باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل
يقدم
إغناطيوس زكا الأول عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع
الالـتـزام بعــبـادة اللّه
وتجــديــد العـهــد مـعـه تــعـالـــى
نهدي البركة الرسولية والدعاء والسلام بالرب يسوع إلى نيافة أخينا الحبر الجليل المطران مار طيمثاوس أفرام عبودي النائب البطريركي لأبرشية كندا، وأبنائنا الروحيين الأفاضل الكهنة، والشمامسة وأعضاء المجالس الملية والمؤسسات الكنسية وسائر أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، حرستهم العناية الربانية بشفاعة السيدة العذراء مريم وسائر الشهداء والقديسين آمين.
بعد تفقد خواطركم العزيزة نقول:
نشكر لكم شعوركم البنوي النبيل بدعوتكم إيانا لترؤس مؤتمر النيابات البطريركية الثلاث في كندا والولايات المتحدة الأميركية لكنيستنا المقدسة، كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، الذي سيعقد في هذا العام في مدينة مونتريال ـ كندا، وتستضيفه أبرشيتكم العامرة، في الفترة الواقعة ما بين 29 تموز و2 آب 1998، فيسرنا أن نلبي دعوتكم هذه الكريمة، إن شاء اللّه تعالى.
وقد سرّنا اتّخاذكم شعار المؤتمر قول يشوع بن نون القائل لشعب العهد القديم: «فاختاروا اليوم من تعبدون… أما أنا وبيتي فنعبد الرب» (يش24: 15).
أيّها الأحباء:
يعلّمنا الكتاب المقدس أن الله قد خلق الإنسان على صورته (تك1: 28) وصورة الله في الإنسان هي ما أنعم به تعالى على الإنسان من عقلٍ راجح، وضمير يقظان، وحرية إرادة تامة، ليميّز الإنسان بين الحق والباطل، والحلال والحرام، ويختار ما يشاء، وبذلك غدا أسمى مخلوقات الله وسلّطه الله على الأرض كلّها.
وخُلق الإنسان كاملاً نفساً وجسداً وفي حالة البر والقداسة، فكانت له شركة مع الله يخاطبه فماً لفمٍ. وعقد الله معه ميثاقاً أن يطيع أوامره وإلاّ فموتاً يموت (تك2: 15ـ17) وعندما ساورت الكبرياء الإنسان بغواية الشيطان وحسده، تمرّد الإنسان على الله وتشكّك بمصداقيته تعالى، وأطاع الشيطان اللعين فهوى في وهدة الخطية بإرادته ومات أدبيّاً كما حُكِم عليه بالموت الطبيعي والأبدي، وهكذا نكث الإنسان العهد مع الله، وطُرِد من فردوسه إلى أرض الشقاء. ولكنّ الله الرحيم لم يقطع صلته بالإنسان الذي خلقه على صورته، وأحبه، وسعى لخلاصه. لذلك اختار له تعالى من بين الآباء القدامى أنبياء وكهنة ليكونوا وسطاء بينه وبين البشر بني جنسهم، وأرسلهم ليبلّغوهم أوامره الإلهية وشرائعه السماوية. وقطع الله مع بعضهم عهوداً بأن يكون لهم إلهاً ويكونوا له شعباً. ومن هذه العهود المهمّة، العهد الذي قطعه تعالى مع ابراهيم أبي الآباء: «وقال الله لإبرهيم وأمّا أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك يُختَتن منكم كل ذكرٍ فتختتنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهدٍ بيني وبينكم»(تك 17: 9 ـ 11).
وجدّد الله هذا العهد مع النبي موسى، وتميّز العهد الذي قطعه اللّه مع موسى عندما حرّر الشعب من عبودية مصر بما يُدعى بعهد الدم حيث أمر الله موسى أن يأخذ كل بيتٍ من الشعب شاةً صحيحة ذكراً ابن سنة من الخرفان أو من المواعز. ثم يذبحه في العشية في اليوم الرابع عشر من نيسان ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها… هو فصحٌ للرب… ويكون لكم الدم علامة البيوت التي أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر. ويكون لكم هذا اليوم تذكاراً فتعيّدونه عيداً للرب في أجيالكم، تعيّدونه فريضةً أبدية»(خر 12: 1 ـ 14) وكان خروف الفصح هذا رمزاً إلى ربنا يسوع المسيح حمل الله رافع خطايا العالم… والدم الذي لُطِّخت به القائمتان والعتبة العليا من كل بيت من بيوت شعب العهد القديم على شكل صليب، يرمز إلى علامة الصليب المقدّس راية المسيحية وشعارها، ورمز الخلاص.
