خطبة بمناسبة مرور اربعين يوما على رقاد البطريرك مار اغناطيوس افرام الأول

الخطبة التي ارتجلها بمناسبة مرور اربعين يوما على رقاد

المثلث الرحمات البطريرك مار إغناطيوس افرام الأول برصوم

 

باسمك اللهم انت المنبع واليك المعاد

سيدي البطريرك الجليل . مررت بالامس الى روضة العلم والعرفان فرأيت مايدمي القلوب، صمت رهيب كصمت القبور، فالعنادل ماتت صامته، والزهور تصوحت هناك وخرير الساقية. اين خرير الساقية، فقلت رباه هل اذا مات البلبل الغريد، تموت نغماته العذبة متوارية خلف السحاب، وهل اذا جفت الازاهير يذهب شذاها الى ماوراء الغيوم ؟

وهل اذا جفت الساقية يموت خريرها مثل موت اهل القبور؟ رباه اين جمال الروضة ، واين ازاهيرها الجيدة واين عناديلها المغردة ، فأجابني صوت من الملأ الاعلى وقال :

صه ياأبن آدم ، اذا مات البلبل الغريد فنغماته تبقى مترددة في هذا الجو، واذا تصوحت ازاهير الرياض مشذاها يبقى منتشرا في هذه الارذ. واذا جفت الساقية فخريرها يحفظه هذا الفضاء.

سيدي الجليل، يامن كنت روضة كاملة من العلم والعرفان، سقتك غوادي الحياة ماء من الجنة، فنمت فيك ازاهير الحكمة والادب والعرفان، فاصبحت روضة كاملة نصيرة واذا مافارقتنا الى الملأ الاعلى لازال عبير ازاهير حكمتك متضوعا في قلوبنا، ولازالت اغاريد علمك وعرفانك مترددة في آذاننا، فلا ترهب ايها الجيل ان العلماء الذين ينتقلون الى العالم الاتي انهم يسجلون فخرة لانهم عاشوا في هذه الحياة عيشة الصالحين.

سيدي الجليل , يامن كنت نورا لامتك وسندا قويا لوطنك وبلادك ، فبفقدك ياسيدي فقدت الامة ركنا ركينا ، وفقدت البلاد موجها حكيما، وفقدت هذه العروبة صديقا وابنا حبيبا، أليست انت الذي سرت في صفوف مجاهديها منذ اللحظة الاولى لليقظة والى الان.

ايه سيدي الجليل، هذه اعمالك وهذه فعالك في سبيل القضية الوطنية، لذلك يحفظ لك الوطنيون ذكرى صالحة وقد علمت سوريا بذلك فكرمت ذكرى رقادك وتألمت بشيبها وشبانها لكي تحتفظ بيوم دفنتك.

ايها السادة الافاضل، ان البطريرك العظيم ذهب الى ربه بعد ان ادى قسطه للعلى وخدم القضية العربية خدمات جليلة الامر الذي نفخر به وسنسير على تلك الخطوات خطوة فخطوة، فنم قرير العين سيدي، ان ابناءك سيكملون الرسالة التي بدأتها، وان احفادك سيطوبون ذكرك، لانك كنت بمقدمة المجاهدين الظافرين، فاذهب الى ربك ناصع الجبين قرير العين، لانك كنت رجلا ليس كبقية الرجال، بل انما كنت من قلائل الرجال الذين يأتون الى هذه الارض، ويذهبون بالاعمال الجليلة، هذا سفرك الخالد قد كتبته في حياتك وختمته عند مماتك، ختمته باعمالك الجبارة وخدماتك الجمة، ودموع عينيك الغزيرة. وعرق جبينك المتصبب، فاذهب الى ربك مودعا بالقلوب والارواح والتي هناك اعمالك الصالحة يامن كنت كلك عملا صالحا.

ايها السادة الافاضل، انني لااستطيع في هذه الوقفة ان اطيل مابقلبي عن ذلك الرجل الفذ الذي رأته عيناي ليلا ونهارا يتعب ويدأب في سبيل القضايا المهمة الخاصة ببلادنا وامتنا، وانت يا لغة الضاد الحبيبة سمعت نغماته العذبة باشعاره، وعرفت كيف احبك منذ نعومة اظفاره فكتب المجلدات الضخمة فيك، وكان يستقل بانشائه العذب الجليل، واما انت يا لغة آرام، يالغة الشرق القديمة فانه انعشك بتآليفه القيمة التي كتبها فيك لذلك يجدر بهاتين اللغتين الشقيقتين ان تنحتا له تمثالا من التبر لهذا البطريرك الجليل، واننا في هذه اللحظات الرهيبة نسأل الله تعالى ان يحفظكم ايها الاحباء وان يبارككم جميعا..

—————————————————————————–

المصدر نفحات الخزام أو حياة البطريرك افرام من ص(245) الى ص(246)

الخطبة التي ارتجلها في كنيسة الطاهرة الداخلية للسريان الارثوذكس في الموصل بتاريخ 4 آب سنة 1957 اقيمت حفلة التأبين الاربعينية على رقاد المثلث الرحمات البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم

منقول من الموقع الرسمي لمحبي المطران بولس بهنام

%d bloggers like this: