رسائل مار يعقوب السروجي الملفان
رسائل مار يعقوب السروجي الملفان
أيضا ً رسالة الإيمان لمار يعقوب
أيضا ً رسالة الإيمان إلى القس مار توما
أيضا ً رسالة إلى مار أنطونين أسقف حلب
أيضا ً رسالة كتبت للقس مار يوحنا
أيضا ً رسالة الإيمان لتي أرسلت من مار يعقوب إلى الطوباويين الموجودين في أرزون الفرس
أيضا ً رسالة إلى الطوباويين في جبل سيناء
أيضا ً رسالة السلام المرسلة إلى مار حبيب
أيضا ً رسالة إلى مار يولينا الأرخدياقون
أيضا ً رسالة إلى الحاجب مار اسطفانا
أيضا ً رسالة مار يعقوب إلى فولا المتوحد
أيضا ً رسالة إلى رهبان دير بيث مار بس
أيضا ً توسل مار يعقوب إلى طوباويي بيث مار ابس
أيضا ً رسالة طوباويي مار بس إلى مار يعقوب
أيضا ً رسالة مار يعقوب إلى طوباويي مار بس
أيضا ً الرسالة التي أرسلها مار يعقوب الى الحميريين
رسالة مار يعقوب الملفان أرسلها إلى (دير) مار اسحق جبولا
الرها “مدينة مباركة” حظيت بموعد المسيح
أيضاً رسالة أرسلها مار يعقوب إلى رؤساء الأديرة إلى أناس طوباويين
أيضا رسالة مار يعقوب الملفان الى مار يعقوب رئيس دير النفوس
أيضا رسالة الى مار مارون بخصوص الأسئلة التي طرحها الى مار يعقوب الملفان
أيضا رسالة مار يعقوب الى شخص صديقه
أيضا الرسالة التي أرسلها مار يعقوب الملفان الى مار دانيال المتوحد
رسالة مار يعقوب الملفان على انسحاق النفس
أيضا رسالة مار يعقوب الى صديقه
أيضا رسالة مار يعقوب الى صديقه
أيضا رسالة أرسلها مار يعقوب الى مار فولا اسقف الرها
أيضا رسالة مار يعقوب الى مار اوطوخينا اسقف دارا
أيضا رسالة مار يعقوب الى السيد سيماي بمناسبة وفاة ابنه
أيضا رسالة مار يعقوب الى قمس بسا
أيضا رسالة مار يعقوب الى مار قورا رئيس الأطباء ( ارخيطروس )
أيضاً رسالة مار يعقوب إلى امرأتين زانيتين اصبحتا حبيستين
أيضا رسالة الى شخص متوحد كان يشاهد علانية خيالات ورؤى الشياطين.
أيضا رسالة الى مار دانيال المتوحد
أيضا رسالة مار يعقوب الى شخص متوحد
رسائل مار يعقوب السروجي الملفان
أيضا ً رسالة إلى اسطيفانا بر صوديلي الهرطوقي
الغلات أمل الفلاح
يجمل بك يا محب الله أن تقوم (رهيط) بأعمال الحسنات. ويليق بنفسك العاقلة أن تزرع الخيرات كل يوم بواسطة محبة الله على رجاء الله. سيأتي زمن تحصد فيه. ولا تضجر من غلات زروعك الجيدة. عندما يزرع الفلاح (آكورو) لا تحدق عين فكره إلى الزرع لكن إلى البيدر (اذرو) المليء غلات ولهذا يزرع ليجمع الغلات.
العالم الجديد
عندما تحس النفس بالعالم الجديد تحتقر مقتنى العالم القديم وتوزعه مسرعة على المحتاجين لتجده مثل “الكنز” في الموطن النيّر حيث تعطى التطويبات لفاعلي الخيرات. عالمنا هذا مضطرب وعشب وحشيش وزهرة. انه ظل المغيب (فونيو) السريع العبور ليجيز النهار. انه وردة جميلة تذبل بسرعة ويفسد جماله. غناه حلم، ومقتناه منظر خداع. واستحوذت عليه الضلالة مثل لقية اللحم التي تغني النائم أثناء النوم. فيفرح في لقية لا وجود لها وعندما يستيقظ، يخجل ويندم لأنه ضلّ وفرح بمقتنى غير حقيقي.
النفس تتذكر الفردوس
استيقظي استيقظي أيتها النفس العاقلة والبسي قوة ذراع الرب. اهربي من مناظر الليل الباطلة، وهلمي تنعمي بضوء النهار الجميل. ألقي عنك المقتنى الذي اعطاك إياه الحلم، واحتقري الضلالة التي تفسد الأفكار، لأنها تعطي، بواسطة الأحلام الباطلة، الغنى لمحبي السبات المضر. فات الليل، وفضحت أحلامه. ينحل العالم وتمتهن مقتنياته. فضحت بنور الصليب، الضلالة التي أدخلتها الحية. انحلت شهوة الغنى والسلطة التي ملكت من شجرة المعرفة بالثمرة التي ظهرت من شجرة الحياة. طرد حارس الفردوس وأعطيت مفاتيح الجنة للص الذي استحق اليمين. أخذت رمح الكاروب وفتحت طريق الفردوس وطعن شاتل الفردوس بالرمح بدل البستاني السارق وفتح الجنة ليعود المطرودون إلى تخومهم.
المسيح المعلم
نزل فقيه (سوفرو) عظيم من السماء وصار معلما ً للعالم. استنارت المسكونة بتعليمه، لئلا يشتهي أحد بعد المقتنيات غير الثابتة. “لا تقتنوا ذهبا ً ولا فضة ولا نحاسا ً في أكياسكم، ولا قميصين ولا عصا ولا مزودا ً، ولا تسلموا على أحد في الطريق”. الدرب سريع ومساراته مليئة مكرا ً. اعبروا اعبروا واخرجوا من العالم، ولا تفرحوا بأموره. يقول الرب: لا تهتموا بالغد، يكفي لليوم شره، تذكروا امرأة لوط وأسرعوا الخطى لئلا يمسككم العالم بشروره. إن صادفك جمال، احتقره، إن وجدت الغنى دس عليه، وألق المقتنى وراءك. لا تنظر إلى السلطة. كن غريبا ً عن الوطن والمسكن والجنس. الجنة مفتوحة وتنتظرك. تقدم بسرعة نحو الجنة الجميلة. لا تكتنز لك على الأرض كنزا ً، لأن الأرض تضحي فسادا ً. دعيت إلى السماء، لا تعوقك الأرضيات. الفردوس ينتظرك، لماذا تطلب الأشواك؟ ولدك الله من الماء والروح، ورباك بدم ابنه، ودعاك لتكون وريثه. الطبيعة تدفعك لتحب الآب الذي عدّك بين البنين. اشتغل، إما مثل الأجير، وخذ لك أجرا ً: ملكوت السماء، وإما خف مثل العبد واهرب من النار التي تهدد المذنبين، وإما اخدم الآب بمحبة الأبناء، وإما اصنع الخيرات لترث الملكوت وإما أبغض السيئات لتنجو من النار بجسر ناري. الصدقات تضحي جسرا ً لفاعليها. ومن يوزع مقتناه على المحتاجين يعبر بسهولة الهوة الموجودة بين الجهتين.
“جعت فأعطيتموني طعام، وعطشت وسقيتموني، كنت مريضا ً وافتقدتموني، وكنت عريانا ً وكسوتموني، وفي السجن وأتيتم إلي”.
ولأجل هذا، “هلموا بالسلام، يا مباركي أبي”. من لا يشتهي أن يسمع هذه الجملة المليئة كل التسليات، ليسرع ويوزع ويفرق كل مقتناه على المحتاجين، لكي يسمع من الله يقول له: “هلم بسلام”؟ أو من لا يخاف ويفزع ويرتعد ويسعى في إثر الصالحات لئلا يختلط بأولئك الذين يقول لهم الديان الرهيب “اذهبوا أيها الملاعين إلى الجهنم (كيهانو) الأبدية”؟
ملكوت أبدي وجحيم أبدي
حياة أبدية وجهنم أبدية. ليس للحياة نهاية ولا لجهنم فناء. لا مساء لنهار النور من جهة اليمين، ولا صباح لتلك الظلمة البرانية. يدخل الختن ويغلق باب الجنة وسوف لن يفتح لمن يقرعونه، لئلا تهان العروس وقت صيانة حرمة الخدر. أغلق باب السفينة، ولم يفتح نوح للزناة ليستتروا معه من الأمواج العاتية.
العذارى الحكيمات والجاهلات
عندما يصدر الحكم لا يفيد التوسل. عندما يغلق باب الخدر لا تفتح العروس للمدعوين. كانت تتوسل إليه متضرعات: “ربنا افتح لنا. أجاب وقال لهن: “لا أعرفكن قط”. قال الختن للجاهلات: “لا أفتح لكن فقط لكن لا أعرفكن، لأن نار مصابيحهن انطفأ بإرادتهن. أنا لا أعرفكن، أعني لا تجهدن أنفسكن بتوسل غير مقبول، لا تهينن خدر الختن وقت صيانة حرمة العروس. ازحن دخان مصابيحكن المنطفأة عن باب الخدر، لأن المدعوين مبتهجون في نور الحكيمات مع الختن في وليمته”.
هلموا بالسلام يا مباركي أبي،
هلموا بالسلام يا فاعلي الصدقات،
هلموا بالسلام يا مقيتي المساكين،
هلموا بالسلام يا زارعي الحسنات،
هلموا رثوا الملكوت المعد لكم، من أجل جمال أعمالكم الصالحة. ابتعدوا أيها الملاعين إلى النار المحفوظة لإبليس ولجميع خدامه.
المكافأة والقصاص لا يتعلقان بالزمن
“إنه لمخوف جدا ً الوقوع بيدي الله الحي”. إنه لجهل كله غباء، أن يتنعم المرء بالراحة مدة زمن قصير ويدخل إلى جهنم التي لا نهاية لها! اقترفت خطايا مدة أيام قليلة، وعددها معروف، أما قصاصها فيصدر دون مراعاة عدد الأيام والسنين! ليس هناك سنون، لأنه ليس هناك أيام وليال! ولعلك تقول، “كيف ينزل الديان العادل حكما ً أبديا ً بدل خطايا ارتكبت في مدة عشر سنين أو عشرين. أو مهما كان عدد السنين، بحيث يسقط من يخطئ في الجحيم؟”.
الديان العادل
“إنا الديان عادل وأحكامه مستقيمة ويحب أيضا ً الاستقامة”. إن لم يكن من العدل أن يلقي الخاطئ لمدة زمن قصير في النار الأبدية كما هو مكتوب، لما كان من العدل أيضا ً أن يورث الملكوت الأبدي لمن يتبرر في مدة زمن يسير! إن اعتبرت من العدل أن يدان الخاطئ بقدر مدة السنين التي أخطأ فيها فقط، فمن العدل أيضا ً أن يتلذذ البار بقدر السنين التي تبرر فيها فقط! من أخطأ مدة عشر سنوات، يكون في النار عشر سنوات فقط، والذي فعل الصلاح مدة عشر سنوات، يكون أيضا ً مثله في الملكوت مدة عشر سنوات فقط، ثم يخرج. إذ كان هذا من باب العدل، فهذا من باب الصواب!
مثل لص اليمين
إذا سيقطن لص اليمين جنة عدن مدة ساعة واحدة فقط، لأنه إيمانه غلي فيه مدة ساعة واحدة فقط، لما طلب من المسيح أن يذكره في الملكوت. ليس هكذا يا أيها الصديق، ليس هكذا! لا يجري حكم الله العادل مثل فكرك. “هؤلاء إلى النار الأبدية والصالحون إلى الحياة الأبدية”.
الإرادة أساسا مكافأة والقصاص
ان الخاطئ الذي لا يتوب، لو عاش الى الابد لكان يخطي الى الابد. وحسب امتداد (مثيح) الفكر الى الخطيئة يسقط بعدالة في الجهنم الأبدية.
مثل الغني
ان الغني الذي ملأ اهراءه غلات كثيرة قال لنفسه هكذا: “كلي واشربي وتنعمي، لك غلات كثيرة مخزونة لسنين عديدة”. وهذا الذي مد فكره ليتلذذ لمدة سنين عديدة، قطع حبل حياته، ولم تنقطع خطيئته! لأنه سبق ومد فكره ليتلذذ بالراحة الأبدية. انه من العدل ان يدان ابديا ً لأنه كان يعيش في طمعه بإرادته الأبدية. وعلى هذه الشاكلة خدم الله فكر الصالح بإرادته الأبدية، ولو ان الموت قطع حبل حياته بغير ارادته لئلا يتمم سعي الصلاح.
مثل أيوب
ويشهد لما أقول أيوب الغني بالتجارب. لما تعرض للمرض وفسد جسمه بالأوجاع المرة، وامتزجت جروح جسمه بعضها ببعض، وابتليت أعضاؤه بفداحة وجعه، نطق في شدّة ألمه وقال هكذا: “إلى أن أموت لن تزول عني وداعتي، وأمكث في صلاحي ولن أتراخى، ولن تتركني وداعتي أبدا ً”. أي حاكم لا يجازي مثل هذا الفكر الشجاع والممدود هكذا والساعي في أثر الصلاح بملكوت أبدي ليعيش فيه بغير انقطاع؟ إذا ً يجدر بنا أن نقول: “صالح انت يا رب واحكامك مستقيمة جدا ً، وعدالتك أسمى من أن تذم. وطرقك مستقيمة، وليس فيها عثرات”. يسقط الخاطئ بعدل في النار الأبدية لأنه مد أفكاره ليخطئ أبديا ً دون الرجوع إلى التوبة. يستحق الصالحون الحياة الأبدية لأنهم أعطوا نفسهم وإرادتهم ليسيروا دائما ً في درب الصلاح.
يجدر بنا نحن الآن، ما دام لنا زمان أن نزرع الخيرات لنحصل على مكافأة كبرى من عمل صغير، ومن سعي حسن لمدة أيام قليلة: ملكوت السماء التي لا نهاية لها. ولنهرب من راحات الزمن القصير لئلا نجد بها العذاب الأبدي.
إسداء النصح لابن صوديلي
أنت يا رجل الله خفف السير في أثر الحسنات، وانس ما وراءك لتسير إلى الأمام. ولا تخطر على ذهنك هذه الخيرات التي فعلتها، لئلا تعوقك من القيام بعمل الخيرات التي ستفعلها في المستقبل. لكن اجعل من كل يوم تشرق عليك الشمس بداية للخيرات التي ستفعلها. وابدأ كل يوم ولا تهدأ أبدا ً. ومُدّ حركات فكرك لتقوم بفعل الخيرات دون انقطاع، لأنك تشتهي الدخول إلى الملكوت الأبدي الذي لا نهاية له. وكن في خوف ورعدة وفزع من النار الأبدية المحفوظة للمذنبين، ليؤدبوا في دينونة لا نهاية لها.
ولتتأكد في فكرك لفظة الديان الرهيب الذي يقول: “يذهب هؤلاء إلى النار الأبدية، والصالحون إلى الحياة الأبدية”.
الخاتمة
ليؤهلك هو بنعمته ومراحمه لتختلط بأولئك الذين قيل لهم: “كنت جائعا ً واعطيتموني لآكل، وعطشانا ً وسقيتموني”. وتتكئ معهم في موطن النور في الحياة الأبدية دائما ً آمين. كملت.
أيضا ً رسالة الإيمان لمار يعقوب
دعوة “المتفلسف” إلى التواضع
يا من يظن أنه يفحص طريق تدبير المسيح ضع حدا ً لاستفسارك، ولا تطغ لتطلب ما لا يستطاع، ولا تقدم لتدرك ما لا يُدرك. يسمو درب المسيح على الطبيعة. أما أنت فسجين ومحدود تحت الطبيعة، ولا يمكنك أن تحدد بكلمتك الدرب غير المحدود!
العقل حدود التفكير كالنسر المحدود طيرانه
معروفة هي الأمور التي هي محدودة بالحد. ومعروفة هي تلك التي لا تخضع للحد. ليس لكون النسر يطير أنه يطير ويرتفع بقدر ما يريد. فهناك حد يمنعه ويوقفه، لئلا يبلغ الموضع الذي ليس بوسع جناح الطير أن يحلّق فيه.
وليس لأن لك عقلا ً يطير ويسهل عليه أن يطأ ويسمو على قمة الخلائق وهو مسلط بهذا المقدار بحيث يحدد الخالق بعملية أفكاره الضعيفة. يمنع جناح النسر من تجاوز الموضع الموجود تحت الرقيع. ومسيرة العقل تقف وتحصر دون درب المسيح المتعالي.
التدبير الإلهي
بداية تجليه في الجسد: ولادته من البتول. ولما جاء دخل إلى العالم في باب غير مفتوح، ولهذا لم يفتح الباب لما دخل إلى عالمنا لئلا يعثر الحكماء على خطواته.
وإن نظرت إلى بداية دربه، لن تجد له أثرا ً، ولا تعرف هناك الخطوات، لأنه يسير ليس ليفحص، ولم يبدأ في درب تدبيره لكي يدرك. البتول قد ولدت. ماذا تقول؟ لا تتكلم حسب الطبيعة. لا تتجاسر لتفسر. غُلبت الطبيعة. بحسب الطبيعة لا ولد للبتول. تعجب إذا ً بالتدبير، ولا تتصارع مع الطبيعة.
عندما تلد البتول فالمولود منها إله. إله هو من يستطيع أن يعبر في الطبائع الجامدة دون أن تفتح، ولا يحتاج أن يفتح له الباب عندما يدخل، أو يترك أثرا ً عندما يخرج.
حزقيال يصف الابن وأمه
هكذا صور حزقيال النبي رؤية البتول، بالباب المغلق. وقال هكذا: “يكون هذا الباب مغلقا ً، لأن الرب إله إسرائيل يدخل فيه”. يكون مغلقا ً. دخل الله العالم من باب مغلق، أعني من البتول البكر، وظهر في الجسد ولم يفحص، وأتى إلى العالم ولا جدال بخصوصه.
أشعيا يصف الابن وأمه
ولهذا دعته النبوءة “أعجوبة”، لأن درب تدبيره في الجسد مليء عجبا ً. إن حددت المسيح، كما تظن أنت الضعيف والخائف، يجب إذا ً تسميتك أنت أعجوبة. لو حدد المسيح ليس إذا ً أعجوبة. وتكون قد نسبت اسمه إليك. والآن يلزم التعجب بك، لأنك حددت من لا يحد، وفحصت من لا يفحص، وتعقبت من لا يبحث عنه. والدرب غير المحدود، أنت وضعته تحت الحد. وها أنك تصف بكلامك، مفسرا ً ذلك الذي خاف النبي من أمره وقال متحيرا ً: “من يصف جيله؟”
كريستولوجيا
أيها المثقف (سوفرو)، لا تضل نفسك، أيها التراب المجبول لا تتجاسر على الموج العارم. يوصف عمانوئيل بعجب. ولا يفسر بالجدال. إنه إلهنا معنا. من الآب ومن البتول. عند أبيه ومعنا. في والده وفي الشابة. قبل آدم وبعد البتول. “سيأتي بعدي رجل وقد صار قبلي”. بعد يوحنا بميلاده الثاني. قبل آدم بميلاده الأزلي. من ليس له بداية. “واسمه قبل الشمس” و”ولد لكم اليوم مخلص هو الرب المسيح في مدينة داود”.
ولادتان لابن واحد الكلمة من الآب صار جسدا ً من البتول. تجسد ولم يتغير. ظهر في الجسد وهو الكلمة. إنه الكلمة لأنه ينطق ولا يوصف، الابن الذي ولد ولا يفسر. ظهر في الجسد وهو إله. صار معنا وهو ربنا. ابن الله ويعرف بالجسد ابن الإنسان.
ومن آمن به عاش، ومن أراد أن يفحصه اختنق. يتلذذ به الإيمان، ويحترق به البحث. واحد هو عمانوئيل، واحد هو الخفي الوحيد الذي تجلى، وهو الغني الذي افتقر، والسر الذي اعتلن، و”الكلمة الذي صار جسدا ً” يشبهنا في كل شيء ماعدا الخطيئة، ويشبه أبا في كل شيء ماعدا الآلام والموت. نزل من الأعالي، وصعد من الأسافل. شرب كأس الموت بإرادته، ودخل ليرضّ الحيّة الكبرى في الثقوب العميقة. أتى من السماء إلى البتول بلا جسم، دخل الكلمة من الأذن إلى بطن الشابة. ولد في الجسد من بنت داود وإبراهيم. “أتى إلى خاصته وخاصته لم يقبلوه”. ظهر مخلصا ً للنهب، وشنت عليه عساكر السالبين الحرب. فزع جوق الشياطين وشن خصاما ً ضد المخلص الذي ظهر. أقلقهم منظره ولم يستطيعوا أن (يفهموا) تدبيره.
عندما يرون فيه القوات يقولون. “ليس بشرا ً. أظهر لهم الضعف، قالوا: “ليس إلها ً. ولأجل هذا لم يعرفه سلاطين العالم. “لو عرفوه، لما كانوا يصلبون رب المجد”. أقلقهم في درب تدبيره
انه صلب، لأنه أراد أن يكفّر بالصليب الدَيْن. لما ركب الصليب، أشار إلى الطبائع الجامدة لتكرز معلنة: من هو؟ وابن من هو؟
ولأجل هذا فضح السلاطين بتعري جسده، واخزاهم جهرا ً بأقنومه. وأصبحت الطبائع غير الناطقة رسلا ً وسعاة لتكرزه للعالم: أعني الأرض بهزتها، والسماء بظلامها. تغيرت الشمس إلى عتمة. تفجرت الحجارة. تفتحت القبور. قام الموتى. وفضح السلاطين الذين لم يعرفوه، واخزاهم علنا ً لأنهم لم يفهموه.
سبي الإنسانية يتحرر
سمع سبي الإنسانية المحبوس في الشقوق المستديرة تحت الأرض صوت المخلص الذي صرخ فوق الصليب. وباشرت ترجع من موطن السالبين: حل آدم رئيس السلب من رباطه، لأن الباعث سمع تنهد الأسير فنزل وأنقذه من تحت الأرض ليصعده إلى علو السماء.
درب الابن فوق الطبيعة
وكل هذا الدرب السامي فاق الطبيعة. بدأ به الحنان وأنهته المراحم. ضل به الشياطين (ديوو) واحتُقِروا وخاب الرؤساء، وسقط من مراتبهم السلاطين، وترنحت الآلهة الباطلة وأزيحت من مقصوراتها. ليس من السهل أن يسير البحث فيه، ولا أن يرفع الجدال هامته عليه، ولا يزخرف الحكماء وصفهم له. كرزه صيادو السمك، وأخبر به البسطاء والودعاء.
الجهل أساس الحكمة
أنت الآن أيضا ً أيها الحكيم، إن أردت أن تتحدث عنه، كن جاهلا ً لتصير حكيما ً في الرب. لا سلطة للحكمة على درب تدبير الوحيد. أنه مكتض بالجهال وصيادي السمك، لتحتقر جمع حِكَمِ العالم بالروح والقوة.
لا يكتشف أثر طيران النسر، ولا أثر طوف السفينة
استغرب منك، لكونك ترى النسر يطير ولا يسهل عليك تعقب دربه وتنظر إلى السفينة التي تمخر عباب البحور ولا تقدر أن تعين الدرب الذي تسلكه. وهذه مخلوقات تسير في مخلوقات أخرى، وهي تتبع نظام الطبيعة وتتحرك حسب قانون (سوخو) ويخفى عليك درب مسيرتها. بالنسبة للابن الذي لا يدرك، ودرب تدبيره أسمى من أن يبحث فيه عقل الملائكة، ها إنك تتجاسر وتحسب أنك قادر على البحث في دربه الذي لم يخضع أبدا ً للفحص!
كريستولوجيا
لا يُمزق المسيح بفمك، لأن الكتب لا تمزقه. واحد هو الوحيد من الآب ومن البتول. واحد هو الوسيط بين الله والبشر. به توحدت الجهتان الغاضبتان. أعني بالوحدة في بطن البتول. تجسد (اثطاهام) الله في الجنس البشري. توحد الختن الغني مع العروس المسكينة، وصار كلاهما واحدا ً. إنه السر العظيم الذي فسره لنا بولس، والصورة الجميلة التي صورها موسى بآدم وحواء وسدل عليها برقعا ً، لئلا يعرف من هو.
موسى وبولس يفسران سر الابن
ولأجل هذا تحجب موسى أيضا ً، ليحس العالم أنه تكلم خفية، وأن كلام نبوءته يحتاج إلى التفسير. لما أتى الختن المسيح أزيح الحجاب من وجه موسى وأعلن “السر الذي كان مخفيا ً عن العوالم والأجيال”، وعرفت وحدتهما، ومن هما اللذان صارا، وكيف صارا، ومتى صار واحدا ً؟ وكرزت حقيقة التجلي النيّر بيوحنا ابن الرعد وهو يصرخ جهرا ً ويكرز لمن يدخلون إلى العالم: “الكلمة صار جسدا ً وحل فينا”، أعني في ذلك الحضن البتولي، في المجيدة بين النساء. على الأجيال كلها أن تعطي الطوبى. فيها إذا ً، في هذه المليئة أقداسا ً والعفيفة والبتول دائما ً صارت الوحدة الحقيقية التي كتبها موسى وفسرها بولس وتيقنت منها كنيسة الشعوب.
كريستولوجيا
ليس المسيح اثنين لكن واحدا ً، واحدا ً لا يفسر، لكن يسجد له مع الآب، ويؤمن به أنه من الآب. ومن الروح القدس. ويعرف أنه ظهر في الجسد من البتول القديسة بنت داود، ذلك الذي بدم عهده (دياثيقي) يحل أسراره من الجب الذي لا ماء فيه. وأعاد بآلام صليبه السبي المحبوس في موطن الأعداء. وصنع بقتل أقنومه بعثا ً لكل جمع المدفونين. وسحب وأقام بقوة قيامته جميع الساقطين الذين جندلتهم لسعة الثعبان تحت الأرض.
الخاتمة
نزل وخلص، وصعد وتمجد، له التسابيح والبركات الآن وفي كلّ أوان وإلى أبد الآبدين آمين. انتهت.
أيضا ً رسالة الإيمان إلى القس مار توما
الافتتاحية
إلى البار وفاضل السيرة، الأخ والصديق الحقيقي، القس مار توما.
أخزك يعقوب الناقص، بيسوع النور الحقيقي والحياة غير الفاسدة والخميرة التي نزلت من السماء ليتقن الجبلة التي فسدت بعكر الحية الكبرى. الكلمة الناطق الذي أعطى الكلام للخرس، والصوت للساكتين، مهيئ الكل، ومكمل الكل، ومنجز الكل، ومجدد الكل بآلام أقنومه. سلام.
المسيح علة كل الخيرات
المسيح علة كل الخيرات. منه تنبع كل المواهب للمحتاجين. هو الغنى الحقيقي. لا غنى خارجا ً عنه. إنه الأمان الكبير. “وسالم بدم صليبه ما في السماء وما على الأرض”. منه المحبة. ومن يحب أخاه، منه يتعلم كيف يحب، كما أن من يبغض أخاه، هو قاتل البشر، لأنه يأخذ ذريعة، من قاتل البشر ليبغض أخاه. وهكذا كل من يحب أخاه، يسكن المسيح فيه، لأنه الحب الحقيقي “الذي ثلم سياج العداء” الذي شيدته الحية بين آدم والله.
كريستولوجيا
أحب الآب العالم وسلم الابن بدل العالم وقدس الروح القدس العالم. أرسل حب الآب ابنه الحبيب وأشرق ضياء الأزلية في حضن البتول المقدس، فاستضاءت بشعاع اللاهوت منير الكل بإشراقه الغني بالنور. تجسد النور في الشابة، وظهر، وخرج منها جسديا ً بشبه العبد الذي أخذه مثلما سبق وأعلن عنه النبي: “ها هو ذا رجل واسمه إشراق، الخفي الذي تجلى: ابن الله. وعُرف بالميلاد الثاني ابن الإنسان. “عمانوئيل الذي يفسر: الله صار معنا”. من الآب ومعنا. معنا إله إنسانيا ً. معنا ابن الإنسان إلهيا ً. “أبي وأبوكم”، لأنه جعلنا له أخوة، “إلهي وإلهكم”، لأنه صار منا. إن أباه هو أبونا بالمعمودية. إلهنا هو إله من البتول. “أنا وأبي واحد”، لأنه مساو لأبيه المجيد في الجوهر (بار كيونو). “إن الآب الذي أرسلني هو أعظم مني”، لأنه أخذ شبه العبد الذي به انتقص أيضا ً قليلا ً عن الملائكة. “من يصف جيله؟”. “لا أحد يعرف الابن إلا الآب”. قال الآب: “هذا ابني”. والابن هو الذي أعلن في النبوءة: “ها إن البتول تحبل وتلد ابنا ً”. ولدت البتول من وُلد مِن الآب. لو لم يكن مولودا ً، لما وُلد. لو لم يكن ابن الآب، لما صار ابن الإنسان. إنه إذا ً ابن، مِن الآب ومِن الإنسان. “وهو الأول والآخر، كما هو مكتوب: “من البدء أيها الطفل ولدتك”. و “قال لي الرب أنت ابني وأنا اليوم ولدتك”.
إنه منذ البدء وإنه اليوم. وعنه لفظت النبوءة العبارة التي تقول: “أنا الأول والآخر. وكما أعلن الرسول “هو البارحة واليوم وإلى الأبد”. عنه قال الآب “هذا هو ابني الحبيب”. هو الذي امتلأت منه السماء، واحتواه كنف البتول.
هو الذي تحمله المركبة، وحملته الشابة.
هو من الآب ومنا.
وحدة المسيح: أعجوبة
ابن واحد. عدد واحد. أقنوم واحد. طبيعة واحدة. إله واحد تجسد من البتول القديسة. واحد من الثالوث ظهر في الجسد. وهو إله مع أبيه. وهو كما هو معنا ابن الإنسان. سمته النبوءة: “الأعجوبة”،
الأعجوبة لأنه لا يُفسر.
الأعجوبة، لأن البتول ولدت بدون زواج،
الأعجوبة، لأنه حلّ في حضن الأم البتول، ولم ينتقل من حضن الآب القدوس،
الأعجوبة، لأنه نزل إلى العمق وقد مكث في العلو،
الأعجوبة، لأنه نزل وصعد، وبنزوله هو سام، وبصعوده هو وضيع، لأنه الذي نزل هو نفسه الذي صعد، ولما نزل لم يخل السماء، ولما صعد لم ينتقل من العالم، “أنا معكم إلى نهاية العالم”.
المسيح لا يفسر
ولأجل هذا لتهدأ النفس العاقلة من الجدال ولتتعجّب.
المسيح هو العجب. ولتمتلئ من العجب الذي هو المسيح. من يفحص الولد غير الموصوف ليس في نفسه العجب، أعني ليس فيه المسيح، لأنه لو كان موجودا ً فيه، لما كان يفحص، لو لم يفقده لما فتش عليه. إذا استفسر عن العجب، فَقَد العجب، ولأجل هذا يفتش عليه لأنه ليس موجودا ً فيه.
النفس التي لا تجادل تشبه مريم
إذا ً أيتها النفس بادري على التعجب. واهتمي بالمحبة، اجتهدي بالسجود، وقفي بتعجب غير مهزوز: أي بالمسيح الذي لا يستقصى. لا تسقطي من التعجب لئلا تعترضك الأفكار القائلة: من صعد إلى السماء وأنزل المسيح؟ ومن نزل إلى لجة الشيول وأصعد المسيح من بين الأموات؟
اطرحي وألقي عن ذاتك كل الأفكار القلقة، واطردي وابعدي عنك كل آراء الشك. افتحي باب عقلك للعجب ليحل فيك كاملا ً مثلما حل في حضن البتول وهي بكر. إن البتول لم يعرفها رجل، لو عرفها رجل، لما حل فيها العجب. إن النفس العاقلة لا يقلقها جدل. لو دخل إليها الخصام، لا تعود كفؤا ً للعجب. النفس التي تقوم في التعجب دون جدال، هي بتول تحمل العجب بلا زواج. إن شرعت تبحث، خضعت للزواج، وإن تزوجت البحث، فضت بتوليتها وليس فيها العجب.
الإيمان يعرف المسيح بالمحبة
إذا ً ليُحبَّ المسيح بإيمان لم يتزوجه خصام، مثلما حلّ في بطن الشابة التي لم تمارس الزواج. الإيمان يحب المسيح محبة، ويعرفه أنه واحد، ويقر به أنه ابن الله، ويسجد له إلها ً مع أبيه، ويؤمن به واحدا ً من الثالوث، ويتأكد من أنه كلمة الآب وابنه، ويحس أنه تجسد من البتول، ويقول: إنه دخل إلى المحاكمة”، ويفتخر بأنه صعد إلى الصليب (صليبو)، ويصفه بأنه نزل وتفقد بموته هوة الموتى، ويفسر أنه أطلق الأسرى من الأعماق المظلمة، ويخبر بأنه أضحى في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. ويعلن أنه قام من بين الأموات في اليوم الثالث. ويسبحه لأنه صنع الخلاص بموته لكل سبي المخلصين.
إيمان يعقوب
وبما أن الإيمان عرف الابن هكذا، نحن تمسكنا به في نفسنا وفكرنا بآراء غير مضطربة أو أفكار مهزوزة مؤسسة على استفسارات تسبب الخسارة للنفس العاقلة، وحددنا إيماننا في الثالوث السامي الذي هو إله واحد حقيقي بدون انقسام أو بلبلة.
تحريض مار توما
كما بدأت أيضا ً نفسك العاقلة وتممت وحددت وصعدت لتؤسس عشها في الثالوث الشريف حيث لا تدخل الخصامات وآراء الشكوك. ليمهد الآب طريق عقلك، وليفتقدها الابن، وليكملها الروح. ولتكمل فيك إرادة الله، ولتظهر بواسطتك قوة الصليب، ولتكن كل حركاتك وأفكارك وكلماتك وأفعالك لمجد يسوع.
الخاتمة
أذكر ضعفي في صلاتك يا أخانا محب الله. كن معافى وفَرِحا ً بربنا في كل وقت. كملت.
أيضا ً رسالة إلى مار أنطونين أسقف حلب
الافتتاحية
إلى البار والقديس الكبير ومحب الله. الأسقف مار أنطونين.
يعقوب الناقص، الساجد لحضرتك بربنا. سلام.
تحليل للكلمة والصوت
وحيد الآب الكلمة الذي لا يوصف، هو الذي أعطى النطق للناطقين ليصفوه لأنه لا يوصف. لو كان يوصف لما كان الكلمة فالكلمة لا توصف وصفا ً، لكنها تتكلّم كلاما ً، وهي تعطي الأصوات التي تسمعها الخلائق، وهي مستترة في محلها داخل خفاء النفس. تخرج بواسطة الصوت، وتسمع من الفم إلى الأذن، في هذا المجال الفارغ الموجود فيه الهواء الخادم. يقبلها الصوت من الفم ويزيحها ويقربها من باب الأذن، وعندما يطرق الصوت السمع، تدخل الكلمة من الأذن، ويظل الصوت خارج باب السمع.
إن الكلمة لا تنحل مثل الصوت، لأن الصوت ينحل ويتبدد في المجال المخلوق بين الفم والأذن. تبقى الكلمة في نفس مرسلها وتحل في عقل قابلها، ويمتلئ منها الحضنان، دون أن تتمزق وتنقسم إلى جزئين، أعني إنها كاملة في المجالين: في مجال من أرسلها وفي مجال من قبلها.
الرسالة رمز التجسد
إنها تتجسم في صور الحروف، فترى غير المرئية، كأنها في أعضاء متى ما لبست جسم الكتابة. ويسهل مسكها لأنها تجسمت، وتصبح قابلة للرؤيا واللمس، لأنها اقتنت أعضاء بالكتابة. تسافر من موضع وتحل في آخر. عندما تسافر لا تُفرِغ الموضع الذي خرجت منه، لتحل حيث ترسل، وهي لا تفرغ من حيث خرجت. وبواسطة هذه الأمور المحيرة التي تقتنيها، تعلن جهرا ً درب تدبير كلمة الله ابن الأزلي الذي أرسل من الآب الخفي إلى العالم الظاهر.
الابن في حضن الآب وحضن مريم
وصار له جبرائيل صوتا ً، جبله وأتى به من خفاء الآب، إلى أذن البتول، وأعطى الملاك السلام للشابة، وقبلت بإذنها الكلمة بواسطة الصوت، ودخلت الكلمة وحلت في البتول ومكث الصوت خارج باب الأذن. موضع الصوت معروف. ومعروفة مواضع الكلمة. موضع المرسل من الآب إلى البتول.
مواضع الكلمة هي: حضن الآب، وحضن الشابة. بطن البتول مليء به ولم يفرغ منه حضن والده. كامل هو كلا الموضعين! في الآب، ليس له بداية. في آلام جعل له بداية من بشارة الملاك. إنه موجود في بطن البتول بأكمله دون نقصان. وكله موجود في حضن الآب دون تجزئة.
ولما كان في أبيه لم يكن يُرى، لأنه لم يكن قد تجسد بعد. أتى ليتجسد من زرع داود وإبراهيم، وشوهد وسُمع في تجلّي تجسده، كأنما في صورة الحروف، فمسك وجس، وجعل بداية لظهوره الجسدي من بطن البتول. وأتى الخفي إلى الإعتلان، وشوهد اللا مرئي بمولده الثاني، والابن الرب الجديد في الأرض.
التدبير الإلهي
وسمي ابن البتول عجبا ً. وهيأ وأعطانا الآب “ما لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب إنسان”. متى رأت العين الله يولد من امرأة؟ أو متى سمعت الأذن أن المياه تحفظ في المنديل؟ والنار تلف بالأقماط؟ أو على بال من خطر أن واحدا ً من الثالوث يُعدّ واحدا ً من البشر؟ ويطالب معهم بدفع الجزية؟ أي من العادلين طلب في صلاته من الآب ليرسل ابنه ليموت بدل العالم؟ هذه الموهبة الكبرى أعطاها الآب للعالم. لم تشاهد ولم يسمع بها ولم تخطر على بال البشر.
أعطى الآب بواسطة نعمة طبعه، وبالمراحم الأزلية المليء منها، هبة اغتنى بها العالم كله، ولم يخسر الواهب شيئا ً. لقد أرسل لنا وحيده الممجد، ونحن الذين كنا حليبا ً رخوا ً صار لنا خاثرا ً فجبّننا وشد رخاوتنا. وإذ كنا عجينا ً فطيرا ً صار لنا خميرة وجعلنا نقتني طعم لذته، ولأنه الموت كان قد سبانا وأدخلنا وسجننا في شقوق الهلاك العميقة، نزل وراءنا إلى الأعماق السفلية وأصعدنا معه ليورثنا يمين والده، ولأن جنسنا كان مبددا ً على جميع الجبال وفي كل الوديان، جمعنا ولمّ شعثنا وربطنا إلى بعضنا بعضا ً وجعلنا أعضاء لبعضنا بعضا ً، لنصير جسما ً واحدا ً وكملا ً، رأسه المسيح.
الخاتمة
له التسابيح والبركات مع أبيه وروحه بقوة صلاتك. آمين. كملت.
أيضا ً رسالة كتبت للقس مار يوحنا
الافتتاحية
إلى العفيف والفاضل السيرة والحكيم في الكل. القس مار يوحنا.
يعقوب الناقص الساجد لك بربنا الذي يغني فهمك بمحبته. سلام.
المقدمة
علمت عن سيرة عفتك أيها السيد، المستحق الله، من أناس قديسين وفاضلين، توجهوا نحونا بمحبة المسيح، وتحدثوا لنا عن رجاحة عقل حضرتك، وعن رأيك، يا محب الهدوء والمحبة والأمان. يا من يبغض أن يربط بهجمات العالم الضارة، وهو بغيض ومليء بالشرور. إنه ثقل جسيم وبحر مضطرب مليء بالأمواج في كل وقت، لجميع الداخلين إليه.
الهرب من العالم
أنت سيدي، يا محب المسيح، يلزم على نفسك العاقلة أن تهرب منه، وتحسبه خارجا ً عنك، بينما أنت في داخلك، وتسكن في ذاتك وتربط عشرتك في الله وحده. فهو وحده الميناء والأمان، وفيه يستريح كل المتعبين الذين يأتون إليه. يقول في بشارته: “هلوا إليّ جميعكم أيها المتعبون والمسحوقون، واحملوا نيري عليكم، وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع في قلبي فتجدون راحة لنفوسكم”.
نظرت نفسك العاقلة إلى الله وأبغضت المسكن الهادئ والمضطرب الخاضع للمعاشرات الباطلة واللقاءات المضرة، والشهوات المختلفة الموجودة فيه على كل أنواعها.
أما أنا فقد سبّحت واهب كل الخيرات، لأنه يحرك في نفسك العاقلة، هذه الأفكار الحسنة، التي تسعى في أثر النتيجة المفيدة.
السير إلى الأمام والتقدم في الفضيلة
رأيت بأم عيني فعل عقلك، لأنك تهدف إلى الحصول على الفوائد الروحية، ليكمل بواسطتها عملك. إن زخم المحبة الذي لا يعرف أن يتوقف، يجعلك تسرع ويحركك، لئلا تحسب الحسنات التي تفعلها حسنات، إنما تسير يوميا ً إلى الأمام بواسطة الفضائل التي تفعلها، مثلما قيل: “أنسى ما ورائي، وأتقدم إلى ما هو أمامي”. لا يستطيع من يسعى في أثر الكمال ويتمسك بالصعود إلى السماء، ويتطلع إلى درب العلو، أن يمتنع ويتوقف في علو واحد وهو يظن أنه اكتمل في عمله، ولم يعد بحاجة إلى الصعود إلى درجة أخرى، لكنه يسرع يوميا ً ليرتفع إلى الأعلى، إلى أن يفتح له الموت الباب ليبلغ إلى ميناء القديسين.
أقول لك يا محب الفضائل، يحسن بك أن تفكر وتتأمل أن تتقدم نحو الأمام، ويجدر بك أن تحسب أن هناك سيرة أعظم من سيرتك. لو فكرت أنك تسلقت بواسطة الفضيلة بقدر ما كان ينبغي أن تتسلق، لكان سعيك يبطل وكنت تبدأ بالهبوط بسبب الادعاء الذي خامر نفسك، فتنحدر من جمال التواضع.
ليخدم كل امرء الربَّ حسب موهبته
انصحك كاخ ناقص: إن السيرة العزيزة التي تعيشها تكفيك، إذ بواسطتها تخدم الله الذي يعطي نفسه لكل إنسان ليحيا به، ليخدمه كل إنسان حسب رغبته. إن الله لا يخدم بمظاهر علنية، لكنه يعرف ويحس به بأفكار خفية. “إن ملكوت الله داخلكم”. ومن ابتغى الملكوت يفتش عليه داخل نفسه لأنه يوجد هناك.
العقل لا يحبس مثل الجسد
تعرف حكمتك أنه متى ما يدرك الإنسان الباطني المحبة لا يمكن أن يحبس العقل داخل الأسس والأبواب والأقفال ولا يمكن أن يزج مع الجسم في السجن. إنه لمخوف: لو يحبس الجسد في دار صغيرة ثم يخرج العقل ويتيه في بلدان قاصية، فتريد أن تجمعه ولا تقدر.
الآن، أنا فرح لأن الجسد خارج السجن، وهوذا عقلك يتدافع ليدخل إلى السجن داخل الحدود الآن. إنك حبيس منذ أمد، لأن عقلك يحب الموضع المنزوي والبعيد عن اللقاءات الضارة، وعن معاشرة العالم الحافلة بكل الحوادث والمليئة بكل المضرات.
الشياطين تحاول خدع الجميلين
الأبالسة أعداء النفس هؤلاء الذين فخاخهم عظيمة، ودقيقة شباكهم، وسامية مصائدهم ولا يهداون من محاربة الجميلين، يجرّون ويجذبون العقل بشدة ليخرج ويتيه في بلدان قاصية، عندما يوضع الجسم داخل الحدود وخاصة متى ما يخيل إلى النفس، أن لا سيرة أسمى من السيرة التي تسلكها.
الآخرون أكثر فضيلة منا
إذا ً يجدر بك يا محب الفضائل أن تنظر إلى نفسك، لأنه توجد ارتفاعات شتى فوقها، وتوجد سِيَر الكمال التي هي بعيدة عنها جدا ً بسبب ضعفها. في درب الله ارتفاعات عديدة وأصعدة عظيمة. لا تستطيع النفس العاقلة أن تحل في السيرة التي تجد ذاتها فيها ناقصة. إنها تفكر أن الآخرين هم أسمى منها.
التواضع
بدون التواضع العميم الذي يصل إلى درجة الهبوط والتمرغ في التراب والرماد، لا شيء يفيد النفس مثل التواضع. إنه مكتوب: “إن ذبائح الله روح متواضعة”.
التواضع صنو للصليب. أما الكبرياء فهو عزيز على الشياطين الأعداء. في التواضع لا مجال للسقوط أدنى منه. إن أراد الشياطين أن يسقطوه من علوه، لا توجد مسافة تحته لتسعه لو سقط!
عندما تسلك النفس هذه السيرة تحسبها ناقصة، وتنظر إلى الآخر أعلى منها وتلوم ذاتها لأنها لم تستطع أن تتسلق درجة أسمى، تثبت في تواضع جم وإن قُبلت فهي لا تسقط لأنها نزلت إلى التواضع بطوعها.
خدمة الرب
الآن يا سيدي يجب توجيه الكلام إليك. ليثبت كل واحد وليخدم الله حسب الدعوة التي دعى إليها. ويليق بك أن تثبت في مظهرك الخارجي مثلما أنت، وأما في فكرك الباطني فلا تهدأ من السعي إلى أن تدرك ذلك الذي لأجله أدركت المسيح.
الخاتمة
له التسابيح والبركات والتشكرات مع أبيه وروحه من كل من يحبه مثلكم، الآن أيضا ً وكل أوان وإلى أبد الآبدين آمين. كملت.
أيضا ً رسالة الإيمان لتي أرسلت من مار يعقوب إلى الطوباويين الموجودين في أرزون الفرس
الافتتاحية
إلى أخوتنا المؤمنين وأحباء الله، تربية الإيمان الحقيقي الحسنة، الطوباويين الساكنين في أرزون حصن الفرس.
يعقوب الناقص أخوكم بيسوع الإله من الإله. سلام.
المقدمة
أُرسل إلينا حسن نبأ إيمانكم المستقيم مثل شعاع الصباح من المشرق “والد النهار”. لقد انتشر جهرا ً في بلدنا نور حقيقتكم مثل الظهر القوي. وتسلمنا بأسطركم العزيزة محبتكم لله بواسطة رجل الله الحسن السيرة والمزين بكل الحسنات الروحية. القس مار لعازر الغيور على الإيمان. هذا الذي مهد دربه بين الفخاخ وسخر من بطش الأعداء، ومثل تاجر شجاع سرق “أسطركم” معتبرا ً إياها كاللآلئ. وأغنانا نحن المساكين بمحبتكم وأخباركم السارة.
الحذر من المنشقين
علمنا منه ومن مضمون أسطركم أن أناسا ً منقسمين ومسببي الخصومات يريدون أن يقاوموا جمال إيمان المستقيم قائلين: “إن نسطور ليس محروما ً في كنائس الرومان. ويقبله الملافنة الذين يؤيدون إيمانه”.
هذا ما لم يحدث أبدا ً، اللهم إلا عند البعض الذين هم محرومون معه ومثله من كل الكنيسة الجامعة الموجودة تحت السماء. هؤلاء الذين يقولون: “إن هذا ليس محروما ً” هم محرومون أيضا ً وساقطون من كل الحقيقة، وهم غرباء عن الكنيسة الجامعة المنتشرة في العالم، أولئك الذين هم مشغوفون بحب وبتعليم هذا الأثيم مسبب الخصومات إن كانوا كثيرين أو قليلين أو معروفين أو مجهولين: أو ذوي سلطة أو من الجمهور.
لا يلزم أن تعتبروا شيئا ً ذا قيمة مثل حقيقة الإيمان التي “نفس نفوسكم”. اعلموا بالحقيقة يا إخوتي أن ليس كاهنا ً في أرض الرومان جالسا ً على الكرسي لا يحرم هذا علنا ً وبدالّة. أنا مندهش جدا ً لكون هذا خفيا ً عنكم. ففي بلدنا، ما سألتموه ليس بسؤال إنما هو بمثابة استفسار أحد: هل يوجد النهار في الشعب الفلاني أو لا؟ إذا ًانطلاقا ً من هذا، اعلموا كم أنهم بعيدون عن الله مَن مارسوا هذا الكذب، وتجاسروا على القول: “إنّ هذا ليس محروما ً.
ليس هو وحده محروما ً بتوقيع الرعاة المؤمنين والملوك الظافرين، بل أيضا ً كل الذين يتفقون معه أو مع تعليمه. أما أنتم فقد سندتم جيدا ً بعضكم بعضا ً، كما علمنا، برأي واحد حسن، وبإيمان واحد مستقيم، وبمحبة واحدة حقيقية لا تتجزأ. ولم يسترقكم أولئك الذين لا يعرفون أن يؤمنوا، لكنهم مستعدون للجدل، وأغنياء بتضادد الكلمات الخداعة، وهم مساكين من رجاء الإيمان العظيم.
إيمان يعقوب
نحن، إذ نسير على خطى الآباء القديسين والملافنة الحقيقيين، أدلينا بأسطرنا هذه المذكورة أدناه، وبإيماننا أيضا ً لمحبتكم الحقيقية حسب مطاليب القس مار لعازر محب الله الذي أرسل من قبلكم إلينا.
الثالوث
الإيمان الحقيقي هو: أنني أعترف بأن الله الآب ضابط الكل واحد، وأسجد للابن الحقيقي منه يسوع المسيح، وأختم إيماني بالروح القدس المساوي للأزلية المجيدة بالجوهر. آب وابن وروح قدس. أقر بالأسماء المسجود لها بصوت عال. أعرف إلها ً واحدا ً يعترف به ثلاثيا ً دون تجزئة. ثلاثة أسماء اللاهوت السامي الواحد الثمينة والمخوفة. ثلاثة أقانيم يسجد لها، بوحدة السيادة الممجدة. واحد غير قابل للفحص يوصف ثلاثيا ً. ثلاثة لا يدركون، هم واحد بعجب. طبع واحد ممجد. أزلية واحدة سامية. قوة واحدة. إرادة واحدة. لاهوت واحد ممجد. رب واحد يكرمه الساروفيم بأصوات رهيبة ويباركه الكاروبيم بفزع رهيب وصوت عزيز. آب قدوس تكلم بجزئيات الوحي وظهر للعالم بأشباه الأفعال. ونشر فعالياته في المسكونة قدينا ً بواسطة الأنبياء.
الابن: واحد من الآب ومن مريم
وفي الأيام الأخيرة أبان خلاصه لجبلته بظهور ابنه الحبيب. هذا “هو الأول والآخر”. الوحيد والرب. الإله وابن الإنسان. الخفي والجاهر. قبل آدم وبعد مريم “اسمه قبل الشمس”.
و”اليوم ولدتك”. الروحي الذي ظهر في الجسد. اللاجسدي الذي تجسد من البتول. ابن الله الذي صار ابن الإنسان. لم أتعلم ابوين اثنين، ولا أكرز ابنين اثنين. أعرف ابن الله الواحد. ليست الأقانيم مرتبة فيه. ولا توجد فيه الأعداد ولا يتجزأ إلى أجزاء. إنه كما هو: إله مع أبيه وابن الإنسان مع أمه. إنه كما هو: يظهر على مرتبة الكواريب الروحية، وفي كنف الشابة الصغير. عمانوئيل لا يتجزأ. إنه واحد، وليس اثنين. إنه هو هو من الأبد واليوم. أصغر من يوحنا، وأكبر من زكريا. “سيأتي رجل بعدي وصار قبلي، لأنه أقدم مني”. أعلن يوحنا أن الوحيد الواحد ابن الله هو بعده وقبله. كان يصرخ بخصوص الذي اعتمد في نهر الأردن: إنه أصبح قبلي، لأنه أقدم مني. وبهذا الإعلان كان يوحنا يعلم إن يسوع الذي جاء بعده ليس آخر وآخر هو الله الكلمة الذي هو قبله. إنه هو الوحيد الذي ظهر في الجسد، وهو الله على الكل. إنه يسوع المسيح الذي أشرق من البتول القديسة ليحيى العالم.
لا يسمى يسوع: إنسان الكلمة
لم يكن “إنسان الكلمة” كما يقول المنشقون، لكنه الله الكلمة الذي لبس الناسوت كما يُعترف به بين الشعوب. لم يكن “إنسان ربنا” لكنه كان ربنا الذي صار إنسانا ً ليحيي البشر. وتشهد معنا لفظة الآب الذي صرخ على نهر الأردن قائلا ً: “هذا هو ابني الحبيب”. ليس “هذا هو مُلك ابني”
إذا ً لا تسمي الإله يسوع “إنسان ربنا” لأنه هو الله. ليس إن الله صار “الكلمة” إي ابن الآب الذي سكن في يسوع الذي ولدته البتول كما يقول الضالون. ليُعدّا “اثنين بدل الواحد”، وحيد الله، لكن “الكلمة صار جسدا ً وحل فينا” كما يشهد معنا ابن الرعد، هذا الذي تكلّم من السماء بلغة روحية ليعلمنا بوضوح أن الابن الحقيقي واحد، وليس الأقانيم أو الأعداد مرتبة فيه. “الكلمة صار جسدا ً وحل فينا”. لم يفقد الكلمة طبعه، ولم يغير من جلال أزليته، ولم يكن شيئا ً آخر. إنه ثابت في الحالة الأولى التي يمتلكها حسب الطبيعة. تنازل في النهاية شخصيا ً وإراديا ً بمحبته وهو لم يفقد الحالة الأولى.
كان إلها ً، وصار إنسانا ً. وثبت في كونه إلها ً ليكون “الوسيط” بين الله والشر. الإنسان يسوع المسيح، هذا هو بالحقيقة الوسيط حسب قول بولس الرسول الكبير. لو كانا اثنين لما وجد الوسيط، ولو اعترفنا بواحد من الآب، وظهر آخر من مريم، أيا ً منهما تناسبه تسمية الوسيط؟ واحد هو من الآب، وهو نفسه من مريم. تناسبه وتليق به الكلمة الرسولية، يدعى وسيطا ً بوضوح الحقيقة إنه هو إله وإنسان واحد، روحي وجسدي، مع أبيه ومثل أبيه، وإنسان معنا ومثلنا ومن أجلنا. بقدر ما نصفه فهو غير موصوف، وهو “الأعجوبة” والمرشد الذي ولدته البتول، الإله جبار العالمين.
المنشقون يشبهون اليهود
يعترف به واحدا ً في كل المسكونة. هذا الذي صادفه الجدال كالصليب، والضلالة كالرمح، حتى عُدّ الذين جادلوا مع هؤلاء الذين صلبوا. كفر اليهود بالواحد، وعدّ المجادلون اثنين. وكلتا الحالتين تهينان ابن الله. إنه لا يود أن يكفر به ولا يقبل أن يضموا إليه آخر. واحد هو وحيد الله المولود مرتين. يعد فيه ميلادان ولا يعرف فيه أقنومان. المولود من الآب هو بلا بداية وبلا جسم وبلا زرع. واتلد هو نفسه في جسد مركّب من البتول القديسة مريم والدة الله في بتوليتها.
المنشقون الآخرون
يختلف منشقون آخرون بكلامهم، إذ يضيفون إلى أقنوم الابن عددا ً آخر. وقد انتشر تعليم هؤلاء كالآكلة في العددين. وسرى في الجسم، حتى أن العديدين أصيبوا بوجعه. إنهم لا يقولون: “إن مريم هي والدة الإله، ولا يعلنون أن يسوع الذي منها هو إله على الكل”.
نسطور
لقد أضحى نسطور المحروم والهالك كاشفا ً لجرح هؤلاء النتن. أراد أن يعدّ اثنين فصار غريبا ً عن الواحد الحقيقي. إن هذا الشقي التقى بربنا كما بالعدو وظهر في الكنيسة مثل ماكر وجعل الختن سمجا ً. وأراد أن يفضّ بكارة العروس عنوة مثلما أغوت الحية حواء بنت النور، لتيأس من الرجاء بالله وتُسجل باسم “الإنسان”.
الكنيسة العروس ترفض نسطور
أما هي لكونها راجحة العقل، لم تقبل بإغراء هذا، لكنها طردته من خدرها بواسطة مجمع القريبين الحقيقيين، وعنفته بغضب لتجعله غريبا ً من عرسها كالمكلوب لأنه أراد أن يدنس الحرة. اكتشفت أن الدنس أراد أن يسرق سمع البسيطة بالكلام المزخرف، فسدّت أذنيها لئلا تسمع زخرف كلماته الباطلة. ولقد أقصته عن كرسي الملافنة ليتحدث من موقع السقوط إلى اللذين هم ساقطون معه في فخ المفترين. لقد أخرجته وأغلقت بابها وبحذر رشقته بالحرم، كما بإقفال حديدية لئلا (خطيبة) أمينة تغار على خطيبها. وتعترف به بوجه مسفر.
كريستولوجيا
واحد هو الوحيد الذي نزل من السماء وحل في البتول وتجسد من الروح القدس ومن الحضن الطاهر وظهر في العالم وتجبّر على الموت بالآلام وصعد على صليب العار ومات بإرادته ليقتل الموت المعادي وقبر وقام في اليوم الثالث كما أعلنته الكتب المقدسة وأعلن بين الشعوب وصعد بالمجد عند أبيه.
الخاتمة
له التسابيح والبركات والتشكرات إلى أبد الآبدين آمين. كملت.
أيضا ً رسالة إلى الطوباويين في جبل سيناء
الافتتاحية
إلى القديسين والمختارين ومحبي الله الآباء الله الآباء الطوباويين الساكنين في جبل سيناء.
يعقوب الناقص والحقير والمحتاج على مراحم الله وعلى مساعدة صلواتكم، بيسوع النور والحياة، و “الاله من الاله” الذي هو رجاء حياتكم. سلام.
تدبير المسيح
ظهر الكلمة الإله في عالمنا بميلاده من البتول وفعل الخيرات لكل الجنس البشري بتجليه في الجسد. صار مسكينا ً لأجلنا وجعلنا أغنياء بمراحمه. وصار ابن الإنسان وجعلنا أولاد الله. أصعدنا من انحطاط العبيد وأقامنا في درجة الأبناء الأعزاء. وصار ميتا ً بإرادته وسلمنا للحياة التي لا تموت لئلا يتسلط الموت بعدُ علينا. أضاء المسكونة التي كانت مظلمة ومهد طريق الحياة للبشر ليذهبوا عند أبيه المجيد.
الحياة النسكية
وقد أيقظكم أيضا ً بآلام صلبه أيها المختارون والقديسون لتمجيده وأحسستم أن الله صلب عوضكم، فاستولى عليكم الرعب لتبغضوا العالم وتتركوا الوطن والجنس والأخوة والأهل والمقتنى الزائل والراحة الزمنية وتتبعوه وأنتم حاملون صليبه لتدخلوا معه إلى خدره المجيد.
موسى يعلن الابن
ويجدر بكم أيها الحكماء بالله أن تكونوا شهودا ً وتلاميذ لبشارة الله في ذلك الموضع الفخم: سكينة الآب. هناك رأى موسى كبير الأنبياء الابن في حضن والده، ومن هناك كان يتوسل إلى الآب ليرسل “الابن” من أجل خلاص العالم. أحس موسى وعلم بالنبوءة أن وحيد الآب سيرسل من أجل خلاص الخليقة، ولأجل هذا كان يطلب من الآب الممجد قائلا ً: “اطلب يا ربي أن ترسل بواسطة من ترسل”. فاستشاط غضب الرب على موسى لأنه أراد أن يعلن السر في غير وقته. لما ظهر الصليب في العالم، توضحت الخفايا واستضاءت به كل الخليقة، ما عدا اليهود الصالبون مبغضو النور ومحبو الظلام فلم يريدوا أن يستنيروا به. ولأجل هذا فهم مرذلون لما يقولون: “نحن تلاميذ موسى”. لو كانوا تلاميذ موسى لما كانوا يصلبون رب موسى.
مقارنة بين سيناء والجلجلة
أنتم تلاميذ موسى وخدام العهد القديم. بكم يفتخر موسى لأن أسراره بواسطتكم أضحت جلية، وبواسطتكم يُشاهد جمال نبوءته. لقد شربتم الماء والدم من جبل الجلجلة وسكرتم بمحبة الصليب وجذبكم السر لتذهبوا وتكونوا شهودا ً لنبوءة موسى التي كانت في كل مراحلها تصور “الابن”.
على جبل سيناء أعطيت الشريعة شمس العدالة. وأنتم كنتم رسل المسيح الحقيقيين على الجلجلة وعلى سيناء. أحسستم بنفسكم القريبة من الله أن الجبلين انتصرا بواسطة الواحد الوحيد: الواحد بواسطة الناموس المكتوب، والآخر بالصليب مكمّل الكل. ذلك الذي نزل على جبل سيناء مع أبيه هو الذي صُلب على الجلجلة من أجل خلاص العالم. وبما أن العهدين القديم والجديد يقومان بالابن لهذا ينتصر به الجبلان.
ديركم في جبل سيناء هو شاهد على أن الجبلين هما صنوان. لو سكن تلاميذ الصليب في الجلجلة فقط، وسكن تلاميذ موسى اليوم في جبل سيناء، كان يمكن أن يتكلما ضد بعضهما بعضا ً. وكان يظن أن هؤلاء الموجودين في جبل سيناء هم خاصة موسى، وهؤلاء الموجودين في الجلجلة هم خاصة يسوع.
طرد اليهود من سيناء ومن الجلجلة
غير أن وحيد الآب الذي يعود الذي يعود إليه الجبلان طرد الصالبين من كلا الجبلين، وأقامكم أنتم لتكونوا ورثة للجلجلة ولسيناء ولتحبوا وتعشقوا “سكينة” الآب وصليب الابن. لم توفروا الفرصة ليطأه أخمص قدم الصالبين. إنهم مطرودون من الجلجلة، ولا يدخلون جبل سيناء.
هوذا يظهر جمال تنسككم في صحراء فاران وفي جبل يابوس. واختلطت البلدان بواسطتكم بعضها ببعض لتقولوا جهراً: “إن الأرض وملأها الرب”. لا يليق باليهودي الصالب لا أن يلج موضع “السكينة” ولا أن يقرأ في ناموس موسى لأنه علّق على الصليب رب الأسرار. كيف يقدر أن يقرأ فيها ويفضح ذاته لكونه صالبا ً؟
سيناء وفردوس عدن
ها إن سيناء قد أغتنى بكم يا محبي الله لأنكم خدام السر مثل عدن بأشجار الفردوس. وابتهج بكم حوريب مثل جنة عدن بشجرة الحياة. فتسمع أصوات خدمتكم من أديرتكم مثل تسبحة الملائكة القديسين من صفوفهم. وتأكلون كل يوم الثمار الحلوة من شجرة الحياة. لا كاروب، ولا رمح النار المتقلب. ولا الحية المتكلمة كذبا ً، ولا حواء لقطف الثمار، لتأكل وتقدم لكم لتأكلوا وتتعروا.
رهبان جبل سيناء
لكنكم لبستم ابن البتول القديسة وأخذتم نيره بتوليا ً، وعرفتم بنفسكم المستحقة الله ذلك الذي وُلد من بطن البتول بتوليا ً، وهو نفسه صُلب على الجلجلة ليحيي العالم وها هوذا يفرح ويبتهج بالثمار الحلوة التي أنتجها صلبه على الجلجلة. ها إن سيناء يتنعم بكم ليل نهار، لكونكم ورثة وأي ورثة؟ يصرخون بأصواتهم قائلين: “سبحوا الرب تسبيحا ً جديدا ً و”سبحوا الرب يا جميع الأرض”. يفاخر الجبل لأن صالبي ربه لم يرثوه. ويبتهج موضع “سكينة” أبيه لأن صليب ابنه الحبيب يكرم فيه. وأنتم قد جعلتم علة لتمجيد الصليب، وعلة لفضح الصالبين. لكم الطوبى الكبير من فم “الحق” الذي نطق “طوبى للعبد الذي يسبح بواسطته اسم سيده”.
الخاتمة
أنا الضعيف والحقير أتضرع إلى حضرتكم لتذكروني في صلواتكم المختارة والمقبولة ولتصلوا لأجل حقارتي لأستحق أن أكون موطئا ً تحت أخمص أقدامكم المقدسة ولأنجو من العالم السيء لمجد يسوع، الذي له التسابيح والبركات مع أبيه وروحه الآن أيضا ً وفي كلّ وقت إلى أبد الآبدين آمين. كملت.
أيضا ً رسالة السلام المرسلة إلى مار حبيب
الافتتاحية
إلى مار حبيب المستحق لمراحم الله،
من يعقوب الناقص. بربنا سلام.
صورة الرب يعيد السبر
يقول الرب: “السلام السلام للبعيدين والقريبين”. بشارة مليئة أفراحا ً في يوم نيّر لكل جنس البشر. عاد اليوم ملكنا من مقارعة الأعداء وقوسه عالٍ وغلبته ظافرة. وأحمرّ بالخمرة لباسه وكساؤه بدماء العنب.
الشيول
عاد اليوم السلب المحبوس في شقوق الهلاك العميقة. وها هو متشح بلباس أبيض. ويسخر من السالب الذي هوى تاجه وتلاشت سلطته. استأصلت اليوم أسوار الشيول العالية وسقطت أبراجها وتحطّمت أبوابها الفخمة وانكسرت أقفالها وأمخالها المتينة. وتحرر أسراها ونجا كل سجنائها.
حواء والمعموذية
قامت اليوم حواء من الولادة، وبدأت المعموذية تلد. تلد العاقر وكثيرة البنين تقفر. زالت اليوم سلطة الليل المظلم وتملّى على البرايا نهار نيّر.
العالم الجديد
يسأل اليوم زكريا المخلص قائلا ً: “ما الذي في يديك؟ يجيبه الضربات التي أصابتني من أحبائي”. تحققت اليوم بداية العالم الجديد وانتهى العالم العتيق. أشرقت اليوم شمس العدالة من الأرض وانهزمت من أمامها كل ظلال الخطيئة.
الخاتمة
يفرح بك اليوم سيدك ويرضى عليك إلهك. تحرسك النعمة. تستنير أفكارك بشروق الصليب. تنجو من الشيطان وتحفظ من كل الشرور. تغتني بكل الخيرات. يخلق فيك قلب نقي، وتجدد في باطنك الروح المستقيمة وترضي الله في كل وقت.
لترض حركاتك وأفكارك يسوع الذي له المجد ولأبيه وروحه القدوس إلى أبد الآبدين آمين. كملت.
أيضا ً رسالة إلى مار يولينا الأرخدياقون
الافتتاحية
إلى الفاضل ومحب الله مار يولينا الأرخدياقون.
يعقوب الناقص الساجد لك بربنا سلام.
النفس الطاهرة ترى الأزمنة والخفايا
أعلم محبتك يا سيدي، لو استنارت نفسنا بمحبة الله لكنا نرى بوضوح تغيير الأزمنة التي تمتطي العجلات وتسير بسرعة حثيثة وراء بعضها بعضا ً كالعقل. غير أنه بسبب دخان محبة العالم الموجود في نفسنا، فقد أظلمها كسحابة دكناء وأقلقها وحيرها فمنعها من الرؤيا الواضحة لهذه الأشياء التي تتحرك أمامها دون غموض. فلا تعمى عن رؤية الخفايا وحسب، لكنها ترى بغموض هذه (الأشياء) الواضحة.
