اللجنة العالمية المشتركة للحوار اللاهوتي
بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية
ممارسة الشركة في حياة الكنيسة الأولى وتأثيرها على سعينا نحو الشركة اليوم[1]
مقدّمة
1. تمكّنت اللجنة العالمية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية أن تؤكّد مجتمعةً في الوثيقة المشتركة “طبيعة الكنيسة وتكوينها ورسالتها” (NCMC)[2]، على العناصر الأساسية للاهوت الكنيسة القائم على الشركة، والذي يشمل الأسقفية، والخلافة الرسولية، والجماعية (collegiality) والصدارة، ومكانة المجامع المحلية والإقليمية والمسكونية ودلالتها، بالإضافة إلى رؤية مشتركة لرسالة الكنيسة0 ويشير النصّ أيضًا إلى المسائل الرئيسية التي تتطلّب مزيدًا من الدراسة في هذه المجالات.
2. في المرحلة الثانية من الحوار، قرّرت اللجنة التعمّق في دراسة “الروابط المنظورة للشركة” (را NCMC رقم 23)، والتي من شأنها أن تُبرِز الشركة بين الكنائس وتعزّزها. تتمحور هذه الدراسة حول القرون الخمسة الأولى من تاريخ الكنيسة. في الواقع، تتّفق كنائسنا على أنّ الاختبار المشترك للشركة قبل تاريخ الانقسام له أهمّية خاصّة في البحث عن استعادة الشركة اليوم. لا شكّ أنّه مِن المستحيل تجاهلُ التطوّرات العديدة التي جرت خلال القرون الخمس عشرة التالية، لكنّ الفترة الممتدّة حتّى منتصف القرن الخامس تبقى مرجعًا فريدًا ومصدر إلهامٍ وأملٍ لنا. فتَمَكُّنُ كنائسنا من عيش الشركة خلال هذه القرون، على الرغم من الاختلافات في المقاربات والتفاسير، من شأنه أن يحثّنا ويشجعّنا في بحثنا الحاضر عن وحدةٍ منظورةٍ في ظلّ التنوّع، بإرشاد الروح القدس. في رسالته العامّة ليكونوا واحدًا (Ut unum sint) (1995)، يؤكّد البابا يوحنّا بولس الثاني من جديد على قبول التنوّع المشروع وأهمّيّته في الوحدة، ويصرّح أنّ “أشكال الوحدة التي كانت قائمةً قبل الانشقاق تمثّل تراثًا من الاختبارات يوجّه مسيرتنا المشتركة نحو إعادة الشركة التامّة” (ليكونوا واحدًا 55). في الحوارات الرسمية وغير الرسمية المتنوّعة التي سبق أن عُقدت بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وكذلك في البيانات المشتركة الصادرة عن رؤساء هذه الكنائس، يُعتَبَر في العديد من الأحيان مبدأُ الوحدةِ في جوهر الإيمان والتنوّعِ في التعبير عن هذا الجوهر، هدفًا لحوارنا. بيد أنّه لا تزال هناك اختلافاتٌ تتعلّق بنقاط جوهرية في الإيمان وكيفية فهمها، ينبغي حلّها من أجل تحقيق هذا الهدف في حوارنا.
3. في سياق دراساتنا وحوارنا، أدركنا أنّ الشركة متعدّدة الأبعاد ولا يجوز حصرها في شركةٍ هرمية رسمية فقط. وفهمنا أنّ الشركة يتمّ التعبير عنها بطرقٍ مختلفةٍ ومتنوّعةٍ وبمسؤوليةٍ متبادلةٍ، في تبادل الرسائل والزيارات، في الليتورجيا (الطقوس) والصلوات، في الشهادة والاستشهاد المشترَكين، في الرهبنة وفي إكرام القدّيسين.
I– أدلّة العهد الجديد
4. يمكن فهم المصطلح كوينونيا (koinonia)، والذي ترجمته “شركة”، “ترابط، ألفة”، والفعل “اتّصل”، “اشترك”، إلخ.، في العهد الجديد على أنّه ارتباطٌ وثيقٌ يتميّز بالاهتمام المشترك والتبادُل؛ كما يمكن فهمه على أنّه امتلاكُ حصّةٍ أو منحُ حصّةٍ أو مشاركة. إنّ القدّيس بولس الرائد في استخدام هذا المصطلح، يستخدمه ليدلّ بشكلٍ أساسيٍّ على الشركة الدينية بين المؤمنين بالمسيح وتبادل الخيرات الروحية والمادّية بين المسيحيّين والألفة بينهم.
5. إنّ طبيعة الشركة الشاملة والعالمية التي كرّسها ربّنا يسوع المسيح هي أساسٌ للشركة الكنسية التي نراها في العهد الجديد. كما أنّ الثالوث القدّوس – الآب، والابن، والروح القدس، أقانيم ثلاثة إلهية متميّزة وغير منفصلةٍ في جوهرٍ واحدٍ – هو المصدر والنموذج للكنائس كي تكون في شركة في ظلّ التنوّع (را 1يو 1/1–4؛ NCMC رقم 6–13).
6. إنّ الشركة الـمُعبَّر عنها في هذا العالم هي استباقٌ للشركة المطلقة التي ستتجلّى في المجيء الأخير (parousia)، حين يتّحد الراقدون والأحياء الباقون على الأرض بشكلٍ كامل مع المسيح (را 1تس 4/17) ويتّحد فيه أخيرًا كلّ ما في السموات وما على الارض (را أف 1/9–10).
7. المعمودية هي المدخل إلى حياة الإيمان والباب إلى الشركة مع المسيح وكنيسته (را غل 3/26–27). فبواسطة المعمودية، يدخل الإنسان إلى الشركة مع الآب والابن والروح القدس من جهة (را مت 28/19)، ومع الجماعة المتّحدة ببعضها البعض في كل العالم والمؤسّسة على هذه الشركة الثالوثية من جهة أخرى (را يو 17/21). إنّ الشركة مع المسيح تبدأ عند العماد وتتغذّى وتظهر في الاحتفال بالإفخارستيا التي هي السبيل إلى الشركة الكنسية والتعبير الأسمى عنها.
8. يُعتبَر الرسل وإيمانهم المرجعية والمعيار لنقل إيمان الكنيسة. كما يشهد العهد الجديد على وجود تقاليد كنسيةٍ متعدّدةٍ ذات وحدةٍ أساسيةٍ مصدرُها التقليدُ الرسولي نفسُه المشترك بين جميعها والمتمحور حول أحداث حياة المسيح وموته وقيامته (را 1كور 15/3–4). إنّ كنائس العهد الجديد، وعلى الرغم من تعبيرها عن الإيمان الواحد بطرقٍ مختلفةٍ ومتعدّدةٍ، قد حافظت على الشركة والتواصل بين بعضها البعض.
9. يمكننا أن نتعقّب في العهد الجديد طرقًا مختلفةً لممارسة الشركة مثل تشاطر الخبرة الرسولية عينها والاشتراك في اختبار التبشير بالمسيح (را غل 2/9–10) وتأسيس كنائس محلّيةٍ جديدةٍ من قِبَل الكنائس القائمة، اهتمام الكنائس الأقدم عهدًا بالكنائس الناشئة باستمرار (را تي 1/5؛ 1تيم 1/3)، جمع التبرّعات وإرسالها إلى الكنائس المحتاجة (را 2 كور 9/11–14)، ممارسة الخدمة الرسولية بشكل تسلسليّ من خلال الخدام المرسومين، الأمر الذي يضمن بقاء الكنائس في شركة (را 1تيم 3/1–7)، تبادل الرسائل (را كو 4/15–16) واستقبال أعضاء الكنائس الشقيقة (را رو 16/1–2؛ 3 يو 5–8) إلخ.
10. في العهد الجديد أيضًا مؤشّراتٌ على ممارسة الشركة الكنسية من دون حصرها ضمن حدود جغرافية معيّنة. فسلطة الرسل كانت جامعة (عالمية) بطبيعتها. كما أنّ اجتماع الرسل والمشايخ والمعروف بمجمع أورشليم (أع 15) عالج مسائل حول العقيدة والسلوك، تخصّ شركة الكنيسة جمعاء. وإيكال القدّيس بولس لتيطس وتيموثاوس مسؤوليةَ تأسيسِ عدّة كنائس جديدةٍ وتنظيمها (را تي 1/5؛ 1 تيم 1/3) هُوَ مؤشّرٌ على ممارسة الشركة الكنسية في نطاقٍ يتخطّى الكنيسة المحلّية.
11. تشارك كلّ جماعةٍ مسيحيةٍ محلّيةٍ في حياة وشهادة الجماعات المسيحية كافّةً، في كلّ مكانٍ وزمان، من خلال الإيمان المشترك بالمسيح، المتجذّر والْمُعَبَّر عنه في إعلان الكلمة، وفي الاحتفال بالأسرار، وفي حياة الخدمة والشهادة. بما أنّ الكنيسة المحلّية هي تَـجَلٍّ للكنيسة الجامعة الحاضرة في داخلها، فالكنيسة المحلّية لا توصَف في العهد الجديد أبدًا على أنّها حقيقةٌ معزولة. ذلك أنّ حقيقة الكنيسة الواحدة المقدّسة الجامعة والرسولية تتحقّق بشكلٍ تامٍّ في الكنائس المحلّية ذات الخدمة الرسولية، بشرط أن تكون في شركةٍ مع الكنائس المحلّية الأخرى.
II– أوجه التعبير عن الشركة بين كنائسنا في القرون الخمسة الأولى
II– أ- تبادل الرسائل والزيارات
12. لقد تمّ الحفاظ على العديد من الرسائل التي تعود إلى الفترة السابقة لعهد قسطنطين والتي تُظهر استمرار الاهتمام ونوع التواصل (بين الكنائس)، الْمُثْبَتَين قبلًا في وثائق العهد الجديد. ومن بين هذه الرسائل، يمكن أن نذكر رسائل اغناطيوس الأنطاكي ورسالة إكليمندوس الأولى إلى أهل كورنثوس وكذلك الرسائل العديدة المحفوظة في تاريخ أوسابيوس.
13. كانت هناك أسبابٌ عديدةٌ لهذا التواصل، ويبدو أنّ أحدها كان مسألة تحديد العقيدة الصحيحة والتقليدية. فقد أظهر الأساقفة والجماعات المختلفة مسؤوليةً متبادلةً تجاه بعضهم البعض. ومن الواضح، بناءً على المعلومات التي يقدّمها أوسابيوس، أنّ الأساقفة كانوا يتراسلون باستمرار للتشاور حول كيفية حلّ المشاكل، وحول ما كان يُعتَبَر عُرفًا أو تقليدًا عامًّا، إلخ. وكانت هذه الرسائل تُجمع وتُـمَرَّر إلى آخرين. ومن هذه المراسلات، يبدو أنّ الأساقفة الجدد كانوا يكتبون لنظرائهم معلنين انتخابهم.
14. على سبيل المثال، تُظهر رسالة إكليمندوس الأولى أنّ كنيسة روما مهتمّةٌ اهتمامًا بالغًا وأخويًّا بوحدة الكنيسة في كورنثوس وأنّها تسعى لإعادة السلام والنظام إليها. ولعلّنا نجد في هذه الرسالة أقدم وثيقة مسيحية تُظهر أنّ لكنيسةٍ محلّية اهتمام في الصميم بكنيسةٍ أخرى. وهناك أمثلة أخرى من فتراتٍ لاحقةٍ قليلًا، منها رسالة ديونيسيوس الكورنثي إلى سوتر أسقف روما، ومراسلات ديونيسيوس الإسكندري القلق حيال الانقسام الناتج عن النوباطيّين، والذي كتب رسائل إلى أساقفة أنطاكيا وروما وأرمينيا الكبرى والكاهن نوباطيان في روما، بالإضافة إلى الرسائل بين كيرلّس الإسكندري وكالستينوس الأوّل الروماني في شأن النسطرة.
15. إنّ الوثائق الموجودة تُظهر أنّ هذا التواصل وهذه الشركة امتدّا إلى كنائس ما وراء حدود الامبراطورية الرومانية وضمّت على سبيل المثال لا الحصر كنائس أرمينيا وبلاد فارس والهند وأثيوبيا. فمثلًا:
أ- بالنسبة إلى أرمينيا، يمكننا أن نذكر الرسائل بين مكاريوس أسقف أورشليم وفارتان كاثوليكوس أرمينيا (في النصف الأوّل من القرن الرابع) المتعلّقة بقضايا طقسية وليتورجية. أضف إلى ذلك تبادل الرسائل بين أكاكيوس أسقف القسطنطينية، وساهاك كاثوليكوس أرمينيا (في العقد الأول من القرن الخامس) بشأن تعليم الحروف الأبجدية الأرمنية في المناطق الأرمنية الواقعة ضمن حدود الإمبراطورية البيزنطية. كذلك أيضًا الرسائل بين بروكلوس أسقف القسطنطينية (في القرن الخامس) وأكاكيوس الميليتيني من جهة، وساهاك كاثوليكوس أرمينيا من جهة أخرى، بشأن نسطور وترجمة الكتاب المقدّس من اللغة اليونانية إلى الأرمنية.
ب- أمّا الكنيسة في بلاد فارس، والتي تمتدّ من طريق الحرير وصولًا إلى آسيا الوسطى والصين، فقد بقيت على اتّصالٍ بكنيسة الامبراطورية الرومانية. وعلى سبيل المثال، في السينودس الأوّل المؤرَّخ له لتلك الكنيسة في سلوقية – قطيسفون (410)، قُرئت رسالةٌ من الآباء الغربيّين أحضرها ماروثا الميافرقيني أحد أساقفة الامبراطورية الرومانية. وقد وقّع الرسالة كلٌّ من بورفيريوس الأنطاكي، أكاكيوس الحلبي، باكيدا الرهاوي، أوسابيوس التلّي، أكاكيوس الآمدي وآخرون. وقد قبل هذا المجمع إيمان مجمع نيقية (325).
ج- بحسب التقليد، كانت هناك علاقة وطيدة تربط كنيسة مالابار بكنائس أنطاكية، الرها، سلوقية-قطيسفون وغيرها. فالعلاقات والاتّصالات التي أقامها المسيحيّون تلامذة القدّيس توما في الهند تشهد على حقيقة أنّ الكنيسة في الهند بقيت في شركةٍ مع الكنائس الأخرى.
د- منذ أن رُسم الراهب فرومنسيوس السرياني، مبشّر مملكة أكسوم، أسقفًا على يد القدّيس أثناسيوس عام 330، حافظت الكنيسة الأثيوبية على علاقتها الأسقفية مع كنيسة الإسكندرية. كما أنّ الشركة مع الكنائس الأخرى مثبتةٌ أيضًا: فعلى سبيل المثال، هناك رسالة من الامبراطور قسطنطين الثاني إلى الملوك الأثيوبيّين يدعوهم فيها إلى قبول الإيمان الآريوسي؛ بَيد أنّ البطريرك الآريوسي الإسكندري تمّ رفضه، ممّا يُظهر إخلاص الكنيسة الأثيوبية لشركة الإيمان.
16. إنّ حجم التواصل والتبادل بين الكراسي المختلفة يعبّران عن مسؤوليةٍ أخوية؛ وبالتالي، فالتواصل هو وسيلةٌ مهمّةٌ للحفاظ على الشركة. وما يدهش ويلفت النظر بشكلٍ خاصّ هو درجة الشركة التي كانت قائمة في حركةٍ كانت خِلْوًا من إدارةٍ مركزيّةٍ، بعد مئاتِ السنينِ من الانتشار المسيحي في أرجاء الإمبراطورية الرومانية وخارجها. فبحلول منتصف القرن الثالث، كانت غالبية المجتمعات المسيحية في شركةٍ مع بعضها البعض. إنّ الحاجة للشركة تتحقّق من خلال عمليةِ مشاركةٍ وأخذٍ وعطاءٍ بين الكنائس المحلّية.
II– ب- المجامع وقبولها
17. انبثقت المجامع (باليونانية سينودوي، وباللاتينية كونسيليا) من الحاجة إلى ردّ فعلٍ مشتركٍ تجاه بعض المصاعب والمسائل من أجل الحفاظ على الوحدة. وقد عُقدت المجامع الأولى على مستوى أبرشيٍّ وإقليميٍّ ومحلّيٍّ. ولدينا أدلّةٌ واضحةٌ من النصف الثاني من القرن الثالث وما بعد، عن انعقاد اجتماعاتٍ كهذه، في آسيا الصغرى ومصر وسوريا وشمال أفريقيا وبلاد الغال وكورنثوس، إلخ. وقد اتّصفت هذه المجامع الإقليمية والأبرشية الأولى بالاستقلالية والحرّية في المواضيع المتعلّقة بالمنطقة الجغرافية المعنية، وضمّت الإكليروس والعلمانيّين. وكانت نتائج هذه المؤتمرات تُوجَّه إلى الكنائس المحلّية والإقليمية من أجل قبولها، ثمّ تُرسَل إلى الكنائس الأخرى عبر رسائلَ مجمعيةٍ لإطلاعها على المقرّرات. غير أنّ الشركة الكنسية في القرون الأولى كانت تُمارَس في الإيمان والحياة الليتورجية أكثر منها في هيكلية قانونية.
18. وبينما استمرّ انعقاد المجامع الإقليمية والمحلّية التي دعا إليها الأساقفة، دخلت الكنيسة في الإمبراطورية الرومانية مرحلةً جديدةً من تاريخها مع الإمبراطور قسطنطين. ففي حين جاءت المجامع السابقة كنتيجةٍ لمبادراتٍ أسقفيةٍ، استحدث الامبراطور ممارسةً جديدةً، إذ طلب مشورة الأساقفة للبتّ في الشؤون الكنسية. وبدءًا من قسطنطين، اعتقد الأباطرة بأنّ من واجبهم الحفاظ على الوحدة والسلام داخل الكنيسة، فقاموا بدعوة الأساقفة إلى المجمع محدّدين زمان ومكان انعقاده.
19. لقد كان قبول المقرّرات العقيدية لمجمعٍ ما في الكنيسة الأولى عمليّةً طويلةً لا تخلو من الخلافات والجدالات، بمشاركة شعب الله بأكمله. وكان الوضع كذلك بشكلٍ خاصّ بعد مجمع نيقية (325) وهو أوّل مجمعٍ يُعقَد على نطاق الإمبراطورية الرومانية كلّها.
20. وقد صار هذا المجمع مسكونيًا (أي عالميًا) من خلال القبول. ولم تكن عملية القبول الفعلي لمقرّرات المجامع المسكونية داخل الكنيسة تتمّ بمجرّد إعلانها من قبل الإمبراطور. فقد كان إعلانُ السلطة الكنسية لقرارٍ عقيديٍّ أو كنسيٍّ وقبولُها به، يشكّلان فقط جزءًا من القبول. ذلك أنّ عملية القبول ليست فقط عملية شرعنةٍ بل تشمل أيضًا تبنّي الكنائس والمؤمنين للقرارات المجمعية وتجسيدها في حياتهم. وهذا يعني أنّ قرارات المجمع يجب أن تُعلَن رسميًا من قِبَل السلطة الكنسية وأن تُقبَل في قلوب المؤمنين وأذهانهم، وهذا يعني أيضًا أنّ تعاليم المجمع اللاهوتية تحتاج إلى أن توضَّح وتُعمَّق من خلال الحوار والمناقشة، حتّى مع معارضي مقرّرات المجمع في حينه.
21. في أواخر العصور القديمة، كان مصطلح “مسكوني” باليونانية واللاتينية يرجع إلى الأراضي المسكونة في الإمبراطورية الرومانية. وبما أنّ “المجامع المسكونية” كانت لقاءاتٍ تقتصر على أساقفة الإمبراطورية الرومانية فقط – ولو أنّ أساقفةً من خارج الإمبراطورية الرومانية كانوا أحيانًا يشاركون فيها، من أرمينيا والهند على سبيل المثال – وكانت تُعقد من قِبَل الإمبراطور الذي لا يُعترَف بسلطته خارج نطاق الإمبراطورية الرومانية، فقد كانت العقائد والشرائع الصادرة عن هذه المجامع تسري فقط داخل الإمبراطورية الرومانية. بَيد أنّه كان من الممكن أن تُقبَل في وقتٍ لاحقٍ قرارات مجمعٍ ما في الكنائس التي هي خارج الامبراطورية الرومانية، ومنها على سبيل المثال كنائس أرمينيا وبلاد فارس والهند وأثيوبيا.
22. ومن خلال عملية القبول المعقّدة هذه، داخل الإمبراطورية الرومانية وخارجها، لقيت بعض المجامع التي عقدها الإمبراطور قبولًا أكثر من غيرها، كمجمعَي نيقية (325) والقسطنطينية (381) وقانون الإيمان النيقاوي – القسطنطيني الصادر عنهما.
III– الصلاة والليتورجيا كوسيلتين للشركة والتواصل
23. إنّ الصلاة هي سمةٌ عالميةٌ للاختبار الديني الإنساني. فالصلاة تربط الماضي بالحاضر، والأحياء بالراقدين. وهي الطريق الأمثل الذي يقود إلى معرفة الله. أما الليتورجيا فهي الصلاة المشتركة للشعب المسيحي المجتمِع، والتعبير الأساسي عن الإيمان المسيحي والعقيدة، وكنز التقليد المسيحي. الليتورجيا مدرسة الحياة المسيحية، ونقطة اللقاء بين الله وخليقته، وفيها تُستَخدم الرموز والأشياء المادية التي هي بمثابة قنواتٍ للنعمة الإلهية وللتواصل.
24. في سائر الكنائس والتقاليد، تقوم الصلوات الليتورجية المشتركة بالإضافة إلى العبادة الشخصية على نماذج كتابية وتعاليم يسوع بالذات. وتحتلُّ المزاميرُ والأناشيد الكتابية والترانيم مكانةً هامّةً وخاصّة، مع الإشارة إلى وجود ترابطٍ وثيقٍ بين لغة الليتورجيا ولغة الصلاة الشخصية.
25. تكشف الكتابات المسيحية الأولى عن إجماعٍ حول القواعد اللاهوتية للصلاة، إلى جانب الممارسات الأساسية كأوقات الصلاة، ووضعيّة المصلّي والاتجاه نحو الشرق أثناء الصلاة. ومنذ القرن الرابع، شكّلت الحركة الرهبانية وكتاباتها مصدرًا أساسيًا للتأمّل والمشاركة فيما يخصّ الصلاة الدائمة والدور المركزي للمزامير في الحياة المسيحية. هذا ويجلُّ التقليدُ المسيحيّ مكانةَ الدموع والصلاة الصوفيّة في الحياة المسيحية.
26. أمّا ليتورجيا الساعات التي تُعيِّن لكلّ يومٍ أوقاتًا محدّدة للصلاة، بالإضافة إلى طقس الإفخارستيا نفسه، فهي تحتوي على سماتٍ أساسيةٍ موجودةٍ في كلّ تقليد. إنّ طقس الإفخارستيا بشكله الأساسي (المؤلَّف من قراءات من الكتب المقدّسة تتبعها تقدمة الخبز والخمر من أجل تقديسهما من خلال ذكر العشاء الأخير واستدعاء الروح القدس)، هو مرتكز العبادة لدى جميع الكنائس. أما تطوّر صلاة القداس، أي الأنافورة، فيعبّر بشكلٍ مميّزٍ عن التبادل بين المراكز الكنسية القديمة وكبار اللاهوتيين، حيث كان كلُّ تقليدٍ يتلقّفُ أفكارًا ونصوصًا من التقاليد الأخرى. وقد لعبتْ كلٌّ من مراكز أورشليم، الإسكندرية، كبادوكية، روما، وأنطاكية/الرها دورًا بارزًا في هذا الإطار.
27. ثمّة شواهد ضئيلة، لكن مهمّة، تسلّط الضوء على محتوى الصلاة الإفخارستية في الفترة الواقعة بين عشاء الربّ يسوع الأخير مع رسله ونصوص النوافير التي تطوّرت لاحقًا في القرن الرابع. إنّ أقدمَ وصفٍ مكتوبٍ لهذه الصلاة الإفخارستية باقٍ إلى اليوم موجودٌ في الديداخي، وهي عملٌ مدوّنٌ باليونانيّة أُنجز في سوريا في أواخر القرن الأول. وخلال القرن الثاني، فُصل الاحتفال بالإفخارستيا نهائيًا عن العشاء المشترك. ويصف القدّيس الشهيد يوستينوس (توفي 165) الإفخارستيا بعباراتٍ مألوفة جدًّا إلينا اليوم. إنّ وصفه المختصر يُبرزُ أفكارًا شبيهةً بالديداخي وبالتقليد اللاحق: السبح والمجد لأب الكون، والشكر (“بإسهاب”) لأنّنا حُسبنا أهلًا لقبول هذه الأمور من يديه، ويكون الختام بقول الشعب “آمين”.
28. أمّا ما يُعرف بالتقليد الرسولي لهيبوليتوس، فيوضح كيف كانت الكنيسة الأولى تفهم أساسيات العبادة الإفخارستية بشكل عامّ. هذا الكتاب المؤلَّف باليونانية أصلًا، كان مقروءًا ومستخدمًا على نطاقٍ واسعٍ في الشرق. وتكمن أهميّة التقليد الرسولي في عرضه لأنافورة شبه كاملةٍ، مقارنةً بالنماذج اللاحقة. وتشتمل هذه الأنافورة على عناصر نجدها في كتاباتٍ سابقةٍ عن الإفخارستيا إلى جانب كتاباتٍ أحدث عهدًا: حمد الله على عمل الخلق والخلاص، سردُ العشاء الأخير، الربط بين الاحتفال الحالي والعشاء الأخير من خلال الذكر الليتورجي (anamnesis)، تقدمة الذبيحة الإفخارستية (oblation)، استدعاء الروح القدس ليحلّ على التقدمة وعلى من يشترك فيها (epiclesis)، التماس الثبات للمؤمنين والترنيمة الختامية ثمّ “آمين”.
