قلبه من الشر (ار 47: 14) وهذا وفق قول الحكيم (فوق كل تحفظ احفظ قلبك لان منه مخارج الحياة ام 4: 23).
عدد27 : ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراءون لانكم تشبهون قبوراً مبيضة التي تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة.
اي انكم ترون من الخارج ابرار ومن داخل مملوءين نفاق ومجد باطل ورياء.
عدد 28: هكذا انتم ايضاً من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثماً.
عدد 29: ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تبنون قبور الانبياء وتزينون مدافن الصديقيين.
عدد 30: وتقولون لو كنا في ايام آبائنا لما شاركناهم في دم الانبياء.
لم يلمهم المسيح للومهم أبائهم ولاجل بنائهم قبور الانبياء لكن لانهم شاركوا اباءهم في قتل رجال الله فانهم اظهروا بالفعل والكلام غيظهم على آبائهم وكرههم لاعمالهم لكنهم سلكوا سلوك آبائهم باضطهادهم الاتقياء وقصدهم قتل المسيح. ولم يكونوا يبنون قبور الانبياء اكراماً لهم لكن لئلا يزول ذكر مآثم آبائهم اذا خرجت وطال العهد عليها.
عدد 31: فانتم تشهدون على انفسكم انكم أبناء قتلة الانبياء.
أي لانكم تذمون الخطايا وترتكبونها وتلومون القتلة وتتمثلون بهم تشهدون على انفسكم بانكم تعرفون الحق وانتم تجدون في سبيل الشر. ثم لا لوم على ابن الاب الشرير اذا لم يسلك مسلك ابيه وقد لامهم المسيح لانهم اقتفوا آثار آبائهم بالشر.
عدد 32: فاملأوا انتم مكيال آبائكم.
ان الامة اليهودية أخذت منذ ايام آبائها ترتكب اثماً فوق اثم وتذخر لنفسها غضب الله فكانت لا تحتاج ان تزيد على ما سلف من اثامها سوى قتل ابن الله لكي يملأ مكيال شرهم ويأتي وقت نزعهم من مكانهم وزمن عقابهم.
عدد 33: ايها الحيات اولاد الافاعي كيف تهربون من دينونة جهنم.
شبههم بالحيات لانهم مثلها في الخداع والاذى. وكانه يقول كما ان الحيات تشبه الافاعي بالسم القاتل كذلك انتم تبهون آباءكم في القتل فاولئك قتلوا الانبياء وانتم تقتلون رب الانبياء فلذلك لا نجاة لكم من عذاب جهنم.
عدد34 : لذلك ها أنا أرسل اليكم انبياء وحكماء وكتبة فمنهم من تقتلون وتصلبون ومنهم من تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة الى مدينة.
أنبياء مثل أغايوس الذي تنبأ عن بولس (اع 21: 10) وغيره والحكماء هم الذين ذكرهم بولس قائلاً انه يعطى كلام الحكمة واما الكتبة فهم الذين قبلوا النعمة وفسروا الكتب ويسميهم بولس معلمين والرسل هم الذين كانوا فذ ذلك الزمان. ولئلا يقول الكتبة والفريسيون اننا وان صلبنا الابن لكننا لم نقتل الانبياء لذلك يسميهم كذبة لانهم جلدوا وقتلوا الانبياء والحكماء الذين عاشوا في زمانهم.
عدد 35: لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الارض من دم هابيل الصديق الى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح.
وقد يعترض البعض قائلين لماذا يأتي على هؤلاء دم الذين قتلهم غيرهم ؟ والجواب على ذلك ان الله قد عاقب الاسرائيليين على آثامهم في وقت ارتكابهم اياها بعض العقاب (اش 9: 12 – 17). وأبقى ايقاع بعضه على أولادهم التابعين خطواتهم الاثيمة وفقاً لقوله تعالى (افتقد ذنوب الآباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي خر 20: 5) نعم ان الله لا يحسب اثم الآباء على الابناء اذا كانوا ابرياء (الابن لا يحمل من اثم الاب… بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون حز 18: 2) وذلك بشرط ان لا يرتكب الابن خطية أبيه ولا يعتذر عنه بها والا كان شريكاً له فيها وفي عقابها ولان هؤلاء سفكوا دم المسيح ورسله لذلك اشتركوا في اثم كل قاتل منذ خلق الانسان وفي عقاب اولئك الاثمة ومن ذلك خراب هيكلهم ومدينتهم وقتل بعضهم وسبي الباقين. وقال قوم ان زكريا هذا هو احد الاثني عشر نبياً. وقال غيرهم انه زكريا الذي ذكر في سفر الايام الثاني (2 اي 34: 20 – 22) وان أباه كان يسمى باسمين بركيا ويهوياداع فان اليهود قتلوه في دار بيت الرب، وقال عند موته (الرب ينظر ويطالب) اما القديس ساويرس فيقول انه كان ابا يوحنا المعمدان. وقد وجد جسم زكريا في زمن تاوديسيزس الكبير محفوظاً كأنه دفن جديداً وبنوا له هيكلاً في مدينة يقال لها الوثروفوليس.
عدد 36: الحق أقول لكم ان هذا كله يأتي على هذا الجيل.
اي لان هذا الجيل رأى كثيرين قد أخطوا وقبلوا جزاءهم وهو لم يتعض لكنه اخطأ اكثر من اولئك لاجل ذلك يقبل عذاباً اكثر مما قبلوا اولئك وأراد بالجيل امة اليهود.
يسوع ينذر أورشليم
عدد 37: ياأورشليم ياأورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة أردت ان اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا.
تكرار الاسم هنا يدل على عطفه وحنانه عليها ورغبته في رجوعها وبمخاطبته المدينة يقصد اهلها. وقوله يا قاتلة ويا راجمة معناه ولئن فعلت كل هذا فاني لا ازال أحب رجوعك وتوبتك. وبقوله لم تريدوا يعلمهم ان خطاياهم قد ابعدتهم عنه. وقد ذكر حنو الدجاجة مثالاً لحنوه لان هذا الطائر شديد الحب نحو فراخه وكثيراً ما جاء ذكره في الكتاب المقدس دلالة على عناية الله وحميته (تث 32: 11 ومز 17: 8 واش 31: 5 ومل 4: 2). وقوله لم تريدوا ينفي قول البعض ان الانسان لا مخير بل مسير وانه لا يعمل الخير او الشر الا كآلة صماء.
عدد 38 هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً.
أي ان المسيح يتركهم بلا معونة ما داموا لا يريدون ان يقبلوه ويعذبهم لاجل نفاقهم.
عدد 39 لاني اقول لكم انكم لا تروني من الآن حتى تقولوا مبارك الاتي باسم الرب.
هذا وداع المسيح للهيكل وللامة اليهودية وختام كلامه لهاوما قاله بعد انما خاطب به رسله المختارين. ويشير بهذا الكلام الى يوم مجيئه الثاني. وقد قال حتى تقولوا… باسم الرب مبرهناً انه موافق لابيه وليس مضاداً للناموس. ثم لان الانبياء قد استعملوا هذه الآية (مز 118: 26). فسوف يقول اليهود في مجيئه الثاني مبارك الآتي باسم الرب وان لم يستفيدوا منها شيئاً.
الاصحاح الرابع والعشرون)
عدد 1: ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل. فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل.
لانه قال هوذا بيتكم يترك لكم خراباً فانزعج التلاميذ وتحيروا لانهم لم يتصوروا كيف يخرب مثل ذلك البناء المتين العجيب. لاجل ذلك تقدموا ليروه اياه لا لأنه لم يكن قد رآه قبلاً بل ليستدروا رحمته وشفقته على الهيكل والمدينة كي لا يسمح بخرابها كما أنبأهم.
عدد 2: فقال لهم يسوع أما تنظرون جميع هذه. الحق اقول لكم إنه لا يترك ههنا حجر على حجر إلا ينقض.
تمت هذه النبوة أولاً على يد أليسادريانوس القيصر الذي أخذ حجار اسوارها وطرحها في بحيرة سدوم وقطع حجاراً أخر وعمر اسوارها وسماها باسمه البوفوليس. ثم بعد ذلك هدمها يوليانوس الكافر وخربها. اما هذا فلكي يكذب قول المسيح ” انه لا يترك حجر على حجر الا ينقض ” أذن لليهود ان يبنوها ويعمروا الهيكل الذي خربه ادريانوس اما اليهود فبعد ان هدموا ما بقي من الهيكل لكي يثبتوا بنيانه كانوا كلما حفروا شيئاً نهاراً امتلأ ليلاً من دون يد انسان وما كفوا عن البناء حتى قدحت نار من اساسه واحرقت منهم كثيراً.
عدد 3: وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم اليه التلاميذ على انفراد قائلين قل لنا متى يكون هذا وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر.
ظن التلاميذ ان خراب المدينة والهيكل ومنتهى العالم كل ذلك يتم في وقت واحد لذلك سألوه. وقد تكلم المسيح من هنا أو هناك (مت 24: 23) عن خراب اورشليم الذي تم على يد اسبيسيانوس وتيطس ابنه. ولم يكشف لهم يوم مجيئه لا لأنه لم يكن يعلم بل لأن علمنا بذلك يؤذينا ولا يفيدنا اذ يورثنا التهاون واهمال الفضائل نظراً لطول الزمن. لاجل ذلك اقتضت حكمته تعالى اذ يحجب عنا يوم الموت ويوم انقضاء العالم.
عدد 4: فاجاب يسوع وقال لهم انظروا لا يضلكم احد.
حذرهم يسوع قبل ان يجيب سؤالهم من ان يخدعوا فأنبأهم بامور تظهر للناس انها من علامات مجيئه وهي ليست كذلك.
عدد 5: فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرين.
انبأهم بقيام كثيرين يخدعون الشعب بدعوى انهم مسحاء. وقال يوسيفوس المؤرخ اليهودي ان مزورين وسحرة جذبوا اليهم كثيرين الى البرية يعدونهم بالمعجزات فمنهم من جنّ ومنهم من عاقبهم فيلكس الوالي وكان من المزورين ذلك المصري الذي ذكر في سفر الاعمال (31: 38). وقال ايضاً انه امتلأت البلاد مسحاء كذبة وانه كل يوم يمسك اناس منهم ويقتلون.
عدد 6: وسوف تسمعون بحروب واخبار حروب. انظروا لا ترتاعوا. لانه لا بدّ ان تكون هذه كلها. ولكن ليس المنتهى بعد.
يشير هنا الى الحروب والفتن التي صارت في اماكن مختلفة ولانه قال لليهود انكم لا تروني حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب فظن الرسل ان العالم ينتهي بخراب المدينة ولذلك أزال المسيح عنهم هذا الظن بقوله لا يكون المنتهى اذ ذاك.
عدد 7: لأنه تقوم امة على امة ومملكة على مملكة وتكون مجاعات واوبئة وزلازل في اماكن.
عدد 8: ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع.
(امة على امة) تم ذلك بان هاج خصام وقتل شديد بين اليهود والسامريين وبين اليهود ومن سكن معهم المدن من اليونانيين فقتلوا يونانيوا قيصرية عشرين ألفاً من اليهود. ومن الاوبئة وباء تفشى في رومية سنة 65 م مات به ثلاثون ألفاً. ومن المجاعات المجاعة التي تنبأ عنها اغابوس (اع 11: 28) وحدثت سنة 49 م. ومن الزلازل زلزلة حدثت في كريت سنة 46 م وزلزلة في رومية حدثت سنة 51 وغير ذلك.
عدد 9: حينئذٍ يسلمونكم الى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من كل الامم لأجل اسمي.
تنبأ المسيح عن الاضطهادات والضيق الذي يكابده الرسل وقال لاجل اسمي أي لاعترافكم بي ونسبتكم الي ولسيركم سيرتي لا لأنهم يرون فيكم عيباً ولوماً في سيرتكم.
عدد 10: وحينئذٍ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً.
اي ان اليهود يشك بعضهم ببعض ويبغض احدهم الآخر.
عدد 11: ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين.
عدد 12: ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين.
مما يدل على تمام هذه النبوة بالانبياء الكذبة ما ياتي (اع 2: 30 ورو 16: 17 و2 كو 11: 13 وغل 1: 7 وكو 2: 17 واتي 6 و 2 تي 2 ك 118) وغير ذلك. فعبر عن هؤلاء الانبياء الكذبة في الآيات المذكورةبرسل كذبة واضداد المسيح وارواح مضلة.
عدد 13: ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص
هنا يشدد عزائمهم لئلا يضعف ايمانهم بسبب الضيق ويعدهم بانهم اذا احتملوا الضيق بصبر يخلصون. وزاد لوقا ما يوافق هذا المعنى وهو قول المسيح ” ولكن شعرة من رؤسكم لا تهلك “.
عدد 14: ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الامم. ثم يأتي المنتهى.
شهادة لكل الامم اي توبيخاً وتعنيفاً من الشعوب الذين آمنوا بالكرازة لليهود الذين ما آمنوا. واعلن المسيح ان يبشر في كل المسكونة بالانجيل في مدة أربعين سنة بعد الصلب ثم يتم خراب أورشليم الذي عبر عنه بالمنتهى.
عدد 15: فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ
لان اليهود لما صرخوا في الفصح الذي فيه تألم المسيح ان ليس لنا ملك سوى قيصر فادخل بيلاطوس قائلاً لهم ان كان قولكم صدقاً فاسجدوا لهذه الصورة كسائر الامم الذين تحت حكم قيصر ومن أجل هذه الصورة التي يسميها رجاسة الخراب ابتدأ الاضطراب والسجن بينهم وما بطل حتى الى الحريق والخراب الاخير. وذهب البعض الى ان الذي أدخل الى الهيكل هو صورة نسر وغيرهم بل رأس خنزير. اما القديس افرام فيقول ان بيرقاً مصوراً في طير النسر قد علق برمح وأدخل الى الهيكل. وقال آخرون ان الذي أدخل الى الهيكل انما كان صنماً ولذلك يسميه رجاسة الخراب. وقوله متى رأيتم يشير الى ان كثيرين من المسيحيين يبقون أحياء الى ذلك الزمان الذي فيه يكون خراب أورشليم. وقوله (ليفهم القارئ) اي ان خراب اورشليم قد قرب.
عدد 16: فحينئذٍ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال
أي حين يحدث ما ذكر يعلم المسيحيون ان المنتهى قريب وانه اتى الوقت الذي يجب فيه ان يبادر الى الهرب.
عدد 17: والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً
أي ان الضيق هكذا يكون شديداً حتى يهربوا عريانين. ثم ان نجاة حياة الانسان أهم من انقاذ أمتعته هذا علاوة على انها تثقلهم فتعيقهم عن الهرب اما القس ايسيذوروس ففسر ذلك روحياً أعني ان الذين في اليهودية أي خائفوا الله وصعودهم الى الجبال هو التجاؤهم الى العلى اما الذين هو على السطح أي ان الذي احقر العالميات وداسها فلا يتنزل اليها.
عدد 18: والذي في الحقل فلا يرجع الى ورائه ليأخذ ثيابه
أي ان الذي خلع الانسان العتيق لا يعد الى لبسه
عدد 19: وويل للحبالى والمرضعات في تلك الايام
(الحبالى) لانهن لا يستطعن الهرب لانهن مثقلات بالحبل وكذلك المرضعات لانهن مثقلان بالرضع. اما روحانياً فيراد بالحبالى الانفس الحبالى بعقولهن الاعمال الفاضلة وما اتممن ذلك بالعمل ويراد بالمرضعات المعلمين الذين هم خلو من الاعمال الفاضلة فالتعليم لا يخلصهم من العذاب.
عدد 20: وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء أو في سبت
(في شتاء) لانه يصعب السفر في ذلك الفصل لتوحل الطرق وقصر النهار ولشدة البرد وغزارة المطر في الجبال. ولا في سبت لانه يصعب السفر في ذلك اليوم اما لتوبيخ الضمير لانهم حسبوا السفر فيه محرماً وبموجب الشريعة واما لانهم لا يقدرون ان يهربوا بامتعتهم من أبواب المدن فيه واما لان الشرط ان اليهود يمنعوهم عن السفر فيه. وروحانياً صلوا لئلا تخرجوا من هذا العالم خلواً من الاعمال الصالحة مثل الاشجار عديمة الاثمار في الشتاء. ولا في سبت اي لا تكونوا بطالين من عمل الفضيلة كعطلة اليهود في السبت. فيعلمنا ان نكون على الدوام عاملين اعمالاً صالحة.
عدد 21: لانه يكون حينئذٍ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم الى الآن ولن يكون
اوضح القديس لوقا ذلك الضيق اكثر مما اوضحه متى (لو 21: 24 و25). قال يوسيفوس انه قتل من اليهود عند افتتاح المدينة..1000000 واسر منهم 97000 وعذب كثيرون ثم قتلوا. وقتل في ضواحيها 250000 فبلغ كل القتلى 1447000 وقال ان الرومانيين صلبوا ممن اسروا من اليهود مدة الحصار خلقاً كثيراً حتى لم يبق مكان لنصب الصلبان ولم يجدوا صلباناً كافية لصلب كل اولئك الاسرى. وقال ان كثيرا من اليهود كانوا يبلعون حبوب الذهب الذي عندهم ويهربون الى الرومانيين وكانوا يستخرجون ذلك الذهب حين قضاء حاجتهم في البرية. اما الرومانيون والسريانيون فلما شعروا بذلك فكانوا يشقون بطونهم ويستخرجون الذهب من امعائهم وأهلكوا منهم ربوات لهذا السبت. وقال انه مات كثيرون في المدينة من شدة الجوع فاشتد بهم الجوع حتى أكلوا الاحذية وان بعض النساء قتلت اولادها واكلتهم. وقال لو قابلنا مصائب جميع الناس منذ الخليقة بما قاساه اليهود لوجدناه اعظم من جميعها. وزاد هول الحصار بان بدائته كانت في عيد الفصح وكان حينئذٍ على قول البعض ثلاثة آلاف الف في تلك المدينة ونقول ان ما اصابهم لهو اقل مما يستحقون لان لا في الزمان الماضي ولا في المستقبل تجاسر أحد جسارة هائلة مثلما تجاسر اليهود على صلب المسيح.
عدد 22: ولو لم تقصر تلك الايام لم يخلص جسد. ولكن لاجل المختارين تقصر تلك الايام
(تقصر) اي تجعل اقصر مما اعتادوه من محاصرة المدن لان الحصار ابتدأ من خمسة عشر نيسان اللى اليوم التاسع من شهر آب. ولا يقصد بالمختارين هنا الرسل لانهم كانوا قد خرجوا من اليهودية لكنه يقصد المؤمنين فمن بدء الاصحاح الى هنا تكلم عن خراب أورشليم اما من هنا فيتكلم عن الآخرة وعن المسيح الكذاب.
عدد 23: حينئذٍ ان قال لكم احد هو ذا المسيح هنا او هناك فلا تصدقوا
اي ان قرب مجيئي الثاني العلامة الاولى هي هذه فانهم يقولون جاء المسيح وها في المكان الفلاني هو وآخرون بل في مدينة كذا. ولكنني اوصيكم ان لا تصدقوا او تتبعوهم فتضلوا. ان لفظة حينئذٍ تقال بنوعين اما تابعة الزمان الذي قبلها او الزمان الذي حدث فيه الامر كما في هذا الموضع كقوله حينئذٍ تظهر علامة الابن
عدد 24: لأنه سيقوم مسحاء كذبة وانبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو امكن المختارين.
عدد 25: ها أنا قد سبقت وأخبرتكم
هذه علامة ثانية ويشير الى انطيخريسطوس أي المسيح الكذاب وهذا هو شيطان فسيتخذ انساناً يهودياً ساحراً مختبراً كل حيل الشيطان فيدخل فيه ويضل الناس ويكون له آلة وبواسطته يعمل شروراً عظيمة كما دخل في البدء في الحية واغوى آدم. وقال آخرون ان المسيح الكذاب سوف يولد من رجل روماني وامرأة رومانية ويصير آلة لابليس اللعين وانه سيظهر قبل مجييء المسيح بزمن قليل في اواخر سلطة الرومانيين كقول الذهبي الفم فيطهر البرص ويفتح اعين العميان ويعمل عجائب آخر لا حقيقة لكن خيالاً وخداعاً وضلالة كما كان يفعل سيمون الساحر (اع 8: 9 – 11) وينيس ويمبريس (2 تي 3: 8) وفي ذلك الزمان يقتل شهداء كثيرون لجهادهم ضد تعاليم الشيطان. ويضل كثيرين من اليهود والحنفاء فلانهم يخدعون بعجائب سحره. اما المسيحيون الحقيقيون فلا يتبعونه لان السيد المسيح ورسله الاطهار ولاسيما بولس الرسول فقد سبقوا وحذروهم منه. قال القديس يوحنا في رؤياه انه يدوم 42 شهراً اي ثلاث سنين ونصف (رؤ 13: 5 و 11: 2 و 12: 6) كما تنبأ عنه دانيال بقوله ” ويسلمون ليديه الى زمان وازمنة ونصف زمان (دا 7:25) وقال آخرون انه يدوم سنتين ونصف. وآخرون انه يدوم الى زمن غير معلوم لانه لا يريد ان ينتهي زمانه لكن الرب يبيده في مجيئه الثاني بروح فمه كقول بولس (2 تس 2: 8). وقد انبأ المسيح عن الواحد بصيغة الجمع كقول الرسول ان بعضهم شكوا (مت 28: 17) والحال ان توما وحده هو الذي شك (يو 2: 25) والمختارون هم المؤمنون االذين في ذلك الزمان.
عدد 26: فان قالوا لكم ها هو في البرية فلا تخرجوا. ها هو في المخادع فلا تصدقوا.
عدد 27: لأنه كما ان البرق يخرج من المشارق ويظهر الى المغارب هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الانسان.
هذه العلامة الثالثة. ليس كل برق يخرج من المشرق الى المغرب لان في كل مكان تبرق البروق الى انحاء مختلفة لكنه اراد ان يعرفنا سرعة حضوره وانه من المشرق سوف يظهر ويتراءى للكل. ثم لا يظن القاري ان مجيئه الثاني يكون كالاول لان الاول ظهر في مكان صغير واما الثاني فيكون بغتي (زك 9: 14) وفي كل المسكونة كالبرق الذي يضي في كل ناحية تحت السماء.
عدد 28: لأنه حيثما تكون الجثة فهناك تجتمع النسور.
هذه العلامة الرابعة. فيسمي نفسه جثة والملائكة المحيطين به والقريبين اليه نسوراً كذلك النسور هم الشهداء والقديسين. وكما ان الجثة التي على وجه الصخرة تأتيها النسور من كل جانب لتقتات منها، كذلك عندما يظهر المسيح على الارض فجميع القديسين يقومون قدامه ويلتفون حوله. وتشبيه الابرار والصالحين بالنسور لانهم اختاروا نصيباً مجيداً في السماويات. ثم ان القريب من هذا المسيح يجب ان يكون عالياً ومترفعاً كالنسر الذي يحلق في العلو وان لا يكون مشتبكاً في الدنايا الارضية لكنه على الدوام يهتم بما فوق ناظراً الى شمس البرارة. وقال القديس ساويرس ان لفظة حيث الجثة مثل معتاد وان في مجيئ المسيح الثاني سيرتفع جميع الذين عاشوا عيشة صالحة كمثل النسور الى الفردوس المكان الذي فيه صارت سقطة آدم وتجاوز الوصية.
عدد 29: وللوقت بعد ضيق تلك الايام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع.
اي على اثر الضيق الذي سوف يصير في ايام المسيح الكذاب. وزاد لوقا علامة خامسة وهي ” من عجيج البحر وجياشانه “. والعلامة السادسة هي ان الشمس والقمر يظلمان في مجيئه الثاني لسببين الاول انهما سيخجلان من ظهوره كما يخجل نور السراج من ضوء الشمس. والثاني لاننا لم نحتج بعد اليهما لأن يفصلوا لنا اياماً وسنين وصيفاً وشتاء لانه حينئذٍ لا يكون ليل (رؤ 22: 5). ثم ان الكواكب ستتساقط لانه ليس ليل بعد لتضيء علينا وان قيل ماذا يصير في الكواكب واين تبقى الشمس والقمر فليراجع تفسيرنا للعدد 35 من هذا الاصحاح. والعلامة السابعة هي تزعزع قوات السماء المراد بهم الملائكة لانهم سينظرون تغييراً في الخليقة.
عدد30 : وحينئذٍ تظهر علامة ابن الانسان في السماء. وحينئذٍ تنوح جميع قبائل الارض ويبصرون ابن الانسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير.
علامة ابن البشر هي الصليب وانه سيظهر مضيئاً بل أشد ضياء من الشمس وهذا معلوم من ان الشمس والقمر سيظلمان وهو يضيء. ولسائل لماذا يظهر صليبه ؟ فالجواب انه لزيادة شرف الصليب واعتباره امام الله يخزي اليهود الذين صلبوه. ثم ان الصليب سوف يأتي مع المسيح الى بيت الكم والدين وهو العلامة الثامنة. والعلامة التاسعة هي نواح جميع قبائل الارض فان اليهود سينوحوا لانهم صلبوا الذي كان يجب ان يسجدوا له وكذلك الحنفاء سينوحوا لانهم ما آمنوا به والعلامة العاشرة هي روية المسيح آتياً على سحاب السماء. فكأنه يقول لا تظنوا اني آتي على الصليب لكن على سحاب السماء كما صعدت.
عدد 31: فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الرياح الاربع من أقصاء السموات الى أقصائها.
ان المسيح سيجمع مختاريه بواسطة الملائكة وذلك اكراماً لهم فتخطفهم السحب الخفيفة وتصعدهم الى السماء كقول بولس الرسول نحن الاحياء الباقين نختطف جميعاً معهم في السحب لنلاقي الرب (اتس 16: 4) ويرسل ملائكته ببوق لتعلم الخليقة ان الرب ظهر كما كان صوت البوق يدوي عندما ظهر على جبل سينا. ولسائل من اين تعرف الملائكة حتى تميز الصالحين من الطالحين ؟ فالجواب من اسوداد هيئة الطالحين وضياء هيئة الصالحين فالفرق عظيم بين الفريقين.
عدد 32: فمن شجرة التين تعلموا المثل. متى صار غصنها رخصاً وأخرجت اوراقها تعلمون ان الصيف قريب.
عدد 33: هكذا انتم ايضاً متى رأيتم هذا كله فاعلموا انه قريب على الابواب.
لان التلاميذ كانوا يريدون معرفة يوم مجيئه وآخر الزمان مع انتهاء العالم فأتاهم بمثل التينة ليبين ان المنتهى ليس بعيد. والمعنى كما انكم اذا رأيتم أغصان التينة قد لانت وأخرجت اوراقاً تعلمون ان الصيف قد دنا كذلك متى رأيتم العلامات التي أخبرتكم عنها قد ابتدأت فاعلموا ان يوم مجيئي قريب وكما انه يستحيل ان لا تلين الاغصان وتنبت الاوراق كذلك يوم مجيئي يستحيل ان لا يكون.
عدد 34: الحق أقول لكم انه لا يمضي هذا الجبل حتى يكون هذا كله.
أراد بالجبل المؤمنين. فكأنه يقول ان الجوع لا يقدر عليهم والحرب والموت لا يفنيهم والمسحاء الكذبة لا تغويهم والانبياء الكذبة لا تخدعهم وانهم لايهلكون ولا يزولون حتى يكمل الكل وأنبأنا هنا ان عند مجيئه الثاني سوف يوجد مؤمنون كثيرون ويحتملون اضطهادات وضيقات كثيرة.
عدد 35: السماء والارض يزولان ولكن كلامي لا يزول.
عدد 36: وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا ملائكة السموات الا ابي وحده.
ان المسيح له المجد لم يكشف لنا البعث والنشور ولا يوم موت كل واحد منّا لنكون مستيقظين في الفضيلة
عدد 37: وكما كانت أيام نوح كذلك يكون مجيء ابن الانسان.
عدد 38: لانه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون الى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك.
عدد 39: ولم يعلموا حتى جاء الطوفان وأخذ الجميع. كذلك يكون ايضاً مجيء ابن الانسان.
يتساءل البعض في انه كيف قال سابقاً ان قبل مجيئه تكون اهوال وشدائد وهنا يقول يدركهم مجيئه وهم في نعيم وفرح يأكلون ويشربون الخ ؟ فنجيب ان اللذة تكون للطالحين الذين قد فقدوا الشعور الادبي كقول الرسول ان فيما يقولون امناً وسلامة يدركهم المخلص وكما كان في ايام الطوفان فان الصالحين كانوا في ضيق واما الطالحين فلم يشعروا به. وهكذا في منتهى العالم يكون الصالحون في الشدائد والاحزان والطالحون في الملذات الجسدية بلذات الاثم.
عدد 40: حينئذٍ يكون اثنان في الحقل. يؤخذ الواحد ويترك الآخر
اي اثنان يشتغلان في احدى الاراضي. وذكر لوقا عوض الحقل سريراً ويراد باصحاب السرير الاغنياء.
عدد 41: اثنتان تطحنان على الرحى. تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى.
الحقل والرحى تذكرنا بما في عالمنا من المشقات حيث نعيش فيه بتعب كثير. والسرير يذكرنا بحالة الاغنياء الذين يعيشون في حالة البذخ والاسراف وتتشوق الى معيشتهم الفقراء والبائسين ولكن لا ننسى انه يوجد من الفريقين وارثين للملكوت ويوجد اغنياء وفقراء وارثين لجهنم. ثم نقول ان مجيء المسيح يكون ليلاً وذلك واضح من قول لوقا ” في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد (لو 17: 34). ثم نقول ان كنا في حقل او في سرير او في رحى او في اي عمل كان في يوم مجيء ربنا فيؤخذ كل من كان صالحاً الى الملكوت والاشرار يمكثون في الارض.
عدد 42: اسهروا اذاً لانكم لا تعلمون في اية ساعة يأتي ربكم.
ليس المقصود هنا السهر عن النوم الطبيعي لكن من النوم الأدبي كالتهاون والتراخي والكسل في الامور الدينية.
عدد 43: واعلموا هذا انه لو عرف رب البيت في اي هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب.
كما ان رب البيت لو علم في اية ساعة يأتي السارق لينهب بيته لما تركه هكذا نحن فلو سبقنا علمنا يوم موتنا لتهاوننا بالفضيلة الى ساعة موتنا لذلك جعلنا ان لا نعلم يوم موتنا ويوم مجيء الرب.
عدد 44: لذلك كونوا انتم ايضاً مستعددين لانه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الانسان.
أوضح هنا المسيح انه الرب وانه ياتي للدينونة ومراده ان يحث المتهاونين على ان يجتهدوا بعمل الفضائل.
عدد 45: فمن هو العبد الامين الحكيم الذي اقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه.
يستفهم المسيح عمن هو امين وحكيم اقيم رئيساً او ناظراً على خدمة العبيد رفقائه لان العبيد الامناء قليلون. واستفهامه هنا كاستفهام أبيه عن آدم بقوله ” يا آدم اين انت ” وعن هابيل بقوله لقائين ” اين هابيل أخوك ” ومراده ان يعرفهما ذنبهما وان الشر الذي فعلاه لم يخف عنه وكذلك سأل الابن عن لعازر ” اين وضعتموه ” ولبطرس ” اتحبني ” لا لانه لم يكن يعلم لكن لينبه المسؤلين. اما العبيد الامناء فهم الانبياء والرسل والمعلمين والاساقفة والكهنة والاغنياء والفقراء وسائر الذين أعطيت لهم أية موهبة كانت. وسمى العبد الامين عبداً لانه خليقته وأميناً لانه لا يخون ولا يطمر الموهبة التي اخذ. وسماه حكيماً لانه يعرف يدبر الامور بلياقة بلا خيانة. ويراد بأهل البيت البشر المناط به خدمتهم والموكل عليهم. وقال لوقا ليقيمه على خدمه 12:42 أي ليتعاطى بالموهبة التي اعطيت له لتقديم الطعام الروحاني للنفس الجائعة المحتاجة في حينه.
عدد 46: طوبى لذلك العبد الذي اذا جاء سيده يجده يفعل هكذا.
أي طوبى للعبد الذي يجده يعول ويفيد نفسه وغيره بتلك الموهبة.
عدد 47: الحق اقول لكم انه يقيمه على جميع امواله.
أي يسر به ويلذذه في النعيم الابدي.
عدد 48: ولكن ان قال ذلك العبد الرديء في قلبه سيدي يبطيء في قدومه.
هذا العبد الرديء هو غير العبد الامين الحكيم الذي طوبه السيد. فسماه ردياً لفساد أخلاقه الشريرة والردية واذا قيل ان علة رداءة هذا العبد هي عدم معرفته ذلك اليوم فليعلم ان علة فساده ليس عدم معرفته ذلك اليوم لكن لان هو نفسه كان شريراً. والشاهد على ذلك ان العبد الحكيم كان انسان نظيره ولكنه لم يدخل عليه فكر ردي. وقوله ” سيدي يبطيء في قدومه ” أي انه يقول ان يوم الدينونة بعيد.
عدد 49: فيبتدئ بضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى.
رفقاؤه هم تلاميذه او موعظيه الذين قد أقيم عليهم رئيساً. ومعنى يضرب اي انه ينجس ضمائرهم السليمة بافعاله النجسة. ويأكل ويشرب اي انه يبدد أيامه في الشراهة وبالسيرة البذخة.
عدد 50: يأتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها.
هذا الكلام مخيف وعدم معرفة الانسان ساعة موته افضل له لكي يتوب.
عدد 51: فيقطعه ويجعل نصيبه مع المراءين. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.
يقطعه اي يفرزه ويحرمه من التلذذ والتنعم في ملكوته ثم يفصل وينزع منه الروح القدس الذي ناله في المعمودية وفي الكهنوت. ثم يفصله عن مخالطة الصالحين. بل وبسيف الروح ينزع منه الكهنوت التي أخذ ثم ان مثل العبد الحكيم والوزنات يشير الى وجوب المساعددة لاخوتنا حسب الممكن. اما مثل العشر عذارى فينبهنا الى استعمال الرفق والرحمة والصدقة. وقد وضعه المسيح على الذين يقتنون تدابيراً صالحة ولكنهم خالون من الرحمة.
(الاصحاح الخامس والعشرون)
عدد 1: حينئذٍ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس.
أراد بملكوت السموات الانجيل المقدس وبالبتولات اصحاب السيرة الصالحة. واراد ” بالعشرة ” الحواس النفسانية والجسدانية.
عدد 2: وكان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات.
سمى الخمس جاهلات لان حواس الجسد أضعف من حواس النفس وسمّاهن بتولات لطهارة سيرتهن. وقد اتخذهن في المثل دون الرجال لان في المسيح لا ذكراً ولا انثى. وذكر العدد عشرة لانه عدد كامل حيث لما ينتهي الانسان من عدد العشرة فيبتدي بعد من الواحد وثم لاجل الحواس العشرة كما قلنا.
عدد 3: أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم ياخذن معهن زيتاً.
ويراد بالمصابيح السيرة العفيفة والقداسة. ثم لم نجد في كل الترجمات لفظة العروسين الا في السريانية وأما في غيرها فيقال خرجن للقاء العريس فقط. ويراد بالعريس المسيح وبالعروس الكنيسة اعلاماً بان كل انسان سوف يلاقي المسيح في ظهوره وعروسه المنتصرة آتية معه.
عدد 4: واما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهن.
أراد بالحكيمات ذوي السيرة الصالحة الشفوقين على المحتاجين. واما الجاهلات فيراد بهم ذوي الاعمال الصالحة القساة القلوب الذين ليس في عاطفتهم رحمة. أراد بالزيت الرحمة والشفقة وبالآنية الاشخاص.
عدد 5: وفيما أبطأ العريس نعسن جميعهن ونمن.
أراد بابطاء العريس زمن الذي بين صعوده ومجيئه الثاني وبالنعاس الامراض وأراد بالنوم الموت وقال آخرون ان النعاس والنوم هو الموت الطبيعي لانه لا يعد موتاً لسبب رجاء القيامة لكنه نوم مدة صغيرة.
عدد 6: ففي نصف الليل صار صراخ هوذا العريس مقبل فأخرجن للقائه.
يتضح من هذه الآية ان القيامة تكون في نصف الليل لأن في نصف الليل قام سيدنا من القبر. كما انه في ليلة الاحد خلق الخليقة وهكذا في ليلة الاحد سوف يحيي الموتى. اما صوت البوق الصارخ من الملائكة فقوم يقولون انه سوف يسمع ثلاث مرات. المرة الاولى اعلاماً عن مجيئه الثاني والثانية عن دينونة المسيح الكذاب والثالثة عن قيامة الموتى وتجديد الكل.
عدد 7: فقامت جميع اولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن.
يريد بقيامة العذارى القيامة العامة وبتهيئة المصابيح الرجا العمومي عند جميع المسيحيين لامانتهم بالمسيح.
عدد 8: فقالت الجاهلات للحكيمات اعطيننا من زيتكن فان مصابيحنا تنطفيء.
ليس أجهل من الذين يقتنون اموالاً هنا ويمضون الى هناك عريانين ثم ان الجاهل هو الذي يطلب الحاجة في غير وقتها ويظن انه يحصل عليها وعبثاً يطلب الخطأة وقت الدينونة الاشتراك في أثمار الأبرار.
عدد 9: فأجابت الحكيمات قائلات لعله لا يكفي لنا ولكن بل اذهبن الى الباعة وأبتعن لكن.
يراد بالباعة اولئك الذين كان يمكن ان يرأفوا بهم فتضيء مصابيحهن.
عدد 10: وفيما هنّ ذاهبات ليبتعن جاء العريس والمستعدات دخلن معه الى العرس وأغلق الباب.
ان زمان التوبة والاعمال المرضية لله هو في هذه الحيوة وكل من لا يسعى لاكتساب رضى الله في هذه الحيوة لا يصادف هناك الا الفشل. وغلق الباب هو افتراق الصالحين وانتهاء وقت الرحمة واتيان وقت الدينونة
عدد 11: أخيراً جاءت بقية العذارى قائلات يا سيد يا سيد افتح لنا
عدد 12: فاجاب وقال الحق اقول لكن اني ما أعرفكن.
اي لا أعرفكن لاعمالكم الشريرة.
عدد 13: فاسهروا اذاً لانكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الانسان.
هذا الكلام امر بمنزلة النصيحة ليس للعشر عذارى بل لنا نحن الذين نوعد ان نتوب من وقت الى آخر ونحن غرقى في الخطيئة. وقال انكم لا تعلمون أي لا تنفعكم معرفة يوم خروجكم من هذا العالم.
مثل الوزنات
عدد 14: وكأنما إنسان مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله.
هذا المثل قاله سيدنا على كل من يقبل موهبة أية كانت فيعلمهم ان يجدوا بايجاد وسائط ليكسبوا بها انفسهم وأنفس غيرهم. ويقول البعض ان هذا المثل غير مثل الامناء الذي كتبه (لوقا 19: 12) الخ لانه واضح ان الامناء هناك ربح عشرة وهنا الخمسة ربحت خمس وزنات والمكافأة ليست واحدة غير ان الانسان والرجل في المثلين واحد والمراد به المسيح الذي تمم تدبيره وصعدد الى السماء. وقوله ” دعا ” أي انه قدمهم اليه وخولهم المواهب والمنح.
عدد 15: فاعطى واحداً خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة. كل واحد على قدر طاقته. وسافر للوقت.
أي انه جعل الاسقف رئيس كهنة وراعياً ومعلماً ومقدساً للاسرار وخادما. وأعطى الكاهن المعمودية وتقديس الاسرار. وأعطى الشماس الاعتناء بالفقراء (اع 6: 2 و 3) والتطهير والوعظ وقوله سافر أي انه صعد ولا يرجع حتى الى القيامة.
عدد 16: فمضى الذي أخذ الخمس الوزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات أخر.
أي ان الاسقف بواسطة انذاره وتعليمه ربح هداية التائهين والضالين وثبت المؤمنين سواء كان في تعميد البعض ورسامة البعض وتقديس الميرون وتكريس المذابح والكنائس وبتقديس الاسرار غفر واستغفر للمتناولين.
عدد 17: وهكذا الذي أخذ الوزنتين ربح ايضاً وزنتين أخرين.
أي ان الكاهن بواسطة المعمودية عمد آخرين وبتقديس الاسرار استغفر للشعب.
عدد 18: وأما الذي أخذ الوزنة فمضى وحفر في الارض وأخفى فضة سيده.
أي ان الشماس الذي عوضاً عن ان يطهر ويرتب الشعب ذهب وطمر في نفسه الموهبة ولم يستعملها لخير الآخرين ولاجل ملذات هذا العالم هرب من التعب والشقاء والجهاد في سبيل الله ومن المتاجرة بالروحيات. ثم ان كل انسان مسؤول عما أعطاه الله من المواهب سواء كانت كثيرة أم قليلة ونحن دابنا الكسل والتراخي وعددم الامنية فيما سلم لنا وبالحقيقة انه يصح علينا ما قيل عن الكسلان والبطال.
عدد 19: وبعد زمان طويل أتى سيد اولئك العبيد وحاسبهم.
