المقال السبعون
تقريب شرح قانون الإيمان للموعوظين
رسالة إلى الموعوظين
ألقى القديس أنبا ساويرس هذا المقال في أيام الصوم الكبير سنة 515 ميلادية في أربعاء البصخة المقدسة
المعرفة النازلة من فوق
إن دورة السنة إذ تأتي بنا إلى ذات اليوم مع ذات الموضوع، وغالباً مع ذات المعلم أيضاً، أحرى بها ألا ؟؟؟؟؟؟ معها أحد منا هذا الدرس الحاضر أنه زائد عن الحاجة، متعللا في ذلك بأن التعليم معاد يتكرر بدون فائدة بنفس الألفاظ في أمور معروفة. فإن من كانت له مثل تلك الأفكار سوف ينسى أن هذا الحديث يدعى هو أيضاً بمثابة درس أو صدى أو طين؛ – أنني لا أتعب من قول نفس الشيء مرتين بل عشر مرات أيضاً وأكثر من ذلك – لأنه يطن في آذان غير المتعلمين، وربما في آذان المتعلمين أيضاً، حتى يفهموا الأقوال سواء أكانت قليلة او كثيرة.
ولا عجب إذا كنا نقدم لكم الأفكار عينها وذات الكلمات؛ فإن الأمهات والممرضات يعطين ذات اللبن لأولادهن، ويعطين ذات الخبز ليعودنهم على الطعام أقوى. أنهن يستعمل نفس اللون من العبارات الخالية من المعاني ونفس الأصوات، ينطقن مقلدات الكلمات وفيه نفس القصور ألفاظاً صغيرة مقسمة لاقتيادهم إلى نطق الكلمات الفصيحة بوضوح.
أن مثل هذا النوع من التعليم الموضوع أمامنا إنما هو درس وصدى الصوت الذي يصل إلى الآذان آتياً من السماء، نازلاُ من العلا على السامعين وفقاً لفهمهم.
لقد اؤتمنا على ممارسة التعليم، وأننا متأثرون في قنوتنا بوقع الصوت الصادر من العلاء، فعندما يكون القلب طاهراً خالياً من الأفكار المادية، يطن الصوت في آذاننا فيكون له وقع فتختلج في النفس حقائق التقوى فلا يكون أذن صادراً منا، بل هو صدى لذلك الصوت الآتي من فوق.
فكيف تظن عن الكلمة التي تأتي من السماء، حتى وأن قبلت مرات عديدة، هل يمكننا الشبع منها فتصبح ؟؟؟؟؟؟؟ ؟ لن يرى ذلك أحد، إلا إذا كان حالياً تماماً من كل فهم وكل تفكير. فإن الذين يبصرون ضوء الشمس لا يشبعون من البصر بحجة ان الشمس تضيء نفس الأشياء القديمة؛ ذلك أن الشمس تبدو كل يوم وقد تجدد شبابها بضوء لا ينتهي.
الغذاء الروحي
إن العلاقة بين الكلمة الإلهية والشمس هي مثل العلاقة بين استنارة العقل والضوء المحسوس. في كلتا الحالتين لا يوجد شبع. ويشهد بذلك داود النبي إذ يقول: ( مز 42: 1-4).
يا للعجب! يقول كنت انتهى الله، أريد ان أجد من أحبه، كنت عطشاناً مثل الآيلة. وإذ كنت لا أجد غاية لهفتي جعلت دموعي خبزاً. وما كنت أوافق أبداً الأفكار القائلة: أين إلهك؟ وأيضاً لم أفقد الأمل. ولكني أفرغت كل قوة روحي في هذه الرغبة وحينئذ بصعوبة أدركت طنيناً، هو طنين الفرح، القوم يسبحون، ويتناولون طعام الكلمة فيتهللون.
فاتخذته دليلاً وشرعت في الدخول إلى الهيكل عجيب، وأخذت أجد في السير وتقدمت في التأمل في هذا العالم المنظور الذي يحوطنا كخيمة عجيبة.
عن هذا الطريق اصل إلى بيت الله إلى الأشياء العقلية غير المتجسدة. ان الله يسكن فيها مثلما
تكون السكنى في البيت، وبعرف بها، إذ أنه بالطبيعة غير مدرك لا يدنو منه أحد قط.