29. وقد أنتج التقليد “السرياني الغربي” أنافوراتٍ يونانيةً وسريانيةً كان لها أثرٌ عميقٌ في العالم المسيحيّ الشرقيّ. فنجد القدّيس يوحنا الذهبي الفمّ ينقل أنافورة أنطاكية المعروفة باسم “أنافورة الرسل (الاثني عشر)” المفقودة في اليونانية، إلى القسطنطينية حوالي سنة 389 ويعيد صياغتها مؤلّفًا بذلك الأنافورة التي لا تزال تحمل اسمه والتي هي الأنافورة الأساسية لدى البيزنطيين. وقد أُعيدت صياغتها مرّةً أخرى ونُقلت إلى السريانية باسم أنافورة الرسل الاثني عشر، وهي ما تزال مستخدمةً في التقليد السرياني الأرثوذكسي. أمّا أنافورة القدّيس باسيليوس، والتي يعتبرها التقليد كبادوكيّة المنشأ، فهي أقرب أن تكون سوريّة، وقد أثّرت أيضًا في نشأة تقليد الأنافورات الأرمني. كما نجد في التقليد السرياني الغربي ليتورجية القدّيس يعقوب التي ترتبط أساسًا بأورشليم، لكنّها كانت ذات تأثير أشمل بسبب هويّتها الأورشليمية. أمّا التقليد “السرياني الشرقي” المتمركز في الرها ونصيبين، فقد كان له تأثيرٌ على أنافورة الرسل (أو “أنافورة القدّيس بطرس الثالثة”) المارونية المعروفة باسم شارار. وقد وصل هذا التقليد الليتورجي إلى جنوب آسيا، بفعل البعثات المرسلة إلى الجماعة المسيحية القديمة التي تلمذها القدّيس توما.
30. منذ القرن الخامس وفيما بعد، أخذت هذه التقاليد تؤثّر على بعضها البعض بطرقٍ مختلفةٍ ومتشابكة، مشكِّلةً مجموعة النصوص الليتورجية المستخدمة في الكنائس المتنوّعة إلى يومنا هذا. فالكنيسة القبطية لا تزال تستخدم الليتورجيا المنسوبة بحسب التقليد إلى القدّيس مرقس الإنجيلي، والمعروفة بليتورجية القدّيس كيرلّس. والكنيستان الأرمنية والأثيوبية تُبرزان بنوعٍ خاصٍ هذا التبادل المتشابك في تاريخهما الليتورجي. ففي الليتورجيا الأرمنية، كما في الرهبنة الأرمنية، تظهرُ تأثيرات سريانية وكبادوكية، وتأثيرًا كبيرًا من أورشليم. أمّا في أثيوبيا، فبالإضافة إلى التأثير الإسكندري القديم، كانت هناك تراتيل مؤلّفة محلّيًا وعددٌ وافرٌ من الأنافورات. وحِفْظُ نصِّ التقليد الرسوليّ بشكله الأكمل باللغة الجعزية، يشهد أولًا على التأثير البعيد الذي كان لهذا النصّ المهمّ وثانيًا على مدى أمانة التراث المسيحي الأثيوبي في الحفاظ على التقاليد الليتورجية.
31. بمقابل وفرة الأنافورات في الشرق المسيحيّ، لم يبقَ في الغرب إلاّ عددٌ قليلٌ من الأدلّة التي تعود إلى ما قبل القرن السابع. بَيد أنّ ما تبقّى يشهد على أنّ عناصرَ شتّى بل وتعابير كانت مستخدمة في حقبة مبكرة في إيطاليا، تظهر هي نفسها في الأنافورة الرومانية الكلاسيكية، Canon Missae (أو “كتاب القدّاس الروماني”). وتُظهر دراسة دقيقة لِـ كتاب القداس هذا، روابطَ واضحةً بينه وبين التقليد الإسكندري.
32. لا تملك أيّة كنيسةٍ تقليدًا “صافيًا” لاحتفالٍ إفخارستي متأتٍّ فقط من مصادر محلّية. فإنّ جميع الأنافورات بالإضافة إلى مكوّنات الاحتفال الافخارستي الأخرى، في جميعِ الكنائس، تُظهر الإغناء المتبادل بين التقاليد. ومن هذا المنظار، فإنّ الاحتفال الافخارستي الذي يُعتبَر في الكثير من الأحيان نقطةَ الانقسام بين الكنائس، يمثّل في شكله ونصوصه المحورية أغنى تعبيرٍ عن الشركة والتواصل، وعن الوحدة في ظلّ التنوّع، في حياة الكنيسة الأولى.
IV– الاستشهاد كعنصر شركة وتواصل
33. بعد شهادة العهدين القديم والجديد، بات الاستشهاد مبدأً مسيحيًا أساسيًا وعلامةً طُبعت بها كافّة الكنائس منذ بدء المسيحية. فالشهداء في صُلب الكنيسة. ولنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا (عب 12/1). الاستشهاد جزءٌ من رسالة الكنيسة. لذلك تُقام الاحتفالات المتبادلة إكرامًا للشهداء في جميع الكنائس الرسولية. تُشيَّد الكنائس على أسمائهم، وتُنقل رفاتهم من صقعٍ إلى آخر في العالم لنَيل البركة.
34. وقد كان نقل ذخائر القدّيس مرقس من روما إلى الإسكندرية في عام 1968، وذخائر الرسولَين تدّاوس وبرثلماوس إلى أتشميادزين عام 1970، من أبرز عمليات نقل الذخائر في العصر الحديث، والتي اعتُبِرَت وسيلةً لتعزيز العلاقات بين الكرسيّ الرومانيّ والكنائس الشرقية الأرثوذكسية.
35. الاستشهاد جزءٌ لا يتجزّأ من أبعاد إيمان الكنيسة وحياتها ورسالتها. إنّ شركة الكنيسة تستمدُّ وجودَها من شركةِ الله الثالوث الذي هو مُحِبٌّ ويبذل ذاته، وبالتالي فإنّ هدفها هو عيش المحبّة. وهي شركة شهادة. فالآب يظهرُ كشاهدٍ في كلا العهدين القديم والجديد. وبالتحديد، هو شاهدٌ ليسوع المسيح، الذي بدوره جاء إلى العالم ليشهد للحقّ (يو 18/37). إنّه الشاهد الأمين الصادق (رؤ 3/14). أمّا الروح القدس، روح المحبّة، فيشهد لسرِّ الله العميق، ويعمل من خلال الشهود الذين يلهمهم، ولا سيّما الشهداء. فمن خلال الحبّ حتّى الموت، يشهد الشهداء على الإخلاص الأبدي وبذلِ الله ذاتَهُ بذلًا لامتناهيًا، كما قال السيّد المسيح: “ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم مِن هذا: أن يضعَ أحدٌ نفسه لأجل أحبّائه” (يو 15/13). وقد اختير الشهداء من ضمن شعب الله ليشهدوا للعهد الذي يربط الله بشعبه ولكي يثبتوا بطريقة حسّيّة الحقيقة الرائعة: حقيقةَ أنّ “الله محبّة” (1 يو 4/8 و16).
36. يوحّد الربّ يسوع المسيح، وهو النموذج المثالي لكلّ الشهداء، جميع من يؤمن به في جسدٍ واحدٍ من خلال المعمودية. وكلّ الأعضاء مرتبطةٌ مع بعضها البعض بآلامه. لذلك تؤثّر معاناة الشهداء على سائر أعضاء الكنيسة. إنّ روح المسيح الذي يسكن ويعمل في رأس جسده وفي أعضائه، يجعل من الكنيسة هيكلًا. وللشهداء فيه دورُ إتمام التقدمة. فهم يضحّون بأجسادهم لمجد الله. وقد أُنيطت بالكنيسة ثلاث وظائف أساسيةٍ: ممارسة وظيفة النبوّة بالشهادة، ووظيفة الكهنوت بالليتورجيا، ووظيفة الملوكية بالخدمة.
37. إنّ كلّ المؤمنين بالمسيح مدعوّون لاستقبال نور المسيح وعكسه للآخرين. وباستطاعة الشهداء، بل من واجبهم أن يدعموا إخوتهم المؤمنين. فمن حياة الشهداء وموتهم يسطعُ نورٌ، يضيء على حقائقَ مركزية في الحياة والإيمان. بفضل النعمة المعطاة له من الله، يحيا الشهيد ويقول بشكلٍ قاطع وغير مشروط: “نَعَم” لمشيئة الله وعمله. وبإمكان إيريناوس أسقف سيرميوم (304) أن يعلن جهارًا أمام مضطهديه: “بالاعتراف الحسن أقدّم ذبيحةً لإلهي الذي لطالما قدّمتُ له الذبائح”.
38. على جميع أعضاء كنيسة المسيح أن يقدّموا أنفسهم ذبيحةً حيّةً، مقدَّسةً مَرْضيَّةً عند الله (را رو 12/1). والشهداء يتمّمون هذا الواجب بطريقةٍ استثنائيةٍ من خلال الشهادة للإيمان المختومة بالدم، ومن خلال رجائهم المملوء خلودًا (را حك 3/4)، ومن خلال بذل ذاتهم التامّ بموتهم من أجل المسيح.
39. والاستشهاد يشمل الليتورجيا أيضًا. ففي كلّ سرٍّ، يوحّدنا المسيحُ به وبحياته، وبالأخصّ بموته وقيامته. وبما أنّ الشهداء يدخلون في الحدث الفصحي بشكلٍ فريدٍ، فإنّ لهم رابطًا حيويًا بالبعد السرّيّ للكنيسة. فما يُعبَّر عنه بالرموز في الأسرار يصبح واقعًا حقيقيًّا في حياتهم. وكلّ ما يُمنَح للمؤمنين في المعمودية، يُمنح لغير المؤمنين بالاستشهاد.
40. منذ فجر المسيحية، والاستشهاد علامةٌ فريدةٌ للشركة. فقد أدركت الكنيسة جمعاء واعتبرت كلّ أولئك الذين استشهدوا من أجل اسم المسيح قبل أن ينالوا العماد، قدّيسين عظماء. والكنيسة بشقّيها الشرقيّ والغربيّ تسمّي ذلك “معمودية الدم”.
41. لا يرى الآباء في الاستشهاد أمرًا مماثلًا للعماد وحسب، بل يذهب بعضهم إلى القول إنّ فيه من النعم أكثر مما في المعمودية. ومن هؤلاء القدّيس قبريانس الذي كتب: “أيمكن لقوّة العماد أن تكون أعظم أو أكثر فائدةً من الاعتراف ومن المعاناة، عندما يعترف أحدٌ بالمسيح أمام الناس ويعتمد في دمه بالذات؟” (الرسالة 72، 21) ويضيف: “لا يُحرَمُ من سرّ العماد مَن اعتمد بالمعمودية الأمجد والأعظم، معموديةِ الدمّ، تلك التي قال عنها الربّ إنّ ’لي صبغة أخرى أصطبغها‘ (لو 12/50). لكن الربّ نفسه يعلن في الإنجيل أنّ الذين يعتمدون في دمهم ويتقدّسون بالألم يصيرون كاملين” (الرسالة 72، 22).
42. المعمودية هي الاتّحاد بالمسيح بشبه موته والدفن معه، على حسب سؤال الربّ يسوع المسيح: “لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟” (مت 20/22) وقول القدّيس بولس: “لأنّه إن كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته” (رو 6/5).
43. هناك روابط شتّى بين ذبيحة الدم التي يقدّمها الشهداء وذبيحة الإفخارستيا. فالاستشهاد متّصلٌ بشكلٍ وثيقٍ بالافخارستيا من حيث أنّه ذبيحةُ شكرٍ لله على كلِّ منحه، تُعاد من خلاله كلّ هذه المنح لتوضع بين يديه. وقد يكون في ذلك تفسيرٌ محتمَلٌ لممارسة الكنائس الأولى الاحتفال بالإفخارستيا عند قبور الشهداء. إنّ الذبيحة (أو التضحية) هي جوهر العمل الذي يقوم به الرب يسوع المسيح لمجد الآب وخلاص الجنس البشري. فقد “أحبّنا أيضًا وأسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحةً للّه رائحةً طيّبةً” (أف 5/2)، ويريد المسيح أن يجذب أتباعه إلى بذل الذات على غراره. فهم باستطاعتهم، بل من واجبهم أن يتعلّقوا بذبيحة المسيح وأن ينجذبوا نحو حركةِ بذلِ ذاته لأبيه، فيصيروا بذلك ذبيحةً حيّةً مقدَّمةً بالمسيح ومعه وفيه، لمدحِ مجدِهِ (را أف 1/12 و14).