البعدية في الزمان الكثير تشير الى انتهاء العالم حينما يأتي المسيح ليحاسب كل واحد على ما أخذ من مواهب فيجازي الامناء على مواهبه ويقضي على من لم يكن أميناً.
عدد 20: فجاء الذي أخذ الخمس الوزنات وقدم خمس وزنات أخر قائلاً يا سيد خمس وزنات سلمتني. هو ذا خمس وزنات أخر ربحتها فوقها.
أي ان بالمنح التي سلمتها الي قد ربحت بها نفسي وغيري.
عدد 21: فقال له سيده نعماً أيها العبد الصالح والأمين. كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل الى فرح سيدك.
ينعت المسيح له المجد المنح التي سلمها للعبد بالقلة. وقوله ” سأقيمك ” أي سأوهلك الى سعادة عظيمة.
عدد 22: ثم جاء الذي أخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني. هوذا وزنتان أخريان ربحتهما فوقهما.
أجاب صاحب الوزنتين كما جاوب صاحب الخمسة لانه أفاد نفسه وغيره بالمنحة التي قبل.
عدد 23: قال له سيده نعماً أيها العبد الصالح الامين. كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل الى فرح سيدك.
سماه عبداً لان عبيد الله مخلوقين للعمل الصالح (اف2: 10) وسماه أميناً لانه لم يخدع احداً ولا غش احداً لكنه أفاد واستفاد.
عدد 24: ثم جاء ايضاً الذي أخذ الوزنة الواحدة وقال. يا سيد اني عرفت انك انسان قاس تحصد حيث لم تزرع وتجمع من حيث لم تبذر.
في هذا القول يتهم سيده كأنه كان يطلب منه اتمام أمور تفوق طاقته وهذه عادة الخاطي فانه دائماً يجعل السبب غيره كما عمل آدم يوم أخطأ اذ جعل السبب امرأته ونحن أولاده نعمل نظيره. وقال ” تحصد من حيث لم تزرع ” أي ان أردت ان تجذب للعمل غصباً فانت قادر. ثم نقول ان المسيح قد حصد الخطيئة من حيث لم يزرعها هو لكن الشيطان زرعها. وقد جمع الشعوب من عبادة الاصنام والافعال الخبيثة وهو ليس الذي أبعددها عنه لكن الشيطان.
عدد 25: فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الارض. هوذا الذي لك.
اذ كان حفظ مواهب الله دون استعمالها لخير الآخرين مضر لذويها فكيف يكون حال من أضاعها بعمله للشر.
عدد 26: فأجاب سيده وقال له أيها العبد الشرير والكسلان عرفت اني احصد حيث لم ازرع واجمع من حيث لم أبذر.
سماه شريراً وكسلان لانه لم يتاجر بالوزنة التي أخذ أي انه ما أفاد قريبه ونفسه وقال المسيح للعبد ” من فمك ادينك (لو 19: 22) أي ان كنت تعتقد في اني أحصد من حيث لم ازرع فكم بالاوفر كان يجب ان تتأكد باني احصد من حيث أزرع.
عدد 27: فكان ينبغي ان تضع فضتي عند الصيارفة. فعند مجيئي كنت آخذ الذي لي مع ربا.
أي كان واجب عليك ان تعلم الناس وتنذرهم فان كانوا لا يسمعون فكنت آتي واطلب فضتي أي الكلام الذي قلته لك وعلمتهم اياه ولم يثمر فيهم وقد كان في مكنتك أقله ان تعرف الناس واجباتهم. ثم ان مال السيد نعمة ومواهبه التي يزرعها على تابعيه لكي تأتي بثمر الاعمال الصالحة التي اياها يسمي ربي
عدد 28: فخذوا منه الوزنة واعطوها للذي معه العشر وزنات.
أي انزعوا منه الموهبة التي اقتبلها ولم يستعملها.
عدد 29: لان كل من له يعطى فيزداد ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه
أي من يتأخر بالمنح التي أعطيت له في هذا العالم ففي العالم الجديد سوف يأخذ مئة ضعف. ومن استخف بل رذل الموهبة التي قبل فسوف تؤخذ منه هنالك.
عدد 30: والعبد البطال اطرحوه الى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.
لاحظ انه لم ينسب للعبد البطال القتل او اللصوصية مثلاً بل التراخي والاهمال موضحاً ان البطالين والكسالى سيعذبون. وقد سماه بطالاً لانه لم يتاجر بالمال الذي أخذ فما قدمناه الى هنا من التفسير فهو حسب رأي موسى ابن الحجر. وقال غيره ان الذي أخذ الخمس وزنات هو الذي نال مواهب مختلفة من الله. والذي نال موهبتين هو الذي اقتبل مواهب أقل من الذي قبله. والذي أخذ الوزنة الواحدة هو الذي نال أقل من الاثنين السابقين. ثم نقول ان هذا المثل لا يقصد به الاساقفة والكهنة والشمامسة فقط لان ليس جميع المسيحيين يصيرون كهنة لكي يتاجروا هنا ويكافوا هناك لكن يقصد به جميع المسيحين لان كل المواهب المعطاة من الله لبني البشر هي وزنات والشاهد لقولنا قول بولس الرسول ” فيعطى واحد بالروح كلام الحكمة وآخر كلام العلم بذلك الروح عينه ز وآخر الإيمان… وآخر مواهب الشفاء… وآخر صنع القوات وآخر النبوة الخ (ا كو 12: 8 – 10) فقد أعطانا الله هذه المواهب كل واحد على قدر طاقته ليجعلنا خادمين وليظهر المجتهد من الكسلان وكما ان الوزنات كانت ثلث درجات أي خمس وزنات ووزنتين ووزنة كذلك ما تنتجه أيضاً هو ثلث درجات أي ثلاثين وستين ومئة أعلى واوسط وأدنى. ويظن البعض ان المثلين في متى (25: 14 – 30) وفي (لوقا 19: 12 – 27) واحد. ولا يبعدد ان المسيح نطق به مرتين وغير فيه بعض الالفاظ كقوله في متى خمس وزنات وفي لوقا عشرة أمناء ولم يخصصه المسيح لخدام الكنيسة كالاساقفة مثلاً لان الاسقف لم يعط عشر مواهب. والرجل الذي سافر يراد به المسيح والعبيد بني البشر والوزنات المواهب والمحاسبة لنوال المجازاة تكون حسب الاعمال فالذين نالوا هبة التعليم والكهنوت والقوات ولم يفيدوا اخوتهم بارادتهم فقد وضعوا السراج تحت اناء وسنالون جزاءهم العذاب في جهنم.
عدد 31: ومتى جاء ابن الانسان في مجده وجميع الملائكة والقديسين معه فحينئذٍ يجلس على كرسي مجده.
يشير الى مجيئه الثاني الذي يكون بالمجد. ان من الملائكة الذين في السماء من يخدم الشكينة وهم الكاروبيم والجلاس والسارافيم الذين يدعون عرائس لانهم مثل العرائس المحيطين للعريس ومنهم تحت الرقيع وهم الذين يخدمون بني البشر. وقال آخرون ان جميع الملائكة موجودون تحت الرقيع لانهم مسترسلون كقول بولس الرسول ” اليسوا جميعهم ارواحاً خادمة ترسل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص (عب 1: 14) ولان زمن الصلب الذي كان يظن انه عار وعيب عظيم كان قريباً ذكر الجلوس على العرش بالمجد ليرفع ضمائر السامعين الى ما هو أسمى وأشرف
عدد 32: ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء
” كل الامم ” اي جميع بني البشر. ولانهم مختلطين مثل الحنطة والتبن في البيدر لذلك يميزهم بواسطة ملائكته (13: 41) كما يميز الراعي الخراف من الجداء. وشبه الصالحين بالخراف لان الخراف وديعة لا تؤذي وتفيد بصوفها ولبنها وتوليدها وشبه الطالحين بالجداء لان الجداء بعكس الخراف وأقل نفعاً والفة وطاعة مثل الاشرار عدديمي الرحمة والامن والسلام.
عدد 33: فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار.
اليمين هو مكان الشرف وكذلك اليمين في الحيوان أقوى أكرم منها في الشمال لذلك يقيم الصالحين في المحل الامنع والاكرم والاشرار في الجانب الاضعف وغير المعتبر.
عدد 34: ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.
بقوله هذا عرفهم عن اكرام الله اياهم. وقال ” رثوا ” لا خذوا لانهم ابناء الله بالولادة الجديدة وانهم سيرثون الملكوت كما يرث الابناء ميراث أييهم. وبقوله المعدد لكم ” يعلمنا انه كان أعدده لنا قبل ان يخلق العالم وكأنه يقول اني كنت عالماً بانكم ستكونون صالحين لاجل ذلك أعدددته له. وكون عملهم للصلاح فهو باختيارهم وسلطتهم الذاتية. ونقول لانه رآهم يريدون الصالحات فمد يده وساعددهم على تكميل ما اختاروه.
عدد 35: لاني جعت فاطعمتموني. عطشت فسقيتموني. وكنت غريباً فآويتموني.
أي بواسطة اشباعكم المساكين أكلت أنا وشبعت. فلنتأمل جيداً ان المسيح يطلب منا خبزاً فقط لا أكثر. ثم كأنه يقول جعت لخلاصكم فاشبعتموني أي سمعتم مني من كل قلبكم ورجعتم عن الخطيئة. اذاً جوع الرب هو خلاصنا. وبقوله كنت غريباً فآويتموني يدين الذين يطردون الغرباء لانهم يطردون المسيح نفسه.
عدد 36: عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم الي.
لم يقل كنت مريضاً فشفيتموني بل زرتموني مبيناً بذلك انه لا يطلب من احد شيئاً فوق طاقته. ولم يقل أخرجتموني من السجن بل أتيتم الي مبيناً لنا ان نذكر المقيدين كأننا نحن أيضاً مقيدون معهم (عب 13: 3).
عدد 37: فيجيبه الابرار حينئذٍ قائلين. يا رب متى رأيناك جائعاً فاطعمناك. أو عطشاناً فسقيناك.
عدد 38: ومتى رأيناك غريباً فآويناك. أو عرياناً فكسوناك.
عدد 39: ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا اليك.
سماهم قبلاً خرافاً واما هنا فدعاهم صديقين لاجل أعمالهم الصالحة..
عدد 40: فيجيب الملك ويقول لهم الحق أقول لكم بما انكم كلما فعلتموه باحد أخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم.
تأمل أيها القاري بصلاح سيد الكل فانه يسمي المزدري بهم وغير المعروفين عند اهل العالم اخوته (عب 2: 11). ونحن مع كوننا من جبلة واحدة نستحي ان نسميهم اخوتنا وقد دعاهم صغاراً لانهم متواضعون ومساكين في العالميات.
عدد 41: ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية المعدة لابليس وملائكته.
كما انه مدح الصالحين امام كل الناس كذلك يذم الطالحين امام الخليقة. ويسمي قوات ابليس وجنوده وملائكته.
عدد 42: لأني جعت فلم تطعموني. عطشت فلم تسقوني.
عدد 43: كنت غريباً فلم بأووني. عريانا فلم تكسوني. مريضاً ومحبوساً فلم تزوروني.
عدد 44: حينئذٍ يجيبونه هم أيضاً قائلين يا رب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو عرياناً أو مريضاً او محبوساً ولم نخدمك.
انه تعالى لا يعذبهم بالنار الا بعد ان يحاكمهم ويلومهم بخصوص الجوع والعطش والغربة والعري والحبس والمرض.
عدد 45: فيجيبهم قالاً الحق اقول لكم انكم بما أنكم لم تفعلوه ذلك باحد هؤلاء الاصاغر فبي لم تفعلوه
عدد 46: فيمضي هؤلاء الى عذاب ابدي والابرار الى حيوة ابدية
الابدي هنا هو ما لا نهاية له. وتستعمل لفظة الابد بثلاثة معان. الاول ما لا بداية له ولا نهاية كقوله الى الابد انت هو يا رب. والثاني ماله بداية ولا نهاية وهو المعنى المراد هنا كقوله العذاب الابدي. وكبداية الانسان وخلوده. والثالث ما له بداية ونهاية كوجود الحيوان ونهايته.
(الاصحاح السادس والعشرون)
عدد 1: ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه.
عدد 2: تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح وابن الانسان يسلّم للصلب.
قال سيدنا هذا الكلام وهو في جبل الزيتون. وفي لوقا يقول قد قرب عيد الفطير وفي يوحنا يقول قبل الفصح بستة أيام. وتفصيل ذلك انه جاء يسوع الى بيت عنيا في يوم السبت واقام لعازر وصنع له وليمة فكانت مرثا تخدم ومريم تدهن رجليه. وفي يوم الاحد دخل اورشليم في وسط هتاف الشعب على ما جاء في يوحنا. وفي يوم الاحد بعينه خرج الى بيت عنيا وبات هناك كما قال متى وفي الغد خرج الى جبل الزيتون كقول متى وجلس على الجبل وعلم تلاميذه كثيراً وفي يوم الثلاثاء وهم بعد في الجبل قال لهم انه بعد يومين يكون الفصح اي ليلة الجمعة. وفي يوم الثلاثاء بعينه مسح في بيت سمعان الابرص في بيت عنيا كما قال متى ومرقس. ومن هنالك ارسل التلميذين بطرس ويوحنا الى اورشليم في يوم الخميس ليعدا الفصح كما قال لوقا. ولما كانت ليلة الجمعة جاء الى اورشليم واتكأ في العلية مع تلاميذه كما قال متى وكان عيد الفصح والفطير يوم الجمعة. واذا حسبنا الايام من السبت الذي فيه أقام لعازر الى الجمعة تجدها ستة أيام كما قال يوحنا. ومن هذه يتضح لنا اتفاق الانجيليين. وقد ذكر المسيح خبر الفصح أولاً ليخفي الخبر المؤلم أي الصلب.
عدد 3: حينئذٍ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب الى دار رئيس الكهنة الذي يدعى قيافا.
بموجب الناموس الموسوي كان للكهنة رئيس واحد. وكان الذي يقتل قتيلاً عن غير عمد ويهرب الى مدينة الملجأ لا يستطيع ان يرجع الى حين موت الكاهن المذكور (عدد 25: 28) على ان هذا الناموس بطل فعوض رئيس كهنة واحد كانوا يقيمون كثيرين ويجعلون عليهم رئيسي كهنة فاذا عرض لاحدهما احتلام وهو نايم أو شهوة بأية علة كان يعتبر متنجساً فيقوم الآخر بالخدمة عوضه حتى لا يبطل العيد. فلما ملك هيرودس أخذ يقيم رئيس كهنة جديد كل سنة وذلك حذراً من ازدياد سطوتهم فكانوا يخدمون سنين معلومة.
عدد 4: وتشاوروا لكي يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه.
بعدد ان أقام لعازر بأربعة ايام اي يوم الاربعاء تشاوروا على قتله لذلك جعل في قانون الرسل يومي الاربعاء والجمعة للصوم ويوم الاحد لتقديس الاسرار. ويوم الاحد لانه فيه قام من القبر. وقد ذهب البعض الى ان الحيوانات في تلك الجمعة اكرمت الصيام.
عدد 5: ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب.
تأمل انهم لم يكونوا يخافون من الله بل من الشعب. وقد اعتمدوا على يهوذا الخائن فاسلمه لهم. وجرت المشاورة في دار قيافا لانه كان رئيس كهنة تلك السنة. وقد زعم قوم ان قيافا هذا هو يوسيفوس فبعد زمان ندم وتاب وآمن بالمسيح ولكن يوسيفوس الذي حارب الرومانيين وكتب تاريخ المقابيين وخراب أورشليم هو غير. وقد ذكر اوسابيوس القيصري في تواريخ الكنيسة. بانه دعي يوسيفوس أي يوسف الثاني من الرومانيين لاجل حكمته.
عدد 6: وفيما كان يسوع في بيت عنيا في بيت سمعان الابرص.
بيت عنيا هذه هي وطن مريم ومرثا ولعازر الذي أقامه فيها المسيح. وتفسيرها بيت المجد. وتبعد نحو ثلاثة أرباع ساعة من أورشليم. وبعد ان دهنت مريم المجدلية قدميه هنالك قال لتلميذيه امضيا الى المدينة واعدا لنا الفصح ويظهر من هذا ان المسيح ارسل الرسل الى اورشليم من بيت عنيا وكان سمعان المذكور أبرص وبعد ان شفي ظل يلقب بالابرص. وربما انه برص بفكره وشكّ في المسيح.
عدد 7: تقدمت اليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن فسكبته على رأسه وهو متكئ.
تشجعت المرأة لتدنو من سيدنا لما رأته قد طهر برص سمعان ومنح الشفاء لنساء كثيرات منهن السامرية والكنعانية وذات النزيف. ولم تدن منه كمن يدنو الى انسان بل كمن يدنو الى اله متأنس. وقد زعم البعض ان هنالك تناقضاً بين اقوال الانجيليين لان لوقا ذكر انها كانت خاطئة وانها دنت من المسيح في نايين. وقال متى انها كانت في بيت عنيا في بيت سمعان الابرص. وقال يوحنا ان اسمها مريم. وقد ذهب البعض الى ان الاشارة الى امرأتين مختلفتين. وقال آخرون انها واحدة وهي بعينها مسحته مرتين. وقال بعضهم ان سمعان الفريسي هو سمعان الابرص ابو لعازر ومريم. وقال الذهبي الفم ان المسيح مسح مرتين. اما القديس ساويرس ونحن على رأيه فانه يقول ان المسيح مسح ثلاث مرات وذلك في نايين وفي بيت عنيا قبل الفصح بستة ايام وفي بيت عنعيا أيضاً قبل الفصح بيومين. فيستنتج من قول يوحنا ان امرأة مسحت قدميه في بيت عنيا قبل الفصح بستة ايام ومن قول لوقا انه مسح في نايين ومن قول متى ان امرأة افاضت قارورة طيب على رأسه قبل الفصح بيومين ان المسيح مسح ثلاث مرات وقد مسحته ثلاث نساء وان الخاطية التي كانت في نايين هي التي اتت قبل الفصح بيومين ومسحت قدميه فيكون الماسح امرأتين كما قال الذهبي الفم وعدد المسحات ثلاثاً كقول القديس ساويرس. اما قارورة الطيب هي الناردين وقال آخرون انها بلسم وزعم بعضهم انها كانت مركبة من عقاقير طبية وقال آخرون ان ذلك الطيب لبان ومثقال واحد منه يكفي لمسح كل الجسم وذلك لان رائحته طيبة وقد ازدادت طيباً من جسد ربنا. ثم ان المجدلية استعملت شعرها عوضاً عن المنديل لكي تبقى معها رائحة جسد المسيح بعد موتها. وقد قال بعضهم انها منذ ذلك اليوم حتى موتها ما غسلت رأسها ولا تمسحت وان رائحة جسمها كانت عابقة. وكانت العادة ان يمسحوا الرجلين من تعب الطريق.
عدد 8: فلما رأى تلاميذه ذلك اغتاظوا قائلين لماذا هذا الاتلاف.
عدد 9: لأنه كان يمكن ان يباع هذا الطيب بكثير ويعطى للفقراء.
غضبوا أي اغتاظوا وتذمروا قائلين كان يجب ان يباع. ولكن أي أفضل ان يمسح به ربنا ام يباع ويعطى للمساكين نعم ان سيدنا غني وغير محتاج. ورب سائل يقول من اين توصل التلاميذ الى هذا الفكر؟ فنجيب انهم تعلموه من قول السيد ” رحمة أريد لا ذبيحة “. اما قول مرقس انه كان يمكن ان يباع بأكثر من ثلثمئة دينار(مر 14: 5) فالمفهوم منه انه دراهم كثيرة ثم وقد أشار الى كرمها وطيبة نفسها. ورضي المسيح ان تمسحه لاجل خلاصها وكانت العادة ان يمسح الناس الافاضل من ضعف الزهد. حتى ان القرابين التي كانوا يقدمونها الى الله كانوا يمسحونها. وكهنة الناموس والملوك ايضاً كانوا يمسحون.
عدد 10: فعلم يسوع وقال لهم لماذا تزعجون المرأة فانها قد عملت بي عملاً حسناً.
تعنفونها اي تزيدون تعبها وألمها. فلا تلمسوا بغتة ما هو ثقيل على الناس بل رويداً رويداً. ولو سألته قبل ان تفعل لنهاها عن مسحه. قال الذهبي الفم ان السيد يعلمنا هنا انه متى رأينا احداً قد صنع اواني كهنوتية او زينة أخرى للكنيسة لا يجب ان نقول له بعها لئلا يضعف ايمانه بل يجب ان نمدحه. فان سألنا قبل ان نصنع الاواني نشير عليه ان يعطي للمساكين ثمن ذلك.
عدد 11: لأن الفقراء معكم في كل حين. وأما انا فلست معكم في كل حين.
قال الذهبي فمه لاجل هذا يجب ان نترحم لان الفقراء ليسوا بيننا في كل حين الا في هذا العالم. ثم قال المسيح ذلك لكي يطيب خاطر المرأة.
عدد 12: فانها اذ سكبت هذا الطيب على جسدي انما فعلت ذلك لاجل تكفيني.
أي بواسطة الدهن الذي دهنتني به اشارت الى موتي ودفنتي. فلخوفكم من اليهود لم تقدروا ان تحنطوا وتطيبوا جسدي فسبقتكم هذه المرأة.
عدد 13: الحق اقول لكم حيثما كرز بهذا الانجيل في كل العالم يخبر ايضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها.
عزى تلاميذه بانه سوف تكرز بشارته في كل العالم. ومدح المرأة لئلا يضعف يقينها عند سمعها خبر موته. فيذكر اسمها في كل الامم بكل اللغات ويذاع فعلها الجميل. وهنا مغزى روحي وهو ان البيت عبارة عن العالم والمرأة عبارة عن الخطاة التائبين ورائحة الطيب رمز الى البشارة التي طيبت رائحتنا النتنة.
عدد 14: حينئذٍ ذهب احد الاثني عشر الذي يدعى يهوذا الاسخريوطي الى رؤساء الكهنة.
حينئذٍ أي لما رأى ان سمعان قد طهر والمرأة أفاضت عليه الطيب. مضى أحد الاثني عشر أي احد اولئك المختارين الاولين الذين كان لهم الدالة عند سيدهم. وقد دعاه بالاسخريوطي باسم أسخريوط قريته ثم تمييزاً له عن يهوذا الغيور.
عدد 15: وقال ماذا تريدون ان تعطوني وأنا أسلمه اليكم. فجعلوا له ثلاثين من الفضة.
ان السماء والارض لا تعادلان ثمن بيع السيد لانه خالق. والخليقة لا تباع بالخالق. فتأمل كيف خان يهوذا سيده بعد ان احيا امامه ثلاثة موتى. ولو لم يشأ ما قدروا ان يصلبوه. الا انه أسلم ذاته للصلب لاجل خلاص البشر فاما اليهود ويهوذا فانهم لم يسمعوا في هلاكه لاجل خلاص البشر بل ليموت ويهلكاسمه لذلك هم ملومون ومدينون. فدخل الشيطان في يهوذا لا في رفقته لانه وجدت فيه محبة الفضة. ويستفاد من قول لوقا ” ان يهوذا تكلم مع... قواد الجند (4: 22) ان رياسة اليهود كانت قد بطلت وبما ان رؤساء الكهنة كانوا يتخاصمون دائماً الرومانيون وضع معهم في الهيكل قواد الجند منعاً للشغب وقوله ثلاثين من الفضة أي ثلاثين ديناراً لان الفضة تدل أحياناً على الذهب واحياناً على الفضة والدراهم والدنانير.
عدد 16: ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه.
أي كان يطلب زماناً خالياً من الضجة ووقتاً لا يكون مع المسيح جماعة وشعب يعلمهم لان يهوذا كان يخاف من الشعب.
عدد 17: وفي اول أيام الفطير تقدم التلاميذ الى يسوع قائلين له اين تريد ان نعد لك الفصح لتأكل.
قال التلاميذ ذلك في يوم الخميس. وقال الذهبي الفم ان كثيرين كانوا معتادين ان يعددوا الفصح من المساء ويحسبونه ليوم الجمعة لانه عند انقضاء الخميس ودخول الجمعة كان الخروف يذبح لاجل ذلك سمي يوم الخميس يوم الفطير اذ من المساء والغروب سمي اليوم يوماً. فتأمل ايها القارئ في شهادة القديس الذهبي الفم عن ابتداء اليوم من المساء كما هو الحساب عندنا نحن السريان لا كما يحسب اليونانيون والارمن اليوم من الصباح فيجب اذاً اعتبار النهار من المساء كما سنبين فيما بعد عند الكلام على بقاء سيدنا في قلب الارض ثلاثة أيام وثلاث ليال. ويتضح من سؤالهم ” أين نعد الفصح ” انهم لم يكن لهم بيت لتركهم الاهل والبيت.
عدد 18: فقال اذهبوا الى المدينة الى فلان وقولوا له. المعلم يقول ان وقتي قريب. عندك أصنع الفصح مع تلاميذي.
المقصود من المدينة أورشليم وكان اليهود يصعدون الىأورشليم من جميع الاقطار لاجل الفصح. ونظراً لضيق المدينة طلب سيدنا في هذا العيد بيتاً ليأكل فيه الفصح. وقال القديس كيرلس ان المسيح لم يذكر لهم اسم الرجل لان يهوذا كان عارفاً بالعلية وربما كان يمضي فيأتي بالصالبين وهكذا يمنع الحوادث المزمع وقوعها حينئذٍ في العلية كغسيل ارجل التلاميذ واعطاء الاسرار المقدسة وغير ذلك. وكان المسيح قد اوحى الى انسان لا يعرف سيدنا ولا رسله فأعدد عليه مخصوصة لسيدنا غير خائف من اليهود. وقد زعم البعض انه يوسف بولوطي وقال آخرون انه نيقوديموس وآخرون انه لعازر وآخرون انه سمعان القيرواني الذي سخروه ليحمل صليبه مستخفين به قائلين مثلما تلذذت معه بأكل الفصح اشترك معه في آلامه. قال ” زماني قد اقترب ” اي زمن آلامي وبهذاأعلن انه باختياره تألم. ثم قال ” مع تلاميذي ” لكي يعدد صاحب العلية شيئاً يكفى لجميعهم. ” الفصح ” أي فصح الناموس الذي كان يجب ان يوكل باعشاب مرة وبخبز فطير وغير ذلك.
عدد 19: ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع واعدوا الفصح.
عدد 20: ولما كان المساء اتكأ مع تلاميذه الاثني عشر.
كان يجب ان يؤكل الفصح في ليلة الجمعة من تلك السنة لان الجمعة كانت اول يوم الفطير وكان وقوعها في الخامس عشر من القمر. والناموس كان يأمر بذبح الفصح في الرابع عشر وهكذا اكل السيد الفصح في مساء الخميس اي ليلة الجمعة اما اليهود فتركوه الى ليلة السبت حتى يقتلوا المسيح ويتضح حقيقة ذلك من قول يوحنا انهم ما دخلوا الديوان لئلا يتنجسوا وهذا يدل على انهم لم يكونوا قد اكلوا الفصح بعدد. ثم ان سيدنا أكل اولاً الفصح الناموسي كما يجب هو وتلاميذه وبعد ذلك اتكأ على المائدة للعشاء وقال لهم ان واحداً منكم يسلمني وقال ايضاً اشياء كثيرة كما جاء في يوحنا ويوافق رأينا في ذلك القديس الذهبي الفم ولوسابيوس وموسى ابن الحجر ويوحنا اسقف دارا. اما ايفوليطوس الروماني ومار اسحق يقولان ان سيدنا ماأكل الفصح الناموسي في ذلك المساء لانه هو كان لهم فصحاً. فنجيب اذا كان ذلك كذلك كان الواجب على التلاميذ ان يسألوا سيدهم هل يريد ان يأكل الفصح فيتضح من عدم سؤالهم انه كان يأكل الفصح كل سنة
فبقوله (الاثني عشر) صار معلوماً ان يهوذا كان معهم وكان قد ذهب ليشترك بالاسرار. فوبخه السيد على المائدة ليندم ويرجع لذلك يقول متى ” فيما هم يأكلون قال…. ان واحداً منكم سيسلمني ” وكان قد غسل رجلي يهوذا قبل العشاء كما يقول الذهبي الفم
لوص 22: 15 فقال لهم لقد اشتهيت شهوة ان آكل هذا الفصح معكم قبل ان أتألم.
قوله هذا يدل على انه كان مزمعاً ان يبطل الناموس ويعطي فصحاً روحانياً ذاك يزول وهذا يبدأ.
لوص 22:16 فاني اقول لكم اني لا آكله بعد حتى يتم في ملكوت الله
المراد بالملكوت هنا عمل الانجيل فكأن السيد يقول انني لا آكل من هذا الفصح الناموسي حتى يكمل الفصح الحقيقي الجسد والدم بواسطة الانجيل. ومتى اعطيكم هذا الفصح آكل منه اولاً وبعد ذلك أعطيكم لتأكلوه. وحتى هنا هي للقطع كقوله في اشعيا 22: 14 لا يغفرن لكم هذا الاثم حتى تموتوا.
عدد 21: وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم ان واحداً منكم سيسلمني.
كان الخروف يذبح عند غروب الشمس لان السماء والارض والعناصر خلقت قبيل دخول الاحد أي وقت غروب الشمس ومع خلقتهم ابتدأ الليل وبعد ان لبث الليل اثني عشر ساعة قال الله ليكن نور فكان النور فعبر عن المساء بالليل وعن الصباح بالنهار. ففي وقت غروب الشمس الذي فيه ابتدأ هذا العالم. فيه أمر الله الاسرائيليين ان يذبحوا الخروف الذي كان سر حمل الله. فتبع في عيد الفطير لذلك الفصح لانهم بالفطير اكلوا الخروف مستعجلين ولم ينتظروا ليختمر عجينهم وكان اليهود بحسب ناموس الفصح يأخذون خروفاً ابن سنة ويبقونه الى الرابع عشر من شهر نيسان فيذبحونه في غروب الشمس ويأكلونه مشوياً واحقاؤهم مشدودة واحذيتهم في ارجلهم وعصيهم في ايديهم وكانوا يأكلونه باستعجال. سبعة ايام اي الى الحادي والعشرين من الشهر كانوا يأكلون فطيراً وكل من كان ياكل خميراً كان يقتل. ثم ان المسيح بعد ان أكل مع تلاميذه الخروف مع الفطير غسل ارجلهم كما قلنا ثم ناولهم السر وبدأ يقول ” ان واحداً منكم سيسلمني ” الى هنا تكلم عن تسليمه من الخائن بالتلميح اما من هنا فظاهراً. وبقوله ” ابتدأ كل واحد منهم يقول لعلي انا هو يا رب ” جعل كل فرد منهم خائفاً لئلا يكون هو المقصود وكان ذلك الواحد معروفاً عند السيد الا انه لم يصرح باسمه وذلك لانه كان منتظراً رجوعه نادماً.
عدد 22: فحزنوا جداً وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل انا هو يا رب.
كان التلاميذ يصدقون كلام المسيح ويعلمون انه عارف بهم اكثر من معرفتهم بأنفسهم وكانوا ينظرون بعضهم الى بعض (يو 13: 22) لانهم ما كانوا يعرفون عمن يتكلم فكل فرد منهم كان يسأل ويستخبر عن نفسه.
عدد 23: فأجاب وقال. الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني.
كشف السيد أمر الخائن لئلا يموتوا من الحزن والخوف ولعله (اي الخائن) يندم. قال الذهبي الفم ان يهوذا بلغ من الوقاحة حتى انه لم يكن يعنيه امر المعلم واكرامه فغمس معه. ولعل السيد قصد ان يجتذبه الى المحبة فقال للتلاميذ ان واحداً منكم خائن اي ليس من الغير بل من الذين يغمسون معه في الصحفة. قال القديس فيلكسينوس انه ولو كان الجميع يمدون ايديهم مع المسيح الا ان سيدنا عندما كان يمد يده كان التلاميذ يقصرون ايديهم اما يهوذا فكان يمد يده مع السيد بوقاحة ولما لم يفهم التلاميذ الخائن فيهم من قوله ” الذي يمد يده معي في الصحفة ” بل خبزاً وناوله وفي الحال عرفوه. وقد قال آخرون انه كان امام التلاميذ صحفتان. فكان كل ستة تلاميذ يغمسون في واحدة وكان يهوذا يغمس مع سيدنا لاجل ذلك قال ان الذي يغمس معي الخ. وزعم البعض ان السيد لم يظهر شيئاً عن يهوذا حتى غسل ارجلهم وناولهم الاسرار وهذا القول غير صحيح.
عدد 24: ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن الويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الانسان.
كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد رب معترض يقول بانه اذا كان المسيح ماضياً ليموت كما هو مكتوب عنه فلماذا يلام يهوذا اذ كمل المكتوب ؟ فنجيب انه لم يسلم السيد لاجل تكميل المكتوب كما ان الصالبين لم يصلبوه لاجل تكميل النبوة بل بنية شريرة لان يهوذا فعل ما فعله باختياره لذلك كان مسؤلاً لان المكتوب عن المسيح لم يسلب اختياره (أي حرية ارادته) أي لم يجبره على الفعل. ثانياً انه فعل كل ما فعله بقصدٍ شرير لانه خالف ضميره وشريعة الله ورفض نصائح المسيح وربى في فؤاده الرذائل كالطمع والخيانة والكنود اي كفر النعمة وارتكب شر الاثام بتسليمه سيده لا زهد غاية وهي الحصول على ثلاثين من الفضة وربما يعترض قائل انه لو لم يسلمه يهوذا لسلمه غيره فان لم يسلمه غيره فسدت خطة المسيح ؟ فنقول حاشا ما كانت تفسد أبداً لان الحكيم والعارف بكل شيء قادر ان يدير ما يخصه لانه حكمته فائقة الادراك. وقد جعل الويل للرجل الذي صار آلة لاتمام سياسته وفي الوقت نفسه حذر التلاميذ الا يظنوا انه من الضعف أسلم. وبقوله ” قد كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد ” بين ان يهوذا بحريته أسلمه ولذلك أعدد له عذاب أليم. ولو لم يولد ما كان يتعذب بلا نهاية. ورب معترض يقول لماذا خلق الله يهوذا اذا كان خيراً له لو لم يولد. فنجيب ان الله خلقه ليعمل خيراًً لكنه انصرف الى عمل الشر بحريته. وقد خلق الله أيضاً الشياطين والناس والاشرار ليعملوا الصالحات ولكنهم انصرفوا الى عمل الطالحات بارادتهم. ثم ان خلق يهوذا متعلق بالخالق تعالى. اما العمل صالحاً وطالحاً فمتعلق بالشيطان والانسان. وليت شعري هل نلوم الله لان بعض الناس صاروا اشراراً. ان الله بريء من الملامة. ومن هو الانسان حتى يعترض على الله. هل تقول الجبلة لجابلها لماذا جبلتني هكذا ثم نقول ان يهوذا انتخب ليكون رسولاً مثل بطرس ويوحنا والشيطان خلق ليقف في الخدمة مثل جبرائيل فكما ان الله الآب لا يلام بسقوط الشيطان كذلك الابن لا يلام بانتخابه يهوذا لئلا يكون له سبب للتذمر فيقول ان المسيح ما كان يحبني مثل رفقائي ولو غسل رجلي ما اسلمته ولا خنته. على ان السيد عرف بمحبته للفضة فسلطه على صندوق النفقة ليتصرف بالفضة كما يشاء ويريد. ولم يشاء ويريد. ولم يشأ ان يفضحه بل فضل ان يوبخه فقط فلم يرعو.
عدد 25: فاجاب يهوذا مسلمه قائلاً لعلي انا هو يا سيدي. فقال له انت قلت.
كان يهوذا واثقاً بصلاح السيد وان المسيح لا يفضحه وكذلك السيد لم يجب أنت هو بل قال له أنت قلت. وبما ان التلاميذ ما سمعوا الحديث اضطر السيد ان يناوله خبزاً مبلولاً ليعرفوه. وقد ذكر لوقا ان الفصح اي عيد الفطر كان قريباً لما دخل الشيطان في يهوذا. وقد ذكر يوحنا ان الشيطان دخل يهوذا بعدما تناول الخبز. والاثنان صادقان لان الشيطان لا يدخل في الانسان بغتة لكن يستعمل التجارب أولاً ثم يدخل فيه. وقد صادق يوحنا على الكلام الذي قاله لوقا فقال انه في وقت العشاء دخل الشيطان في قلب يهوذا الاسخريوطي وبعد الخبز تمكنه .
عدد 26: وفيما يأكلون اخذ يسوع خبزاً وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا. هذا هو جسدي.
عدد 27: واخذ الكأس وشكر واعطاهم قائلاً اشربوا من هذا كلكم.
كما كما ان السيد له المجد في النهر أبطل معمودية اليهود وكمل معمودية يوحنا وفتح باباً لمعموديتنا كذلك على المائدة خدم فصحين لذلك النهاية ولهذا البداية. أولاً خدم الناموس وغسل ألرجل التلاميذ وبعدد ذلك اتكأ وأعطاهم سر جسده ودمه. ولسائل ماذا كانوا يأكلون لان الفصح الناموسي كان قد اكل كما يؤخذ من قول مرقس ” فيما هم متكئون يأكلون (14: 18) مع ان بني اسرائيل أكلوا الفصح وقوفاً مستعجلين ؟ فالجاب انهم كانوا قد انتهوا من أكله وكانوا ياكلون عشاءً اعتيادياً متكئين. وقد ذكر متى ان المسيح بارك الخبز لكنه لم يذكر باي كلمات باركه وسبب البركة ابطال اللعنة الاولى اذ قال لآدم انك بعرق جبينك تأكل خبزك نعم قد باركه ليجعل فيه قوة غفران الخطايا للذين يتناولونه بايمان حي. ومعنى باركه قدسه وعمله جسده. ثم ان البركة هنا هي الشكر وهكذا في أمر الكأس. ولسائل كيف يسمي الخبز جده اذ ان جسده لحم وهو ذو نفس عاقلة ؟ الجواب ان قوة الروح القدس الذي حل في البتول وطهرها وقدسها وجبل منها جسداً وقدسه وجعله جسد الله الكلمة هو اليوم يحل على الخبز الذي يوضع على المذبح ويقدسه ويجعله جسد الله. كيف لا والمسيح نفسه قد سماه جسده فمن هو الذي لا يؤمن أننا ننظر باعين الجسد الخبز الموضوع على المذبح بايدي الكهنة والشمامسة وباعين الروح ننظره قد صار جسداً لكلمة الله الحي المتجسد من البتول وهكذا يجب ان نفهم وهكذا يجب ان نؤمن.
عدد 28: لان هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا.
العهد العتيق هو الناموس الذي اعطي في جبل سينا والعهد الجديد هو الانجيل. اما الدم العتيق فهو دم الخروف الذي ذبح في مصر وكان يدعى الفصح واما الدم الجديد فهو دم المسيح المذبوح على الصليب. وبتسميته اياه جديداً ميزه عن الدم العتيق. ان الخروف في الناموس الموسوي لم يكن مستوجباً للقتل ولكنه كان يقتل عوضاً عمن يستوجب القتل. لهذا السبب سمى يوحنا المعمدان السيد حمل الله حامل خطايا العالم وقد قيل عن دمه انه يسفك عوض كثيرين فاذا كان جسده قد كسر لاجلنا ودمه قد سفك عوضنا فلماذا يلومنا الخلقيدونيون لاننا نصلي اليه قائلين يا من صلبت عوضننا ارحمنا لان الذين يصلون هكذا يكفرون اذ يجعلون المسيح كأنه لم يمت لاجلنا وهذا كفر واضح ورب سائل يسأل لماذا لم يعطنا المسيح سر جسده ودمه تحت عوارض كثيرة الثمن. الجواب اولاً لسهولة وجود هاتين المادتين ثانياً لئلا يحسب خلاصنا لشرف المواد وقيمتها الثمينة وبما ان فرض السر لاجل خلاص بني البشر فلذلك أسلم اسراره تحت عوارض قوت بني البشر.
عدد 29: واقول لكم اني من الآن لا اشرب من نتاج الكرمة هذا الى ذلك اليوم حينما اشربه معكم جديداً في ملكوت ابي.
