الفكر اللاهوتي عند ابن العبري
بقلم مار غريغوريوس صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها
ابن العبري، الرجل الرمز، رمز من رموز التاريخ والفكر، هو رمز السريان والسريانية، قبض على ناصية الفكر السرياني في القرن الثالث عشر، فغدا له زعيماً وأميراً، كيف لا وقد ترك للسريان، بل للعالم، تراثاً قيماً خالداً يشيد به القاصي والداني، وقد جعل من نفسه رائداً من رواد الحوار والتنامي الفكري بين مختلف المذاهب الفكرية، دينية كانت أم علمية ام اجتماعية، فأفاد واستفاد وبخاصة بالنسبة إلى الفكر العربي واليوناني، فطال باعه في معظم العلوم المعاصرة له. فلم يدع باباً من أبواب العلم إلا وطرقه فانفتح أمامه على مصراعيه، ولم يترك مورداً للمعرفة إلا وارتاده وارتشف من أفاويقه الشيء الكثير منذ نعومة أظفاره، وقد عبّر عن هذا الحنين إلى المعرفة في كتابه «الحمامة» ومما جاء فيه: «شغفت منذ نعومة أظفاري بمحبة العلم، فتفهمت الكتاب المقدس وتفاسيره الضرورية»([1]).
في كتاباته اللاهوتية، تميز علامتنا بكثرة الاستشهادات من الكتاب المقدس والآباء، كي لايدع مجالاً للشك في ما يكتب، أو للرد عليه وإفساد رأيه، فقد كان حريصاً الحرص كله على تقديم ما يؤمن به إيماناً راسخاً، بأنه هو الحقيقة الثابتة حتى إذا ما جُوبه باعتراضات قوية، حلّها بإسلوبه المرن النابع من وحي روحه السمحاء وتقبّله الحوار بصدر رحب مدللاً بذلك على كونه إنساناً يؤمن بالأخذ والعطاء على حد سواء، وينبذ التشبّث بالرأي أو التمرّد على الحقيقة.
وابن العبري، من حيث كونه رجل دين مسيحي، وقد تبوأ مرتبة سامقة في هرم الإدارة في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وأعني بها «مفريانية المشرق»، لا نستغرب إذا ما علمنا أنه أمسك بناصية علم اللاهوت بكل فروعه، النظري منه والنسكي والأدبي. وقبل خوض غمار فكره اللاهوتي، لابدّ من الإشارة إلى المنهجية المتميزة التي انتهجها في كتاباته اللاهوتية، وتتلخص في ما يلي:
1ـ يبدو أنه كان حريصاً على تقديم البراهين العقلية والعلمية قبل أي برهان آخر، لقطع الطريق أمام المناقشات التي لا طائل تحتها، فإذا تمت القناعة لدى الطرف الآخر، كان به، وإلا انتقل إلى تقديم الشهادات الكتابية وشهادات الآباء. والنهج العلمي مقبول جداً في ما يخص الحوار بين مختلف الفئات والحضارات، فعالم اليوم يفضل كل ما هو علمي ومنطقي، لاسيما بالنسبة إلى من هم خارج نطاق الكتاب المقدس والآباء.
2ـ يحدّد القضية التي يريد مناقشتها ثم يعالجها بطريقته الخاصة المقبولة.
3ـ في ما يخص الحوار الديني المسيحي، يقدّم البراهين الكتابية في القضايا اللاهوتية أولاً، لخلوها من التزمت والتعقيد، ولإنها باعتقاده، خير وسيلة لإقناع الطرف الآخر المؤمن لكونها من وحي اللّه وكلمته التي لا تسقط ولا تقبل النقاش والتأويل المنحرف. يقدّم هذه البراهين ثم يبدأ بالإجابة على الاعتراضات واحداً تلو الآخر، ويترك الاقتناع أو عدمه لمحاوره.
4ـ يورد الاعتراضات التي يقدمها الطرف الآخر المخالف له في الرأي في أية مسألة كانت، ويحاول الرد عليها أو كما يحلو له أن يسميه «حلاً شرُيا» بطريقة تنم عن غزارة علمه واتساع آفاق فكره وعمق تفكيره، دون أن يخدش صاحب الاعتراض بأية كلمة غير لائقة.
5ـ ولا ينسى أخيراً أن يستعين بآراء آباء الكنيسة الأولين وملافنتها السديدة، إيماناً منه بأن هذه الآراء هي وليدة الروح الإيمانية المتجذرة في أعماق نفوسهم والتي لا توحي لهم إلا بما هو حق وصدق، هذا هو أسلوبه في جميع مؤلفاته اللاهوتية والتفسيرية والتشريعية وحتى الفلسفية.
ابن العبري واللاهوت النظري: لا غرو أن تتبوأ ثقافة ابن العبري اللاهوتية، المكانة الأولى في فكره وما انتجه هذا الفكر من مصنفات لاهوتية ذات شان كبير، إلى جانب النواحي العلمية الأخرى والتي جرت العادة أن يتبناها من وهبه اللّه نعمة المعرفة والذكاء، إضافة إلى اختصاصه، سواء كان إكليريكياً أم علمانياً. وما يلفت النظر في هذا الشأن العدد الكبير من علماء الكنائس الشرقية من العلمانيين الذين برزوا في العلوم اللاهوتية إلى جانب اختصاصهم العلمي، مثال ذلك الفيلسوف يحيى ابن عدي التكريتي في القرن العاشر الذي ترك مجموعة من المصنفات والمقالات اللاهوتية، وكان موفقاً فيها، وقد حاز قصب السبق في هذا المضمار، لاسيما وقد اتخذ من الفلسفة ظهيراً لعلمه اللاهوتي. وهذا ما فعله أيضاً علامتنا ابن العبري اللاهوتي والفيلسوف الذي طال باعه في مختلف العلوم إضافة إلى اختصاصه اللاهوتي، الأمر الذي حداه إلى أن يستشهد ببعض الفلاسفة دعماً لآرائه اللاهوتية. ولو تتبعنا مسيرة حياة هذا العملاق لوجدنا أنه شغف في العلم وتعشق الكتاب، ولم يتخلَّ عنه حتى انتزعه الموت من بين يديه. فقد اتسمت حياته بالعمل الدؤوب فكرياً وإدارياً، تمخض عن الكثير من المصنفات المتنوعة العناوين حتى لقب بصدق وجدارة بموسوعة القرن الثالث عشر بلا منازع.
أهم مصنفاته اللاهوتية:
1ـ يتصدر كتاب منارة الأقداس «منُرة قودًشا»:([2]) مؤلفاته اللاهوتية، فهو موسوعة نفيسة في هذا المضمار، ومرجع هام في الشؤون اللاهوتية والعقائد. تُستشف منه آراؤه اللاهوتية وأسلوبه المرن في التعامل مع المعتقدات المسيحية منها واللامسيحية، يزخر منارة الأقداس بالأدلة العقلية والبراهين الكتابية مدعوماً بالبراهين الفلسفية، وآراء آباء الكنيسة وقادة فكرها الأولين أمثال مار أفرام السرياني ومار باسيليوس الكبير وأثناسيوس الرسولي ويوحنا فم الذهب وسويريوس الأنطاكي وسواهم.
وقد تضمن هذا السفر القيم معظم الأبحاث اللاهوتية، وطواه على اثني عشر ركناً مقسماً كل ركن إلى أبواب ففصول. يتحدث في الركن الأول عن تكوين العالم لينتقل من ثم إلى طبيعة المخلوقات، ثم إلى إثبات وجود اللّه، وهذا أمر جوهري عنده، إليه تستند جميع البحوث اللاهوتية الأخرى. ومن البراهين العقلية التي يقدمها لاثبات هذه الحقيقة، نورد هنا على سبيل المثال لا الحصر هذا البرهان «كل ما له بداية يوجد بعد أن لم يكن موجوداً أي ليس له وجود من ذاته، وحيث أن العالم له بداية أي أنه أتى من العدم إلى الوجود. وكل ما كان كذلك لا يكون موجوداً بطبعه، وإلا لكان موجوداً وغير موجود في آن واحد، وهذا محال، فهو إذن يحتاج إلى موجد أعظم سابق له في الوجود ولا يحتاج إلى موجد آخر، وهكذا حتى نبلغ بالضرورة إلى وجود كائن أزلي هو اللّه».([3]) ينتقل بعد ذلك بالحديث عن إبراز عقيدة مسيحية ألا وهي عقيدة التثليث والتوحيد، مؤيداً أن الأقانيم ولئن كانت متميزة عن بعضها، إلا أنها غير منفصلة عن الأقنوم الأول الذي له الحكمة والحياة.
ففي الباب الأول من الركن الثالث يثبت وحدانية اللّه داحضاً فكرة الثنائية ومؤيداً رأيه ببعض البراهين العقلية مثل «لو أمكن وجود إلهين لاشتركا في الوجود وافترقا بالنوع والطبيعة، ولكان كل منهما مركباً من جزئين أي من الجنس والفصل. وكل مركب ممكن لكن غير ضروري، ولو وجد إلهان لكانا ممكنين غير ضروريين. وكل كائن مركب ليس إلهاً. فاللّه إذن الواجب الوجود هو واحد بالضرورة». وكأني به وهو يستعرض هذه الحقائق الإلهية، وحدانية اللّه، مع التثليث الإقنومي، يهيّء الأذهان إلى قبول فكرة التجسد كعقيدة مسيحية جوهرية.
نموذج لاعتراض وحل: فيما يلي نورد نموذجاً للاعتراضات على إمكانية التجسد، والرد عليه يقول: «يقولون نعترف بإمكانية رؤية اللّه ولكن هذه الرؤية ليست ضرورية لأن اللّه، بإشارة منه يستطيع قيادة الناس إلى الكمال». ويرد على الاعتراض بقوله: «إن الحرية الممنوحة من اللّه تحول دون قيادتنا إلى الكمال بإشارة منه، إلا أن اللّه، لما أراد أن يصنع لنا ملء الخير، منحنا نحن المستحقين للجميل، إرادة مدركة وعقلاً مميزاً الخير عن الشر لنكره كل ما هو شر ودنس. ولكن بما أن عقلنا يتعامل مع المادة يعجز أحياناً عن إدراك الأمور على ماهيتها، فتراءى لنا اللّه حباً وشفقة بنا من أجل هدايتنا وإرشادنا»([4]). وما دمنا في رحاب الفكر اللاهوتي لابن العبري لابدّ من استعراض ولو رأي واحد من آرائه العقائدية في ما يخص الخريستولوجيا أي سر طبيعة كلمة اللّه المتجسد الواحدة، وبهذا الخصوص يقول: «نحن لا نقول بطبيعة واحدة ببساطة، بل بطبيعة واحدة من طبيعتين مختلفتين جوهرياً» ثم يرد على اعتراض مفاده: «إذا كان المسيح مساوياً للآب في الجوهر، وهو مساوٍ في الوقت نفسه لمريم بالجوهر، فكيف لا تكون له طبيعتان، وكيف يكون متساوياً في جوهرين غير متساويين؟ يجيب: «إن تلك الطبيعة هي مضاعفة وليس بسيطة، وعليه وبحسب معاني الطبيعة المتنوعة، هو مساو لما ليسا متساويين»([5]).
واليوم إن كنا نفتخر بأن ما يجمعنا أكثر وأقوى مما يفرقنا بفضل ما توصلنا إليه في لقاءاتنا وبحوثنا المسكونية من الاعتراف بأن ما كنا نعتقده في الماضي من خلاف خريستولوجي، أمراً جوهرياً، غدا اليوم في نظر الجميع أمراً عرضياً وليس خلافاً جوهرياً لكونه لا يتجاوز اللفظ والتعبير. أقول: لقد توصلنا إلى هذا بعد سنين طويلة من الدراسة الدقيقة الرسمية وغير الرسمية، إلا أن علامتنا ابن العبري قد أدرك هذا في الوقت الذي كانت فيه الحركة المسكونية معدومة كلياً، والتناحر العقائدي قائماً على قدم وساق إلى درجة رشق بعضنا البعض بتهم تعدى البحث الخريستولوجي العلمي الرصين، إلى تبادل التهم بالهرطقة وما إلى ذلك. وفي الوقت الذي كان يدافع عن عقيدة كنيسته في طبيعة المسيح الواحدة، يصرح بأن الاختلاف في هذه الناحية هو لفظي تعبيري وليس جوهرياً، إذ يقول: «عندما درست الاختلاف في المسيحية رأيت أنه لا يوجد أبداً اختلاف بيننا، كلنا نؤمن بأن المسيح هو إله تام وإنسان تام، وكلنا نؤمن أن هذا الإله وهذا الإنسان اتحدا، وهذا هو سر التجسد، سر الفداء بالذات أيضاً، لأنه إذا لم يتحد اللاهوت مع الناسوت، لم يكن هنالك فداء»([6]).