44. إنّ لمفهوم الذبيحة (التضحية) لدى المسيحيين أهمّية بالغة تكمن في حقيقة أنّ (أبناء) شعب الله يتبعون الربّ في محبّته وبذلِ ذاته، وبالتالي يستمدّون القوّة من الاحتفال بذبيحة الإفخارستيا، ذبيحةِ التسبيح، ليكونوا مشابهين للمسيح في حياتهم. ففي نهاية الأمر، يصبح الاستشهادُ التحقيقَ الأكمل لما يستتبعه بذلُ الذات بالكلية، بالنهج على مثال بذل يسوع لذاته كليًا، وهذا من خلال روحه.
V– الرهبنة كعنصر شركة وتواصل
45. إنّ الرهبنة هي أحد المظاهر الأساسية للحياة المسيحية، المشتركة بين الكنائس الشرقية والغربية. وتعود جذور الرهبنة المسيحية إلى السلوك النسكي الذي سلكه أولئك المسيحيّون الأوائل الذين سعوا إلى ممارسة جذرية للوصايا الكتابية الخاصّة بالصلاة والصدقة والصوم والسهر.
46. وقد عاش المسيحيون النسّاك لقرونٍ في قلب الكنيسة، داخل الجماعات المحلّية، ولم يكونوا في معظم الأحيان يُميَّزون عن المؤمنين الآخرين بالشكل الخارجي. ومع الوقت، اتّخذ النسك مكانةً أرفع وأشكالًا أشدّ وضوحًا، لا سيما مع “أبناء وبنات العهد” (بناي / بنوث قيومو) في التقليد السرياني. وفي إطار هذا التقليد النسكي المسيحيّ القديم والمتأصّل، ظهرت الرهبنة كشكلٍ محدّدٍ من أشكال النسك المسيحي. فهذا الشكل الجديد من النسك المتميِّز عن الحياة العادية ضمن كنيسة القرية أو كنيسة المدينة، هو ما صار يُعرف “بالرهبنة”.
47. بحسب الرواية التقليدية، يرجع أصل الرهبنة المسيحية جغرافيًا إلى مصر وشخصيًّا إلى القدّيس أنطونيوس الكبير الذي دخل الحياة الرهبانية – بحسب القدّيس أثناسيوس الاسكندري – في سنّ العشرين تقريبًا. وقد حجبت شهرة أنطونيوس حقيقةَ ظهورِ رهبنةٍ سريانيةٍ في القرن الرابع؛ وإنّ الرهبنة في مصر وفي بلاد ما بين النهرين ربطتهما صلةٌ وثيقةٌ منذ البدء. إنّ أوّل مثالٍ معروفٍ في التقليد السرياني هو القدّيس يوليان سابا (توفي 367)، الذي ترك العالم سنة 320 ليمكث في مغارةٍ في أحد الجبال، شرقيّ الرها. وغالبًا ما كان الرهبان الأوّلون مسافرين جيّدين، يتبادلون خبراتهم الرهبانية مع بعضهم بعضًا، ناقلين وجه المسيحية الرهباني إلى مناطق جديدة. أمّا أقدم التقاليد الرهبانية الأثيوبية فتعود جذورها إلى قصّة تسعة قدّيسين وصلوا في أواخر القرن الخامس، قادِمين من مناطق مسيحيةٍ مختلفة. ومنذ القرن الثامن، كان هناك ديرٌ سريانيٌ عامرٌ في منطقة الإسقيط، قلبِ الرهبنة المصرية.
48. في كنائس الشرق المسيحي، تبقى الرهبنة الشكل الوحيد لحياة التكرّس، وترتبط بالسلطة الأسقفية ارتباطًا وثيقًا إذ ينبغي على الأساقفة أن يكونوا مِن الذين أبرزوا النذور الرهبانية. أضف إلى ذلك أنّ الرهبنة ساهمت كثيرًا في إعطاء روحانية الكنائس الشرقية شكلَها، حيث ما زالت الأديرة وجهةً أساسية للحجّ ومراكز للتجدّد الروحي.
49. أمّا في الكنائس الغربية، فالرهبنة بروحانيتها وأشكالها تدين بالكثير للحركات الرهبانية في مصر وفلسطين وآسيا الصغرى. وقد نُقِلَتْ هذه الحركات الرهبانية الشرقية وكُيِّفَتْ مع الإطار الغربي، أوّلًا من خلال كتابات القدّيس يوحنّا كاسيان الذي أمضى سنين طويلةً في فلسطين ومصر. ولاحقًا، في القرن الخامس تحديدًا، باتت الأبوفثيغماتا باتروم (أقوال الآباء)، وهي مجموعة نصوص من التقليد الرهباني، إرثًا مشتركًا بين جميع الكنائس في الشرق والغرب. فهي بنسخها المختلفة (المرتّبة أبجديًا أو وفق الموضوع) وترجماتها المتعدّدة (اليونانية، القبطية، الجعزية، الأرمنية، العربية، واللاتينية)، بما فيها النسخة السريانية لفردوس الآباء، تشكّل كنزًا من الحكمة الرهبانية تتقاسمه جميع الكنائس.
50. كما يُلاحَظ، فإنّ إحدى أروع ميزات الرهبنة المسيحية هي الدمج بين طرق التعبير المحلية ولغة التواصل العابرة للثقافات. ففي بعض الأماكن، خرجت الرهبنة من رحم تقاليد نسكيةٍ مسيحيةٍ قائمة. أمّا الأماكن التي قبلتْ المسيحية لاحقًا، فقد واكبتْ فيها الرهبنةُ حركةَ التحوّلِ إلى المسيحية، أو كانت أداةً في خدمة هذه الحركة، أو أُدخِلتْ بعدها بوقتٍ قصير.
51. وعلى الرغم من أنّ العالم المسيحيّ في القرنَين الرابع والخامس قد ازداد تنوّعًا في اللغة ووجهات النظر اللاهوتية، ظلّت الرهبنة عنصرًا مسكونيًّا يتجاوز هذه الاختلافات. إنّ هذه الصبغة العالمية للرهبنة، مقرونةً بحقيقة أنّ الأديرة كانت تقليديًا مراكزَ للثقافة اللاهوتية، جعلت من الرهبنة وسيلةً مميّزةً للشركة والتواصل بين الكنائس. فالذين اختلفوا في المجادلات الخريستولوجية في القرن الخامس وتباينوا بشأن قبولهم مجمَعَيْ أفسس (431) وخلقيدونية (451)، نسخوا وحفظوا الكتابات الرهبانية عينَهَا. فالرهبنة إذًا تمثّل طريقًا مميّزًا تمكّنت الكنائس من خلالها أن تتقاسم تراثًا روحيًا مشتركًا، على الرغم من الانقسامات الناجمة عن الاختلافات العقيدية.
52. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الوضعَ الفريد للرهبنة في الكنيسة سمح للأديرة أن تصبح أماكن مُـميّزة للضيافة والتبادل. وبما أنّه كانت للأديرة علاقاتٌ بكنيستها المحلّية وبأسقفها – مع حفاظها على حدّ معيّن من الاستقلالية المشروعة – وبسبب ما كان لها من روابطَ وثيقةٍ مع جماعات رهبانية أخرى في العالم، فقد لعبت دورًا مميّزًا في العلاقات بين الكنائس والتقاليد المختلفة.
VI– إكرام القدّيسين وزيارة الأماكن المقدّسة (الحجّ)
53. إنّ إكرام الشهداء والقدّيسين وتبجيلهم، وشهرتهم بسبب المعجزات، والتشفّع بهم وإكرام ذخائرهم، وعادة دفن الموتى إلى جانب أضرحة القدّيسين إلخ، نمت وانتشرت منذ القرن الثاني على أبعد تقدير، كتطوّرٍ للعبادة الشعبية في الكنيسة الأولى دون الكثير من الضوابط، باستثناء تدخّل الأسقف على الصعيد المحلّي. وقد أدّى نقْصُ الرقابة حُكمًا إلى نشوء أساطير شتّى، ممّا ولّد في النهاية أشكالًا من الضوابط أكثر مركزيةٍ. وكان تدوين سير القديسين عاملًا رئيسيًّا في نشر إكرامهم، وهذا أنشأ نوعًا أدبيًا جديدًا عُرف بِـسِيَر القدّيسين (هاغيوغرافي).
54. إنّنا نسمع في القرن الثاني عن إكرام أضرحة الرسل وغيرهم من مسيحيّي الجيل الأوّل. وسرعان ما تلى ذلك إكرامُ قدّيسي الجيلِ الثاني بعد الرسل، أولئك الذين اتّبعوا المسيح خلال الاضطهادات، بتصميمٍ حتّى الموت. إنّ كتاب استشهاد بوليكاربوس، وهو على شكل منشور أرسلتهُ كنيسة سميرنا إلى كنيسة فيلوميليوم، يُعدّ أقدمَ أثرٍ يتناولُ أعمال الشهداء، بعد رواية استشهاد استفانوس في كتاب أعمال الرسل.
55. وتمثّلتْ المرحلة التالية من تطوّرِ إكرامِ القدّيسين بالتشفّع بهم، إيمانًا بما لهم من دالّة (parrhesia) أمام الله، وهذه فكرةٌ بدأت بالتنامي منذ النصف الأوّل من القرن الثالث. ومع حلول القرن الرابع، نجد طبقاتٍ مختلفةً من القدّيسين تُذكَر في صلوات القدّاس. ومن الممكن أن نذكر العديد من الكتّاب أمثال غريغوريوس النازينزي، وغريغوريوس النيصي، وأمبروسيوس وأغسطينوس، كشهود على هذا المعتقد العامّ الذي سيُدعى فيما بعد بــِ”شركة القدّيسين” (communion sanctorum).
56. وجاءتْ زيارات الحجّ في القرن الرابع، ولا سيما إلى الأرض المقدّسة، كوسيلةٍ إضافية جمعتْ الكنائس حول مسألة الالتجاء إلى القدّيسين. أمّا السبب اللاهوتيّ وراء إكرام الشهداء والقدّيسين فيندرج، كما أوضحه عددٌ من اللاهوتيّين، في إطار تطوّر فكرة الشركة بين القدّيسين. والاحتفال بتذكارات الشهداء تطلَّب، في الجماعات الكبيرة على الأقلّ، تحديدَ هذه التذكارات في روزنامات كنسية تطوّرتْ لاحقًا لتمسي كلندارات الشهداء (martyrologies) والسنكسارات (synaxaries). وكان يتمّ جمعها في معظم الأحيان من سير الشهداء المحلّية وكانت تخضع للتنقيح باستمرار.
57. وانتشر الالتجاء إلى القدّيسين في مختلف الكنائس من خلال كتابة سيرهم والحجّ إلى مزاراتهم. وأقدم هذه السير، أي سيرةُ أنطونيوس التي كتبها أثناسيوس، استُخدِمتْ “لإعلان قداسته”، إذا ما أردنا استخدامَ مصطلحٍ متأخِّرٍ. تُصَوِّرُ سيرةُ أنطونيوس أسلوب حياة القديس على أنّه امتدادٌ لحياة الشهداء، وقد شكّلت السيرة نموذجًا للرهبان والراهبات، لا سيّما لناحية النموّ في الحياة الداخلية والجهاد ضدّ التجارب والصلاة. وقد تُرجم هذا العملُ سريعًا إلى لغاتٍ أخرى بما فيها اللاتينية، القبطية، السريانية، الأرمنية، الجيورجية والجعزية، كما واستُخدِم كنموذجٍ لكتابة سِيَرِ رهبانٍ قدّيسين آخرين.
58. من ناحية أخرى، لعب الآباء الكبادوك غريغوريوس النازينزي وغريغوريوس النيصي، من خلال كتاباتهما، دورًا هامًّا في تطوّر الالتجاء إلى القدّيسين. فقد كتب غريغوريوس النازينزي تقريظًا لكلٍّ من أثناسيوس وباسيليوس مشيدًا بدورهما كبطَلين من أبطال الأرثوذكسية. أمّا غريغوريوس النيصي فقد خطّ سيرة أوّل قدّيسة مسيحية وهي أخته ماكرينا. وقد وضع هذا العمل قداسة المرأة وقداسة الرجل على حدّ سواء، مقدِّمًا للنساء مثالًا يُحتذى به.
59. هذا واجتذبتْ شهرةُ الرهبنة الشرقية زوّارًا جددًا من الغرب، ومنهم روفينوس الأكويلي الذي ترجم التاريخ الكنسي الذي وضعه أوسابيوس، وحدَّثَه ذاكرًا العديد من مشاهير الرهبان الذي عاشوا في تلك الحقبة ومنوّهًا ببناء الكنائس عند أضرحة الشهداء (II، 27). وقد ساهمت أعمالٌ أدبية أخرى مثل تاريخ الرهبان المصريين والتاريخ اللّوزي لبالاديوس وفردوس الآباء باللغة السريانية، في نشْرِ المثالِ الرهباني للقداسة وتعميم الالتجاء إلى الرهبان القديسين. أمّا الحجّ في المسيحية، وخاصّةً إلى الأرض المقدّسة، والذي بدأ مع هيلانة والدة قسطنطين، فقد ساهم في انتشارِ إكرامِ القدّيسين. إيجيريا الحاجّةٌ الإسبانية التي زارت الشرق بعد هيلانة بخمسين سنة، تركت لنا تقريرًا عن رحلتها إلى أراضي الكتاب المقدس: مصر وسوريا وبلاد الرافدين. أمّا صيت الشفاء الذي اشتهرت به مزاراتٌ كمقام تقلا وميناس ولاحقًا مزارات بعض القدّيسين كسمعان العامودي، فقد عزّز حركةَ الحجّ وأفضى إلى تعاظم شهرة هذه المزارات.