عجلة الزمن وسرعتها
دورة الأزمنة واضحة للعين النيّرة. إنها تطرد وتحمل وتبيد وتميت جميع الداخلين إلى العالم! حالما يتطلع الإنسان من باب المولودين ليدخل إلى الكون، خطفته الأزمنة ووضعته على عجلة كبيرة سريعة الدوران فتسرع به ليجتاز ويذهب وينتقل ويخرج من هذا العالم، لأنه لا يرضى أن يسكن فيه الداخلون إليه بدون حركة حتى ولو لمدة نهار واحد أو صياح أحد أو مساء واحد أو وقت قصير. لا يمكن أن يمكث في العالم من يدخله دون الحركة للخروج منه.
صورة الجنين
عندما يكمل مصور الأجنة صور الجنين في البطن، ويقويه بالعظام ويربطه بالعصب ويكمله ويتممه بالأعضاء ويخلق ويضع في باطنه النفس سريعة الحركات وبواسطتها يكتمل الإناء الناطق بالحواس المتضادة، يبدأ الجنين يزاحم ليخرج من الموضع المظلم إلى العالم النيّر ليس ليسكن فيه، لكن ليجتاز فيه ويذهب إلى العالم الحسن حيث لا جسر ولا عبور ولا طريق ولا مخرج ليخرج منه الداخلون إليه.
وعندما يكتمل الجنين في صوره وأعضائه وحواسه والنفس الناطقة، تهجم الأوجاع على تلك التي تحمله لتلقي عنها الناطق ليخرج ويبدأ المسيرة في الطريق ليذهب ويبلغ إلى الميناء الجميل حيث يسترح فيه كل المعذبين في عالم الشرور.
العالم سيء وزهر حقل
بالنسبة لنا، هكذا هو العالم: طريق، جسر، عبور، مظلة، مسكن وقتي، ظل سريع، خدر يوم واحد، زهرة جميلة قطفناها وذبلت لما مسكناها. وها هوذا نعتبره لذيذا ً وعزيزا ً وجميلا ً وصادقا ً وهو يكذب علينا. ها إنه يدغدغنا ويدفعنا ليخرجنا منه، ونحن مرتبطون بمحبته وكأنه يتمسك بنا لنمكث فيه.
يعقوب يتحدث عن نفسه
دخلته جنينا ً، واهتم وجعلني طفلا ً وأوصلني بالتربية إلى درجة الأولاد وتنعمت به شابا ً وفرحت فيه رجلا ً ولم أفكر أن الحركة قادتني إلى حيث شاء أن توصلني. أوصلتني وجعلتني شيخا ً منذ أمد، وكأنها تحترمني، فأجلستني في المقدمة وأغوتني بتحيات الشباب، بينما هي تمكر بي لتطردني من الكون. جرتني الأزمنة بهدوء وقادتني بتمهل، ودون أن أشعر جعلتني أركض مسرعا ً وهي تهدم زمن حياتي ليقطع حبلها مثل خيمة الرعاة.
الخاتمة
أنا أفرح بالرب في كل حين، لأنه مختلط في حياتي الماضية والحاضرة. يسوع المسيح هو أمس، واليوم وإلى الأبد. إن سكنا فيه ستنعم معه بلا فساد.
له التسابيح منا، وعلينا المراحم منه في كل حين، الآن أيضا ً وإلى أبد الآبدين آمين. كملت.
أيضا ً رسالة إلى الحاجب مار اسطفانا
الافتتاحية
إلى الفاضل ومحب الله الحارس مار اسطيفان.
يعقوب الناقص الساجد لك بربنا. سلام.
المقدمة
تسلمت أسطرك الطاهرة، يا سيدي، المليئة لذة ومعرفة ومعان روحية والتي عجنت ومزجت بالمحبة التي لا نهاية لها. فيها يبين بوضوح فكر الكتاب الذي يتكلم بالروح مع المفكرين.
فقه اسطيفان ورفاقه في الكتب المقدسة
أقول هكذا: “يجب ويليق بكم أنتم وحدكم أن تدعوا ملافنة لأنكم استطعتم أن تدركوا ما هو العلو والعمق والطول والعرض. نزل عقلكم الروحي إلى عمق الكتاب وغطس كسباح شجاع في القراءات واغتنى بما وجده كما باللآلئ الجيدة.
من قوة الكتب المقدسة وجدتم هذا: ألّا تحبّوا أصدقاءكم. سمعتم إلهنا يقول في بشارته: “إن أحببتم الذين يحبونكم أي أجر لكم؟ ها إن العشارين يصنعون هذا”. وبما أنكم أنزلتم الكتاب كما نطق روحيا ً ورأيتم أن لا أجر لمن يحب من يحبه لكنه يخرج عن نطاق عمل الكاملين إلى عمل العشارين. اعتبرتم زيادة أن تحبوا محبيكم والذين يحيونكم. هذا حسن واعتيادي بالنسبة لأناس رسوليين: ألّا يحبوا محبيهم كالعشارين لكن يحبوا أعداءهم كالرسل القديسين.
يعقوب يقابل الجفاء بالمحبة
وأنا يا أخي قبلت عدم محبتكم بالمحبة إذ فكرت في نفسي أنه يلزمني أن أقابل اللطمة من ملافنة عظام تفرسوا في غاية الكتاب فاقتنعوا من أن هذا يساعد على ألّا يحبوا محبيهم لأنه لا أجر لمن يحب من يحبه. وظننت هذا أن كل محبتكم التي بخلتم بها على أصدقائكم، عند…
أيضا ً رسالة مار يعقوب إلى فولا المتوحد
الافتتاحية
إلى البار ومحب الله مار فولا المتوحد
يعقوب الناقص بيسوع النور والحياة واللا فساد ومخلص الكل. سلام.
بالنعمة خلقنا الله على صورته
أول نعمة غير موصوفة عملها الله لجنسنا هي أنه خلقنا على صورته. والثانية أيضا ً هي تكرار. خصنا بوحيده وهو صورة الله المصورة على إنساننا الباطني.
الإنسان – الصورة على مثال الله غير محدود
هو نفسه يقدر أن يرينا لبعضنا بعضا ً ونحن بعيدون عن بعضنا بعضا ً على مثال الله الذي هو خارج الكل وداخل الكل وفي الكل ولا يوجد موضع ليس فيه. على هذه الشاكلة أيضا ً إنساننا الباطني المصور على صورة الله موجود في البعد والقرب ويرى الكل ويعرف الكل وهو بعيد عن الكل. ويسهل عليه لا بل يقدر أن يحدق في الخفايا وهي مستترة عنه في مواضعها القاصية.
الرؤيا الروحية تعوض عن الرؤية الجسدية
لو لم يكن من السهل أن نرى بعضنا بعضا ً ونحن بعيدون عن بعضنا بعضا ً، لكنت أهتم كي أراك جسديا ً. وكنت أجهد نفسي في كل مناسبة لئلا أحرم من رؤيتك المليئة فوائد روحية. غير أن الرؤيا الباطنية قد تمت. وتنعمت بشخصك الحبيب بالسماع عن سيرتك الإلهية التي هي مشرقة كالشمس. كفت هذه الرؤيا الروحية لئلا تضطر إلى طلب ذلك اللقاء الجسدي.
تحريض على الكمال
سررت كثيرا ً إذ سمعت بالبداية الحسنة والمليئة سعادة التي فعلت حكمتك لشخصك الحبيب. أصلي إلى الله واهب كل الخيرات، ليتمم مبلّغا ً إياك إلى نهاية أكبر وأكثر عجبا ً وأمجد من البداية.
أن يبيع المرء مقتناه ويعطي للمساكين هذه بداية التلمذة. عندما يصير تلميذا ً لا يطلب منه هذا فقط إنما أمور أخرى أكبر وأعلى وأسمى منها أعني عندما يلطم على خده يعدّ الآخر لمن يضربه، ويبارك على من يلعنه ويحب من يبغضه. ويصلي لأجل من يسيء إليه ولا يهتم بطعام الغد أو باللباس الزمني ويكون ميتا ً للعالم وحيا ً لله.
قال ربنا لذلك الشاب هكذا: “إن أردت أن تصير كاملا ً بع مقتناك واعط للمساكين وهلم ورائي”. لا يصبح المرء كاملا ً ببيع المقتنى وإعطائه للمساكين بل ب “اتباعه”. إن من يبيع مقتناه ويعطي للمساكين يستأصل نفسه من العالم. وعندما يذهب وراء ربنا يشتل في عدن الله المبارك عند شجرة الحياة.
الشرب من ماء الحياة
وهذا يحتاج إلى الاستقاء من (ماء) ذلك الينبوع المبارك، الذي يتفرع إلى أربعة رؤوس. ويشرب يوميا ً الحياة من هذه المياه ولا يعود يشرب من مياه هذا العالم السيئة لأن التنين تقيأ فيها / السم. وسكب الملح الموجود في الجرة الجديدة في الينبوع. لا يجدر بتلميذ المسيح أن يشرب الماء بإناء عتيق. عندما يخلع العالم لا يجب أن يلبس، عندما يباع المقتنى لا يتسوّل ويكتسب المقتنى.
الخروج من العالم
إن تلك التي خرجت من سادوم أصبحت عامود الملح لأنها نظرت وراءها لترى سادوم، ولأن فؤادها كان مرتبطا ً بأمور البلد عوقبت وهلكت مع البلد. أما لوط الحكيم فقد خرج من سادوم كالتلميذ الكامل من العالم الشرير. لم يلتفت إلى الوراء لأنه كان يعلم أن سادوم لا تساعد من ينظر إليها لا بعملها ولا برؤيتها. ولأجل هذا وضع ملفاننا الماهر يسوع المسيح خروج لوط وزوجته مساعدة في طريق التلمذة. وقال لتلاميذه: “تذكروا امرأة لوط”. وبما أنها خرجت من البلد لأنها عندما خرجت لم تخرج بالحقيقة.
لذا حذر ربنا تلاميذه جميعهم عندما يخرجون من العالم ليخرجوا بالحقيقة. على غرار من يسوق الفدان، لو التفت إلى الوراء ستضحي خطوطه معوجة. هكذا بالنسبة لمن يبدأ في طريق العدالة التي هي أسمى من العالم. من التفت ارتبط بمحبة العالم. يضطرب ويستسمج عمله ولن يستقيم طريقه ليبلغ إلى ميناء القديسين.
يعقوب يمدح فولا
أحسنت صنيعا ً يا رجل إذا خرجت من العالم بإرادتك، لكن صل في كل حين ولا تمل لتثبت في خروجك الحسن. وليكن محبوبا ً لديك هذا الخروج أكثر من العالم. وأنت لا تشتهي العالم ولا ما فيه ولا مقتناه ولا مجده ولا سلطته ولا المدح المزيف الذي يهب ليلحق الأذى مثل (هبوب) الرياح الشريرة.
كل نفس شعرت أن الله صلب لأجلها تحركها “أعجوبة الصليب” لئلا تغوى وتتنازل إلى شهوات العالم المليء بكل الشرور.
الخاتمة
وكتبت هذا يا سيدي ليس مثل الملفان للتلميذ لكن مثل عضو ناقص إلى عضو نده وأفضل منه. وأنا أتوسل إلى مخافة الله الساكنة فيك لتصلي من أجل نقصي وتقدم التحية للدير المقدس الذي تسكن فيه عفتك.
كن يا أخانا، يا محب الله ثابتا ً في ربنا. سلام.
……………………….
المسيح يتفقد الأسرى في الشيول
.. المخلص، لزمت أن تؤول إلى موضع الشيول حيث كان السلب سجينا ً. ولم يكن أحد يدخل إلى ذلك الموضع إلا بالموت. ولهذا أراد أن تكون بداية دربه من البتول وقد حل فيها واعد ذاته منها بألم أعني تجسد منها ليستطيع الدخول جسميا ً إلى موضع الموتى ويربط هناك العدو في موضعه ويرمي تاج سلطان الهواء ثم يعود بقوة إلى بيت أبيه وهو حامل معه كل السبي الذي جعل نفسه سبيا ً للمتمرد وصار مستعبدا ً للهلاك.
مراحل السبي ووصف الشيول
الأمكنة المعينة التي منها سبيت البشرية هي: صفرت الحية في إذن البتول الأولى وقبلت مشورة الثعبان فسكب فيها السم فحبلت الإثم وولدت الغش. واستعبدت للموت بالشهوة، ومن هناك أسلمت الإنسانية إلى نير السابي بإبرام حكم العذابات لتصير تراباً
في الشيول. حشد السبي هناك في مغائر الجبابرة. وجلست عليه الحية لتأكله وتفسده وتهلكه بسمها. بدأ الطريق بالحية ثم وصل السبي إلى القبر.
التدبير الإلهي
إن منازل المخلص هي: المنزل الأول: أزلي في أبيه بلا جسم. الثاني: الكلمة في بطن البتول. ثالثا ً: في المذود جسديا ً بواسطة لميلاد الثاني ومن ثمة الغني الذي افتقر في العالم ليعظمنا بجمال فقره. ثم أتى إلى العماذ وهو مليء القدس بالطبع. كما تشهد أصوات الكتب: اعتمذ من يوحنا في الأردن، أعطى القدس للأحبار، والغفران للمحتاجين. حرك المياه بنزوله، وقدس المعموذية باغتساله. صار له ثلاثة شهود على أنه الابن الحقيقي ولا أحد غيره أيضا ً: أعني الآب والروح مع يوحنا البتول. الآب بصوته، والروح بنزوله ويوحنا بكرازته.
صعد من النهر وسلم نفسه إلى تجارب العدو، واقتيد إلى البرية من الروح القدس ليحارب السلطان الأثيم. بدأ بالصوم، مائدة اللذات ليفي بصومه الدَين الذي حدث بالشراهة وبشهوة الطعام بين أشجار عدن. صام أربعين يوما ً وأربعين ليلة ليكمل أسرار موسى وإيليا اللذين رسما صورة لصومه بصومهما الكامل. جاع مقيت الأجيال ومغذي العوالم ومشبع الجياع حسب التدبير.
طلب منه أن يجعل الحجارة خبزا ً ولم يرد ولو أنه كان بوسعه فعل ذلك لئلا يطيع والي العالم المظلم. غلب القوي بثلاثة حروب ذلك المستبد الذي تغلب في الحرب الأولى على آل آدم وأخزاهم فصاروا مطرودين من فردوس الله. سقط العدو مثل البرق وشاهد الملائكة سقوطه ثم تزاحموا لتمجيد سيد الانتصارات.
وأعاد إلى آدم الغلبة التي كانت قد خطفت منه بالإثم بمشورة الثعبان العدو الذي احتضن الأرض بسقوطه.
وخرج المخلص ليفتقد المرضى بالانتصار. دعي إلى الوليمة المحتاجة وأغناها بالخمر اللذيذ الذي أغدقه فيها.
شرع يعمل ويعلم ليعرف بعمله ابن من هو وبتعليمه تنجذب البشرية إلى أبيه. فتح عيني الأعمى الجسدية لتنفتح النفوس إلى رؤية خفائه. أغنى الأطرش بالسمع لتسمع كلماته متى ما يعلم تعليما ً روحيا ً. طهر الجسد من الجرب لتتطهر النفس من الإثم وتعود معه إلى أبيه. أعطى الصحة من ثوبه للنازفة لتمثل البشرية التي تتقدس بجسده من رجس الأصنام. شفى المنحنية من علتها ليبرهن كيف يساعد الخليقة على تمجيده لأنها كانت منحنية للسجود للأصنام. جبل الطين ببصاقه ومه صنع عينين للأعمى فعرف أنه خالق وبيده جُبل آدم ليكون الصورة الناطقة. تفقد المشلول وقطع بكلمته حبل خطاياه وتشدد وقام معافى ذلك الذي ظل طريح فراش الاوجاع ثماني وثلاثين سنة بسبب خطاياه. استقبل الخاطئة في دار شمعون وغفر لها خطاياها وأعلم أنه الباب الذي يدخله المرء وينال الغفران من الآب.
غفر الخطايا وإبان أنه الغافر. أغرق اللغيون في البحر وعلّم أنه المنتقم. برر العشار وتحقق أنه الزوفى الغافر. طلب الضالين فظهر راعيا ً ممجدا ً. كثّر الخبز في القفر فأُعلن مقيتا ً مثل أبيه. شفى المرضى واعترف به طبيبا ً سماويا ً. أحيا الموتى وتحقق أنه إله باعث. هاج ضد بحر الكتبة المضطرب ولما هجم عليه سيل الكهنة بأمواجه، ثلمت مرارة التنين الذي كان يود أن يصيد بجسده ذاك الذي أتى ليرضه بعقب صليبه. استسلم فقبض عليه. طأطأ علوه فمسك ولأنه أراد أن يتجسد حيس، ولأن البطن احتواه قبلته الجلجلة، وبما أن الحضن احتواه فتح له القبر. وقف في المحكمة بدل آدم فحمل ما استوجبه آدم أي: الإهانة والعار والهزء والسؤال والحبس والبصاق والجلد والإهانات والأسواط والافتراءات والشكوك والصليب والعري وتقسيم الثياب وثقب اليدين والخل والمرارة وثقب الرمح وإكليل الشوك واحناء الرأس مع آلام مبرحة تحملها بإرادته ملك المجد الذي لم يعرفه سلاطين العالم المظلم إلى أن فضحهم يوم عري على الصليب وأخزاهم علنا ً بأقنومه. وأبان لهم: من هو وابن من هو ولماذا ومن أجل من أتى؟
بالهزة التي حلت في المسكونة وبالأرض التي تزعزعت تحت الأصنام خزي السلاطين وعرفوه أنه أوجد الخلائق وهو الذي سمر على الصليب وأفزع بآلامه الطبائع لتشهد أنه سيدها. فسرت على الصليب الأسئلة التي طرحها المتمرد على ربنا في الحروب الثلاثة يوم جربه في القفر وزاوية الهيكل وعلى الجبل. قال له: “إن كنت ابن الله قل لتصير الحجارة خبزا ً” ثم “إن كنت ابن الله أسقط من فوق وتحرسك الملائكة” كما هو مكتوب. وفي النهاية طالبه بالسجود له، ليبيع له كل أصنامه وليصير غريبا ً عن كل ولايته بسجود واحد يستحصله منه.
المسيح يحيّر الشيطان
لم يعلمه ربنا أنه ابن الله، كما لم يقل له بأنه ليس بابن الله ولم يرد أن يقول له أني (ابن الله) لئلا يهرب من الحرب ولم يقل له إني لست ابن الله لئلا يكفر به لكونه (ابن الله). ترك المتمرد في شكوك. آلت عدم معرفته مع من يحارب إلى اندحاره. وعدم كشف ربنا عن هويته أدّى إلى ظفره. عندما سلّم نفسه بتواضعه إلى المجرب.
كان للشيطان مفهوم يضادد الإيمان بالمسيح.
الإيمان بالمسيح
يعرف الإيمان الابن بأنه إله بالحقيقة. ويعترف به بالحقيقة. ويعترف به بالحقيقة ابن الإنسان. ويعرفه إلها ً بالذات ويؤمن بأنه نفسه ابن الانسان. هو إله لأنه من الآب وهو ابن الإنسان لأنه الله أرسل ابنه وصار من امرأة.
المسيح: إله وإنسان بالحقيقة
ولا يعد اثنين الواحد من الله والواحد من مريم، لكن ابن واحد أزلي واليوم قد ولدتك واحد من الثالوث تجسد. وتخصه القوات والآلام. كلمة الآب صار إنسانا ً وظهر معنا في عالمنا من أجلنا ومثلنا. الخفي الذي ظهر. مسيح واحد ليس فيه عددان اثنان أو مرتبتان أو خواص الطبيعتين لتنسب مثلا ً (الأمور) السامية إلى الله والمتواضعة إلى الإنسان. إنه واحد وله لاهوته ثم له ناسوته. وهو “في البدء كان الكلمة” وهو “الكلمة صار جسدا ًوحل فينا” وهو “الغني الذي افتقر” وهو الذي “أخذ صورة العبد” وهو الذي “تشبه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة” ابن واحد وحيد. أزليا ً بلا جسم وجسميا ً من البتول. يعرفه الإيمان هكذا: إنه إله بالحقيقة وإنسان بالحقيقة.
الشيطان يعطي رأيه في المسيح
يضادد الشيطان عدو كل درب ربنا هذا الإيمان الحقيقي. كان يشك في ربنا ولم يكن يريد أن يصدق أنه إله ولا أنه إنسان. علم هذا من بشارة جبرائيل للبتول وهذا ما أعلنه النجم والمجوس والرعاة والملائكة: ظهر ميلاد بلا زواج والحليب في الجسم مع البتولية وبنت الإنسان تضع طفلا ً بلا رجل. تأكد من أن هذا الطفل ليس إنسانا ً. ثم شاهد طفلا ً في أقماط وبكاء الأطفال والتربية الطبيعية والحليب الاعتيادي نمو في القامة والعمر والختانة الشرعية والخضوع لمن لقبوا ذووه. مع بقية الأمور التي تشبهها.
تأكد الأثيم أن هذا ليس إلها ً. إذا ً راود هذا الفكر الشيطان بخصوص ربنا: لم يكن إلها ً ولا إنسانا ً. ليس إلها ً لأنه تجسد وخضع لنظام الطبيعة. وليس إنسانا ً لأن خواصه أسمى من أنظمة البشر. اضطرب وقام الدنيء ليطلق على ربنا الكفر: ليس إلها ً، وليس إنسانا ً.
الإيمان يعطي رأيه في المسيح
كفر الإيمان بالشيطان وبملائكته وبقوته وبسلطته وبأفكاره. يقول بعكس ما يقوله الشيطان ويؤمن بما لا يصدقه عدوه ويقر أن ربنا إله حقيقي، وإنسان حقيقي. الحق مناهض للكذب. ولهذا كان الأثيم مضطربا ً ولم يكن يعلم من هو المسيح فاحتار فيه وأراد أن يغير التجارب ضده بحروب مختلفة.
لما اقتاد الروح القدس ربنا إلى القفر بدأ الصيام وجدد جهاد حرب آدم بشن حربه الحاضرة. صام أربعين ثم جاع فتحين المجرب الفرصة ليرى من هو لكنه لم يستطع. كان يفكر أنه لو كان إلها ً لماذا صام، ولو كان إنسانا ً لماذا لم يأكل؟ أخفى ربنا عنه كلا الاحتمالين. وتعب المجرب وبحث عنه ليعرفه ولم يعرفه. استمر الرب في التواضع ولم يعلمه من هو ليزداد المتمرد خزيا ً.
عرفته الخلائق إلها ً لما علِّق على الصليب
لما صعد من لا يُفحص إلى الصليب وتعرى وتألّم عرفته الخلائق واعتراها الفزع. وأخزى السلاطين علنا ً بأقنومه. وقد تحينوا الفرصة وأذنبوا وصلبوه وهم لا يعرفونه. ولما صلب عرفوه وخجلوا منه وسمحوا للمسكونة بالعودة والسجود له، لكونها ملكه. كان الشيطان يتوخى أن يشتري الخلائق من سيده بالثمن. أما ربنا، فلكونها خاصته، لم يسجد بدلها لأنه كان يعلم بأن المقتنى المسلوب سيعود إلى صاحبه. تأسف من قول الشيطان: بأنها ملكه. فتألّم من أجلها ليرفع عنها الختم الغريب، فرسم عليها ختم سيدها الحقيقي. وقبل الصليب والمسامير والخل والمرارة مع الأمور الأخرى لتعود الخلائق إلى صاحبها لتؤدي له سجودا ً لم يكن العدو يستحقه.
رأي الصالبين في المسيح
في بداية الصلب كان الصالبون يجربون ربنا ويقولون قبل أن تقلق الطبائع لتعرف مبادرات الشيطان أبيها: “إن كنت ابن الله انزل عن الصليب”. وإذ لم تتحقق كلمة المجربين اضطربت وقلقت الطبائع لتشهد على أنه ابن الله. وإذ كان هادئا ً ومحتملا ً الآلام، لئلا يقطع درب تدبيره، كانت الخلائق ترذل الكفرة وتعلن أنه إله من إله ونور من نور. ابن حقيقي صار إنسانا ً.
الخاتمة
له ولأبيه المجد وللروح القدس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين آمين وآمين. كملت.
أيضا ً رسالة إلى رهبان دير بيث مار بس
الافتتاحية
إلى البار والقديس العظيم ومحب الله ابينا مستحق الله، مار لعازر رئيس المتوحدين.
يعقوب الناقص المحتاج إلى مراحم الله، وإلى معونة صلواتكم. بربنا سلام.
الله لا يُدرك
إن الله الكلمة وحيد الآب، الولد الأزلي الذي لا يُدرك، ولا يفحص، ولا يفسر، ولا يحدّ ولا يوصف، ولا يستقصى ولا تبلغه الكلمة ولا يردده اللسان، ظهر في الجسد من البتول القديسة والدة الإله، كما تعلّم قداستك.
المسيح وُلد من البتول
ولأجلنا، صنع له طريقا ً للمجيء، وظهورا ً جليا ً، وعملا ً يقربه منا بمحبة لا توصف. وإذ كان في العالم، جاء إلى العالم في سبيل لم يُسلك وفي درب لم يُنهج، وفي عبور لا جسر له، في باب غير مفتوح، من بتول لم تعرف الزواج.
المسيح يقلق الشياطين ولا يعرفونه
ومن بداية طريقه، ألقى الحيرة على حراس المدينة المظلمة، لئلا يعرفوه مَن هو؟ وابن من هو؟ ولماذا جاء؟ وماذا يريد أن يفعل؟ ظهر لهم كإنسان، وهو الإله، فأقلقهم وأسهاهم ولم يعرفوه. لم يكن له منظر ولا بهاء ولا منظر يخطف السجود من المخلوقين، ما عدا التواضع الذي يرذل حراس الليل، الذين بكبريائهم سقطوا من المكان المضيء.
للمسيح ولادتان: من الآب ومن مريم
بتواضع إرادته، كان يراه كل واحد إنسانا ً في المنظر، بينما لا يقاس علو طبيعته. إله في الطبيعة، قديم الأيام الذي ولد أزليا ً من الآب، وطفلا ً يسميه الآب: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك. وأيضا ص: منذ القدم ولدتك أيها الطفل. “منذ القدم، واليوم”. إذا ً ولادتان لولد واحد. من الآب روحيا ً، ومن البتول جسدياً. فوق أزمنة العوالم. بلا بداية مع والده، وتحت زمن معروف مع البتول والدة الأعجوبة. أتى إلى خاصته، ولم تقبله خاصته.
الكتبة وغيرهم يحسدون الابن ويصلبونه
ولما كانت أفعاله تشهد له أنه ابن الأزلية، اصطف ضده حسد الكتبة، وغيرة المدبرين العميان فأثاروا عليه الخصام، وبلغ الفعل إلى صليب الآلام، وقَبِل الآلام بدون تذمر، واحتمل الصليب بلا تململ، واستطاعَ أن يموت لأنه شاء أن يتجسد.
المسيح يوفي الدَين وينقذ الجلاء من الشيول
إنه لم يتذمر من الأوجاع، لأنه بهذه (الأوجاع) التي احتملها بإرادته، كان يوفي الدَين، ولم يفزع من إهانة صليب العار، لكنه سخر من الخجل، ولم يحسب الألم، ولم يخف من تواضع الموت، ولم يعد إهانة صراخه على الصليب، ولا حقارة أن يموت ويتفقد الموتى في المكان السفلي، لكنه توجه ليدخل إلى مدينة الجبابرة لينقذ منهم جلاء الأجيال.
المسيح يموت ليتيسر له الدخول إلى الشيول
وتسلح بألم من حشا البتول، وخرج وراء السابي ودخل وربط حراس الشيول في الموضع المظلم. وبما أن باب الشيول لا يقبل أن يدخله إلا الموتى، لم يستح الله أن يصير ميتا ً ليحاصر مدينة الجبابرة. ولأن الموت لم يكن بوسعه أن يبتلع ذاك الحي مثل بقية (الناس) الآخرين، أسلم الوحيد نفسه بين يدي أبيه، وأسلم إلى الموت بإرادته: أنا، أضع نفسي لآخذها أيضا ً. أسلم نفسه وشرب كاس الموت، وأرعب الطبائع وفضح الرؤساء والسلاطين. وبأقنومه، أخزاهم جهرا ً.
البرايا ترتج بصلبه
شعرت الخليقة أن باريها قد صُلب، فارتجت واهتزت وضجت. صرخت الطبائع كالعبيد، على الوارث الذي يتألم، وقلقت البرايا جاريات البيت على صاحب البيت الذي صرخ على الصليب. اهتزت الأرض وأظلمت السماء، وتحركت أعمدة العالم لتقع، لولا سندها من قبل قوة الصليب.
الرؤساء والشياطين يعرفونه وقت صلبه
عندئذ عرف الرؤساء من هو ذاك الذي صرخ على الصليب، لأنهم شاهدوا صوته يهزّ الأرض وقوته تقيم الموتى. وحيرهم العجب كيف أنه سرق الطريق، ولم يعرفوه إلها ً إلى أن صلب. فلو عرفوه، قبل الصليب، لما تجاسروا أن يصلبوا رب المجد. غير أنه أقلقهم وأسهاهم وأضلهم وحيرهم وأخفى غناه بالفقر، ولاهوته بناسوته، وخفاءه بجلاء مجيئه. وصار في عالمنا كأحد سكان عالمنا، ولم يعرفه السلاطين ولم يكتشفه ولاة العالم المظلم.
ولما أنجز عمله وصعد إلى الصليب، صرخ بين الآلام، فأسدل غطاء على الطبائع وارتجت لأن صاحب الطبائع صُلب. خجل وتعجب السلاطين، وحيرهم العجب، كيف وكم احتمل الجبار ولم يكشف عن هويته إلى أن عرفته البرايا ذاتها؟ وبرجفتها أعلنت عن عظمته، ولهذا حير موته العالمين وأخزى الأبالسة الأعداء وهتك الرؤساء واستولى الاستفسار على الكتبة. لقد تحير كل الحكماء، الذين يودون أن يفسروه ولا يفسر، ويحاولون أن يستقصوه ولا يستقصى، ويتجاسرون أن يفحصوه ولا يفحص.
يسوع كلمة لا قول، أما يوحنا فهو صوت
هذا يقول: “هكذا” وذاك يقول “هكذا”. وتخيب الكلمات، لأن الكلمة لا يوصف. ليس بمقالة ليقال ولا بصوت ليسمع، لكنه الكلمة غير الموصوف. يوحنا هو الصوت، ويسوع الكلمة. الصوت إنسان. والكلمة إله. ذلك الذي جاء من العلو، هو أسمى من الكل. ذلك الذي هو من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم.
الله غير مدرك
الإنسان يُدرس، أما الله فلا يستقصى. إنه العلي الذي أمسى سفليا ً. إنه الخفي الذي جاء إلى التجلي، العظيم الذي نزل إلى الصغر.
الطبيعة الواحدة
كامل بلاهوته وكامل بناسوته. وحيد ولده حضنان، وهو واحد من كلا الحضنين. طبيعة واحدة تجسدت، دون أن تقبل الإضافة. واحد من الثالوث الذي تجسد. وبقي الثالوث كما هو. باعث الموتى الذي صار واحدا ً من الموتى، وحياة طبيعته محفوظة فيه. الإله الذي صار إنسانا ً. لم يتغير، بتجسده، ولم يتبدل لأنه ظلّ إلها ً.
الكلمة يفوق المقاييس
وها إن كل أحد يسرع ليصفه حسب مقاييس معرفته. والكلمة هو فوق المقاييس والمخلوقين. أبوه يعرفه. إيمان البسطاء يقدر أن يصف خبره. محبة الودعاء تقدر أن تشاهده وجها ً لوجه. يواجه المستقيمون دون أن يجادلوا. من يريد أن يبرهن أنه يحبه، فليخرج من العالم مثلكم، من يشعر به إلها ً فليجلس على رجائه مثلكم.
يعقوب يمدح لعازر
نعمّا نعمّا يا عظيم الله، لأنك لم تصف الكلمة بالكلمات، لكنك بالفعل، رسمت له صورة في نفسك المستنيرة بالله. مسكنك مرفأ جميل، نور وملح ومدينة كما هو مكتوب: شعرتم أنكم خلصتم بآلام الله.
يعقوب يذم من يحسبون المسيح إنسانا ً
هؤلاء الذين يحسبون ابن البتول إنسانا ً، يعملون عملا ً ضعيفا ً ووهنا ً كمن (يتعاطى) مع إنسان، لأنهم يفكرون براحات العالم وبدغدغات الشهوات الباطلة. أما أنت يا سيدي، فإنكم تحسنون أن تفتخروا بالصليب، لأنكم صلبتم للعالم، وبه صُلب العالم لكم.
الرهبان أثمار الصليب
وأنتم والقديسون أمثالكم غلات الصليب. أنتم أثمار روحية أزهرت ونضجت وجمعت الحلاوة بين أغصان الصليب. وبواسطتكم يظهر لأبيه أنه لم يمت عبثا ً، لكنه وجد ما كان يطلبه: بدل الزناة قديسين؛ بدل الأردياء عفيفين؛ بدل محبي المال محبي الفقر؛ بدل الشرهين صائمين؛ وبدل السكارى متنسكين؛ بدل إنشاد ألحان يوبال السمجة ترتيل روحي يُغنّى من سفر المزامير في قيثارة داؤد الأفراتي، ها إن حياتكم قد نسجت على المئة والخمسون مزمورا ً، وبترتيلكم الروحي، لا يستريح شاؤل وحسب، لكن العالم بأسره يستريح من شره.
إنكم تحسنون الضرب ليس على قيثارة مركّبة أوتارها من أوتار (أمعاء) الحيوانات الميتة، لكنكم تمسكون بالصليب بدل القيثارة، حيث هو ممدود ابن البتول الكلمة الذي تجسد، وهو الذي يوقظ فيكم اللحن ليل نهار، لئلا تصمتوا من ترتيل ألحان الروح القدس.