تقريب شرح قانون الإيمان للموعوظين
لنعترف بأننا نؤمن بإله واحد أنه الأب ضابط الكل وفي الحال سوف يمتلئ فمنا فرحاً ولساننا تهليلاً.
ربما تقول كيف تأمرني بأن أؤمن بإله واحد ثم تقول إلى أن أؤمن بابنه الوحيد؟
- هلا سمعتني أقول “بإله واحد”، ثم أقول أيضاً “الأب”، وأن فكرة الابن مرتبطة في ذات الوقت بالأب؟ لأن الأب يكون ضرورة أب الابن ليكون أباً حقيقياً، ومع ذلك يظل إذا واحداً، ليس هناك آخر سواه، كما أن الابن أيضاً كائن قبل كل الدهور ودائم إلى الأبد.
كيف يمكننا أن ندرك فكرة الابن الكائن مع الآب وليس بعده في الزمن؟
عليك أن تبعد ذهنك عن المواليد الجسدية التي تنحصر في الزمن والتي يرتبط وجودها بمرور الزمن. نحن نصير آباء في حدود الزمن، ومرور الزمن يسبق ميلاد أبنائنا: فبعد أن صرنا أولاداً لبعض الناس نصير بدورنا آباء لآخرين. وكن عندما تسمع في الكتب المقدسة ان ابن الله الآب هو الكلمة، لتكون العبارات نفسها درساً لك، ارتفع بها والتحاق نحو الميلاد الأزلي غير الجسدي غير المستحيل.
أن العقل يلد الكلام بدون ألم، وليس كما تفعل الأجساد. والكلمة تعني الحركة العقلية التي يشكلها العقل غير المنظور غير المعروف. لذلك بولس الرسول يدعو الابنن صورة الله غير المنظور (كو 1: 15).
تأمل في أن ميلاده ميلاد أزلي مستقل من الزمن. ليس من يقول أن بهاء الشمس وضوءها يمكن أن يفترقا عن الشمس البهية المضيئة؛ وليس من يقول أن الغرض الذي فيه أشعة الشمس يمكن ان يفترق جزئياً بعض الوقت عن ضوئه الذاتي.
هكذا أيضاً يلزمنا ضرورة أن نعرف بأن الابن وهو بهاء مجد الآب، مساو في الأزلية لمن يجعله يتألق بطريقة لا يدركها أحد، وبأن الآب ليس قبل الابن في الزمن، بل أن الابن مساو للأب في الأزلية.
فهل عندما تسمع ذلك، تجسر أيضاً أن نقارن ميلاد الابن الأزلي بالمواليد الأرضية؟ ألا تميز الفرق بين الميلاد الإلهي والميلاد البشري؟
أن الميلاد الإلهي بعيد كل البعد عن الميلاد البشري ولا علاقة له به، وليس هناك أي وجه للمقارنة بينهما. إذن فعندما تسمع “الابن” أفهم أنه مساو للأب في الجوهر.
وحتى يكون الكلام بسيطاً، عليك أن تختار في كل عبارة من هذه العبارات، ما يليق بالله تعالى، وأن تلقي بعيداً عنك كل ما يجعله متشابهاً حقارتنا؛ لأن الإشارة المجردة بعيدة وعاجزة عن بيان كل الحقيقة؛ حتى أنه بصعوبة بالغة بواسطة كل الإشارات نتمكن من إيجاد بعض قرائن المشابهة الصغيرة جداً بحجر حتى نرى شرارة نار تخرج منهما.
الثالوث الأقدس
أن الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله، ولكن ليس ثلاثة آلهة، بل إله واحد.
“وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (تك 1: 26).
لكي تعلم أن الثالوث الأقدس هو الخالق لأنه الله الواحد.
ويقول موسى النبي أن الله ظهر لإبراهيم؛ ويشرح لنا كيفية ذلك بقوله: ” فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه” (تك 18: 2).
والذي رأى ثلاثة رجال وسجد إلى الأرض وكان يتحدث معهم كأنه يخاطب واحداً إذ يقول: ” يا سيد أن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك” (تك18: 4).
وماذا نقول أيضاً عندما نقرأ: ” فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء ” (تك 19: 24).
وعندما كتب موسى النبي عن نفسه: “يكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه” (خر33: 11). ثم يطلب من الله الطلبة الآتية: “أرني مجدك” (خر 33: 18).
وإذ كان يكلم الله وجهاً لوجه مثلما يتكلم مع صديق، فكيف كان يشتهي أيضاً أن يرى مجد الله؟ أليس أمرا مؤكداً أنه كان يطلب أن يرى بهاء مجده، الابن الوحيد، الكلمة الذي كان مزمعاً أن يظهر في الجسد في آخر الأيام؟
لذلك سمع أيضاً: “وقال الرب هوذا عندي مكان. فتقف على الصخرة ” (خر22: 21). ومعناه هكذا: لرؤية مجدي الذي تشتهي أن تراه، ليس عندي سوى طريقة واحدة، يعني تجسد الكلمة. لهذا يدعو نفسه صخرة، إذ يقول: “وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي”(مت 16ك 18). فيصير مرئياً حسب الجسد بالتدبير الإلهي، بينما هو بالطبيعة غير مرئي.
ويقول أيضاً: “الذي رآني فقد رأى الأب” ( يو14: 9). حتى أن الذين يرونه يقولون: “ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الأب مملوءاً نعمة وحقاً” (يو1: 14).
إذن إن كنت تريد أن ترى مجدي، فبهذه الطريقة أريك إياه سلفاً، وذلك مثلما في لغز وبقدر ما تستطيع به أن نرى المستقبل من بعيد، بينما تظل معظم الأحداث مخفية عنك، عنك لئلا ترتعب مما هو أعلى منك، ويعتبر بك الجمود.
يقول: “ويكون متى أجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى أجتاز. ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، ولأما وجهي فلا يرى”(خر33: 22-23).
ويقول: “فنزل الرب من السحاب فوقف عنده هناك ونادى باسم الرب. فاجتاز الرب قدامه ونادى الرب الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغصب وكثير الإحسان والوفاء” (34: 5-6).
لذلك كان كلمة الله ذاته يقول لليهود في الأناجيل: “لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني” (يو5: 46).
وكان الرسل القديسون يقولون: ” لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر غير هذه الأشياء الواجبة” (أع 15: 28).
“فقال لي الروح أن أذهب معهم غير مرتاب في شيء” (أع 11: 12).
كل ذلك إذن يبين أن الثالوث الأقدس الإله الواحد هو الخالق.
“هوذا الأمم كنقطة من دلو وكغبار الميزان تحسب. هذا الجزائر يرفعها كدفة” (اش 40: 15).
“كل الأمم شيء قدامه. من العدم والباطل تحسب عنده” (أش 40: 17).
الله الكلمة المتجسد
أن الروح لا تقبل الجسد من أجل اكتمال، لأنها وهي منفصلة عنه تكون موجودة بذاتها. ويقول بولس الرسول: “أروح أبرار مكملين” ( عب 12: 22). وعندما يقول يقول بطرس الرسول بخصوص الخطاة(1بط3: 18-19)؛ فإن الروح الكامل عندنا يكون منحداً بالجسد يعرف كجزء من الإنسان. كذلك الجسد الكامل لا ينقصه شيء فيما يخص تعريف الجسد، بل يكون جزءاً من الكائن الحي.
” ومن قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت” (أم 8: 25).
” الرب قناني أول طريقة من قبل أعماله منذ القدم” (أم 8:22).
مع أنه غير مخلوق وكامل بجوهره. وهكذا أيضاً دعا نفسه خادماً وهو القادر على كل شيء ملك الملوك.
ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: “ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل” (اش 7: 14).
“لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهياً قدير أباً أبدياً رئيس السلام” (اش9: 6).
“في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله” (يو1: 10).
والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً” (يو 1: 14).
” يوحنا إلى السبع كنائس التي في آسيا نعمة وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي” (رؤ 1: 4).
“فإذ قد شارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيها لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس” (عب2: 14).