ان ابن الله أكل وشرب بعد القيامة وهو امر غريب وخارج عن العادة ولاجل ذلك سماه جديداً. وقد شهد الرسل ان السيد اكل وشرب. قال بطرس اننا اكلنا وشربنا معه بعد قيامته. ومعنى قول السيد لا اشرب اي لا اتلذذ معكم بهذا التعليم الذي تسمعونه مني حتى تبلغوا العالم الجديد وتجلسوا على اثني عشر كرسياً حينئذٍ اتنعم معكم بهذا التعليم وأظهر لكم ما قد خفي عليكم. اما قوله جديداً فيدل على ان التعليم هنا انما هو مثال التعليم هناك. وقد أعلن ان الذي يعلم كما يجب يلتذ بتعليمه كالذين يتعلمون. ثم ان الله الكلمة منح لجسده قبل القيامة ثلاثة أمور تفوق الطبيعة البشرية. فمكث أربعين يوماً في البرية صائماً لم يجع الا بعد ما انتهت فسمح لجسده فجاع بخلاف موسى وايليا اللذين صاما ولكنهما جاعا حالة صيامهما. ثم انه مشى على امواج البحر وأضاء وجهه في الجبل اكثر من الشمس. وبعد القيامة ايضاً منح لجسده ثلاثة أمور تحت الطبيعة. فانه أكل وشرب بعدد القيامة وابقى بجسمه جروح المسامير والحربة وكان يترآءى للتلاميذ بلون جسده الذي مات فيه. أما نحن فمتى قمنا من بين الموتى فلا تحتاج أجسادنا الى أكل وشرب ولا تبقى في أجسادنا اثار الجروح وطعنات الرماح بل نقوم بلا عيب وبلا طوارئ ولا تبان فينا الوان الاجساد الميتة. فالثلاثة امور التي منحها لجسده قبل القيامة بين بها انه جسد الهي والثلاثة التي بعدد القيامة خمراً ليسد فم ماني ومرقيان وسورس ويبكم الذين يقدسون سر دمه بالماء وقد اختلف المعلمون في هل اشرك السيد يهوذا بالاسرار ام لا ؟ فالذهبي الفم في مقالته عن خيانة يهوذا وفي مقالته الحادية والثمانين من تفسير انجيل متى وساويرس في المغيث الثاني والقديس افرام في تفسير الانجيل ويعقوب السروجي في ميمر الآلام ويعقوب الرهاوي في كتاب القوانين وغيرهم يقولون ان المسيح أشرك يهوذا في الاسرار. أما القديس فيلكسينوس في تفسيره بشارة متى فيقول انه لم يشركه لان الشيطان كان قد سبق واستولى على يهوذا ومن فيلكسينوس هذا قد جرت العادة في الكنيسة الا يعطى القربان للممسوسين من الشياطين. أما القديس افرام ويعقوب السروجي فقالا بان السيد اشرك يهوذا في الاسرار ولكنه بل الجسد بالماء فزالت منه القداسة غير ان معلمين آخرين يقولون ان الجسد الملول بالماء لا تزول منه القداسة وان الماء لا يقدر ان يزيل القداسة والروح الذي فيه قال داود الراهب ابن بولص الموصلي محب موسى ابن الحجر ان سيدنا وان لم يبل جسده الذي ناوله ليهوذا بالماء لكنه أزال قداسته خفية لعددم استحقاق يهوذا الخائن له ولا يخفى ان الحنفي اذا اكل القداس يأكله خبزاً بسيطاً لانه يأكله بدون ايمان ويعقوب الرهاوي يقول ان السيد ناول يهوذا خبزاً يابساً كانوا يغمسونه في الاطعمة ويأكلونه فمن هذا الخبز غمس غمس سيدنا وناوله لا من خبز الاسرار الذي قدس جسده منه.
عدد 30: ثم سبحوا وخرجوا الى جبل الزيتون.
سبح سيدنا ليعلمنا انه عندما نأكل يجب ان نعطي التسبيح لله ونشكره على احساناته الينا لاننا نرى سيدنا انه شكر قبلما ناول التلاميذ جسده ودمه ثم بعدما ناولهم سبح. فهكذا يجب علينا ان نشكر قبلما نأكل الاسرار ونمجد بعدما نشترك. ثم انه شكر ليعلمنا ان نشكر الله صابرين محتملين عندما نتألم كما احتمل هو الآلام لاجلنا والموت عوضنا ويعلمنا انه عندما نتناول الاسرار يجب ان نمكث حتى تكمل صلاة الشكر الاخيرة ويختم الكاهن. على ان السيد لم يمكث في العلية لئلا يحدث ضجيج عند القبض عليه. قال يوحنا الانجيلي ان المسيح خرج الى وادي قدرون (18: 1) لربما صاحب الوادي اسمه قدرون او ان الترعة التي كانت تمر فيه تدعى قدرون والعبر هو معبر من جانب الى جانب آخر. فكلام الانجيليين يتفق هكذا. فأتى يسوع الى موضع يدعى الجتسمانية ويقال انه كان فيه ترعة ماء تدعى الجتسمانية. وقد دعاها يوحنا جنينه ولكن متى ورفقاؤه سموها الجتسمانية معناها جنينة الاكابر ولعله خرج من الجنينة وجاء الى مكان آخر في جبل الزيتون يدعى الجتسمانية.
عدد 31: حينئذٍ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لانه مكتوب اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية.
قال سيدنا هذا الكلام وهم صاعدون الى الجبل او عند دخولهم البستان وكأنه قال ان يهوذا يسلمني لرداوته وأنتم تهربون من الضعف وتشكون. اما الراعي هو المسيح اذ قال انا هو الراعي الصالح. والخراف المبددون هم الرسل. ترى من ضرب الراعي المسيح ؟ الجواب ليس ابليس ولا يهوذا ولا صالبوه بل الآب كما قال زكريا اضرب الراعي فتبدد خراف الرعية (7: 13). فبارادة الآب ضرب الابن متألماً بالموت لاجل خلاص العالم.
عدد 32: ولكن بعد قيامي اسبقكم الى الجليل.
انبأ بقيامته ولم يقل متى أقامني الآب حتى يخزي النساطرة الذين يعوجون الكلام ليجعلوا الابن أحط منزلة من الآب وقال (الى الجليل) لا الى مكان بعيد لان البلاد التي فيها صلب فيها يظهر نفيه لهم. والجليل موضع لم يكن فيه خوف من اليهود.
عدد 33: فاجاب بطرس وقال له وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً.
ان الذهبي الفم يلوم سمعان مرتين الاولى اذ وقف ضد كلمة المسيح والانبياء والثانية اذ جعل نفسه أعلى من رفقائه. وقال مار كيرلس انه من حرارة محبته للمسيح قال انه لا يشك ولا يكفر فيه ولم يكن ذا لسانين ينطق بفمه عكس ما في قلبه لكنه كان ساذجاً لا غش فيه ولشدة محبته قال اني لا أشك فيك.
عدد 34: فقال له يسوع الحق أقول لك انك في هذه الليلة قبل ان يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات.
اي اني انبئك بالحق واقول لك يا بطرس انك لست تشك وتهرب فقط مع باقي رفقائك لكنك تزيد عليهم انك تكفر بي وهذا ليس بعيداً عنك بل ان في هذه الليلة نفسها ستتممه.
عدد 35: قال له بطرس لو اضطررت ان اموت معك لا أنكرتك. هكذا قال ايضاً جميع
التلاميذ.
حقاً ان بطرس نطق بما في قلبه من نحو سيده اذ كان يحبه محبة شديدة ولذلك قال انه اذا الزم ان يحتمل الموت عوضه لا يمتنع. وهكذا باقي التلاميذ. الا ان السيد لكي يعرفه رحمته قال: سمعان سمعان هوذا الشيطان سأل ان يغربلكم مثل الحنطة (لو 22: 31) اي ان الشيطان يظنكم نظيره مملوئين شراً فيسأل ان اتخلى عنكم كما قصد في ايوب. ومعنى يغربلكم اي يجربكم ويقلقكم ويفزعكم ويسقطكم كما يغربل القمح فيسقط من الغربال متفرقاً. وقد تخليت عنكم لحظة لكي يعلم ان هربكم ليس عن خبث طوية فيكم بل لان الانسان ضعيف وانه لا يستطيع الثبات ما لم تسنده النعمة الالهية. وطلب الشيطان هذا كما طلب ان يدخل في الخنازير (مر 5: 12 ولو 8: 33)
لو 22: 32 لكني صليت من اجلك لئلا ينقص ايمانك وانت متى رجعت فثبت أخوتك
اي وان تخليت عنكم لحظة فهربتم وانت كفرت لكني لست أتخلى عنك مطلقاً لئلا تبتعدد اكثر بالكفر وتتجرد من الايمان بي وكان يتكلم تارة بصوت منخفض وتارة بصوت منكسر لاجل ضعف السامعين لانهم كانوا يظنون فيه ملا يجب ويليق. وقال (متى رجعت) اي بعدد توبتك ارجع الى رفقائك وثبتهم في الايمان بي. وقال التلاميذ (يا رب ههنا سيفين لو 22: 38) قد يستغرب الانسان وجود سيفين في علية اجتماعهم. قال الذهبي الفم انه كان هنالك سكاكين معدة لاجل الفصح فلما احس التلاميذ بمجئ الاعدداء للقبض على سيدهم اخذوها معهم. وقال آخرون ان التلاميذ لما بلغهم مجييء الاعداء سبقوا وحضروا السيوف والسكاكين.
عدد 36: حينئذٍ جاء معهم يسوع الى ضيعة تدعى جتسيماني فقال للتلاميذه اجلسوا ههنا حتى امضي وأصلي هناك.
سمّى يوحنا هذا المكان جنينة ولم يكن التلاميذ معتادين فراق سيدهم ومع هذا قال لهم امكثوا ههنا.
عدد 37: ثم أخذ معه بطرس وابني زبدى وابتدأ يحزن ويكتئب.
لم يأخذ باقي التلاميذ معه لئلا يضعف ايمانهم به عند رؤيتهم اياه يحزن ويكتئب. لكنه أخذ أولئك الذين عاينوا مجده الالهي في الجبل معه وقيامة ابنة يلبراس. ثم ابتعد عن هؤلاء أيضاً نحو رمية حجر كما قال لوقا 22: 41 وطفق يحزن ويكتئب. ولم يكفه ظهور الحزن والكآبة على وجهه فقط حتى قال.
عدد 38: فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت. امكثوا ههنا واسهروا معي.
ذكر لوقا سبب ذلك: اما متى ومرقس فذكرا انه طفق يحزن ويكتئب وذكر يوحنا نتيجة ذلك وهو قوله (الآن نفسي قد اضطربت يو 12: 27). انه متى استولى على الانسان خوف يدركه الحزن والكآبة وبعد ذلك تضطرب نفسه. قال الهراطقة ان المسيح من خوفه من الموت حزن واكتئب ولكنهم كذبوا لانه اذا كان الموت قد اخافه فما المانع له من ان ينجو بنفسه بقدرته الالهية كما كتب عنه انه كان يجتاز في وسطهم ويختفي واذا كان يخاف الموت فلماذا مضى الى المكان الذي كان يعرفه الخائن بل كيف يخاف من الموت ذاك الذي قال للذين أتو للقبض عليه اني انا هو الذي تطلبونه (يو 18: 4) واني انا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عوض خرافه (يو 10: 11 و 3) وقال انقضوا هذا الهيكل وانا أقيمه في ثلاثة ايام (يو 2: 19) واعطاهم آية يونان (مت 12: 40) وقال انا هو القيامة والحياة (يو 11: 25 و36) ولا تخافوا ممن يقتل الجسد (مت 10 ك 28) وانبأ التلاميذ انه سيتألم ويموت (مت 16: 31). ولما لامه سمعان على ذلك سماه شيطاناً وقد كتب عنه انه تعب مرة (يو 4: 6) وعطش مرة واحدة (يو 19: 28) وخاف واحدة (عب 5: 7) ونام واحدة (لو 8: 23) واكتئب واحدة (مت 27: 38) واضطرب واحدة (يو 11: 34) وجاع مرتين (مت 4: او 21: 18) وبكي مرتين (لو 19: 41) و(يو 11: 36) فكل هذه الامور بين بها انه احتملها لاجلنا نحن لا لاجل نفسه لان المسيح منها حسب مقتضى الطبيعة أي ان له نفساً وجسداً مثلنا وحبل به في البطن تسعة اشهر. ومنها بمقتضى الناموس كقوله اختتن وتمم ما كان واجب علينا تتميمه نحن في الناموس كتقديم قرابين وحفظ طقوس وما شاكل. ومنها سياسية فانه جاع وتعب وعطش واكتأب فبالحقيقة كان يحتمل هذه لا خيالاً واضطراراً لكن بارادته. ومنها فوق الطبيعة كالحبل به في البطن بلا زواج وولد والختومات محفوظة. ثم ان المسيح قال نفسي حزينة كما قبل عن الآب (حزن الرب انه عمل الانسان في الارض وتأسف في قلبه تك 6: 6) وليس حزن وتأسف من اجل الخليقة بل لان البشر فسدوا واخطأوا. فكذلك قال الابن ان نفسي حزينة من أجل خطية يهوذا واليهود لانه نظرهم قد أذنبوا بقتلهم اياه بعد ما عمل قدامهم العجائب العظيمة فليس انهم ما استفادوا فقط بل تواعددوا على قتله.
عدد39 : ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه وكان يصلي قائلاً يا ابتاه ان أمكن فلتعبر عني هذه الكأس. لكن ليس كما اريدأنا بل كما تريد أنت.
اراد المسيح بقوله للتلاميذ (امكثوا ههنا واسهروا معي) ان لا يخفي عنهم شيئاً مما نظروه ومما سمعوه وان يتعلموا ان يسألوا الصلوة من تلاميذهم كما فعل بولس (تس 2: 1) ثم ان كلما ذكر للمسيح صلاة نراه كان يصليها منفرداً لكي يعلمنا ان نصلي بتعقل وبقلب مبتهل غير مضطرب حتى نستطيع ان نكلم الله في الصلوة. وقد ذكر يوحنا ان المسيح صلى في الجنينة (18: 1) وذكر لوقا انه ابتعد عنهم نحو رمية حجر 22: 41 وتفصيل ذلك انهم خرجوا اولاً كلهم الى جبل الزيتون ودخلوا البستان كما قال يوحنا ثم أخذ معه ثلاثة منهم وتكلم معهم قائلاً نفسي حزينة كما قال متى ثم ابتعد عن هؤلاء ايضاً نحو رمية حجر كما قال لوقا. وما قاله المسيح هنا في الصلاة كان نيابة عن آدم فكأنه يقول ان آدم ولو لم يعمل ارادتك فبما اني لبست جسده وعملت ارادتك فاغفر له ذنبه وأقول عوضه لا كما أريد أنا لكن كما تريد أنت. ان ارادة آدم كانت صيرورته الهاً مع انه انسان فلاجل محو ذنب آدم هذا جاء سيدنا وكونه الهاً حقاً قد صار انساناً حقاً ووفى الدين الذي كان على آدم وعليه فقد صار معلوماً ان ارادة الآب والابن واحدة. وبقوله (يا أبت) وليس يا الهي اظهر جلياً انه ابن الآب طبيعياً لا ابن النعمة اي ان نبوته ليست اكتسابية. وما قال يا أبانا كما ندعوه نحن في الصلاة لاننا قد اعطينا البنوة بالنعمة. فاذاً ان الذي صلى ودعا الله اباه هو الابن الطبيعي لا كما يقول النساطرة والخلقيدونيون ان الذي صلى هو انسان وان الطبع البشري خاف من الموت. فلو كان المسيح ابناً بالنعمة وكلمة الله ابناً طبيعياً للاب فيكون لنا ابنان واحد طبيعي وواحد ابن النعمة والنتيجة يكون لنا ربان وهذا باطل وقد صلى المسيح لاجلنا حتى يجيز الموت عنا وثم صلى لاجل صالبيه لانه لا يشاء هلاك احد من قتلته. ولم يصل كالمحتاج والضعيف لانه قوة الاب وحكمته وهو الغني وغير المحتاج لكنه علمنا باقنومه كيف يجب ان نصلي واذا عرضت علينا التجارب نصبر ونصلي ونقول نجنا من التجارب وليبين انه بالحقيقة قد صار انساناً لانه لو لم يصل لتشبه لابيه فقط بل صلى لكي يظهر انه يشبهنا ايضاً. وزعم قوم انه كان يجهل هل تعبر عنه الكأس ام لا فنقول كيف يجهل ذلك وهو حكمة الاب فان حكمة الله تعلم كل شيء (ام 8: 14) كيف لا وقد قال ايضاً كما يعرفني الاب اعرف ابي وقد سبق وأنبأ تلاميذه مراراً بانه سيسلم الى اليهود فيصلبوه. وقال آخرون ان كان يعلم كل شيء فلماذا كان يهرب من الموت فنقول انه لو أحب الهرب لم يكن له مانع عن ذلك كيف لا وهو الذي مراراً كثيرة جاز في وسطهم واختفى (لو4: 30 ويو 8: 59) فاذاً لم يخف من الموت لكنه أراد ان يعلمنا ان لا نسارع بارادتنا الى الآلام لعلة ضعف طبيعتنا. وان الصلوة نافعة. وعلمنا الرأفة على المتألمين وعرفنا محبته الشديدة للبشر حتى انها اوصلته الى ان يموت عنهم ليخلصهم نعم كان قادراً ان يحيي البشر بقدرته دون ان يموت لكن ذلك يخالف عددله فلو لم يمت ما ظهرت محبته في خلاص البشر. وبقوله (ليس كمشيئتي بل كمشيئتك) علمنا ان نسلم كل شيء لارادة الله.
عدد 40: ثم جاء الى التلاميذ فوجدهم نياماً. فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم ان تسهروا معي ساعة واحدة.
اي لم تقدروا ان تسهروا معي ساعة واحدة فكيف تسلمون انفسكم عوضي. وفي هذا الكلام اشارة الى بطرس حيث قال سأضع نفسي عنك فانه وهو بعد مع المسيح ما استطاع ان يسهر معه ساعة واحدة.
عدد 41: اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف.
ولسائل لماذا لم يصل التلاميذ مع انه اوصاهم بالصلوة ؟ فالجواب من الحزن الذي اعتراهم ثم لانهم لم يكونوا يعلمون ماذا يقولون فان بطرس الذي قال حاشاك يا سيد ان تموت سمّاه شيطاناً. والروح هنا ليس اللاهوت حسب زعم الهراطقة لكن النفس الناطقة وأراد باستعداد الروح اظهاراً انه بنفسه قهر كل الآلام النفسانية والجسدانية. ثم بقوله الجسد ضعيف برهن ان من جهة ضعف الجسد تدخل التجارب والاحزان والخوف على النفس. ثم نقول ان ظن احد انه مقتدر على اقتحام التجارب والموت فلا يستطيع ذلك ما يطلب من الله ويعينه ويمسك بيده انبأ المسيح قبلاً تلاميذه بانهم سيشكون فيه فأجابوه مع سمعان انه اذا لزم الامر سيموتون معه ولا يشكون فيه. فقال لهم المسيح صلوا لئلا تدخلوا في تجربة. فكأنه يقول ولو ارواحكم اي أنفسكم مستعدة لاتمام ما تعدونه لكن اذا تذكرتم ان الجسد ضعيف امتنعتم حباً بالحياة حتى انه يحدث ان خوفكم من الموت يجعلكم تكفرون كما سيعرض بعد قليل لسمعان فهذا معنى قوله الجسد ضعيف.
عدد 42: فمضى ايضاً ثانية وصلى قائلاً يا ابتاه ان لم يمكن ان تعبر عني هذه الكأس الا ان أشربها فلتكن مشيئتك.
عدد 43: ثم جاء فوجدهم نياماً. إذ كانت اعينهم ثقيلة.
مضى ثانية وغير الصلوة لانه كان عالماً ان عبور شربه الكأس مستحيل.
عدد 44: فتركهم ومضى أيضاً وصلّى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه.
احتمل المسيح في كل وقت من الصلاة ألماً عن جنسنا الضعيف. اولاً حكم الموت. ثانياً الخوف من الموت. ثالثاً الموت عينه وبصلاته صار مثالاً الى أولاد الكنيسة يصلوا ثلاث مرات في الليل.
عدد 45: ثم جاء الى تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا. هوذا الساعةقد اقتربت وابن الانسان يسلم الى أيدي الخطاة.
بقوله استريحوا أظهر انهم كانوا حزانى معذبين وانه غير محتاج الى معونتهم وبقوله قد اقتربت الساعة اي التي فيها كان سيسلم بين انه لم يخف عنه شيئاً. وأبان بقوله (ابن البشر يسلم الى ايدي الخطاة) ان لا حق للموت عليه لكن شرهم وخبثهم أماته.
عدد 46: قوموا ننطلق. هوذا الذي يسلمني قد اقترب.
قوموا لننطلق اي من موضع الذي كان يصلي فيه الى الموضع الذي يعرفه يهوذا وروحانياً قوموا لننطلق من الجسديات والارضيات الى السماويات والروحيات.
عدد 47: وفيما هو يتكلم اذا يهوذا احد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوفٍ وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب.
عدد 48: والذي اسلمه اعطاهم علامة قائلاً الذي أقبله هو هو. فامسكوه.
القبلة عادة كل البشر وزادها اليهود عند رؤية بعضهم بعد فراق وقتي انظر (لو 7: 45). واما الآن فقد جعلها يهوذا علامة بينه وبين اليهود لالقاء القبض على المسيح. وقد ظن يهوذا انه بالقبلة يغش سيدنا فكأنه قال اذا رآني أقبله يظن ان ذلك من محبتي له مع كونه يعرف ان سيدنا يعلم الخفيات وعلاوة عليه ان اتيان الشرط واليهود وعلامة يهوذا والجمع الكثير لم تكن تمنع المسيح لو أراد ان يختفي عنهم لان له القدرة ان يترآءى في كل حين كالشكل الذي يختار ومتى أراد ان يكون غير معروف فما كان يعرف لا من صوته ولا من رؤيته كما فعل مع المجدلية يوم قيامته من القبر وبعدد ذلك عرفها نفسه بواسطة صوت لهجته المعهودة لديها لما دعاها مريم (يو 10: 16) والظاهر من قوله (من تطلبون يو 18: 4) وجوابهم يسوع الناصري انهم ما عرفوه فربما غير شكله وكان يمكنه ان يتوارى عنهم لو أراد ولكنه أظهر نفسه لهم وقال انا هو وقد سر اليهود اتفاق يهوذا معهم على تسليمه لتكن لهم حجة للقول ان المسيح لو لم يكن شريراً ما أسلمه تلميذه.
عدد 49: فللوقت تقدم الى يسوع وقال له السلام يا سيدي. وقبله.
رضي المسيح ان يقبله يهوذا لانه صبر عليه ليرجع عن شره. ثم نقول ان السلطان الذي اعطاه اياه ليشفي به المرضى ويقيم الموتى ويعمل الآيات نزعه عنه وعراه من الهبة الالهية والسلطة الرسولية عندما قبله قبلة الخيانة.
عدد 50: فقال له يسوع يا صاحب لماذا جئت. حينئذٍ تقدموا والقوا الايادي على يسوع وامسكوه.
ان معنى قول السيد له يا صاحب اي لست الآن تلميذي لكنك مقاوم ومضاد بل لك معلم أخر هو الشيطان والصالبين وأراد بذلك نصحه عساه يرعوي. وسماه باسمه يهوذا (لو 12: 48) ليذكره بالرتبة والتعليم والالفة والدالة التي كانت له عنده لكي يرجع عن شره. ولما كان المسيح قد اكمل كل سياسته ولم يبق له الا الآلام والموت والقيامة فسلم نفسه لاعدائه.
عدد 51: واذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه.
اراد بطرس ان يقطع عنق العبد لا أذنه لان الذي يريد ضرب العنق فيضرب بالسيف يمين عنق المضروب لكن العناية الالهية أمالت السيف فقطع الاذن دلالة على ان الانبياء نادوا كثيراً في اذان الشعب اليهودي ليؤمنوا بالمسيح فرفضوه وسدوا آذانهم عن صراخ الانبياء وأخيراً قطع مسمعهم.
عدد 52: فقال له يسوع ردّ سيفك الى مكانه. لان كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون.
توبيخ سيدنا لسمعان كان تعليماً لنا على انه يجب التسليم لمشيئة الله ولكن بما ان سمعان لم يكن قد حصل على موهبة الروح ضرب بالسيف وارفاقه ساعددوه بانواع أخر. لكن لما كمل بالروح اهين وضربولم يغضب ولا اغتاظ. قال الذهبي الفم ان العبد الذي قطع أذنه بطرس هو الذي لطم المسيح على خده واياه يسمي يوحنا ملخوس. وقال (ان من يأخذ بالسيف بالسيف يهلك) اي كما ان اليهود جاءوا بسيوفهم وعصيهم فهكذا سيأتيهم اسباسيانوس وتيطس بسيوفهم فيقتلونهم وقال آخرون انه بعد ان صلب بطرس منكس الرأس قطع رأسه وكمل فيه كلام سيدنا. وبقوله (الكأس التي اعطاني الآب ألا اشربها يو 18: 11) منع بطرس من القتال مع الاعدداء. فكأنه يقول لو كنت اريد قتالهم لحاربتهم الملائكة وفعلت بهم كما فعلت بأهل سدوم.
عدد 53: أتظن اني لا استطيع الآن ان أطلب الى أبي فيقدم لي في الحال أكثر من اثنتي عشرة جيشاً من الملائكة.
أي لكل سبط من اسباط اسرائيل جوقة والجوقة عشرة آلاف فيكون مجموع الجوقات مئة وعشرون الفاً ملاكاً وقال (اسأل من أبي) اولاً لاجل ضعف السامعين لانه لم يكن له عندهم شأن يذكر لاسيما وانهم قبل قليل رأوه يحزن ويكتئب ورأوا فيه ما يدل على انه لا يقدر ان يهلك الصالبين لذلك قال اسأل.
عدد 54: فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي ان يكون.
عدد 55: في تلك الساعة قال يسوع للجموع كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي
لتاخذوني. كل يوم كنت أجلس معكم أعلم في الهيكل ولم تمسكوني.
اي ان افعالي ليست كأفعال اللصوص والسراق لتمسكوني ليلاً لاني بالنهار كنت اعلم بينكم. وليكن عندكم معلوم اني لو لم ارد تسليم نفسي لكم فسيوفكم وعصيكم لا تستطيع امساكي.
عدد 56: وامّا هذا كله فقد كان لكي تكمل كتب الانبياء. حينئذٍ تركه التلاميذ كلهم وهربوا.
بقوله (لتتم كتب الانبياء) لم يترك حجة لليهود ولا عذر برفضهم اياه لانه كمل الناموس وتمم اقوال الانبياء. ثم ان اليهود لما أمسكوا المسيح لبث التلاميذ عنده يدافعون عنه لكنهم لما رأوا انه هو باختياره اسلم ذاته فكروا ان بقائهم معه زائد لذلك هربوا. وتمت فيهم نبوة زكريا القائلة. أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية (زك 13: 7).
عدد 57: والذين أمسكوا يسوع مضوا به الى قيافا رئيس الكهنة حيث اجتمع الكتبة والشيوخ.
ان الامكنة او المراحل التي أخذوا اليها سيدنا هي اولاً بيت حانان ومن هناك الى بيت قيافا ثم الى مجمعهم فبيلاطوس فهيرودس فديوان بيلاطس فالجلجلة حيث صلبوه. وهذه عوض المراحل التي عملها لاجدادهم لما خرجوا من مصر.
عدد 58: واما بطرس فتبعه من بعيد الى دار رئيس الكهنة فدخل الى داخل وجلس بين الخدام لينظر النهاية.
كان سمعان يخاف ان يتقدم. ولم يهرب من كثرة محبته. ودخل وجلس لينظر ماذا تكون نتيجة محاكمته.
عدد 59: وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي ليقتلوه.
عدد 60: فلم يجدوا. ومع أنه جاء شهود زور كثيرون ولم يجدوا. ولكن أخيراً تقدم شاهدا زور.
عدد 61: وقالا. هذا قد قال اني اقدر ان انقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه.
دعي شاهدا زور لان السيد قال ذلك هن هيكل جسده اذا نقضوه هم لا اذا نقضه هو والشهود شهدوا انه قال ذلك عن هيكل الحجارة. وان قال قائل ان الشهود لم يكونوا عارفين بمراد المسيح والتلاميذ أيضاً ما كانوا عارفين حتى قام من القبر وعليه فالشهود معذورون ؟ الجواب ان شهادتهم تظهر زوراً من أمر واحد فقط وهو تحريفهم قول سيدنا. فانه له المجد لم يقل انه هو ينقض الهيكل ويقيمه بل ان نقضوه هم أي يقتلون المسيح ويدفن وبعد ثلاثة أيام هو يحيي جسده ويقيمه وعليه فهم شهود زور.
عدد 62: فقام رئيس الكهنة وقال له اما تجيب بشيء. ماذا يشهد به هذان عليك.
عدد 63: وأما يسوع فكان ساكتاً. فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي ان تقول لنا هل انت المسيح ابن الله.
استخدم رئيس الكهنة هذا القسم بمكر ليقضي على المسيح ومراده اذا سمع المسيح هذا القسم وسكت فيبكته ويشكوه كأنسان مذنب سمع قسم الله ولم يعتد به بل سكت. وان قال هو فيشكوه ويدينه من فمه بلا شهود لانه جعل نفسه ابن الله وهو انسان. وعلى فرض المستحيل ان المسيح انكر وقال اني لست ابن الله فيعرف انه مضل وكذاب فيحكم عليه بالموت.
عدد 64: قال له يسوع انت قلت. وأيضاً اقول لكم من الآن تبصرون ابن الانسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء.
أجابه المسيح بحكمة فانه لم يسكت سكوتاً غير مكترث بالقسم ولا أجاب كما اراد ولا انكر شيئاً. بل اجابه (انت قلت) اي آمن وصدق بما قد قلت اني انا هو المسيح ابن الله. وبقوله (جالس عن يمين القدرة) بيّن انه مساوٍ لابيه في الجلوس. فكأنه يقول لست ابن الله فقط بل الديان المزمع ان ياتي ويدين المسكونة بالعددل.
عدد 65: فمزّق رئيس الكهنة حينئذٍ ثيابه قائلاً قد جدف. ما حاجتنا بعد الى شهود. ها انتم قد سمعتم تجديفه.
عدد 66: ماذا ترون. فأجابوا وقالوا انه مستوجب الموت.
لم تكن الثياب عادية بسيطة بل كانت ثياب الكهنوت لانه كان عيد الفصح وكان لابساً ليخدم الخدمة الكهنوتية. وقد تم هذا الامر بتدبير الهي حتى يرفض من الكهنوت. كانت العادة عند اليهود انه متى جدف أحد على الله فيما بينهم شقوا ثيابهم على المجدفين. وهذه لم تكن مفروضة في الناموس لان يوئيل النبي قال قلوبكم لا ثيابكم (يؤ 2: 12).
عدد 67: حينئذٍ بصقوا في وجهه ولكموه. وآخرون لطموه.
لم يبصق اليهود بوجهه ولم يضربه العبد بما انه اله لانه عال بطبعه عن الآلام والسخرية بما انه صار انساناً.
عدد 68: قائلين تنبأ لنا ايها المسيح من الذي ضربك.
اوضح مرقس هذا بانهم غطوا وجهه ولكموه (14: 65). وبما انه عرف افكارهم ونياتهم مرات شتى فاستهزأوا به قائلين ما دمت تعرف الخفايا تنبأ لنا من الذي ضربك.
عدد 69: اما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار. فجاءت اليه جارية قائلة وانت كنت مع يسوع الجليلي.
عدد 70: فانكر قدام الجميع قائلاً لست ادري ما تقولين.
لم يكن سؤال الجارية لبطرس في معرض كلام جار صدفة أو اتفاقاً بل بتدبير من الله. وكأن لسان حالها يقول كيف لم تكن معه وكيف لا تدريه ففي الحالتين انت كاذب لانك كنت معه وتدريه وانت رفيقه.
عدد 71: ثم اذ خرج الى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري.
عدد 72: فانكر ايضاً بقسم اني لست أعرف الرجل.
عدد 73: وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقاً انت أيضاً منهم فان لغتك تظهرك.
عدد 74: فابتدأ حينئذٍ جعل يلعن ويحلف اني لا اعرف الرجل. وللوقت صاح الديك.
خرج الى الباب لئلا يرى فرأته أخرى. ولما امسك به هؤلاء الرجال وقالوا له وانت أيضاً منهم ازداد نكراناً وأقسم بلعنات انه لا يعرفه. زعم قوم ان بطرس انكر ان المسيح انسان ولكنه عارف به انه اله. وهذا الزعم باطل اذ لو صح لكان تانس المسيح خيالاً. لان بطرس ما اعترف به انه ذو جسد متنفس فقط بل كذب ايضاً انباء سيدنا القائل له انك تنكرني والحقيقة هي انه كفر وجدف حقاً لخوفه من الموت لان الموت كان وقتئذٍ صعباً جداً. وعلة كفره ترك المسيح اياه لحريته ليظهر انه حر في كفره ليس مرغماً ولكي يختبر ضعف نفسه ولكي لا يتكبر فيما بعد عند صنعه العجائب الباهرة. ان الفضيلة تقوم من شيئين من ارادتنا ومن معونة الله وعليه فلا يجوز ان نلقي كل شيء على الله ولا ان نتكل على قوتنا وارادتنا في تكميل الفضائل بل علينا ان نبتدي قاصدين اتمامها ومن الله القوة والعون
ذكر متى ومرقس ولوقا ان بطرس انكر سيده في بيت قيافا وذكر يوحنا ان كفر بطرس للمرة الاولى كان في بيت حانان. اما نحن فنقول ان كفره المثلث كان ما بين بيت حنان لبيت قيافا. ثم ان متى يقول ان بطرس سئل من الجاريتين ولوقا يقول انه سئل من الجارية الواحدة ومرقس يقول انه سئل من الجارية الواحدة مرتين. ثم ان متى ومرقس يقولان انه سئل في المرة الثالثة من الذين كانوا واقفين. ولوقا يقول انه سئل في المرة الثالثة من آخرين ويوحنا يقول انه سئل في المرة الاولى من الفتاة الجارية وانه في المرة الثانية سئل من آخرين والمرة الثالثة سئل من احد عبيد رئيس الكهنة نسيب الذي قطع بطرس اذنه. أما نحن فنقول ان لفظة آخرين تطلق احياناً على الفتاة اي الجارية. وعليه فان قول لوقا ويوحنا الذين قالا انه قيل له من آخرين هو الذي ذكره متى ومرقس اذ قالا انه في المرة الثانية سئل من الجارية. وكذلك قول يوحنا انه قيل له من العبد هو الذي ذكره متى ومرقس اذ قال انه سئل من اولئك الواقفين. ويتضح من قول لوقا (ان المسيح التفت ونظر الى بطرس) ان بطرس نسي انباء سيدنا اياه بالانكار حتى ان صياح الديك لم يذكره ولكن التفات المسيح عندما نظر اليه جعله يتنبه ويبكي وكأن لسان حال ذلك الالتفات يقول له تذكر ما انبأتك به فانه قد تم فعليك ان تفوز بنفسك وتتوب.
عدد 75: فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له انك قبل ان يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات. فخرج الى خارج وبكى بكاءً مراً.
يسأل البعض لماذا قال مرقس انه قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات ؟ الجواب ان صياح الديك الاول كان بعد نكران بطرس الاول وصياحه الثاني كان بعد نكرانه ثلاث مرات. لان كل ما يصيح الديك يصيح صيحتين أو ثلاثاً. فقال القديس متى انه قبل ان يصيح الديك المرة الاولى أي ويكمل كل صيحاته تنكرني ثلاث مرات. وكيفية ذلك انه لما انكره سمعان المرة الاولى صاح الديك وقبل ان يكمل صياحه للمرة الثانية من الصيحة الاولى أنكر سمعان المسيح المرة الثانية والثالثة. فعلى هذا المنوال اتفق الانجيليون. قال آخرون انه في تلك الليلة صاح ذلك الديك مرتين الاولى طبيعية والثانية خلافاً لعادته. وذلك بتدبير رباني سبق وجعله ان يصيح أولاً لكي يمنع بطرس من الكفر به مع ان ذلك لم يفده شيئاً بل ازداد اثماً وكفر مرتين أخريين وكل ذلك من خوفه وحينئذٍ صاح الديك. وقد سمى مرقس وحده هذه الصيحة ثانية نسبة للاولى التي كانت بالهام السيد المسيح لانه كتب عن كفر معلمه بالتفصيل لان بطرس كان قد اوصاه ان يكتب عن الخوف والكفر بالتدقيق لاجل ذلك كتب عنه كما حدث فسمى هذه الملهمة أولى وتلك الطبيعية ثانية. اما متى ولوقا ويوحنا فذكروا المرة الطبيعية فقط. وأراد المسيح ان يعترف سمعان بضعفه ويتوب راجعاً اليه فلم يتب لا بصياح الديك كعادته ولا بصياحه خارجاً عن عادته المالوفة. ولم يخجل من نفسه عما أتاه من النكران الى ان التفت اليه السيد المسيح فحينئذٍ خرج خارجاً وبكى وببكائه فتح باب التوبة للتائبين وبقوله بكاء مراً اوضح انه من كل قلبه يبكي. وكما قلنا آنفاً كفره صدر عن خوفه وعن سماح ربنا وليس من شره أو بغضه للمسيح. وبكاؤه برهن شدة محبته أمانته لسيده.
(الاصحاح السابع والعشرون)
عدد 1: ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه.
عدد 2: فاوثقوه ومضوا به ودفعوه الى بيلاطس البنطي الوالي.
تشاور رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على قتل يسوع خيفة ان يحدث سجس في الشعب كما جرى في أزمنة أخرى. ولم يعلموا ان المسيح بارادته أسلم نفسه اليهم. وأوثقوا يديه الى خلفه واخذوه الى بيلاطس لان حكمهم كان قد بطل ثم ليبينوا انهم لا يقتلونه بموجب حكمهم ولا بسبب ضجيج الشعب وهيجانه بل بموجب الناموس الموسوي او بالحري كعاص على قيصر ومفتن.
عدد 3: حينئذٍ لما رأى يهوذا الذي أسلمه انه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ.
لو قضي على سيدنا بموجب الحق لفرح يهوذا وما تندم أو اعترف بانه قد قد أسلم دماً زكياً لكن لان الكهنة قضوا عليه بالنفاق لذلك تندم وقال ما قال. ثم ان يهوذا لم يندم الا بعد ان اتم شره وخطيئته وهكذا يفعل ابليس اللعين بالذين يصغون اليه فانه لا يدعهم ان يرون شرهم حتى يكلموه. لسائل لماذا لم تقبل ندامة يهوذا فان الانجيلي يقول انه ندم ؟ الجواب ان ندامته كانت طبيعية كاذبة وغير كاملة وليست بارادته الحرة بل من خوفه ان يهلك كالسادوميين او كداثان وابيرام لانه اسلم دماً زكياً. وخنقه نفسه كان من فعل ابليس الساكن فيه. ويرتأي بعضهم ان توبته لم تقبل لانه لم يؤمن ان المسيح يتألم بمشيئته بل مرغماً وانه لو آمن ان المسيح يتألم بارادته لرجع مثل سمعان وقبلت توبته ولما خنق نفسه. ويراد بالثلاثين من الفضة ثلاثين ذهباً.
عدد 4: قائلاً اني قد أخطأت اذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا ماذا علينا. انت ابصر.
ارغم يهوذا على هذا المقال امام الرؤساء الكهنة والشيوخ بالهام من الله لكي لا يظنوا انه رأى شيئاً رديئاً في المسيح فأسلمه. وبقولهم (ماذا علينا انت ابصر) جعلوا الذنب كله على يهوذا وبرروا انفسهم من النفاق والحال انهم لو لم يريدوا ما صلب المسيح.
عدد 5: فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه.
يظهر انه تخاصم معهم كثيراً ليأخذوا الفضة فما أخذوها فغضب وطرحها في الهيكل ومضى فخنق نفسه كما قال متى اما لوقا فكتب في اللابركسيس انه انشق من وسطه فانسكبت احشاؤه كلها. والقولان صحيحان الخنق وسكب الاحشاء. وكل من الانجيليين اخبر عن حادثة. فحادثة الخنق هي انه بعد ما طرح الفضة في الهيكل مضى ووضع الحبل في عنقه عند غاب يقال له غاب القصب واتفق عبور اناس مجتازين فرأوه معلقاً قبلما يختنق فحلوه. وزعم بعضهم ان الحبل انقطع به وبقي حياً وبعد مدة قليلة مرض وتورم حتى لم تستطع العجلة ان تحمله وان رأسه انتفخ واجفان عينيه تورمت ودودت ونتنت. وقال افيفانيوس انه عاش أربعين يوماً بعد الصليب وانه انشق من وسطه فانسكبت احشاؤه. وقال آخرون انه مات في تلك الحالة وما دفنوه لان من كان يخنق نفسه لم يكونوا يدفنونه. ولما نتن واكره بني القرية اضطروا هؤلاء ان يخرجوه من القرية في سريره واذ رفعوه سقط وانشق من وسطه الخ. وبعد دفنه كانت رائحة النتنة تصعد من بيته فتضرع بأهل قريته فهدموا بيته واستأصلوه من الاساس واخرجوا التراب والحجارة من هناك وكمل فيه ما كتبه لوقا في كتاب الابركسيس (لتصر دارهم خراباً ولا يكون فيها ساكن اع 1:20).
عدد 6: فاخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل ان نلقيها في الخزنة لانها ثمن دم.
بقولهم (انها ثمن دم) أعلنوا انهم اشتروا دمه بثمن لكي يقتلوه وانه لم يكن مذنباً.
عدد 7: فتشاوروا وابتاعوا حقل الفخاري مقبرة للغرباء.
عدد 8: لذلك سمّي ذلك الحقل حقل الدم الى هذا اليوم.