2ـ كتاب الأشعة «زلجًا»: وضعه على غرار منارة الأقداس إلى درجة أن اعتبره البعض تلخيصاً للمنارة، لتضمنه عناوين لاهوتية وردت في المنارة بصورة أكثر تفصيلاً، كخلقة العالم والفردوس والقيامة وسر التجسد والنفس([7]) وسواها. وضمنه بعض القضايا غير موجودة في المنارة، كالأجل والتوبة وما إليها، اعتمد في هذا الكتاب على مجموعة كبيرة من الآباء الأرثوذكسيين، وغير الأرثوذكسيين، وطواه على عشر مقالات في كل مقالة عدّة أبواب، يتضمن كل باب عدّة فصول تدور حول محور واحد.
3ـ مخزن الأسرار «آوأر آإزا»: ولئن كان هذا الكتاب تفسيراً للكتاب المقدس بعهديه، إلا أنه يعتبر في الوقت ذاته كتاباً لاهوتياً، لما يحتويه من قضايا لاهوتية هامة، حتى غدا نبعاً ثراً لكل باحث لاهوتي يود الوقوف على حقائق المعتقدات المسيحية.
اللاهوت النسكي: النسك أو الرهبانية فلسفة مسيحية، وابن العبري فيلسوف مسيحي، فلا بدّ إذن من الالتقاء بينهما من حيث الفكرة والمبدأ. ففلسفة النسك لا تخلو من مبادئ لاهوتية، فكان لها لاهوت خاص عرف باللاهوت النسكي، وابن العبري عشق النسك فصار أحد أبرز رواده مع أنه لم يتنسك سوى فترة قصيرة، إلا أن النزعة الصوفية تعشعشت في داخله ولم تفارقه حتى بعد تسلمه كرسي المفريانية، بدليل وضعه كتاب الحمامة النسكي قبل رحيله ببضع سنوات فقط. فهو يرى أن حياة النسك مستوحاة من الحياة المسيحية والمبادئ الإنجيلية التي تتمحور غايتها على الإنسان، فتعلم وترشد إلى ما يفيده في هذه الحياة وفي الآخرة، وفي مقدمة ذلك، الأخلاق إلى جانب الإيمان. فالمؤمن الخلوق يستطيع السير في درب الكمال إلى الدرجة التي يريدها اللّه «كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل» (مت 5: 48).
ومثلما تأثر بآباء الكنيسة وملافنتها الأوائل الأفذاذ، في ما يخص اللاهوت النظري، كذلك الأمر بالنسبة إلى رواد النسك الأولين في المسيحية، الذين أضرموا، كما يبدو، في نفسه شرارة الحب الإلهي التي قادته إلى تبنّي هذا النمط من الفلسفة إلى درجة اعتبارها نهجاً حياتياً من شأنه تقويم الذات وتهذيب الأخلاق والإرشاد إلى طريق القداسة والكمال. وهنا يلتقي علامتنا بالقديس فيلكسينوس المنبجي صاحب كتاب «طريق الكمال». فلا غرو أن يولي هذه الناحية اهتماماً خاصاً. وبناء على هذا فقد وضع كتابين قيّمين بهذا المعنى، هما كتاب «الإيثيقون» أي فلسفة الآداب الخلقية([8]) وكتاب «الحمامة». إلا أن فائدة الإيثيقون لا تنحصر بالنساك والرهبان فقط، بل تشمل أيضاً الأسرة والمجتمع لا بل كل فرد يهوى الحياة الهادئة والسلام والنظام. طواه على أربع مقالات كبرى، لكل منها أبواب وفصول.
المقالة الأولى: يقدم في هذه المقالة المبادئ الأساسية لترويض الإنسان من أجل حياة روحية، منها الصلاة وكيف ينبغي أن تتم لتأتي بثمارها المتوخاة، ثم يتحدث عن أعمال الزهد ومنها الهذيذ المستمر بكلمة اللّه، ومصارعة أهواء الجسد وغرائزه المتطرفة.