60. هناك ثلاثة قدّيسون آخرون يمثّلون بشكل خاصّ دورَ القدّيسين في الشركة والتواصل وهم: كوزما ودميان، ونيقولاوس. كان كوزما ودميان شقيقين، طبيبين من مقاطعة كيليكية الرومانية. وبحسب التقليد، فقد مارسا مهنتهما في مرفأ آياس، في مقاطعة سوريا واستشهدا حوالي سنة 287 في عهد ديوقلطيانوس. ومع مطلع القرن الرابع، شُيِّدَت كنائس على اسم القدّيسَين التوأمَين في أورشليم ومصر وسوريا. ولاحقًا، طارت شهرتهما إلى روما حيث شُيّدت إحدى الكنائس تكريمًا لهما وضُمّ اسماهما إلى قديسين آخرين يُجرى ذكرهم في صلاة القدّاس الرومانية. أمّا القدّيس نيقولاوس أسقف ميرا في ليكية (توفّي في 6 كانون الأول سنة 345 أو 352)، فيحظى بإكرام أشمل يصل إلى الكنائس اليونانية واللاتينية والسلافونية.
61. بدأت عادة إكرام الشهداء في الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثاني. ومع انتهاء الاضطهادات في منتصف القرن الرابع، كُرِّم “المعترفون” أيضًا كونهم عاشوا حياةً مسيحية نموذجية. وفي تلك الحقبة، كان المؤمنون عمومًا هم الذين يتبيّنون الشهداء والمعترفين في منطقة معيّنة ويعترفون بقداستهم. ومع حلول القرن السادس، صار الأساقفة المحلّيّون يلعبون دورًا رئيسيًا في الاعتراف بقدّيسين جدد. لم تكن هناك إجراءات محدّدة وحصلت أخطاء عرضية، لكن بقي إعلانُ الأسقفِ قداسةَ أحدهم، هو الإجراء الطبيعي المعتمد في الكنيسة الكاثوليكية على مدى ستّمائة سنة. وكانت آنذاك الشركة الكاملة مع أساقفة الكنائس المحلّية الأخرى، تعني ضمنيًا قبول القدّيسين الذين كانوا قد اعترفوا بهم.
62. أمّا في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، ففي النصف الثاني من القرن الثاني، كان القدّيسون يُكرَّمون في البداية كشهداء احتملوا العذاب وذاقوا الموت مقدّمين شهادةً لإيمانهم المسيحيّ. وعلى مرّ العصور، صار النسّاك وآباء الكنيسة والعذارى والشخصيات الرئيسية في الكتاب المقدّس يُحسَبون بين القدّيسين وصار يُحتفل بتذكاراتهم. وكان القدّيسون يُعلَنون أوّلًا في محيطهم وفي بلدهم مِن قِبَل المؤمنين الذين عاشوا معهم وشاركوهم أعمالهم، حيث كانوا قدوةً لهم في القداسة. فإنّ القدّيسين بذلوا أنفسهم شهادةً لإيمانهم المسيحيّ وقُدِّروا بسبب قداسة حياتهم وتقواهم وفضائلهم التي عاشوها في سبيل نشر ملكوت الله. وتمّ الاعتراف بقداستهم في العبادة الشعبية، من قِبل السلطة الكنسية المحلّية ليُقام لهم تذكارٌ محلّيّ، ومن قِبل السلطات الكنسية العليا ليُحتَفل بتذكارهم عامّةً في كنيسة معيّنة.
63. إنّ الحجّ إلى المقامات الروحية أمرٌ متجذّرٌ في السلوك البشري. فعادة اليهود زيارة أورشليم في الأعياد الكبرى معروفةٌ وواضحةٌ في الوثائق. أمّا في المسيحيّة، فقد كان الحجّ في البداية إلى الأماكن المرتبطة بحياة الرب وموته وقيامته. وتعود أقدم التقارير إلى القرن الرابع وما بعد. ومع انتشار إكرام الشهداء والقدّيسين، تحوّلت شيئًا فشيئًا أضرحتهم ومقاماتهم حيث كانت تُحفظ ذخائرهم، إلى مراكز يتقاطر إليها المؤمنون. والعلاقات التجارية الواسعة بين مختلف البلدان، لا سيما بين فلسطين والإمبراطورية الرومانية والهند وأرمينيا وأكسوم، مهّدت السبيل للمسافرين والتجّار المسيحيين كي يحجّوا إلى شتّى المراكز المسيحية.
64. في تفسير آباء الكنيسة للعهد الجديد، شاع جدًا المعنى الإسخاتولوجي للحجّ كرحلة نحو المدينة السماوية أورشليم. وفي هذا السياق، يرى المسيحيّون أنفسهم كحجّاج وغرباء ونزلاء في هذا العالم، لأنّ السماء موطنهم (را في 3/20؛ 1 بط 2/11؛ عب 11/13) فيحيون حياتهم مثل حجّاجٍ في طريقهم إلى أورشليم السماوية (را يو 14/6؛ مر 8/34).
65. زار الناس الأماكن المقدّسة راجين أن يتشفّع لهم القدّيسون أمام المسيح، طالبين بركات الذين استشهدوا من أجل الشهادة للإيمان المسيحيّ. وقد ساهم تدفّق الحجّاج المتزايد في ترسيخ الشركة بين الكنائس في مناطق جغرافية مختلفة حيث كان مؤمنو إحدى الكنائس يقومون بزيارات حجٍّ لأماكن مقدّسة تابعةٍ لكنائس أخرى. بالإضافة إلى هذه الأماكن المقدّسة، لا بدّ من التنويه بدور الأديرة التي ساهمت بشكلٍ ملحوظٍ في تزايد مدّ الحجّاج من خلال توفيرها أماكن الضيافة للزوّار.
66. لم يكن الحجّ إلى الأرض المقدّسة مصدر بركةٍ وتنقيةٍ وتوبةٍ وحسب، بل كانت زيارات الحجّ التي قام بها العلمانيون والرهبان والباحثون والقادة البارزون أيضًا مصدرًا لفهم الطبيعة الجغرافية والتاريخية لأورشليم والمنطقة المحيطة بها، وأعطتهم صورةً مرئيةً عن الأرض المقدّسة؛ وهذه الصورة ألهمتْ أدبًا لاهوتيًا وتفاسيرًا للعهد الجديد ومؤلفاتٍ شعريةً وفنّ الأيقونات ونصوصًا ليتورجية. ومن ضمن الأمور الأخرى التي أسهمت بها هذه الزيارات، انتشارُ كتب صلوات الحجّاج، وكتب القراءات المخصّصة للحجاج كما هو الحال في التقليد الأرمنيّ.
67. إنّ الحجّ هامٌّ من أجل نمو الأفراد روحيًّا لأنّه يقترن دومًا بالصلاة والتضرّع والصوم والنذور وإكرام القدّيسين والشهداء والمشاركة بالطقوس الليتورجية والتوبة. هذا مِن جهةٍ. ومن جهة أخرى، فهو هامٌّ من أجل الشراكة وانتشار رسالة الكنيسة.
68. لعبت زيارات الحجّ دورًا مهمًّا في توطيد الشركة والتواصل بين المؤمنين في كنائسنا. فالتاريخ يشهد على أنّها ساهمت على المستوى الشعبي كوسيلةٍ لفهم المسيحيّين القادمين من ثقافات ولغات وتقاليد مختلفة. إلى ذلك، فإنّ بعض آباء الكنيسة العظام، رهبانًا وقادة كنسيّين، جالوا من كنيسة إلى أخرى لزيارة مراكز الحجّ المتنوّعة. فبالإضافة إلى أورشليم، كان المسيحيّون السوريّون على سبيل المثال يحجّون إلى مصر، والمسيحيّون الغربيّون إلى فلسطين؛ أمّا الرهبان الأثيوبيّون فلهم تاريخٌ طويلٌ في زيارة الأديرة في مصر وسوريا.
ملخّص وخاتمة
69. لقد بحث الحوار بشكلٍ مفصّل في طبيعة العلاقات التي سادت بين الكنائس الأعضاء قبل انقسامات القرن الخامس. وقد تبيّن أنّ الشركة الكاملة التي كانت قائمة بين الكنائس كانت تتجلّى بطرقٍ مختلفة وعديدة عبر شبكةٍ واسعة من العلاقات المبنية على الاعتقاد العامّ بأنّ جميع الكنائس متّفقة في الإيمان الواحد.
70. وقد ظهرت تعابير الشركة هذه في ستّة مجالاتٍ على الأقلّ: 1) من خلال تبادل الرسائل والزيارات (الرسمية وغير الرسمية) التي تخطّت حدود الإمبراطورية الرومانية؛ 2) من خلال السينودوسات والمجامع التي عُقدت لحلّ المسائل العقيدية والتدبيرية؛ 3) من خلال الصلاة والطقوس الليتورجية المتشابهة؛ 4) من خلال إكرام الشهداء والقدّيسين المشترَكين؛ 5) من خلال نموّ الرهبنة وانتشارها في سائر الكنائس؛ 6) من خلال الحجّ إلى مزارات الكنائس المختلفة.
71. في تلك الفترة، كانت تعابير الشركة هذه بمعظمها غير رسمية، أي أنّها لم تكن تجري وفق أُطُرٍ واضحة. كما أنّها كانت تتمّ بشكل أساسيّ على المستوى الإقليميّ، دون أن تكون هناك مرجعية مركزية واضحة. فمن ناحية، تنامى في روما شعورٌ بأهمية وجود خدمةٍ أشملَ للشركة والوحدة، لا سيما منذ نهاية القرن الثالث. لكن، من ناحية أخرى، لا دليل واضحٌ على أنّ الكنائس الأرثوذكسية الشرقية قبلتْ بِـمثل هذه الخدمة في يومٍ من الأيام.
72. إنّ العديد من العلاقات التي كانت قائمة بين الكنائس في القرون الأولى استمرّت حتّى اليوم على الرغم من الانقسامات، أو أُعيد إحياؤها مؤخّرًا. كما أنّ تبادل الرسائل والزيارات بين رؤساء الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية قد بات شائعًا. وفي الكثير من الأماكن، صار المؤمنون من مختلف الكنائس يحتفلون بالصلاة معًا أكثر فأكثر، يتعلّمون من بعضهم البعض ويتشاركون بغنى تقاليدهم الخاصّة. ويتضمّن ذلك في أغلب الأحيان التشارك في قصص القدّيسين والشهداء، القيام بزيارات حجٍّ مشتركة وزيارة المقامات المقدّسة لدى بعضهم البعض. كما أنّ هناك تبادلاً متزايدًا بين الجماعات الرهبانية يعيد إلى الأذهان التبادل الذي كان قائمًا في القرون الأولى. بالإضافة إلى أنّ حضور وفود من كنائس أخرى في مناسبات كبرى مثل تنصيب رؤساء الكنائس أو جنّازاتهم، وحضور مراقبين من الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في المجمع الفاتيكاني الثاني ومجامع لاحقة في الكنيسة الكاثوليكية، إنّما يذكّر بعادة قديمة مماثلة.
73. وبالنتيجة فإنّ أعضاء اللجنة يمكنهم أن يلاحظوا بارتياح أنّ التواصل الذي كان قائمًا بين كنائسهم في القرون الأولى قد أعيد إحياؤه إلى حدٍّ كبير. وتبعًا لهذه التطوّرات، فإنّهم سوف يدرسون بإيجابية الاختلافات المتبقّية في العقيدة والممارسة، ويحدّدون مدى إمكانية اعتبار هذه الاختلافات مشروعة ولا تمسّ بجوهر الإيمان. سيكون هذا الموضوع سؤالًا محوريًا عندما سيتناولون أسرار التنشئة في المرحلة القادمة من الحوار. وسوف يسألون أنفسهم إلى أيّ مدى يمكن لإعادة العلاقات التي كانت قائمة في القرون الأولى أن تكون كافيةً لإعادة الشركة الأسرارية التامّة اليوم. وهذا سيشمل التفكير في حينه – من ضمن المسائل الهامّة – في موقع أسقف روما في تلك الشركة، وهي مسألة يُعاد بحثها على نطاق واسع في كلّ الكنائس.
يصلّي الأعضاء وملؤهم الثقة بعمل الشفاء والمصالحة الذي يجريه الروح القدس في وسطهم كي يقود خطواتهم المستقبلية نحو الوحدة.
[1] ترجمة غير رسمية أجرتها المجلة البطريركية نظرًا لأهمية الوثيقة ولفائدة قرّاء اللغة العربية.