الخاتمة
وبترتيلها، يهرب الأبالسة ويشرق نور الحقيقة على جميع من يدخلون إلى العالم. آمين. كملت.
أيضا ً توسل مار يعقوب إلى طوباويي بيث مار ابس
الافتتاحية
إلى العظيم والممتلئ تطويبات، البار ومحب الله مار لعازر القس ورئيس الدير.
يعقوب الناقص أخوك بيسوع النور وحياة الكل، رجاء وكمال الكل. سلام.
الرهبان يطالبون يعقوب أن يحرم ديودورا وتادورا
دنا مني أخوة عفيفون من دير أبوتكم المقدس وهم يجربونني قائلين: “إننا نودّ يا سيدي، أن تعلمنا بأسطرك، إذا تحرم يا سيدي، ديودورا وتادورا، هذين اللذين أصبحا سبب شكوك لتعليم الإيمان الحقيقي؟”.
جواب يعقوب
أما أنا فلم أحزن نظرا ً لأهمية هذا الاستفسار، وأسقط في فخ الكبرياء، وجعلت نفسي تتواضع بأفكار متواضعة وأنا أنظر إلى حلم وتواضع المسيح. لا يحق لي أن أُسأل عن جواب الحقيقة، ولو أُلقي عليّ بنوع التجربة من قبل أخوة بسطاء ومحبي الله.
يعقوب يدرس في مدرسة الرها
أود إذا ً أن أجعل من السؤال جوابا ً للإخوة. لا يُظن أنني أؤلف هذا حديثا ً، ولأجل هذا أعلم عفافك: إنني قبل خمس وأربعين سنة، لما كنت أسكن في مدينة الرها لأجل قراءة الكتب الإلهية، وفي نفس الوقت كانت تُفسر كتب ديادوروس الأثيم من اليونانية إلى السريانية. وكانت في المدينة مدرسة للفرس الذين كانوا متمسكين بتعليم ديادوروس الجاهل بمحبة جمة. وفسد الشرق كله بتلك المدرسة، التي، استأصلت من المدينة، بهمة المستحق الذكرى الصالحة مار قورا أسقف الرها، وبأمر الملك المؤمن زينون.
يعقوب يصادف كتب ديادورس ويحرمها
في نفس ذلك الوقت الذي به كانت تفسر كتب الإثم تلك من اليونانية إلى السريانية، كنت صبيا ً محتاجا ً إلى العلم. وصادفت أحد كتب ديادرس، فوجدته ممتلئا ً كل انقسامات وكل مواضيع بعيدة جدا ً عن الحقيقة.
تعليم ديادورس وتادورا وتادوريطا ونسطوريوس
يعلن في كتبه بدل مسيح واحد، اثنين. أما أنا، وبدون تأثير الآخرين، لكن بنعمة الله القانية الكل بمراحمها على جميعنا، فقد تخوفت من ذلك التعليم المنقسم والمشكك، ونظرت إليه كما إلى وكر ممتلئ ثعابين، وقلت حالا ً من تلقاء نفسي، دون أن يطالبني أحد بذلك: “محروم هو هذا الرجل وتعليمه، وأنا أيضا ً إذا اتفقت معه”. وثبتُّ على هذه الفكرة، بينما كان يلومني الفرس، المتمسكون كثيرا ً بهذا التعليم البعيد عن الحقيقة. بعد مدة أيضا ً صادفني كلام ديدورا وتادوريطا، فوجدت أن كليهما شربا من ذلك السم المرّ، مع نسطوريوس المحروم وديدورا وتادروا وتادوريطا المحروم. وكما يصح ّ أن الرسل جميعهم شربوا روحا ً واحدا ً، هكذا يصحّ أن جميع الهراطقة نهلوا من سم الحية الأولى لكي يقسّموا وحيد الله الواحد إلى اثنين.
يعقوب يحرم نسطوريوس وأتباعه
ولهذا أقول أيضا ً كما قلت في الماضي: “محروم نسطوريوس وأوطوخس وكل من يتفق وتعليمهما الآثم، وديدورا وتادورا وتادوريطا، ومن يقرأ في كتبهم ليتفق مع تعليمهم، ومن لا يعترف أن الله الكلمة وحيد الله دخل من اذن البتول وحل في حضنها المقدس، وتجسد من البتول، وبسبب تجسده الذي تمّ بلا خطيئة، يُعترف به في الكتب المقدسة: ابن داؤد ابن إبراهيم. هو الوحيد وحده، وُلد ولادتين، الواحدة من الآب بلا جسم وهي بلا بداية، والواحدة من مريم جسميا ً كما هو مكتوب. أنه ظهر في الجسد وهو إله، وأرسل الله ابنه إلى العالم وصار من امرأة.
البيعة خطيبة الابن الوحيد
خُطبت البيعة البتول إلى الواحد الوحيد، لذلك الذي كان وسيكون: يسوع المسيح، ذاك الذي هو أمس واليوم وإلى الأبد. إلى الواحد من الثالوث الذي تجسد، إلى الابن الأزلي الذي اسمه موجود قبل الشمس، إلى ذلك الذي، قيل له من قبل الآب: “أنا اليوم ولدتك”، لأنه جاء إلى الميلاد من البتول بالجسد. خُطبت بنت النور لهذا الختن الحقيقي الواحد. وهي توجه إليه وقت الأسرار عبارات الساروفيم، إذ تقدم له الأقداس معلنة: واحد الآب القدوس، واحد الابن القدوس لأولئك الذين يقسمون المسيح الواحد غير المنقسم إلى اثنين، ويصفّون فيه أعدادا ً وأسماء ويعلنون الإله الكلمة ويضيفون: الإنسان الذي أُخِذ.
البيعة تحرم من لا يقبل تجسد الابن
تحرم البيعة هؤلاء والذين يقولون أيضا ً: “أنه لم يتجسد من البتول، لكنه ظهر هو منه وإليه بالخيال وبالشبه والمظهر. وتحرم الجماعة الممتلئة حقيقة الوحيد هؤلاء أيضا ً، لأن البركة تملكت على الشعوب من نسل إبراهيم، ونسله هو المسيح، بتجسده من البتول التي هي بنت داؤد، وبنت إبراهيم، تلك التي يُعترف بها والدة الإله. وهؤلاء الذين يعدون ويصفّون طبيعتين بعد الاتحاد ويقولون ويقرّون بخصوصياتهما وبمفرداتهما، هؤلاء أيضا ً تجعلهم غرباء عن جمعها، لأن المسيح لا يُقسم إلى اثنين.
كريستولوجيا
بالحقيقة واحد هو الله الذي صار انسانا ً بالتأكيد بتجسده من مريم، كما هو مكتوب: الكلمة صار جسدا ً وحل فينا. وهو الذي اجترح القوات. وهو الذي احتمل الآلام. وللوحيد الواحد العظائم والصغائر الذي لا يجادل ولا يترجم ولا يفحص ولا يقسم ولا يستقصى ولا يوصف.
الخاتمة
له المجد ولأبيه مع روح قدسه في كل أزمنة العوالم وإلى الأبد آمين. كملت.
أيضا ً رسالة طوباويي مار بس إلى مار يعقوب
الافتتاحية
إلى القديس ومحب الله مار يعقوب البرذيوط الحكيم.
من لعازر رئيس دير بيث مار بس الطوباوي. بربنا رجائنا، سلام جزيل.
على يعقوب أن يحرم الهراطقة
أيها السيد سيدنا نعلن لأبوّتك أننا تضايقنا كثيرا ً بعد أن تأملنا هذه “الأسطر” التي حررتها لنا يوم كنت عندنا، لأننا وجدناها مريضة وغير سليمة وميتة وغير حية، وإذ وجدناها مضرة وغير نافعة أسرعنا وأرسلناها لك، ونحن نتوسل إلى حكمة الله الموجودة فيك، لو كان لك إرادة صالحة في هذا العمل من أجل الإيمان فاكتب لنا بالكمال وأحرم في “أسطرك” مثلما فعل مار يوحنا أسقف الإسكندرية مثلما فعل أيضا ً محب الله مار فيلوكسينوس أسقف منبج، اللذان حرما في أسطرهما ديدورس وتادورس وتادوريطا ونسطريس وأوطوخا ورسالة لاون أسقف رومية والإضافة والتجديد الذي حدث في خلقدونا وكل من ناهض فصول الطوباوي قوريلوس الاثني عشر وكل من يتفق مع النقض الذي طرأ عليها، وكل من لا يقبل كتاب المرحوم الملك زينون (كتاب) التوحيد الهنوطيقن وكل الذين يقسمون في المسيح الواحد الطبيعتين أو خواصهما أو أفعالهما مع بقية جميع الهراطقة.
الرهبان لا يلزمون يعقوب على اتباع آرائهم
إذا لا تريد أن تفعل هذا وتكتب لنا وتراسلنا خذ “أسطرك” هذه التي دبجتها لنا، هذه التي لا تلزمنا، واكتب لنا أنك استلمتها منا، وظل في أمان وسلام في تعليمك. أنظر أنك حرمت بكلامك أمامنا جميعا ً: “ليكن محروما ً من الثالوث الأقدس كل من يرتاب من حقيقتكم ومن إيمانكم”. وحقيقتنا وإيماننا الحقيقي هو هذا: أن تحرم هؤلاء الأشخاص وهذه الفصول التي نوهنا عنها في رسالتنا هذه.
أمان الكنيسة يتم بحرم الهراطقة
بدون هذا الإيمان الحقيقي وبدون حرم الهراطقة لا يمكن أن يستتب الأمان في الكنيسة. فإنهم منقسمون حسب كلمة ربنا: “ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة”. لو نعموا بالأمان يصيرون واحدا ً باتفاق واحد وإلّا سيظلون في غضب بدون أمان.
الخاتمة
كن معافى بالروح وبالجسد، وصلِّ لأجلنا يا مختار الله. كملت.
أيضا ً رسالة مار يعقوب إلى طوباويي مار بس
الافتتاحية
إلى مار لعازر البار والقديس ومحب الله القس ورئيس متوحدي دير مار بس المقدس.
يعقوب الناقص، بربنا يسوع المسيح غير المفحوص وغير المدرك الذي هو نور وحياة الكل. سلام.
المقدمة
استلمت “أسطر” نقائك يا عظيم الله، واشتقت إلى الالتقاء العزيز بها، كما إلى شخصك الطاهر.
الرسالة تمثل مرسلها
تعرف قداستك أن “الرسائل” من بعيد تقوم محل شخص مرسلها متى ما تستلم بالمحبة.
يعقوب يعاتب الرهبان
“أسطرك” هذه لا تحمل إليّ المحبة والروح المتواضعة، لكن العصا. ولا تخاطبني كما يخاطب شخص مؤمن لكن كرجل هرطوقي تلاحقه ظنون الكوك. وهكذا كانت تثير ضدي انتقاما ً كرجل يحسب عدوا ً. وكنت تتحدث إلى في رسالة حضرتك مثل غاضب.
يعقوب يبادل عنف الرهبان بالحلم
أما أنا فقد اتشحت حالا ً بأمان الصليب، وقابلت غضبك بالمحبة الإلهية التي يسهل عليها وتقدر أن تقبل من أصدقاءها الضربات بدون ذنوب. بالحقيقة أقول لك يا سيدي لو كانت حضرتك قريبة مني في الجسد وحملتك الرغبة لتصفعني كفا ً، لكنت أقبله وأدير الآخر ولما كنت أفسد المحبة بالغضب والأمان بالعداء. أنا أيضا ً لا أتبجح إني أعرف أيا هو المقياس الكبير وأيا هو الصغير. فليت أساير نفسي لأحسب أنني شيء إذ لست بشيء سوى الأسفل والناقص والمذموم والحقير. أنا أقدر أن أقبل من هو أسمى مني بواسطة القربى من الله.
الرهبان يعتبرون أسطره مريضة وميتة
كتبت لي أبوتك في الرسالة بعد أن غادرتكم اغتمت أبوتك كثيرا ً بخصوص هذه “الأسطر” الأُوَل التي قرأتها وعرفتها مريضة وغير متعافية وميتة وغير حية. نحن الآن بحاجة إلى ذاك الذي جسّ حماة شمعون وتركتها الحمى ودعا لعازر الميت وأخرجه من شقوق الهلاك. ما دام هذا موجودا ً فنحن لا نخاف لا من المرض ولا من الموت.
يعقوب يفضل حرق رسائله ولا مضايقة الرهبان
لماذا تضايقت حضرتك يا أيها الرجل؟ لقد كتب لك: “لتفرح في ربنا في كل حين. وتغلبت عليك الكآبة بينما لم يكن من الواجب أن يحزنك لا المرض ولا الموت. إذا كانت هذه “الأسطر” مضرة كما تقول رسالتك، كان يلزم أن تحرق، في النار لئلا تحزن أنت لأنه مكتوب: لتفرح في ربنا في كل حين”.
يعقوب يحرم نسطوريوس وأتباعه
في هذه “الأسطر” المريض والميتة التي قرأتها قداستك، حرم: نسطريس وأوطوخس وديدورا وتادورا وتادوريطا ومن يوافق تعليمهم.
ومن لا يعترف أن الله الكلمة دخل من أذن البتول وحل في حضنها المقدس وتجسد منها وظهر في الجسد وهو الإله.
ومن لا يعترف أن الوحيد الواحد ولد ميلادين اثنين الواحد من الآب بلا جسم وليس له بداية، والواحد من مريم جسميا ً.
ومن لا يؤمن أن واحدا ً من الثالوث تجسد. واحد هو الوحيد المتساوي لأبيه في كل شيء، ويقدس معه ومثله بألفاظ الساروفيم.
ومن يقسمون إلى اثنين المسيح الواحد غير المقسم ويصفّون فيه أعدادا ً وأسماء ويعلنون: الله الكلمة ويضيفون: الإنسان المأخوذ.
ومن يقولون أيضا ً: “أنه لم يتجسد من البتول لكنه ظهر منه وإليه بالشبه والخيال والهيئة”
ومن يعدّون ويصفّون طبيعتين بعد الاتحاد ويقولون ويعترفون بخواصهما وانفرادهما.
ومن لا يعترف أن الله بالحقيقة صار إنسانا ً بتجسده من مريم.
ها قد وصفت أبوتك هذه (الأسطر) بمريضة وميتة.
لست أعلم كيف فهمتها حكمتك؟ وشريان أيّ منها معذب كأنه مريض؟ وأيضا ً أية منها هي محتضرة؟
يعقوب يشرح موقفه
أطلب الآن منك يا سيدي الكامل في الكل أن تتفرس قداستك بحكمتك الإلهية التي لا تُغلب، إن كل شيء يقال من هنا وصاعدا ً متضمن ومحدد بما قيل أعلاه. إن المطاليب التي وجهتها إليّ هي:
حرم الردود التي صارت لفصول الطوباوي قوريلوس الاثني عشر.
ومن يتفق مع هذه الردود ومن ألّف هذه الردود.
وكل من لا يقبل كتاب الهينوتيكون الذي ألفه المرحوم الملك زينون بسبب الإضافة والتجديد الذي طرأ على الإيمان الحقيقي والذي صار في خلقدونا.
ومن يقسمون في المسيح الواحد طبيعتين أو خواصهما أو أفعالهما.
ورسالة لاون أسقف رومية.
كل هذه التي حسبتها أبوتك لم تنبع من فكر آخر أو نطقها إنسان آخر إلا نسطريس المحروم والذين ارتأوا برأيه بعده وقبله وهم هؤلاء الأشخاص الذين حرمناهم نحن وأنتم. لو أزيلت كتب هؤلاء وأهمل تعليمهم لحل السلام في المسكونة.
يعقوب يقبل فصول قورلس ويحرم الردود عليها
صيغ هذا السلاح غير المقهور بالفصول الاثني عشر ووجهه قوريلوس رئيس معسكر الإيمان ضد ذلك المذنب والحقير نسطريس. إذا من يحارب ضد هذه الفصول أعني به نسطريس ينازع ضد الطوباوي قوريلوس.
وظهرت هذه المنازعة في المسكونة كلها. مَن احتضن السقوط؟ ومَن قام فوق قمة الغلبة. نسطريس واتباعه محرومون مسكونيا ً. وأشرق كالنور فكر الطوباوي قوريلوس الذي تنازع معه لأنه كان رسوليا ً ومتمسكا ً بالحق.
ألا يعني أن من تجاسر وألّف ردودا ً على هذه الفصول أنه يود لو أمكن أن يشيّد إنقاض نسطريس الوهن ويريد لو تمكن أن يكبح حقيقة كنيسة الرسل المسكونية؟ ومثل هذا محروم من الكنيسة التي تكنس وترمي نسطريس وتعليمه خارجها كالزبل القذر. أما أنا فأقول ليست محرومة فقط الردود التي صارت ضد هذه الفصول أو أولئك الذين ألفوا هذه الردود لكن كل من لا يقبل الفصول بالمحبة وحتى من يناقشها.
من يقول: “اقبل الفصول” عليه أن يفكر أنها مسلحة بحرومات قوية كالسهام الحادة لترمي بلا شفقة كل من هو بعيد عن حقيقتها. هل يحتاج حرم الطوباوي قوريلوس مساعدتنا لنحرم نحن أيضا ً من لا يؤمن مثله كأنه غير محروم؟ يسيء أيضا ً من يطلب منه ولا يحرم الردود ومؤلفيها محرومون حيثما قبلت الفصول.
أنا أقبل بمحبة الفصول المليئة حقيقة لأنها تعلن مثلما أؤمن. وأحرم الردود التي صارت ضدها ومن ألّف الردود ومن يجبر أن يقبل هذه الفصول بسبب إلحاح بشري أو وقتيا ً أو لأجل شيء آخر من السماء أو الأسفل ومن يفسرها بحيلة خارج إرادة وغاية ذلك القديس كاتبها. أعلم يا سيدي أنه لو قال أحد: “إني أقبل الفصول الاثني عشر التي ألّفها الطوباوي قوريلوس” فإنها تحل محل كل هذه (الأمور) لو تكلم بالصدق.
يعقوب يقبل الهينوتيكون ويحرم إضافة خلقيدونية
تطلب عفتك أن نقول بأني أقبل كتاب الهينوتيكون الذي ألّفه الملك المؤمن زينون وأحرم الإضافة التي صارت في خلقدونا. إنني أجد أن الحكمة ضرورية في كل مكان ليكرر المرء ما يقوله كعادة (النص) العبراني الذي يكرر كلمته ليقول: “حسنا ً حسنا ً، وذات ذات، وابن التربية يوسف ابن التربية، وأتيت من لبنان أيتها العروس، أتيت من لبنان”. العبراني معتاد أن يكرر الكلمة دون أن يضيف برهانا ً.
أما كتاب الهينوتيكون فهو طارد الإضافة التي حدثت في خلقدونا. ومن يقبل هذا رذل الزيادة، ومن يطالب بقبول كتاب الهينوتيكون وأيضا ً (يطالب) بحرم الإضافة فهو يكرر كلمته دون أن يزيد شيئا ً، لأن دخول هذا الكتاب يعني خروج الإضافة. من يقبل الهينوتيكون ويتردد من أن يحرم الإضافة فإما يغش نفسه وإما يريد أن يضلل لأنه يقبل الحكم على الإضافة ثم أنه يحافظ عليها كأنها لم تخرج، بينما هي قد خرجت.
أنا أقبل هذا الكتاب الموحد وأنا أعرف قوته وعلته ويبين لي أنه يسحب ويخرج من الكنيسة الإضافة التي طرأت على الإيمان مثل حيوان مفترس ويربطها ويرميها في الهلاك خارج مجمع المؤمنين ويسبّح الدرب أمامها لئلا تُعتبر في عداد المجامع المقدسة.
يعقوب يشيد بمجمعي نيقية وقسطنطينية
ولأجل هذا أحرم الإضافة وأقسّم واضع حصتها مع هؤلاء “غير الأمينين”. مثلما تركها هذا الكتاب خارج الكنيسة ليكون مصانا ً بلا لوم إيمان الآباء الثلاثماية والثمانية عشر الذي عُقد في نيقية، والمئة والخمسين الذي أعلن في مدينة المملكة، وهو لا يقبل الإضافة. وبه يقترب من المعموذية جميع الشعوب الذين (هم) تحت السماء
إن الملك الحكيم الذي ألّف هذا الكتاب الموحد صممه لأجل خلط الأعضاء سوية ولمّ شمل جسم الكنيسة لأنه كان مبددا ً إربا ً إربا ً بسبب تلك الإضافة. خلقت تلك الفتنة انشقاقات في جميع كنائس مصر وتيبا وليبيا وفراجيا مع بقية البلدان الأخرى. وحدثت اضطرابات كبرى ووقعت قتالات جمة بسبب ديسقرا القديس المغلوب رئيس أساقفة الاسكندرية. إذا خطف منه فرطريس المرذول الكهنوت بخبث، وصار ابيشالوم الثاني.
ومنذ ذلك الحين جرح جسم الكنيسة وتشتتت الأعضاء عن بعضها بعضا ً إلى أن انتشر هذا الكتاب الموحد مثل الدم الحي في الشرائين فربط الأعضاء بعضها ببعض وقطع عنها الإضافة التي حدثت مثل العضو الفاسد لتتعافى بقية الأعضاء الأخرى.
يعقوب ينبذ إضافة خلقيدونية لا قوانينه
بالنسبة للوصايا والقوانين التي صدرت في خلقدونا حيث أكرم هناك من أكرم فلئلا تتهيج المسكونة بالعداوة من جراء هذه المسألة تحين الفرصة ذلك المستحق الذكر الصالح الملك المؤمن زينون وأخرج ما استنبط مجددا ً وأضيف على الإيمان دون أن يختلف مع القوانين والوصايا لئلا يحزن الكثيرون. وهكذا أخرجها بحكمة ليظن كأنها ليست موجودة ولم تحدث بتاتا ً ولم يشعر أحد بوجودها. أنها لا تُقبل ولا تُعدّ ولا تُعرف في قانون الإيمان، إنما تحفظ في قوانينها دون عداوة لئلا يقلق هؤلاء الذين يتمسكون بهذه العادات التي ذكرت أعلاه.
أنا الآن لست في صدد الوصايا والقوانين لكني أبحث في موضوع الإيمان. أنا أحرم الإضافة ذاتها جهرا ً والتجديد على موضوع تدبير المسيح المتضمن في تلك الإضافة وأولئك الذين بعد الاتحاد يقسمون ويعترفون ويعدّون في المسيح الواحد طبيعتين وخواصهما وخصوصياتهما وأفعالهما ليعطى ما لله لله وما للإنسان للإنسان. المسيح واحد وهو الإله الذي صار إنسانا ً والكلمة الذي صار جسدا ً والخفي الذي تجلى واللا منظور الذي ظهر في الجسد وهو الإله.
عندما يحرم هؤلاء الأشخاص الذين ناهضوا هذه الحقيقة هؤلاء الذين عنهم صدرت كل الخصامات وكل الشكوك. من المعروف أن جميع ما يختص بهم يحرم معهم لأن كل هذه (القضايا) صدرت بمقتضى فكر نسطريس.
محروم هو نسطريس وتعليمه ومن يرتأي برأيه (عاش) سواء قبله أو بعده.
بدأت هذه الهرطقة المليئة خصامات من تلاميذ سيمون.
وتطرق إليها بنوع مغاير فولا الشميشاطي.
وحررها ديدورا وتادورا ببلاغة وغنى وحيلة وكل أدب اليونان.
وأضحى لها تادوريطا مع الآخرين من اتباع الفكرة فعلة وتعبوا معها في عهدهم يقدر ما استطاعوا. هؤلاء صاروا سبب دخول هذه الإضافة.
إذا كل الإضافات التي طرأت علة موضوع الإيمان أينما حدثت وكل الخصامات التي صدرت عن كل الرسائل مع رسالة لاون الذي كان أسقف رومية، والتي اشتهرت بالشتائم وخصوصيات الطبيعتين وخواصهما وانفرادهما وأفعالهما لتصف وتنظم الأقنومين في المسيح ويتهم الآب بولدين يدعيان كلاهما واحدا ً ويعترف بالإله الكلمة على حدة وبالإنسان المأخوذ أيضا ً أقنوم آخر على حدة.
ويصف معلمو الظلم: “ذلك الإنسان المأخوذ” ويكرز أيضا ً ذلك الابن الأزلي كأنهم يتكلمون عن اثنين في المسيح الواحد. وتتهم البتول بأنها ليست والدة الإله بل والدة المسيح كما لو لم يكن المسيح إلها ً، وتميزت العبارات التي وردت في البشارة فيعطى بعضها للذي هو من الآب وبعضها الذي هو من مريم كأن الذي من الآب ليس هو نفسه الذي ظهر في الجسد من مريم.
ويعرف في عمانوئيل أقنومان الواحد قابل للآلام والواحد صانع القوات. وتعطى (الأمور) السامية للواحد والمتواضعة للآخر. وفي كل الحالات يعترف باثنين الواحد إله والآخر إنسان. وكلاهما هما ابن واحد. بالسكنى وبالعلاقة مع بعضهما بعضا ً. ويعرف يسوع الناصري منه وإليه، والله الكلمة مثل آخر منه وإليه. ويصف جسد ربنا معه في العدد. بحيث يعرف خارجا ً عنه كأنه آخر. وتقسم (أمور) أخرى عديدة المسيح إلى اثنين.
من هؤلاء ارتأى نفر ضال بنظرية سيمون الموصوفة أعلاه واغتنت بتادورس، وفضحت بنسطريس هي وكل هؤلاء الذين ينتسلون إليها ويشهد تعليمهم نفسه على أنهم يؤيدونها.
يعقوب يحرم المنشقين
أنا أحرم كل هذه النظريات حيثما وجدت. ومن يملكها والأشخاص الذين يفكرون بها أي جميع الذين حرموا أعلاه مع كل تعليمهم أو كل من يوافقهم أو يجاري تعليمهم وكل من يحرم الأشخاص لكنه يتمسك بتعليمهم وكل من يقتني آرائهم ولو أنه يرذل كتبهم ومن يكرز المسيح بالجدل ويبين غيرته لكي يتظاهر وليس لأنه يحب أعداءه ويقارعهم ليفيدهم وهو يجاهد جهادا ً حسنا ً بمحبة دون مكر ليعين الأصدقاء والاعداء سوية بالتواضع وطول الاناة ومحبة الصليب ويتنازل إلى مستوى الآراء المريضة بالمحبة السماوية التي أنزلت الله من السماء إلى الأرض ليظهر في الجسد ويموت لأجل البشر.
المحبة تقبل الإضافة
يحسن بنا أن نتكلم مع بعضنا بعضا ً بنفس هذه المحبة. جذبتكم هذه المحبة وأخرجتكم من العالم وحبستكم في دير المتوحدين هذه غلبت وربطت محبة العالم وطأطأت رأسها تحت أخمص أرجلكم. بها أطلب أن يتعاطى الواحد مع الآخر ويكثرها لأنها قابلة للنموّ وليكثرها لأنها سهلة التكاثر.
الإيمان لا يقبل الإضافة
لا نستطيع أن نضيف على الإيمان شيئا ً لأنه لا يقبل الإضافة. وكل إضافة تقترب منه يقذفها خارجا ً ويلقيها عنه. لنضف إذا ً على المحبة لأنها تود كثيرا ً أن تقبل الإضافات. ثلاث هي الباقية: الإيمان والرجاء والمحبة وأعظمهن المحبة. ترى إذن يا سيدي كيف كرر المحبة وضاعفها فم بولس العظيم. لأنه من السهل أن تتكاثر.
يقوم الإيمان في علو الثالوث الواحد وليس فيه درجات ومقاييس أو مواضيع سامية ووضيعة لأنه مربوط ومحدد بثلاثة أقانيم مقدسة: الآب والابن والروح القدس. إله واحد لا يُدرك.
للمحبة درجات
للمحبة درجات وارتفاعات وقمم. وكل نفس، حسب خفة جناحها، تستطيع أن تتسلق عليها بمحبة الله. هذه هي درجات المحبة: بالمحبة يوزع الانسان الصدقات على المحتاجين وإن أضاف على المحبة أضاف على الصدقات وإن غليت المحبة فيه أيضا ً باع كل مقتناه وأعطى للمساكين وإن اضطرمت وشبّت فيه نار المحبة كفر بنفسه وأخذ صليبه وتبع المسيح.
وعندما يسير إلى الأما في ارتفاعات المحبة يخرج عن نفسه ويدخل ويسكن المسيح فيه بدله. وعندما يدخل ويقف في موضع المحبة ينسى مصلحة نفسه ويشرع يضغط على ذاته ليفيد الآخرين. وعندما تستولي عليه المحبة السامية يصير في كآبة كبرى ووجع لا يهدأ وصلاة دائمة ليكون هو محروما ً ومرذولا ً ليأتي الآخرون إلى طريق الله.
سيدي، يا عبد الله، لنتعب إذا ً في هذه (المحبة) القابلة الإضافة. لكن ليُحفظ الإيمان كما هو بدون ثرثرة كثيرة. أي أن المحبة ذهب أما الإيمان فمرجانة. يقدر ال يقدر المرء أن يضيف على مثقال الذهب آلاف المثاقيل. على المرجانة، لا يقدر مقتنيها أن يضيف قيراطا ً أو ذرة لأن المسيح شُبّه بها وخبره لا يقبل إضافة المجادلين.
الإيمان مرجانة لا يقبل الإضافة
من أين أتيتِ أيتها المرجانة من أين أتيتِ؟ مَن تشبهين؟ ومن يشبهك؟ بنت من أنت؟ وأين موضعك؟ ما هو مثال محياكِ الحسن؟ شخصك غني بأسرار النور ولأجل هذا كساؤك شعاع. مرسومة عليك صورة بنت الملك وبسببها يحيط بك البهاء. شيء عظيم مخفى في أصلك ولهذا قوي هو إشراق جمالك على المشاهدين. إنك متشحة ومزركشة بالأمثلة وبفضلها ثمنك غال في عُرْف التجار.
ها إنك عفيفة ولو أنت منزوعة الثياب ومحتشمة وأنت عارية. أوجهك عديدة وليس لك خلفية. جمالك يميني وليس فيك يسار. اشتاق إليك التجار لأن رؤيتك لا يشبع منها باعوا مقتنياتهم واشتروك لينسوا مقتنياتهم بغناك. تكلمي معنا بسكوتك لأن رؤيتك تحيرنا كثيرا ً.
المرجانة تكشف هويتها
تقول المرجانة: “أنا بنت النور لأن صورة النور مرسومة عليّ. أتيت من الأعالي العالية ونزلت أجس الأعماق السفلية. أنا قطرة الربيع. ولدت من حضن كبير. انهزمت البروق أمامي. وصارت الرعود ندمائي. احتفلت بي السحب بمسيرتها وحملتني الرياح وأتت بي، اتشحت بضباب النور ونزلت من لدن أبي إلى العمق. أشتاق اليمّ واستقبلني. وحببتني اللجة في أحشاءها، غطست (عماذ) في المياه ولم يفسد جمالي. حبل بي الحضن المظلم ولم يختف جمالي. تجسدت هناك وصعدت ولم يكفّنّي العمق لأقطنه. رآني المهنيون واعتبروني سمجة لأنهم ظنوا أنني لست تلك التي نزلت. رأوني في جسم فقلّ اعتباري في أعينهم. هيأوا لي الآلام لأنهم مسكوني بأيديهم. أرادوا أن يضيفوا إليّ ولم يقدروا ويقللوا من قيمتي ولم أرضَ.
المرجانة لا ترضَ أن يشتغلها الصاغة
أيها المهنيون المحتالون اتركوني لأظل كما أنا” كاملة أنا ولا أقبل التصنيع. الأختام تخرط. لست صديقة المنحوتات. نزلت من العلو. لا أشبه الحجارة. لست مسبوكة ولا مخروطة. أنا مزينة بجمال موروث بالولادة. لا أشبه العقيق ولا أقبل أن يجليني الصاغة مثل المصكوكات. لم أصعد من العمق بواسطة اظفار الطير لكنني نزلت من العلو بواسطة هبوب الريح. أنا مولودة ولادة ولست منحوتة نحتا ً. أنا محبول بها بلا نكاح ومولودة بدون زواج. لم يحبل بي بشهوة الزواج لأنني لابسة من الحضن بهاء الأقداس.
رآني الصاغة وتحيروا بي. قلبوني بأيديهم ولم يحددوا جمالي. مسكوا وحبسوني لأنني تجسدت ووجهوا إلي الحديد الماضي، وتشاوروا ضدي بحيلهم وعذبوني ورصعوني في التاج.
أقوم الآن على قمة التاج واصرخ بالمجادلين بقوة:
كفى بحثكم عن المسيح!
كفى جدالكم على الوحيد!
كفى حربكم مع النار،
كفى تجاسركم علة معاكسة اللهيب!
المرجانة هي المسيح
هو أرسلني من علوه السامي، هو قبلني في الأعماق السفلية، هو رسم فيّ صورته لأمهد الطريق أمامه، هو أعطاني رموزه لأظهر للعالم حقيقته. انحدر من مساكن نوره وأتى وحل في الحضن المظلم. أراد السامي فنزل وصار سفليا ً. أشار أبوه في الخفية وارتج الملائكة فزعا ً. انهزم أمامه جبرائيل وأتى ببشارته إلى البتول “سار على أجنحة الريح” وتوجه إلى الشابة. قدس الروح مريم. وحل الخفي في بطنها. التقى النوراني بالصبية وقدم وأعطاها السلام. دخل الكلمة من الاذن. وحبل بمن كان مولودا ً.
المرجانة تعلق في الأذن
ولأجل هذا أُعلَّق في الآذان لأكون إكليلا لسمع الإناث اللائي استحققن أن يقبلن بسمعهن الكلمة المرجانة. سلمه أبوه فدية وخلص العالم. أنا معلقة في آذان الشابات مثل الحجب المرسومة عليها صورة النور لكي تحترم الأذن التي صارت بابا للكلمة لما أراد أن يحل في الشابة. وضعني مثل حارسة الباب خارج باب الاذن ليحترم المنزل الذي فيه من اشعة النور المحيط بي.