أرادوا ان يخفوا شر القتل باسم الغرباء ولكن الله بعنايته أبطل هذا التدبير النفاقي حتى ان حقل الفخاري الذي اتخذوه مقبرة للغرباء نزع عنه اسم الفخاري فدعي حقل الدم الى هذا اليوم.
عدد 9: حينئذٍ تم ما قيل بارميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني اسرائيل.
عدد 10: وأعطوها عن حقل الفخار كما امرني الرب.
الشر الذي فعله اليهود بحريتهم صار اتماماً للنبوة وهذه الآية ليست في نبوات ارميا كما يذكرها متى الانجيلي لكنها مكتوبة في زكريا وقد ظن المترجم ان ما ذكره ارميا (18: 2 – 6) هو المراد بهذه الحادثة فكتب اسم ارميا بدلاً من زكريا.
عدد 11: فوقف يسوع امام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود. فقال له يسوع انت تقول.
من جملة شكاوي اليهود شكاوٍ لها علاقة بالسياسة كقولهم انه قال عن نفسه انه ملك اليهود. ولذلك ترك بيلاطس كل شكوى وأخذ يستنطقه عن هذه لانها ضد سلطة الرومانيين. فجاوبه المسيح انت قلت اي صدق اني أنا هو الملك. والمسيح لم يدافع عن نفسه ولا جاوب اليهود لانه علم ان لا فائدة لهم من ذلك وان لابد من ان يقتلوه وثم لكي تتم نبوة اشعيا القائلة لم يفتح فاه (53: 7).
عدد 12: وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء.
عدد 13: فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون به عليك.
عدد 14: فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً.
تعب الوالي لانه رأى من له الحق ان يطعن في ما يشكونه ساكتاً.
عدد 15: وكان الوالي معتاداً في العيد ان يطلق للجمع أسيراً واحداً من ارادوه.
عدد 16: وكان لهم حينئذٍ أسير مشهور يدعى باراباس.
عدد 17: ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس من تريدون ان أطلقه لكم أبرابا أم يسوع الذي يقال له المسيح.
عدد 18: لانه علم انهم اسلموه حسداً.
كانوا يطلقون أسيراً واحداً في عيد الفصح فقط بنوع الرحمة واكراماً للعيد لانهم فيه أطلقوا من عبودية المصريين. وكان يدعى برابا هذا يسوع وذلك واضح من الانجيل المجموع من الاربعة ومن قول بيلاطس (من تريدون… أباراباس أم يسوع الذي يقال له المسيح) ولم يشأ الانجيلي ان يكتب اسمه لئلا يكون في الكتاب مطابقاً بالاسم لسيدنا.
عدد 19: واذ كان جالساً على كرسي الولاية أرسلت اليه امرأته قائلة إياك وذلك البار. لاني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله.
لم تخبره بالحلم في البيت لانها كانت غير عارفة ما قد جرى من أمر يسوع مع عظماء الكهنة ليلاً. ولم يكن قد بلغها خبر وقوف المسيح قدام زوجها ولكن لما أصبح الصباح وبلغها ان رجلها جلس على المنبر ليدين يسوع أرسلت تحذره. ولا يبعد انها رات المسيح ولكنها لم تعتد به ولا همها أمره والا لقالت لرجلها من أجله. ولكن لما رأت ضجة في المدينة عنه تذكرت الحلم فاسرعت وحذرت زوجها. ولم يحلم زوجها بهذه الرؤيا المقدسة لانه لم يكن مستحقاً ولو رأى في منامه ما رأته زوجته وقصه على اليهود لما كانوا يصدقونه بل كانوا يقولون بما انه يريد خلاصه يقول عنه هذا الكلام. أو اقله كان يكشفه لهم لئلا يلام من ضميره انه رأى هكذا وما خلصه. واسم امرأة بيلاطس لوكانيا. وقولها (توجعت اليوم) يخجل الخلقيدونيون والارمن الذين يحسبون بدء اليوم من الصباح فان امرأة بيلاطس التي رات الحلم ليلاً تراها قد حسبت النهار مع الليل الذي عبر كما كتب متى. ان اليوم أربعة وعشرون ساعة وابتداؤه يحسب من المساء كما هو عندنا وقد توجعت المرأة ليلاً لانها رأت حلماً مخيفاً وكلما ارادت ان تستيقظ تخلصاً مما اخافها فيه كانت تظل نائمة رغماً عنها لكي تتألم مما ترى فيه وتتأثر منه. قال قوم انها لم تخبر زوجها في الصباح عن الحلم لانه كان نائماً تلك الليلة في موضع آخر غير البيت لذلك أرسلت اليه تحذره. اما القديس افرام فيقول انه بتدبير من الله نسيت الحلم حتى اذا أرسلت اليه تحذره وهو في منصة القضاء يندهش السامعون. واذ المدينة كلها مضطربة على رجلها بسبب يسوع أرسلت تحذره قائلة لا تعمل ارادة أهل المدينة بل خلص الرجل من ايديهم قال قوم انها رأت حولها تنانين يحاولون لدغها والمسيح لم يدعهم. وقال آخرون انها رأت سيدنا جالساً على كرسي عالٍ ومنبر مخيف وانه مثل الحاكم على الكل والديان وسلطانه ممتد على كل الاقطار وان الملائكة يخدمونه بخوف ورعدة صارخين قائلين هذا هو يسوع ملك اليهود الذي يدان قدام بيلاطس. وقال غيرهم انها رأت رؤى مفزعة. وقد تكلمنا عن الاحلام في تفسيرنا (ص 1: 20) من بشارة متى فليراجع.
عدد 20: ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرّضوا الجموع على ان يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع.
تنازل رؤساء الكهنة الى الجموع ليقنعوهم أن يطلبوا هلاك يسوع دليل على انهم كانوا متعطشين الى قتله.
عدد 21: فأجاب الوالي وقال لهم مَن مِن الاثنين تريدون ان اطلق لكم. فقالوا باراباس.
خيرهم بين يسوع البريء وباراباس الشقي ظناً منه انهم يستحون ان يقولوا علانية ليصلب المسيح. لكنهم لم يخجلوا لا من الديّان ولا من المسيح ولا خافوا من ان يطلبوا صلب البريء. وقد ذكرهم بيلاطس بيسوع وزاد عليه اسم المسيح أولاً لكي يميزه عن باراباس الذي كان يدعى هو ايضاً يسوع وثانياً ليهدي غضبهم علهم يطلبون له قصاصاً خفيفاً يجريه عليه ويطلقه. اما اليهود ولو انهم بارادتهم الحرة طلبوا برابا ولكن التدبير الالهي حركهم ان يطلبوا اطلاق برابا حامل شكل صورة المسيح ونائبه. فكما ان آدم أخطأ وحبس في الهاوية ثم اطلق من قيود الجحيم بصلب المسيح هكذا برابا أخطأ وحبس ثم اطلق.
عدد 22: فقال لهم بيلاطس فماذا أفعل بيسوع الذي يقال له المسيح. قال له الجميع ليصلب.
عدد 23: فقال الوالي وأي شر عمل. فكانوا يزدادون صراخاً قائلين ليصلب.
في سؤال بيلاطس هذا شيء من التعجب أو لعله كان يأمل أن يطلبوا اطلاق الاثنين فتكون له حجة ان يطلق يسوع بلا خوف من ان يشكوه الى قيصر. وعوضاً عن ان يثبتوا ما يشتكون به عليه محتجين انه عمل كذا وكذا فصاروا حكاماً عليه. ولم يقولوا اقتله او أمته بل اصلبه ليثبتوا عليه انه مضل ومجدف ومستوجب صلب العار والازدراء لان الموت على الصليب هو شر الميتات ثم انهم طلبوا صلبه ليجلبوا عليه لعنة الناموس كقوله (ملعون كل من علق على خشبة (غل 3: 14) ولو انهم بقلب مملوء غش طلبوا صلبه وهم مدانون لذلك لكن التدبير الالهي اثبت قوله انه سيصلب. وتكرارهم لفظة اصلبه دلالة واضحة على كثرة غضبهم الشديد عليه والتشفي منه.
عدد24 : فلما راى بيلاطس انه لا ينفع شيئاً بل بالحري يحدث شغب اخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلاً اني بريء من دم هذا البار. ابصروا انتم.
تحقق بيلاطس ان المسيح بريء من ازدحام اليهود وضجتهم عليه والحاحهم بصلبه ومن تحذير امرأته. لاجل ذلك طلب ماء وغسل يديه. وقد اظهر للناس بغسل يديه طهارة أفكاره وانه بريء من هذا الحكم الخارج عن الناموس والعدل ولكنه ملوم لانه خاف من اليهود فكان يجب ان يخلصه كما خلص قائد المئة حياة بولس (اع 21: 31 – 36) مع ان قائد المئة كان يعلم ان في تخليص حياة بولس ستكون ضجة وفتنة عظيمة ومع كل هذا لم يترك اليهود ان يقتلوه يقول البعض ان بيلاطس خاف ان يطلقه لانهم كانوا يقولون ان المسيح جعل نفسه ملكاً فكان يجب ان يفحص عنه ليرى هل فيه شيء مما نقلوه له من العصيان كما لو جمع فضة وذهباً كثيراً أو عساكر ولكن الحال بالعكس فانه لم ير ولا علامة من العصيان فيه ومع ذلك فانحاز مع اليهود ورآهم لذلك لم يعتقه المسيح من الملامة قال آخرون ان امراته ارسلت تحذره واليهود يضجون عليه فلم يعلم الى اي طرف يميل فاحتال حيلة وهي انه بواسطة العادة الجارية عندهم التي هي اطلاق اسير لهم في العيد يخلص يسوع ولكنه لم ينجح وقد كان يجب على اليهود ان يندموا من قول يهوذا اخطات ومن خنقه بنفسه ومن حلم امراة بيلاطس ومن غسل يدين بيلاطس ومن سكوت يسوع ومن صلاته لاجلهم وهي قوله يا ابتاه اغفر لهم. ومن العجائب التي جرت في وقت صلبه.
عدد 25: فاجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا.
اي لينتقم الله منا ان كنا اسلمناه ظلماً. اما مخلصنا فلم يترك جزمهم على انفسهم لكنه قبل التائبين منهم كبولس وبعض الفريسيين وربوات منهم الذين آمنوا في اليهودية (اع 21: 20).
عدد 26: حينئذٍ أطلق لهم باراباس. وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب.
هنا ايضاً وجد بيلاطس مذنباً لانه لو فرضنا انه ما قدر ان يخلصه فلماذا جلده ؟ فقد جلده مجاملة لليهود لا سيما ان نظام الحكومة لا يسمح ان يصلب شخص ما لم يجلدوه. وكيفية جلده فهي انه امرهم فربطوه على العامود وضربوه بالسياط ثم اسلمه ليصلب.
عدد 27: فأخذ عسكر الوالي يسوع الى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة.
الجند هم الشرط الذين يخدمون الوالي. ودار الولاية هو الموضع الذي يجلس فيه الديان ويقضي امور العامة. وكان في هذا الدار صورة القيصر.
عدد 28: فعرّوه وألبسوه رداءً قرمزياً.
نزعوا ثيابه تفسيراً لقول الوحي (مثل النعجة قدام الجزار ش 53: 7) لان الجزارين يعرون النعجة من صوفها في جزهم اياه. وبتعريته من ثيابه فضح الرؤساء والسلاطين. وكما ان آدم الاول تعرى بين اشجار الفردوس هكذا آدم الثاني تعرى في بيت في الحكم. ثم انه لما كان يجلس ملك الرومانيين على منصة القضاء كانت تعمل له خمسة امور. وهي ان يلبس الارجوان ويضع تاج الجوهر على رأسه ويمسك قضيب الذهب في يده ويجثون ساجدين امامه ويسلمون عليه قائلين السلام يا ملكنا. ولانهم عدوا سبب موت المسيح العصيان على القيصر لذلك هزأوا به كملك فألبسوه ثوب الارجوان وضفروا اكليلاً من الشوك ووضعوه على رأسه وجعلوا في يمينه قصبة ثم جثوا على ركبهم قدامه وسخروا به قائلين سلام يا ملك اليهود اي انك قد صرت ملكاً كما اشتهيت وكما سمّاك بيلاطس. ان الرداء القرمزي كان قد قدمه احد الملوك هدية للهيكل وكان مسبوغاً بدم الحلزون. فكل ثوب يصبغ بهذا الدم يظهر لونين في موضعين في الظل لون احمر وفي الشمس لون ارجوان لا كما يقول البعض انه منسوخ بيرفير وتصاويره بارجوان اما يوحنا فيسميه ارجواناً. وقيل ان هذا الرداء كان في بيت المقدس وان الملوك المصريين واليونانيين اهدوه للملوك المكابيين فهذا أخذه الكهنة من الهيكل وقدموه الى بيلاطس قائلين هذا هو الارجوان الذي كان المسيح قد اعده لنفسه. وقال آخرون ان هذا الارجوان كان اعطاه أحد ملوك اليونانيين ليونثان المقابي. وقال غيرهم انه جاء به الكهنة من الهيكل مستعجلين لئلا يتأخر بيلاطس في قتله حتى على فرض اذا تعوق في قتله انه مستحيل خلاصه لانه لبس ثوب الكهنة وهو ليس بكاهن بل حسب الناموس يجب قتله. وقال البعض ان هذا كان تدبيراً ربانياً فان مذبح ابيه لما رآه عرياناً ارسل له ثياباً ليلبس. ويقول آخرون انه كان يوجد ثوبان فالبسوه البرفير اولاً ثم الارجوان وكل واحد من الانجيليين ذكر واحداً. وقال يعقوب السروجي ان الارجوان كان لاحد الملوك قد ارسله هدية للهيكل.
عدد 29: وضفروا اكليلاً من شوك وضعوه على راسه وقصبة في يمينه. وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود.
ضفروا الاكليل من شوك الزعرور كدائرة وكللوه بدلاً من تاج كالملك الشجاع الغالب على أعدائه. ويرمز باكليا الشوك الى استيصال اللعنة من الارض لقوله لآدم ملعونة الارض بسببك. ثم نقول كما ان آدم الاول غرس اللعنة والاشواك هكذا آدم الثاني استأصل اللعنة والشوك بواسطة اكليل الشوك ورفع خطيئة آدم من دائرة العالم كما ان اكليله الشوكي كان مدوراً. والشوك يؤلم الجسم وهو مثال الخطيئة التي تلدغ النفس. وقد جعلوا بيمينه قصبة عوض قضيب الذهب الذي يحمله الملوك بايديهم. وهو وان لم يدركوا حقائق الامور المزمعة فمثلوها على غير قصد منهم. فالقصبة التي في يمينه ترسم لنا عظمة سلطانه الذي لا يزول. وتشير الى محو الذنب الذي كتب علينا بواسطة آدم وتعلن عن قتل وابادة قوة الحية التي وسوست واطغت حوا ثم ان الركوع والسجود امامه يشيرون عن رجوع الشعوب والامم اليه والى انعتاقهم من سجدة الاصنام والى جعلهم ساجدين حقيقيين له.
عدد 30: وبصقوا عليه وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه.
بصقوا عليه ليتم قول اشعيا النبي (لم استر عن العار والبصق اش 50: 6) وليمنح لنا نحن العبيد العصاة امام الآب السماوي دالة البنين. وقبل الضرب بالقصبة على رأسه ليزيل خجلنا ويرفع رأسنا المنحني لاسفل بسبب افعالنا الرديئة. وفي كل هذا الاستهزاء لم يكن للكهنة والمشايخ وشعب اليهود يد فيه لكنهم من بعيد صادقوا عليه وسروا به لانهم لو خالطوا الجند الروماني وهزأوا بالمسيح عملياً نظيرهم لم يكن يجوز لهم أكل الفصح لذلك حافظوا انفسهم طقسياً من مخالطة الشعوب لئلا يتنجسوا. وكان واجب عليهم ان يأكلوه مساء الليلة الماضية ولكنهم سوفوا وقت اكله حتى يقتلوا المسيح ثم يأكلون الفصح بلا خوف.
عدد 31: وبعد ما استهزأوا به نزعوا عنه الرداء والبسوه ثيابه ومضوا به للصلب.
عدد 32: وفيما هم خارجون وجدوا انساناً قيروانياً اسمه سمعان فسخّروه ليحمل صليبه.
حمل سيدنا صليبه اولاً وخرج من دار الولاية وبعد ذلك حملوه لسمعان ابي الكسندروس وروفوس. اما خشبة الصليب فأخذوها من اسطوان سليمان وهي من خشب التابوت وكانت من خشب الارز. آخرون قالوا انها من خشب التين. اما الذهبي الفم فيقول ان تلك الخشبة كانت معتبرة عندهم جداً ولم يكونوا يجسرون ان يقتربوا اليها. وقال آخرون انها من شجرة التي ولدت الخروف الذي ذبح عوض اسحق وان ابرهيم كان قد قطعها واتى بها للشهادة وان اليهود أخذوها من اسطوان سليمان وصلبوا المسيح عليها. ثم ان اليهود لاموا المسيح لانه أذن للمخلع ان يحمل سريره في يوم السبت وهو في يوم مضاعف سخروا سمعان ليحمل صليب المسيح مع ان الذي جمع حطباً يوم السبت رجموه وحملوا الخشبة لرجل يهودي في يوم العيد وعملوا الشر الاعظم بصلبهم المسيح واللصين في يوم العيد. قال آخرون ان سمعان كان يهودياً وان الشعوب سخروه ان يحمل صليب المسيح نكاية باليهود. ويتضح حقيقة ذلك من ان اللصين لم يذكر عنهما انهما حملا صليبيها وكما ان سمعان الذي حمل الصليب لم يصلب كذلك سيدنا فانه لم يصلب عوض نفسه لكن عوض آخرين. ثم نقول ان الشيطان لما رأى كثرة الحسنات الصادرة من الصليب حرك اليهود ان يحملوا الصليب لآخر لكي تتم هذه الخيرات الناتجة من موت المسيح على يد غيره. ولكي ينظر الناس كلهم الى حامل الصليب لا الى يسوع. ولكن لم تكمل ارادة الشيطان لانه ولو آخر حمل الصليب لكن المحمول كان صليب المسيح والخيرات تمت به. ان سمعان عمل مثل الصالحين الاولين والانبياء فان هؤلاء تنبأوا ولم يتألموا. وهو أيضاً حمل الصليب وغيره صلب ثم ان المسيح حمل صليبه ليعلمنا ان كل من يريد ان يكون له تلميذاً يجب عليه ان يحمل صليبه. ثم لكي يتمم النبوة القائلة (وتكون الرياسة على كتفه اش 9: 6) اي صليبه. وكما ان اسحق حمل على كتفه خشب ذبيحته هكذا المسيح حمل صليبه على كتفه. ثم نقول ان انواع الموت كثيرة ولكن المسيح احتمل موت الصليب الذي هو شر الميتات اذىً حتى اذا ارتفع على الصليب يجذب الكل اليه ولكي يقدس الفضاء برشاش دمه ويفضح الرؤساء بتعريه ولان عساكر ابليس اللعين يجولون في الفضاء غالباً. ثم نقول انه بواسطة الخشبة دخل الموت وبالخشبة صار الخلاص عندما علق عليها. ولكي يعتقنا من اللعنة المقولة (ملعونة تكون الارض بسببك تك 3: 17) احتمل المسيح موتاً ملعوناً بل صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة غل 3: 13 وليباركنا بكل بركات الروح.
عدد 33: ولما بلغوا الى موضع يقال له جلجثة الذي وهو المسمى موضع الجمجمة
السريانيون يسمون عظم الرأس جمجمة والعبرانيون يسمونه جلجلة. قال المفسرون ان نوح لما دخل السفينة ادخل معه عظام آدم ولما خرج منها وزع العظام على بنيه الثلاثة فاعطى ساماً الرأس لانه بكره واعطلى حاماً ويافث باقي العظام. كذلك قسم الارض عليهم فكانت حصة يافث الناحية الجنوبية وحصة سام الناحية الوسطى ما بين الشمال للجنوب واورشليم هي الجزء السطي في حصة سام. وقالوا ان جمجمة آدم دفنت في الموضع الذي كان المسيح مزمع ان يصلب فيه قبل ان تبنى اورشليم. ولما صلبوا المسيح جعلوا الصليب في فم آدم على الجمجمة، اي في ذلك الموضع الذي نبع منه الموت والسقوط فمنه تبتدي الحياة والقيامة. ثم نقول انه صلب في هذا الموضع لان فيه خدمت الاسرار التي كانت تشير الى الصلبوت وان هذا المكان كان محفوظ من الاجيال والسنين ليصلب المسيح فيه. في هذا الموضع كهن مكليصادق واصعد الذبائح والقرابين وفيه بنى داود مذبحاً للرب واصعد الذبائح ومنع الموت. هذا هو بيدر اران البيوسي.
عدد 34: اعطوه خلاً ممزوجة بمرارة ليشرب. ولما ذاق لم يرد ان يشرب.
وقال مرقس انهم أعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب فلم يأخذ. كانوا قد رتبوا ان يسقوا خمراً ممزوجة بمرارة للمصلوبين لتحذر اعصابهم فلم يشعروا بالالم. فالمسيح لم يشرب لان وقته لم يكن قد قرب بل ولان الانبياء لم يتنبأوا عنه انه يشرب خمراً ممزوجة بمرارة. وقد ناولوه خلاً اكثر من مرة استهزاءً به قبل ان يصلب وبعد ما صلب.
عدد 35: ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا اقترعوا.
فقد اتموا نبوة داود هذه عن غير معرفة مستهزئين.
عدد 36: ثم جلسوا يحرسونه هناك.
أمر بيلاطس بحراسة المسيح خيفة ان يأتي اصحابه وينزلوه عن الصليب ليخبروه متى مات.
عدد 37: وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة هذا هو يسوع ملك اليهود.
لوقا ويوحنا يقولان ان عنوانه كتب بثلاث لغات باليونانية والعبرانية والرومانية. ويقول الذهبي الفم ان بيلاطس كتب ذلك انتقاماً من اليهود كأنه يقول انهم اسلموه كفاعل شر ومهيج فتنة. ولا شك ان كتابة العنوان كانت بتدبير الهي لان الصلبان الثلاثة كانت عتيدة ان تلقى في مزبلة لاعتبارها نجسة ولكنها ستظهر بعد زمان وسيعرف صليب المسيح من عنوانه. وقال بعضهم ان بيلاطس خاف ان يفحص استنطاق المسيح ويوجد غير مذنب فيقع تحت مسؤلية عظيمة لذلك كتب علة صلبه فوق رأسه على الصليب بثلاث لغات. حتى يكون الذين يشهدون بان اليهود صلبوا ملكهم ثلاثة. ولنا ان نقول ايضاً ان الثلاثة شهدوا ان واحداً من الثالوث صلب. فلم ترق هذه الكتابة أعين اليهود لئلا يعدوا عصاة متمردين يصلبهم ملكهم. فقالوا لبيلاطس اكتب انه هو قال اني أنا ملكهم ولكنا لم نقبله ولا عرفناه. فلم يسمع بيلاطس لهم ولا غير الكتابة اذ جرت العادة ان لا يغير القضاء احكامهم وما سجلوه بالاحرى اذا كانوا قاصدين الاستخفاف باليهود.
عدد 38: حينئذٍ صلب معه لصان واحداً عن اليمين وواحد عن اليسار.
كان اسم الذي صلب عن يمينه طيطس والذي صلب عن يساره دومكس وقصدوا بصلب لصين قاتلين معه اهانته لان الذي يصلب مع لصوص اشرار يكون نظيرهم لا أقل لان مساواة الثلاثة في القصاص دليل على مساواتهم في الجرم. وقد تمموا النبوة القائلة (واحصي مع اثمة اش 53: 12) وهم لا يعلمون.
عدد 39: وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم.
عدد 40: قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام خلص نفسك. ان كنت ابن الله فانزل عن الصليب.
قالوا هذا الكلام استهزاءً به. والمسيح لا لعدم قدرته لم ينزل عن الصليب بل لكي تكمل الكتب لان الواثق بنفسه انه اذا مات يقوم بعد ثلاثة ايام وبموته يبطل الموت (عب 22: 14) لا يجب ان ينزل عن الصليب.
عدد 41: وكذلك رؤساء الكهنة ايضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا.
عدد 42: خلص آخرين واما نفسه فما يقدر ان يخلصها. ان كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به.
الكتبة هم الذين ينسجون الكتب المقدسة ويعلمونها. والشيوخ هم وجوه اليهود ولهم كلمة نافذة ليحثوا على فعل الشر وتكميله. وبشهادتهم عنه انه خلص آخرين استذنبوا انفسهم لان الذي أحيا آخرين كان يستطيع ان لا يموت وان مات يقدر ان يقوم. وبقولهم (ان كان هو ملك اسرائيل) أرادوا ان يبطلوا ملكه ومما لا ريب فيه هو انه ولو نزل عن الصليب ايضاً لم يكونوا يؤمنون به فانه اجترح العجائب والمعجزات قبل الصلب وبعده ولم يؤمنوا. ومن الاسباب التي جعلته ان لا ينزل عن الصليب ان مكافحته لم تكن معهم بل مع الموت ليبطله.
عدد 43: قد اتكل على الله فلينقذه الآن ان أراده. لانه قال انا ابن الله.
وعليه يكون الانبياء والصديقون الذين قتلهم الاشرار ليسوا أنبياء ولا صديقين لان الله لم يخلصهم من مضطهديهم ومن المؤكد انهم انبياء وصديقون حقاً كذلك سيدنا فانه ابن الله ولو كره الاعداء.
عدد 44: وبذلك أيضاً كان اللصان اللذان صلبا معه يعيرانه.
قال قوم ان واحداً من اللصين فقط كان يعيره والانجيلي ذكر تعبير الواحد واطلقه على الاثنين حسب عادة الكتاب اذ يقول (وعلى لباسي اقترعوا) مع انهم لم يقترعوا على كل ثيابه بل على قميصه فقط. ان متى ومرقس يقولان ان اللصين كليهما كانا يعيرانه ولوقا يقول ان واحداً منهما كان يجدف عليه. والبشيرون الثلاثة صادقون لانه لما صلب سيدنا كان الاثنان يعيرانه فبعد ان نظر احدهما اي لص اليمين العجائب والآيات التي حدثت وقت الصلب وعلم ان العجائب ليست لاجله ولا لاجل رفيقه وسمع اليهود الذين هم اعدداء للمسيح يتحدثون بمعجزاته ويسمونه ابن الله وملك اليهود ونظر ما كتبه بيلاطس بثلاث لغات اعترف بعظمته وسكت عن التجديف بل جعل يوبخ رفيقه ويلومه. ان الذي كان على اليمين فيمدح لخمسة أمور وهي انه. انتهر رفيقه واعترف بشروره وافعاله الرديئة التي صلب لاجلها وبرر المسيح واقرانه ملك. وطلب منه قائلاً اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. ولسائل من أين عرف اللص ان المسيح ملك ؟ الجواب اما ان الله الهمه او انه اقتنع بشهادة بيلاطس حيث قال أأصلب ملككم. والذي يؤيد مدح ايمان اللص هو انه رآه معلقاً على الصليب في ذل وعار وآمن به قبل ان يتجلى له مجده وتظهر له ربوبيته. وهكذا المسيحيون بالحق ايمانهم عظيم وسيكافأون من المسيح مكافاة لا توصف لانهم آمنوا بانسان مصلوب وأيقنوا انه اله الكل. ونتعلم من مسألة اللص القاتل المرتكب الشرور الذي حصل على الملكوت بكلمة واحدة ان الله غافر خطايا الخطاة ورب وسيد الملكوت. اذاً لم يصلب المسيح بما انه اله بل بما انه انسان كقوله الكلمة صار جسداً وحل فينا. وارسل الله ابنه مولوداً من امرأة
وكانت الساعة الثالثة وصلبوه (مر 15: 25)
يجب ان نعلم في اي ساعة صلب سيدنا. قال قوم انه صلب في الساعة السادسة وان مرقس لم يكن حاضراً وقت الصلب الا انه كتب ما سمعه من معلمه بطرس. وقال غيرهم ونحن نوافقهم انه صلب في الساعة الثالثة كقول مرقس وذلك معلوم من قول متى ولوقا ان من الساعة السادسة الى التاسعة كانت ظلمة على الارض كلها. لان اقتسام ثيابه وكتابة علة موته وتقديم الجند الخل له وتجديفهم عليه كل ذلك وقع بين الساعة الثالثة والسادسة لان الظلمة غشيت الارض كلها من الساعة السادسة الى التاسعة ولم يكن ممكنا ان يقع شيء مما سبق بيانه في تلك الظلمة المدلهمة. اما قول يوحنا في (ص 19: 14) ان بيلاطس قال لليهود في نحو الساعة السادسة هوذا ملككم فليس الغرض منه تعيين وقت الصلب بالتدقيق وذلك واضح من قوله لفظة (نحو) لانه بعد ما ذكر هذه الحادثة كرفقائه البشيرين. قال في سياق الكلام ونحو الساعة السادسة قال بيلاطس لليهود هوذا ملككم. ثم ان المسيح صلب بدلاً من آدم وسمي آدم الثاني (1 كو 15: 24) وأصلح أمور آدم الاول. وغني عن البيان ان آدم خلق في الصباح وبالهام الهي جعل يدعو للحيوانات والبهائم والطيور وهي تجتاز امامه باسماء من الصباح الى الساعة الثالثة ثم ألقى الله عليه سباتاً فنام وأخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحماً (تك 2: 19 – 23). وفي الساعة الثالثة وجد آدم وحوا في الفردوس وأخذا الوصية وفي مثل ذلك الوقت عينه صلب سيدنا المسيح وفي الساعة السادسة تجاوزا الوصية فشعروا بعريهما وحزنا وفي الساعة السادسة عري سيدنا وانتشرت الظلمة وحزنت المخلوقات جمبعها. وقال آخرون ان قول مرقس ولما كانت الساعة الثالثة صلبوه يراد به انه قضي عليه بالصلب في تلك الساعة وانه دخل الرواق وسئل الى الساعة السادسة وحينئذٍ صلبوه. وقال غيرهم ان قول يوحنا ونحو الساعة السادسة غلط من الناسخ الاول لانجيل يوحنا اذ انه ابدل الحرف الدال على ثلثه بالحرف الدال على ستة لتقارب صورة الحرفين في اليونانية. ثم ان سيدنا صلب في اليوم السادس لان فيه خلق آدم وفيه تجاوز الوصية وقضي عليه وفيه اخرج من الفردوس واليوم السادس اشارة عن الالف السادس الذي فيه جاء الفادي ليخلصنا. وفي الساعة التي اخذ الكاروبيم فيها الحربة لحراسة طريق شجرة الحياة فيها ضرب المسيح بالحربة وأزال رمح الكاروبيم. وفي الساعة التي خرج آدم من الفردوس فيها ادخل سيدنا نفس اللص الى الفردوس. وآدم الجديد أصلح امور آدم العتيق.
عدد 45: ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الارض الى الساعة التاسعة.
ذلك حتى يفهم اليهود انه هو الذي عمل الظلمة في مصر. فان هنالك صارت الظلمة عندما كان الفصح الموسوي مزمعاً ان يذبح اما هنا فقد حدثت الظلمة عندما ذبح المسيح على خشبة الصليب. وليصير معلوماً ان المصلوب خالق المخلوقات وان الشمس أخفت نورها وحزنت على صلب باريها ولتكمل نبوة عاموس (ستغيب الشمس في الظهرية 8: 9). كانت هذه الظلمة معجزة لانه لا يمكن ان تكسف الشمس الا والقمر هلال وكان يومئذٍ عيد الفصح وهو يقع والقمر بدر وأعلنت هذه الظلمة عظمة المصلوب وانه رب الانوار. وقد لبست المخلوقات كلها الحزن على خالقها فالشمس لبست لون القطران والقمر لبس لون الدم ولم يكن وقت ظهوره لكن في ذلك الحين تراءى في المشرق وركض بحدة الى المغرب تابعاً للشمس. وجلس اثنانهما حزينين كالعبيد الصالحين المتالمين بألم سيدهم. وقد كتب جميع حكماء اليونانيين والمصريين والكلدانيين الذين في بابل ان واحداً من الثالوث تألم اليوم. وهذا معنى قوله (قامت ملوك الارض) اي من كراسيها واندهشوا بالآية التي صارت. وهذه الظلمة تشبه للظلمة التي كانت في ابتداء الخليقة. ثم لا يخفى على القارئ العزيز ان الظلمة التي حدثت وقت صلب المسيح ليست بكسوف لان الكسوف لا يدوم ثلث ساعات ولا يكون على ثلاث ساعات. وملكت على كل الارض ويحدث حينما يكون القمر هلالاً. اما هذه الظلمة فدامت ثلاث ساعات. وملكت على كل الارض. وحدثت حينما كان القمر بدراً وقد تكلمنا مطولاً عن هذه وعن الامانة والطبيعيات المعقولة والمحسوسة في كتابنا المسمى كتاب المختصرات.
عدد 46: ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاًً ايلي ايلي لما شبقتني اي الهي الهي لماذا تركتني.
يقول الاريانيون ان الابن الكلمة صرخ باقنومه الى الله الاب. اما النساطرة والخلقيدونيون فيقولون ان الانسان الذي صلب صرخ بهذا الكلام الى الله الساكن فيه او الى الطبيعة الالهية التي انتقلت عنه في وقت الالام اما نحن فنقول ان يسوع ابن الله الذي كتب عنه مرقس (بدء انجيل يسوع المسيح ابن الله) هو الذي صرخ هذه الكلمة. وهو الذي صرخ الشياطين اليه (ما لنا ولك يا يسوع ابن الله. فكما انه لم يولد ويعتمد ويجوع ويعطش لاجل نفسه لكن لاجلنا هكذا صراخه الى الآب (ايلي ايلي) كان لاجلنا ونيابة عنا. لانه أخذ اقنوم ىدم وجاء ليفي ذنبه. فمن أجله ونيابة عنه وعن ذريته صرخ وتكلم. وذلك واضح من الاية التي تلي قوله ايلي وهي ابعدت عني خلاصي بكلمات جهالتي. ومن المؤكد ان المسيح لم يكن فيه جهل لانه قد قال (اني غلبت العالم) ومن منكم يوبخني على خطيئة. وقال اشعيا النبي عنه انه لم يعمل اثماً ولا غشاً. فاذاً لاجلنا ونيابة عنا صرخ. لانه رآنا أذلاء وقد انحط جنسنا الى الحضيض والهوان. ثم نقول انه سأل الآب قائلاً لماذا تركتني ليسمع ما قيل في المزمور كمن اقنوم الآب له (قد تركتك لتتالم وتصلب ليتذكر ويرجع الى الرب جميع اقطار الارض. وقد قال النبي اننا بجروحاته شفينا. وقد تشبه لنا في كل شيء ما عدا الخطيئة فانه جاع وعطش وتعب ونام وسأل عن كمية الخبزات وعن لعازر أين وضعتموه كمن يجهل الاشياء مع كونه عارف بكل شيء قبل كونه. ثم نقول انه صرخ الى الآب لبيان ان الابن وحده قد تألم وليس الآب والروح القدس ولا الثالوث اجمع. وقد تألم الابن واحتمل الصليب باقنومه بما انه قد صار انساناً لا بما انه إله. ويقول بعض المضادين كيف ترك الابن من الآب وهو الذي قال انا في الآب والآب فيّ، الجواب انه في الآب لاجل المساوات في الطبع وفينا لاجل تجسمه منا. كقوله انا فيهم وانت في ليكونوا مكملين الى واحد. فالآب لم يتركه فيما يخص الطبيعة لانه غير متألم وغير مائت بطبيعته مثل الآب. اما بما يخص الاقنوم فقد تركه ان يتألم ويموت لكي يكون معنا بهذه. وأيضاً صراخه الهي كان ليظهر شر صالبيه ويتشجع الشيطان والموت على قتله. وقد قال ايلي ايلي على سبيل التعجب والاندهاش لا للفحص والتفسير. ويقول النساطرة ان المصلوب انسان وانه قال الهي الى الله الساكن فيه. فنسألهم قائلين ابإرادته صلب ام مرغماً فاذا كان بارادته لماذا يلام الله الكلمة الذي انتقل منه وتركه حسب هذيذكم. واذا كان مرغماً من الكلمة فحقاً كان يجب ان يندب حظه ويقول للذي تركه لماذا جذبتني الى الآلام والآن تتركني ففي عمل الآيات قد كنت قريباً لي واما في الآلام تتركني صرت خادماً لك بما يتعلق بك ولم تصر لي شريكاً بما يخصني. وبيان ان الله ضعيف وظالم. ضعيف لانه ما احتمل رؤية الصليب بل تركه وهرب. وظالم لانه كان خادماً اياه في العجائب وما أعانه في وقت احتمال المصائب. ويظهر الانسان أشد قوة من الكلمة لانه صبر على الآلام وهو تركه وانتقل. وبيان ايضاً ان الانسان مظلوم لانه كمل التدابير اما عند الآلام والموت لم يعنه احد لكنه ترك. ثم اذا كان المصلوب انسان فقط حسب زعمكم فلم يكن واجباً ان يقر ويعترف بلاهوته لانه أصبح متروكاً منه. فان قالوا قد تركه كونه غير متالم بطبعه. فنجيبهم انه يعرف غير متالم حين صبره على الآلام كحجر الماس التي كلما ضغطت ازداد لمعانها ولا تشعر بالم ولا تكسر والقرميد يعرف غير متألم من الماء حين ما يغطس بالماء. ولم ينحل. والسلمندر يدخل النار ويلعب فيها ويطفيها ولا تؤذيه. ثم نقول اذا كان الملاك لا يخاف من الموت لانه روح. فاحرى كثيراً رب الملائكة. ويعرف ان المتالم هو الله الكلمة من انه اظلم الشمس وشقق الضخور واقام الموتى.
يقول الاريانيون ان الابن هو المتروك من ابيه. فنقول كيف يتركه وهو الذي قال (انا في ابي وابي فيّ) والى اين مضى ذاك الموجود في كل مكان والغير المحدود حينما تركه وكيف يترك الآب قدرته وحكمته بارادته فقد قال بولس الرسول ان المسيح هو قوة وحكمة الله الآب (اكو: 30). كما ان قوله انا عطشان كان اولاً لتكميل النبوة كما قال الانجيليون وثم ليسقينا نحن العطشى مشرباً روحياً وكما انه لما طلب ماء الحياة وذلك معلوم من انها لما ادركت معنى كلامه بدأت تطلب منه ماء الحياة. والكتاب لا يذكر انه شرب من الماء الذي طلب منها كذلك صراخه هنا على الصليب قائلاً انا عطشان كان اولاً لاجل الطبع البشري العطشان لمعرفة روح القدس وثانياً لانه اراد ان يعطينا ماء الحياة. وكما ان سؤاله عند شفاء النازفة الدم كان لتشهر امانتها هكذا سأل قائلاً لماذا تركتني لا لعددم معرفته السبب لكن لكي اذا سمع السامعون فيبحثون عن المسألة ويزدادون علماً ومعرفة انه ليس هو المتروك لكي الطبع البشري اي آدم وذريته. ثم نقول انه دعا الآب اله لانه صار انساناً وكما انه لا يلام اذا تعاطى الالهيات لانه اله كذلك لا يعد حقيراً اذا تكلم بالانسانيات لانه قد صار انساناً.
عدد 47: فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا انه ينادي ايليا.
يشبه اسم ايل لاسم ايليا لان ايل بالعبرانية معناه الله واسم ايليا معناه الهي.
عدد 48: وللوقت ركض واحد منهم واخذ اسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه.
ان الذي أعطاه الخل والمرارة كان يهودياً وذلك واضح من قوله (ها انه ينادي ايليا) وقد اعطوه اكثر من مرة خلاً بطريق الاستهزاء فشرب. اما هنا فلم يشرب. وكانوا قد بلوا الاسفنجة بالخل وقدموها الى فمه ليشرب.
عدد 49: وأما الباقون فقالوا اترك لنرى هل يأتي ايليا يخلصه.
عدد 50: فصرخ يسوع ايضاً بصوت عظيم واسلم الروح.
اظهر هنا ايضاً انه بسلطانه وباختياره اسلم روحه لا اضطراراً وانها لم تؤخذ قسراً منه كانفسنا التي تؤخذ مّنا قسراً. وقد قيل عنا نحن الخليقة تنزع ارواحها فتموت (مز 104: 29). فاذاً هو الخالق وبارادته وبسلطانه اسلمها. ويسأل قوم اي افترقت نفسه من جسده. اما موته فهو افتراق لاهوته من ناسوته فهذا الموت لم يمته ولن ولن يمته ولا يمته. ان نفسه فارقت جسده واما لاهوته فلم يفارق لا جسده ولا نفسه لان لاهوته قد اتحد اتحاداً بغير انفصال مع نفسه وجسده وكان لاهوته متحداً مع الجسد في القبر ومع نفسه مضى الى الهاوية وانذر الانفس المحبوسات هنالك وللواتي لم يكن يخضعن لكرازة نوح (ابط 3: 20). وان اللاهوت غير محدود وعليه فكان مع جسده ونفسه وفي كل المخلوقات وخارجاً عنها. وبما انه غير محدود فلا ينحصر في موضع او في مكان لا بالقول ولا بالفكر. ولانه صار انساناً لذلك كان مع الجسد في القبر ومع النفس في الهاوية. ثم ان سيدنا صرخ مرتين وهو على الصليب بصوت عال. الاولى (الهي الهي لماذا تركتني) والثانية يا ابت في يديك استودع روحي (لو 23: 46). ففي المرة الاولى صرخ نيابة عن آدم الهي الهي. وفي المرة الثانية صرخ من اقنومه الى الآب. فدعاه اباه ليبين انه مساوٍ للاب في الجوهر وان الله بعينه قد صار انساناً. وبقوله (استودع روحي) بيّن انه بارادته اسلمها لا ان يأخذها منه غضباً. وقد تعلم استفانس من قول المسيح اقبل روحي (اع 7: 59) ومن آدم الى ان قال المسيح في يديك استودع روحي كانت ارواح الصديقين والاثمة ترسل الى الهاوية ومن بعد قوله هذا حتى المنتهى فانفس الصديقين تكون في يدي الله كقول سليمان اي قريباً منه ومكانهم الفردوس.