أجل! أخرج الله شعب العهد القديم من عبودية أرضية إلى حرية دنيوية. ولكنهم كانوا غلاظ الرقاب وقساة القلوب وتمرّدوا على الله في البرية ونسوا معجزاته الباهرة فقد أطعمهم خبز الملائكة حيث أنزل لهم المنّ من السماء، وسقاهم ماءً تدفّق من صخرةٍ. وتحت سفح جبل سيناء المدخّن بالنار كلّمهم وقطع معهم عهداً أبدياً، أن يكون لهم إلهاً، كما تعهّدوا هم أيضاً بأن يفعلوا كل ما تكلّم به الرب. وبعد ستة أسابيع نكثوا العهد وعبدوا العجل الذهبي، ورقصوا حوله رقصاً خليعاً واعتبروه إلههم الذي أخرجهم من أرض العبودية إلى حالة الحرية… وهكذا كان ذلك الشعب ميّالاً إلى عبادة أصنامه، غير مبالٍ بالوصايا العشر التي أعطاهم إيّاها الله بواسطة موسى كما لم يعيروا أهميةً لتحذير الله إيّاهم على لسان موسى بقوله: «انظر! أنا واضعٌ أمامكم اليوم بركة ولعنة. البركة إذا سمعتم وصايا الرب إلهكم. واللعنة إذا زغتم عن الطريق التي أوصيتكم بها اليوم لتذهبوا وراء آلهة اخرى لم تعرفوها»(تث 11: 26 و30: 15 وأش 1: 19).
وعندما خلف يشوع بن نون موسى بقيادة ذلك الشعب روحياً ومدنياً، حاول أن يقوده إلى معرفة الحق وعبادة الله تعالى. ولمّا شاخ يشوع وشعر أنّه سينضم إلى آبائه ورأى أن الشعب كان أغلب الأحيان متمرّغاً في التمرّد على الله وميّالاً إلى عبادة آلهةٍ غريبةٍ باطلة، وقد نسي تاريخ آبائه ونكث عهده مع الله وحاد عن عبادته تعالى وملأت الأصنام الصغيرة منازله واتّكل عليها وقدّم إليها العبادة المنزلية اليومية، وحلّت هذا الأصنام محلّ الإله الحق في قلبه وفكره، وأفقدته سيطرته على نفسه الأمّارة بالسوء، لذلك جمع يشوع هذا الشعب وذكّرهم بالوصية وحذّرهم وأنذرهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ما لم ينزعوا الآلهة الغريبة من بينهم، وحيث أنه يعلم بأن الإنسان قد خُلِق حراً ومن حقّه أن يقرّر مصيره الروحي والأبدي، لذلك كان الاجتماع رهيباً… لخّص فيه يشوع ما أسبغ الله من نعم على ذلك الشعب، ووضع أمامهم حقيقة مصيريّة لا بدّ أن يواجهوها قائلاً: «اعبدوا الرب، وإن ساء في أعينكم أن تعبدوا الرب، فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون… أما أنا وبيتي فنعبد الرب»(يش 24: 14و15). فاستيقظ ضمير الشعب، وغلب العقل عندهم على الغريزة، وميّزوا بين الحق والباطل، فاختاروا الحق وأجابوا يشوع بن نون قائلين: «فنحن أيضاً نعبد الرب لأنّه هو إلهنا، قال لهم يشوع: أنتم شهودٌ على أنفسكم أنّكم قد اخترتم لأنفسكم الرب لتعبدوه… فالآن انزِعوا الآلهة الغريبة التي وسطكم وأميلوا قلوبكم إلى الرب، فقال الشعب ليشوع: الرب إلهنا نعبد ولصوته نسمع. وقطع يشوع عهداً للشعب في ذلك اليوم»(يش 24: 16 ـ 25).
ومات يشوع بن نون وهو ابن مئة وعشر سنين، وصادق شعب العهد القديم عبدة الأصنام واتّخذوا بناتهم زوجات لهم وأعطوهم بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم وفعلوا الشر في عيني الرب ناكثين عهده الذي عقده معهم وعهدهم معه وإعلانهم أمام يشوع بن نون قائلين: «فنحن أيضاً نعبد الرب لأنّه هو إلهنا»(يش 24: 14). وحيث أنّهم نسوا الرب إلههم، اغتاظ الرب عليهم وعاقبهم إذ دفعهم إلى أيدي عبدة الأصنام.