أتيت من العلو إلى العمق ومهدت الدرب أمامه. صعدت من العمق إلى العلو ورسمت صورة لرحلته.
ارتكضت نحو بابا لاذن ووضعت حجابا ً أمامه. احتفلت به في مراحل مسيرته لأنه أراد أي يرسم رموزه على الطبائع. نزلت ثم صعدت وأعلنت أن الذي صعد هو الذي نزل. ارتكضت أمامه لأنه أرسلني. وأتى بعدي ذلك الذي هو قبلي. دخل وحل في المنزل البتولي في البطن الذي لم يمارس الزواج. تجسد من البتول واقتنى أعضاء. أخذ صورة عبد، وخرج إلى العالم. ولد ميلادا ً ثانيا ً من لا بداية لميلاده الأول. عبر في البكورية ولم تفض الأختام.
ظهر مثل الإنسان وهو الإله. مسكه الصالبون لأنه تجسد. أدخلوه إلى المحكمة لأنه صار إنسانا ً. قبضوا عليه لأنه أصبح قابلا ً للمسك به، لذا ألقوا الأيادي عليه. أهانوه لأنه أتى إلى بلدهم. حطوا من قيمته لأنه اختلط بهم. جروه وأصعدوه إلى قمة الجلجلة. ثقبوا يديه بالمسامير وعلقوه على الصليب. ضربوا حديدهم على ذاته. مزجوا مرارتهم لسقيه. ثلموا جنبه برمحهم. وبخمرهم كووا شفتيه. من أشواكهم ظفروا له إكليله. وبألسنتهم قذفوا عليه التعييرات. شلحوا الجميل ولم يهتك. هتك الاراكنة بتعري جسده ولم يُفضح. تطلعت إليه الشمس وكّلت وتقهقر النهار إلى الوراء تغير لون الهواء من الرعب الذي شاهده على الصليب. أسرعت الطبائع لتكرم سيد الكائنات المصلوب.
آه مني! ماذا ربح المهينون الذين عذبوني بالحديد؟
آه منهم! ماذا استفاد اليهود الذين علقوه على الصليب؟ ها أنا أحتل مكانا ً على التاج وهو يحتل قمة العلو اليمين.
المرجانة صورة المسيح
ليسكت الخرس عن الكلام، لأن منطق العلم يجمل بالناطقين! لتهدأ المرجانة الهادئة ولتقبل النفس العاقلة إلى الحقيقة. لا تهدأ الأفواه الناطقة ولتتكلم الحجارة على المسيح. يجمل بالمخلصين بدم الوحيد أن ينطقوا بالمحبة على الوحيد. لتتحرك الشفتان اللتان ترضعان الحياة من كأسه على تمجيده. رسمت له المرجانة صورة. والصورة أضعف من الشخص فلا تبلغه الصورة ولا تحبسه الكلمة ولا يحصره الشبه!
الابن – الكلمة يختلف عن المرجانة
لما كانت المرجانة في العلو، لم تكن موجودة في العمق. لما نزلت إلى العمق لم تمكث في العلو. لما تجسدت اكتسبت تبديلا ً. ولما وصلت إلى أيدي المهينين رصعوها وسكبوها في الإكليل.
أما الابن الكلمة غير المدرك فهو أسمى وأعلى من كل الأشباه. لم يكتسب بديلا ً بتجسده من البتول. نزل من لدن أبيه وحل في الصبية. حل هنا، ولم يغادر هناك. حبل به في حضن بنت داود ومكث في حضن والده. تجسد ولم يفقد روحانيته. تأنس ومكث في لاهوته. صار مثلنا وظل كما هو. في العالم كان قبل أن يأتي إلى العالم. كانت السماء مليئة منه لما حل في بطن الشابة. لا يفزع موضعا ً ثم يحل في آخر. كانت البتول تزيحه، لما كانت المركبة تحمله. طلب قطرات الحليب من الصبية وهو يقيت العوالم برمزه لما. لما كان يرسم الصور في بطون النساء بالزواج، كان يتصور نفسيا ً وعقليا ً في بطن مَن هي بلا زواج. كان يحبو في بيت يوسف كالطفل، وهو يحرك العجلات الناطقة لتباركه برعدة. يختبئ الساروفيم منه، بينما هو يحرك شفتي مريم لترتلا له الألحان. كان يتربى هو بنفسه ليتفقد أطوار طبيعتنا. وهو يربي الأطفال ليبلغوا قامة الشباب. كان يزداد حكمة بذاته بدون قوة غريبة، وهو يعطي الحكمة للحكماء والعقل لمن يفهم المعاني.
طلب الماء كالعطشان من السامرية، وهو يرسل المياه على الأسواق ويجعل الرياح تهب والمياه تسيل ويامر الندى ليمتطي الغمام ليسقي الأراضي العطشة. نام حسب التدبير في السفينة ليوقظه استنجاد المحتاجين وليظهر أمره في البحر كما عرف فعله في اليبس وهو “المستيقظ” بالطبع مثل أبيه ويعطي اليقظة للمستيقظين (الملائكة). مسكته الخاطئة في دار شمعون وسكبت دموعها على قدميه بينما الساروف الناري يرتجف ليقترب من سره بالكلبة. حبس في دار حنان كفاعل الشر بينما يحبس البحور بالهاوية ويحيطها ويحجزها بالرمال. سئل في المحكمة ولم يرد الجواب وهو يتكلم مع أبيه وتفزع الأجواق النارية منه. جعلوه يحتضن العمود ليضرب وتحتضن قوته العالم لئلا يسقط. جلد بسياط كرجل مذنب وهو يرشق السحب ببروق سريعة.
حمل صليبه على كتفه لكونه صار إنسانا ً وهو يحمل الخلائق برمزه بصفته إلها ً. كان يعذب الآلام بألمه وهو يتألم على الصليب لأنه تجسد. أمات الموت بموته. بما أنه لم يتبدل لما شرب كأس الموت لأنه أضحى منا كان يميت الموت بموته لأنه متساوٍ مع أبيه. لما دخل الشيول كالميت استأصل أسوارها كالحي. ركب الوحيد الصليب واندهشت الطبائع بالفزع. صرخت الحجارة. من هو؟ اخبرت الحجارة: ابن من هو؟ سجلته النيرات أنه شعاع الآب. توسط وقام بين الآب والعالم. صار وسيطا ً ليصالح المتخاصمين. تألم معنا ليزيل آلامنا، وهو في بهاء مع أبيه فوق الآلام. صار تحت الموت لأنه تشبه بنا وفوق الموت لأنه لم ينتقل من ذاته. مات مثلنا ولا يبحث عنه وهو حي مثل أبيه ولا يستقصى. تشبه بنا بالموت وهو لا يفحص. ويشبه أباه بالحياة وهو لا يفسر. احتواه باب الشيول لأنه أخذ مقاييسنا وهو الذي لا تسعه السماء لأنه ليس بأقل من والده.
المسيح وسيط بين الجهتين وله خصوصيات الجهتين
جهتان تطالبان به ليصير مثلهما. وبما أنه الوسيط فهو قريب منهما ليصنع الأمان بينهما. الابن وأبوه إله لأنه منه، وهو نفسه إنسان مثلنا لأنه صار منا. “واحد هو الوسيط بين الله والناس يسوع المسيح الإنسان: إله مثل أبيه وهو ذاته إنسان مثلنا.
ويجدر به ويمكنه أن يصير وسيطا ً ويخلط الجهتين بعضهما ببعض ويمزجهما بالأمان ويهدم سياج العداء ويسالم بدم صليبه ما في السماء وما على الأرض. ويحصل على أخوة كثيرين بالميلاد الثاني ويكون رسولا ً ورئيس أحبار لأجلنا لدى الآب لأنه صار منا وهو الغافر وواهب الأقداس للأحبار والمغفرة للخطأة لأنه ثبت فيما هو عليه بدون تغيير ليكون وسيطا ً. وقام بين الجهتين ليخلطهما بعضهما ببعض ظن المراؤون أنه ليس واحدا ً بل اثنين. واحد من هذه الجهة وواحد من تلك. فلو لم يكن هكذا لما صار وسيطا ً. فكان يلزم أن يصير آخر وسيطا ً.
المسيح واحد
وبما أن طريق تدبيره أسمى من الطبيعة، عثر به أولئك الذين تجاسروا وفسروا طبيعيا ً لأنهم رأوا فيه قوات الله. وآلام الإنسان. ضلوا فقسموه إلى اثنين: الواحد إله والثاني إنسان. ضروري أن ننكر الآن كلمة موسى: “أن الرب إلهنا رب واحد”. لم يتبع الإنسان الناصري ابن الآب ليصيرا كلاهما بانضمامهما واحد كما يقول المنشقون. لكن “الكلمة صار جسدا ً” ودعي ناصريا ً كما تقول الكتب.
واحد هو الرب كما أعلنه الأنبياء.
واحد هو المسيح كما بشر به الرسل.
واحد هو ابن الله كما اعترف والده.
واحد هو الوسيط كما كتب بولس.
واحد هو المسيح ابن الله الحي كما ظهر لبطرس.
واحد هو الكلمة الذي صار جسدا ً كما عرفه يوحنا.
واحد هو قريب منه السجود وبعيد عن الجدل.
الابن يخرج السبي
يستطيع الحب أن يصطاده ولا يستطيع الجدال إدراكه. يمسكه الإيمان ويحبه وتترنح وتهوى به المخاصمة. واحد هو الذي جاء من العلو ونزل ليجسّ اللجج ودخل عند الموتى بالجسد وحل الأسرى من الجب الذي لا ماء فيه. وغطس كالسباح في الشيول هوّة الموتى وأنقذ منه تلك “الصورة البهية” التي كانت ممرغة في الحمأة. وهدم أسوار الهاوية مدينة الجبابرة العالية وخرب أبوابها الفخمة وحطم أمخالها المتينة وحل وأطلق أسراها وأخرج إلى النور سجنائها، وجمع ولمّ جلاء المخلصين وأخذه وصعد عند أبيه.
الخاتمة
له التسابيح والبركات والتشكرات إلى أبد الآبدين آمين. كملت.
أيضا ً رسالة إلى رهبان مار بس
الافتتاحية
إلى البار والقديس الكبير ومحب الله، إلى أبينا المستحق الله مار لعازر رئيس دير المتوحدين.
يعقوب الناقص أخوك بيسوع نور العالمين ورجاء الموتى والأحياء. سلام
خلقيدونية حاولت إعادة نسطور إلى صف الرعاة!
لا ننس أن المجمع الذي صار في خلقدونا قد التأم باهتمام مرقينوس الشرير صديق وتابع لتعليم نسطيرس. وكان مستعدا ً لإعادة نسطريس الذئب المفسد إلى الرعية، ولو تيسر له كان يعطيه السلطة على القطيع الناطق المخلص بدم الله.
وصار هيبا وتادوريطس واوتريس المنشقون على الحقيقة مع قليلين آخرين من أتباعهم مدبرين لذلك المجمع الذي دعا إلى انعقاده الملك الهرطوقي وجروا ذلك المجمع بأسره وجعلوه يرتأي برأيهم المزيف. وبواسطته اقتنص بعض الناس ببساطتهم، وآخرون بمكرهم. وأفسدوا كلمات الإيمان وبرهنوا ببحث إيمانهم المنشق بالعمل السيء الذي فعلوه ضد الطوباوي ديسقرا القديس والطاهر والمستقيم الإيمان رئيس أساقفة الإسكندرية.
بلدان تقبل خلقيدونية وأخرى ترفضه
ومنذ بداية عملهم السيء ارتعبت البتول بنت النور تلك التي كانت تسكن في خيم حام. كانت مخطوبة للصليب بيدي لوقا جيحون البشارة أحد أنهار الحياة الأربعة التي انسابت من جنب المصلوب علة الجلجلة عدن الله. ومنذ البداية احتقرت ورذلت وحرم البتول المصرية نفسها ذلك المجمع المارد وجعلته أيضا ً غربيا ً على الإيمان المستقيم.
وقد هربت أيضا ً من هذا المجمع بلدان أخرى لكيلا ترضخ له بتاتا ً. قبلته خاصة ورضخت لتعليمه كنيسة سوريا بسبب يوحنا رئيس أساقفة المشرق الذي كان في انطاكيا لأنه هو أيضا ً قبل فكر نسطريس المحروم. وظل العمل مضطربا ً من هناك إلى هنا لأن جسم كنيسة الرسل المسكونية قد تمزق: هذا يقول: “هكذا وذاك يقول هكذا”. بعض البلدان قبلته وبعضها حرمته. فاضطرب الكثيرون وهم لا يعرفون ماذا يفعلون.
قبل أيضا ً سكان قسطنطينية ذلك الجمع المضطرب، لأن كرسي أفسس حصة ابن الرعد خطف وأعطي بالمحاباة لمدينة المملكة. قبل الأورشلميون أيضا ً ذلك المجمع لأنهم ظنوا أنهم بواسطته أضافوا تكريما ً لمدينة الصليب.
الهينوتيكون: مدح الملك زينون واناستاس
أثار هذا الموضوع القديسون المصريون المتوحدون في عهد الطوباوي زينون الملك المؤمن المستحق مراحم الله. فاهتم وحرر كتابا ً يسمى “هينوتيكون” ويفسر الموحد.
وانتشر بحكمة كاملة وخاط الأعضاء بعضها ببعض وخلط الشابات ببنات النور الواحدة بالأخرى ليسبحن كلهن باتفاق واحد ختن الحق الواحد بدون انشقاقات. وكان قد أخرج بهذا الكتاب الموحد مجمع خلقدونا لئلا يُعدّ مع المستقيمي الإيمان.
وكان الكثيرون يقبلون كتاب الهينوتيكون اضطرارا ً ولم يكونوا بعيدين عن رأي المنشقين. كان الآخرون يقبلونه بحق المعرفة ويعلمون أنه حرر لإخراج ذلك المجمع. لم تكن كل الكنيسة المسكونية تحرم ذلك المجمع جهرا ً بأصوات مسموعة. لكنه كان يحرم ويرذل ببحث المعرفة الروحية.
بعد أن قُبل الآن كتاب الهينوتيكون بالتدبير حافظ الأزمنة وعميق الأفكار، والذي يحلّ كل العقد ويكمل كل الأفعال متى ما شاء وأراد حدث ما حدث في الواقع بواسطة انسطوس الملك المؤمن والمنتصر والمستقيم الإيمان والمعترف الحقيقي إلى الأبد. قام هذا بقدر استطاعته مقام الآباء في الإيمان الحقيقي.
ساويرا يخلف (فلافيانوس)
إن التدبير الإلهي ذاته قذف ورمى مقسم المسيح من درجة الرعاة بواسطة الملك المؤمن. وأقام بدله الطوباوي ساورا الراعي الحقيقي والقديس الكبير والمستقيم الإيمان. هذا قال الحق جهرا ً في الاجتماع الكبير في المجمع الشرقي وهو مسلح بالحقيقة وغير مختنق بمحبة الرئاسة وعقله لا يتمسك بشهوة السلطة. والشيء الذي كان معمولا ً في كتاب الهينوتيكون برموز وألغاز، شرحه بألفاظ جلية على مرأى مجمع العروس بنت النور الكبير هذه التي خطبها بطرس للصليب.
ومن الآن يجمل بكل مؤمن أن يتكلم جهرا ً وبدون مستحى ويقبل كتاب الهينوتيكون الذي يحرم المجمع بالسر والعلن. ويقبل الآن أيضا ً الاعتراف العلني الذي أعلن (ماليل في المجمع الشرقي الذي التأم عند الطوباوي ساورا الكبير والقديس، وكان يحرم علنا منذ البداية مجمع خلقدونا الذي كان يحرم الاسكندريين والبلدان الأخرى منذ البداية ومن قِبَلِ العالم كله منذ تاريخ صدور كتاب الهينوتيكون وما بعده ظهر الآن فكر كتاب الهينوتيكون بواسطة الطوباوي البطريرك ساورا.
يعقوب لم يتعلم الجديد من الهينوتيكون
لم يتجدد فيّ شيء أنا الدنيء والحقير وأضعف كل البشر.
ولم أتعلم من كتاب الهينوتيكون ما لم أكن رفه.
ولم أجعل من إيمان البطريرك القديس إضافة إلى إيماني. فأنا الآن ما كنت عليه في السابق، إذ احرم في كل وقت مع الكنيسة كلها نسطوريس وتعليمه واتباعه وأوطوخا واتباعه ومجمع خلقدونا لأنه هو أيضا استعمل عبارات تتفق وفكر نسطريس المحروم. عندما يقول أحد: “احرم نسطريس واتباعه” فهو يحرم ديدورا وتادورا وتادوريطا وهيبا ورسالة لاون. ولكون هؤلاء خاصة يتبعون رأي نسطريس يُحرمون معه لأنهم أتباعه.
كريستولوجيا
أنا الوهن والحقير اعرف مسيحا ً واحدا ً واحدا وحيد الآب الابن الازلي المولود من الآب بلا بداية، وولد من البتول ببداية. “الكلمة صار جسدا ً غير المتجسد الذي تجسد من زرع داود وإبراهيم. الاله الذي صار انسانا ً بدون تغيير. الغني الذي افتقر دون أن يفقد غناه. الكبير الذي صغر وعظمته باقية فيه. السر الخفي الذي تجلى دون أن تُكشف سريته. المتشح شعاعا ً وبهاء ً في الأعالي واللابس التواضع في الأعماق السفلية. المرتدي النور كالقميص الذي ارتدى الأقماط على مثال الأطفال. الإله مثل أبيه. والإنسان مثلنا. كامل بلاهوته وكامل بناسوته. الوحيد الذي ولده حضنان، وهو واحد وحيد من كلا الحضنين. طبيعة واحدة تجسد دون أن يقبل الإضافة، تجسد واحد من الثالوث ومكث الثالوث مثلما هو. الكلمة الذي لا يوصف، المسيح الذي لا يجادل عليه. يسوع الذي لا يبحث فيه ابن الله الذي لا يفسر، ابن الانسان الذي لا يستقصى، عمانوئيل الذي لا يحدّ. غير المتألم الذي ألمّ الآلام بآلام أقنومه، غير المائت الذي خضع للموت بإرادته، باعث الموتى الذي صار واحدا ً من الموتى وقد حفظت فيه حياة طبيعته. الكتبة يجعلهم يشتطون والحكماء يجهلون والمجادلين يقلقون والفاحصين يعثرون والمتكبرين يضعفون. يحب الودعاء. يعلنه الناقصون. تؤمن به الشعوب.
الخاتمة
الوحيد الذي ظهر في الجسد وهو إله على الكل. له التسابيح والبركات الى ابد الابدين. امين. كملت.
أيضا ً الرسالة التي أرسلها مار يعقوب الى الحميريين
الافتتاحية
إلى الأبطال المنتخبين محبي الظفر الحقيقي، إلى العجيبين والاقوياء، عبيد الله الحقيقيين، اخوتنا المسيحيين والمعترفين المشهورين في مدينة الحميريين في نجران.
يعقوب الناقص من بلد الرها مدينة الرومان المؤمنين بيسوع نور الشعوب ورجاء العالمين وديان الموتى والأحياء. سلام.
روائح الحِميريين عبّقت الرها
من لدنكم أيها الجميلين يا محبي الله، انتشرت في بلدنا اخبار إيمانكما الحقيقي مثل روائح العطور الاصلية والمختارة وعبقت رائحتكم اللذيذة نفسنا بعبيرها مثل عطر المبخرة المرضي والكبير فابتهجت بسماع احتمالكم.
لو أرسل لنا من بلدكم البخور الأصلي والزيت الجيد والعطور المختارة، لما كانت تطيبنا روائحها المتنوعة بلذتها. فأخباركم الجيدة والقريبة من الله هي شنفت سماعنا بجبروتكم.
آلام الحميريين
علمنا من العديدين الذين حظوا بمشاركتكم في مشهدكم المفيد، أية آلام مميزة تحتملون في بلدكم مع المضائق المتنوعة والاضطهادات الدائمة كل يوم لأجل اسم المسيح الكريم الذي دعاكم بنعمته لتكونوا شركاء أسرار إيمانه.
الشيطان المقهور يشنُّ الاضطهاد
فإذا ً يا إخوتي لقد حدثت فرحة حقيقية لكل جوق المؤمنين لأجلكم ليظفر المسيح يوميا ً بواسطتكم وليطأ تحت أقدامكم رئيس معسكر الشر الطاغي عدو جنسنا أعني الشيطان. يعرف هذا العدو الذي أثار الاضطهاد ضدكم ان يخجل يوميا ً ولا يعرف ما هي الغلبة. كلما حارب وقع. وحيثما نازع غلب. وإذ خاب أمله في كل الشعوب ونال الصليب الغلبة بالمؤمنين فهو لا يهدأ من إثارة المعركة حسب استطاعته مثلما (فعل) الآن بكم. تسلح ليضطهد بواسطة رجال أثمة. ألا يفقه أنه من الصعب عليه رفس الأشواك؟ ألا يفكر أنه بقدر ما يثير الاضطهاد ضد المسيحيين يزداد إيمانهم غلبة؟ ألم يختبر أن الصليب بقدر ما يضطهد ينتشر في البلدان؟ متى استطاع السيف أو النار أن يبطلا بشارة ربنا من المسكونة؟ أو كيف قدرت مخافة الموت أن تخمد محبة الاعتراف؟
درب الصليب يُسلك بالألم
درب الصليب تمشي بالدم ولم تخف أبدا ً أو بطلت من الآلام مهما كثرت فيها. وكلما كثر فيها الدم وألقيت فيها الجثث بقدر ذلك تكاثرت الجموع. لا يعرف الصليب أن يسير بدون الآلام ولا يريد المشي إلا بين العثرات والاشواك. الآلام هي اكليله. وجماله ضربات الأعداء. يطيب له كلما اضطهد. وبقدر ما يهان يزداد انتصاره. حيث لا يوجد ألم لا يوجد صليب أيضا ً. وحيث تنقص العذابات لا يرى جمال الاعتراف.
إذا يليق بكم أن تحبوا الضيق ويتعاظم المسيح في أجسادكم ويفرح الملائكة بامتحان تحملكم.
ألم الحميريين ينشر المسيحية في بلدهم رغم اضطهاد اليهود
في هذا الزمان، كما سمعنا من الكثيرين، أصابت القرعة بلدكم لتظهر البشارة فيه غلبتها، وبعذاباتكم المختلفة ينتشر الصليب في بلد الحميريين. طوبى لكم لن النعمة دعتكم لا لتكونوا مسيحيين بالاسم وحسب بل لتعتبروا أسرى يسوع. لم تستحقوا فقط أن تسجدوا له لكن أن تحتملوا لأجله وتصبروا على الآلام.
حسن لكم الاضطهاد لأن محبة الصليب غنية فيكم. عزيزة عليكم العذابات لأن نار محبة ذلك الذي القى ناره في العالم مضطرمة فيكم. جهادكم عجيب لأن مضطهديكم اشرار. معركتكم مليئة عجبا ً لأن أعدائكم لدودون. لو اضطهدكم الوثن لكان مسوّغ لآلامكم وراحة لعذاباتكم لكن الآن يصف اليهود أعداء الصليب ضدكم! آلامكم أسمى من أية آلام. واكليلكم أكثر انتصارا ً من أي اكليل. أثارت هذه الأمة القاتلة خصاما ً ضدكم وهي ماهرة بالقتل ومشتهرة بالدم. وتعرف أن
غني فيها الحسد، وقلبها مليء مكرا ً وحكيمة في الاضطهاد وتعرف أن تصلب وهي مستعدة لتقتل وغنية بالرجم. وتنصب الكمائن للودعاء وسكينها مصوب على رقبة الجميلين. ويعظم سيفها بدم الأبرار وسيفها مسلول على جماعة المؤمنين. هذه التي أعطت نفسها وتعلمت وتوجهت وتخرجت وبرعت في أنواع العذابات وتعرف أن تركّب الصليب بجلاء وتضرب بالرمح وتمزج الخل بالمرارة وتظفر إكليل الشوك وتضحك وهي تقتل وتستهزئ عندما تصلب وتهز رأسها وترفس برجلها وتقذف المسبات كالرياح وتتكلم الافتراء كهبوب (الرياح) القوية وتفيض الإهانة كالبحر وتسكب الشت كالنهر الصاخب.
من هذا الجيل الشرير والزاني، المروض في هذا كله، قام ضدكم اضطهاد يا تلاميذ المصلوب الحقيقيين. إذ يستحق حربكم العجب. أي أعداء اصطفوا في الجبهة ضدكم؟ الوثن يبغضونكم ولا يعرفون ربكم. أما اليهود بدافع بغضهم لربكم، يثيرون ضدكم العذابات. يتردد في نفسكم عداء قديم ليضطهدوا تلاميذ المصلوب. يريدون أن يبرهنوا أنهم ورثة نشيطون لحنان وقيافا الحاذقين وأنهم تلاميذ يهوذا المسلّم. أظن أنهم متى ما يضطهدونكم أنتم ولا يقبضون بأيديهم على يسوع جسديا ً ليهينوه ويصلبوه أيضا ً من جديد. وكانوا يتوقون لينضموا إلى حلقة الصالبين المكلوبة التي كان يرأسها يهوذا ابن اليسار. وكانت تصغر عين بعض أعدائكم هؤلاء، الذين سمعوا ماذا فعل آباؤكم بربنا المسيح لأنهم اضطهدوكم أنتم ولم يقتلوا ربكم كآباهم. وكانوا يحسدون يهوذا ويتوسلون لو حلّوا محله. كانوا يشتهون أيضا ً ويتجاسرون أن يقوموا بعمل ذلك الذي ضرب الكف ليسوع. وكانوا يحسبون عاقلا ً كثيرا ً ذلك الذي قدّم له الخل والمرارة. وهكذا كانوا يتحسرون لأنهم لم يعملوا هذا هم أنفسهم لكن الآخرين عملوه ولأجل هذا إنهم مضطرون ليزيدوكم عذابا ً لينفّسوا عن رغبتهم بحيث يهينون المسيح بواسطتكم. وعندما يضطهدونكم يتحينون الفراص ويودون أن يظهروا حقيقة إرادتهم الشريرة بتأديبكم وهم لا ينقصون شيئا ً عن شر الصالبين آبائهم.
ولهذا السبب فإن درجة إقراركم أسمى من المعترفين. كلما كان مضطهدونكم أسوأ من المضطَهَدين، فإن شرهم يزيد لكم الآلام. وبقدر كثرة الآلام هكذا تعظم الأكاليل. وبقدر مضاعفة الاضطهاد بقدر ذلك تنتصر الغلبة.
المملكة الرومانية في ظل سلام الملوك المسيحيين
نحن الرومان الساكنين في أمان الملوك المسيحيين نعطي الطوبى لحياتكم المعذبة والمتألمة والناجية؟ والمؤسسة على آلام المصلوب. وهكذا نحن ننظر إلى “أماننا” كان بطالة عن الحياة ونحسب اضطهادكم كحياة حقيقية متجسدة في الله.
ولما دعيتم كلكم أنتم المؤمنين إلى عبادة الملك السماوي الواحد بالميلاد الجديد فجمالكم يختلف عن الآخرين بموجب آلامكم المتنوعة.
مقارنة العالم وآلامه بالمجد العتيد
كبير هو جمال الذي تكثر آلامه. وهكذا يجمل الإكليل بقدر قساوة الضيق. فالروح المسلي الذي يجعلكم حكماء يعرف أن يتكلم فيكم ويقول: “لا تعادل آلام هذا الزمان المجد العتيد أن ينجلي فينا”. إن ضيق زمن قصير يقربكم لتحظوا بالحياة الدائمة التي لا نهاية لها. وعندما تموتون عن العالم بالموت تظهرون في الحياة مع المسيح.
من لا يشتهي أن يجني من مضائق الزمان الحياة الأبدية؟ العالم ينحل ويذبل جماله ويترك غناه وتزول سلطته ويرذل بهاؤه وتبطل مرتبته وتنتهي حياته وتتغير أشكاله ويتناثر كالورد ويذبل كالزهر ويهرب كظل المغيب ويطوى ويسرع كالعجلة ليعبر ويزيل معها كل الأمور التي تجري فيه لو كانت الراحة أو العذاب لو كانت الكرامة أو الإهانة. كل خواصه تبطل معه ومثله. لا تطول مضائقه وليست راحته حقيقية. ومن يتكل على مثل هذا إلا من ضل وراءه؟ ومن يحب هذه الحياة القصيرة والمتذبذبة إلا من لا يشعر بهذه الحياة الحقيقية وغير الفاسدة؟
أما أنتم يا إخوتي فقد رأيتم العالم كما هو. وعرفتم الله على حقيقته. وعلمتم أن شكل العالم يزول. وفهمتم أن جمال الله لا يتبدل، ولأجل هذا تسخرون من الموت ولا تهابون ضيق الزمان ما دامت عين نفسكم تتطلع بإمعان إلى آلام الصليب حتى إنكم لا تقدرون أن تحسبوا آلامكم آلاما ً. إنكم تقولون: “إذا ً أسلم غير المائت إلى الموت بإرادته لأجل حياتنا كم يلزمنا أن نعطي أنفسنا إلى الموت بدل حقيقته نحن الخاضعين للموت بقصاص المعصية على الناموس؟ لنكرم يموتنا موته لأجلنا. إذا استوجب رب المجد صليب العار، فأية إهانة نستوجب نحن الناقصين والحقيرين؟
إذا استوجب ابن الله الوحيد البصاق واللطم وجلد السياط وثياب الهزيء وإكليل الشوك والخل بالمرارة والربط على الصليب وثقب اليدين والرجلين وفتح الجنب وتقسيم الثياب
وكل الآلام مع كل الإهانات وكل الأوجاع مع كل الاستهزاء!
إذا احتمل هذه كلها لأجلنا، ألا نحتمل نحن المضائق الصغيرة عوض نفسنا لنجد بالموت الحياة الحقيقية؟”. وبالإضافة على هذا أيضا ً، إنه لخوف عظيم: هناك النار المعدة للكفرة حيث يتعذبون فيها بلا رحمة. من إذا ً لا يخاف من بحر النار ومن نهر اللهيب الكبير ومن هوة الحريق الرهيبة ومن الظلمة البرانية ومن البكاء وصرير الأسنان ومن عذاب الجحيم ليهمل حقه ويكفر “بحياة حياته أي المسيح رجاء الاعتراف؟”.
من لا يشتهي مجد بني النور و”بدلة الملكوت اللائقة ” وأكاليل المجد التي توزع على المنتصرين ومائدة اللذات المعدة للقديسين وخدر النور المهيأ للمؤمنين؟ تثبت النفس في حقيقتها بشهوة إلى هذه الأمور وترتبط بمواعيد مقصدها وتمتهن الآلام إن اعترضتها وتحتمل المضائق التي تصادفها وهي فرحة ولا تميل إلى الكفر وتسقط من الله الذي يملأ بكل سعادة كل من يستمر ثابتا ً في حقيقته.
ها إن الملكوت شهي والجحيم مخوف. والصليب محبوب ومعزز والكفر بغيض ومخجل والاعتراف جميل وفاضل وكلها تساعد بعضها بعضا ً لنثبت في الله بواسطة كلها بالحقيقة التي لا يزيغ عن رجائه.
الحذر من المعلمين الكذبة
يا اخوتي احذروا الكلاب احذروا الفعلة الأثمة احذروا المعلمين الكذبة الذين يعلنون بدل الابن الواحد الوحيد اثنين الواحد من الآب والآخر من البتول. إن درب إيمانكم سهل ومستقيم وفاضل حق اعترافكم. ختم عماذكم بالثالوث الأقدس. ويثبت اعتراف كامل في نفوسكم عرفتم الآب والابن والروح القدس ومع هذه الأسماء الثلاثة والتي هي واحد وثالوث واحد لا تقبلون اسما وعددا آخر.
تتمسك كل الكنيسة الرسولية بهذا العدد وبه تلتجئ وتنتظره وبه تحيا وكل من يفكر أو يحسب أو يضيف شيئا ً أو ينقص من هذا اسم الثالوث الممجد الأقدس يبغضه ويزجره ويفسده ويدمره ويطأ على رقبته المتكبرة ويلقيه في هوة الحفرة ويرشقه بالحرم هو وكل تعليمه.
كريستولوجيا
واضح هو دري الابن بالنسبة لكم أيها المؤمنون الحقيقيون. وكيف أنه ظهر في العالم. ولستم بحاجة أيضا ً لتتقنوا خبر تدبيره: ابن واحد مولود من الآب قبل كل العالمين. واحد يشبه أباه في كل شيء. وحيد واحد لا يقبل معه مرتبة وعددا ً آخر. إن هذا هو الابن والرب والمساوي لأبيه. هذا هو من الآب ومع الآب. أراد الآب وأرسله إلى العالم ونزل من السماء مع بشارة جبرائيل وحل في البتول التي تقدست بالروح القدس لتكون أما ً له بالنعمة. ولبس منها جسدا ً نفسيا ً بدون إضافة الأقانيم. وولد في الجسد من زرع داود بدون زواج. وقبل الميلاد الثاني مع كل الأحاسيس البشرية. وظهر في العالم إنسانيا وإلهيا. إنسانيا بالآلام وإلهيا بالقوات. وكمل بأقنومه الأمور الصغيرة والكبيرة وكانت كلها خاصته السامية منها والدنيئة: الختان حسب الشريعة والتربية الطبيعية والهرب إلى مصر والسكن في الناصرة النمو في القامة والاطوار والعماذ في الأردن والخروج إلى البرية والصوم والجوع وتجارب العدو.