عدد 51: واذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين من فوق الى أسفل. والارض تزلزلت والصخور تشققت.
انشق حجاب الهيكل لان الروح القدس الذي كان يحل على اسرار الناموس خرج منه. وقال قوم ان سداه انشقت الى طرف آخر وذلك عجب. وقد انشق الحجاب لانه لم يحتمل آلام خالقه وعلامة لانتقال الروح القدس منه وابطال الذبائح الناموسية وتهيئاً للخراب. وقد زالت الظلمة بعد الساعة التاسعة بياناً ان الاحزان التي دخلت من بدء الزمن بواسطة الخطيئة قد زالت. وتزلزل الارض كان كاهتزاز المهد او كاهتزاز الاناء في الماء وكان ذلك تهديداً للمنافقين وان المصلوب هو الذي أسسها لئلا تتزعزع. ثم ان الزلزلة لا تكون في كل الارض في طرفة عين. أما هذه الزلزلة فكانت في كل مكان وتزلزل كل جسم الارض. والظلمة كذلك كانت على كل الارض لا على جزء منها كالمعتاد الجاري. وقد تشققت الصخور ليعلم ان المصلوب هو الخالق وان الجماد يتألم معه وتوبيخاً للقلوب القاسية التي لم تتأثر من هذا العمل المقوت. ولان الالسنة الناطقة التي كان يجب ان تميز من هو المصلوب لتسبحه أعدمت النطق وابكمت فالحجارة صرخت بالمجد والتسبيح. وهذا معنى قوله (ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ (لو 19: 40) وقد يؤدب الله احياناً الناطقين بواسطة غير الناطقين كما حدث لبلعام فانه تأدب بواسطة الاتانة. وليوربعام فانه تأدب بانشقاق المذبح وتذرية الرماد (امل 13: 3 و 5). ولفرعون والمصريين بواسطة العناصر. وهكذا هنا فانه زلزل الارض وشقق الصخور وتوبيخاً لليهود. لانه اراد ان يرجعوا عن نفاقهم فلم يرجعوا.
عدد 52: والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين.
جرى ذلك في الساعة التاسعة من يوم الجمعة. ولم يكونوا من الموتى القدم لكنهم كانوا قد ماتوا قبلما يتألم سيدنا بثلاث سنين او اقل. وسماهم قديسين لانهم كانوا قد آمنوا بسيدنا قبل موتهم وكانوا من اهل اورشليم ومدفونين في القبور التي حولها ثم قاموا ودخلوا مدينة اورشليم وعرف هذا اباه وهذا اخاه وهذا امه. ووبخوهم قائلين ما هذا الفعل الشنيع الذي عملتم بصلبكم الحي وواهب الحياة. ومكثوا ثلاثة ايام لم ياكلوا فيها ولا شربوا بل حفظهم الله كموسى وايليا في صيامهم وبالحقيقة قد اتحدت انفس هؤلاء القديسين باجسادهم وبشروا في اورشليم ثلاثة ايام ورجعوا واضطجعوا في قبورهم ولم يذهبوا الى الفردوس ولا تبددوا في الاقطار الخارجية ولا تراءوا لكل الناس بل للبعض وذلك واضح من قول متى ” انهم تراءوا لكثيرين ” وهكذا سيدنا فانه لم يكن يتراءى بعدد قيامته لكل الناس وفي كل حين كالاول لكنه تراءى بعض الاوقات لتلاميذه وللمستحقين قال البعض ان هؤلاء القديسين كانوا انبياء عارفين الكتب المقدسة وقد آمنوا به قبل انتقالهم كما قال القديس اغناطيوس وانهم كانوا يكرزون بقيامة المسيح وبقيامتهم. وبعث الموتى دليل قوي على انه هو الذي بعثهم من قبورهم. وقال يوحنا اسقف دارا ان الموتى الذين بعثوا لم يدخلوا المدينة ليكرزوا حتى قام المسيح. وقال آخرون انهم مكثوا واقفين في قبورهم يمجدون الله. وقال غيرهم انهم اجتمعوا الى جبل الزيتون. وذهب آخرون الى انهم مضوا حالاً الى الفردوس
عدد 53: وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين.
يقول البعض انه يراد بالمدينة المقدسة اورشليم السماوية لا اورشليم الارضية ولما صرخ المسيح على الصليب قام هؤلاء القديسون وبقوا احياء في قبورهم كما كان يونان في بطن الحوت وبعد القيامة صعدوا معه خفية الى المدينة المقدسة حينما صعد الى ابيه خفية عن اعين كل الناس. وقال آخرون ان اورشليم الارضية كان رأسها الاعلى مقدساً وكان ساكنوه قديسين كثيرين اما الرأس السفلي فكان نجساً بسبب الغش والنفاق الذي كان فيه. وعليه فيريد بالرأس الاعلى المدينة المقدسة التي دخلوها ووعظوا سكانها المؤمنين الذين كانوا حزانى على موته. وذهب غيرهم الى انه يراد بالمدينة المقدسة اورشليم الارضية التي دخلها القديسون وبشروا فيها. اما عددهم فيربوا على الخمسمئة نفساً وظهورهم لكثيرين كان لكي يمرمروا حياة الذين ما عرفوا ربهم وصلبوه. وقال آخرون انهم تراءوا في أماكن كثيرة اولها كان في الجليل ودخلوا بعدد القيامة لأورشليم وتراءوا لكثيرين ليعلم الناس ان القيامة ليست خيالاً. وقد حدث اربعة عجائب حين صلبه منها في السماء فأظلمت الشمس والقمر. ومنها في الفضاء فانشق حجاب الهيكل. ومنها في الارض فتشققت الصخور. ومنها تحت الارض اذ قامت الموتى. والبعض من هذه العجائب كانت عامة كظلمة الشمس والقمر وتزلزل الارض وبعضها خاصة كتشقق الصخور والحجارة وحجاب الهيكل وقيام البعض من الموتى. نسأل النساطرة والخلقيدونيون من هو المعلق على الصليب اله ام انسان، فان قالوا انه اله أجبناهم انه يستحيل ان تسمر يداه او الحربة تخرق جنبه لان طبعه فوق هذه الحوادث وان قالوا انه انسان ساذج فنجيبهم انه يستحيل على الانسان ان يعمل هذه الباهرات فيظلم الشمس ويشقق الصخور ويقيم الموتى. اذاً فالمعلق على الخشبة اله متجسد وهو الفاعل كل هذه الامور.
عدد 54: وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جداً وقالوا حقاً كان هذا ابن الله.
عدد 55: وكان هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه.
عدد 56: وبينهن مريم المجدلية ومريم ام يعقوب ويوسي وأم زبدى.
انظر ايها القاري العزيز لجنس النساء الضعيف كيف ظهر أقوى من الرجال فانهن كن تابعات له حتى الى الآلام والمخاطرات لذلك عاين كل شيء.
عدد 57: ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف. وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع.
المساء اي ليلة السبت. سمى متى يوسف غنياً وتلميذاً ليسوع. وسماه لوقا مشيراً وصالحاً وصديقاً. وسماه يوحنا تلميذاً ليسوع. وسماه مرقس مشيراً. وكان واحد من الاثنين والسبعين ومن المشيرين للملوك والسلاطين كما كان أخيتوفل مشيراً لداود الملك اصم 15: 12. اما الرامة فهي البلدة التي قتل فيها الاطفال بامر هيرودس.
عدد 58: فهذا تقدم الى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فأمر بيلاطس حينئذٍ ان يعطى الجسد.
عدد 59: فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي.
عدد 60: ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً عظيماً على باب القبر ومضى..
قال القديس يعقوب السروجي ان القبر كان ليشوع ابن نون وحفظ الى ذلك اليوم وتوارثه خلف عن سلف من واحد الى آخر حتى اتصل بتدبير الهي الى يوسف. وقال آخرون ان يوسف كان قد نقره لنفسه. أما وضع المسيح في قبر من صخرة لا في قبر من تراب يشير الى البيعة التي لم تتزعزع من امواج الشرير. ووضع وحده فيه ليعلن انه هو وحده ذو جسد غافر الذي يوضع على المذبح ويعطي الحياة لمتناوليه..
عدد 61: وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر.
عدد 62: وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون الى بيلاطس.
عدد 63: قائلين. يا سيد قد تذكرنا ان ذلك المضل قال وهو حي اني بعد ثلاثة ايام اقوم.
في الغد أي يوم السبت. وكان القصد من اجتماعهم ان يعرضوا الى بيلاطس امراً مهماً عن المسيح. وقد سموا بيلاطس أيها السيد. وأما المسيح فكفروا به. وبقولهم (تذكرنا) شهدوا على انفسهم انهم عارفون بكل ما قيل منه. ثم تأمل الى تواضع متى الكاتب فانه كتب كلامهم المهين الذي وجهوه نحو المسيح بالافتخار وبغير حياء.
عدد64 : فمر بضبط القبر الى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الاموات. فتكون الضلالة الاخيرة أشر من الاولى.
عدد 65: فقال لهم بيلاطس عندكم حراس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون.
طلبوا حراساً لانهم خافوا ان يصدق كلامه أي بعد ثلاثة أيام يقوم. ومن ثم استخدم المسيح الحراس ان يكونوا مبشرين لليهود بقيامته. ثم ان بيلاطس لم يرسل حراساً من عنده ولم يختم القبر بختمة لئلا يعترض عليه انه ارتشى من تلاميذ المسيح فسمح لهم بسرقة جسده.
عدد 66: فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر.
زعم البعض انهم الصقوا الحراس بالحجر وختموا ارقابهم أو اذرعهم او أرجلهم وقال آخرون انهم أجلسوهم حول الحجر متقابلين ببعضهم وأيديهم ممدودات على الحجر فختموها وقال غيرهم انهم ختموا الحجر بخواتم جميعهم وفقاً لقول دانيال وختموا الجب بخاتم الملك وبخواتم عظمائه دا 6: 17. فلو لم يختموا الحجر ويقيموا حراساً عليه كان يمكنهم القول انه سرق. لكن احتياطهم هذا كان سبباً لخزيهم.
(الاصحاح الثامن والعشرون)
عدد 1: وبعد السبت عند فجر أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر.
نتكلم عن تقسم البعض على الاوقات التي كتب عنها كل من الانجيليين. لا عن الوقت الذي قام فيه ربنا من القبر. فان ذلك غير معلوم لا للملائكة ولا للبشر. ما يرويه متى ان النساء جاءت للقبر في غلس السبت يرويه يوحنا انهن جئن في الصباح ويرويه لوقا انهن اتين سحراً ويرويه مرقس انهن اتين لما أشرقت الشمس. وتفصيل ذلك ان مريم المجدلية ومريم والدة الله جاءتا لتنظرا القبر في غلس السبت وتبشرتا من الملاك ان ربنا قد قام ورأتا ربنا ومسكتا رجليه وارسلهما لتبشرا التلاميذ بانه قد قام اما الحراس فدخلوا المدينة واعلموا الكهنة بقيامة المسيح فاعطوهم رشوة ليقولوا ان تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه فاذاعوا الخبر ولما بلغ مريم المجدلية ان جسده قد سرق ارتابت ورجعت الى القبر ثانية في الصباح كما قال يوحنا ورأت الحجر مدحرجاً والملاك جالساً وهو الذي رأته قبل بقليل جالساً على الحجر فازداد ريبها وجاءت الى سمعان ويوحنا وقالت قد أخذوا سيدي من القبر ولست اعلم أين وضعوه وللحال مضى التلميذان المذكوران ونظرا القبر واللفائف فتحققا القيامة ورجعا مؤمنين. اما المجدلية فظلت واقفة عند القبر مرتبكة فحانت منها التفاتة الى القبر فنظرت الملاكين اللذين تراءيا لسمعان ويوحنا.. ثم التفتت الى ورائها فرأت سيدنا فارسلها الى تلاميذه فرجعت وبشرتهم انها قد رأت الرب ووجدت هناك النسوة اللواتي بالهام رباني كن مستعدات ليمضين للقبر حاملات طيباً. فرجعت معهن هي ووالدة الله التي يسميها لوقا أم يعقوب ويوسي وكان الوقت قبل طلوع الشمس بقليل ورأت هناك ملاكين بهيئة رجلين ولباسهما يلمع ووجوههما مضيئة. حينئذٍ انضم الى المجدلية ومريم والدة الله امرأة غريبة اسمها سالومي وهي التي كانت مع النساء الاوليات ورأين ملاكاً بهيئة شاب متردي حلة بيضاء فدهشن وكان الوقت عند طلوع الشمس كما ذكر مرقس. فهذه هي تراتيب الاوقات الاربعة التي رواها كل من الانجيليين والتي مضين النسوة فيها الى القبر اما القديس ساويرس فكتب عن الاوقات التي مضين النسوة فيها الى القبر هكذا. ان المجدلية ذهبت خمس مرات للقبر. مرة في المساء كقول متى في عشية السبت ومرة ثانية في وقت الصباح غلساً وكانت وحدها كقول يوحنا ومرة ثالثة مع سمعان ويوحنا ومرة رابعة مضت مع يوحنا وام يعقوب غلساً أي قبل طلوع الشمس. ومرة خامسة عندما أشرقت الشمس مع صالومي وام يعقوب كقول مرقس. أما مريم والدة الله فمضت ثلث مرات كما يستفاد أولاً من قوله (ومريم الأخرى) ثانياً من قول لوقا (ومريم أم يعقوب) ثالثاً من قوله مرقس (ومريم أم يعقوب ويوسي). اما يعقوب الرهاوي فيقول ان مريم الأخرى هي امرأة يوسف الاولى التي ولدت يعقوب ويوسي. وساويرس البطريرك يقول ان مريم الأخرى هي والدة الله وقد سماها الكتاب أم يعقوب ويوسي لانها كانت في الظاهر أماً ليعقوب ويوسي. أما سمعان فقد مضى الى القبر مرتين المرة الاولى مع يوحنا كما قال يوحنا. والمرة الثانية وحده كما قال لوقا انه مضى متعجباً في ذاته مما كان. وبهذه المرة رأى المسيح كقول لوقا عن التلميذين اللذين ظهر لهما المسيح في الطريق واسم احدهما كليوباس ان في رجوعهما الى اورشليم وجدا الاحد عشر مجتمعين وهم يقولون بالحقيقة ان الرب قام وظهر لسمعان (لو 24: 33 و 34) وبولس ايضاً يشهد ان المسيح ظهر له وللاثني عشر (كو 15: 5) ثم نقول ان في الوقت الذي قام فيه ربنا من القبر ففيه بعينه مزمع ان يأمر بالقيامة العامة كقول القديس ساويرس لان ساعة قيام المسيح التي فيها ارتعد الحراس تناسب ان تكون مثالاً وصورة لتلك الساعة الأخيرة المخوفة. اما عشية السبت فلا تطلق على وقت غروب الشمس فقط بل على كل أجزاء الليل حتى صباح الاحد والا لقال في العشية وسكت ولكن لانه زاد فقال غلساً فهم انه الليل الذي يعقبه صباح الاحد. وقيامة المسيح كانت قريباً من وقت صياح الديك وفي مثل هذا الوقت نحل الصيام لا في اول المساء. وقال آخرون ان قول متى من عشية السبت يعني كل الليل الذي صباحه يوم الاحد قال ذلك حسب عادة الكتاب من باب تسمية الجزء باسم الكل كقوله وكان مساء صباحاً يوماً واحداً. ثم ان الرب ترآءى يوم قيامته مرات متعددة المعروف منها ستة. اولها للمجدلية ولمريم الأخرى كما قال متى. ثانياً لنساء كثيرات كما قال مرقس (16: 1) ولوقا (24: 1) ثالثاً للمجدلية كما قال يوحنا (20 ك 16) رابعاً لبطرس كما قال بولس (كو 15 ك 5) خامساً للتلميذين الذين كانا منطلقين الى عماوس كقول لوقا (24: 31). سادساً للاحد عشر والذين معهم في علية صهيون (لو 24: 33 36). وبعد هذه ظهر مرات كثيرة مدة الاربعين يوماً ولم تخبر مريم المجدلية ومريم والدة الله سالومي ويوحنا بالقيامة لكي يمضين ويتحققن ذلك من رؤيه القبر والملائكة اما قولهن من يدحرج لنا الحجر فقد قيل من سالومي ويوحنا لان المجدلية والدة الله رأتا اولاً الحجر مدحرجة وقوله لتنظرا القبر لتبخرا القبر في اليوم الثالث كالمعتاد. قال قوم انهن كن يبخرن القبر. اما نحن فنقول انهن كن يبخرن الجسد وذلك واضح من قول مرقس (انهن اشترين طيباً ليأتين ويدهنه) ومن قولهن من يدحرج لنا القبر.
عدد 2: واذا زلزلة عظيمة حدثت. لان ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه.
هذه الزلزلة ليست كالتي حدثت عند الصلب. فان تلك كانت عمومية وأما هذه فخصوصية لان الحراس والنسوة فقط شعروا بها. فالحراس ارتعدوا وخافوا والنساء تشجعن وتجرأن. والملاك الذي دحرج الحجر كان جبرائيل لانه هو الذي خدم كل التدبير وترآءى معه ميخائيل أيضاً. وقيل عن الملاك انه (نزل من السماء) ذلك لان مسكنهم السماء. وقال القديس يعقوب السروجي انه ترآءى للحراس ناراً وضجة ملائكة مسموعة في الفضاء. ورأوا وجهاً لوجه المسيح خارج من القبر. وقد نزل مع الملاك ملائكة أخر ونور يشعشع وكانت سلم من نار منصوبة من الارض الى السماء والمسيح قايم اسفلها ولم يكن نازلاً من اعلاها بل صاعداً من اسفلها الى فوق. والملائكة صاعدون ونازلون ويمجدون. وقال متى ان في غلس السبت جاءت مريم ورات سيدنا. وان الحرس دخلوا ليلاً واخبروا رؤساء الكهنة انه قام فاعطوهم فضة ان يقولوا ان تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ولما سمع ان جسده سرق تألمت المجدلية واسرعت الى القبر كما كتب يوحنا وبعد ذلك رجعت مع النساء حاملات البخور الى القبر كما قال لوقا. ولما أشرقت الشمس رجعت مع يوحنا أيضاً كما كتب مرقس. أما الملائكة التي ترآءت عند القبر فستة. لان متى قال ان النساء رأين واحداً او لوقا قال انهن رأين ملاكين ويوحنا قال انهن رأين ملاكين ومرقس قال انهن رأين واحداً والحراس عندما راوا ان الرب قد قام حقاً وختومات الحجر باقية خافوا. وفي الوقت الذي جاءت النساء الى القبر نزل الملاك ودحرج وخوفاً منه ارتعد الحراس وصاروا كالموتى واما النساء فرأينه جالساً على الحجر يشبه البرق وقال لهن بهدوء لا تخفن اي كالحراس. وبعدما قوى قلبهن بشّرهن عن القيامة ولما مضت النساء استيقظ الحراس ودخلوا المدينة مسرعين واعلموا عظماء الكهنة بما قد صار. والملاك لم يدحرج الحجر كي يخرج المسيح لانه كان قد قام قبل ان ينزل الملاك لكن من أجل النساء اللواتي كن رأينه لما وضع في القبر ولكن يؤمنن اذا رأين القبر فارغاً والمسيح ليس فيه. ولسائل كيف يمكن ان يخرج الجسم من باب مغلوق ؟ الجواب ان الذي خرج من البطن والختومات محفوظة واظلم الشمس واحيا الموتى كل شيء مستطاع لديه لانه اذا كان الملاك قد دخل الى دانيال والبئر مختوم والرسل خرجوا من بيت السجن وهو مغلوق وسمعان مشى على الامواج فكيف لا يقدر خالق الكل ان يخرج من القبر وهو مختوم.
عدد 3: وكان منظره كالبرق ولباسه ابيض كالثلج.
عدد 4: فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات.
قد جرت عادة الملائكة ان يترآءوا للبشر بحسب الاحوال الحاضرة والامور التي يتداول فيها الناس.فقد ترآءوا ليشوع بن نون ولداود النبي كالاجناد حاملين السلاح. ولزكريا بالوان واشكال حمر وبلق (زك 1: 8 و9). اما للنساء فبهيئة جميلة مفرحة وللحراس بهيئة مخيفة. ولسائل لماذا ظهرت القيامة اولاً للحراس ؟ الجواب لان اليهود كانوا يصدقون كلامهم اكثر من كلام التلاميذ والنساء. وقد اعتاد الله ان يجذب الناس اليه فيما هم اليه مائلون كما جذب المجوس بواسطة النجم.
عدد 5: فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخفا انتما. فإني أعلم انكما تطلبان يسوع المصلوب.
قد عزى الملاك للنسوة برويته المبهجة وبكلامه. وقوله (أنتن) فهو بالمنظر الى الصالبين لان الخوف نصيبهم. أما النسوة فيستحقن الاكرام. وقوله قد علمت انكن تطلبن يسوع المصلوب اي لتكرمنه لا لتستهزين به كالصالبين. ان الملاك لم يخجل ان يقول (المصلوب) واما الخلقيدونيون والنساطرة فانهم يخجلون من ان يقولوا يا من صلبت عوضاً ارحمنا مع ان بدء كل خير هو الصليب.
عدد 6: انه هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه.
(تعالين وانظرن المكان) اي لتتحققن القيامة. وقد تحقق سمعان ويوحنا قيامة سيدنا من رؤية الملائكة وكلامهم ومن رؤية مخلصنا.
عدد 7: واذهبا سريعاً قولا لتلاميذه انه قد قام من الاموات. ها هو يسبقكم الى الجليل. هناك ترونه ها انا قلت لكن.
أي فلأنكن استفدتن معرفة عن القيامة من رويتي وكلامي معكن فاذهبن وبشرن التلاميذ انه قد قام وهو يسبقكم الى الجليل. ولسائل متى قال السيد لتلميذه اني اسبقكم الى الجليل ؟ والجواب انه قال ذلك بعدما شكروا وجاءوا الى جبل الزيتون. اما الجليل فمعناه التدحرج. والكلام الذي تكلم به السيد كأنه تدحرج من الجبل وامتد واتسع الى العالم كله واهتدى به كثيرون. ولسائل لماذا نبه سيدنا النسوة ليقلن للتلاميذ من الصالبين فأراد ان يأخذهم الى هناك ليذكرهم بتعاليمه واعماله التي اثبتها بقيامته. وليس المعنى انه لا يترآءى لهم الا في الجليل. وقال آخرون وهم صادقون ان المسيح امرهم ان يذهبوا الى الجليل ليترآءى لهم هنام لاجل المؤمنين الكثيرين الذي آمنوا به ولاستحقاقهم رأى ان يترآءى لهم ويعزيهم ويزيدهم معرفة عن قيامته. وعن هؤلاء المؤمنين الجليليين قد قال بولس الرسول ان الرب ترآءى لاكثر من خمسمئة أخ معاً أكثرهم باق الى الآن (اكوه 1: 6). وليس عن اولئك الذين قاموا في وقت آلامه لان اولئك لم يتعاطوا بالعالميات.
عدد 8: فخرجنا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه.
عدد 9: وفيذا هما منطلتان لتخبرا تلاميذه اذا يسوع لاقاهما. وقال سلام لكما. فتقدمتا وامسكتا بقدميه وسجدتا له.
(بخوف) من رؤية الملاك ومن أجل الزلزلة (وبفرح) لانهن تبشرن عن القيامة وقد اعطاهن السلام ليزيل عنهن الخوف. ولم يستعمل لفظة السلام حتى الآن لكي يبتدي بالسلام بقيامته. ان اللعنة دخلت بواسطة المرأة والسلام أيضاً دخل بواسطتهن فليخز المتكبرون الذين ينظرون ان السيد يعطي السلام اولاً لجنس النساء الضعيف وليس للرجال وبمسكهن رجليه تحققن القيامة وبسجودهن له أعلنن انه اله يجب له السجود اكثر من الكل لانه زرع بالسلام والامن بين السماويين والارضيين.
عدد 10 فقال لهن يسوع لا تخفا. اذهبا قولا لاخوتي ان يذهبوا الى الجليل وهناك يروني.
بما ان النساء ادخلن الحزن الى العالم فلاجل ذلك هن راين القيامة اولاً واياهن أرسل السيد ان يبشرن العالم ببشارة الفرح. هذا والجنس المقطوع من الكرامة اياه اكرم. وهذه اول مرة دعا سيدنا تلاميذه اخوته واظهر نسبتهم اليه. لان قبل القيامة كان يدعوهم تلاميذي واحبائي. وبما انه سماهم اخوته فلا شك انهم كانوا بنيناً لابيه من قبل. ثم كونه ولد من القبر بحياة عديمة الفساد فدعاهم اخوته لانهم قد ولدوا بحياة القيام.
عدد 11: وفيما هن ذاهبتان اذا قوم من الحراس جاءوا الى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان.
أي أخبروا عن الزلزلة وعن الملائكة والنور الذي رأوا وكيف ان مخلصنا قد خرج من القبر والحجر مختومة وقد قال البعض ان رؤساء الكهنة لما بلغهم هذا الخبر فلكي يتحققوه خرجوا رأوا اختامهم سالمة لم تنزع وقال آخرون انهم خافوا ولم يخرجوا مع الحراس لفحص الخبر لكنهم قبلوا كلامهم.
عدد 12: فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا واعطوا العسكر فضة كثيرة.
أي الفضة التي كانت باقية من التي اعطوها ليهوذا.
عدد 13: قائلين. قولوا ان تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام.
هذا الكلام غير معقول لانهم ان كانوا نائمين فمن اين عرفوا ان تلاميذه سرقوه. واذا كانوا مستيقظين لِمَ لم يمسكوهم فقولهم ان تلاميذه سرقوه يجعلهم مذنبين لان النائم لا يعرف من هو السارق. ولو اراد تلاميذه ان يسرقوه لسرقوه ليلة السبت أي الجمعة مساء حين لم يكن حراساً ولا جنداً عند القبر وعدا هذا ان التلاميذ بعد القيامة بكل صعوبة اقتنعوا انه قام فكيف وهو ميت يعزمون على ان يسرقوه وكيف كانوا يقدمون على مثل هذا العمل وهم يوصدون الابواب ولا يظهرون خيفة من اليهود. ثم نقول ان كان سمعان سرق جسداً ميتاً فكيف رضي ان يموت مصلوباً بعكس عادة المصلوبين لاجل جسد ميت. وكذلك كيف يعقل ان يرتضى باقي التلاميذ ان يتعذبوا باشد العذابات لاجل انسان ميت سرقوه هم وادعوا انه قام.
عدد 14: واذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين.
عدد 15: فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم. فشاع هذا القول عند اليهود الى اليوم.
(اذا سمع هذا) اي بان نحن علمناكم ان تقولوا ان تلاميذه سرقوه. ان اليهود الذين آمنوا بربنا رفضوا هذا الكلام رفضاً باتاً واما الاعداء فادعوا به مع ان الامر مؤكد ان سيدنا قد قام حقاً لان اثنين وسبعين امة تعترف بقيامته. ثم ان المسيح قام في يوم الاحد لان في يوم الاحد خلق المخلوقات وفيه كان يجب ان يجددهم. وفي شهر نيسان صارت القيامة لانه الشهر الاول للسنة اليهودية. ولسائل لماذا مكث في القبر ثلاثة أيام ؟ الجواب لان في اليوم الاول طهر آدم وكل جنسه من الخطيئة وفي اليوم الثاني طهر جنس النساء وفي اليوم الثالث قتل الشيطان الذي ما اراد ان يخلص من الخطيئة ونقض سلطته وأخرب خزائنه.
يجب ان نفحص عن كيفية الثلاثة الايام التي مكث سيدنا في قلب الارض. فقوم اعتبروا ليلة الجمعة مع ست ساعات النهار منه يوماً واحداً وثلاث ساعات الظلمة مع الثلاث الساعات التي تليها من النهار يوماً ثانياً وليلة السبت مع نهاره يوماً ثالثاً مع ان هذا التفسير الذي اعتبر فيه الظلمة ليلاً ولم يعتبر من يوم الاحد شيئاً مخالف لما تعتقده الكنيسة من ان المسيح قام يوم الاحد. وحسب غيرهم من الساعة الثالثة من يوم الجمعة الى الساعة السادسة يوماً كاملاً وثلاث ساعات الظلمة مع الثلاث ساعات التي تليها يوماً ثانياً وهذا التفسير ايضاً ملام لانه حسب الظلمة ليلاً مع ان زكريا النبي يقول ان في ذلك اليوم لا يكون ضياء وان ذلك اليوم لا يعرف عند الرب وكذلك اليونانيون والارمن الذين يعتبرون الظلمة التي حدثت وقت الصليب ليلاً وان النهار سابق الى الليل ملومون لان الكنيسة تعتبر ابتداء العيد من مساء السبت. اما نحن فنقول ان الكتاب المقدس والعادة يعتبران النهار مع الليل يوماً واحداً وان الليل سابق للنهار والدليل على ذلك ان موسى النبي أمر ان يبتدوا بعيد الفصح من عشية اليوم الرابع عشر. وان عطلة السبت تبتدئ من مساء الجمعة. فلنأت ببرهان على ذلك وهو انه اذا عمل احد عملاً في اول ساعة من يوم الاحد شمل عمله هذا الاحد كله. فتكون الايام التي مكث فيها سيدنا في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال فصلب يوم الجمعة فعدت الثلاث الساعات من يوم الجمعة التي دفن فيها يوماً كاملاً وذلك من باب تسمية الجزء باسم الكل. ثم اعتبرت ليلة السبت مع نهاره يوماً ثانياً والجزء من يوم الاحد الذي قام فيه يوماً ثالثاً باعتبار الجزء من الكل. وكذا ان يونان بقى في بطن الحوت في مثل الوقت الذي بقى فيه المسيح داخل القبر وفي مثل الوقت التي خرج فيها من بطن الحوت خرج المسيح من القبر اذ لم يبق يونان كذلك ثلاثة أيام وثلاث ليال كاملة في بطن الحوت وآخرون حسبوا الثلاثة ايام ابتداء من العشاء الرباني ولكن اعتبارهم هذا مردود من قول السيد لتلاميذه فلنصعد الى أورشليم وابن الانسان يسلم. فيجلدونه ويحكم عليه بالموت. فينتج مما تقدم ان المسيح لم يحسب الثلاثة الايام من وقت العشاء لكن من بعد الجلد والصلب ويتضح من قول الملاك للنسوة (اذكرن كيف كلمكن وهو في الجليل اذ قال ان ابن البشر يسلم الى ايدي اناس خطاة ويصلب ويقوم في اليوم الثالث 24: 6و7) ولو قول بولس انه قام في اليوم الثالث. ومن قول ال 318 اب في الامانة انه قام في اليوم الثالث. انه يحسب من تسع ساعات الجمعة الى الساعة التي قام فيها مخلصنا من القبر ثلاثة ايام.
عدد 16: واما الاحد عشر تلميذاً فانطلقوا الى الجليل الى الجبل حيث أمرهم يسوع.
لا لانهم لم يروا المسيح ولم يظهر لهم أمرهم بذلك لان اوقات كثيرة قد ظهر لهم في أورشليم سواء كان في العلية أو في غيرها ولكن أمرهم ان يذهبوا الى الجليل لكي يعلمهم الواجب عمله في تعليم الآخرين.
عدد 17: ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا.
أي توما وحده شك فانه تحقق قيامة المسيح بنظره ولمسه اياه. ان ظهورات سيدنا كانت متنوعة ولاجل ذلك كانوا يخافونه. اذاً لم يترآءى لهم كما كانوا يعهدونه.
عدد 18: فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً. دُفع اليّ كل سلطان في السماء وعلى الارض.
(في الارض) هو الذي اعطاه للرسل كي يخضعوا بني البشر لعظمته وفي السماء ليبين الاماكن التي هو مسلط فيها على المكافأة وهو ذاته المكافئ لجميع المؤمنين به. ويقول الهراطقة ان قوله اعطيت تعني وجود اعلى منه وذلك يحط في مقام المسيح. فنقول ضدهم ان بولس الرسول أيضاً يقول عن المسيح انه يسلم الملك لله الآب. ومن المؤكد ان الكبير يسلم للصغير فكما ان هذا القول لا يحط من مقام الآب هكذا ولا قوله اعطيت يحط من مقام الابن وليس كمن لم يكن له شيئاً الى الآن قال اعطيت لانه قد سبق فقال كل شيء قد دفع الي من ابي.
عدد 19: فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.
(كل الامم) اي لست ارسلكم الى شعب واحد بل الى الامم جميعها وليس بعد زمان كثير لكن بعدد عشرة ايام أصعد الى ابي فارسل لكم روح القدس وهنا يوصيهم باجراء المعمودية للذين يؤمنون عن يدهم. ان مخافة الله نوعان ايمان واعمال وربنا قد اوصى بالاثنين فهنا تكلم اولاً على الامانة لانه كان مزمع ان يصعد الى السماء فاراد ان يعلمهم انه اله واحد لكن الاقانيم ثلاثة الآب والابن والروح القدس والد ومولود ومنبثق الواحد علة والاثنان معلولان كالكلمة والعقل من النفس وكالشعاع والحرارة من الشمس فكما ان الكلمة والشعاع مولودان ولادة طيعية مستمرة من النفس والشمس هكذا المسيح مولود ولادة طبيعية الهية ز اما عن العقل والحرارة فيقال عنهما انبثاق بلا انقطاع وبلا زمان ثم ان المسيح لم يأمر ان يعمدوهم باسم الله او باسم الرب لان هذه اسماء مركبة ومأخوذة من تكوين الله للخليقة. فكون الله يدين وينظر ويسرع ويحرق سمي الله. اما اسم الرب فمن الربوبية لانه رب الكل. اذاً هذه الاسماء زمنية. فالاسماء الحقيقية هما اثنان واحد في العتيقة يه يه اشرهيه خر 3: 14 معناه واجب الوجود والثاني في الجديدة الآب والابن والروح القدس. واسم الآب والابن اشرف من والد ومولود لانه يطلق على المتنفسين. وواو العطف المعطوف على كل واحد من الاقانيم برهان على انهم متساوون في الجوهر ومميزون في الاقنومية.
عدد 20: وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به. وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر.
ان المسيح يوصي رسله ان يعلموا الناس ويحثوهم على حفظ وصاياه المقدسة كقوله لا تغضب على أخيك. ومن يطلب منك فاعطه. ومن نظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها ولا تحلفوا البتة. واحبوا اعداءكم. ولانه كان مزمع ان يفارقهم في تلك الساعة ويصعد الى السماء قليلاً يحزنوا قال انا معكم وقد علموا انهم لم يعودوا يرونه بالجسد الى زمان ما لكن بقوة لاهوته هو معهم ولفظة انا معكم قد قالها ايضاً للانبياء فقالها لموسى لانه كان أخرس (خر 3: 12 و 4: 10) ولارميا لان كان حديثاً ارص 1ك6 ولحزقيل لانه يتكاسل ومع ذلك فالانبياء اعتذروا واحتجوا وأبوا ان يمضوا. فلم يعتذروا ولم يحتجوا ولم يأبوا. فيذكر لهم منتهى الدهر لانهم مزمعون ان يتنعموا عوض تنعمات العالم الفاني الذي يكابدوا فيه الاهوال بخيرات ابدية لا تزول. ثم نقول ان بقوله انا معكم اظهر لهم سلطته. ووعده هذا ليس للرسل فقط بل لجميع الذين سوف يؤمنون به لان الرسل لم يعيشوا الى منتهى الدهر اذاً وعده هذا يشمل جميع الذين يؤمنون به جيلاً بعد جيل ويكرزون بالايمان ويسيرون سيرة صالحة. والكنيسة اي الاعضاء هي جسد واحد رأسه المسيح. لفظة أمين هنا معناها الحق. ملاحظة يجب ان نعلم كم مرة ترآءى مخلصنا بعد قيامته من القبر فنقول انه ترآءى عشر مرات أولاً للمجدلية ولمريم الأخرى مت 28: 1 ثانياً للاحد عشر لما كانوا مجتمعين (مر 16: 14) ثالثاً للاحد عشر كقول متى (28: 16) رابعاً لسمعان (اكو 15: 5) خامساً لصحبة كليوبا. سادساً للاحد عشر لما كانوا مجتمعين كما كتب لوقا (24 ك 3) سابعاً ترآءى للمجدلية (يو 20: 11 – 18) ثامناً للتلاميذ وهم في العلية عشية الاحد (يو 20: 9) تاسعاً ترآءى في العلية ثمانية ايام (يو 20: 26) عاشراً على بحيرة طبرية لسبعة من تلاميذه لسمعان لتوما ولنتنائيل ولابني زبدى ولاثنين آخرين من التلاميذ وقد دعا يوحنا هذه المرة ثالثة بقوله ان المسيح ترآءى فيها لتلاميذه (يو 21: 1و4) ومعنى قوله هذا او انه ترآءى لهم ثلاث مرات وهم مجتمعون او انه اكل معهم ثلاث مرات والمرة الاولى التي أكل فيها معهم كانت على بحيرة طبرية والثانية هي التي اعطوه فيها جزءاً من السمك المشوي في مساء يوم الاحد اما الثالثة فغير معروفة. وقال آخرون انه اكل مرتين فقط الواحدة هي التي ذكرها لوقا. والأخرى هي التي ذكرها يوحنا في المرة الثالثة.