[2] Cf. International Joint Commission for Theological Dialogue between the Catholic Church and the Oriental Orthodox Churches, „The Nature, Constitution and Mission of the Church”, in: Pontifical Council for Promoting Christian Unity, Information Service N. 131 (2009/I-II) 14-22.
International Joint Commission For Theological Dialogue Between The Catholic Church And The Oriental Orthodox Churches:
The Exercise Of Communion In The Life Of The Early Church And Its Implications For Our Search For Communion Today
1. In the common document „The Nature, Constitution and Mission of the Church” (NCMC), the International Joint Commission for Theological Dialogue between the Catholic Church and the Oriental Orthodox Churches[1] was able to affirm in common the fundamental elements of the ecclesiology of communion, comprising episcopacy, apostolic succession, relationship between collegiality and primacy, status and meaning of local, regional and ecumenical councils, as well as a common vision of the mission of the Church. The text also points out the main questions that require further study in these fields.
2. In a second stage of the dialogue the Commission decided to study more in detail “the visible bonds of communion” (cf. NCMC n. 23), that manifest and strengthen communion among the churches. This study is centered on the first five centuries of the history of the Church. Indeed, our churches agree that the common experience of communion before the time of separation has a special significance in the search for restoring communion today. It is certainly impossible to disregard the many developments that took place during the following fifteen centuries, but the time until the mid-fifth century remains a unique source of reference, inspiration and hope. The fact that our churches were able to live in communion throughout these centuries, despite the differences in approaches and interpretations, should challenge us in our present search for a visible unity in diversity, under the guidance of the Holy Spirit. In his encyclical Ut unum sint (1995), Pope John Paul II reaffirms the acceptance and importance of legitimate diversity in unity and states that “the structures of unity which existed before the separation are a heritage of experience that guides our common path towards the re-establishment of full communion” (UUS 55). In the various unofficial and official dialogues that already took place between the Catholic Church and the Oriental Orthodox Churches, as well as in the common statements issued by the Heads of these Churches this principle of unity in the essentials of faith and diversity in their expressions is recognized on many occasions as the goal of our dialogue. However, there are still differences regarding aspects and understanding of the essentials of the faith that still must be resolved in order to achieve this goal in our dialogue.
3. In the course of our studies and dialogue, we realized that communion is multidimensional and may not be reduced only to an official, hierarchical communion. We learned that Communion is expressed in various and distinctive ways by mutual responsibility, in the exchange of letters and visits, in liturgy and prayer, through common witness and martyrdom, in monasticism and veneration of saints.
4. In the New Testament the basic term, koinonia, translated as “communion”, “fellowship”, “communicate”, “partake”, etc., can be understood as close association marked by mutual interest and sharing; it can also be understood as having a share, giving a share or sharing. St. Paul, the pioneer in using this vocabulary, uses it primarily to indicate the religious communion of believers in Christ and the sharing of spiritual and material goods and fellowship among Christians.
5. The inclusive and universal nature of communion inaugurated by our Lord Jesus Christ is the foundation of the ecclesial communion that we observe in the New Testament. The Holy Trinity – Father, Son and Holy Spirit, one in essence and three distinct inseparable divine persons – is the source and model for the churches to be in communion in diversity (cf. 1 Jn l:1–4; NCMC n. 6–13).
6. The communion experienced in this world is a foretaste of the ultimate communion to be manifested in the final coming (parousia), when the departed and the living on the earth will be fully united with Christ (cf. 1 Thess 4:17) and when all things in heaven and on earth will be finally united in Him (cf. Eph 1:9–10).
7. Baptism is the initiation into the life of faith and entrance into the communion with Christ and his Church (cf. Gal 3:26–27). Through baptism a person enters, on the one hand, into communion with the Father, the Son, and the Holy Spirit (cf. Mt 28:19) and, on the other hand, with the worldwide united community formed in this Trinitarian communion (cf. Joh 17:21). The communion with Christ begins with baptism and is nourished and expressed in the celebration of the Eucharist, which is the supreme manifestation and means of ecclesial communion.
8. The apostles and their faith are recognized as authoritative and normative for the transmission of the faith of the church. Also, the New Testament provides witness to the existence of several ecclesial traditions with a basic unity deriving from the same apostolic Tradition common to all of them, centered on the events of Christ’s life, death and resurrection (cf. 1 Cor 15:3–4). The New Testament churches, in spite of their diverse and plural expressions of the one faith, maintained communion and communication among themselves.
9. We can trace in the New Testament different ways of exercising communion such as sharing the same apostolic experience of Christ (cf. Gal 2: 9–10) and founding new local churches by the already existing ones, the continuing solicitude of the older churches in favor of the younger ones (cf. Tit 1:5; 1 Tim 1:3), collecting funds and sending them to other churches in need (cf. 2 Cor 9:11–14), hierarchical exercise of the apostolic ministry through ordained ministers to make sure that the churches remain in communion (cf. 1 Tim 3:1–7), mutual exchange of letters (cf. Col 4:15–16) and welcoming members of sister churches (cf. Rom 16:1–2; 3 Jn 5–8) etc.
10. In the New Testament there are also indications of the exercise of ecclesial communion beyond any particular region. The ministry of the apostles was universal in character. The meeting of the Apostles and Presbyters usually called the Council of Jerusalem (Acts 15) settled questions of doctrine and discipline pertaining to the whole church communion. St. Paul’s entrusting to Titus and Timothy the responsibility of founding and organizing various new churches (cf. Tit 1:5; 1 Tim 1:3) is an indication of ecclesial communion exercised with respect to an area that transcended a local church.
11. Through shared faith in Christ, rooted and expressed in the proclamation of the Word, celebration of the sacraments, and lives of service and witness, each local Christian community participates in the life and witness of all Christian communities in all places and all times. Since the local church is a manifestation of the universal Church that is present within her, the local church is never depicted in the New Testament as an isolated reality. The reality of the one, holy, catholic and apostolic Church is fully realized in the local churches possessing apostolic ministry but on condition that they are in communion with the other local churches.
II. The Expression of Communion Among Our Churches in the First Five Centuries
II.A Exchange of Letters And Visits
12. Many letters have been preserved from the period before Constantine that show a continuation of the concerns and the kind of communication evident already in New Testament documents. Among these may be mentioned the letters of Ignatius of Antioch, the first letter of Clement to the Corinthians, and the many letters preserved and quoted by the historian Eusebius.
13. There were several reasons for this communication. One of these seems to have been the question of determining correct and traditional doctrine. The various bishops and communities show mutual responsibility for each other. From the information provided by Eusebius, it is clear that the bishops consulted frequently with one another by letter about how to resolve problems, what were considered to be common practices, etc. and these letters were collected and passed on to others. From this correspondence it seems that new bishops must have written to their counterparts announcing their election.
14. As, for example, 1 Clement shows, the Church of Rome is deeply and fraternally concerned about the unity of the Church and seeks to restore peace and order in the Church of Corinth. With this letter we probably have the oldest Christian document showing that a local church has the welfare of another church at heart. Other examples, a little later, are the letter of Dionysius of Corinth to bishop Soter of Rome and the correspondence of Dionysius of Alexandria, who is concerned about the schism caused by Novatian, and who wrote letters to the bishops of Antioch, Rome, Armenia Major, and the priest Novatian at Rome, as well as the correspondence between Cyril of Alexandria and Celestine I of Rome concerning Nestorianism.
15. The documentation available shows that this communication and communion extended to churches beyond the borders of the Roman Empire and included among others Armenia, Persia, India, and Ethiopia. For example:
a. Concerning Armenia, one can mention the correspondence between Macarius, bishop of Jerusalem and Vartanes, Catholicos of Armenia (first half of 4th c.), concerning ritual and liturgical issues; furthermore the exchange of letters between Acacius, bishop of Constantinople, and Sahak, Catholicos of Armenia (first decade of 5th c.) concerning the teaching of the Armenian Alphabet among Armenian regions of the Byzantine Empire; also correspondence between both Proclus of Constantinople (5th c.) and Acacius of Melitene with Sahak, Catholicos of Armenia, concerning Nestorius and the translation of the Holy Bible from Greek into Armenian might be mentioned.
b. The Church in Persia, which spread along the Silk Road towards Central Asia and China stayed in contact with the Church of the Roman Empire. For example, at the first recorded Synod of that Church in Seleucia-Ctesiphon (410) a letter from „western” fathers was read, which a bishop from the Roman Empire, Marutha of Maipherkat, had brought. The letter was signed by bishops Porphyry of Antioch, Acacius of Aleppo, Pakida of Edessa, Eusebius of Tella, Acacius of Amida, and others. This Synod also received the faith of Nicea (325).
c. According to tradition there was a strong relationship between the Church of Malabar and the Churches of Antioch, Edessa, Seleucia-Ctesiphon and others. The contacts and communication that the St. Thomas Christians of India had during the first five centuries attest to the fact that the Indian Church remained in communion with the other Churches.
d. Since the Syrian monk Frumentius, the evangelizer of the kingdom of Axum, was ordained a bishop by St. Athanasius in 330, the Ethiopian Church has preserved its episcopal relation with the Church of Alexandria. The communion with other churches is also evident, e.g. by the letter of Emperor Constantine II to Ethiopian kings to accept the Arian faith. But the Arian Patriarch of Alexandria was rejected, which shows the faithfulness of the Ethiopian Church to the communion of faith.
16. The amount of communication and exchange between the various sees demonstrates fraternal responsibility. Therefore communication is an important means of maintaining communion. What is particularly impressive and striking is the degree of communion that existed in a movement that lacked central direction after several hundred years of Christian expansion throughout the Roman Empire and beyond. By the middle of the 3rd century most of the Christian communities were in communion with one another. The need for communion is realized through a process of sharing, giving and taking among the local churches.
II.B Synods/Councils and Their Reception
17. Synods (Grk. synodoi, Lat. concilia) came into being because of the need for a common reaction to certain difficulties and questions in order to maintain unity. Early synods were convened on provincial, regional and local levels. For the second half of the 3rd century onwards, we have clear evidence of such gatherings in Asia Minor, Egypt, Syria, North Africa, Gaul, Corinth, etc. These first regional and provincial synods were characterized by independence and freedom with topics concerning the respective geographical area and included clergy and laity. The results of these synods were intended to be received by the local or regional churches, and further communicated through synodical letters to other churches announcing the decisions. However, ecclesial communion in the early centuries was exercised more in terms of faith and liturgical life, rather than of juridical structure.
18. While the practice of regional and local synods convoked by bishops continues, with the Emperor Constantine the Church in the Roman Empire entered a new phase in her history. While the earlier synods had been the outcome of episcopal initiatives, now the emperor initiated a new practice. He asked the bishops for advice when dealing with ecclesiastical matters. Beginning with Constantine, emperors believed they had a duty to maintain unity and peace in the Church. The emperors convoked the bishops and determined the time and place of the synod (council).
19. In the Ancient Church the reception of the doctrinal decisions of a council was a rather long process including conflicts and controversies, with the participation of the whole people of God. This was particularly true after the Council of Nicea (325), the first synod of the whole Roman Empire.
20. The Council became ecumenical (i.e. universal) through reception. The effective reception process of the decisions of the Ecumenical Councils within the Church was not reached through the mere proclamation by the emperor. The promulgation and acceptance of a doctrinal or canonical decision by the ecclesial authority is only one part of reception. The process of reception is not only a process of legitimation but also one of appropriation and incorporation of the synodical decisions in the life of the churches and the faithful. This means that the council’s decisions have to be officially promulgated by ecclesiastical authority, that they have to be received in the hearts and minds of the faithful, and that the theological teachings of a council need to be clarified and enriched by dialogue and discussion, at this stage even with opponents of the council’s decisions.
21. In Late Antiquity the term “ecumenical” in Greek and Latin sources refers to the oikoumene of the Roman Empire. Because “Ecumenical Councils” were gatherings confined to bishops of the Roman Empire – although bishops from outside the Roman Empire, e.g. Armenia and India, occasionally participated – and were convoked by the emperor, whose authority was not recognized outside the bounds of the Roman Empire, the creeds and canons issued by these councils were only authoritative within the Roman Empire. However, the results of a Council may have been subsequently accepted by the churches outside the Roman Empire, such as those of Armenia, Persia, India, and Ethiopia.
22. Through this rather complex process of reception within and beyond the Roman Empire, some synods convened by the emperor acquired greater acceptance than others, for example, the synods of Nicea (325) and Constantinople (381) and the resulting Nicene-Constantinopolitan Creed.
III. Prayer and Liturgy as a Means of Communion and Communication
23. Prayer is a universal aspect of human religious experience. Prayer links past and present, the living and the departed. Prayer is the essential way leading to knowledge of God. Liturgy is the common prayer of the gathered Christian people, the principal expression of Christian faith and doctrine, and the treasure house of Christian Tradition. The liturgy is the school of Christian life, the meeting point between God and his creation, employing symbols and material things that become channels of divine grace and communication.