وبالإضافة إلى هذه الأمور: ينطرب الأجنة وتتراكض النيرات والرعاة يبشرون والملائكة تنشد والجموع العلوية تسبح المشرق حامل القرابين والمجوسية تسجد بالاحترام والآب يصرخ: “هذا هو ابني” والملائكة تخدم والمياه تتبدل إلى خمر جيد، والبرص يطهرون والعميان يبصرون، والطرش يسمعون، والمرضى يشفون، والخبز يتكاثر في القفر، والمقعدون يقومون، والمرضى يتعافون والمنحنون يستقيمون والعرج يقفزون والخرس ينطقون، والمتعبون يستريحون والموتى يقومون.
هذه الكبائر والصغائر تخص العظيم الواحد الذي أتى إلى الصغر ليصعد الصغار إلى علو عظمته. ويوفي دين الصك القديم الذي سجل على جنسنا بالقصاص. دعي وأتى إلى المحكمة بدل آدم المذنب واقتيد ودخل السجن وجلدوه وسئل وسكت قبل الذنب عليه ولم يدر وجهه عن البصاق، وهيأ ظهره للسياط، وقدم خديه للطم، وسلم جسمه للضربات، وأهين بلباس الخزي، وضرب بالقصبة على رأسه، وحمل الصليب مثل رجل قاتل ومدّ على الخشب مثل ملعون وأحصي بين الأثمة مثل فاعل الشرور، وثقبت يداه بالمسامير وربطت رجلاه على الصليب. عار ومكلل بالأشواك.
مطعون ويحتمل الآلام، عطش إلى المياه واعطي له الخل والمرارة، يصرخ من الآلام ويسمع أنينه من الخشبة.
وبالإضافة إلى هذه الصغائر: يحمل الأحلام وحيه وجعل بيلاطس شاهدا ً لحقيقته، ليكتب “ملكا ً” بلغات ثلاث. تصرخ الطبائع بأنه رب البرايا. الأرض تهتز. المسكونة ترتعد. الصخور تنشق. الحجارة تتفطر. القبور تتفتح. الموتى يقومون، الشيول تهدم. الشمس تظلم. النجم ينتقل. النهار يهرب من خوفه. حجاب الباب يتمزق من رعبه، العناصر تتنازع بالعنف لتنحل عن بعضها، مدينة الموت العظمى يسرع الفزع لإسقاطها. أسوار الهلاك ترتجف. ضجة الحياة تسمع في بلد الموتى. يداس على اسكفة الموتى فيتزاحمون للخروج. العالم كله يرتعد بالرجفة لينحل لأنه رأى ربه معلقا ً على الصليب. تجري مصائب كبرى وقوات محيرة. الأرض والشمس قلقتان تفتشان عن فرصة لتنهزما. كل العجائب التي تصير في الخليقة والقوات التي تجري في العالم غايتها هي أن يُعرف أن الذي صلب هو الخالق.
تعود هذه الأمور المجيدة والبسيطة الى اقنوم الابن الواحد الوحيد. تخصه الآلام والقوات لأنه هكذا هيأ درب تدبيره ليجري بالعظمة والصغر. وضع نصب عينيه هدفا ً يوم دخل إلى العالم ليظهر في المجد والإهانة. في الوحيد نفسه يظهر شبه الرب وشبه العبد لأنه ” تشبه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. ويشبه أبا في كل شيء ما عدا الآلام والموت.
من يتطلع إلى عمل دربه يعد آلامه جبروتا ً لأن ضعف الله أقوى من البشر. بالشيء الذي يهان به الآخرون، أخذ هو الكرامة من الشيطان الأعداء. بالموت أعطى الحياة للعالم، وبصليب العار الخلاص للمسببين. كبا مثل جبار في المعركة وسحب نفسه بقوة في القيامة. وأقام معه كل جنس الهالكين. دخل ووطئ الموت بموته وخرج وأبهج العالم بقيامته. أعطى حقيقته لرسله المنتخبين ليخبروا ببشارته في الأمم. صعد الوحيد بالمجد إلى حيث كان في السابق، وأنجز درب تدبيره وجمع العالم للسجود لوالده. وها إن بشارته محمولة إلى كل الجهات وتعليمه منتشر في كل الشعوب. وكل الأجناس اقتنصت بشبكته.
تسرع نحو بابه كل القوات وتقبّل اسكفته كل الحشود وتنحني امام صليبه كل التيجان، وتحيا بجسده كل الأفواه وتتلذذ بدمه كل الألسن وترتل تسابيحه كل الأصوات وتستعد للسجود له كل “العوالم وكل فم يعترف أن يسوع رب لمجد الله أبيه”.
دعاكم هذا الاعتراف السائد في العالم، إلى العماذ وأهلكم للميلاد الروحي. وهو أعدّ لكم مكانا ً من اليمين حيث المسيح حال في المجد مع والده. ولأجل هذا يا اخوتي تحسدكم الشياطين وتبغضكم الأبالسة وينتصب ضدكم الشيطان العدو ويثور عليكم كلابه ويدعو عليكم الأرواح الشريرة ويجمع الذئاب ليقطعوا أوصال الخراف المسيحية. وكما ألقى في فؤاد يهوذا الماكر ليسلم ذلك العظيم المجيد هكذا يشجر الغيرة في فؤاد المضطهدين ليهيئ ضدكم الخصام.
أنتم أيها الشجعان يا أبناء اليمين تقووا ولا تخافوا وتحدّوا الموت بالاتكال على الصليب واحتقروا المضطهدين لأنهم مسلطون على الجسد فقط وهم لا يستطيعون قتل النفس. ولا تخافوا ولا تفزعوا من قضاء الزمن هؤلاء الذين هم اليوم موجودون وغدا ً ييبسون ويذبلون ويفسدون مثل الحشيش الذي لا يعرف مكانه ليذهبوا ويصيروا وقودا ً للنار في هوة اللهيب الكبرى.
تشجيع الحميريين
إن الله معكم. ولو شاء لما ترككم تضطهدون، لكنه يسمح لأنه يحبكم ليمحص حبكم يظهر حقكم وتشرق غلبتكم ويتفاضل إيمانكم وتأخذوا من الجهاد إكليل الظفر فتفرح الملائكة بجميل صبركم ويمتهنوا الأعداء بثباتكم الذي لا يرتخي. لا تحزنوا من منظر الجسد الذي يجرجر ويقطع إربا ً.
فلو بالغنا في إكرامه فهو يبلى في النهاية في الشيول ويصير فسادا ً وينهشه العث وتأكله ويذوي جماله ويتلفه الدود ويبدده. يحدث هذا بالقصاص متى ما كانت النفس شريكته بعيدة عنه وبدونها يعذب بال أجر. عندما تكون النفس حبيبته محافظة عليه وموجودة فيه وبإرادته تسلمه ليمزقه المضطهد بواسطة “الاعتراف”، فإنها تتعارك مع الشيطان ” بالاعتراف الحقيقي”. والشياطين أنفسهم يهيجون المضطهدين، والمضطهدون يقطعون الجسد إربا ً إربا ً، لأن النفس لا يقبض عليها. وهذه هي غلبة النفس.
لعلها تخاف وترتعد وتكفر “كالصبية” من ألم الجسد ومن ضرباته فتجلب الدمار: الموت الثاني عليها وعلى شريكها فيقعان كلاهما في جهنم. النفس البطلة ومحبة الانتصار بقدر ما يتألم الجسد شريكها به ترتل الشكر والتسبيح لذلك الذي جعله مستحقا ً ليكون شريكا ً لآلام المسيح.
عندما يضطهد المسيحي الحقيقي والمؤمن يحافظ على إيمانه في نفسه ويسلم جسده إلى ضربات الأعداء وكأنه يقول لمضطهديه ما يلي: “أنا أحافظ على إيماني لئلا يتضرر. أسلم الجسد بأيديكم ومهما قطعتم الجسد فأنا لا أمزق إيماني، ومهما مزقتم الجسم فأنا لن أجعل انشقاقا ً في “الاعتراف” بحقيقتي.
عندما يفسد الجسد يمكنه التجدد، أما الإيمان فلو يلطخ بالكفر فلا شيء يستطيع تجديده ليعود جميلا ً. وحالما تستنير النفس بهذا لن تتخوف بعد من الآلام. ولن تفزع من الجلد. الألم نفسه يرهبها وينهزم منها. وبصبرها تجد ذاتها غير متألمة ومتى ما غُصبت واجبرت على الانتقال من الجسد بشدة العذابات هرعت إلى لقائها أكاليل الغلبة من مشاهدي الجهاد الذين يتحيرون بمعركة صبرها الكبرى.
وهكذا ستكون مع ربنا في المجد كما هو مكتوب: “متى ما نموت عن الجسد نصير مع المسيح. الزمن سريع وقصير جدا ً ليأتي ذلك الآتي ولن يبطئ ويلبس النفوس أجسادها والجسد المجد واللا فساد”. طوبى لكم أيها المؤمنون والمضطهدون. في تلك الساعة عندما ترونه على سحب السماء وتسرع أمامه قوات الملائكة أبناء النور. وتحتفي بمجيئه أجواق النور والروح وتمتد صفوف اللهيب على الهواء مسرعة إلى تكريمه وتزاحم أجواق اللهيب بعضها بعضا ً لتمدح علامة غلبته ويهتف بوق رئيس الملائكة الأخير أمامه. وبصدور صوته تنحل البرايا ويستيقظ الموتى ويتغير الأحياء ويقوم الموتى ويترنح الراقدون كأنما من السبات ويخجل المضطهدون ويتلألأ المضطهدون. وهناك ستحقق نقمة غيرة نور اللهيب لتأكل الأعداء هناك سيظهر جمال الاعتراف ومكافأة الإيمان الحقيقي. في ذلك اليوم سترتفع رؤوسكم بالمجد وتتلألأ أكاليلكم بالغلبة وتنعمون في النور مع المسيح وتشغلون مكان اليمين وستبلع آلامكم بالمجد وتتغير إهانتكم إلى كرامة ويقع مضطهدوكم في هوة النار ويلقى في الظلمة البرانية أعداؤكم.
الخاتمة
يا اخوتي الأحباء ويا أصدقائي، شجعوا بعضكم بعضا ً وعزوا بعضكم بعضا ً واسندوا قلوب بعضكم بعضا ً بكلمة التسلية واقتنوا الأمان مع بعضكم بعضا ً كالأعضاء الأصحاء رأسهم هو المسيح واذكروا نقصي بصلاة محبتكم الروحية لاستحق بالمراحم رجاء إيمانكم.
سلام ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين. كملت.
رسالة مار يعقوب الملفان أرسلها إلى (دير) مار اسحق جبولا
الافتتاحية
إلى البار والقديس ومختار الله مار شموئيل رئيس دير متوحدي دير الطوباوي مار اسحق جبولا المقدس.
يعقوب الناقص عبد قداستك بيسوع مكمل الكل بعلامة صليبه. سلام.
الشيطان يثير الجدال
تثير هذه الدوافع بين وقت وآخر المخاصمة على جوق المستقيمي الإيمان الطاهر. إنه الشيطان عدو الإنسانية الذي يحركها فتثور، هو حسد جنسنا من بداية جبلتنا وهو يتخاصم ويعذب ويقلق ويود أن يعكر الاعتراف الذي أخذنا على عاتقنا أن نقرره من أجل خلاصنا.
يخيفه الإيمان القويم عندما يرتل في كنارة الإيمان الحقيقي. فيتحين الفرص ليلقي الخصام ويعرقل اعتراف المستقيمين ويمزق لو تمكن ثوب الإيمان الجميل ليفسد جمال الإيمان بالانشقاقات والانقسامات، ويحدث دنسا ً في اعتراف المخلصين لئلا يمجدا الله بالاستقامة كما يليق به.
لا شيء يحزنه مثل صوت الاعتراف عندما يسمع باستقامة من فم الإنسانية ولهذا يقلق ويضل البشر ليقولوا: “شيئا ً بدل شيء” ليعرقل التسبيح ويرذل الاعتراف ويثبت أساس العداء الذي شيدته الحية بين الله والبشر.
يريد هذا “المتسلط” الأثيم أن ينهي مثلما بدأ. بدأ بالكذب ويود أن ينهي الضلال. في الجيل الأول ادخل التجاوز على الوصية وألقى العداء بين الله وصورته. أما في الجيل السابع فقد علم الزنى وخلط الأجيال بعضها ببعض ودنس أولاد شيت الطاهر ببنات قائين الطريد وبجمال العاهرات المزركش. عثر وسقط الجبابرة بنو القضاة حسب نصيحة لامك ابن متوشالح الذي كان من قبيلة قائين القاتل المنبوذة. وامتلأت الأرض إثما ً. وأفسد كل بشر طريقه. وفاض كيل خطايا الأثمة في الجيل العاشر. وخرج سيف المياه من يد العدالة وقطع واحنى قامات الجبابرة وملأ الأرض خرابا ً بالحكم الرهيب الذي أصدره الديان العادل ضد الأرض التي فسدت بعمل الشيطان. ولما كثرت البشرية وزادت على “البقية” التي ظلت ليعتمر بها العالم أثار ضدها عدونا نفسه تأديبا ص وهو ينتهز الفرصة ليفصل ويبعد البشر عن الله.
وبالبناء الباطل أخضع العلو للسقوط وأيقظ غيرة العدالة فنبهت وبددت وبذرت الجمع الكبير إلى كل ريح وفصل وأبعد الأجيال عن بعضها بعضا ً.
الوثنية
وأدخلت الوثنية وعرفت عبادة الأصنام ونُسي الله وسجد للأصنام في الجيل الرابع عشر. ارتفع سلطان الهواء واستولى على العالم وأعمى بصره وجعله يتلمس ويتمسك بالأصنام وأعطاها أسماء الآلهة وجعله مجنونا ً ليسجد للحجارة ويذبح أبناءه الشياطين، ويملأ الموائد للحظوظ ويكرم عشتروت ويسجد لأشجار الأرض ولنيرات السماء ولدبيب المياه ولحيوانات البر وللأحجار المنحوتة وللعناصر المختلفة. ويعطى اسم الله المسجود له لبراياه بدل فتتيه البشرية بين الجبال مثل القطيع الذي لا راعي له وتضع البخور على كل جبل عال وتحت كل شجرة محتبكة.
وقد ظفر الرئيس المتمرد تاج الوثنية وقويت روحه ونهب مقتنيات الآب. وسكتت العدالة لئلا تفسد ختم الحرية الذي أعطاه الله لصورته في بداية جبلته فأرسلت كل الشعوب من كل البلدان اكليل الشهادة للأثيم الذي ارتفع ليصير الهاً بالخطف والاختلاس.
ولما أظلمت المسكونة كلها بعبادة الأصنام، ظهر ناموس إلهي من جبل سيناء مثل مصباح نيّر ليمهد الطريق للبشر الذين يأتون إلى الله بتحذير تعليمه. ولما بدأ يسهل
ارتفاع الضلالة المظلمة بتعليم موسى النيّر، حسد العدو الجماعة العبرانية قابلة الناموس ودخل ونصب كميناً في تفكيرها وأغراها وجعلها ملكه وكفر وأجلسها تحت اسمه وموّه حقيقة العروس التي خرجت من مصر باحتفال وأضلها بالعجائب التي صنعت أمامها في البحر والقفر وجعلها تكفر بالختن المقدس وخطبها وأعطاها العجل. معبود المصريين وضربت بالدفوف مثل السفيهات وحملت بنت الاحرار الصنج مثل المكلوبات وأصدرت أصواتاً بالطبول المربعة وهي ترفس برجليها وترتل بفمها وتصرخ أمام الصنم: أنه هو الذي أصعدها من مصر وتظهر رقبتها لله ووجهها للعجل.
ولأنها اختيرت لتكون “معلمة للشعوب ومربية للأطفال ومرشدة لناقصي الفكر” لأنها كانت الأولى في انتسابها إلى بيت الله وجدت معاكسة ومناهضة وقد زادت الأصنام الجديدة وسجدت للأصنام القديمة فاضطرب الحق في فمها لئلا تردد الناموس مثلما قبلته من الله.
دور الأنبياء في العهد القديم
فعندما يتنازع الظلام مع النور أعني الضلالة والناموس يقوم الأنبياء لينطقوا بالحقيقة. ولما كانت الضلالة متمسكة بتعليم الوثنية كان الناموس يبكت بالأنبياء ويهان الحق من قبل الكذبة وقد جعل كل سلاطين العالم معاونين للضلالة.
أما الأنبياء الناطقون بالحق فهم مرذولون ومكبوتون ومهانون ويسلمون إلى أنواع الموت المختلفة والآلام المتنوعة. منهم من رجم ومنهم من ألقي في الحمأة ومنهم من أسلم إلى النار وإلى الحيوانات لتجبر الجموع الدنسة التي جمعتها وأقامتها لها الوثنية في العالم. لكي ترغم كنارة التعليم الإلهي الحلوة على السكوت بواسطة الهزء والاهانات.
وبما أن الناموس الإلهي لا يعرف معنى للهدوء فقد اضطرمت غيرته بإيليا الذي صار موسى الثاني بواسطة المحبة والقرب من الله. وأخذت الغيرة هذا العبد النشيط والمعلم الكبير وهو يتشدد بالله فصرخ في البرايا وزجرها وحوّلها من السلوك الاعتيادي. ومنع المطر والطل بكلمته الغنية بالله. وبينما كان متحمساً للرب ومحارباً الضلالة بكت جهة اليسار بتأديب مسكوني خرج من فمه بالكلمة الربانية. ولما خجلت الوثنية بأسرها من هذا النبي العزيز ظهر آحاب وايزابل على رأس الوثنية وأرادا أن يؤسسا جهة الضلالة لئلا يدمرها إيليا.
وحدث مشهد كبير في الكرمل. اجتمع كل المكر وكان إيليا واقفاً وحده على رأس تعليم موسى ويقوم آحاب وأحبار الآلهة والأنبياء الكذبة على رأس الوثنية ليشنوا حربا ً ضد حقيقة إيليا على الجبل وينسى اسم الله من الخليقة حتى لا يذكر نهائياً كما يظنون. ولما اصطفت الجبهتان ضد بعضهما بعضاً واجتمع الشعب بأسره أعني لتجربة الله. تجلى مشهد عظيم وفحص الكثيرون بالنار الجلية. وظهرت حقيقة إيليا بأسفار الوجه. وخجلت الضلالة وخدامها أما كل المنقسمين المتألبين لمشاهدة المنظر.
وأشرق هناك الناموس الإلهي كما أشرق في سيناء واستقام التعليم المشوش بواسطة إيليا المعلم الروحي. ولما شرع الحق ينتشر في العالم، والخلائق تنسى اسم الأصنام وإيليا يصدق مثل موسى في العالم والناموس يستولي على الخليقة بأسرها توقدت الخطيئة بواسطة ايزابل خادمة الأصنام الكبرى، وصديقة التماثيل واخت الآلهات واحتقرت مشهد إيليا الذي صنعه على الكرمل وبدأت تهدد لاصطياد نفس البار. ولكونه اختار منذ البداية أن يبدأ بالتواضع خاف إيليا من تهديد الذئبة قاتلة الأنبياء فانهزم لينقذ نفسه من موت ساكبة الدم البريء وتوجه إلى سيناء ليتسلى هناك بالله ومع الله حيث كان الطوباوي موسى يتمعن في المشهد المحيي.
وبما أن عدالة الله تكافئ تماماً وبسخاء الذين يسلكون دربها حسناً، شفقت على غيرة إيليا لئلا يهان الرجل الصالح في العالم الذي يهين فتشكل منظر لهيب مشجور كالعربة من لدن الآب لصعود إيليا وارتفعت هذه الغيرة من عالمنا وظل العالم على وثنيته كما كان.
في آخر الزمان أرسل الله ابنه ليخلص الإنسانية
وفي آخر الأزمنة لما انتهى دور كل المُخلِّصين أرسل الله ابنه وصار من امرأة. أتى الكلمة ابن الآب ودخل من أذن البتول وحلّ في حضن الصبية المقدسة وتجسد فيها ومنها نفسياً وعقلياً وصار إنساناً وأخذ منها شبه العبد وخرج إلى العالم وصار منا ومثلنا ليجعلنا معه ومثله وأعطانا نفسه ليأخذنا لأبيه ونزل إلى أسفل العمق ليرفعنا إلى قمة العلو وتواضع غاية التواضع ليحتقر بتواضعه الأثيم الذي أراد أن يصير إلهاً بالاختلاس. وبما أن الأصنام دعيت آلهة بالضلالة قَبِل عليه وهو الله أن يدعى ابن الإنسان حتى ترى الضلالة أن الله دُعي إنساناً لتخجل من ذاتها لأنها تجاسرت أن تدعو البشر آلهة بتسمية لا تخصهم.
اصطف تواضع المسيح ضد قمة الضلالة لتبطل الوثنية من الأرض بالتدبير الإلهي حتى يشاهد العلي كم أنه تواضع ليحتقر الشياطين الذين أرادوا أن يتكبروا كثيراً وتخلص بتواضع الابن مقتنيات الآب ويفضح المتسلط الأثيم الذي تسلط على العالم المظلم بالخطف، ولأجل هذا تواضع ذلك السامي ولبس التواضع لتحتقر بواسطته الكبرياء وليعرف الآب بتواضع ابنه. فبه وحده يليق السجود من خلائقه، ويهتك المتمرد بالعلو الذي خطفه لأنه لم يحل محله يوم دعي إلهاً للخلائق.
قَبِل ربنا أن يشنّ حرباً ضد هذا سلطان الهواء، فخرج إلى القفر وسمح للشيطان أن يثير ضده تجاربه، وقام الوارث النشيط لينتقم من المتمرد في الحرب الروحية وأخذ منه المقتنيات المنهوبة العائدة إلى بيت أبيه واحتقر تعسف الاثيم الذي كان مستوليا ً على الخليقة بالضلالة.
ولما ضل الشيطان كالثمل وشن حرباً ضد ربه كالمتمرد لأنه أغواه بالطعام لكنه لم يرتخ وأقلقه بمحبة المجد ولم يخضع وأغراه بمحبة الأموال وبعظمة المسلطين ولم يشته. احتقره وألقاه وراءه ونسفه وأوقعه كالبرق من السماء، فاحتضن الخذلان.
احتقره المشاهدون الخفيون: الملائكة الذين يفرحون بالخيرات. فتردد تسبيح عظيم من جمع الروحيين: مشاهدي الجهاد الحسن، فتزاحم كل الملائكة القديسين لخدمة المسيح. تحيروا بمحاربة تواضعه، فبدأ يسير درب القديسين في النور فتُحتقر كبرياء الأثيم بتواضع “الصديق” وتخجل الضلالة التي تصوغ الأصنام برؤية الله المليئة عجباً. لأنه تراءى في العالم كإنسان، ويحتقر ويفضح كل الكذب بالحقيقة التي ظهرت جلياً في تعليم المسيح.
ربنا أراد أن يوفي بعدالة الصك العمومي الذي كتبه واستوجبه عليه رئيس الأجناس بمشورة الثعبان القاتل فقبل عليه الموت العمومي لأنه هو أيضاً كان صكاً يطالب به الموت من كل جنسنا. وإذا لم يكن باب الموت مفتوحا ً نهائياً في انسانيته التي صارت من البتول القديسة بدون خطيئة لزم أن يدخل الموت من حيث لا باب للموت، ليس قسراً لكن بإرادة المسيح الصالحة الذي قبل عليه أن يوفي الدين الذي تلاشى بموته من جنس آدم.
دخل المنتصر إلى المحكمة وسكت ولم ينبس ببنت شفة ليستحق الذنب، وقبل الصليب ليخلص ووقف على قمة الجلجلة ليجمع الخليقة للسجود لوالده. وتعرى على الصليب ليعطي الحشمة بتعريه لتلك “الصورة الكبرى” التي تعرت بين الأشجار وقامت في خجل وهي لابسة كساء الأوراق وبينما كان واقفاً عارياً على قمة الصليب أعلنته الطبائع من هو؟ وابن من هو؟، أي الأرض بزلزالها، السماء بظلمتها، الشمس بتعرّيها من النور، القمر لا يظهر ضوءه للعالم، الحجاب يتمزق، الحجارة تتشقق، الصخور تتفطر، القبور تتفتح، الشيول تهوى، الموتى يزدحمون ليخرجوا، أسس الشيول تتضارب بعضها ببعض من الإحساس بالانبعاث، لأنه توجه ليدخل عند الموتى. فلما اشرقت وعرفت بطولة الوحيد: لم يمت لأنه ضعيف لكنه يريد أن يخلص لأنه رحوم. وشرب كأس الموت بإرادته، ودخل إلى أرض الموتى السفلى ليقوم بعمل جبار حيث كانت تلك “الصورة البهية” محبوسة فغطس في الهوة كالسباح الشجاع، في أثر المرجانة الثمينة، ونزل وحبس نفسه وحل آدم المقيد وكسر أبواب الهلاك وأخرج ذلك الجبار رئيس الأجناس وأطلقه من الظلمة.
وكان محبوسا ً منذ ستة آلاف سنة ولم يكن أحد يستطيع أن يخرجه من ذلك موضع الظلمة إلى موضع النور. ولما مكث الحي في مدينة الأموات ثلاثة أيام وأنجز المهمة التي من أجلها أرسل من العلو إلى العمق قام هو أيضا ً بقوة وعز والده ولم يحبس في الشيول ولم ير الفساد بين الموتى ولم يتدنس بحمأة المدفونين لكنه عاد بالعز وقوسه يقذف وغلبته تتلألأ وجبروته مشرق أكثر من الشمس والعتاة مكتوفون بقوته وهم مجندلون أمامه على باب الشيول: العدوان: الشيطان والموت. وهو يقود معه سبي المخلصين ويرتل له من هم من يمين الآب بالتسابيح لأنه جلب عند أبيه المقتنيات الهالكة بآلام أقنومه وأحست كل الخليقة بتواضعه اللامحدود وبجبروته الفائق الوصف بأن الأصنام دعيت آلهة بالضلالة.
الثالوث
وظهر وعلم واتضح وتحقق أن: “لا إله إلا الله الواحد” المعروف والمعترف به والمسجود له والممجد بثلاثة أقانيم مقدسة أعني الآب والابن والروح القدس. ذلك الذي يكرز ثلاثاً ويسجد له واحداً ويعرف واحداً ويمجد ثلاثاً وهو إله مع كلمته وروحه.
إن الآب هو الذي قال: “أنا الأول وأنا الآخر”. والكلمة هو ذلك الذي أعلنه النبي: “أرسل كلمته وشفاهم وأنقذهم من الفساد” والروح القدس هو الذي تكلم عنه النبي: “إن الرب الإله أرسلني وروحه”. أما الابن الوحيد فهو ذلك الذي يتكلم بأبيه وبه يتكلم أبوه وأظهره الحق لرسله وهو يقول: “اخرجوا تلمذوا جميع الشعوب وعمذوهم باسم الآب والابن والروح القدس”.
إذ هذا هو الاعتراف غير الزائل وغير المفحوص وغير المتبدل ليكون إيمان كل الجنس البشري ثابتا ً باسم الآب والابن والروح القدس الاله الواحد المسجود له ولا يجب السجود معه لأحد غيره. إن الآب لا يدرك والابن لا يجادل عليه والروح لا يفحص. الآب نور حقيقي والابن شعاع أزلية الآب والروح إشراق لاهوته. وهو نور واحد حقيقي لا يعرف بالأجزاء. ويسجد له بالأقانيم.
وخجلت الوثنية وسقطت عبادة الأوثان بهذا التعليم الحقيقي وتحطمت التماثيل وتكسرت المنحوتات وصار الرسامون هزءاً وفضحت حيلة رئيس الإثم لأنه أطلق على البرايا بالضلالة أسماء الآلهة. إلى حين ظهور الله في العالم في الجسد كانت الضلالة لابسة الخلائق حتى أنها كانت تدعى آلهة.
ولأجل هذا جاء الوحيد إلى العالم وكان في العالم إذ تشبه بجسد تواضعنا وصار معنا إنساناً. وحّدنا معه جنسياً بميلاده من مريم، تبعتنا نفسه جنسياً وعرقياً لنراه بعيننا ونسمعه بآذاننا ونشتمه بأنفنا ونمسكه بأيدينا ونأكله بفمنا ونشربه بشفاهنا ونسبحه بقلوبنا لتستأصل منا ضلالة الأصنام التي أضفت إلينا بالكذب اسم الآلهة الباطلة حتى نحسب عمل الأيدي البشرية اربابا.
وبهذا التعليم الصحيح أحست الخليقة بالفعل والقول بأن درب الأوثان أغلق كي لا يلج إلى العالم بعد. وسقطت وفضحت المصنوعات لئلا تدعى بعد آلهة. ولما استنارت الخليقة كلها بتعليم المسيح الحقيقي، ليعرف الله كما هو ويسبح الخالق مثلما يليق به وتحتقر الاصنام مثلما هي (محتقرة)، تنشط هذا التنين القاتل في بث سمه فتحير واندهش واضطرب وخجل وفضح. ولم يعد يعرف ماذا يصنع؟ رأى أن الاصنام لن تقوم بعد، وليس ممكناً أن تستمر الوثنية ثابتة أمام الصليب. هؤلاء الذين دعيوا آلهة نزع عنهم الاسم الذي ليس لهم برؤية الله الحقيقي الذي ظهر جسدياً في العالم. وما دامت لجة مرارة العدو الكبرى تتعزز بشرّها كما هي فضح وشرع يضطرب ويضع العثرات في درب الصليب السوية أمام الذين يسلكونها بإرادة مرتخية بلا إيمان نهائياً. ترك الاصنام وجاء ليعرقل إيمان درب تدبير ربنا المستقيم.
تلاميذ الشيطان
مرقيون وبرديصان وماني وعود وسابيليوس وفوطينوس وآريوس والبقية
وكوّن له تلاميذ بإزاء الرسل وزرع الزؤان ليقلق الحنطة وبدأ يتكلم بفم تلاميذه عن درب المسيح بصورة معكوسة أعني بواسطة مرقيون وبرديصان وماني وعود وسابيليوس وفوطينوس وآريوس وبقية الآخرين أمثالهم الذين لا يلزم أن أسرد أسمائهم في الوسط لأن ذكرهم محي من كنيسة الرسل الجامعة.
لما بدأ “أبناء الحية” هؤلاء يزحفون (رشاف) إلى المسكونة وينفثون السم ويلحقون الضرر بالكثيرين ويقلقون الدرب الإلهي والمليء نوراً الذي مهده المسيح في العالم، تعزز تعليم المسيح المستقيم في الكنيسة بنت النور عروس الحق التي خطبها الرسل للصليب. واحتقرت بالحقيقة كل التعاليم المزيفة ورذلت ضلالتهم وضحكت على كلامهم واضرمت النار في كتبهم. استأصلت وخربت مخابئهم وهي تمسك بالصليب كالمصباح النيّر، وهو الذي ردم ارتفاع الضلالة أمامها وبنوره البهيج قرّبها من والده المسجود له. ولجمت ورفعت ضلالة التعليم من الكنيسة مثلما فضحت وبطلت الوثنية كلها من الأرض.
نسطوريوس
بعد هذه، جلب وأدخل إلى الوسط ميناء التجديف المنطقي بحيلة العدو الماكرة وهو مسلح بكلامه المزخرف والمحتال ضد الحق وقد تسلّح بجبروت من مخزن الوثنية ومن كلام التعاليم الباطلة. أعني نسطريس المحروم هذا الذي يستحق الذكرى المليئة كل الويلات هو والذين يرتأون برأيه وينهجون منهجه الماكر في درب تدبير المسيح. وشرع ينفث السم من ينبوع التنين النتن الذي كان نفسه المكلوبة مليئة به بواسطة القربى القديمة التي كانت تربطه بالوثنية، وشرع يتكلم بتعليمه قائلاً:
“إن المسيح الذي ظهر في العالم ليس الابن الأزلي. آخر هو الله غير المنظور وغير الملموس. آخر هو الإنسان الذي ولدته البتول مريم والذي يرى ويمسك ويعرف بأقنوم طبيعته ويدعى ابن الله بسبب اتّحاده بذلك الابن المتساوي وهما بأخذ الشخصين إله واحد
جدف أيضاً وقال:
“لا يجب أن تدعى مريم البتول والدة الله لكن والدة المسيح”. وفُضح بهذه العبارة فهو لا يعرف المسيح إلهاً من إله. ولا يؤمن أنّ لله الآب ابناً واحداً وحيداً لكنه يصفّ في كلماته اثنين. الواحد من الآب والواحد من البتول الواحد منظور والواحد غير منظور، الواحد صلب والآخر لم يقترب من الصليب”.
وأراد الوثني في كلّ مناسبة أن يدخل ويصفّ مع وحيد الله لو لم يردعه إيمان المستقيمين ويخجله. وينتهز الفرصة أيضاً ليقول:
“من المعلوم خاصة والواضح أنه يعدّ في المسيح طبيعتين حتى بعد الاتّحاد ولكلّ واحدة من الطبيعتين أقنومها وخاصة منه وإليه. وقال أتباعه الآخرون الذين أرادوا أن يثبتوا هذا التعليم الأعوج وينشروه بالحيلة.
“يجب أن تحفظ خصوصيّات الطبيعتين وهما مجتمعتان في شخص واحد أعني تحفظ خصوصيّات الطبيعتين لكل واحدة منهما هذه خصوصيته: الطبيعة الإلهية لا تُرى ولا يُحبل بها في البطن ولا تحل في الامرأة ولا تولد مثل الإنسان ولا تُلف بالأقماط، ولا تنمو وتتدرج حسب الاطوار، ولا ترضع الحليب ولا تأتي إلى العماذ، ولا تُصلب على الخشبة ولا تدخل عند الموتى.
لكنها خفية وبعيدة عن كل تدبير حدث في درب المسيح غير المدرك.
إمّا إذا تحفظ خصوصيات طبيعته البشرية لا يُحبل بها بدون زواج ولا يسير المجوس مع قرابينهم بإشراق النجم للسجود لها. ولا تبدل الماء خمراً، ولا تمشي على أمواج البحر، ولا تدعو الميت بعد أن أنتن وتخرجه من شقوق الهلاك، لو يحفظ خاصة الله خصوصياته وللإنسان خصوصياته.