بشارة القديس مرقس
المقدمة للمؤلف
الفصل الاول
انه بعد ما اكملنا تفسير بشارة متى الرسول مطولا اضفنا اليها كثيراً من آراء رفقائه الانجيليين . أتينا لتفسير بشارة القديس مرقس . وكل مالم تجده فيها فتجده في بشارة متى . ولنبحث اولا عن سبب كتابة هذه البشارة متوكلين على الله الذي هو صالح والى الابد رحمته ان يعطينا القوة والمعرفة لنتمم تفسيرها
الفصل الثاني
ان القديس مرقس الذي كتب عنه في الابركسيس اي أعمال الرسل انه يوحنا المدعو مرقس هو الذي تتبع بولس وبرنابا لما كانا يكرزان على الشعوب زمانا ليس بقليل . وهو من جوقة الاثنين والسبعين وتلميذ بطرس
كتب انجيله باللغة الرومية في مدينة رومية على وجه الاختصار لسببين . السبب الواحد لانه نظر ان الرومانيين احبوا ان يقبلوا الانجيل من بطرس والسبب الثاني فانه تشبه بمعلمه بطرس الذي كتب هو ايضاً رسائله موجزا وطلب الرومانيون من بطرس ان يدون لهم البشارة التي كرز بها شفاها عن اعمال سيدنا في كتاب . وعليه أمر تلميذه مرقس ان يكتب لهم هذه البشارة ثم ان سيمون الساحر بعد ان فضح من سمعان في السامرة اع 8 : 20 – 24 . هرب الى رومية في ايام قلوديوس القيصر وبواسطة عمل السحر والآيات الكاذبة التي عملها في رومية اعتبر عند الرومانيين اعتباراً عظيما فاقاموا له صنما كالاله على جانب النهر المدعو طيبريوس لان طيبريوس الملك اختنق فيه . وأقاموا صنماً آخر للزانية التي كانت تصحبه واسمها سهلينا وهي التي كانت من قبل زانية في مدينة صور ولما سمع بطرس خبر هذه الضلالة مضى الى رومية ليهتك سيمون . وفي ذات يوم أظهر سيمون بسحره الكاذب انه اقام ميتا ولكن بطرس اقامه حقاً باسم المسيح . فلما عاين الرومانيون ذلك وثبوا على سيمون ليرجموه فغضب وقال لهم لانكم لستم تقبلونني فها انا أصعد للسماء الى أبي ثم اراهم بسحره ان مركبة نارية اخطفته . وبعد ما صعد الى أعلى قصور رومية الشاهقة تحرك بطرس بالروح القدس وزجر الشياطين الذين كانوا حاملين اياه ورسم علامة الصليب امامهم ففي الحال تركوه وهربوا فسقط على الارض ومات . اما الرومانيون فلما رأوا ذلك مجدوا الله وجمعوا حجارة كثيرة وأقاموا عليه رجمة عظيمة وطمروه فيها حتى صارت تلاً كبيراً فتلمذهم بطرس وابتني لهم كنيسة ودبرها زمانا كثيرا . ولما علم الرومانيون انه يريد ان يسافر ليكرز في أماكن أخر طلبوا منه ان يكتب لهم البشارة . اما هو فلم يكتب أولا لتراكم الاشغال عليه لانه كان يريد ان يتلمذ الشعب والشعوب جميعا . وثانيا لانه افتكر انه اذا كتب هو يستحقر الناس كتابة رفقائه لقول المسيح له أنت بطرس . وثم لانه لم ير نفسه اهلا ان يكتب انجيلا لسبب الكفر الذي فرط منه يوم نكر انه سيده لاجل ذلك أذن لمرقس فكتب حسبما لقنه . وبما ان متى ابتدأ بشارته بذكر نسبة القبائل ليبين للعبرانيين ان المسيح قد ظهر حسب نبوات الانبياء عنه ابتدأ مرقس ان يكتب منذ معموديته . وقد اورد آخرون سببا ثانيا وهو ان طيطيانوس تلميذ يوسطينوس الشهيد والفيلسوف جمع من الاناجيل الاربعة أخباراً ولفقها انجيلا واحداً وسماه المختلط . وهذا قد فسره القديس افرام السرياني وابتداؤه في البدء كان الكلمة . وقد كتب اقليميس الروماني في رسالته الكبيرة ضد الذين يرذلون الزواج اذ يذكر الذين كانوا من الرسل مزوجين فانهم بعد ان تتلمذوا حفظوا الطهارة كموسى وآخرين الذين بعدما استحقوا الروية الآلهية ابتعدوا عن الزواج . وان بطرس لم يشأ ان يكتب سلاماً لامراته في رسالته ولم يكن يأخذها معه في أسفاره لاجل قداسة خدمته الرسولية . وقال قوم ان مريم التي ذكرها لوقا في اع 12 : 12 هي امرأة بطرس وان مرقس هو ابنه والصبية رودة هي ابنته . وبطرس يشير الى ذلك في رسالته الاولى التي كتبها من رومية ملغزا بزوجته التي يسميها بابل لاجل كبرها وعظمتها قائلا تسلم عليكم البيعة المختارة التي في بابل ومرقس ابني 1 بط 5 : 13 . ان بطرس بعد ما نجأ من السجن مضى الى انطاكية وفي تلك السنة ابتنى فيها كنيسة وأوصاهم ان يديروا وجوههم الى المشرق في الصلاة وعلم ان ان سيدنا في الاحد حل في البتول وان القيامة ستكون يوم الاحد . وبعد سنتين سمع عن ضلالة سيمون الساحر فاقام في مركز رسوليته اسقفاً اسمه لاوديوس في انطاكية ودبرها هذا خمسة وعشرين سنة . أما بطرس فانتقل الى رومية لاجل سيمون الساحر كما قلنا آنفا . وكان سيمون سامريا من قرية جبتين وكان اسمه شمعون وقد ابدل اسمه هذا بطرس حينما عمدوه ولما دخل بطرس الى رومية وجد على باب بيت بيت سيمون كلباً فقال له أدخل أعلم سيمون ان سمعان واقف على الباب ثم تكلم سيمون في أذن الثور فزعق الثور أما بطرس فمنعه . وبعد ذلك طلب السحرة أي رفقاء صناعة سيمون ان يعمل آية أخرى قدام سمعان . واذا ميتاً محمولا على الاكتاف ذاهبين به الى المقبرة وكان الميت ابن قوفريانوس أحد سحراء المدينة فتقدم سيمون الى نعش الميت ووشوش توشوشا كثيرا بصوت عال قائلا باسم يسوع المسيح المصلوب قم من النعش فللحال قام الميت فوثب الرومانيون ليرجموا سيمون فترآءى لهم كأنه صاعد الى السماء فزجر بطرس الشياطين فتركوه فسقط ومات كما قلنا سابقا . ولما دبر بطرس كنيسة رومية خمسة وعشرين سنة أمر نيرون الملك بصلبه منكسا واقيم في مركزه اسقفا اسمه اليوس وهو الذي ذكره الرسول بولس في رسالته الى تيموثاوس واقيم بعده اقليميس تسع سنين . وفي قرب ان يصلب بطرس طلب منه الرومانيون كثيرا ان يكتب الانجيل وللاسباب التي ذكرناها سابقا لم يجب طلبهم لكنه أمر مرقس ان يكتب لهم عن تدابير سيدنا وأقواله وأعماله وقد ترك ذكر أشياء كثيرة من اعمال المسيح واجتهد ان يكتب كفر بطرس بالتدقيق . والظاهر ان بطرس هو الذي أوصاه بذلك . ولان سيمون الساحر كان يكرز هناك ان سيدنا لم يتخذ جسداً حقيقياً فلأجل ذلك اهتم مرقس ان يكتب ما يتعلق بتجسد سيدنا . وبعد ان كتب مرقس انجيله في مدينة رومية مضي الى مصر وبشر بالانجيل هنالك وابني كنيسة في الاسكندرية . ومعنى اسم مرقس المجلس . قال قوم ان الاناجيل أربعة وثمانون على عدد الرسل والمبشرين . وان بعد موت الرسل اهتم تلاميذهم وفحصوها وانتخبوا منها الاربعة الاناجيل المتمسكة بهم البيعة المقدسة . اولا لأن هذه الاناجيل هي الصحيحة والحقيقية . وثانياً لانهم ارادوا ان يمنعوا الناس من مطالعة كثرة الكتب لان هذه الكتب كانت على أسلوب واحد فرتبوا ان تكون الكرامة للرسل أولا وآخر كالاشراف والاساس فاتخذوا منهم انجيلين متى ويوحنا ثم رتبوا ان تكون كرامة للمبشرين ايضاً فاتخذوا من الاثنين والسبعين انجيلين مرقس ولوقا . وقال آخرون ان في زمان الرسل صار هذا الترتيب وان الرسل نفسهم اختاروا انجيلين من عددهم وانجيلين من الاثنين والسبعين . ورتبوا قراءتها في الكنائس أمام الجمهور
الفصل الثالث
لم يكتب مرقس اعمال المسيح فنرى أي واحدة بعد واحدة مرتبا اياها كلوقا لكنه نهج على منوال متى اذ وضع تعاليم السيد المسيح وراء بعضها رغما عن اختلاف زمن النطق بها لكي تكون اخبار الامور متصلة اتصالا تعليميا يوافق مخافة الله ولم يكتب على نسب السيد المسيح لانه رأى ان غيره قد كتب ذلك بالكفاية .
يوجد في انجيل مرقس ستة الغاز وامثال واثنان وعشرون معجزة وستة عشر شهادة اتى بها ثباتا لكلامه
تفسير بشارة القديس مرقس
الاصحاح الاول
عد 1 بدء انجيل يسوع المسيح ابن الله
ان ابتداء الانجيل هو العماد كما قال القديس باسيليوس وفيلكسينوس ويقول مرقس ان بدء الانجيل اتضح انه هو الذي سماه اولا انجيلا . ومعنى كلمة انجيل بشارة مفرحة . والسيد له المجد لم يكرز ولم يبشر ولم يعمل آية ولا علم تعليما قبل عماده سوى المسائل العجيبة التي القاها في الهيكل لما كان جالسا بين المعلمين وهو ابن اثنتى عشر سنة لو 2 : 42 وكان يتصرف بموجب الناموس الموسوي ووفي ما كان علينا واجباً في المدة الثلاثين سنة أي الى حين عماده ولكنه حالما اعتمد وتجرب تدبر حسب شريعة العهد الجديد وتقدم الى ان يشكل صورة العالم الجديد بعماده وكرز ببشارة الملكوت قائلا توبوا فقد اقترب ملكوت السموات . ثم نقول ان الاخبار المدونة في الانجيل التي من ميلاده حتى عماده لا تعد من الانجيل ولكنها اضيفة اليه لنتعلم عن اعجوبة الحبل به ومولده العجيب وكان من المستحيل ان نقبل التعليم عن البشارة به لو لم نسبق ونعرف كيفية الحبل به وميلاده العجيب . لاجل هذا علم مرقس ان بدء الانجيل هي المعمودية ومن المعمودية ابتدأ سيدنا بالسيرة الجديدة . ولمعترض يعترض قائلا لماذا تكلم الانجيليون عما عماده ؟ فالجواب ان متى اراد بذلك ان يبين للعبرانيين انه لاجلهم يكتب بالنظر لنبوات الانبياء التي تقول ان المسيح يظهر من سبط يهوذا ومن نسل داود وهكذا ظهر . اما لوقا فانه اراد ان يوبخ الذين اقتربوا بقلة اعتبار ان يكتبوا قصص الامور . اما يوحنا فكتب عن لاهوته الذي لم يتكلم عنه متى ومرقس ولوقا لكي لا يخفي السر ويظن ان المسيح انسان ساذج . لاجل هذه الاسباب كتب ما هو سام عنه . وليس لان الحبل به ومولده وختانته وغير ذلك انها من الانجيل . وقد تكلمنا مطولا عن شرح يسوع المسيح ابن الله في مت 1 : 18 فليراجع
عد 2 كما هو مكتوب باشعيا النبي هآنذا مرسل ملاكي امام وجهك يهييء طريقك قدامك
هذه الشهادة تثبت قوله ان بدء الانجيل هو عماد المسيح . وقوله « هآنذا مرسل ملاكي » مكتوبة في ملاخي النبي لا في اشعيا . ويقول البعض انها كانت مكتوبة في اشعيا لكنها فقدت . وقال غيرهم ان الانجيل قد تترجم من اللغة الرومانية الى اليونانية ومن اليونانية الى السريانية وان المترجمين غلطوا فكتبوا عوضا عن ملاخي اشعيا . وقال آخرون ان النسخة المعروفة بالمختلط وفي اليونانية والحرقلية تقرأ هكذا كما هو مكتوب في النبي ولا تذكر اسم اشعيا . وقال آخرون ان القديس مرقس كتب الاية « صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب واجعلوا سبله قويمة المذكورة في اشعيا 40 : 3 . وبعد قوله كما هو مكتوب في اشعيا أتى بآية ملاخى ثم اردفها بآيتين وهما هآنذا مرسل ملاكي وصوت صارخ في البرية ولم يقل على أية آية من هذه الآيات الثلاث تكلم اشعيا .
عد 3 صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب واجعلوا سبله قويمة
تلقب يوحنا بالصوت لان المسيح دعي كلمة والكلمة لا تعرف بدون صوت . اذاً بالمناسبة تلقب يوحنا بالصوت الصارخ لكي بصوته ينادي ان تستعد الناس لقبول الكلمة الوحيد . اراد بطريق الرب وسبله مجيء المسيح . فكأنه يقول اعدوا ضمائركم وافكاركم للترحاب بمجيء المسيح
عد 4 كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لغفران الخطايا 5 وكان يخرج اليه جميع اهل بلد اليهودية واورشليم فيعتمدون منه في نهر الاردن معترفين بخطاياهم 6 وكان لباس يوحنا من وبر الابل وعلى حقويه منطقة من جلد وكان طعامه الجراد وعسل البر .
انتقال يوحنا الى البرية يشير الى انتقالنا من الارض الى السماء . معموديته وكرازته يشيران الى ابادة سلطان الموت . قميص الشعر علامة التذلل والتوبة . شد الحقوين اشارة الى العفة والى القوة التي ينالها المومنون في محاربة ابليس محاربة حسية وعقلية والتخلص من الشهوة الصاهلة التي تغلب بالصلاح والفلاح طيران الجراد اشارة الى طيران الابرار لملاقات ربنا . حلاوة العسل اشارة الى حلاوة السعادة الخالية من كل حزن بربنا يسوع المسيح . اللباس الذي من الوبر دلالة على فقر يوحنا . راجع متى 3 : 1 – 6
عد 7 وكان يكرز قائلا انه يأتي بعدي من هو أقوى مني وانا لا أستحق ان انحني واحل سير حذائه 8 انا عمدتكم بالمآء واما هو فيعمدكم بالروح القدس 9 وفي تلك الايام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الاردن 10 وللوقت اذ صعد من الماء رأى السماوات قد انفتحت والروح مثل حمامة قد نزل واستقر عليه 11 وكان صوت من السماء قائلا انت ابني الحبيب بك سررت
راجع مت 3 : 11 و 13 و 16 و 17
عد 12 وللوقت اخرجه الروح الى البرية 13 فكان في البرية اربعين يوما واربعين ليلة يجرب من الشيطان وكان مع الوحوش وكانت الملائكة تخدمه 14 وبعد ما أسلم يوحنا أتى الى الجليل يكرز بانجيل ملكوت الله
سبق الكلام عن تجربة المسيح وعن القبض على يوحنا في شرح بشارة مت 4 : 1 – 12
عد 15 قائلا قد تم الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالانجيل 16 وفيما كان ماشياً على شاطيء البحر رأى سمعان واندراوس اخاه يلقيان شباكاً في البحر لانهما صيادين 17 فقال لهما يسوع اتبعاني فاجعلكما صيادي الناس 18 فللوقت تركا الشباك وتبعاه
مر الكلام على دعوة سمعان واندراوس في شرح متى 4 : 18 – 20 ( قد تم الزمان ) أي قد كملت اظلمة الناموس وجآءَ مكل الاسرار والاشكال . ومعنى الملكوت هنا البشارة والنعمة
عد 19 وجاز من هناك قليلا فرأى يعقوب بن زبدى ويوحنا اخاه وهما في السفينة يصلحان الشباك 20 فدعاهما للوقت فتركا اباهما زبدى مع الاجرآء وتبعاه
راجع مت 4 : 21 و 22
عد 21 ودخلوا كفرناحوم وللوقت دخل المجمع في السبت وكان يعلمهم
راجع متى 4 : 23
عد 22 فبهتوا من تعليمه لانه كان يعلمهم كمن له سلطان لا كالكتبة
انظر شرح متى 7 : 28 و 29
عد 23 وكان في مجمعهم رجل فيه روح نجس فصاح 24 قائلاً ما لنا ولك يا يسوع الناصري أأتيت لتهلكنا . قد عرفتك من انت انك قدوس الله 25 فانتهره يسوع قائلا اخرس واخرج من الرجل 26 فخبطه الروح النجس وصاح بصوت عظيم وخرج منه
الروح النجس هو الشيطان ونسبة النجاسة له لعلة الافعال النجسة التي قد اعتاد ان يفعلها بالذي يسكن فيه . وقوله « أتيت لتهلكنا » يشير الى امرين الواحد خوفهم من سيدنا من وقت انتهارهم في البرية حينما تجرب من ابليس مت 4 : 1 والثاني خلاص الانسان من شرهم فان ذلك هلاكاً عظيما لهم . ولم يعترف به الشيطان انه اله . لكن كأنه يتكلم مع انسان قديس
عد 27 فدهش جميعهم وجعلوا يسألون بعضهم بعضاً قائلين ما هذا الامر وما هذا التعليم الجديد فانه ايضاً يأمر الارواح النجسة بسلطان فتطيعه 28 وللوقت ذاع خبره في بقعة الجليل كلها 29 ولما خرجوا من الجمع جآءوا الى بيت سمعان واندراوس مع يعقوب ويوحنا 30 وكانت حماة سمعان ملقاة بحمى فاخبروه بامرها 31 فدنا وأقامها آخذاً بيدها وللوقت فارقتها الحمى فصارت تخدمهم
قد مر الكلام عن شفاء حماة بطرس في شرح مت 8 : 14 و15
عد 32 ولما كان المساء عند غروب الشمس احضروا كل من كان به سوء وجميع الذين بهم شياطين
راجع شرح مت 8 : 16
عد 33 وكانت المدينة كلها مجتمعة على الباب 34 فابرأ كثيرين من المعذبين بامراض مختلفة واخرج شياطين كثيرين ولم يدعهم يتكلمون لانهم عرفوه 35 وقام باكراً جداً في الليل وخرج وذهب الى مكان قفر وكان يصلي هناك 36 فانطلق سمعان ومن معه في أثره 37 ولما وجدوه قالوا له ان الجميع يطلبونك
ان قوله الجميع يطلبونك من باب تسمية الجزء باسم الكل كقوله جآءت الارض كلها الى يوسف لتشتري قمحا والمعنى جزء من أهل الارض تك 41 : 57 . وكقوله نظر يسوع في كل الارض مت 4 : 8 وكل الذين اتوا قبلي هم لصوص وسراق يو 10 : 8
عد 38 فقال لهم لنسر الى القرى القريبة والمدن لاكرز هناك أيضا لاني لهذا جئت 39 فكان يكرز في مجامعهم في كل الجليل ويخرج الشياطين
مر تفسير ما يوافق ذلك في مت 4 : 23 و24
عد 40 فجآء اليه أبرص وسأله ساجداً له قائلا ان شئت فانت قادر ان تطهرني 41 فتحنن عليه يسوع ومد يده ولمسه وقال له قد شئت فاطهر 42 وفيما هو يكلمه للوقت ذهب عنه البرص وطهر 43 فانتهره وصرفه سريعا 44 وقال له انظر لا تقل لاحد ولكن امض فأَر نفسك لرئيس الكهنة وقدم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم 45 الا انه لما خرج جعل ينادي ويذيع الخبر حتى انه لم يعد يستطيع ان يدخل مدينة علانية فبقي في الخارج في مواضع مقفرة وكان الناس يأتونه من كل جهة
انظر الشرح مت 8 : 2 – 4
الاصحاح الثاني
عد 1 وبعد ايام عاد فدخل كفرناحوم 2 وسمع انه في بيت فللوقت اجتمع كثيرون حتى انه لم يبق . موضع يسع ولا عند الباب وكان يخاطبهم بالكلمة 3 فأتوا بمخلع يحمله اربعة 4 واذ لم يقدروا ان يصلوا اليه لسبب الجمع كشفوا السقف حيث كان وبعد ما نقبوه دلوا السرير الذي كان المخلع مضطجعا عليه . فلما رأى يسوع ايمانهم قال للمخلع يا بني مغفورة لك خطاياك 6 وكان قوم من الكتبة جالسين هناك يفكرون في قلوبهم 7 ما بال هذا يتكلم هكذا انه يجدف . من يقدر ان يغفر الخطايا الا الله وحده 8 فللوقت علم يسوع بروحه انهم يفكرون هكذا في انفسهم فقال لهم لماذا تكفرون هكذا في قلوبكم . ما الايسر ان يقال للمخلع مغفورة لك خطاياك أم ان يقال للمخلع قم احمل سريرك وامش 10 ولكن لكي تعلموا ان ابن البشر له سلطان على الارض ان يغفر الخطايا . ثم قال للمخلع 11 لك اقول قم واحمل سريرك واذهب الى بيتك 12 فقام لللوقت وحمل سريره وخرج امام الجمع حتى دهش كلهم ومجدوا الله قائلين ما رأينا مثل هذا قط
انظر الكلام في شرح بشارة متى 9 : 1 – 8
عد 13 وعاد فخرج الى البحر فأتى اليه كل الجمع فكان يعلمهم 14 ثم اجتاز فرأى لاوي بن حلفى جالساً عند مائدة الجباية فقال له اتبعني فقام وتبعه 15 وفيما كان متكئا في بيته كان كثيرون من العشارين والخطاة متكئين مع يسوع وتلاميذه لان كثيرين من هؤلاء ايضاً كانوا يتبعونه 16 فلما رأى الكتبة والفريسيون انه يأكل مع العشارين والخطاة قالوا لتلاميذه ما بال معلمكم يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة 17 فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الأصحآء الى طبيب لكن ذوو الاسقام فاني لم آت لادعو صديقين بل خطاة
راجع متى 9 : 9 – 13
عد 18 وكان تلاميذ يوحنا والفريسيون يصومون فجآءوا وقالوا له لماذا تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون وتلاميذك لا يصومون 19 فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العرس ان يصوموا ما دام العروس معهم . انه ما دام العروس معهم لا يستطيعون ان يصوموا 20 ولكن ستأتي ايام يرتفع فيها العروس عنهم وحينئذ يصومون في تلك الايام
انظر الشرح متى 9 : 11 – 15
عد 21 ليس احد يخيط رقعة من ثوب جديد في ثوب بال والا فالجديد يأخذ ملأه من البالي فيصير الخرق اسوأ 22 ولا يجعل احد خمراً جديدة في زقاق عتيقة والا فتشق الخمر الجديدة الزقاق وتراق الخمر وتتلف الزقاق . لكن ينبغي ان تجعل الخمر الجديدة في زقاق جديدة
راجع الشرح في بشارة متى 9 : 16 و 17
يراد بالرقعة الجديدة تعليم الانجيل وبالثوب البالي تعليم الناموس العتيق . والخمر الجديدة اشارة الى لذة البشارة الجديدة وصدقها والثوب الجديد والزقاق الجديدة يشيران الى الذين يقبلون البشارة . والخمر العتيقة تشير الى تعليم الناموس الموسوي ووصايا الكهنة . كذلك الازقة البالية والثياب البالية يراد بهم الكتبة والفريسيين . وقد علمنا بذلك انه لا يجب على مبشري العهد الجديد ان يخدموا الناموس العتيق
عد 23 واجتاز في السبت بين الزروع فجعل تلاميذه وهم سائرون يقلعون السنبل 24 فقال له الفريسيون انظر لماذا يفعلون تلاميذك في السبت ما لا يحل 25 فقال لهم أما قرأتم قط ما فعل داود حين احتاج وجاع هو والذين معه 26 كيف دخل بيت الله في عهد ابياتار رئيس الكهنة وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل اكله الا الكهنة واعطى الذين معه
مر الكلام على ذلك في شرح بشارة متى 12 : 1 – 4
لام الفريسيون سيدنا على أمرين الأول لان ما عمله التلاميذ كان في يوم سبت . والثاني انه لم يكن مأذونا فى الناموس أكل الزرع الجديد حتى يتقرب منه باكورة للرب لا 23 : 9 – 14
عد 27 ثم قال لهم ان السبت جعل لاجل الانسان لا الانسان لاجل السبت 28 فابن البشر هو اذن رب السبت ايضاً
انظر وجه 28 و 281
الاصحاح الثالث
عد1 ودخل المجمع ايضا وكان هناك رجل يده يابسة 2 وكانوا يراقبونه هل يشفيه في السبت لكي يشكوه 3 فقال للرجل اليابس اليد قم الى الوسط 4 ثم قال لهم أخير يحل ان يفعل في السبت أم شر ان تخلص نفس أم تهلك . 5 فادار نظره فيهم بغيظ وهو مغتم لعمى قلوبهم ثم قال للرجل أمدد يدك فمدها فعادت يده صحيحة 6 فخرج الفريسيون وللوقت تآمروا عليه هم والهيرودسيون لكي يهلكوه 7 فانصرف يسوع مع تلاميذه الى البحر وتبعه جمع كثير من الجليل واليهودية
مر الكلام على شفاء المسيح ذلك الانسان في شرح بشارة متى 12 : 9 – 14
عد 8 واورشليم وادوم وعبر الاردن وممن حول صور وصيدا جمع كثير وقد سمعوا بما صنع فأتوا اليه 9 فأمر تلاميذه بان تلازمه سفينة من اجل الجمع لئلا يزحموه 10 لانه كان يشفى كثيرين حتى كان كل من به دآء يتهافت عليه ليلمسه 11 وكانت الارواح النجسة اذا رأته تخر امامه وتصرخ قائلة 12 انك انت ابن الله فينتهرها كثيرا الا تظهره
راجع متى 12 : 16
عد 13 ثم صعد الى الجبل ودعا الذين ارادهم فاقبلوا اليه 14 وعين منهم اثنى عشر ليكونوا معه وليرسلهم للكرازة 15 واعطاهم سلطانا ان يشفوا المرضى ويخرجوا الشياطين 16 وجعل لسمعان اسم بطرس 17 وبعده يعقوب ابن زبدى ويوحنا اخو يعقوب وجعل لهم اسم بوانرجس أي ابني الرعد 18 ثم اندراوس وفيلبس وبرتلماوس ومتى وتوما ويعقوب بن حلفى وتداوس وسمعان القانوني 19 ويهوذا الاسخريوطي الذي اسلمه
مر الكلام على الرسل في شرح بشارة متى 10 : 1 – 4
( بوانرجس ) أي ان المناداة بالكلمة الالهية المتقدمة لبني البشر بكرازتهما تشبه الرعد الذي يسمعه الكل . وسيدنا في ظهوره الاخير يظهر كالبرق والرعد الذين هما لبعضهما كالرفاق المعاضدين فانهما بواسطة المد والجزر الحاصل من الغيوم المملوءة ماء من الهواء الذي يضغط عليهما يسمع لهما أصوات رعود وتفرقع فترى البروق تومض منهما كخروج النار من حجر الصوان المضروب بالحديد هكذا هنا لان ربنا دعي برق فبشارته المعلنة عن الخيرات المزمعة سميت رعد . وسمى يعقوب ويوحنا ابني الرعد اي ابني البشارة لاجل اتفاق واتحاد أولادها الذين بواسطتها يسيرون ويحفظون كما تحافظ الام على أولادها وهي تكرم منهم كما تكرم الام من بنيها
عد 29 وأتوا الى بيت فاجتمع ايضاً جمع حتى لم يقدروا ولا ان يأكلوا خبزاً 21 وسمع ذووه فخرجوا ليمسكوه لانهم قالوا انه شارد العقل
ذووه اي أولاد يوسف خطيب مريم . والمسيح عمل عجائب كثيرة فاحتاطه الجمع مضجين عليه من كل جهة فاراد اولاد يوسف ان يخلصوه منهم بقولهم انه شارد العقل ونعلم مما قاله يوحنا «ان اقرباءه لم يكونوا يومئذ مؤمنين به 7 :5» وانهم كانوا يظنون ان فيه شيطان
عد 22 واما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم قالوا ان فيه بعل زبوب وانه برئيس الشياطين يخرج الشياطين 23 فدعاهم وقال لهم بامثال كيف يقدر شيطان ان يخرج شيطاناً 24 فانها اذا انقسمت مملكة على نفسها فلا يمكن لتلك المملكة ان تثبت 25 واذا انقسم بيت على نفسه فلا يمكن لذلك البيت ان يثبت 26 واذا قاوم الشيطان نفسه فقد انقسم فلا يمكن ان يثبت بل يضمحل
مر الكلام على دفع تهمة الكتبة وابانة بطلانها في شرح بشارة متى 12 : 24 – 26
عد 27 لا يستطيع احد ان يدخل بيت القوى وينهب امتعة الا ان تربط القوي اولا وحينئذ ينهب بيته
انظر شرح شرح بشارة متى 12 : 29
عد 28 الحق اقول لكم ان جميع الخطايا والتجاديف التي يجدف بها بنو البشر تغفر لهم 29 واما من جدف على الروح القدس فلا مغفرة له الى الابد ولكنه مجرم بخطيئة ابدية 30 لانهم قالوا ان فيه روحا نجساً
انظر شرح بشارة متى 12 : 31 و 32
عد 31 حينئذ جآءت أمه واخوته ووقفوا خارجاً وارسلوا اليه يدعونه 32 وكان الجمع جلوساً حوله فقالوا له ان امك واخوتك خارجاً يطلبونك 33 فاجابهم قائلا من أمي واخوتي 34 ثم أدار نظره في الجالسين وقال هؤلآء هم أمي واخوتي 35 لان من يعمل مشيئة الله ذاك اخي واختي وأمي
راجع تفسير ذلك في شرح متى 12 : 46 – 50
الاصحاح الرابع
عد 1 وأخذ ايضا يعلم بجانب البحر فاجتمع اليه جمع كثير حتى انه ركب السفينة وجلس في البحر وكان الجمع كله بجانب البحر على الارض 2 فعلمهم اشياء كثيرة بامثال وقال لهم في تعليمه 3 اسمعوا . هوذا الزارع خرج ليزرع 4 وفيما هو يزرع سقط البعض على الطريق فأتت طيور السماء وأكلته 5 والبعض سقط على الارض حجرة حيث لم يكن له تراب كثير فللوقت نبت اذ ليس له عمق تراب 6 فلما اشرقت الشمس احترق وحيث لم يكن له اصل يبس 7 وبعض سقط في الارض الجيدة فارتفع ونمى واعطى ثمراً أثمر الواحد ثلاثين والآخر ستين والآخر مئة 9 ثم قال من له أذنان سامعتان فليسمع
انظر شرح انجيل متى 13 : 1 – 9
عد 10 فلما انفرد سأله الذين حوله مع الاثنى عشر عن المثل 11 فقال لهم انتم قد أعطيتم معرفة سر ملكوت الله واما أولئك الذين من خارج فكل شيء لهم بامثال 12 لكي ينظروا نظراً ولا يروا ويسمعوا سماعا ولا يفهموا لئلا يتوبوا فتغفر لهم زلاتهم
انظر شرح بشارة متى 13 : 10 – 14
عد 13 ثم قال اما تعرفون هذا المثل فكيف تعلمون سائر الامثال 14 الزراع يزرع الكلمة 15 والذين على الطريق حيث تزرع الكلمة هم الذين في حال سماعهم يجيء الشيطان ويذهب الكلمة المزروعة في قلوبهم 16 وكذلك الذين زرعوا على الارض الحجرة هم الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها من ساعتهم بفرح 17 ولكن ليس لهم فيهم أصل وانما هم الى حين ثم اذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فللوقت يشكون 18 وآخرون زرعوا في الشوك هؤلاء هم الذين يسمعون الكلمة 19 وهموم وخداع الغنى وسائر الشهوات الآخر تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمرة 20 والذين زرعوا في الارض الجيدة هم الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها فيعطون ثمرة الواحد ثلاثين والآخر ستين والآخر مئة
راجع شرح بشارة متى 13 : 18 – 23
عد 21 وقال لهم هل يؤتى بالسراج ليوضع تحت المكيال أو تحت السرير أم ليوضع على المنارة .