24. In all churches and traditions, the common prayers of the liturgy and of personal devotion are based on biblical models and the teaching of Jesus himself. The Psalms, biblical hymns, and doxologies have a particularly important place. There is a close connection between the language of the liturgy and the language of private prayer.
25. Early Christian writings reveal a consensus about the theological grammar of prayer and about basic practices such as times of prayer, postures, and facing toward the east while praying. From the fourth century onward, the monastic movement and its writings were a major source of reflection and sharing about unceasing prayer and the central role of the Psalms in Christian life. The Christian tradition cherishes the place of tears and mystical prayer in the Christian life.
26. The Liturgy of the Hours, marking each day with times of prayer, and the Eucharistic Liturgy itself have basic features found in every tradition. The Eucharistic Liturgy in its essential form of readings from Scripture followed by the offering of bread and wine for consecration through remembrance of the Last Supper and invocation of the Holy Spirit is the central act of worship for all of the churches. The evolution of the Eucharistic prayer, the anaphora, demonstrates in a special way the exchange among early Christian ecclesiastical centers and major theologians, with every tradition receiving insights and texts from other traditions. In this evolution the centers of Jerusalem, Alexandria, Cappadocia, Rome and Antioch/Edessa played a particularly significant role.
27. The period between Jesus’ Last Supper with his disciples and the rather developed anaphora texts that appear in the fourth century is illuminated by only a few, though important, witnesses to the content of eucharistic praying. The earliest surviving written description is found in the late first-century Didache, a Greek work from Syria. In the course of the second century, the celebration of Eucharist was definitively separated from the shared meal. St. Justin Martyr (d. 165) describes the Eucharist in terms broadly familiar to us today. His summary description reveals themes familiar from the Didache and from later tradition: praise and glory to the Father of the universe, thanks (“at considerable length”) for our being counted worthy to receive these things at His hands, conclusion by the people’s “Amen”.
28. The so-called Apostolic Tradition of Hippolytus demonstrates the emerging common understanding of the early church about the essentials of eucharistic worship. Originally composed in Greek, the Apostolic Tradition was widely read and reused in the east. The Apostolic Tradition is important for its presentation of an anaphora that is nearly complete by later standards. It contains elements we have seen in earlier descriptions of the Eucharist as well as new ones: praise of God for the work of creation and salvation, narrative of the Last Supper, linkage of the present celebration to that event by liturgical remembrance (anamnesis), offering of the eucharistic sacrifice (oblation), invocation of the Holy Spirit upon the offering and upon those who participate in it (epiclesis), petition for strengthening of the faithful and the final doxology and “Amen”.
29. The “West Syrian” tradition generated both Greek and Syriac anaphoras that would have a profound influence throughout the eastern Christian world. An Antiochian “Anaphora of the [Twelve] Apostles”, no longer extant in Greek, was taken by St John Chrysostom to Constantinople ca. 398 and reworked to create the anaphora that still bears his name and has become the primary anaphora of Byzantine Christianity. It was reworked and translated into Syriac to become the Anaphora of the Twelve Apostles, still used in the Syriac Orthodox tradition. The Anaphora of St. Basil, traditionally thought to be Cappadocian, is probably to be associated with Syria instead. It influenced also the formation of the Armenian anaphora tradition. Also within the West Syrian tradition is the Liturgy of St. James, associated primarily with Jerusalem, but having much wider influence because of its Jerusalemite identity. The “East Syrian” tradition centered in Edessa and Nisibis influenced the Maronite Anaphora of the Apostles (or “Third Anaphora of Peter”) commonly known as the Sharar. This liturgical tradition was taken also to south Asia in exchanges with the ancient St. Thomas Christian community.
30. From the fifth century onward, these traditions influenced each other in various and complex ways, creating the collections of liturgical texts used by the various churches even to this day. The Coptic Church still uses the liturgy traditionally attributed to St. Mark the Evangelist, known as the Liturgy of St. Cyril. The Armenian and Ethiopian churches, particularly, manifest this complex exchange in their liturgical history. Armenian liturgy shows a pattern of influences similar to those of Armenian monasticism: Syriac, Cappadocian, and then a strong influence from Jerusalem. In Ethiopia, the early Alexandrian influence was complemented by indigenous hymnody and the composition of numerous anaphoras. The fact that the text of the Apostolic Tradition was preserved in its most complete form in Ge‘ez testifies both to the far-reaching influence of that important text and to the faithful conservation of liturgical traditions by the ancient Christian culture of Ethiopia.
31. In contrast to the abundance of anaphoral texts in the Christian East, in the West there is very little surviving evidence before the seventh century. What remains, however, testifies to the early emergence in Italy of many elements, even actual phrases, that appear in the classic anaphora of Rome, the Canon Missae (or “Roman Canon”). Close study of Canon Missae has revealed clear links to the Alexandrian tradition.
32. No church has a “pure” tradition of eucharistic praying derived solely from local sources. All of the anaphoras and other components of the eucharistic celebration, in all the churches, show the mutual enrichment of other traditions. In this sense the celebration of the Eucharist, so often viewed as the dividing point among churches, is in its very form and central texts the richest manifestation of communion and communication, of unity in diversity, in the life of the early Church.
IV. Martyrdom as an Element of Communion and Communication
33. Following the witness of the Old and the New Testament, martyrdom became a major Christian principle and has been a common mark of all churches since early Christianity. The Martyrs belong to the core of the church. A great cloud of witnesses surrounds us (cf. Hebr 12:1). Martyrdom is a part of the churches’ mission. Mutual celebrations are performed for martyrs in all of the Apostolic Churches. Churches are erected in their names. Their relics are transferred from one part of the Christian world to another as blessings.
34. In the modern era some of the most significant transfers of relics, which were considered to be a means of furthering positive relationships between the See of Rome and Oriental Orthodox Churches, were the transfers of relics of St. Mark from Rome to Alexandria in 1968 and the transfer of relics of the Apostles Thaddeus and Bartholomew to Holy Etchmiadzin in 1970.
35. Martyrdom is an integral part of all dimensions of the Church’s faith, life and mission. The communion of the church draws its life from the communion of the loving self-giving Triune God and is thus completely dedicated to love. This is a communion of witnesses. The Father is presented as witness in both the Old and the New Testaments. He is especially the witness to Jesus Christ. Christ in turn has come into the world in order to bear witness to the truth (John 18:37). He is the “faithful and true witness” (Rev 3:14). The Holy Spirit, the spirit of love, gives testimony of the most intimate mystery of God, and works through the witnesses whom he inspires, especially through the martyrs. By loving until death, the martyrs testify the eternal fidelity and infinite self-giving of God, as Christ said: “No one has greater love than this, to lay down one’s life for one’s friends” (Jn 15:13). Among the people of God the martyrs have been given the task of bearing witness to the covenant that binds God to his people and of testifying in an existential manner to the wonderful truth „God is Love“ (1 Jn 4:8, 16).
36. Jesus Christ, the archetype of all martyrs, unites all who believe in Him through baptism in one body. All members are connected with one another to His suffering. So the suffering of the martyrs affects all members of the Church. The Spirit of Christ which dwells and works in the Head and in the members of His body makes the Church into a temple. In this temple the martyrs have the task of realizing the offering. They sacrifice their bodies for the glory of God. Three fundamental services have been entrusted to the church: the exercise of the prophetic office in martyria, the priestly office of leitourgia, and the kingly office of diakonia.
37. All who believe in Christ are called to receive the light of Christ and to pass it on. The martyrs can and should in the first instance support their fellow believers. From the life and death of the martyrs a light falls on central truths of life and faith. By virtue of the grace of God the martyr once and for all lives and speaks his unbounded “Yes” to the will and deeds of God. Bishop Irenaeus of Sirmium († 304) can rightly declare in the face of his persecutors: “By the good confession I sacrifice to my God, to whom I have always sacrificed”[2].
38. All the members of the Church of Christ should present themselves as living sacrifice, holy and pleasing to God (cf. Rom 12:1). The martyrs fulfill this duty in an exceptional manner through the testimony of faith sealed with blood, through their hope, full of immortality (cf. Wis 3:4), through the total self-giving which they perfect in their death for the Lord.
39. Martyrdom also involves the Liturgy. In each sacrament Christ unites us with Him and His life, above all with His death and resurrection. Since the martyrs are drawn into the paschal event in a specific way, they have a vital bond to the sacramental dimension of the Church. What is represented in the form of signs in the sacrament becomes concrete reality in their lives. Everything that is granted to believers in baptism can be given to the unbaptized true believer through martyrdom.
40. Since the early days of Christianity, martyrdom has been a unique sign of communion. The entire Church has understood and considered those who were not yet baptized but became martyrs for the name of Christ as great saints. The church in both East and West called it the “baptism of blood“.
41. Not only do the fathers see martyrdom as analogous to baptism, to some it even appears more filled with grace than baptism, as St. Cyprian of Carthage wrote: “Can the power of baptism be greater or of more avail than confession, than suffering, when a person confesses Christ before men and is baptized in his own blood?” (Ep. 72, 21)[3] And further: “they certainly are not deprived of the sacrament of baptism who are baptized with the most glorious and greatest baptism of blood, concerning which, the Lord also said that He ‘had another baptism to be baptized with.’ [Lk 12:50] But the same Lord declares in the Gospel that those who are baptized in their own blood and sanctified by suffering are perfected” (ep. 72,22)[4].
42. Baptism is unity with Christ in the likeness of His death and burial with Him, according to the question of our Lord Jesus Christ “You do not know what you are asking. Are you able to drink the cup that I am about to drink?” (Mt 20:22)[5] and the words of St. Paul: “For if we have been united with him in a death like his, we will certainly be united with him in a resurrection like his” (Rm 6: 5).
43. There are manifold connections between the blood sacrifice of the martyrs and the Eucharistic sacrifice. Martyrdom is bound to the Eucharist not least by the fact that it is a sacrifice of thanksgiving in which God is thanked for all his gifts, and they are all given back into his hands. This could be the probable explanation of the early churches practice of celebrating the Eucharist on the tombs of the martyrs. Sacrifice is the quintessence of that which Jesus Christ performs for the glory of the Father and the salvation of humankind. He “loved us and gave himself up for us, a fragrant offering and sacrifice for God” (Eph 5:2). Christ wants to draw his followers into this giving of himself. They can and should allow themselves to be gripped by the sacrifice of Christ, to be drawn into his gesture of giving himself to the Father, and thus become a living sacrificial gift through Christ and with him and in him, to the praise of his glory (cf. Eph 1:12.14).
44. Full significance of the Christian understanding of sacrifice lies in the fact that the people of God follow the Lord in his self-giving love and thus draw strength from the celebration of the Eucharistic sacrifice of praise to enter into the imitation of Christ in their lives. Ultimately martyrdom becomes a matter of realising to the fullest extent the consequences of total self-giving following the model of the total self-giving of Jesus, and in his spirit.
V. Monasticism as an Element of Communion and Communication
45. Monasticism is one of the fundamental expressions of the Christian life shared between the churches of East and West. The roots of Christian monasticism are in the ascetic disciplines of those early Christians who sought to practice the biblical commands of prayer, almsgiving, fasting, and vigilance in a radical way.
46. For centuries, ascetic Christians lived at the heart of the church, within local communities, often externally indistinguishable from other believers. In time, asceticism acquired a higher profile and distinctive forms, as with the “Sons and Daughters of the Covenant” (bnay/bnāt qyāmā) in the Syriac tradition. It was in the context of this ancient and well-established Christian ascetic tradition that „monasticism” arose as an identifiable form of Christian asceticism. This new form of asceticism, demarcated from the ordinary life of village or city church, is what came to be known as „monasticism.”
47. The traditional account of Christian monasticism locates its geographical origin in Egypt and its personal origin in St. Antony the Great, who entered monastic life – according to St. Athanasius of Alexandria – at the age of about twenty. The fame of Antony has obscured the fact that there was also a Syriac monastic emergence in the fourth century, and that the monasticism of Egypt and of Mesopotamia had close ties from the beginning. The first known exemplar of the Syriac tradition was St. Julian Saba (d. 367), who around the year 320 departed for a mountain cave east of Edessa. Early monks were often great travelers, sharing their monastic experiences with each other and bringing the monastic expression of Christianity to new places. The earliest monastic traditions of Ethiopia are rooted in the story of the Nine Saints who arrived in the late fifth century, coming from many parts of the Christian world. From the eighth century there was a flourishing Syriac-speaking monastery in Scetis, the very heart of Egyptian monasticism.
48. In the churches of the Christian East, monasticism typically remains the only form of consecrated religious life, and is linked to the episcopal order in a special way since bishops must usually be in monastic vows. Furthermore, the spirituality of the Eastern churches has been largely shaped by monasticism, and monasteries continue to be major sites of pilgrimage and centers of spiritual renewal.