يُرى بوضوح حسب هذا التعليم المعاكس: إله واحد من إله لا يدنو من التدبير في الجسد.
إنسان واحد من بنت البشر لا يشترك بالقوات والآيات التي اجترحها وحيد الله في العالم.
أعلم الآن أيها المستقيم الإيمان السامع أن هذه النظرية أنبتت هذا التعليم من عكر الوثنية لأن وحيد الله واحد.
ثم أن هذا المعلم المعاكس يثري تلاميذه بالتجاديف. ففي تعليمه: يدخل ويعدّ مع الواحد الوحيد إنساناً آخر. وهو يريد بذلك أن يفسد الاعتراف بالثالوث. ويعرّفه رابوعا بدل الثالوث!
كريستولوجيا
لله الآب ابن واحد فقط. وهو غير منظور، تراءى في الجسد. الغني الذي افتقر ليغني بفقره المساكين، الكلمة الذي صار جسداً بدون تغيير بتجسده من البتول. ابن الله الذي اتحد بالجسد البشري فصار ابن الانسان بميلاده الثاني وولد من شابة بدون أن تعرف الزواج.
ومن لا يعترف هكذا فهو غريب عن اعتراف الثالوث الذي به يثبت الإيمان وهو الذي فضح واحتقر ودمر وأزال الوثنيّة وجميع التعاليم الضالة من الأرض كلّها.
عُرف الآب والابن والروح القدس وظهر وأعلن أنه إله واحد مسجود له. ليس معه أقنوم آخر يشاركه في السجود. واحد هو الآب القدوس وواحد هو الابن القدوس وواحد هو الروح القدس. الآب لم يولد والابن مولود والروح ينبثق من الآب ويأخذ من الابن وهو الفارقليط الحقيقي معلم ومكمل الإيمان.
لا أحد يستطيع أن يقول: “الرب هو يسوع إلّا بالروح القدس وليس أحد يتكلم بالروح ويقول إن يسوع محروم أو غريب عن الثالوث لأن يسوع المسيح هو وحيد الله: واحد الابن القدوس. هذا الذي يعترف به واحداً وحده كما أن الآب أيضاً واحد وحده.
وهلّم أنصت إلى ابن الرعد القائل: “كل روح تعترف أن يسوع المسيح أتى في الجسد هي من الله وكل روح لا تعترف أن يسوع المسيح أتى في الجسد ليست من الله”. ترى إذا ان يسوع المسيح هو الوحيد وابن الله الحقيقي وهذا: “هو الذي أتى إلى خاصته وخاصته لم يقبلوه”، ولأنهم لم يقبلوه صلبوه أيضاً. ولا شخص آخر ليصلب معه ما عدا ابنه الوحيد نفسه الذي ظهر في الجسد وهو الله على الكل.
في الجسد ولد من البتول.
وفي الجسد ظهر في العالم.
وفي الجسد صلب.
وفي الجسد ذاق الموت حسب التدبير.
وفي الجسد أصبح ذبيحة وقرب نفسه قرباناً بلا لوم لله أبيه. وأخذ خطايا الكثيرين على أقنومه وصار رئيس أحبار ومقرباً وذبيحة. ومنا يقرب نفسه لأبيه ومع أيسه يقبل باكورة أقنومه لأنه صار ذبيحة بدل جنس المخلصين بأسره.
واحد هو الوحيد قبل الجسد وبعد تجسده. ولا يستطيع إيمان المستقيمين أن يجد في المسيح أنظمة وأعداداً وأقانيم وطبائع متميزة ودرجات سامية ووضيعة لأن المسيح واحداً يشبه أباه في كل شيء ما عدا التجسد والآلام ويشبهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة والفساد.
إنه إله مع أبيه لأنه مولود منه وصار إنساناً معنا لأنه تجسد منا ولا يعرف جسده خارجاً عنه بالعدد وليس لاهوته غريباً عن جسده منذ بشارة جبرائيل وإلى الآن لأنه أخذ شخصياً شبه العبد وليس كمقتنى مثل شيء آخر خارجاً عنه.
المسيح واحد لا يقسّم
ولو ردّ عليّ من يضاددني وقال: آخر هو الكلمة ابن الآب ويسوع ابن البتول هو آخر، ويقال إنهما شخص واحد بالسكنى والالتحاق.
غير أنّ الكتب لم تلقنّي هكذا لأقسم المسيح إلى اثنين لأرى فيه واحداً مولوداً من الآب والآخر مولوداً من البتول: “لكن الكتب علمتني لأتكلم هكذا عن الابن الكلمة:
“هو صار جسداً، وأرسل الله ابنه إلى العالم وصار من امرأة، ولم يشفق على ابنه لكنه أسلمه من أجلنا كلنا، وهكذا أحب الله العالم حتى أنه أعطى ابنه الوحيد بدله، وفي هذه الأيام الأخيرة تكلم الله معنا بابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء وبه صنع العالمين وهو صورة مجد الآب وضياء أزليته وهو بأقنومه عمل تطهير خطايانا. في العالم كان والعالم لم يعرفه وأتى إلى خاصته وخاصته لم يقبلوه. مَن صُلب هو الذي كان في العالم قبل أن يأتي ليتجسد ويُصلب.
عن الابن علمتني الكتب ما يلي وهي تعلنه:
واحداً بالعظمة والصغر وحيث تسميه الله فهو من الآب، وحيث تتحدث عنه كإنسان، فلكونه تجسد وصار من البتول ابن الانسان.
وتسميه الوسيط بين الله والناس: الانسان يسوع المسيح. الوسيط واحد. وسيط واحد من الجهتين. لا اثنان من جهتين اثنتين. الواحد من هذه الجهة والواحد من تلك. فلو كان هكذا لكانت كل جهة تتمسك بخاصتها ولما كان يوجد وسيط. وبما أنه اقتضت الحاجة إلى وسيط، أُرسل الابن الكلمة من منازله العليا وأتى ليتفقد بنزوله الأعماق السفلية.
دخل من أذن البتول ليفسد سم التنين، وأخذ الجسد بلا خطيئة بأقنومه بدون إضافة عدد غريب وتأنس وصار بشبهنا ومثلنا ولأجلنا. وإذ كان صورة الله الآب أخذ صورة العبد وتشبه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة.
وبما أنه كان من الآب ثم صار أيضاً منا وُجد وسيطا لأنه قرّب بأقنومه الجهتين إلى بعضهما بعضاً. ونقد سياج العداء ولاشى المخاصمة التي ألقتها الحية في الجنة، وأغضبت الله على البشر ووفر الأمن بين الجهتين المتخاصمتين وجعل البشر من جنس الله. فصار بكراً لأخوة كثيرين. وجعل لأبيه أبناء كثيرين بميلاده الثاني من البتول وجلب أباه ليكون أبا ً ودعانا بمولده لنكون بنين لأبيه، وخلصنا مع والده جنسياً. وصار وسيطاً حقيقياً من أبيه ومنا وصالحنا مصالحة حقيقية لأنه لم يمل في الوساطة إلى إحدى الجهتين بالمحاباة ليترك إحدى الجهتين وينحاز إلى تلك الأخرى، لكن من الجهتين.
الابن الواحد الوسيط الذي بوحدة أقنومه جعل واحداً بالأمان الكبير هؤلاء الذين كانوا متخاصمين مع بعضهم بعضاً ولأجل هذا، تعرف الكتب الإلهية أن تصفه واحداً. وعندما تتكلم عن الكبائر فيه وعندما تتحدث عن الصغائر فيه فهي تصف “الوحيد” ولا تميزه وتقسمه الى. لتعطي الكبائر للواحد والصغائر للآخر. لما تنظر إلى ميلاده الأول الذي هو بلا جسم وبلا بداية تقول فيه: “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله والله كان الكلمة”، كان في العالم والعالم لم يعرفه” به وُجد العالم وبواسطته صُنع العالم، وهو ضياء أزلية الآب”، “وأنا وأبي واحد نحن”، “أنا من الله خرجت” وأتيت إلى العالم، “ومن رآني فقد رأى الآب”، “وترون ابن الانسان يصعد إلى حيث كان في السابق” وهو الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح. “قبل أن يكون إبراهيم أنا موجود”.
تتكلم الكتب عن الابن بهذا وما شابه هذا وهي تنظر إلى كون اسمه قبل الشمس وهو إله بلا بداية مع ابيه بميلاده الأزلي الذي لا تحصره الكلمة.
ولما رأته أيضاً أنه أرسل من قِبل الآب وأتى للتدبير في الجسد ليكمل الكل بفعل أقنومه. تتحدث الكتب عن الوحيد هكذا: “الكلمة صار جسداً، إلى خاصته جاء وخاصته لم يقبلوه، الآب الذي أرسلني أعظم مني، لماذا تريدون قتلي أنا الرجل الذي تكلمت معكم الحقائق التي سمعتها من الله، ويسوع المسيح ظهر عندكم رجلاً من الله، وقد نقصه قليلاً عن الملائكة. رأينا أنه يسوع المسيح من أجل ألم موته. أنه إله ربنا يسوع المسيح من أجل ألم موته. أنه إله ربنا يسوع المسيح. أبو المجد. ومن الخوف والآلام التي احتملها تعلم الطاعة. لا يقدر الابن من إرادة نفسه أن يعمل شيئاً، وجعل الله هذا يسوع الذي صلبتموه رباً ومسيحاً. اذهب عند إلهي وإلهم، ولأنه صلى وصار دمه مثل قطرات الدم وظهر له ملاك ليقويه، صرخ بصوت عال وأسلم روحه. وقد لف بكفن الكتان النقي ووضع في القبر. بهذه الصغائر جميعها تتحدث الكتب عن الوحيد.
ومتى ما يوصف بهذه (العبارات):
بعد أن تجسد بعد أن تأنس
بعد أن أخذ شبه العبد
بعد أن “تشبه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة”.
بعد أن صار إنساناً بتجسده من البتول
بعد أن قبل عليه الولادة الثانية وأتى بالجسد لكي يمزق بتدبير أقنومه صك الدَين الكبير الذي كان يزأر بالأجيال والقبائل.
كل هذه الصغائر نسبت إلى الابن في أيام جسده. فلو لم يأت للتدبير في الجسد ذلك الذي “أتى إلى خاصته وخاصته لم يقبلوه”، لما كانت تنسب إليه هذه الصغائر، لكنه أتى في الجسد وظهر في الجسد ووجد في الصورة والهيئة كإنسان لزم أن تصفه الكتب المقدسة كإنسان ليتضح جهراً طريق تدبيره في الجسد. لم يصر إنساناً بالاستعارة لكنه “تشبه بنا بالحقيقة في كل شيء ما خلا الخطيئة. تشهد الكتب: “الكلمة صار جسداً وصار بالحقيقة ابن الانسان وظل إلهاً لعدم تغيير طبيعته وهو كما هو: إله واحد وحيد غير مدرك تكلمت عنه الكتب إلهياً لأنه صار بالحقيقة إنساناً. ولم يتبدل من كونه إلهاً.
عندما تسمع الكتاب يقول: “كان يسوع ابن ثلاثين سنة وأتى عند يوحنا ليعتمذ” افهم أنه يقصد بالعدد بداية درب تدبيره في الجسد ولا يجعل لأقنومه بداية ليخضع لعدد السنين ذلك الذي اسمه قبل الشمس، وكان قبل أن يكون إبراهيم. أتى يسوع في الجسد كما شهد يوحنا ابن الرعد. ويسوع كان ذاك الذي لم يُقبل لما أتى إلى خاصته، ومكتوب “باسم يسوع تنحني وتسجد كل ركبة في السماء وعلى الأرض. ويجب السجود للإله من الإله وليس لشخص غريب دخل في الأمس ويُسجد له اليوم.
هذا ما حدث في وقت كانت الأصنام تدخل إلى العالم. أتى الذي يبطل الوثنية من الأرض، أتى ليعيد الضالين وينزع السجود عن كل اسم يسمى إلهاً بالخطف، وهو ليس إلهاً بالطبيعة يعطي السجود لمن يجب له. كثر الساجدون، أما المسجود له فلم يكثر. لن تزول [عبارة]: لا يوجد ولن يوجد إله قلبي. كتب في النبي: “انا هو الأول وأنا هو الأخير”.
وما قيل عن الآب يجوز نسبه إلى الابن. كقولنا: “أنه ابن قبل التجسد وبعد التجسد. كما هو مكتوب أيضاً: “يسوع المسيح البارحة واليوم وإلى الأبد”. ويسجد له بعدل مع أبيه لأن السجود كان يخصه قبل أن يأتي إلى العالم ويظهر في التدبير الجسدي. إن خبر دربه وعلّة مجيئه هي أن ينزع السجود من أولئك الذين ليسوا بطبيعتهم آلهة ويعطي السجود لله الواحد الحق الصانع المخلوقات بأسرها. فله وحده يجب السجود من خلائقه كلها: “لأن كل مصنوع ومخلوق هو ساجد لصانعه”.
يعقوب لا يسجد “للإنسان المأخوذ”
وإذا ظنّ أحد من دعاة هذا التعليم الذي نحن ننقضه الآن إنه يتكلم بحكمة وبسمو حين يقول: اسجد للأرجوان بسبب الملك الذي يلبسه، وللهيكل بسبب م يسكن فيه، وللإنسان المأخوذ لأجل الكلمة المتحد به. ماذا أقول الآن ضد أقوال هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم حكماء. لقد ضلوا!
المسيح ليس أرجواناً
أكرر كلمة النبي: إنهم لم يعرفوا ولم يفهموا لأنهم كانوا يسيرون في الظلام. لو لم تكن ظلمة الضلالة مسدولة على فكرهم لما كانوا يحسبون يسوع “أرجواناً” والكلمة “ملكاً”! لأنه لم ينعت الملك أبداً بأنه صار أرجواناً ولم يتحد بلباسه ليصير معه واحداً ولم يأخذ الأرجوان بأقنومه ليلبسه لباساً لا ينزع ولا يحسب أحد في العالم الأرجوان شخصاً يسجد للباسه مع الملك ولا أحد يقول “أن الملك يشبه لباسه في كل شيء”!
المسيح هو كلمة
أما بخصوص الكلمة فإنه مكتوب: “صار جسداً، وظهر في الجسد. وتشبه بنا في كل شيء ما خلا الخطيئة، وأخذ صورة العبد، وصار في شبه جسد الخطيئة، والسر الخفي عن العالمين منذ تجلى في الجسد” من المعلوم استناداً إلى هذا، نحن لا نسجد لآخر من أجل آخر لكن للوحيد الواحد المسجود له مع أبيه وروحه وهو خفي وقد ظهر في الجسد.
المسيح ليس هيكلاً
إذا كان يسجد للهيكل من أجل السكنى فيه فيؤدي السجود للهيكل وللساكن فيه سوية. إذ يجب السجود لأكثر الخلائق:
للسماء لآنه مكتوب: “يسكن الله فيها”،
لأورشليم لأنه مكتوب: “يباركك الرب من صهيون الساكن في أورشليم”،
للبشر لأنه قيل بخصوصهم: “سيكونون لي هياكل وأسكن فيهم وأمشي بينهم”،
للغيوم والهواء لأنه مكتوب: “ها إن الرب راكب على الغمام السريع ويدخل إلى مصر”.
السجود لله
وسيكون السجود موزعاً على الخلائق كما في عصر الأصنام وسيسجد لها مع الله لأنه قيل: إن الله يسكن فيها”. فيجب إذا أن نسجد لقدس الأقداس الداخلي وللقبة المخلوقة ولهياكل الحجر المنحوتة ولكل موضع دعي مسكن الله. غير أن الكتب الإلهية تحذرنا في كل مكان بألّا يسجد لشيء آخر خارجاً عن الله المسجود له. إنه مكتوب: اعمل لي مذبحاً من الأرض. ولا تبن لي مذبحاً من الحجارة المنحوتة ولا تقطعها بالحديد وتدنسها لكن شيد لي مذبحاً من حجارة كاملة لم تشتغل بالحديد أو تزين بنحت الصناعة”.
وبهذا يعلمنا الله أنه أمر أن يُشيِّد له مذبح من حجارة غير منحوتة ومزخرفة لكيلا تُرى صورة شيء في عمل حجارة الهيكل يُسجد لتلك الصورة مع الواحد المسجود له. قيل بالنبي: “لن أعطي كرامتي لأحد ولا مجدي للمنحوتات”. أمر الناموس أيضاً: لا تشتل شجرة بجوار مذبحي”. واعلم من هذا أنه يريد أن يبطل كل سجود لكل صورة وليحفظ السجود له وحسب لأن ملكه وحده.
لو شُتلت شجرة بجانب المذبح، فإنه يعرف أن طول الوقت وعادة الطفولة تؤدي إلى أداء السجود للشجرة مع الله. وبما أن الله لا يريد أن يُسرق السجود منه بأية فرصة ولأية جهة لا يسمح أن يبنى له هيكل بحجارة منحوتة ولا أن تشتل الأشجار حول مذبحه لئلا يميل ويُسجد ويحترم إمّا المنحوتات الحجرية وإمّا الأشجار الجميلة.
إذا لا طائل من القول: “يسجد للهيكل من أجل الساكن فيه” وذلك لأن السجود موجّه إلى واحد ويؤدي لواحد. ولن يُعط أبداً بعدالة لاثنين أو أكثر. استناداً إلى ما قيل، يريد هؤلاء الحكماء المتحكمون أن يصفوا من لا يوصف بهذه [النظريات] لأنهم يسجدون للإنسان المأخوذ بسبب الله الذي أخذه.
كريستولوجيا
إذا علينا أن نسألهم: “كيف يفسّرون أنه أخذه؟ هل شخصياً أم بالمقتنى؟ هل أخذه بواسطته أو هل أخذه بواسطته أو هل أخذه له؟”. فإذا أخذه له واقتناه فهو شيء خارجاً عنه ولا يُعدّ معه ولو أنه ملكه. وهذا هو خارجاً عن عدد الثالوث وليس قريباً من السجود يجب فقط للثالوث.
أما إذ أخذه بواسطته وأخذه شخصياً فهو إذاً الابن الذي أخذ صورة العبد وليس معه عدد أو أقنوم خارجاً عنه وله نسجد وليس بسببه نسجد لآخر معه. لم يأخذ الانسان ليعرف بالأقنوم والعدد خارجاً عنه لكنه هو ابن الانسان لكونه ابناً وحيداً: “أخذ شبه العبد وتشبه بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة”. مكتوب: “الكلمة صار جسداً”. ليعرفنا أنه لم يلحق به عددياً شيئاً خارجاً عن أقنومه لكن أقنومه بالذات صار لأجلنا ما نحن عليه وظل فيما كان عليه بدون تغيير.
يعقوب يطلب رأي الآخرين
الآن يا مستقيمي الإيمان أصدروا أنتم الحكم بدون محاباة على هذه الأقوال. وأنتم بعيدون عن أي غرض وأي فكر مسبق كوّنتموه بمرور الزمن أو بالعاطفة البشرية. هل يجوز لنا أن نتفوّه بمثل هذه الأقوال المضادة لكي نسجد للإنسان المأخوذ بدل الكلمة الذي أخذه كما هم يقولون؟ وللهيكل من أجل السكنى فيه؟ وللأرجوان من أجل الملك؟
التدبير الإلهي
لنرَ الآن هل يجوز لنا أن نسجد ليسوع الذي ولدته البتول بهذه الصورة؟ يسوع:
هو المخلص،
هو دخل إلى المحكمة بدلنا،
هو أخذ أوجاعنا وحمل آلامنا،
هو الذي ضرب كفا وحررنا من عبودية العدو،
هو صُلب ورفع خطيئة العالم وسمرها معه على الصليب،
هو بأقنومه عمل تطهير خطايانا وصار غفرانا لكل الجنس البشري بذبيحته،
هو الذي سلك طريق الخلاص بأكمله وقرب من الآب كل المتخاصمين البعيدين عنه بإثم أعمالهم،
هو الراعي الصالح الذي وضع نفسه بدل قطيعه وأخرجه من المغائر ومن مخابئ اللصوص،
هو الذي دار في القفر والجبال مفتشاً عن الخروف الضال ولما وجده حمله على كتفيه وجلبه إلى حظيرة أبيه لكيلا ينقص عدد المئة.
يسوع الذي من البتول صنع هذا كله بأقنومه. كيف يقول الآخرون: “إنه لا يُسجد له من أجل هذا وليس هو الابن الوحيد الذي ظهر في الجسد لكن يُسجد له من أجل الوحيد التابع له الساكن فيه؟
إذا وُجد آخر كما يدعون لم تشعر به الكتب، ليظهروا ما هو فعله؟ فإذاً:
لم يأت بالجسد،
ولم يرفع خطيئة العالم،
ولم يحرر العبيد بتنازله،
ولم يقترب من الصليب الذي صنع الأمان بين العلويين والسفليين،
ولم يضع نفسه بدل خرافه وخلصها،
ولم يزيح الخروف الضال على كتفيه،
ولم يدعِ مخلصاً، لأنه لم يخلص، فلماذا يدخل إلى عمل الآخرين ليسجد له كالمخلص والذي خلص يحجب عنه السجود الواجب له ويسجد له بالنعمة بسبب آخر مع آخر؟
إن الكتب تعرف أن تتكلم عن ابن الله واحداً وحيداً فقط بلا داية وبلا جسم إلى وقت البتول، بعد البتول وصاعداً تجسد وصلب بدلنا. إنها لا تميز وتقول: “هذا يسجد له من أجل هذا” لأنه وحيد ولا يتبع آخر وأتى إلى خاصته وهو الذي لم يقبل من خاصته، إنه إله من إله ونور من نور وتجسد من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا وظهر في العالم وكمل درب الصليب ليسالم بين العلويين والسفليين كما هو مكتوب: “سالم بدم صليبه ما في السماء وما على الأرض”.
الخاتمة
له التسابيح والبركات من كل من نال السلام بدم صليبه من العلويين الذين صولحوا بقتله ومن الوسطيين الذين خلصوا بموته ومن السفليين الذين انبعثوا بقيامته. ليكن مسبحاً ومباركاً ثلاثاً مع الآب والروح في كل أوقات العالمين إلى الأبد آمين.
الرها “مدينة مباركة” حظيت بموعد المسيح
هي ثابتة ومختومة بكلمة الله غير الزائلة لئلا يتسلط عليها العدو. أنا أعرف ماذا حل بالذين هربوا من هذه المدينة القوية. أولاً فقدوا إيمانهم وحسبوا أن يسوع ليس إلها بل إنساناً. وقالت النبوة بخصوص البشر: “كل إنسان كذاب”. إن هذه العبارة شملت جميع البشر بالكذب. إنها لا تسمح أن يصدق كلام يسوع غير أن أفكار المؤمنين تصدق أنه إله، وحق من حق، ونور من نور. ومسلط لأنه يقول: “السماء والأرض تزولان وكلماتي لا تزول”. ويتكلم مع أبيه قائلاً: “مثلما ينزل الطل والمطر من السماء ولا يعود إلى هناك هكذا يكون الكلام الذي يخرج من فمي، ولا يعود إليّ عبثاً إلّا ويحقق ما أريده”.
وعد المسيح لابجر
خرج قول من الكلمة الوحيد ابن الآب “على الرها لن يتسلط العدو” ولا يمكن أن يرجع القول كما لا يرجع المطر إلى السماء! هذا ما يقوله قليلو الإيمان وهم يشرحون نزوحهم. قال الله في النبي: “إذا وجهت الكلام فجأة إلى الشعب وإلى المملكة للاستئصال والهدم والإبادة والهلاك وتاب الشعب من شره فإني أبعد عنه الشر الذي صممته لإبادته. وإذا واجهت الكلام فجأة إلى الشعب وإلى المملكة للبناء والشتل، وصنع الشر أمامي ولم يصغ إلى أقوالي أصرف عنه الخير الذي صممت أن أصنعه معه”.
والآن نحن نخاف لئلا يحدث لنا مثل هذا ويزول وعد المسيح لابجر المؤمن اثمنا وتسلم المدينة من جراء خطاياها إلى العدو ولو قيل عنها: “أنها لن تسلم”. أما أنا فأقول: “إن كلمة ارميا لا تهزم أحداً من بلده بل تهزمه فقط من الأعمال الشريرة”. أيهما أحسن أن نتعلم من قول النبي أن نتوب من شرورنا مثلما تعلم تلك الهجرة أو أن نهرب من بلد إلى بلد ونحن نحمل أحمال شرورنا؟
فكرة الكتاب أهم من قراءته
من الضروري جداً أن يعرف فكرة الكتاب أكثر من أن يتعلم قراءته. من قراءة الكتاب يعرف تكرار الكلمة. ومن فكرة الكتاب تعرف إرادة الله.
الارشاد والتهديد والموعد والقصاص
من يفهم فكرة الكتب يقدر أن يعرف ويميز أية كلمة قيلت للتخويف والإرشاد وآية قيلت بالمواعيد والعهود وآية قيلت بالقصاص والحكم القطعي؟
أحياناً يتكلم الله بالتهديد وهو يضع شرط التوبة في الوسط.
وأحياناً يطلق التأديب وهو ينتظر أن يبطل الشرور ويمنع التأديب.
وأحياناً يصدر القصاص على الجسورين وينفذ مكملاً قصاصه بغيرة عدالته.
وأحياناً يعد مواعيد وعهوداً لأصدقائه ولا فرصة لتبديل مواعيده.
ومن الكتب نستطيع أن نتعلم كل هذا بوضوح إن اقتربنا بفهم إلى فكرة الكتب.
التهديد والتوبة
يقول الله: “بعد أربعين يوماً تقلب نينوى”. وهذا التهديد يدعو إلى التوبة وليس قصاصاً ليستأصل المدينة. هد ناثان داود لما مسك في الخطيئة مع عائلة اوريا. تدخلت التوبة وأبطلت التهديد وتبدلت العبارة لنقول: “إن الرب أيضاً أجاز ذنبك” ويقول أيضاً: “أنا أقاصص خطايا الآباء على بنيهم إلى الجيل الثالث والرابع”. ليبطل العبرانيون من أجل “مراحم البنين” عن عمل الشرور. وبما أنهم لم يريدوا أن تكثر الخصومات عكس عبارته وقال: “نفس الآب هي ملكي ونفس الابن هي ملكي ولتمت نفس الخاطئ” لأن العدالة تريد هكذا. ونجد كثيراً مثل هذه الأمور. حيثما بدل الله كلماته بدلته مراحمه بواسطة التوبة أمّ المذنبين.
القصاص
هذه لم تكن تهديدات لكن قصاصات وتزامناً مع الكلمات كان يجري التنفيذ. لَعَنَ قائين قائلاً: “يكون فزعاً ومرتجفاً على الأرض”. لم يهدده ليتوب لكنه ضربه ضرباً لأنه أذنب.
قال: “اجلب مياه الطوفان على الأرض”. فعل مثلما قال ليقطع نول الاثم الذي نسجته بنات قائين ضد قامات بنات شيت الفاسدة. ونجد كثيراً مثل هذه (الأمثلة). حيثما تكلم الله بالقصاص القاطع لم يبدل كلمته.
الوعد لداود
وحيثما وعد أحد أصدقائه أن يعطيه موهبة ما لم يتراجع عن وعده. وعد الله داود: “من أثمار بطنك اجلس على كرسيك”. وقال أيضاً: “ان زرعه أبدي وكرسيه أزلي مثل الشمس”. ولم يخلف وعده.
تعلمنا عبارة جبرائيل الذي يقول للبتول بخصوص عمانوئيل: “يعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه وسوف لن يكون لملكه انقضاء”. كمل وتحقق وعد داود بولادة المسيح الذي هو مثال ومكمل أسرار الآب.
الوعد لإبراهيم
وعد أيضاً الرب إبراهيم: “بزرعك تتبارك كل شعوب الأرض” مع بقية المواعيد. وحقق كل ما وعده. وكمل مثلما وعد. وخرجت البركة إلى الشعوب بواسطة المسيح مكمل الكل الذي ظهر من بنت داود ومن نسل إبراهيم.
الوعد لنوح
وعد أيضاً الله نوحاً: “انه يجلب بعد مياه الطوفان على الأرض”. وها هوذا الموج قائم محاصراً منذ أربعة آلاف سنة وبإزائه ثابت القوس المستل بلون السحب وقد جعل آية للعهد ليمنع حصول الطوفان، ويذكر الأرض بالوعد لتعمر بالسلام محمية من المياه المهلكة.
الوعد لابجر
بالإضافة إلى هذه، وعد الله ابجر الملك المؤمن: “ان العدو لن يتسلط أبداً على مدينته”. والوعد قائم وثابت كما أن الأرض محمية من الطوفان بسبب العهد مع نوح. هكذا فلتت الرها من العدو بسبب الوعد مع ابجر. لو حوصرت الرها اليوم، وحاشا أن يحدث هذا نهائياً، علينا أن ننتظر غداً الطوفان يفيض ليهلك كل ذي جسد على وجه الأرض. من يخاف من الأعداء وهو داخل سور “المباركة” ليفزع أيضاً من الطوفان لعله يصادفه في الطريق! وكل من يصدق ان الوعد مع نوح لا ينحل، ليتيقن أيضاً من أن الوعد مع ابجر لن يتغير.
ليس لأن بني نوح لم يخطئوا خطيئة ليقول من أجل هذا تحقق وعده مع نوح. رأينا في الجيل الرابع من [جيل] أبناء نوح انهم شيدوا البرج وتسلحوا بالآداب ليبلغوا سمو العلي في موضعه. وفي الجيل الخامس، دخلت الوثنية إلى الأرض فامتلأت بالسجود للمنحوتات. وفي الجيل العاشر بعد الطوفان غيرت مدن السادوميين طبائعها. ولم يفسدوا مثل أبناء شيت طريقهم لكنهم بدلوا الطريقة الطبيعية تبديلاً وسلكوا درباً غير مطروق بخبث إرادتهم.
وبما أنا عهد الله لا ينحل، لم يرد أن يخنق هؤلاء بالمياه كما [خنق] بني شيت، لكنه أفاض عليهم نار محرقة حتى يثبت العهد مع نوح كما هو ويقاصص أبناء المعصية كما يستوجب شرهم. إن الله لم يعد نوحاً أنه لن يؤدب البشر لكنه وعد بأنه لن يؤدبهم أيضاً بالمياه. لله ربوات القضبان ليؤدب المذنبين. ووعد نوحاً بأنه لن يضرب المسكونة بقضيب واحد فقط.
وعد للرها
وهكذا أيضاً أقام الآن عهداً معروفاً مع ابجر: “ان العدو لن يتسلط على مدينته”. ولم يقل لها: “إن أذنبتْ لن يقاصصها!”. وعدها ان العدو لن يتسلط عليها.
لتفزع الرها من القضبان الأخرى ولتمتنع عن الشرور لأنها محررة من سلطة العدو كالأرض من الطوفان. إذا ظهر جلياً لأبناء الطاعة، ان لله في الكتب العهود والمواعيد التي لا تنحل وله التهديدات التي تخيف الخطأة ليرجعوا إلى التوبة وله الاثارات التي تغري المذنبين ليتجنبوا الشرور.
وعد ابجر الملك يشبه وعد نوح وإبراهيم وداود
لم يثر المسيح إثارة ابجر المؤمن عندما أرسل إليه: “ان العدو لن يتسلط على مدينته” لكنه كافأه اجر إيمانه بموهبة الأمان التي أرسلها له. آمن الذي لم يره ولم يكن محتاجاً إلى إغرائه لأن إيمانه كان يسبق الوعد. فلو وعده قبل أن يؤمن، لكانت الموهبة مشروطة. أما الآن، بعد أن آمن، اعطي له الأمان مثل نوح بعد قربانه، وعرف وأعلن الوعد أنه عهد ثابت إلى الابد، مثل [وعد] داود ونوح وإبراهيم.
التوبة
بهذه الكلمات التي نطقها ارميا، أراد الله أن يعلم البشر أنهم متى ما سمعوا أنه غاضب ومهدد ومغتاظ ويتوعد بالهدم والابادة لا يحسبونه قاسياً ولا يمكن التوسل إليه حتى يتململوا ويكفّوا بسبب ألفاظ التهديد وينصرفوا عن التوبة، لكن ليتركوا شرهم ويجعلوا أعمالهم حسنة وهم واثقون من أن المراحم موجودة في دينونتهم.
ويستطيع التضرع أن يحل ويغير كلمات التهديد. وعندما يسمعون أنه يعد الخيرات لا يحتقرون محبته ويحسبونه راخياً بلا غيرة ويسمحوا لأنفسهم فعل الشرور.
يعلمنا ارميا بكلماته أن مسلط أن يحب عندما يهدد وان يضرب عندما يغري ولا يعني أن مواعيده غير صحيحة مع الكبار.
لا ينقض الله عهوده
مكتوب عن قضيتين لا يستطيع الله ان يكذب فيهما. يقول عن الرسول الكبير والمعلم ومختار الرسل بلا خوف: “لا يقدر الله”، وما هو الذي لا يقدر أن يصنعه ذله الذي يسهل عليه فعل كل شيء؟ انه لا يقدر ان يحل عهوده ويكذب بمواعيده لأنه لا يقبل على نفسه أن يتنكر لمراحمه ويبطل العهد مع الصالحين بسبب جهل الخطأة.
إن انا وانت اخطأنا لماذا يُحلّ العهد مع ابجر؟ لله قضبان أخرى ليضربني بها لأنني اذنبت. له جهنم ليدينني لأنني اثمت. له النار التي لا تطفأ والدود الذي لا يموت ليدينني بها لأنني ارتكبت الاثم. يوجد الظلام البراني حيث هناك البكاء وصرير الأسنان. هناك يظهر دياني غيرته وسوف يدينني بحسب ذنوبي دون أن يحل العهد مع عبده.
يعقوب يشجع البقاء في الرها
ولأجل هذا كتبت إلى محبتكم لتحتقروا هؤلاء الذين يهربون وتشجعوا هؤلاء الذين يثبتون وتوبخوا محبي الرؤى برجسهم وتحثوا كل أحد على الاعمال الحسنة. وتقربوا الطلبة من أجل البلد لئلا يخرب وتثبّتوا قلب اخوتكم باتكالكم، يا أيها المختارون ومحبي الله.