المقالة الثانية: مثلما يحث على المبادئ الأخلاقية من ناحية الروح، فهو أيضاً لا ينسى الجسد وحقوقه المشروعة والمعقولة، لكي يكون صالحاً للإنسان الكامل المتحد من النفس والجسد، ويشدد على تربية الأطفال وتنشئتهم تنشئة صالحة وحثهم على ارتشاف أفاويق العلم منذ الصغر لكي يتكون منهم مجتمع صالح وسليم، ثم يتحدث عن تعامل الناس مع بعضهم البعض في مجالات الحياة، بالحسنى والأخلاق والثقة، كالبيع والشراء، وهنا لا ينسى أن يذكّر بضرورة تخصيص جزء من الأرباح للمحتاجين.
المقالة الثالثة: خص فيها الحديث عن تنقية النفس من الأهواء الشريرة، مشيراً إلى أهمية النفس وكيفية معالجة أمراضها والقضاء عليها، وإلى أهمية اكتشاف الإنسان عيوبه وكيفية التخلص منها، مثل الكلام الباطل والثرثرة والكذب والهزل غير المبرر والثلب والمديح المبالغ به وما إليها.
المقالة الرابعة: خصها بالحديث عن تجميل النفس بمختلف الفضائل كالعلم والإيمان والصبر والتوبة النصوح، والشكر والرجاء وما يعززه من تقوى وأقوال الآباء فيها، والمحبة الأخوية والواجبات المتبادلة بين الأصدقاء، وحق الإنسان في العيش الكريم مهما كانت طبقته، وأخيراً ينبّه إلى عدم التغاضي عن ذكر الموت.
4ـ كتاب الحمامة «يونا»: يَعتبر بعضهم هذا الكتاب تلخيصاً للإيثيقون، غير أنه اقتصر فيه على ما يخص ترويض النساك على الأعمال اليدوية والروحية، وحثهم على الابتعاد عن العالم والتحلي بالفضائل كالصبر والتواضع والتوبة، وتنظيم أوقات صلاتهم. وفيه الحث على محاربة الأهواء الرديئة وتعشّق المعرفة والشعور بلذتها، وتنمية المحبة الإلهية في قلوبهم. ويقدّم لهم سبل التقشّف ويعلمهم كيف يرتقي المرء في معرفة اللّه، لأن هذه المعرفة لدى النفس الطاهرة تشبه الزرع الجيد الذي يُلقى في أرض صالحة، ومن زرع المعرفة هذا تنبت المحبة وتنمو. وقد ذيّل هذا الكتاب بمئة قول مأثور تفيض حكمة وخبرة. منها «إذا أرحت عقلك من درس الأبحاث العويصة المقترنة بالتعقيدات القياسية، والتزمت حياة الهدوء والصمت مع ممارسة أعمال الاستقامة، فاصطبر ولا تمل في سيرك لعلّ شمسك تشرق ومساءك يضيء ويكشف لك عن جمالك ويحررك من عبودية الزمان والمكان».([9])
الهوامش :
——————————————–
([1]) ـ الحمامة: ترجمة المطران زكا عيواص (قداسة البطريرك)، مطبوعات مجمع اللغة السريانية، ص 201.
([2]) ـ نقله إلى العربية سنة 1661 الشماس سرجيس ابن الأسقف يوحنا بن غرير بلغة لا تخلو من الركاكة ثم نقله بل هذّب لغته المطران ديونيسيوس بهنام ججاوي، وقد اعتمدنا النقل الأخير خاصة.
([3]) ـ منارة الأقداس: الركن الثالث، الباب الأول، الفصل الأول.
([4]) ـ الأشعة: المقال الثالث ـ الباب الأول ـ الفصل الأول.
([7]) ـ قدم الاستاذ كيورك مرزينا كرومي دراسة مستفيضة عن «النفس عند ابن العبري» كجزء من متطلبات درجة ماجستير آداب في الفلسفة سنة 1974.
([8]) ـ نقله إلى العربية ووضع له مقدمة مسهبة، الطيب الذكر المطران بولس بهنام. وطبع سنة 1967 في القامشلي.