49. Monasticism in the Western church owes much of its inspiration and forms to the monastic movements of Egypt, Palestine, and Asia Minor. These were transmitted and adapted to the western context above all through the writings of St. John Cassian, who had spent many years in Palestine and Egypt. Later in the fifth century the compilation of texts from the monastic tradition known as the Apophthegmata Patrum (Sayings of the Fathers) came to be the common heritage of all the churches both of the East and of the West. In its various redactions (alphabetic and systematic) and numerous translations (Greek, Coptic, Ge‘ez, Armenian, Arabic, Latin), including the Syriac Paradise of the Fathers, it provides a treasury of monastic wisdom shared by all the churches.
50. As can be seen, one of the remarkable traits of Christian monasticism has been its combination of indigenous expressions and trans-cultural communication. In some locations, monasticism emerged from existing Christian ascetical traditions. In places evangelized at a later period, monasticism often accompanied, or was instrumental, in the process of conversion, or was introduced shortly thereafter.
51. While the Christian world became increasingly diverse in language and theological perspectives in the fourth and fifth centuries, monasticism provided a universal element that transcended these differences. This worldwide character of monasticism, combined with the fact that monasteries have traditionally been centers of theological culture, has made monasticism a privileged vehicle for communion and communication among the churches. The same monastic writings have been copied and treasured by those who disagreed in the Christological controversies of the fifth century, and therefore differed in their reception of the Councils of Ephesus (431) or Chalcedon (451). Monasticism thus represents a privileged avenue by which the churches continued to share a common spiritual inheritance across separations caused by doctrinal disagreements.
52. Furthermore, the unique ecclesial position of monasticism has allowed monasteries to be privileged places of hospitality and exchange. Because monasteries have a relationship with their own local church and its bishop, while retaining a certain legitimate autonomy and strong ties with other monastic communities throughout the world, they have played a special role in the relations between the different churches and traditions.
VI. Veneration of Saints and Pilgrimages
53. The cult of the martyrs and saints, their veneration and fame because of miracles, intercession to them, the cult of relics, the custom of seeking burial near the shrines of saints, etc., grew and spread from at least the second century as a development of popular devotion in the ancient Church with little regulation except on a local level by the local bishop. The lack of control inevitably led to the growth of various legends. It also led eventually to more centralized forms of regulation. A principal means for the spread of the cult of the saints through the various churches was through writing their biography. This produced a new literary genre known as hagiography.
54. We hear of the tombs of apostles and others of the first Christian generation being honored already in the second century. The veneration of the saints from the generation after the apostles, who followed Christ uncompromisingly even to death through persecution, soon followed. The Martyrdom of Polycarp, in the form of a circular letter from the Church of Smyrna to the Church of Philomelium, is the earliest of the acts of the martyrs after the description of the death of Stephen in the Acts of the Apostles.
55. The next step in the development of the veneration of the saints was to invoke them as intercessors in the belief that they enjoyed access (parrhesia) to the presence of God, an idea that is found with increasing frequency from the first half of the third century onward. By the fourth century we find various categories of saints commemorated in the Eucharistic prayers. Many other authors including Gregory Nazianzen, Gregory of Nyssa, Ambrose and Augustine could be cited as witnesses to this common belief in what will eventually be called the “communion of saints“ (communio sanctorum).
56. The development of pilgrimages in the fourth century, especially to the Holy Land, was another means through which devotion to the saints came to be shared by the churches. The theological rationale for the cult of the martyrs and saints was provided in the development by many theologians of the idea of the communion of the saints. The celebration of the anniversaries of the martyrs made it necessary, at least in the larger Christian communities, to fix these in calendars, which eventually develop into the later martyrologies and synaxaries. These were often compilations of various local martyrologies and underwent continuous revision.
57. Devotion to the saints among the different churches spread through writing their lives and through pilgrimages to their shrines. The earliest of these lives of the saints, that of Antony by Athanasius, served to “canonize” him, to use the later terminology. The Life of Antony, suggesting that Antony’s style of life was a continuation of that of the martyrs, produced a model for monks and nuns particularly in regard to progress in the interior life, combat with temptations and prayer. The work was quickly translated into other languages including Latin, Coptic, Syriac, Armenian, Georgian, and Ge‘ez, and served also as a model for writing the lives of other monastic saints.
58. The Cappadocian fathers, Gregory Nazianzen and Gregory of Nyssa, played an important role in the development of the devotion to the saints through their writings. Gregory of Nazianzen wrote panegyrics in honor of Athanasius and Basil, celebrating their role as champions of orthodoxy. Gregory of Nyssa composed the first life of a woman saint, his sister Macrina. This work placed women’s sanctity on a level equal with that of men and created a role model for women.
59. The fame of Eastern monasticism drew new visitors from the West. Among these was Rufinus of Aquileia, who translated and updated Eusebius’ Ecclesiastical History, mentioning many of the famous monks of the period and noting the construction of churches at the tombs of martyrs (II, 27). Several other literary works including the Historia monachorum in Aegypto, the Lausiac History of Palladius and the Paradise of the Fathers in Syriac served to spread the monastic ideal of sanctity and the devotion to monastic saints. Christian pilgrimages, especially to the Holy Land, beginning with Constantine’s mother, Helena also served to spread the cult of saints. Egeria, a pilgrim from Spain fifty years after Helena, left an account of her visit to biblical lands including Egypt, Syria and Mesopotamia. The fame of shrines such as those of Thecla and Menas as places of healing and a little later the shrines of holy men such as Simeon the Stylite led to increased pilgrimage and this in turn to greater fame.
60. Three more saints in particular illustrate the role of the saints in communion and communication: Cosmas and Damian, and Nicholas. Cosmas and Damian were brothers, both physicians, from the Roman province of Cilicia. According to the tradition, they practiced their profession in the port of Ayas in the province of Syria and were martyred about 287 under Diocletian. As early as the 4th century, churches dedicated to the twin saints were established at Jerusalem, in Egypt and in Syria. Later their fame spread to Rome where a church was dedicated in their honor and they came to be included with many others in the Roman Eucharistic prayer. Saint Nicholas, who was bishop of Myra in Lycia (died 6 December 345 or 352), enjoys even more widespread veneration throughout the Greek, Latin and Slavic Churches.
61. In the Catholic Church, the veneration of martyrs began at least by the second century. With the end of persecutions in the middle of the 4th century, “confessors” were also venerated for having lived exemplary Christian lives. During this period it was primarily the common faithful who recognized martyrs and confessors in a given locality. By the 6th century, the local bishops would begin to play a central role in the recognition of new saints. There was no standard process and occasional abuses, but for over six hundred years local episcopal canonizations were the normal procedure in the Catholic Church. At this time, being in full communion with the bishops of other local churches implied the acceptance of the saints they had recognized.
62. In the Oriental Orthodox Churches by the second half of the second century saints were first venerated as martyrs, who endured torture and suffered death while bearing witness to their Christian faith. Over the course of subsequent centuries, ascetics, Church fathers, virgins and key figures from the Holy Bible were commemorated as Saints. Saints were first proclaimed in local settings by the faithful with whom they shared their lives and deeds, and set an example of holiness for them. Saints gave their lives in witness to their Christian faith and were noted for their holy life, piety and virtue for the development of the Kingdom of God. They were recognized in popular piety, by a local church authority for local commemoration and by a church hierarchy for general commemoration by a given church.
63. Pilgrimages to places of spiritual importance are deeply rooted in human behaviour. The Jewish practise of visiting Jerusalem for major feasts is well documented. Christian pilgrimage was first made to sites connected with the life, death and resurrection of the Lord. The earliest reports date from the 4th century onwards. The developing veneration of martyrs and saints, their tombs and the places, where their relics were preserved, gradually became centres where the faithful flocked. The extensive trade relations between the various countries, especially between Palestine, the Roman Empire, India, Armenia, and Axum, provided avenues by which Christian travellers and traders undertook pilgrimages to the various Christian centres.
64. In the interpretations of the NT by the Church Fathers, the eschatological meaning of Pilgrimage as a journey towards the heavenly city of Jerusalem is a very common element. In this context Christians see themselves as pilgrims and strangers, who are temporary residents of this world, for their home is in heaven (cf. Phil 3:20; 1 Pt 2:11; Heb 11:13) and they live their life as pilgrims on the way towards the Heavenly Jerusalem (cf. Jn 14:6; Mk 8:34).
65. People visited Holy places in expectation that the saints would intercede for them before Christ, and sought the blessings of those who had been martyred as witnesses to the Christian faith. This ever-widening flow of pilgrims thus served to strengthen the communion between the churches in various geographical regions as believers from one church made pilgrimages to the venerated places of the other churches. In addition to these places of veneration, mention must be made of the role of monasteries, as they significantly added to the tide of pilgrims by providing places of hospitality for the visitors.
66. The pilgrimage to the Holy Land was not only a source of blessing, purification, and repentance. Pilgrimages composed of laity, monks, scholars and prominent leaders were also the source of understanding the geographical and historical nature of Jerusalem and the surrounding area and provided a visual image that would inspire theological literature, NT commentaries, poetic composition, iconography, and liturgical texts. Among other things, this also led to the development of pilgrimage prayer books and pilgrimage lectionaries as for example in the Armenian tradition.
67. Pilgrimage is significant, on the one hand, for the spiritual growth of individuals as it is always associated with prayer, supplication, fasting, making vows, veneration of saints and martyrs, liturgical participation, and repentance. On the other hand, it is significant for the community and the propagation of the mission of the church.
68. Pilgrimage has played a significant role in promoting communion and communication among believers of our churches. It can be seen from history that it served as a means on a popular level for understanding Christians of different cultures, languages and traditions. Furthermore, prominent church fathers, monastics and church leaders went from one church to the other to visit various pilgrimage centers. For example, apart from Jerusalem, Syrian Christians made pilgrimages to Egypt, Western Christians to Palestine, and Ethiopian monks have a long tradition of visiting the monasteries of Egypt and Syria.
69. The dialogue has examined in detail the nature of the relationships that existed among the member churches in the period leading up to the divisions of the 5th century. It shows that the full communion that existed among the churches was expressed in many different ways in a vast web of relationships founded on the common conviction that all of the churches shared the same faith.
70. These expressions of communion were manifested in at least six areas: 1) through the exchange of letters and visits (both formal and informal) extending even beyond the borders of the Roman Empire; 2) through synods and councils held to resolve problems of doctrine and discipline; 3) through prayer and similar liturgical practices; 4) through sharing in the veneration of common martyrs and saints; 5) in the development and spread of monasticism to all the churches; 6) through pilgrimages to the shrines of the various churches.
71. For the most part, in this period these expressions of communion were informal, that is, not carried out within clear structures. They also tended to take place primarily on the regional level; there was no clear central reference point. On the one hand, in Rome there was a growing awareness of a ministry of broader communion and unity, in particular from the end of the 3rd century on. On the other hand, there is no clear evidence that the Oriental Orthodox Churches ever accepted such a ministry.
72. Many of the relationships that existed among the churches in the early centuries have continued to the present day in spite of the divisions, or have been recently revived. The exchange of letters and visits between the heads of the Catholic Church and the Oriental Orthodox Churches has become common. In many places, the faithful of the churches increasingly pray together, learn from one another and share with each other the richness of their respective traditions. This often includes sharing stories of the lives of their saints and martyrs, engaging in common pilgrimages and visiting one another’s sacred shrines. Increasingly there are exchanges among monastic communities that are reminiscent of those that took place in the early centuries. The presence of delegations from one another’s churches at major events such as the enthronements and funerals of heads of churches, and the presence of Oriental Orthodox observers at the Second Vatican Council and subsequent synods of the Catholic Church recall a similar ancient practice.
73. Consequently the members of the commission are able to observe with satisfaction that, to a large extent, in recent years the communication that existed among their churches in the early centuries has been revived. In view of these developments, they will examine in a positive way remaining divergences in doctrine and practice, and determine to what extent those divergences can be accepted as legitimate and not compromising the essence of the faith. This will be a central question to be addressed as they take up the Sacraments of Initiation in the next phase of the dialogue. They will be asking themselves to what extent a restoration of the relationships that existed in the early centuries would be sufficient to restore full sacramental communion today. In time, this will include, among other important issues, a consideration of the place of the Bishop of Rome in that communion, a question that is being broadly re-examined in all the churches.
74. The members prayerfully rely on the healing and reconciling work of the Holy Spirit among them to guide their future steps towards unity.
[1] Cf. International Joint Commission for Theological Dialogue between the Catholic Church and the Oriental Orthodox Churches, „The Nature, Constitution and Mission of the Church”, in: Pontifical Council For Promoting Christian Unity, Information Service N. 131 (2009/I-II) 14–22.
[2] Cf. “Passio S. Irenaei episcopi Sirmiensis”, in: Acta martyrum selecta. Ed. O. v. Gebhardt. Berlin 1902, p. 162: “Irenaeus respondit: Sacrifico per bonam confessionem deo meo, cui semper sacrificavi.”
[3] Cyprian, Ep. 72 to Jubaianus, engl. trans.: The Ante-Nicene Fathers Vol.5. Ed. A. Roberts and J. Donaldson. Grand Rapids, MI repr. 1990, p .384.
[4] Ibid. p.385.
[5] Biblical citations are taken from the New Revised Standard Version of the Bible 1989.