انظر شرح انجيل متى 5 : 15
عد 22 فانه ليس خفي الا سيظهر ولا حدث ليكتم بل ليعلن
انظر شرح بشارة متى 10 : 26
عد 23 من له اذنان سامعتان فليسمع
انظر شرح بشارة متى 13 : 9 و 11 : 15
عد 24 وقال لهم تبصروا فيما تسمعون فانه بالكيل الذي تكيلون يكال لكم وتزادون
سبق تفسير هذا القول في مت 7 : 2
عد 25 لان من له يعطى ومن ليس له فالذي له يؤخذ منه
مر شرحه في مت 13 : 12
عد 26 وقال مثل ملكوت الله كمثل رجل يبذر الزرع في الارض 27 وينام ويقوم ليلاً ونهاراً والزرع ينمي ويطول وهو لا يشعر
هذا المثل لم يذكره الانجيليون الاخر . يسمي الانفس وقلوب المؤمنين التي زرعت فيها البشارة بالارض . وقوله ليلاً ونهاراً يشير الى زمان صعوده ومجيئه الثاني وقال ان الزرع ينمي ويطول أي ان البشارة تنمي وتتسع شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً . ولم يقل انهم اعتنوا في تربية الزرع لكن هو الزرع ينمى أي ليس ان البشارة تنمي فينا غصبا لكن بحريتنا الذاتية وباختيارنا نسير سيرة صالحة وكما ان الزرع له صفة النمو والنبت كذلك البشارة لها صفة الثمر حينما نشاء ان نعمل ما يرضي الله . واما قوله « وهو لا يشعر » ليس ان المسيح لا يشعر , لانه حكمة الاب وانه يعرف الآب كما ان الاب يعرفه . وعليه فانه كان يتكلم كعادة الزراعين الذين متى ما ألقوا الزرع في الارض لا يعودون يتعبون فيه وهو من ذاته ينبت ويتربى ونحن كذلك باختيارنا ننشأ في الفضيلة . فكأنه يقول انتم ازرعوا وعلموا واتركوا نتيجة النمو لله . مثلما زرعت انا البشارة في الانفس وصعدت للسماء وتركت لحرية البشر اختيار النمو في الفضيلة
عد 28 لان الارض من نفسها تخرج أولا العشب ثم السنبل ثم الحنطة ممتلئة في السنبل
هكذا بنو البشر يقبلون بشارة الانجيل أولا ثم يعملون اعمالا صالحة وبعد ذلك يتقدمون بالسيرة الصالحة الى ما هو أعلى ويصيرون كاملين
عد 29 فاذا ادرك الثمر فللوقت يعمل المنجل لان الحصاد قد حان
كما ان نضج الزرع يعقبه الحصاد وتجمع اثماره الى الاهرآء كذلك بنوا البشر لما يبلغون الى غاية الفضيلة يجمعون للسماء ويتنعمون في الملكوت
عد 30 وقال بماذا تشبه ملكوت الله أم أي مثل نمثله له 31 انه مثل حبة الخردل التي حين تزرع في الارض تكون اصغر جميع الحبوب التي على الارض 32 فاذا زرعت ارتفعت فصارت اكبر من جميع البقول ثم تخرج اغصانا كبيرة حتى ان طيور السماء تستطيع ان تستظل في ظلها
انظر شرح متى 13 : 31 و 32
فسر قوم الطيور بالشياطين أي ان هؤلاء أيضا يستظلون في ظل البشارة وتفسيرهم هذا باطل لان البشارة هي للبشر لا للشياطين المحفوظين للظلمة وقال آخرون ان طيور السماء يراد بها الملائكة وقال غيرهم انه يراد بها الملوك والرؤساء
عد 33 وبكثير من مثل هذه الامثال كان يخاطبهم بالكلمة على حسب ما كانوا يستطيعون ان يسمعوا 34 وبغير مثل لم يكن يكلمهم وفي الخلوة كان يفسر لتلاميذه كل شيء
انظر شرح متى 13 : 34
عد 35 وفي ذلك اليوم لما كان المساء قال لهم لنجز الى العبر
راجع شرح متى 8 : 8
عد 26 فصرفوا الجمع وأخذوه وهو في السفينة وكانت معه سفن خر 27 فحدثت عاصفة ريح شديدة وكانت تقذف الامواج على السفينة حتى أوشكت ان تمتلئ 38 وكان هو في مؤخرتها نائما على وسادة فايقظوه وقالوا له يا معلم ما تبالى بانا نهلك
راجع شرح بشارة متى 8 : 23 – 25
الظاهر ان سفينتهم وحدها كانت تتقاذفها الامواج ومع كل ذلك كان السيد نائماً لا يهمه الغرق وهذا كان تدبيرا منه
عد 29 فاستيقظ وانتهر الريح وقال للبحر ابكم فسكنت الريح وحدث هدوء عظيم 40 ثم قال لهم ما بالكم خائفين أليس لكم ايمان بعد . فخافوا خوفاً شديداً وقال بعضهم لبعض من ترى هذا فان الريح والبحر يطيعانه
انظر شرح بشارة متى 8 : 26 و27
الاصحاح الخامس
عد 1 وأتوا الى عبر البحر الى بقعة الجرجسيين . ولما خرج من السفينة استقبله من القبور رجل فيه روح نجس 3 كان يسكن في القبور ولم يكن أحد يقدر ان يوثقه ولا بالسلاسل 4 لانه كثيراً ما أوثق بقيود وسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود ولم يستطع احد ان يقمعه 5 وكان دائماً ليلا ونهارا في القبور وبين الجبال يصيح ويتهشم بالحجارة 6 فلما رأى يسوع عن بعد بادر اليه وسجد له 7 وصاح بصوت عظيم قائلا مالي ولك يا يسوع ابن والله العلى ستحلفك بالله لا تعذبني 8 لانه كان يقول له اخرج من الرجل ايها الروح النجس 9 وسأله ما اسمك فقال اسمي جوقه لأنا كثيرون
راجع شرح متى 8 : 28 و 29 . ووجه 228 و 229
جوقة اي عشرة الآف . وقول الشيطان انهم كثيرون يدلنا على ان طبعهم لطيف لا يمتنع دخول كثرتهم في الاجسام الكثيفة لانهم لا يأخذون فراغاً فيها كما ان الحرارة لا تأخذ فراغا فى الاجسام . وقيل ان الشياطين يأوون غالباً البراري وقليلون منهم يتركون بين الناس لكي تمتحن حرية البشر وتعرف فيهم قوة الله . ويقول بعض المنافقين ان الله لا يعتني بالبشر فان الابالسة قد تسلط منهم عشرة آلاف على انسان واحد . فنقول ضدهم ان الحال بالعكس وعناية الله ظاهرة تماما فان واحداً من البشر حفظ من قساوة عشرة آلاف دخلت فيه مع ان واحداً منهم يقدر يهلك الوفاً وربوات من البشر لشدة قوته وبطشه اذا تخلى الله عنهم
عد 10 وسأله كثيراً ألا يرسلهم الى خارج البقعة 11 وكان هناك عند الجبل قطيع عظيم من الخنازير يرعى 12 ففي الحال أذن لهم يسوع فخرجت لارواح النجسة ودخلت في الخنازير فوثب القطيع عن الجرف الى البحر وكان نحو الفين فاختنق في البحر
انظر شرح بشارة متى 8 : 30 – 32
قد اتضح من طلب الشياطين من سيدنا ان يأذن لهم بالدخول في الخنازير ان البهائم الحقيرة الدنيئة أيضاً لم تترك من العناية الالهية
عد 14 فهرب رعاته وأخبروا من في المدينة وفي الحقول فخرجوا ليرو ما حدث 15 وأتوا الى يسوع فنظروا المجنون جالساً لابسا صحيح العقل فخافوا 16 واخبرهم الناظرون بما جرى للمجنون وبأمر الخنازير 17 فجعلوا يسألونه ان ينصرف عن تخومهم
انظر شرح بشارة متى 8 : 33 و34
عد 18 فلما ركب السفينة جعل الذي كان مجنوناً يساله أن يكون معه 19 فلم يدعه لكن قال له اذهب الى بيتك الى ذويك وأخبرهم بما صنع الرب اليك وبرحمته لك 20 فذهب وطفق ينادي في المدن العشر بما صنع يسوع اليه وكان الجميع يتعجبون
انظر وجهه 239
( في المدن العشر ) هذه كانت مدينة اجتمع فيها من سكان عشر مدن أو انها كانت مستولية على عشر مدن كقرية اربع التي هي حبرون فانها كانت مستولية على اربعة قرى
عد 21 ولما جاز يسوع ايضاً في السفينة الى العبر اجتمع اليه جمع كثير وكان بجانب البحر 22 فأتى اليه واحد من رؤسآء الجمع اسمه يائير ولما رآه خر على قدميه 23 وسأله كثيراً قائلاً ان ابنتي مشرفة على الموت فأت وضع يدك عليها فتنجو وتحيا 24 فذهب معه وتبعه جمع كثير وكانوا يزحمونه
انظر شرح ذلك في بشارة متى 9 : 18 و 19
عد 25 وان امرأة بها نزف دم منذ اثنتى عشرة سنة 26 وقد كابدت كثيراً من اطباء كثيرين وانفقت كل ما لها ولم تستفد شيئاً بل صارت الى حالة أسوأ 27 فلما سمعت بيسوع جآءت بين الجمع من خلفه ومست ثوبه 28 لانها قالت اني ان مسست ولو ثوبه برئت 29 وللوقت . جف مسيل دمها وشعرت في جسمها انها برئت من دائها
انظر شرح بشارة متى 9 : 20 و 21
عد 30 وفي الحال شعر يسوع في نفسه بالقوة التي خرجت منه فالتفت الى الجمع وقال من مس ثيابي 31 فقال له تلاميذه ترى الجمع يزحمك وتقول من مسني 32 فأدار نظره ليرى التي فعلت ذلك 33 فخافت المرأة وارتعدت لعلمها بما حدث لها فجآءت وخرت له وقالت له الحق كله 34 فقال لها يا ابنة ايمانك ابراك فاذهبي بسلام وكوني معافاة من دائك
انظر شرح بشارة متى 9 : 22 ووجه 240
عد 35 وفيما هو يتكلم جاء ذوو رئيس المجمع قائلين ان ابنتك قد ماتت فلماذا تتعب المعلم بعد 36 فلما سمع يسوع ما تكلموا به قال لرئيس المجمع لا تخف آمن فقط
انظر وجه ال 240
عد 37 ولم يدع أحد يتبعه الا بطرس ويعقوب ويوحنا اخا يعقوب 38 ثم جاءوا الى بيت رئيس المجمع فرأى ضجيجاً وقوما يبكون ويولولون كثيرا 39 فدخل وقال لهم لماذا تضجون وتبكون ان الصبية لم تمت ولكنها نائمة 40 فضحكوا منه . أما هو فاخرج الجميع وأخذ معه أبا الصبية وأمها والذين معه ودخل الى حيث كانت الصبية مضطجعة 41 واخذ بيد الصبية وقال لها طليثا قومي الذي تفسيره يا صبية لك أقول قومي 42 فللوقت قامت الصبية ومشت وكانت ابنة اثنتي عشرة سنة . فدهشوا اشد الدهش 43 وأوصاهم كثيراً بأن لا يعلم أحد بهذا وأمر بأن تطعم
راجع شرح بشارة متى 9 : 23 – 25 ووجه 241
الاصحاح السادس
عد 1 وخرج من هناك ومضى الى وطنه وتبعه تلاميذه
انظر شرح بشارة متى 13 : 54
عد 2 ولما كان السبت طفق يعلم في المجمع وكثيرون اذ سمعوا بهتوا من تعليمه قائلين من اين لهذا هذه كلها وما هذه الحكمة التي اعطيها والقوات التي يجري مثلها على يديه 3 أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان . أوليست أخواته ههنا عندنا وكانوا يشكون فيه 4 فقال لهم يسوع انه لا يكون نبي بلا كرامة الا في وطنه وبين أقاربه وفي بيته 5 ولم يستطع ان يصنع هناك شيئاً من القوات غير انه وضع يديه على مرضى قليلين فأبراهم 6 وكان يتعجب من عدم ايمانهم . ثم جال في القرى المحيطة يعلم
راجع شرح بشارة متى 13 : 55 – 58
سموا المسيح ابن مريم لان يوسف الذي كان يظن انه أبوه كان قد مات ثم ليتذكر القاري ان موسى النبي اهين من بني جنسه وشعبه مرات كثيرة خر 2 : 14 و 5 : 20 وارميا أهين من بني قريته ار 32 : 2 و 37 : 21 وهكذا الناصريون لم يعتبروا المسيح ابن بلدتهم ووطنهم . والمسيح لم يصنع بينهم قوات كثيرة لا لعدم قدرته لكن لاجل شرهم وخبثهم وسوء ضمائرهم كما قال أرميا ان الرب لا يقدر ان يغفر لكم زلاتكم لاجل أفعالكم الخبيثة
عد 7 ودعا الاثنى عشر وجعل يرسلهم اثنين اثنين وأعطاهم سلطانا على الارواح النجسة 8 وأوصاهم ان لا يأخذوا شيئاً للطريق الا عصا فقط لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في مناطقهم 9 بل يحتذوا بنعال ولا يلبسوا ثوبين 10 وقال لهم أي بيت دخلتموه فكونوا فيه حتى تخرجوا من هناك
راجع شرح بشارة متى 10 : 8 – 11
قد امر سيدنا رسله الا يأخذوا شيئا من الذين يمضون اليهم ليبشروهم لئلا يظن في الرسل انهم ذاهبون للتجارة العالمية . وبأمره لهم ان لا يحملوا شيئاً علمهم ان كلما يحتاجون اليه هو يعطيهم اياه . ولا تناقض بين قول متى « ولا عصا » وبين قول مرقس الا عصا لان الاثنان ينهيان عن الاخذ من الغير لئلا تظهر مقاصد الآخذ انها شريرة واما اذا اخذوا العصاء من بيوتهم للتوكيء فلا مانع من حملها لانها نافعة للطريق اما لبس الحذاء فلم يمنعهم من استعماله لاجل صعوبة الطريق والشوك لكن منعهم من حمل الاحذية الزائدة عن حاجتهم لئلا تعيقهم وتربكهم في سفرهم عن التبشير . ولان متى كان عشارا وقد جرب آلام الشراهة وصعوبتها لاجل ذلك نهاهم عن الحذاء حتى لم يدعهم ان يحملوا عصا . وقال آخرون ان العصاء ممنوع حملها سواء كان في متى أو في مرقس وفسروا لفظة ” الا ” التي ذكرها مرقس بمعنى لا كما ذكرها متى فيكون قول مرقس « الا عصا » بمعنى ولا عصا
عد 11 ومن لا يقبلكم ولا يسمع لكم فاذا ذهبتم من هناك فانفضوا غبار ارجلكم شهادة لهم
راجع شرح بشارة متى 10 : 14
قال قوم ان الغبار اشارة الى الضمائر الترابية التي ذووها مزمعون ان يهلكوا بالكلية كالغبار امام الريح لان المنافقين في زوبعة شرهم يهلكون والاثمة بترابية شرهم يفنون . وقال آخرون ان الغبار دليل على العناء الذي قاسوه في الطريق لاجل اليهود . ولان هؤلآء رفضوا قبول البشارة فأعدوا انفسهم الى القضاء الجازم بهلاكهم . ( شهادة لهم ) اي علامة لدينونتهم
عد 12 فخرجوا وكرزوا بالتوبة 13 واخرجوا شياطين كثيرين ومسحوا بالزيت مرضى كثيرين فشفوهم
ان الرسل حينما كانوا يجولون في اليهودية كانوا يأخذون زيتاً مباركا كان قد باركه ربنا فيشفون المرضى به . وقال آخرون ان الرسل حينما كانوا يدخلون كانوا يأخذون زيتا ويباركونه ويدهنون المرضى به فيشفون
عد 14 وسمع هيرودس الملك لان اسمه كان قد اشتهر فقال ان يوحنا المعمدان قد قام من الاموات ومن اجل ذلك هذه القوات تعمل به
راجع شرح بشارة متى 14 : 1 و 2
عد 15 وقال آخرون انه ايليا وقال آخرون انه نبي كاحد الانبياء . 16 فلما سمع هيرودس قال ان يوحنا الذي قطعت انا راسه قد قام من بين الاموات 17 لان هيرودس كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة أخيه فيلبس لانه كان قد تزوجها 18 فكان يوحنا يقول لهيرودس انه لا يحل لك ان تكون لك امرأة أخيك 19 وكانت هيروديا تترصده وتريد قتله فلم تستطع 20 لان هيرودس كان يخاف من يوحنا لعلمه انه رجل بار وقديس ويحافظ عليه وكان يصنع أموراً كثيرة على حسب ما سمع منه ويصغى اليه بانبساط
راجع شرح بشارة القديس متى 14 : 3 – 5
عد 21 ولما كان اليوم الموافق وقد صنع هيرودس في مولده عشاء لعظمائه وقواد الالوف واعيان الجليل 22 دخلت ابنة هيروديا ورقصت فاعجبت هيرودس والمتكئين معه فقال الملك للصبية سليني ما أردت فأعطيك 23 وحلف لها ان مهما سألت مني اعطيك ولو نصف مملكتي 24 فخرجت وقالت لامها ماذا اسأله . قالت رأس يوحنا المعمدان 25 وللوقت دخلت على الملك مسرعة وسألته قائلة أريد ان تعطيني على الفور رأس يوحنا المعمدان في طبق 26 فاستحوذ على الملك حزن شديد ولكنه من اجل اليمين والمتكئين معه لم يرد ان يصدها 27 ولساعته أنفذ سيافاً وأمر ان يأتي برأسه في طبق فانطلق وقطع رأسه في السجن 28 وأتى برأسه فى طبق ودفعه الى الصبية فدفعته الى امها 29 وسمع تلاميذه فجاءوا وأخذوا جثته ووضعوها في قبر
راجع شرح بشارة متى 14 : 6 – 12
عد 30 واجتمع الرسل الى يسوع واخبروه بجميع ما عملوا وعلموا 31 فقال لهم هلموا وحدكم الى موضع قفر واستريحوا قليلا . لان القادمين والذاهبين كانوا كثيرين فلم تكن لهم فرصة للاكل 32 فركبوا السفينة وانطلقوا الى موضع قفر منفردين 33 فرأوهم ذاهبين وعرف كثيرون فأسرعوا الى هناك راحلين من كل المدن وسبقوهم
انطر شرح بشارة متى 14 : 13
عد 34 فلما خرج يسوع أبصر جمعاً كثيراً فتحنن عليهم لانهم كانوا كخراف لا راعي لها وطفق يعلمهم اشياء كثيرة
انظر شرح بشارة متى 9 : 36 و 14 : 14
عد 35 وبعد ساعات كثيرة دنا اليه تلاميذه وقالوا ان المكان قفر والساعة قد فاتت 36 فاصرفهم ليذهبوا الى الضياع والقرى القريبة ويبتاعوا لهم الى ما يأكلون 37 فأجابهم قائلا اعطوهم انتم ليأكلوا فقالوا له أنذهب فنبتاع خبزا بمئتي دينار ونعطيهم ليأكلوا 38 فقال لهم كم عندكم من الخبز اذهبوا وانظروا فلما تحققوا قالوا خمسة وسمكتان 39 فأمرهم ان يجلسوا الجميع حلقة حلقة على العشب الاخضر 40 فاتكأوا زمرة زمرة مئة مئة وخمسين خمسين 41 فأخذ الخمسة الارغفة والسمكتين ونظر الى السماء وبارك وكسر الارغفة وأعطى لتلاميذه ليقدموا اليهم وقسم السمكتين على الجميع 42 فاكلوا جميعهم وشبعوا 43 ورفعوا ما فضل من الكسر اثنتي عشرة قفة مملؤة مع ما فضل من السمكتين 44 وكان الآكلون خمسة آلاف رجل 45 وللوقت اضطر تلاميذه ان يركبوا السفينة ويسبقوه الى العبر الى بيت صيدا حتى يصرف الجميع
انظر شرح بشارة متى 14 : 15 – 22
عد 46 ولما ودعهم ذهب ال الجليل ليصلي 47 وعند المسآء كانت السفينة في وسط البحر وهو وحده في البر 48 فلما رآهم مكدودين في قذفهم لان الريح كانت مقاومة لهم وافاهم نحو الهجعة الرابعة من الليل ماشياً على البحر وكان يريد ان يجاوزهم 49 فلما رأوه ماشياً على البحر ظنوه خيالا فصرخوا 50 لانهم رأوه كلهم واضطربوا . فللوقت كلمهم وقال لهم ثقوا انا هو لا تخافوا 51 وصعد اليهم الى السفينة فسكنت الريح فزاد الدهش في أنفسهم ال الغاية 52 لانهم لم يفهموا أمر الخبز اذ كانت قلوبهم عمياء
انظر شرح بشارة متى 14 : 23 – 27
عد 53 ولما عبروا جآوا الى ارض جناسر وأرسوا 54 ولما خرجوا من السفينة للوقت عرفه الناس 55 فطافوا جميع تلك البقعة وجعلوا يحملون المرضى على اسرة الى حيث يسمعون انه هناك 56 وحيثما كان يتوجه الى قرى أو مدن أو ضياع كانوا يضعون المرضى في الشوارع ويسألونه ان يلمسوا ولو طرف ثوبه فكل من لمسه برئ
راجع شرح بشارة القديس متى 14 : 34 – 36
الاصحاح السابع
عد 1 واجتمع اليه الفريسيون وقوم من الكتبة الذين جآءوا من اورشليم 2 فرأوا بعض تلاميذه يأكلون الطعام بأيد نجسة أي غير مغسولة فلاموهم 3 لان الفريسيين وسائر اليهود لا يأكلون ما لم يغسلوا ايديهم مراراً تمسكاً بسنة الشيوخ 4 واذا جاءوا من السوق لا يأكلون ما لم يغتسلوا واشياء أخرى كثيرة قلدوها ليتمسكوا بها من غسل كؤوس وجرار وآنية نحاس وأسرة 5 فسأله الفريسيون والكتبة لما تلاميذك لا يجرون على سنة الشيوخ ولكن يأكلون الطعام بايد نجسة 6 فأجابهم قائلا حسنا تنبا عليكم اشعيا ايها المرآءون كما هو مكتوب هذا الشعب يكرمني بشفتيه واما قلوبهم فبعيدة مني 7 فهم باطلا يعبدونني اذ يعلمون تعاليم الناس ووصاياهم 8 لانكم تركتك وصايا الله وتمسكتم بسنة الناس من غسل جرار وكؤوس وأشيآء أخرى كثيرة أمثال هذه تفعلونها
انظر شرح بشارة متى 15 : 1 – 3 و 7 – 9
عد 9 وقال لهم انكم قد رفضتم وصية الله تماماً لتحفظوا سنتكم 10 فقد قال موسى اكرم اباك وأمك وكذا من لعن أباه أو امه فليقتل قتلا 11 وأنتم تقولون ان قال انسان لابيه أو أمه كل قربان أو هدية مني تنتفع به 12 فلا تدعونه يصنع لابيه أو أمه شيئاً البتة 13 مبطلين كلام الله بسنتكم التي سننتم وأشياء أخرى كثيرة أمثال هذه تفعلونها
راجع شرح بشارة متى 15 : 3 – 6
عد 14 ثم دعا الجمع كله وقال لهم أسمعوا لي جميعكم وافهموا 15 لا شيء مما هو خارج عن الانسان اذا دخله يمكن ان ينجسه بل ما يخرج من الانسان هو الذي ينجس الانسان 16 من له اذنان سامعتان فليسمع
انظر شرح بشارة القديس متى 15 : 10 و11
عد 17 ولما جاء من عند الجمع الى البيت سأله تلاميذه عن المثل 18 فقال لهم أهكذا انتم بغير فهم . اما تفهمون ان كل ما هو خارج اذا دخل الانسان لا يمكن ان ينجسه 19 لانه لا يدخل في قلبه بل في الجوف ويذهب الى المخرج وتنقى به جميع الاطعمة 20 وقال ان الذي يخرج من الانسان هو الذي ينجس الانسان 21 لانها من الداخل من قلوب الناس تنبعث الافكار الرديئة الزنى الفجور القتل 22 السرقة الحرص الخبث الغش العهارة العين الشريرة التجديف الكبرياء الجهل 23 جميع هذه الشرور تنبعث من الداخل فتنجس الانسان
انظر شرح بشارة القديس متى 15 : 15 – 20
عد 24 ثم قام من هناك وذهب الى تخوم صور وصيدا ودخل بيتاً ولم يرد ان يعلم احد فلم يقدر ان يستتر
انظر شرح متى 15 : 21
لم يرد ان يعلم به أحد لئلا يظن اليهود انه يحب الشعوب اكثر منهم وانه محب للمجد الباطل لانه كان مزمع ان يأتي بأعجوبة شفاء ابنة الكنعانية
عد 25 وكانت امرأة لها بنت بها روح نجس فحالما سمعت به جاءت وخرت عند قدميه 26 وكانت المرأة يونانية جنسها من فينيقية سورية وسألته ان يخرج الشيطان من ابنتها 27 فقال لها دعي البنين يشبعون أولا لانه ليس حسناً ان يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب 28 فأجابت وقالت له نعم يا رب فان الكلاب تاكل تحت المائدة من فتاة الاولاد 29 فقال لها لاجل كلامك هذا اذهبي فقد خرج الشيطان من ابنتك 30 فلما عادت الى بيتها وجدت الصبية مضطجعة على السرير وقد خرج الشيطان
انظر شرح بشارة القديس متى 15 : 22 – 28
عد 31 ثم خرج من تخوم صور ومر في صيدا وجآء فيما بين تخوم المدن العشر الى بحر الجليل
انظر شرح بشارة متى 15 : 29
عد 32 فجآءوه باصم أخرس وسألوه ان يضع يده عليه
راجع شرح بشارة القديس متى 9 : 32
عد 33 فأخذه من بين الجمع على حدة وجعل اصابعه في أذنيه وتفل ولمس لسانه
لم يشفه امام الجمع لعلل ثلاث . اولاً لئلا يظن في سيدنا انه يحب المجد الباطل ثانيا توبيخا للذين عمل الآيات امامهم وما أمنوا به اولئك الذين لاجلهم تنهد . ثالثا ليعلمنا بانه اذا عملنا الفضائل لا ننشرها ولا نطلب مجداً باطلا من الناظرين والسامعين . وبجعله اصابعه في أذنيه الخ اظهر انه هو الخالق والجابل لآدم من القديم وانه هو الذي نفخ فيه نسمة الحياة وهو الذي خلق الحواس ورتب الاعضاء للاطفال في بطون أمهاتهم . وكان له المجد قادرا ان يشفيه بلحظة كما شفى مئات بكلمة واحدة لكنه أخر شفاءه لاجل ثلاث غايات . اولا ليحس الاخرس بشفائه انه لم يكن بغتة . ثانياً لكي تعظم الآية باكثر مما هي ولا تعد وهماً . ثالثا ليثبت سر تجسده ولا يظن انه خيال كما يقول الخياليون الذين ينسبون تجسد المسيح للخيال . ولكي يستاصل مرقس من بين الرومانيين تعاليم سيمون الساحر الذي كان يقول ان سياسة المسيح وتجسده خيال اعتنى بايضاح هذا الامر . وقد اقترب المسيح من اذان المصاب ولسانه بمسهما لئلا يقول اليهود ان المسيح كان يكره التقرب من المتضايقين والمتوجعين لذلك لم يلمسهم
عد 34 ثم نظر الى السماء متنهدا وقال له اتفتح أي انفتح
نظر له المجد الى السماء لكي يرفع افعاله الى أبيه ويعنف الذين يقولون انه مضادد لله . وتنهد اولا لاجل قساوة اليهود الذين كانوا يعاينون العجائب التي عمل ولم يؤمنوا وثانيا ليس لانهم لم يؤمنوا به فقط بل لانهم كانوا مزمعين ان يصلبوه ايضا . ثالثاً لانه كالراعي الحنون الذي يتنهد على قطيعه الهالك . وكالملاح الذي يحزن على سفينته التي غرقت . رابعا لاجل الطبع البشري الذي وصل الى اذل حال واعظم انحطاط . ولم يفتحه بالصلوة أو بالطلبة لكن بأمر كما فعل في البدء اذ أمر النور فكان . ولمعترض يقول ان في البدء كان الآب يقول للشيء كن فيكون ؟ الجواب ان امر الاب والابن والروح القدس واحد لان النبي قال « بكلمة الرب خلقت السموات وبروح فيه جميع جنودها مز 33 : 6 »
عد 35 وفي الحال انفتح مسمعاه وانحلت عقدة لسانه وتكلم بطلاقة
من هنا يظهر المسيح جليا انه اله متانس فانه حالما أمر الاصم الاخرس فشفي كقول النبي « قال فكان هو أمر فصار مز 32 : 9 »
عد 36 فاوصاهم الا يقولوا لاحد غير انهم كانوا كلما اوصاهم لا يزدادون الا نداء 37 وكان يشتد دهشهم قائلين لقد احسن في كل ما صنع . جعل الصم يسمعون والبكم ينطقون
اوصاهم الا يقولوا لاحد لانه لم يكن يحب المجد الباطل . وليعلمنا ان نقتدي به . وقوله « اوصاهم » يشير الى مجموع الذين شفاهم لان الاخرس الذي شفي واحد . او انه اراد بهذه الوصية الاخرس والمجتمعين هناك
الاصحاح الثامن
عد 1 وحدث في تلك الايام انه كان جمع كثير ولم يكن لهم ما ياكلون فدعا تلاميذه وقال لهم 2 أنني اتحنن على الجمع لان لهم معي ثلاثة ايام وليس لهم ما يأكلون 3 وان صرفتهم الى منازلهم صائمين يخورون في الطريق . لان منهم من جاءوا من بعيد 4 فاجابه تلاميذه كيف يقدر أحد ان يشبع هؤلاء خبزا ههنا في البرية 5 فسألهم كم عندكم من الخبز . فقالوا سبعة 5 فامر الجمع ان يتكئ على الارض ثم أخذ السبعة الارغفة وشكر وكسر وأعطى تلاميذه لكي يقدموا للجمع 7 وكان عندهم يسير من السمك فشكر وأمر بان يقدموا ذلك ايضاً 8 فأكلوا وشبعوا ورفعوا ما فضل من الكسر سبع سلال 9 فكان للآكلون نحو اربعة الآف ثم صرفهم
راجع شرح بشارة متى 15 : 33 – 38
عد 10 ومن ساعته ركب السفينة مع تلاميذه وجآء الى نواحي دلمانوتا
انظر شرح بشارة القديس متى 15 : 39
عد 11 فخرج الفريسيون وجعلوا يباحثونه سائلين اياه آية من السماء ليجربوه
انظر شرح بشارة متى 12 : 38 و 16 : 1
عد 12 فتنهد في نفسه وقال ما بال هذا الجيل يطلب آية . الحق أقول لكم انه لن يعطى هذا الجيل آية 13 ثم تركهم وركب السفينة ايضاً ومضى الى العبر 14 فنسوا ان يأخذوا خبزاً ولم يكن معهم في السفينة سوى رغيف واحد 15 واوصاهم قائلا انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس 16 ففكروا قائلين بعضهم لبعض انه ليس معنا خبز 17 فعلم يسوع فقال لهم لماذا تفكرون أن ليس معكم خبزاً أحتى الآن لا تفهمون ولا تعقلون أو حتى الآن قلوبكم عميآء 18 لكم عيون افلا تبصرون ولكم أذان أفلا تسمعون ولا تذكرون 19 إذ كسرت الخمسة الارغفة للخمسة الآلاف كم قفة مملوءة كسراً رفعتم . قالوا له اثنتي عشرة 20 واذ كسرت السبعة الأرغفة للاربعة الآلاف كم سلة رفعتم من الكسر قالوا له سبعة 21 فقال لهم فكيف حتى الآن لا تعقلون
انظر شرح بشارة متى 16 : 5 -11
عد 22 وجآءوا الى بيت صيدا فقدموا له اعمى وسألوه ان يلمسه 23 فأخذ بيد الاعمى وأخرجه الى خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه وساله أيبصر شيئاً
فعل ذلك اعتزالاً للسهرة – وليتحقق الاعمى بالشفاء ويزداد ايمانا كما فعل في ابراء الاصم الاخرس مر 7 : 33
عد 24 فرفع طرفه وقال أبصر الناس كأشجار تمشي 25 فعاد ووضع يديه على عينيه فبدأ يبصر وعاد صحيحا حتى صار يبصر كل شيء جليا فأرسله الى بيته قائلا اذهب الى بيتك واذا دخلت القرية فلا تقل لأحد شيئاً
راجع شرح بشارة مر 7 : 33 – 36
عد 27 ثم خرج يسوع الى قرى فيلبس وفي الطريق سأل تلاميذه قائلا لهم من تقول الناس اني هو 28 فأجابوه قائلين يقولون انك يوحنا المعمدان وآخرون انك ايليا وآخرون انك كأحد الانبياء 29 فقال لهم وانتم من تقولون اني هو . أجاب بطرس قائلا أنت المسيح
انظر شرح بشارة متى 16 : 13 – 16
عد 30 فانتهرهم ان لا يقولوا عنه لأحد 31 وبدأ يعلمهم أنه ينبغي لابن البشر أن يتألم كثيراً ويرذل من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل ويقوم في اليوم الثالث 32 وكان يقول هذا القول جهراً فأخذ بطرس وبدأ يزجره 33 فالتفت ونظر الى تلاميذه وزجر بطرس قائلا اذهب خلفي يا شيطان لانك لا تفطن لما لله لكن لما للناس
انظر شرح بشارة القديس متى 16 : 20 – 23
لم يزجر بطرس سيده بانتهار شديد لكن بمحبة وطلب . وبالتفات المسيح الى تلاميذه كأنه قال انظروا ما يقول سمعان فانه يقول ما لا يجب ان يقوله انسان تقي . وقد سماه المسيح شيطاناً نصيحة له ولأرفاقه التلاميذ حتى لا يتجاسر احد منهم على ان يصير مانعاً لما يريده الله ويكون تابعاً لارادة الشيطان
عد 34 ثم دعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني 35 لان من يخلص نفسه يهلكها ومن أهلك نفسه من اجلي ومن اجل الانجيل يخلصها 36 فانه ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه 37 أم ماذا يعطي الانسان فدآء عن نفسه
انظر شرح بشارة القديس متى 16 : 24 – 26
الاصحاح التاسع
عد 1 وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا فأصعدهم الى جبل عال على انفراد وتجلى قدامهم 2 وصارت ثيابه تلمع بيضآء كالثلج حتى لا يستطيع قصار على الارض ان يبيض مثلها 3 وترآءى لهم موسى وايليا كان يخاطبان يسوع 4 فأجاب بطرس وقال ليسوع يا رب حسن لنا أن نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لايليا 5 ولم يكن يدري ما يقول لما كان بهم من الرعب 6 وظللتهم سحابة وخرج صوت من السحابة يقول هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا 7 ونظروا حولهم بغتة فلم يروا أحداً بعد الا يسوع وحده معهم 8 وفيما هم نازلون من الجبل اوصاهم الا يخبروا أحداً بما رأوا الا متى قام من بين الاموات 9 فكتموا هذا الكلام في نفوسهم سائلين بعضهم بعضا ما معنى اذا قام من بين الاموات
مر الكلام على التجلي والتفسير في شرح بشارة متى 17 : 1 – 9
عد 10 وسألوه قائلين كيف يقول الفريسيون والكتبة ان ايليا ينبغي ان يـأتي أولا 11 فاجاب وقال لهم ان ايليا يأتي أولا ويرد كل شيء ويجري عليه مثل ما كتب عن ابن البشر ان يتألم كثيراً ويرذل 12 لكني أقول لكم ان ايليا قد جاء وقد صنعوا به كل ما أرادوا كما كتب عنه
انظر شرح بشارة متى 17 : 10 – 12
عد 13 ولما جاء الى تلاميذه رأى جمعاً كثيرا حولهم وكتبه يباحثونهم 14 وللوقت لما رأى الجمع كله يسوع انذهلوا وابتدروا وسلموا عليه 15 فسألهم فيما تباحثونهم 16 فاجاب واحد من الجمع وقال يا معلم قد اتيتك بابن لي به روح ابكم 17 وحيثما أخذه يصرعه فيزبد ويصرف باسنانه وييبس وقد سألت تلاميذك ان يخرجوه فلم يقدروا
انظر شرح بشارة متى 17 – 16
ليس ان الروح ابكم لكن الرجل المريض فانه لما كان يعذبه الشيطان ويصرعه كان يصير كالابكم ويزبد من فمه وكان يصير كالخشب اليابس والتلاميذ لم يخرجوا الشيطان من الرجل لا لعدم قدرتهم لكن لانه لم يكن لايقاً ان ياتوا بالعجائب والمسيح حاضر . فاننا نراهم لما ارسلوا الى اليهودية لم يكونوا يأتون الآيات والعجائب فقط بل والشياطين أيضاً كانت تخضع لهم كقولهم لسيدنا ها الشياطين تخضع لنا باسمك . بل وآخرون كانوا يفعلون باسمه كلما كانوا يقولونه كما شكاهم الرسل لربنا قائلين يا رب اننا رأينا انسانا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه مر 9 : 38 ولو 9 : 5
عد 18 فاجابهم وقال ايها الجيل الغير المؤمن الى متى أكون عندكم وحتى متى احتملكم . هلم به الي
انظر شرح بشارة متى 17 : 17
عد 19 فاتوه به فلما رآه للوقت صرعه الروح فقط على الارض يتمرغ ويزبد 20 فسأل أباه منذ كم من الزمان اصابه هذا . فقال منذ صباه 21 وكثيراً ما القاه في النار وفي المياه ليهلك لكن ان استطعت شيئا فتحنن علينا واغثنا
انظر شرح بشارة متى 17 : 14
ان المسيح لا لانه لم يكن يعلم الزمان الذي اصيب الرجل فيه سأل لان الذي يعرف الاب حقا لا يخفى عنه الزمان الذي دخل فيه الروح النجس . لكنه سأل لاجل اربعة أمور . أولا ليظهر نفاق اليهود ثانيا لكي تظهر قوة المسيح جليا بطول مدة المرض وتعظم الاعجوبة اكثر في أعين الناظرين ثالثا حتى يشعر المصابون بالشفاء
عد 22 فقال له يسوع ان استطعت أنت ان تؤمن فكل شيء ممكن للمؤمن 23 فصاح ابو الصبي من ساعته بدموع وقال اني أومن يا رب فأعلن قلة ايماني 24 فلما رأى يسوع ان الجمع يتبادرون اليه انتهر الروح النجس قائلا له أيها الروح الاصم الابكم انا آمرك اخرج منه ولا تعد اليه من بعد 25 فصرخ وخبطه كثيراً وخرج منه فصار كالميت حتى قال كثيرون انه قد مات 26 فاخذ يسوع بيده وانهضه فقام
انظر وجه ال 360
عد 27 ولما دخل البيت سأله تلاميذه على انفراد لماذا لم نستطيع نحن ان نخرجه 28 فقال لهم ان هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء الا بالصلاة والصوم
انظر شرح بشارة القديس متى 17 : 18 و 20
عد 29 ولما خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يرد أن يدري به أحد 30 وكان يعلم تلاميذه ويقول لهم ان ابن البشر سيسلم الى أيدي الناس فيقتلونه وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثالث 31 فلم يفهموا هذا الكلام وهابوا أن يسألوه
انظروا تفسير ذلك في شرح بشارة متى 17 : 21 و 22
عد 32 وجآءوا الى كفرناحوم ولما كان في البيت سألهم فيم كنتم تتباحثون في الطريق 33 فصمتوا لانهم كانوا يتباحثون في الطريق فيمن هو الاعظم بينهم
انظر شرح بشارة متى 18 : 1
عد 34 فجلس ودعا الاثني عشر وقال لهم ان أراد أحد ان يكون الاول فليكن آخر الكل وخادما للكل
انظر شرح بشارة متى 20 : 26
عد 35 ثم أخذ صبيا وأقامه في وسطهم واحتضنه وقال لهم 36 من قبل واحدا من هؤلآء الصبيان باسمي فاياي يقبل ومن قبلني فليس قابلا لي انا بل الذي ارسلني
انظر شرح بشارة متى 18 : 2 – 5
عد 37 واجاب يوحنا قائلا له يا معلم انا رأينا واحدا لا يتبعنا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه 37 فقال يسوع لا تمنعوه لانه ليس احد يصنع قوة باسمي ويقدر للحال أن يقول علي سوءا
يظهر ان هذا الرجل كان من اولئك الذين كانوا يأتون الى سيدنا للاستفادة وان لم يكن يتبعه مثل تلاميذه . لكن سيدنا اعطاه الهبة لاستحقاقه . ولما رأى التلاميذ انه لا يتبعهم منعوه « اي حرموه » قائلين له لانك لم تتبع سيدنا فليس لك سلطان ان تخرج الشياطين باسمه
عد 39 لانه من لم يكن عليكم فهو معكم
انظر شرح بشارة القديس متى 12 : 30
عد 40 ومن سقاكم كاس ماء باسمي بما انكم للمسيح فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره
انظر شرح بشارة متى 10 : 42
عد 41 ومن شكك احد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر الرحى وألقي في البحر 42 فان شككتك يدك فاقطعها فخير لك ان تدخل الحياة وأنت أقطع من ان يكون لك يدان وتذهب الى جهنم الى نار لا تطفا 43 حيث لا يموت دودهم ولا تطفا النار 44 وان شككتك رجلك فاقطعها فخير لك ان تدخل الحياة وأنت اعرج من ان يكون لك رجلان وتلقى في جهنم في نار لا تطفا 45 حيث لا يموت دودهم ولا تطفأ النار 46 وان شككتك عينك فاقلعها فخير لك ان تدخل ملكوت الله وأنت أعور من ان يكون لك عينان وتلقى في جهنم النار 47 حيث لا يموت دودهم ولا تطفأ النار
انظر شرح بشارة متى 5 : 29 و 30 و 18 : 8 و9
عد 48 كل واحد يملح بالنار وكل ذبيحة تملح بالنار
كما ان الملح يحفظ الاجسام الطرية من النتونة والفساد هكذا نعمة الروح القدس تحفظ الضمائر الضعيفة من الخطيئة المنتنة . وقال آخرون ان قوله « كل واحد يملح بالنار » أي ان كل ضمير يتملح بنعمة الروح القدس يستضيء بالمعرفة ويتشرف بمخافة الله . فان المسيح له المجد يريد بالذبيحة السيرة الصالحة التي تقدم لله كالذبائح ويريد بالملح المحبة والرحمة . أي يجب ان تكون سيرتنا وضمائرنا نقية مطيبة بالمحبة والرحمة . وكذلك فانه اراد بالملح نعمة الروح القدس التي قبلناها لتكون عربون المزمعات . وقال آخرون ان المسيح كان يعظهم ليقتنوا اعمالا صالحة مع الامانة لانه كما ان النار تبيض الاناء وتجليه من جميع الاوساخ وكما ان كل ذبيحة تفوز بالملح طعما وتحفظ من النتانة هكذا يجب ان يكون ايماننا مقرونا بالاعمال الصالحة لنستحق الدخول الى الملكوت . وكما ان الملح اذا بقى في طبعه جيد وهكذا الكهنوت اذا حفظ بالطهارة والامانة المستقيمة واما اذا فسد الكهنوت فالمؤمنون المحسوبون ذبيحة يقطعون رجاءهم لان ليس من يقدر يطيب الملح أي الكاهن
عد 49 الملح جيد ولكن اذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه . فليكن فيكم ملح وليسالم بعضكم بعضا
فليكن فيكم ملح أي أمكثوا بالطعم الطيب الذي قبلتم . وليسالم بعضكم بعضاً أي الرعاة والاغنام . لانه كما ان السجس يضعف القطيع ويقلله وهكذا الامن فانه يربي المعلمين والمتعلمين
الاصحاح العاشر
عد 1 وقام من هناك وجاء الى تخوم اليهودية الى عبر الاردن فاجتمع اليه جموع وكان يعلمهم على عادته
انظر شرح بشارة القديس متى 19 : 1
عد 2 فدنا الفريسيون وسالوه مجربين له هل يحل لرجل ان يطلق زوجته 3 فاجابهم قائلا بماذا أوصاكم موسى 4 قالوا ان موسى قد اذن ان يكتب كتاب طلاق وتخلى 5 فاجاب يسوع وقال انه لاجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية 6 ولكن في بدء الخليقة ذكراً وانثى خلقهم الله 7 لذلك يترك الرجل أباه وامه ويلزم امرأته 8 فيصيران كلاهما جسداً واحداً . فليسا هما اثنين بعد ولكنهما جسد واحد وما جمعه الله لا يفرقه انسان 10 وسأله تلاميذه في البيت عن ذلك 11 فقال لهم من طلق امرأته وتزوج أخرى فقد زنى عليها 12 وان طلقت امرأة بعلها وتزوجت آخر فقد زنت
مر الكلام على سؤال الفريسيين ليسوع في شأن الطلاق وجوابه لهم عليه في الشرح مت 19 : 3 – 12 وضمن متى في جواب المسيح للفريسيين ما ذكره مرقس في ع 11 و 12 من انه قاله لتلاميذه خاصة
عد 13 وقدموا اليه صبياناً ليلمسهم فزجر التلاميذ مقدميهم 14 رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال دعوا لهم الصبيان يأتون الي ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلآء ملكوت الله 15 الحق أقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل صبي فلا يدخله 16 ثم احتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم 17 وبينما هو خارج الى الطريق اسرع اليه رجل وجثا له وسأله . أيها المعلم الصالح ماذا اعمل لأرث الحياة الابدية 18 فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً انه لا صالح الا الله وحده 19 قد عرفت الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تخن أكرم أباك وامك 20 فأجاب وقال له يا معلم كل هذا حفظته منذ صباي 21 فنظر اليه يسوع وأحبه وقال له واحدة تنقصك اذهب وبع كل ما لك واعطه للمساكين فيكون لك كنز في السمآء وتعال اتبعنى 22 فاكتأب من هذا الكلام ومضى حزيناً لانه كان ذا مال كثير
انظر شرح بشارة القديس متى 19 : 13 – 22
لم يحب المسيح الرجل بالنظر الى ما كان عليه في الباطن لكن بما كان عليه في الظاهر . وعلمنا بهذا ان كلمن يحفظ هذه التعاليم فهو محبوب لديه . وما كان عليه هذا الشاب في الظاهر يشبه حزن هيرودس عند ما طلبت منه هيروديا راس يوحنا فكان حزينا خارجياً .
عد 23 فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما اعسر على ذوي الاموال أن يدخلوا ملكوت الله 24 فانذهل التلاميذ لكلماته . فأجاب يسوع ايضاً وقال لهم يا بني ما اعسر على المتكلين على الاموال ان يدخلوا ملكوت الله 25انه لأسهل أن يدخل الجمل في ثقب الابرة من ان يدخل غني ملكوت الله 26 فازدادوا دهشا قائلين فيما بينهم من يستطيع اذن ان يخلص 27 فنظر اليهم يسوع وقال لهم اما عند الناس فلا يستطاع واما عند الله فليس كذلك لان كل شيء عند الله مستطاع .
سبق شرح هذا الخطاب في تفسير بشارة متى 19 : 23 – 26
عد 28 فجعل بطرس يقول له هوذا نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك 29 فأجاب يسوع وقال ألحق أقول لكم انه ما من أحد ترك بيتاً أو أخوة أو اخوات أو اباً أو اماً أو بنين او حقولا لاجل اسمي ولاجل الانجيل 30 الا يأخذ مئة ضعف . أما في هذا الزمان فبيوتا واخوة واخوات وامهات وبنين وحقولاً مع اضطهادات أما في الدهر الآتي فالحياة الابدية 31 وكثيرون من الاولين يكونون آخرين ومن الآخرين يكونون اولين
انظر شرح بشارة متى 19 : 27 – 30
( حقولاً مع اضطهادات ) اي ليس في هذا العالم فقط ينال المؤمنون جزاء اعمالهم الصالحة بل في العالم الآتي ايضا . ويوجد من يتبع المسيح هنا ويترك اباه الجسدي فيجد بحسب وعد المسيح له أباء كثيرين روحيين واخوة روحيين اما الحقول مع الاضطهادات فهي هنا
عد 32 وكانوا في الطريق صاعدين الى أورشليم وكان يسوع يتقدمهم وهم ينذهلون يتبعونه خائفين فأخذ ايضا الاثنى عشر وابتدأ يقول لهم ما سيعرض له 33 هوذا نحن صاعدون الى أورشليم وابن البشر سيسلم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه الى الامم 34 فيهزأون به ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم
ما قاله المسيح هنا من جهة آلامه وموته وقيامته مر تفسيره في شرح بشارة متى 20 : 17 – 19
عد 35 فدنا اليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين . يا معلم نريد ان تصنع لنا كل ما نسألك 36 فقال لهما ماذا تريدان ان أصنع لكما 37 قالا له هب لنا ان نجلس احدنا عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك 38 فقال لهم يسوع انكما لا تعلمان ما تطلبان أتستطيعان ان تشربا الكأس التي اشربها انا او تصطبغان الصبغة التي اصطبغها انا 39 فقالا له نستطيع فقال لهما يسوع أما الكأس التي اشربها فتشربانها والصبغة التي اصطبغها فتصطبغانها 40 واما جلوسكما عن يميني او يساري فليس لي ان اعطيه لكما بل للذين اعد لهم
تقدم الكلام على هذه الطلبة في شرح بشارة متى 20 : 20 – 23
كان يظن اليهود ان المسيح اذا جاء فجميع الامم تخضع له واليهود يكونون قضاتهم وحكامهم بل ورؤساء القواد وارباب الالوف ولهذا السبب طلب التلميذان ان يجعلهما رؤساء ووزراء وحكام يجلسون عند كرسيه فلم يعطهما سؤالهما لانهما طلبا طلبة خصوصية لا عمومية كطلبة بطرس . فلو طلبا بتواضع ما فيه خير العموم كبطرس الذي قال « هو ذا نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك » لسمعوا ما قيل لبطرس عن الجلوس والكراسي ونوال الاكليل ثم نقول انه لم يعطهما ايضا سؤالهما حتى لا يتذمر عليهما باقي التلاميذ . ويحسدونهم كما حدث بينهم مباحثات عمن يكون الاول بينهم مر 9 : 46 و 22 : 25 .
عد 41 فلما سمع العشرة ابتدأوا يغضبون على يعقوب ويوحنا 42 فدعاهم يسوع وقال لهم قد علمتم ان الذين يعدون اراكنة الامم يسودونهم . وعظمآئهم يتسلطون عليهم 43 واما أنتم فليس فيكم هكذا ولكن من اراد ان يكون عظيما يكون لكم خادما 44 ومن اراد ان يصير فيكم الاول يكون عبداً للجميع 45 فان ابن البشر لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدآء عن كثيرين
راجع شرح بشارة القديس متى 20 : 24 – 28
عد 46 وأتوا الى أريحا ومعه تلاميذه وجمع كثير كان برتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالساً على الطريق يستعطي 47 فلما سمع بان يسوع الناصري مقبل طفق يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني 48 فزجره كثيرون ليسكت فازداد صراخا يا ابن داود ارحمني 49 فوقف يسوع وأمر ان يدعوه . فدعوا الاعمى قائلين له ثق وانهض فانه يدعوك 50 فطرح ردآءه ونهض وابتدر اليه 51 فاجاب يسوع وقال له ماذا تريد ان اصنع لك . فقال له الاعمى يا سيدي ان أبصر 52 فقال له يسوع اذهب ان ايمانك قد خلصك وللوقت أبصر وتبعه في الطريق
ذكر ابراء هذا الاعمى بالتفصيل في شرح انجيل متى 20 : 29 – 34
الاصحاح الحادي عشر
عد 1 ولما قربوا من أورشليم وبيت عنيا عند جبل الزيتون . أرسل اثنين من تلاميذه 2 وقال لهما اذهبا الى القرية التي امامكما وحالما تدخلانها تجدان جحشاً مربوطاً ما ركب عليه أحد من الناس فحلاه وأتيا به 3 فان قال لكما أحد ماذا تصنعان فقولا الرب يحتاج اليه فيرسله للوقت الى ههنا 4 فذهبا فوجدا جحشا مربوطا عند الباب في الخارج على ملتقى طريقين فحلاه 5 فقال لهما قوم من القائمين هناك ما بالكما تحلان الجحش 6 فقال لهم كما أمرهما يسوع فتركوهما 7 فاتيا بالجحش الى يسوع وطرحا ثيابهما عليه فركب عليه 8 وفرش كثيرون ثيابهما في الطريق وآخرون قطعوا اغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق 9 وكان الذين أمامه والذين ورآءه يصرخون قائلين هوشعنا 10 مبارك الآتي باسم الاب ومباركة مملكة أبينا داود الآتية هوشعنا في الاعالي 11 ودخل الى أورشليم الى الهيكل ولما تفقد الاشياء كلها وقد أقبل المساء خرج الى بيت عنيا مع الاثنى عشر
تقدم الكلام على دخول يسوع بالاحتفال الى اورشليم في شرح انجيل متى 21 : 1 – 17
عد 12 وفي الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع 13 فنظر عن بعد شجرة تين ورق فدنا اليها لعله يجد عليها شيئا . فلما دنا لم يجد الا ورقاً لانه لم يكن أوان التين 14 فاجاب وقال لها لا يأكل أحد ثمرة منك الى الابد وكان تلاميذه يسمعون
مر الكلام على تلك التينة في شرح انجيل متى 21 : 18 – 20
عد 15 وجآءوا الى أورشليم فدخل الهيكل وجعل يخرج الذين يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام 16 ولم يدع أحداً ينقل متاعا في الهيكل 17 وكان يعلمهم قائلا أليس مكتوبا ان بيتي بيت الصلاة يدعى لجميع الامم وأنتم جعلتموه مغارة للصوص 18 فسمع رؤساء الكهنة والكتبة فالتمسوا كيف يهلكونه لانهم كانوا يخافونه اذ الجمع كله كان يتعجب من تعليمه
انظر شرح ذلك في تفسير بشارة متى 21 : 12 و 13
عد 19 والمساء خرج من المدينة 20 وفي الغداة اجتازوا فرأوا التينة قد يبست من اصلها 21 فتذكر بطرس وقال له ربي ها ان التينة التي لعنتها قد يبست من اصلها 22 فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لك ايمان بألله 23 الحق اقول لكم ان من قال لهذا الجبل انتقل واهبط في البحر وهو لا يشك في قلبه بل يؤمن بان ما يقوله يكون فانه يكون له 24 فلاجل ذلك أقول لكم كل ما تسألونه في الصلاة فآمنوا بانكم تنالونه فيكون لكم
انظر بشارة متى 21 : 20 – 22
عد 25 ومتى قمتم لتصلوا فان كان لكم على أحد شيء فاغفروا له لكي يغفر لكم ايضاً أبوكم الذي في السموات زلاتكم 26 وان لم تغفروا انتم فأبوكم الذي في السموات ايضا لا يغفر لكم زلاتكم
انظر شرح بشارة متى 6 : 12 و 15
عد 27 ثم جآءوا ايضا الى أورشليم وبينما هو يمشي في الهيكل أقبل عليه رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ 28 وقالوا له بأي سلطان تفعل هذا ومن الذي اعطاك هذا السلطان حتى تفعل هذا 29 فأجاب يسوع وقال لهم وانا ايضا اسألكم عن كلمة واحدة اجيبوني فأقول لكم بأي سلطان افعل هذا 30 معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس . اجيبوني 31 ففكروا في انفسهم قائلين ان قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به 32 وان قلنا من الناس فانّا نخاف الشعب لان يوحنا يعد عند جميعهم نبيا بالحقيقة 33 فأجابوا وقالوا ليسوع لا نعلم . فاجاب يسوع وقال لهم ولا انا اقول لكم بأي سلطان افعل هذا
انظر شرح بشارة القديس متى 21 : 23 – 27
الاصحاح الثاني عشر
عد 1 وجعل يكلمهم بأمثال قائلا رجل غرس كرما وحوطه بسياج وحفر معصرة وبنى برجا وسلمه الى عملة وسافر 2 وعند اوان الثمر ارسل الى العملة عبدا ليأخذ من ثمار الكرم 3 فاخذوه وجلدوه وارسلوه فارغا 4 فعاد وارسل اليهم عبداً اخر فشجوا راسه واهانوه 5 وارسل ايضا آخر فقتلوه ثم كثيرين آخرين فجلدوا بعضا وقتلوا بعضا 6 وبقي ابن له وحيد محبوب فأرسله اليهم أخيراً قائلاً لعلهم يهابون ابني 7 اما الفعلة فقالوا فيما بينهم هذا هو الوارث تعالوا نقتله فيصير الميراث لنا 8 فأخذوه وقتلوه وطرحوه خارج الكرم 9 فماذا يفعل رب الكرم انه يأتي فيميت العملة ويدفع الكرم الى آخرين 10 أما قرأتم هذه الكتابة ان الحجر الذي رذله البنآؤون هو صار رأساً للزاوية 11 من عند الرب كان ذلك وهو عجيب في اعيننا 12 فهموا ان يمسكوه ولكنهم خافوا من الجمع لانهم علموا انه قال هذا المثل عليهم فتركوه ومضوا
راجع شرح بشارة القديس متى 21 : 33 – 42
عد 13 وارسلوا اليه قوماً من الفريسيين والهيرودسيين لكي يقتنصوه بكلمة 14 فأقبلوا وقالوا له يا معلم قد علمنا انك محق ولا تبالي بأحد ولا تنظر الى وجوه الناس بل تعلم طريق الله بالحق هل يجوز أن نعطي الجزية لقيصر أم لا نعطي 15 فعلم ريآءهم فقال لهم لماذا تجربوني . علي بدينار حتى انظر 16 فأتوا به فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة قالوا له لقيصر 17 فأجاب يسوع وقال لهم أوفوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله فتعجبوا منه
راجع شرح بشارة متى 22 : 15 – 22
عد 18 وأتى اليه الصدوقيون الذين يقولون بعدم القيامة وسألوه قائلين 19 يا معلم كتب لنا موسى انه ان مات لاحد أخ وترك امرأة ولم يخلف ولداُ فليأخذ أخوه امرأته ويقم نسلا لاخيه 20 وكان سبعة اخوة أخذ الاولى امرأة ومات ولم يخلف نسلا 21 فأخذها الثاني ومات ولم يخلف هو أيضا نسلا والثالث كذلك 22 فأخذها السبعة ولم يخلفوا نسلا وماتت المرأة ايضاً آخر الجميع 23 ففي القيامة حين يقومون امرأة من تكون منهم لان السبعة اتخذوها امرأة 24 فأجاب يسوع وقال لهم ألستم لهذا تضلون لانكم لم تعرفوا الكتب ولا قوة الله 25 لانهم حين يقومون من بين الاموات لا يزوجون ولا يتزوجون ولكن يكونون كالملائكة في السموات 26 وأما ان الاموات يقومون أفما قرأتم في سفر موسى كيف خاطبه الله من العليقة قائلا انا اله ابراهيم واله اسحاق واله يعقوب 27 وهو ليس اله أموات بل احياء فأنتم اذاً في ضلال عظيم
راجع شرح انجيل متى 22 : 23 – 33
عد 28 فدنا أحد الكتبة وقد سمعهم يباحثونه ورأى انه أحسن في الجواب لهم فسأله أية الوصايا هي أول الكل 29 أجابه يسوع ان أول الوصايا كلها اسمع يا اسرائيل ان الرب الهنا رب واحد 30 فاحبب الرب الهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قدرتك هذه هي الوصية الاولى 31 والثانية التي تشبهها احبب قريبك كنفسك ولا وصية أخرى اعظم من هاتين 32 فقال له الكاتب حسن يا معلم الحق قلت ان الله واحد وليس آخر غيره 33 ومحبته من كل القلب وكل العقل وكل النفس وكل القدرة ومحبة القريب كالنفس هما أفضل من جميع المحرقات والذبائح 34 فلما رآه يسوع أجاب بحكمة قال له لست بعيداً من ملكوت الله . ولم يجسر احد بعدها ان يسأله
راجع شرح بشارة القديس متى 24 : 3 – 40
( لست بعيداً ) اي ان كنت تؤمن بكرازتي وتزيد على اتمام الناموس الذي انت حافظه لست بعيداً من ملكوت الله والا فأنت بعيد منه
عد 35 فأجاب يسوع وقال وهو يعلم في الهيكل كيف تقول الكتبة ان المسيح هو ابن داود 36 فان داود نفسه يقول بروح القدس قال ألرب لربي اجلس عن يميني حتى اجعل اعداءك موطئاً لقدميك 37 فداود نفسه يقول انه ربه فكيف يكون هو ابنه . وكان جمع كثير يسمعه بانبساط
راجع شرح انجيل متى 22 : 41 – 46
38 وقال لهم في تعليمه احذروا من الكتبة الذي يحبون المشي بالحلل والتحيات في الاسواق 39 وصدور المجالس في المجامع وأول المتكئات في العشآء 40 الذين يأكلون بيوت الارامل بعلة تطويل صلواتهم فهؤلآء ستنالهم دينونة أعظم
انظر شرح بشارة القديس متى 23 : 5 و 6 و 14
( بالحلل ) أي بالثياب الفاخرة المسجفة
عد 41 وجلس يسوع قبالة الخزانة ونظر كيف يلقي الجمع نحاسا في الخزانة فألقى كثير من الاغنيآء شيئاً كثيراً
( في الخزانة ) اي في الصندوق . وكان كلمن يلقى شيئاً محبة لله ذهبا وفضة في ذلك الصندوق كان يلقيه . وكان هناك كثيرون من الصيارفه ومتاجري الذهب بالفضة والفضة بالذهب وكان اغنياء كثيرون يلقون شيئا كثيرا
عد 42 وجآءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتها ربع 43 فدعا تلاميذه وقال لهم الحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة قد القت اكثر من كل الذين ألقوا في الخزانة 44 لان الجميع ألقوا مما فضل عندهم وأما هذه فمن عوزها القت كل ما لها كل معيشتها
نتعلم من قول مخلصنا هذا انه لا ينظر لقلة وكثرة العطايا لكن الى الى ارادة وقلب معطيها . لاجل ذلك حينما نعطي شيئا يجب ان نعطيه بقلب فرح وبنية سليمة وان تكون عطيتنا قليلة فهي مقبولة لديه تعالى
الاصحاح الثالث عشر
عد 1 وبينما هو خارج من الهيكل قال له أحد تلاميذه يا معلم انظر اي حجارة وأي أبنية هذه 2 فأجاب يسوع وقال له أترى هذه الابنية العظيمة انه لا يترك حجر على حجر الاينقض 3 وبينما هو جالس في جبل الزيتون قبالة الهيكل سأله بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس على انفراد 4 قل لنا متى يكون هذا وما العلامة التي تكون أذا أوشك أن يتم هذا كله
انظر شرح بشارة متى 4 : 1 – 3
عد 5 فأجاب يسوع وشرع يقول لهم احذروا ان يضلكم احد 6 لان كثيرين سيأتون بأسمي قائلين اني انا هو ويضلون كثيرين 7 فاذا سمعتم بحروب وباخبار حروب فلا تقلقوا فانه لا بد ان يكون هذا ولكن لا يكون المنتهى اذ ذاك 8 ستقوم امة على امة ومملكة على مملكة وتكون زلازل في اماكن شتى ومجاعات وهذا اول المخاض
انظر شرح بشارة متى 24 : 4 – 8
عد 9 فانظروا لأنفسكم فأنهم سيسلمونكم الى المحافل وتضربون في المجامع وتوقفون أمام الولاة والملوك من اجلي شهادة لهم 10 وينبغي ان يكرز اولاً بالانجيل في جميع الامم 11 فاذا ساقوكم واسلموكم فلا تهتموا من قبل بماذا تتكلمون بل مهما اعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لانكم لستم المتكلمين لكن الروح القدس 12 وسيسلم الاخ اخاه للموت والاب ابنه ويقوم الاولاد على والديهم ويقتلونهم 13 وتكونوا مبغضين من الكل من اجل اسمي والذي يصبر على المنتهى فذلك يخلص
راجع شرح بشارة القديس متى 24 : 9 – 12
عد 14 فمتى رايتم رجاسة الخراب قائمة حيث لا ينبغي . ليفهم القاري فحينئذ الذي في اليهودية فليهرب الى الجبال 15 والذي على السطح فلا ينزل . الى البيت ولا يدخل لياخذ شيئاً من بيته 16 والذي في الحقل فلا يرجع الى ورآئه لياخذ ثوبه 17 الويل للحبالى والمرضعات في تلك الايام 18 صلوا لئلا يكون هذا في شتاء 19 لان تلك الايام ستكون مضايق لم يكن مثلها منذ اول الخليقة التي خلقها الله الى الآن ولن يكون 20 ولولا ان الرب سيقصر الايام لما كان يخلص ذو جسد لكن لاجل المختارين الذين اختارهم قصر الايام 21 حينئذ ان قال لكم احد ان المسيح ههنا او هناك فلا تصدقوا 22 فسيقوم مسحاء كذبة وانبياء كذبة يعطون علامات وعجائب لكي يضلوا ان امكن 23 فاحذروا انتم فهاءنذا قد تقدمت فقلت لكم كل شيء
راجع شرح بشارة القديس متى 24 : 15 – 25
عد 24 وفي تلك الايام يكون الضيق تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه 25 وتتساقط كواكب السماء وتتزعزع القوات التي في السموات 26 وحينئذ تشاهدون ابن البشر آتيا على السحاب بقوة وجلال عظيمين 27 وحينئذ يرسل ملائكته ويجمع مختاريه من الرياح الاربع من أقاصي الارض الى اقاصي السماء 28 من التينة تعلموا المثل فانها اذا لانت اغصانها واخرجت أوراقها علمتم ان الصيف قد دنا 29 كذلك انتم اذ رايتم هذا قد حدث فاعلموا انه قريب على الابواب 30 الحق أقول لكم انه لا يزول هذا الجيل حتى يكون هذا كله .
31 السمآء والارض تزولان وكلامي لا يزول 32 فأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلمها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن الا الاب 33 فاحذروا واسهروا لانكم لا تعلمون متى يكون الزمان
انظر شرح بشارة متى 24 : 29 – 36
( ولا الابن ) ان الاريوسيين اذا أرادوا ان يجعلوا منزلة الابن احط من منزلة الاب يأتون بهذه الآية برهانا فنقول ان الذي يعرف الاب حقاً لا يخفى عليه ذلك اليوم لانه اله ولكن بما انه صار انساناً قال انه لا يعلم لانه مخصوص ببني البشر الا يعرفوا المزمعات ولو قال اني أعلم لتشبه بابيه فقط لكنه قال لا اعلم متشبها بنا نحن البشر ولئلا يقول الضالون انه لم يصر انسانا ثم تقول ان الله الاب اعظم واكثر احتجابا من ذلك اليوم قد قال الابن ” كما ان الاب يعرف الابن هكذا الابن يعرف الاب فاذا كان يعرف الاب مثلما الاب يعرفه كيف تخفى عنه معرفة ذلك اليوم . واذا كان الاب يعرف ذلك اليوم فالابن ايضا يعرفه لان معرفة الاب والابن والروح القدس واحدة كما ان ارادتهم وطبعهم وقوتهم واحدة . والابن نفسه هو الخالق للعوالم والازمنة والاشهر والسنين لان النبي قال بكلمة الرب خلقت السموات مز 33 : 6 فاذاً يعرف ذلك اليوم حقيقة . لانه كيف يعلم الآيات التي ستحدث يوم مجيئه اذ قال « في تلك الايام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه وتتساقط كواكب السماء الخ » واليوم نفسه لا يعرفه وكيف يعلم الرجل الامر الجاري في المدينة او السفينة ولا يعلم المدينة نفسها . ثم تقول كما انه يعرف يوم مولده في بيت لحم هكذا يعلم يوم مجيئه الاخير
وقد قال بولس الرسول ان المسيح قوة وحكمة الاب . فيقوله انه قوته اعلن ان لا شيئاً خارج عن حكمته وعنايته . وبقوله انه حكمته علمنا ان لا شيئا خارج عن معرفته وان جميع الموجودات والمزمعة ان تكون محصورة بمعرفته واذا كان مما في الوجود لا يعلمه فليس هو حكمة الاب وقد قال ابن شيراخ ان كل حكمة من الله من المحقق ان المسيح هو الله فاذاً يعرف ذلك اليوم لكنه قال لا أعلم ليمنع التلاميذ من ان يسألوه لانه لا تنفعهم معرفة ذلك اليوم ولا للذين بعدهم لئلا يتكاسلوا في عمل الفضيلة . وذلك واضح من قوله « اسهروا وصلوا » ونقول ايضاً كيف يقول انا والاب واحد ويعرف ان يوم مجيئه يكون ليلا بقوله اثنان يكونان على سرير فيؤخذ الواحد ويترك الآخر, واليوم نفسه لا يعلمه . وقد علمنا بقوله لا اعلم انه اذا سألنا احد سؤالا غير واجب فنلتجئ بعدم المعرفة بحكمة لئلا نعطي حية عوض سمكة . وقد قيل عن الاب اقوال كثيرة تناسب ما قاله المسيح . بقوله « ثم ذكر الله نوحاً تك 8 : 1 » أي كانه كان نسيه وقوله « انزل وارى هل فعلوا بالتمام حسب صراخها الآتي الي والا فاعلم تك 18 : 21 .» وقوله انهم قد علموا ما لم أقل لهم ولم يخطر على بالي . فاذا كان الله الآب الذي لم يلبس جسداً تبعته أقوال حقيرة فكم باوفر مخلصنا الذي لبس جسداً لاجلنا يتكلم مثل الناس . ولو قال المسيح اني اعلم ولم أقل لكم لظنوه حسوداً وشريراً ولو اعلمهم بها لاعتراهم الكسل والتهاون . ولم يذكر هذه العبارة سوى مرقس لان الرومانيين كانوا يشكون بتأنسه وهذا الشكوك كان قد زرعه بينهم سيمون الساحر الذي قال ان الابن لم يلبس جسدا . لذلك قال مرقس « ولا الابن » معلماً بهذه انه ليس آلها فقط بل وانسانا ايضاً متشبهاً بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة .
تفسير آخر . لا يقصد مرقس هنا بقوله « ولا الابن المسيح لكن المؤمنين الذين دعوا بنين بواسطة العماد ». وسمى المسيح أباً لانه أب العالم العتيد . بقوله « يا أولادي زماناً قليلا انا معكم وقوله هوذا انا والبنون الذين أعطيتني » لان اسم الآب يطلق على الآب والابن فعلى الآب بالطبيعة وعلى الابن بالسياسة والتلاميذ هنا لما سمعوا انه قال ولا الابن ظنوا انه يريد بقوله هذا هو نفسه فلذلك سكتوا عن أن يسألوه . وبقوله لهم صلوا علمهم ان الصلاة نافعة وتستطيع ان تنجي مصليها من مخافة ذلك اليوم .
عد 34 فذلك مثل رجل سافر وترك بيته وصرف عبيده كل واحد في عمله وأوصى البواب بالسهر 35 فاسهروا اذن لانكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أفي المساء أم في نصف الليل أم عند صياح الديك أم في الصباح 36 لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً . 37 وما اقوله لكم أقوله للجميع أن اسهروا
انظر تفسير بشارة متى 24 : 27 – 42
هذا المثل يشبه رجلا سافر الى بلد بعيد فيدعو عبيده ويسلطهم على مقتناه . ويوعد بالمكافات لحافظي وصاياه وبالعذاب لمخالفي اوامره . فانه لو كشف لهم عن يوم مجيئه . لعرض للمجتهدين الملل اذا كان يوم مجيئه قريباً بقولهم ان الوقت قصير ولا نقدر ان نتمم ارادته وللكسالى قطع الرجاء . واذا كان يوم مجيئه بعيداً فالمجتهدون يتكاسلون والكسالى مع اهمالهم يذنبون الى ان يقرب ذلك اليوم عنهم جعل كلا الطرفين مجتهدين لتكميل ارادته . وكذلك فانه لو اعلمهم عن يوم مجيئه لارتفع الخوف من قلبهم فيأكلوا ويشربوا قائلين ان سيدنا يتأخر فانه قد ياتي آتي في اليوم الفلاني . ولانه لم يكشف لهم عنه ابقاهم خائفين مفكرين انه ربما يأتي في الساعة الفلانية ونحن غير عارفين فيجدنا مرتبكين بالخطايا . كذلك والمسيح لم يكشف لنا عن ذلك اليوم وعن يوم انتقالنا حتى نكون في خوف مجتهدين في عمل الفضائل
الاصحاح الرابع عشر
عد 1 وكان الفصح والفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبه يلتمسون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه 2 ولكنهم قالوا لا في العيد لئلا يقع بلبال في الشعب 3 وفيما هو في بيت عنيا في منزل سمعان الابرص متكئا جاءت امرأة معها قارورة طيب من سنبل الناردين كثير الثمن فكسرت القارورة وأفاضته على رأسه 4 وان قوما غضبوا في أنفسهم وقالوا لما كان إتلاف هذا الطيب 5 فقد كان يمكن أن يباع هذا الطيب باكثر من ثلاث مئة دينار ويعطي للمساكين وكانوا يدمدمون عليها 6 فقال يسوع دعوها لماذا تعنفونها فقد صنعت بي صنيعاً حسناً 7 ان المساكين هم عندكم في كل حين فتقدرون أن تحسنوا اليهم متى شئتم وأما انا فلست عندكم في كل حين 8 انها صنعت ما في وسعها وقد سبقت فطيبت جسدي للدفن 9 الحق أقول لكم انه حيثما كرز بهذا الانجيل في العالم كله يخبر بما صنعت هذه تذكاراً لها
انظر شرح بشارة القديس متى 26 : 1 – 13
عد 10 وان يهوذا الاسخريوطي احد الاثنى عشر ذهب الى رؤساء الكهنة ليسلمه اليهم 11 فلما سمعوا فرحوا ووعدوه أن يعطوه فضة وكان يلتمس كيف يسلمه في فرصة 12 وفي اليوم الاول من الفطير اذ كانوا يذبحون الفصح قال له التلاميذ أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح 13 فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا الى المدينة فسيلقاكما رجل حامل جرة مآء فاتبعاه 14 وحيث يدخل فقولا لرب البيت ان المعلم يقول أين يكون منزلي الذي آكل فيه الفصح مع تلاميذي 15 فهو يريكما غرفة كبيرة مفروشة فأعدا لنا هناك 16 فخرج تلميذاه وأتيا الى المدينة فوجدا كما قال لهما وأعدا الفصح
انظر شرح بشارة القديس متى 26 : 14 – 19
( يهوذا الاسخريوطي ) قيل ان هذا كان ثالثا في الرتبة اي بعد سمعان ويعقوب ولان الانجيليين كتبوا الاناجيل بعد خيانته لسيده لذلك كتبوا اسمه آخر جميع التلاميذ
عد 17 ولما كان المساء أتى مع الاثنى عشر 18 وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم ان واحدا منكم سيسلمني وهو يأكل معي 19 فجعلوا يحزنون واحد فواحد لعلي انا هو 20 فقال لهم هو واحد من الاثنى عشر الذي يغمس يده معي في الصفحة 21 وابن البشر ماض كما هو مكتوب عنه لكن الويل لذلك الرجل الذي يسلم ابن البشر قد كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد 22 وفيما هم يأكلون أخذ يسوع خبزا وبارك وكسر واعطاهم وقال خذوا هذا هو جسدي 23 وأخذ الكأس وشكر واعطاهم فشربوا منها كلهم 24 وقال لهم هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يهرق عن كثيرين 25 الحق أقول لكم اني لا أشرب بعد من عصير الكرمة الى ذلك اليوم الذي فيه اشربه جديدا في ملكوت الله 26 ثم سبحوا وخرجوا الى جبل الزيتون
راجع شرح بشارة متى 26 : 20 – 31
عد 27 فقال لهم يسوع كلكم تشكون في فيهذه الليلة لانه مكتوب أضرب الراعي فتتبدد الخراف 28 ولكن متى قمت اسبقكم الى الجليل 29 فقال له بطرس لو شك فيك جميعهم لم أشك انا 30 فقال له يسوع الحق أقول لك انك اليوم في هذه الليلة قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات 31 فأخذ يبالغ في الكلام ان لو لجئت ان أموت معك ما انكرتك وهكذا قال جميعهم
انظر شرح بشارة متى 26 : 31 – 35
عد 32 وجاءوا الى ضيعة اسمها جتسماني . فقال لتلاميذه امكثوا ههنا حتى اصلي 33 وأخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وطفق يرتاع ويكتئب 34 وقال لهم ان نفسي حزينة حتى الموت فامكثوا ههنا واسهروا 35 ثم تباعد قليلا وخر على الارض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة ان كان يستطاع 36 ويقول أيا أيها الآب ان كل شيء مستطاع عندك فأجز عني هذه الكأس لكن ليس مشيئتي تكون بل مشيئتك 37 ثم جاء فوجدهم نياماً فقال لبطرس يا سمعان هل انت نائم أو لم تقدر ان تسهر ساعة واحدة 38 اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة . اما الروح فمستعد واما الجسد فضعيف 39 ثم مضى ايضا وصلى قائلا ذلك القول بعينه 40 ثم رجع فوجدهم نياما ايضا لان اعينهم كانت ثقيلة فلم يدروا بماذا يجيبونه 41 وجاء ثالثة وقال لهم ناموا الآن واستريحوا يكفي فقد أتت الساعة هوذا ابن البشر يسلم الى ايدي الخطة 42 قوموا ننطلق فقد قرب الذي يسلمني
انظر شرح بشارة متى 6 : 36 – 46
لم يأخذ معه سوى بطرس ويعقوب ويوحنا أولا لكثرة محبته لهم ثانيا لان يهوذا لم يكن مستحقا لتلك الرؤيا . ثالثا ليكونوا شهوداً لما كان يعمل لان بشهادة اثنين أو ثلاثة ثبتت كل كلمة . ولم يصل امامهم لئلا يظن انه مفتخر ومحب للمجد بل وليعلمهم وجوب الصلاة . ولم يبتعد عنهم كثيرا لكي يسمعوا صلاته ويعلمونها لآخرين
عد 43 وفيما هو يتكلم اذ اقبل يهوذا الاسخريوطي أحد الاثنى عشر ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ 44 وقد اعطاهم الذي اسلمه علامة قائلا الذي أقبّله هو هو فامسكوه وقيدوه باحتياط 45 وللوقت جاء اليه وقال السلام يا معلم وقبله 46 فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه 47 فاستلّ واحد من الحاضرين السيف وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع اذنه 48 فأجاب يسوع وقال لهم كأنما خرجتم الى لص بسيوف وعصي لتأخذوني 49 اني كل يوم كنت عندكم في الهيكل أعلم ولم تمسكوني ولكن لتتم الكتب 59 حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا
انظر شرح بشارة القديس متى 26 : 47 – 56
( الذي أقبله هو هو ) اعطاهم يهوذا القبلة علامة خيفة من ان يمسكوا غيره لأن الوقت كان ليلا
عد 51 وكان يتبعه شاب عليه ازار على عريه فأمسكوه 52 فترك الازار وهرب منهم عرياناً
قال قوم ان هذا الشاب هو يوحنا الانجيلي . وقال آخرون ان يوحنا لم يكن يمشي عريانا وهو مع سيدنا ولا غيره من التلاميذ . وقال بعضهم انه مرقس الانجيلي ولذلك لم يذكر اسمه في الانجيل
عد 53 فذهبوا بيسوع الى رئيس الكهنة واجتمع كل رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ 54 وتبعه بطرس من بعيد الى داخل دار رئيس الكهنة وجلس مع الخدام يصطلي عند النار 55 وكان رؤساء الكهنة وكل المحفل يلتمسون على يسوع شهادة ليقتلوه فلم يجدوا 56 لان كثيرين كانوا يشهدون عليه زوراً ولم تتفق شهادتهم 57 ثم وقف قوم يشهدون بالزور ويقولون 58 اننا سمعناه يقول اني انقض هذا الهيكل المصنوع بالايدي وفي ثلاثة ايام أبني آخر غير مصنوع بالايدي 59 ولا في هذا ايضا اتفقت شهادتهم 60 فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلا اما تجيب بشيء عما يشهد به هؤلاء عليك 61 واما هو فكان صامتاً ولم يجب بشيء فسأله رئيس الكهنة ايضا وقال له هل انت المسيح ابن الله المبارك 62 فقال له يسوع أنا هو وسترون ابن البشر جالساً عن يمين قدرة الله وآتيا على سحاب السماء 63 فشق رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا الى شهود 64 قد سمعتم التجديف فماذا ترون . فحكم الجمع بأنه مستوجب الموت 65 فطفق قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له تنبأ . وكان الخدام يلطمونه
راجع شرح بشارة متى 26 : 57 – 68
عد 66 وبيتما بطرس في الدار في الأسفل جاءت احدى جواري رئيس الكتبة 67 ولما رأت بطرس يصطلي تفرست فيه وقالت انت أيضا كنت مع يسوع الناصري 68 فأنكر وقال لست أدري ولا أعرف ما تقولين وخرج خارجا الى الدهليز فصاح الديك 69 ثم رأته تلك الجارية مرة أخرى فجعلت تقول للحاضرين ان هذا منهم 70 فأنكر ثانية . وبعد قليل قال الحاضرون لبطرس في الحقيقة انت منهم لانك جليلي 71 فجعل يلعن ويحلف انني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه 72 وللوقت صاح الديك ثانية فتذكر بطرس الكلام الذي قاله له يسوع انك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات فطفق يبكي
راجع شرح بشارة متى 26 : 69 – 75
الاصحاح الخامس عشر
عد 1 وللوقت في الصباح تشاور رؤسآء الكهنة مع الشيوخ والكتبة والمحفل كله وأوثقوا يسوع ومضوا به ودفعوه الى بيلاطس
انظر شرح بشارة متى 27 : 1 و 2
عد 2 فسأله بيلاطس هل انت ملك اليهود فأجابه قائلا أنت قلت 3 وكان رؤساء الكهنة يشكون كثيرا 4 ثم سأله بيلاطس ثانية أما تجيب بشيء أنظر كم يشكونك 5 أما يسوع فلم يعد يجيبه بشيء حتى تعجب بيلاطس
انظر شرح بشارة متى 27 : 11 – 14
عد 6 وكان يطلق لهم في العيد اسيرا من طلبوا 7 وكان رجل يدعى برابا موثقا مع أهل الفتنة الذين ارتكبوا القتل في فتنتهم 8 فلما صعد الجمع . طفقوا يطلبون ما كان يصنعه لهم دائما 9 فأجابهم بيلاطس قائلا أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود 10 لانه كان يعلم ان رؤسآء الكهنة انما أسلموه حسداً 11 فهيج رؤساء الكتبة الجمع لكي يطلق لهم بالحري برأبا 12 فأجاب بيلاطس وقال لهم فماذا تريدون أن أصنع بملك اليهود 13 فصاحوا ايضاً اصلبه 14 فقال لهم بيلاطس أي شر صنع . فأزدادوا صياحاً أن اصلبه 15 فأراد بيلاطس ان يرضي الجمع فأطلق لهم برأبا وأسلم اليهم يسوع بعد ما جلده ليصلب
انظر شرح بشارة القديس متى 27 : 15 – 26
عد 16 فذهب به الجنود الى دار الولاية وجمعوا الفرقة كلها 17 وألبسوه ارجواناً وضفروا اكليلا من الشوك وكللوه به 18 وجعلوا يسلمون عليه قائلين سلام يا ملك اليهود 19 وكانوا يضربون رأسه بقصبة ويبصقون عليه ويجثون على ركبهم ساجدين لهم 20 وبعد ما هزأوا به نزعوا عنه الارجوان وألبسوه ثيابه وخرجوا به ليصلبوه 21 وسخروا رجلا عابراً كان آتيا من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو الاسكندر وروفس أن يحمل صليبه 22 وأتوا به الى موضع الجلجلة الذي تفسيره موضع الجمجمة 23 واعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب فلم يأخذ 24 ولما صلبوه اقتسموا ثيابه بينهم واقترعوا على ما يأخذ كل واحد منها 25 وكانت الساعة الثالثة وصلبوه 26 وكانوعنوان علته مكتوبا ملك اليهود
انظر شرح بشارة متى 27 : 27 – 37
عد 28 وصلبوا معه لصين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره 29 فتمت الكتابة القائلة وأحصي مع الاثمة
انظر شرح بشارة متى 27 : 38
عد 29 وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم ويقولون يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام 30 خلص نفسك وانزل عن الصليب 31 وهكذا رؤساء الكهنة كانوا يهزأون فيما بينهم مع الكتبة قائلين خلص آخرين ونفسه لم يقدر ان يخلصها 32 انه هو المسيح ملك اسرائيل فلينزل عن الصليب لنرى ونؤمن . وكان اللذان صلبا معه يعيرانه ايضا 33 وعند الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة 34 وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا ألوهي ألوهي لما شبقتني الذي تفسيره الهي الهي لماذا تركتني 35 فسمع قوم من الحاضرين فقالوا انه ينادي ايليا 36 فأسرع واحد وملا اسفنجة خلا وجعلها على قصبة وسقاه قائلا دعوا لننظر هل يأتي ايليا ينزله 37 وصرخ بصوت عظيم وأسلم الروح 38 فانشق حجاب الهيكل اثنين من فوق الى اسفل 39 ولما رأى قائد المئة القائم مقابله أنه أسلم الروح صارخا هكذا قال في الحقيقة كان كان هذا الرجل ابن الله 40 وكان ايضا نساء ينظرن عن بعد بينهن مريم المجدلية ومريم ام يعقوب الصغير وام يوسي وسالومة 41 واللواتي كن يتبعنه حين كان في الجليل ويخدمنه وأخر كثيرات كن قد صعدن معه الى اورشليم
انظر شرح بشارة متى 27 : 39 – 56
عد 42 ولما كان المساء اذ كانت التهيئة التي هي قبل السبت 43 جاء يوسف الذي من الرامة وهو مشير شريف وكان هو أيضا ينتظر ملكوت الله فاجترأ ودخل على بيلاطس جسد يسوع 44 فاستغرب بيلاطس انه قد مات هكذا سريعاً واستدعى قائد المئة وسأله هل مات
لم يكن مشيراً من الاصل لكنه حصل على ذلك بالرشوة كذا كان يوجد قبيلة بين الومانيين وكانت مكرمة عندهم جداً ولما لم يكن احد من عائلة الملوكية ان يقيموه ملكا . كانوا ينتخبون ملكا من هذه القبيلة ومتى ما أذنب احدهم كانوا يجلدون حصانه عوضه بمقرعة من صوف ابيض وكان بين الفرس أيضا زمرة تسمى « كوندي ميران » أي زمرة غير المائتين وكان اذا اخطأ أحدهم لم يكونوا يتجاسروا ان يؤدبوه . وقيل عن يوسف انه اجترأ لانه طلب جسد من صلب كعاص على السلطان ومن ظن فيه انه ضد الله وبالحقيقة انه عمل جسارة لانه علم انه سيبغض من من اليهود لإكرامه جسد المسيح ولانه طلب عملا لم يكن يجوز لاحد عمله في العيد . وقد تعجب بيلاطس لانه لم يسمع الا من يوسف ان المسيح مات ولان الوقت الذي مر من صلبه الى موته أقل من المعتاد بكثير لان بعض المصلوبين كان يبقى حياً نحو ثلاثة ايام . وموته هذا يبرهن انه باختياره قد مات لا كرها . وهو الذي ترك الموت ان يدنوا منه
عد 45 ولما عرف ذلك من القائد وهب الجسد ليوسف 46 فاشترى يوسف كتانا وانزله ولفه في الكتان ووضعه في قبر قد نحت في صخرة ودحرج حجرا على باب القبر 47 وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسى تنظران اين وضع
انظر شرح بشارة متى 27 : 59 – 61
الاصحاح السادس عشر
عد 1 ولما انقضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم ام يعقوب وسالومة حنوطا ليأتين ويحنطن يسوع 2 وبكرن جدا في اول الاسبوع وأتين القبر وقد طلعت الشمس 3 وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر 4 وتطلعن فرأين الحجر قد دحرج وكان عظيما جدا 5 فلما دخلن القبر رأين شابا جالسا عن اليمين عليه لباس ابيض فانذهلن 6 فقال لهن لا تنذهلن انكن تطلبن يسوع الناصري المصلوب انه قد قام وليس هو ههنا وهوذا المكان الذي وضعوه فيه 7 فاذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس انه يسبقكم الى الجليل وهناك ترونه كما قال لكم 8 فخرجن من القبر وفررن وقد أخذتهن الرعدة والدهش ولم يقلن لاحد شيئا لانهن خائفات
انظر شرح بشارة متى 28 : 1 – 8
كانت عادة النساء ان يطيبن جسد الميت في يوم السبت او في يوم الثلاثاء أو في يوم الجمعه . وكذلك كن يمضين في الاعياد الى القبر بالبخور اكراما للميت . وكان الشاب الذي رأينه النسوة الملاك . وقد ترأيا بهيئة شاب معلنا بذلك ان الذي قام سيجدد طبعنا . وقد ميز الصفاء من باقي الرسل لان بطرس وجد ناقص الايمان ولكي يعزيه ويطرد عنه خوفه من جهة الكفر وليفهمه ان توبته قد قبلت وقد دعاه الصفاء ليبين صدق محبته له وانه قد قبله بالوظيفة التي كان عليها قبل ان يكفر به
عد 9 وبعد ما قام باكرا في أول الاسبوع ترآءى اولاً لمريم المجدلية التي كان قد اخرج منها سبعة شياطين 10 فانطلقت واخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون 11 وهم اذ سمعوا بانه حي وانها أبصرته لم يصدقوا 12 وبعد ذلك ترآءى بهيئة اخرى لاثنين منهم وهم يسيران منطلقين الى البرية 13 فذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين 14 واخيراً ترآءى للاحد عشر وهم متكئون وبكتهم لعد ايمانهم وقساوة قلوبهم لانهم لم يصدقوا الذين رأوه قد قام
سبق الكلام عن ذلك في شرح بشارة متى 28 : 1 – 10
عد 15 وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها 16 فمن آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدان
أي من يؤمن بالاب والابن والروح القدس الثلاثة أقانيم اله واحد ويعتمد باسمهم يحيا من الخطيئة التي هي موت النفس ويحيا في الملكوت حياة عديمة الموت متنعما بلذات غير فانية . وبقوله من آمن اعلن ان لا حياة للانسان بدون ايمان وان مفعول الايمان قوي كقوله اذا كان لكم ايمان تنقلون الجبال
عد 17 وهذه الايات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بالسنة جديدة 18 ويحملون الحيات وان شربوا شيئا مميتا فلا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيتعافون
اخرج الرسل والمبشرون وكثير من القديسين شياطين كثيرة من البشر وتكلموا بلغات مختلفة . وقد اراد بالحيات الحيات المسمومة والشياطين أي ان هؤلاء لا يقدرون ان يضروا المؤمن الحافظ وصاياه . وقيل ان الحنفاء اسقوا سما مميتا لاحد المبشرين ولم يمت وقد وضع بعض المنافقين في كاس الاسرار لأحد القديسين سماً فشربه ولم يمت . وكثيرون آخرون شربوا السم القاتل ولم يضرهم وقد نرى على الدوام كهنة كثيرين يضعون ايديهم على مرضى كثيرين فيبرأون . والمعترض يقول بانه اذا كان ما قاله المسيح صدقا فلماذا لا يخرج المؤمنون جميعهم الشياطين ويحملون الحيات ؟ فيجيبهم القديس فيلكسينوس قائلا ان المسيح لم يضع كلمة محدودة اي ان اخراج الشياطين وحمل يتبع المؤمنين . لا الكل .
عد 19 ومن بعد ما كلمهم الرب يسوع صعد الى السماء وجلس عن يمين الله المراد باليمين الكرامة كقوله يقيم الخراف عن يمينه اي يجعلهم شركاء في الكرامة معه . فان الله الاب غير مجسم ليكون له يمينا وشمالا لكن المراد بيمين الله المساوات في الجلوس والربوبية . والمجد لان ملك الاب والابن والروح القدس مجدهم وكرامتهم واحدة .
عد 20 فخرج اولئك وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التي كانت تقارنه
( يعمل معهم ) حسب وعده في ع 17 و 18 وموافقة لقوله « ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر 28 : 20 » واظهر ان كلامهم حق من العجائب التي كانت تجري على ايديهم . والذين آمنوا بكلام الرسل والمبشرين فانهم لما رأوا ان تطهيرهم للبرص واقامتهم للموتى تثبت اقوالهم قبلوا كرازتهم وآمنوا بالذي كانوا يكرزون باسمه
انتهى الجزء الاول ويليه الجزء الثاني « الذي يحتوى على تفسير بشارتي القديسين لوقا ويوحنا » بمشيئة الله
« هذا وقد وقع بعض اغلاط مطبعية لا تخفى على فطانة القراء »
« اسماء المشتركين سندرجها في الجزء الثاني مع الشكر لحضراتهم »
هذا ولا يفوتنا ان نشكر حضرة الفاضل الخواجا حنا
سمعان على ما ابداه من المساعدة في انجاز
طبع كتابنا هذا فله منا الثناء ومن
الله حسن الجزاء