وفي أزمنة الضيق كانوا يتذكّرون إله آبائهم الرحيم ويصرخون إليه تعالى قائلين: «قد عُدنا وأخطأنا يا رب» وكان الرب يسمع صراخهم ويتقبّل دعاءهم ويقيم من بينهم رجالاً مملوئين إيماناً وشجاعةً أنقذوهم من عبادة الأصنام، ومن أشهرهم النبي إيليا الذي وضع حدّاً لطغيان آخاب وإيزابيل زوجته وكهّان (البعل) و(السواري) ووقف على جبل الكرمل لينادي بأعلى صوته ولتردّد الهضاب والوديان صدى صوته الجهوري وهو يوبّخ الشعب قائلاً: «حتى متى تعرّجون بين الفرقتين إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه»(1مل 18: 21) فلم يُجِبه الشعب بكلمة إذ كان مغلوباً على أمره يخاف سطوة آخاب وظلم إيزابيل وقد تبع هواه فهوى في الخطيّة ونسي مخافة الله والعهد الذي قطعه معه تعالى.
وبعد الأعجوبة التي اجترحها الله تعالى على يد إيليا سقط جميع الشعب على وجوههم وقالوا: «الرب هو الله. الرب هو الله».
أجل! لم يترك الله نفسه دون شاهد حتى بين الأمم التي ما عرفته أنه الإله الحقيقي وكان بين الفينة والفينة يظهر في شعب العهد القديم رجال أتقياء وأنبياء صادقون يوبّخونه ويؤدّبونه ويردعونه عن عبادة الآلهة الغريبة ويأتون به إلى عبادة الله الإله الحقيقي…
وتنبأ هؤلاء الأنبياء عن مجيء المخلص مشتهى الأمم والأجيال ليخلص شعب العهد القديم من عبادة الأوثان وقطع عهداً مع الشعب والشعوب لعبادة الإله الحقيقي.
وفي ملء الزمان تجسّد الإله الكلمة من الروح القدس والعذراء مريم، ودُعي اسمه يسوع أي المخلص وهو حمل الله الرافع خطايا العالم الذي فدانا بدمه الكريم فصار فصحنا الجديد على حدّ قول الرسول بولس: «لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا»(1كو 5: 7) وأنقذنا من الهلاك، وهكذا بدأ العهد الجديد بيننا وبين اللّه تعالى وتمّت نبوة إرميا القائل: «ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا العهد الذي أقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً. ولا يعلِّمون بعدُ كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب. لأنني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد»(إر 31: 31 ـ 34). «وأعطيهم قلباً ليعرفوني أني أنا الرب فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً لأنهم يرجعون إلي بكل قلبهم»(إر 24: 7).
أجل لقد قطع الله معنا هذا العهد الجديد، فغفر لنا ذنوبنا، ومحا صك الخطية الجدية وبررنا وقدّسنا وجعلنا أولاداً له بالنعمة وورثة لملكوته السماوي «لأنه هكذا أحب اللّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية»(يو 3: 16).
وفي ليلة آلامه، وقبل أن سلّم الرب يسوع جسده بإرادته بيد أعدائه ليموت على الصليب كفّارة عن خطايانا أكل مع تلاميذه خروف الفصح اليهودي وختم بذلك نظام العهد القديم، ثم قطع عهداً جديداً مع المؤمنين به برسمه سرّ جسده ودمه الأقدسين… ويذكر الإنجيل المقدس ذلك قائلاً عن الرب يسوع أنه: «أخذ الخبز وبارك وكسّر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي، وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا»(مت 26: 26 ـ 28).
فدم المسيح الفادي الذي سفك على الصليب كفّارة عن خطايانا هو علامة العهد الجديد الذي قطعه الرب مع المؤمنين به. وأمرنا أن نقدّم الذبيحة غير الدموية لذكره فهي استمرار لاستحقاقات ذبيحته على الصليب. وكما كان شعب العهد القديم يحتفلون بذبح خروف الفصح الذي هو رمز إلى المسيح حمل الله الرافع خطايا العالم، كذلك نحتفل نحن بتقديس الخبز والخمر جسد المسيح ودمه لنجدد عهدنا بالرب الإله فهو حقاً إلهنا ونحن غنم رعيته، وهو فصحنا ومخلّصنا (1كو 5: 7).
فلنؤمن جميعاً نحن وجميع أفراد عائلاتنا بالرب يسوع ونعترف به رباً ومخلصاً، وَلْنَقتدِ بالرسول بطرس الذي ألهمته السماء فأعلن أن يسوع هو المسيح ابن الله الحي(مت 16: 16)، ولنسجد للرب يسوع كما فعل توما الرسول صارخين «ربنا وإلهنا»(يو 20: 28). ومهما كان نوع المبادئ الإيمانية لبقية الناس الذين في مجتمعنا وفي العالم أجمع مختلفاً عن عقائدنا السمحة، ليقل كل واحدٍ منّا مع يشوع بن نون: «أما أنا وبيتي فنعبد الرب».
أيّها الأحبّاء: إن اعترافنا بالرب يسوع ابن الله وقبولنا إياه مخلّصاً، يدخلاننا في العهد الجديد معه وبذلك علينا أن نلتزم بعبادته وحده، ولا نشرك معه آلهة أخرى من أي نوع كان من المخلوقات، فالله في العهد القديم أوصانا قائلاً: «أنا الرب إلهك… لا تكن لك آلهة أخرى أمامي»(خر 20: 2و3). والرسول بولس يقول: «لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب»(في 2: 10).
والعبادة هي الإيمان بمقدرة المعبود، والاتكال عليه ومحبته من كل القلب ومن كل النفس، ومن كل القدرة ومن كل الفكر(لو 10: 27). وبهذا الصدد يقول الرب يسوع: «من أحبّ أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني»(مت 10: 37). والمحبة توجب على المحب التضحية ونكران الذات في سبيل الرب، وكما يلتزم المحب بذلك، كذلك الرب المحبوب ملتزم بمكافأته لمحبّيه، فقد وعد قائلاً: «وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية»(مت 19: 29).
أجل إن الالتزام بالعهد الذي قطعه الإنسان مع الله يوجب على الإنسان أن يحبّ الله لا خوفاً من العقاب، ولا طمعاً بالثواب بل أن يحبّه لذاته تعالى، وهذا ما فعله الرسل الأطهار الذين أحبوا الرب يسوع محبّة صادقة، وآمنوا به وفي سبيله ضحّوا بكل شيء في العالم وتبعوه. فبمجرّد دعوة الرب لتلميذيه بطرس واندراوس قائلاً لهما: «هلما ورائي، فللوقت تركا الشباك وتبعاه» (مت 4: 19 ـ 20) وحالما دعا يعقوب ويوحنا لبّيا النداء وتركا السفينة وأباهما وتبعاه (مت 4: 21 ـ 22) وهكذا جرى لمتى العشار الذي رآه الرب عند مكان الجباية فقال له: اتبعني، فقام وتبعه (مت 9: 9). وعندما ظهر الرب لشاول الذي صار بعدئذ بولس الرسول: «قال له يا رب ماذا تريد أن أفعل»(أع 9: 6). وأطاع أمر الرب يسوع وصار له تلميذاً.
فالالتزام بالعهد مع اللّه هو الالتزام بنشر بشارته الإنجيلية وتمجيد اسمه القدّوس، والالتزام بالصوم والصلاة، وبتقديم الصدقات للفقراء.
والالتزام بالنسبة إلينا نحن المؤمنين أعضاء الكنيسة المقدّسة هو التفاعل مع مؤسّسات الكنيسة المقدسة الروحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والخيرية والقيام بواجباتنا الروحية والاجتماعية والمادية تجاه كنيستنا المقدّسة التي هي أمنا التي ولدتنا من جرن المعمودية وهي معلمتنا التي لقّنتنا مبادئ الإيمان القويم الرأي، وأدخلتنا في دائرة العهد الجديد المعقود مع الرب الإله.
أيّها الأحباء: في أيّامنا هذه نجتاز تجارب روحية مريرة فقد حاد أغلب الناس عن عبادة الله حتى الذين دُعي اسمهم مسيحيين… إنهم يعرّجون بين الفرقتين… ويسوع المسيح ربنا ومخلّصنا، يريد من كل واحد منا أن يُعلن أمام الملأ ويقول لبني البشر كافةً بإيمان متين وثقة تامّة: «اختاروا اليوم من تعبدون أما أنا وبيتي فنعبد الرب».
إن الشيطان اللعين ما يزال وحشاً كاسراً يجول ملتمساً من يفترسه (1بط 5: 8). وهو يخدع الإنسان ويشكّكه بمصداقية وعود اللّه لأتقيائه وعهوده الصادقة لأحبّائه، وقد ضلّل إبليس جماهير غفيرة من الناس فتبعوه حتى أن بعضهم أعلنوا عبادتهم إيّاه والعياذ بالله. وإن عبادة الشيطان قد تعرت، بل إن مجدها في خزيها… وإن الخطايا التي تمرّغ أغلب الناس بحمأتها قد تنوّعت واشتدت وكثرت في الوطن والمهجر خاصة. فهل صنّا أنفسنا وأولادنا من السقوط في وهدتها؟! إننا على شفا الهاوية وعلى قاب قوسين أو أدنى من الموت الأدبي. فالذي وعد أنه هو وبيته يعبدون الرب، عليه أن يرعى أهل بيته رعاية صالحة ليصونهم من الذئاب الخاطفة. وليعلم أن المعاشرات الرديئة تفسد الضمائر الطاهرة كما أن المعاشرات الروحية تبني النفوس وتقوّي العلاقة الروحية مع اللّه تعالى.
فهل اصطحبت أولادك إلى الكنيسة ليشاركوك وأبناء الكنيسة وبناتها في رفع النفوس إلى الله؟ وهل شاركوك بتناول سر القربان المقدس للاتحاد بالمسيح والثبات بالإيمان به والحياة فيه؟ وأن يترجّوا معك الحياة الجديدة في العالم الآتي لترثوا جميعاً ملكوت المسيح يسوع السماوي. إن أمواج الإلحاد والضلالة والخطية المتلاطمة تكاد تحطّم سفينة حياتنا. فهلاّ صرخنا إلى مخلصنا الإلهي كما فعل الرسل قائلين: «يا رب ألا تبالي أننا نهلك». إن طلبناه بإيمان سيستجيب صلاتنا حالاً ويخلّصنا.
لننصت إلى الرسول بولس يقول لنا: «بل عظوا أنفسكم كل يوم ما دام الوقت يدعى اليوم لكي لا يُقسّى أحد منكم بغرور الخطية لأننا قد صرنا شركاء المسيح إن تمسّكنا ببداءة الثقة ثابتة إلى النهاية إذ قيل اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم كما في الإسخاط»(عب 3: 13 ـ 15).
إن كانت قلوبنا قد قست من كثرة الإثم، وضمائرنا قد غطت في سبات عميق… فلنسال اللّه كما فعل داود قائلين: «قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيمة جدد في داخلي»(مز 51: 10).
أيّها الأحباء: لنجدد العهد مع يسوع وَلْنعُد إليه كالابن الضال بتوبة نصوح… ولننقِّ بيوتنا من الأصنام الصغيرة التي ملأتها كما كانت قد ملأت بيوت شعب العهد القديم في أيّام يشوع بن نون. ولنطارد الثعالب الصغيرة ونتخلص منها، فهي التي تفسد الكروم (نش 2: 15)، وتمثّلها في نفوسنا الخطايا التي نظنّها بسيطة وصغيرة ولكنّها تسبّب لنا الهلاك الأبدي. ولنواظب على الصلاة، ونقرأ الكتاب المقدس متأملين بسير الآباء القديسين والأمّهات القدّيسات، وعاملين بتعاليم الرب يسوع ووصاياه الإلهية فيكون لنا إلهاً ونكون له شعباً، طالما نحن عائشون على هذه البسيطة، ثم بعد العمر الطويل لنستحق أن نقف أمامه في السماء بوجه سافر فرحين مع أهل بيتنا أي عائلتنا الكبيرة التي تمثّلها الكنيسة المقدسة، ومع أهل بيتنا الصغير أي العائلة الروحية أو الجسدية الصغيرتين، وليقل كل واحد منا للرب يسوع: ها أنا والأولاد الذين أعطيتني إيّاهم. أهّلنا الرب لنكون في عداد الذين سيدعوهم إلى التنعّم معه في ملكوت أبيه ونعمة الرب تشملكم جميعاً. ܘܐܒܘܢ ܕܒܫܡܝܐ ܘܫܪܟܐ
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق ـ سوريا
في اليوم السادس من شهر حزيران سنة ألف وتسعمائة وثمان وتسعين
وهي السنة الثامنة عشرة لبطريركيتنا