” لأنه حقاً ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم. من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب” (عب 2: 16-17).
- صفحة16 جميعها آيات ضعها من الكمبيوتر
وهنا يوجه الآب البطريرك القديس حديثه إلى الموعوظين فيقول: لقد تقدمت علناً ليس لأقول ما يبدو لي حسناً، وكن لأكمل ما يكون نافعاً ومفيداً للسامعين.
دعيتم لهذا الإيمان وأنتم على وشك قبول سر العماد باسم الآب والابن والروح القدس، فافهموا إذن سر التقوى من العماد.
لأنه إذا كان العماد يتم باسم الثالوث الأقدس، وإذا كان الذين يعتمدون يعتمدون في المسيح حسب قول بولس الرسول: “أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة” (رو6: 3-4). فأي شيء يظهر لنا من ذلك إلا أن المسيح هو الواحد من الثالوث الأقدس. الكلمة المتأنس الذي ذاق الموت بالجسد، حتى يصير العماد في الثالوث.
قتل فساد القبور بقبره غير الفاسد؛ وكسر سلطان الجحيم وبقيامته في اليوم الثالث، مؤكدا بذلك أننا أيضاً بعد قيامة الأموات سوف نكون مقبولين في أورشليم السمائية.
فمن ذا الذي لا يهرع نحو مثال الموت في الفساد المقدس حتى يشترك في الخلود؟ من لا بدفن معه؟ من لا يلبس شكل الأموات تماماً، وكذلك عدم الفساد، مشتهياً أن يقوم ويتمجد مع المسيح؟
جحد الشيطان
أني أعرف أنكم عند سماعكم هذه الكلمات تشتعلون حباً له. فاطهروا إذن بلسانكم الرغبة التي فيكم. التفتوا أولاً نحو الغرب وأنكروا عبودية الشرير. فقد تحررتم فعلاً من قيوده لأنه لا يستطيع أن يحتمل قوة الكلمات التي سوف تنطفون بها، لأن هذه الكلمات قوية وفعالة وهي مثل السياط تطرد الشياطين فيهربون. ثم التفتوا نحو الشرق واعترفوا أيضاً الاعتراف الخلاصي بالإيمان. لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص” (رو10:10).
عندما تلتفتون نحو الغرب تمدون اليد اليمنى إشارة إلى تعهدكم بعمل الخير، وتسبحون اليد اليسرى إشارة إلى إخضاعكم الروح الشرير الذي كان يناهض قوانين الحق.
ويقول الحكيم: “قلب الحكيم عن يمينه وقلب الجاهل عن يساره. أيضاً إذا مشى الجاهل في الطريق ينقصه فهمه ويقول لكل واحد أنه جاهل” (جا 10: 2-3).
وعندما تلتفتون نحو الشرق وترفعون أياديكم إلى فوق تعاهدون المسيح. حينما تنظرون النور العقلي الذي لمعرفة الله، تصيرون من أهل اليمين وليس فيكم شيء من اليسار.
هذه نعمة العماد الإلهي. حافظوا على هذه النعمة التي تحولكم بطريقة عجيبة وتجعلكم أبناء النور.
سوف تعبرون إلى حالة سماوية، سوف تستخدمون آذانكم حسب النبوة للسمع، وقلبكم الذي كان فيما مضى مريضاً وضعيفاً إذ يشفيه الروح، سوف يجتهد في الفهم، وألسنتكم التي كانت تنطق جهلاً سوف نتعلم كلام السلام “لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط” (أف2: 14). كما يقول بولس الرسول.
أثبتوا إذن في هذه المرحلة ولا تذهبوا باختياركم نحو الشر. فإنكم تركتم الشر الآن. أنكرتم أعماله وضلاله، أي الزمر والغناء الخليع والمناظر التي تشعل الشهوات الرديئة.
لا تصيروا تحت نير تلك الأمور حتى إذا لبستم المسيح بالمعمودية، وتزينتم بالفضائل تصيرون أهلاً للأفراح الإلهية وللوليمة الروحانية في ملكوت السموات. ليقنا كلنا ؟؟؟؟؟؟؟ ذلك بالمسيح ربنا له المجد إلى الأبد آمين.