الخاتمة
كونوا متعافين وفرحين بأمان الله العظيم، البعيد من خوف العدو، ذلك الذي بارك له مدينة الرها المؤمنة ليحفظ لها الوديعة إلى الأبد. وعلينا جميعنا مراحم المسيح إلى الابد الابدين آمين. كملت.
أيضاً رسالة أرسلها مار يعقوب إلى رؤساء الأديرة إلى أناس طوباويين
الافتتاحية
إلى الابرار والقديسين المختارين ومحبي الله، أعمدة الحق ونور العالم، القسس ورؤساء الأديرة مار انطيوخ ومار شمعون ومار شموئيل ومار يوحنا ومار سركيس ومار ايغناط.
يعقوب الناقص والحقير والمحتاج إلى مراحم الله وإلى مساعدة صلواتكم بيسوع النور وحياة عدم الفساد ورجاء ومخلص الكل. سلام.
الرهبان يتناثرون من أغصان الصليب
استلمت “أسطر” حضرتكم يا محبي الله وفرحت واستنارت نفسي المظلمة بسلامكم الإلهي وزال عن أعضائي المرض بافتقاد أسطركم. وكما أن ظل شمعون كان يعطى العافية للمرضى هكذا أبعدت رسالتكم المزخرفة بالمحبة الإلهية الكسل والتثاقل عن ضعفي.
أنتنم أثمار حلوة تناثرت من أغصان الصليب وبكم اتضح أن طريق المسيح لم يكن عبثاً في العالم. أثمر يسوع صورة مجد الآب وضياء أزليته كالوارث النشيط مثل هذه الأثمار من غلات آلامه. وبجمال سيرتكم العجيبة، عُرف اية فوائد أجرت في العالم.
ولو أن الحية الأولى تود أن تنزع وتصبح شابة وتتحين الفرص في كل وقت لتتقيأ السم وتنتن العالم غير أن قوة صلواتكم تقدر أن تبطل سمها وتزيل مكرها لأن رأسها قد رضّ بألم الصليب.
لاهوت المنشقين مريض لأنه يقسم الابن الواحد
طريق المسيح أضلّ الحكماء بمشورات التنين العكرة لأنه أسمى من الطريق ويجري فوق الطبيعة. انهم لا يعرفون أن يسيروا فيه. ولهذا كل من يود أن يسير فيه بحيلة ومكر وحكمة علمانية ألقي بعيداً عنه، ووجد ضلالاً مليئاً بالعثرات.
“كلمة الصليب للهالكين جهالة” ولا يعرفون أن يسمعوها، حكمة العالم لا تسمح لهم أن يصدقوا أن ذلن الذي علق على الصليب هو إله من إله، ونور من نور لأن نفسهم الضعيفة فزعت من خبر القتل. واعطوا الصليب لابن الانسان لأنه خاضع للموت ولأن جميع البرايا تصرخ: ان الذي صلب هو ابن الله، ولا يستطيع الشياطين أن يهربوا من هذا، لذا حاولوا أن يفسروا، وبحيلة الحية يقولون: “يعرف اثنان يتبعان بعضهما بعضاً في ذلك الذي يعترف به: ابن الله، الواحد متعال على الآلام والآخر خاضع للموت”.
وبما أن إيمانهم مريض، فانهك لا يرون وحيد الله واحداً”. لو تجاسرت العين المصابة بمرض الرمد وتطلعت إلى الشمس لعلها ترى شمسين لأن بصرها مضطرب بالمرض ولا ترى الشمس واحدة بصورة سوية لشدة ضوئها.
هكذا الإيمان المريض الذي أفسده تعليم الثعبان يرى مراتب وأعداداً في وحيد الله. اذنه مغلقة بالإثم ولا يريد أن يصغي إلى هذه الألفاظ البسيطة التي ترتلها العروس بنت النهار في خدر الختن السماوي. تنشد ببساطة قائلة: “واحد هو الآب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدوس”. فإذا كان الابن واحداً كما هو الآب واحداً، فمن هو الآخر الذي أدخله الحكماء في الوسط ليضيفوا إلى العدد آخر، ويفسدوا ختم الثالوث الذي لا يقبل أبداً “الإضافة” ليصبح رابوعا بدل الثالوث؟
التدبير الإلهي
واحد هو الكلمة ابن الآب الذي أرسل من قبل أبيه المجيد، ليتفقد ويشفي جروح العالم كما هو مكتوب: “أرسل كلمته وشفاهم وأنقذهم من الفساد”. وبما أنه الكلمة فقد وجه دربه نحو اذن البتول وحل الكلمة في الشابة ببشارة جبرائيل وتسلح منها بطريقة الألم لأنه كان متوجهاً نحو الموت. تجسد بها ومنها وأخذ صورة العبد، من نسل داود وإبراهيم، وصار إنساناً ولم يتخل عن كونه إلهاً وولد في الجسد وهو الله على الكل. وتوجه ليخرج إلى العالم ولم يفضّ البتولية بميلاده لأنه خرج إلى العالم من باب مغلق ليستتر عن المجادلين من بداية دربه لئلا يتفحصوا “خبره” بتفاسيرهم الوهنة.
وبهذا الميلاد العظيم يخيب البحث ويزجر الجدال ولا يوجد له تفسير. متى تلد البتول، تتعطل الكلمة عن التفسير ولا تقدر الطبيعة أن تفسره بعملية لا تخضع للتفسير. بهذا الميلاد كانت الطبيعة واقفة عن بعد لأن الطريق يفوق الطبيعة فلا يقدر المفسرون ان يسلكوه.
إن من ضلّوا شرعوا يضلّون من بداية الطريق ولهذا لم يقدروا أن يسيروا في وسطه ولا أن يكملوه.
حسب المنشقين مريم ليست بتولاً
يقولون: “ان مريم لم تثبت في بتوليتها بعد ولادتها”. ولا يفقهون جليان حزقيال الذي تحدث بوضوح عن موضوع الشابة لما صورها بالباب المغلق قائلاً: “هذا الباب يكون مغلقاً ولن يفتح لأن الرب إله إسرائيل يدخل فيه”. يكون مغلقاً. إذا من المعلوم أن الله لا يحتاج أن يفتح الباب عندما يخرج. ولهذا لا يصدق الأغبياء أن الباب ظل مغلقاً لأنهم لا يؤمنون أن من خرج منه هو إله. كل من يقر أنه إله يصدق أنه خرج إلى العالم من الباب المغلق الذي لم يفتح حين مجيئه إلى العالم.
بداية درب تدبير ربنا: ولادته من البتول. وكل من بدأ في بداية الدرب بطريقة صحيحة يسير عليه ببساطة حتى نهايته ولا يعرقل ولا يضطرب ولا يعثر.
نسطور الضالّ يعلم خلاف تعليم الكنيسة
أما نسطريس المحروم ذلك الضال أبو الكذب والمعلم المشهور بكل الافتراءات، فقد خسر درب المسيح منذ بدايته وسلك في التيه المليء نوراً بالنسبة لكل محبي الحقيقة.
بدأ يشتم مريم بافتراءاته: “انها ليست والدة الله”. اخرج إذا كل منهاج تعليمه إلى التيه اتباعه هؤلاء الذين لا يؤمنون بأن الله ولد في الجسد من نسل بنت داود ولا يعرفون أن يفهموا أنه قبل عليه آلام الصليب في الجسد.
ولأجل هذا تحايل هؤلاء الذين أرادوا أن يثبّتوا تعليم ذلك الساقط بحيث عملوا المراتب، والحسابات وإعداد الطبيعتين في المسيح، وعلموا أن يحافظ على خصوصيات الطبيعتين ليكون تمييزهما معروفاً بحيث تنسب لكل طبيعة خاصتها.
فعلوا هذا ليثبتوا الافتراء الأول بحرفة ومكر الحية: ليست البتول والدة الإله، ويجعلوا المسيح اثنين معروفين: الكلمة من الآب، والانسان من البتول.
من المعلوم إذا لو يعطى لكل طبيعة خاصتها أولاً يليق بالله (أن يقال) له:
لم يولد من امرأة،
ولم يتشبه بنا،
ولم يخلّ نفسه
ولم يأخذ صورة العبد
ولم يوجد في هيئة مثل الانسان
ولم يقترب من قمة الصليب
ولم يحصَ بين الأثمة
ولم يدخل الحر بين الأموات، ويتشبه بالقتلى الراقدين في القبور.
لكنه بعيد وسام وعال عم كل نتائج الولادة، وعن درب الصليب. والقول: “أسلم الله ابنه الوحيد بدل العالم” عار عن الحقيقة وليس الوحيد الذي أسلم بدلنا.
لو حفظت للطبيعة البشرية خاصتها فقط يجب ويليق به أن يولد من امرأة ويرى في العالم مثل الإنسان ويأتي إلى موت الصليب لأنه خاضع للموت مثل كل إنسان بقصاص
ولا يعرف الآن أي منهما سمي وسيطاً وأي سمي وحيد الله الذي أسلم بدل العالم؟ فإذا كان اثنين، ويعطى لهذا خاصته ولذلك خاصته، يلزم وسيط آخر ليخلط البشر مع الله ويهدم سياج العداوة، الذي بنته الحية بين آدم والله.
المسيح الواحد هو الوسيط الواحد
واحد هو الوسيط. وهو وسيط من الجهتين. وبأقنومه توحد هذان اللذان كانا مغتاظين من بعضهما بعضاً واحد هو الكلمة الذي صار جسداً الغني الذي افتقر، الخفي الذي اعتلن، العلي الذي تنازل بإرادته غاية التنازل، السر العظيم الذي خدم في حضن البتول المقدس وادة الإله لأن المسيح وكنيسته التي هي جسده توحدا في نفس الحضن البتولي. ليكونا كلاهما واحداً.
إذاً ينبغي ألّا يعرف في المسيح بعد الاتحاد لا مراتب ولا أعداد ولا تمييز الطبيعتين لأنه واحد مع جسده: خاصته هي القوات وخاصته هي الآلام.
المسيح الأعجوبة لا يفسر
إنه المولود الذي سمي أعجوبة. والأعجوبة لا تفسر. ولكونه أسمى من الوصف، سمي أعجوبة.
لا تُعرف آثار طيران النسر وجري السفينة ولا تُصور الشمس
لا تعرف آثار النسر في الهواء ولا يرى طريق السفينة على الأمواج ولا تقع حرارة الشمس تحت ألوان المصورين ولا يخضع موضوع المسيح للتفسير، إلا إذا وصفه الحب باندهاش مليء عجباً.
إذا كان لا يعرف درب الرجل في شبابه، من يتجاسر أن يفسر طبيعياً أصل المسيح في أيام جسده؟
تلاميذ الزيف الذي الذين عثروا بميلاد المسيح لا يعرفون أن يسيروا باستقامة في درب الصليب، وكما اضطربوا بميلاده المحسود هكذا يتعرقلون بصليبه العجيب ويخافون أن يقولوا: “ان الوحيد الله هو شخصياً صلب وعمل الخلاص للعالم لكنهم يدخلون آخر، لكي يقضى الصليب بواسطة الآخر، لئلا يقترب الوحيد من العمل الصالح الذي بواسطته صار الخلاص للعالم”.
المسيح قتل الموت مثل كريات دانيال
ربنا هو ابن الله الكلمة الذي صار جسداً وهو الابن الحقيقي وليس له آخر مساو في الجوهر. هو وحيد الآب الذي أسلمه أبوه إلى موت الصليب لأجل خلاص العالم. لم يفزع من الموت لأنه لم يفزع من التجسد. أتى إلى التجسد ليأتي إلى موت الصليب. ومات بالحقيقة بدل البشر. وحياة طبيعته محفوظة فيه. وصار دواء “للموت لأن الحياة هي موت الموت!
وهكذا ابتلعه الموت كما ابتلع التنين كريات دانيال. كانت الحية البابلية تظن وهي تتناول الطعام من يدي دانيال انه طعام وهكذا اشتمّته وتناولته بلذّة كأنه طعام شهي. ولما نزل ذلك الطعام إلى تلك المعدة المرة التي كانت تهضم كل الأطعمة بحرارة وجدت مهمة هناك: عملاً جديداً لقتل التنين الذي تناوله بشراهة.
هكذا أيضاً رأى الموت ربنا على الصليب، وهو متجسد وممدود بالجسد بين لصين. ولأنه تشبه بنا ابتلعه مثلما ابتلعنا. وحالما دخل إلى بطنه فزعت الشيول وارتعدت وتعثرت وسقطت وعلا هتاف بلد الموتى “بالحي” الذي نزل إليه، وعاشت الحياة التي كانت مخفية في ذلك الميت، وشقت التنين الضخم الذي لم يقدر أن يمضغها مثل بقية الموتى. ولأجل هذا أخفى خمير الحياة نفسه في جبلتنا ليصلح به كل طعم الجبلة.
التدبير الإلهي
كان يليق بربنا أن يجترح القوات ويبدل الماء خمراً ويسند المشلول وينهضه من المرض، ويبعث الميت في باب المدينة ويفرح بانبعاثه الأرملة الضعيفة ويسير على أمواج البحر ويزيحه ايمّ بالرياح والأمواج ليأتي عند تلاميذه، ويجبل الطين ويصنع منه سفوفاً ويضعه على الأعمى وتنفتح عيناه ويسرق منه الشفاء ويقطع نزيف الدم من أعضاء المريضة، ويدعو لعازر ويحمل ويقدم إليه الموت، وهوي قوي بعجب القيامة. كل قواته عجيبة. كل أعماله عظيمة. كل منجزاته مجيدة.
موت المسيح أوفى الدَين العام
أما موته فهو أكثر مجداً من جميع المعجزات. ضعف الله أقوى من البشر. أظهر بموته جبروته. بصليبه ثلم سياج العداوة. بآلامه شفى آدم وحرره من أهواء الخطيئة. بدخوله إلى الشيول حل الأسير الذي كان محبوساً وفاسداً في الهلاك منذ ستة آلاف سنة.
مستتر كالميت أضاء الشقوق المظلمة الموجودة تحت الأرض وأخرج منها السبي الذي نهب من الفردوس. فرش سريره بين الأموات وخاف وسقط أمامه جبابرة الهلاك واستنارت به أرض ظلال الموت المظلمة وعلا هتافها بالقيامة.
إذاً ترى أن موته مجيد جداً أكثر من القوات التي فعلها. بالقوال التي اجترحها ربنا لم يستأصل سياج العداوة. ولم يوف الدَين العمومي. أما بموت الصليب فقد خلص الجنس البشري وأوفى الدَين. وأطلق سراح كل الأسرى فخرج كل المسجونين إلى النور وكل العداوة انقلبت إلى أمان وصرخت بهذه العبارة قائلة: “السلام السلام للبعيدين والقريبين يقول الرب”. بدأ بالولادة وانتهى بالموت. وأفسد سم التنين من كل درب العالم، ولأنها كانت مليئة غضباً أحاطها وملأها سلاماً كما زمّر الملائكة في يوم ميلاده: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام”.
المسيح عجيب
بداية الدرب مليئة عجباً وفي نهايتها يقوم العجب: التعجب من ميلاده والتحير من صلبه.
هؤلاء الذين فقدوا الطريق منذ بدايته لم يقدروا أن يبلغوا إلى النهاية. انهم لا يريدون أن يتعجبوا ولا يعرفون أن يندهشوا.
عجيب هو الميلاد الذي لم يفض البكارة وهو اندهاش في المقارعة لأن أسوار الشيول العالية سقطت بصوته.
حافظ على بتولية أمه لما خرج منها وحطم أبواب الشيول لما دخلها لتمكث مريم في بتوليتها ولا تظل الشيول في خصبها. كان يليق به أن يحفظ بتولية البتول لما حل فيها وكان يجمل به لما دخل إلى الشيول أن يجعلها قفراً من الأمور الجديدة التي فعلها.
ويعرف ويؤمن به: إله من إله ونور من نور بفضل سبيله الذي يفوق سمو السبل ولا يهان بالموت لأنه لم يستحِ من الولادة وكما…
رسَائِل مَار يَعقوب السّروجي الملفَان
مَوسُوعَة عُظمَاء المسيحيّة في التَاريخ ( ترجَمَات) 4
أيضا رسالة مار يعقوب الملفان الى مار يعقوب رئيس دير النفوس
الافتتاحية
للكبير والقديس والبار وفاضل السيرة القس ورئيس دير عمر الرها المدعو ” نفشوشو ” مار يعقوب.
يعقوب عبد قداستك بيسوع النور والحياة واللافساد وافتخار الكل. سلام
المقدمة
اسلمت اسطر 144 قداستك يا محب الله وابتهجت نفسي بقرائتها وبمعانيها الروحية التي تحرك استفسارا مفيدا في فكر مستمعها.
انك تسعى في اثر الفوائد الروحية باعمالك وكلماتك. وليس فيك حركة تتحرك الا بمحبة الله ! تثير النفس النقية التي تفكر من الداخل كما من الخارج، استفسارا نافعا: “من فضلة القلب تتكلم الشفتان “.
لانك لا تكتفي ( منك واليك ) بجمع الفوائد كل يوم لكنك تسرع ليستفيد الآخرون بسببك وتتوق ( اثبالاق ) ليستفيد وينتفع كل احد باكتشافات فائدتك.
يقول الفكر القريب من الله هكذا: ” كنت اود ان يصير جميع البشر مثلي في النقاوة ” ولاجل هذا سيدي، تعتبر فائدتك صغيرة بالنسبة لفائدة الآخرين. ولاجل هذا تنازلت لطرح اسئلتك الى ضعفنا لتوقظنا نحن من البطالة الى
العمل الحسن ولتوفر لنا ولبقية الآخرين فوائد روحية في كل مناسبة
يؤول حل السؤال 145، عندما يفسر بوضوح لمجد يسوع صانع الكل بفعل قوته. يليق بك سيدي ان تفيدنا والآخرين لانك تحركت بارادتك الصالحة.
انا اؤمن ان قوة صلاتك تحث نعمة الله لتتجلى فينا باشراق تفسير الأسئلة التي طرحت.
سؤال يعقوب رئيس الدير
كتبت لنا حضرتك في الرسالة لاعلمك انا الضعيف كيف يجب علينا ان نفهم قوة ما قاله بولس الطوباوي: اذا اخطأ احد بارادته بعد ان قبل معرفة الحق ليس اذا بعد ذبيحة لتقرب عوض الخطايا لكن دينونة رهيبة وغيرة النار الذي يفني الأعداء.
ثم طلبت مني بسؤال رسالتك ما معنى قول يوحنا ابن الرعد في رسالته إن رأى احد اخاه يخطيء خطيئة لا تستوجب الموت ليطلب وتعطى له الحياة بالنسبة للذين لا يخطئون ( خطيئة ) الموت، لانه توجد خطيئة الموت، لست أقول ان احد هذا.
في أسطرك سألتني حكمتك كيف نفكر؟ لانه ها هوذا بولس يقول: من لا يجب ربنا يسوع المسيح ليكن مبسلا. وقال أيضا ربنا: من يحبني يحفظ وصاياي. اذاً ماذا بالنسبة لكل من لم يستطيع ان يحفظ كل الوصايا؟ لنر الآن إن كان محروما أم لا؟
الأسئلة الثلاثة غايتها قطع دابر الخطيئة
اقلقتني اسئلتك يا سيدي. ما كنت اتجاسر لاقترب منها لو لم اكن متكلا على معونة صلاتك. عبارات اسئلتك الثلاثة تقوم على قمة واحدة وهي مشجورة بغيرة واحدة. وتسير في مسار واحد: انها تمنع مسيرة الخطيئة في العالم لئلا تعود وتتأصل في البشر نهائيا.
ما هي محاربة الكتب الإلهية سوى دحر الاثم؟ او متى قبل الكتاب ألا يقتل كل من يتجاوز على ناموس الله؟
للشريعة هدفان: إما الحياة وإما الموت
لواضع الناموس هدفان مختلفان فقط وهما الحياة والموت. الموت خارج الناموس، والحياة في حفظ الوصايا.
قال الله لآدم ابي كل القبائل: لا تأكل من الشجرة والا ستموت وبما انه لم ينصت اليه اكل ومات.
اذا عرفنا بوضوح ان خطيئة الموت هي التعدي على الوصية. اذا كان كل من عصا وصية موسى على فم شاهدين او ثلاثة يموت بلا رحمة، كم بالحري يصيب قصاص اكبر، ذلك الذي داس ابن الله وحسب دم عهده مثل كل البشر؟
ترى اذا ان واضع الناموس واحد. وقال جليا. انا الأول والآخر. اذا التجاوز على الوصية يقتل، إن كان في الوصية القديمة أو في التعليم الجديد.
هكذا فسر بولس: اذا كان الذين يحتقرون العبد يموتون فالذين يحتقرون السيد الى اين سيصلون سوى الى الشر الفادح؟ طبعا لو كان شر أقسى من الموت
كان التعليم الجديد يلقننا ان فكرة واضع الناموس لم تخمد غيرتها لكنها تقارع
الاثم مثل من يضيف الطاقة إضافة.
وتعرف هذا كلما تسمع: قيل للاولين لا تزن كما كتب موسى في العهد القديم
أمر رب موسى في العهد الجديد قائلا: انا أقول لكم من اشتهى امرأة زنى بها في قلبه مع بقية ما قيل.
اذا ً مكثت غيرة واضع الناموس هي كما هي. ولم تسمح للخطيئة ان تجد لها موضعاً في النفس ولم تحجب الموت عن كل من يحل الوصية إن كانت عتيقة او جديدة.
اذا كان كل من يسمي اخاه: يستوجب الدينونة فالذي يتجاوز الوصايا الطبيعية والمكتوبة كيف ينجو من الموت؟
في الشريعة، كان الكاهن يقرب الذبائح بدل الذين لا يعرفون ثم يضلون. ولم يسمع ابدا انه اصعدت ذبيحة بدل الخطيئة المجسمة التي اقترفت بالتجاوز على الوصية اعني: القتل والزنى والكذب إهانة الأهل شتم الكهنة. بدل هذه الخطايا لم يؤمر ان تقرب الذبيحة لكن ليسلم مقترفوها الى الموت.
يعلم الناموس: لا تقتل. إن قتل احد وهو لا يعرف يهزمه من امام طالب ثأر الدم الى قرية الملجأ ويبين ان القرابين تقرب بعدل ذبائح بدل الذين لا يعرفون ويضلون.
من يبغي ان يقتل او يتجاوز الوصية بمعرفة لا يقبل الناموس القربان بدله لانه لا يخطيء بالتجاوز لكن بالخسارة ! ولهذا يقول بولس: إن اخطأ احد بارادته بعد أن قبل معرفة الحق لا تقرب ذبيحة بدل الخطايا لانه عمل بموجب قوة الناموس وهو يتكلم ويثور بقوة ضد الاثم حتى لا يحصل وحتى لا تقترف الخطيئة، لئلا تدب وتدخل الخطيئة عندما يتراخى التعليم، فيخفف العهد الجديد ما شدد عليه العهد القديم. ولهذا لفظ بولس كلمته بلا رحمة وهو يتوخى الفائدة لئلا يصير مجال للارتخاء فيدخل ويخمد النفوس التي تتصارع مع الخطيئة.
وبالإضافة الى هذا أيضا، يتكلم يوحنا الرسول في نفس المعنى قائلا: توجد خطيئة الموت ولست اعني ان يطلب احد من اجلها. ترى ان جميع الرسل شربوا روحا واحدا ويتكلمون بنفس الرأي. قال يوحنا: توجد خطيئة الموت لتترك بدون توسل كانما بقطع الرجاء. وقال بولس: إن أخطأ احد بارادته من بعد ان قبل معرفة الحق لا تقرب اذا ذبيحة من اجل الخطايا. عندما يقول بولس ليس ذبيحة تقرب هو قول يوحنا من أجل خطيئة الموت لست أقول ان يطلب احد.
جوابا الرسولين يحملان ترسا بلا رحمة للصراع مع اسهم الشرير المتوقدة لئلا تصاب النفس بها، ويفسد جمال طبيعتها.
يشفق الكتاب على النفس لئلا تفسدها الخطيئة ويربطها بالوصايا مثل القيود ويخيفها بالتهديدات والتحذيرات ويغريها بالمواعيد لتحفظ في كل الفرص للختن الحقيقي مثل عروس بلا دنس.
واذا كان في كل الكتب يغلق الدرب امامها لئلا تمد قدمها الى الخطيئة يسقط الكثيرون في مثل هذه الزلات لو سمح باقتراف الاثم ولو برمز خفيف او صغير فالى اين كانت ستصل الإنسانية؟
تقدر محبة الله ان تقي الانسان من الضرر وكل من ارتبط بهذه المحبة لا يحتاج الى الناموس ليمنعه عن الاثم ولا تكون له الوصايا بمثابة سياج لئلا يقدم الى الخطيئة لان محبة النور وحبه جعلتاه يبغض الظلمة.
ولهذا لما كان يطلب كبير الملافنة بولس ان يربط النفس بالمحبة التي هي منبع كل الخيرات كان يقول: كل من لا يحب ربنا يسوع المسيح ليكن محروما غلي فيه حب المسيح ورأى وشاهد ان كل الوصايا تحفظ بمحبته بلا جهد وتلقائيا لكونه يحب. وتحدث لاجل الآخرين ليحملهم على الحب حتى يزول التوسل وتثبت محبة الله من لا يحب ربنا يسوع المسيح ليكن محروما.
لا تتعبوني بالاسئلة. اود ان اتحدث معكم بالنظام عن درب تدبير المسيح. لو احببتموه ها انكم قد ادركتم بمحبته العلو والعمق والطول والعرض. من لا يحبه يكثر الأسئلة بخصوصه، ويطلق الاستفسار عنه، ويفتح باب البحث في موضوعه، ويحتقر وصاياه لئلا تحفظ، ويمقت تعليمه لئلا يستعرض. ولهذا من لا يحبه ليكن محروما. اننا ابطلنا كل الشكوك بحبه، فيظهر جمال الايمان به، وهو يسمو على الجدال.
من هو يا ترى المجنون ليفكر ان بولس تكلم هنا مبالغاً في قوله؟ من لا يحب المسيح فهو محروم. لو لم يقل بولس او من يود ان يبحث عنه او يفكر ان يقسمه او يخفض منزلته عن ابيه القدوس وعن روحه الحقيقي او من يريد ان يضيف شيئا او يقلل من الثالوث الاقدس: الآب والابن والروح القدس ليكن محروما.
لا تستحقه النفس التي لا تحبه ومن لا يستحقه فهو بعيد عنه. والبعد عنه هو بالذات الحرم الموجه بعدالة الى كل من لم يحب جليانه. اظهر الرب كما في الاصبع من هو الذي يحبه، مقدما البرهان المستحق القبول بلا مراء. وقال: كل من يحبني يحفظ وصاياي.
هذا هو سؤال حكمتك: هل يخضع كل من لا يحفظ وصايا ربنا لحرم بولس؟
نقد لاذع للملكية المفرطة في الكنيسة
اعرف سيدي الأسباب التي تدفعنا الى طرح أسئلة حلولها هي واضحة للبسطاء، لانهم يجدون ان سيرة التلمذة هبطت وأصبحت اعتيادية وتدهورت الى الحضيض منذ مدة على غرار من سقط علو شمعون ويوحنا.
لا ترى فينا اليوم حتى ولا صورة التلمذة بسبب التبديل الذي ادخله الضعف وافسدنا. لم نعد نعرف اية نقاوة يطلبها درب البشارة من كل من يعد ان يسير فيها.
وبما اننا نشاهد ان وصايا ربنا يحتقرها كل انسان ويجهلها جهلا وأيضا عادة عدم الطاعة تركتها جانبا. علمنا الضلال لنظن اننا نحب ربنا دون ان نحفظ وصاياه.
لنفحص الآن بالفعل قول هبوط التلمذة ونقدم برهانا واحدا من السيرة الأولى ونقرب ونضع إزاء ما حدث اليوم ونتعلم من هذا البرهان الواحد كم ان التلمذة تدهورت، وكم ان السيرة فسدت !
باع حننيا قرية من ارث ذويه وجلب ثمنها ووضعه امام ارجل الرسل ليكون للفائدة العامة. وقد فكر ان يترك عنده من ثمن قريته قليلا.
ولهذا السبب احتدمت حرارة غيرة الرسل وحكمت عليه بالموت لانه لم يجلب كل مقتناه إلى الوسط ليستقيد منه المحتاجون.
واحتقر، ولو انه جلب الكثير واستبقى عنده القليل وسلمت جثته الى الأرض لان فكر الاهتمام جال في خاطره وهو يحارب تلك الوصية: لا تهتموا بالغد.
لنأت الآن ونتابع ما يجري اليوم في الكنيسة، بسبب هولاء الذين يمسكون بايديهم مفاتيح شمعون وها قد رأينا من اين سقطت السيرة وإلى أين وصلت.
نرى اليوم أن محبة المال استوحذت على التلاميذ وعلمتهم أن يحتفظوا بما يخصهم ويلاحقوا ما لا يخصهم ويحرموا فم اليتامى ويملأوا اكياسهم الواسعة ويلقوا فضتهم على الصيارفة ويفسدوا نفوسهم بالارباح النجسة، وأيضا يزيدوا بالربى والفائض إضافة على الكثير الذي جمع بكل حجة وكل فرصة وكل شكل. يريد التلاميذ اليوم ان يجمعوا الذهب والمقتنى الذي خصص لليتامى ليفرج المحتاجون به عن غمهم ها هوذا يصرف بالولائم ويبدد بالسرقات ويعطى للأهل وتأخذ منه كل روح الاثم، اما الذين خصص لهم فيموتون جوعا في الشوارع. !
اذا هوت التلمذة وسقطت فالكتاب المقدس لا يسقط
وانظر الآن سيدي الى حننيا والى هولاء وسترى حكمتك بعين نيرة انه لا توجد فينا نهائيا، ولا حتى رائحة أو صورة أو ظل تلك السيرة الأولى.
ولهذا ان وصايا ربنا ثقيلة ومخوفة لانها لا تحفظ ولهذا يفزع سماعنا من الناموس الروحي عندما يشرق عليه لأننا غرباء عن الأعمال.
فلو ثبتنا في تلك السيرة السامية التي بدأ بها طريق التلمذة، لكانت نفسنا تستنير لنعرف ان كل من لا يحفظ وصايا ربنا يخضع للقصاص.
ليس بوسعي ان احط الكتاب من علوه واقود التفسير قسرا وراء ارادتي ليصبح هابطا عن الحق كما هبطت السيرة عن شكلها.
اذا سقطت التلمذة فالكتاب لن يسقط.! اذا كتب في الناموس: ملعون هو كل من لا يحفظ كل ما هو مكتوب في هذا الناموس.
يجوز اذا ان يحتقر كتاب سيد موسى. واذا لم يحفظ فلا يقع من يحتقرونه تحت الطائلة.
ليتأكد لك اذا ان بولس يهاجم ويهدد من لا يحفظ وصايا ربنا. وعنه تكلم اذ قال: من لا يحب يسوع. ولو ان ما أقوله يثقل سماعه لكنه متضمن في فكرة الكتاب ويظهر ارادته لكل محبي الحقيقة.
الآن علينا ان ندحض الأفكار المضطربة والأسئلة التي تضيق ضرع هؤلاء الذين يتخبطون في الخطايا المتنوعة وبالمعصية على الوصايا وهم خائفون ومرتجفون ويستفسرون ماذا يفعلون؟
اذا أخطأت خطيئة الموت، هل عليّ ان ابطل ولا اطلب المغفرة كما حذرني يوحنا؟ وإن أيضا أخطأت بارادتي بعد أن قبلت معرفة الحق فانا الآن مجبر ان اتوب عن خطاياي واعود الى الله وانا اذبح طلباتي لكي يرش علي الغفران.
هل اهمل لان بولس قطع رجائي؟: ليس ذبيحة اذا تقرب بدل الخطيئة. وان جرفني تيار الصبوة واخرجني من درب حفظ الوصايا مثل حصان وحشي.
والآن بعد أن سقطت وتخلفت عنه. اطلب لاسند واعود الى الدرب الذي سقطت منه ليضمدني الحنان لانني محطم وملقى ولا أحد غيره يقيمني ولا أحد يداوي بالدواء جروحي.
يمنعني بولس بحرمه لئلا اقترب منه وألجأ اليه وماذا افعل الآن؟ وإلى أين اذهب؟
الإنسان صورة الله
أنا صورة الله وأنا ساقط، وليس من مساعد وساند. امطر عدوي عليّ سهامه وخرقني. ليس من يتوجع علي لينزع رمح الاثم من النفس التي تطلب النجدة. ضربني ناهبي بارادتي وخرقني وضعفت حتى الموت.
مخلصي القريب مني الذي خلقني على صورته هل يهمل مساعدتي لانني أخطأت بارادتي وسلمت نفسي الى الضربات وانحدرت الى حماة الاثم وتلطخ جمالي؟ هل يهمل مصوري لئلا يمحص بحنانه صورته: النفس التي عتقت في الاثم.
ماذا اصنع انا الخاطيء والشقي؟ أخطأت بارادتي والآن بارادتي اطلب المراحم. طردتني الكتب. الى أين اذهب؟ يوحنا وبولس اخرجاني. فمن يقبلني؟ قطع الرسولان رجائي باجوبتهما المخيفة وكيف اطلب الرجاء؟ وجملة القول ماذا أفعل؟ لا يقبلني الأنبياء، لا يفتح لي الرسل الباب. معلنو الحق غاضبون عليّ، معلمو الناموس يطردوني. والآن انا متروك ومطروح كالمرذول والبراني. يا مخلصي لا تهملني.
الرب رحوم يقبل التوبة ويبدل تهديده
يا ماسك الكتب اقلب لي كل الأسفار اقرأ لي كل النواميس ولا تضجر مني لان لي ربا رحوما. سمعت من سفر المحيي ان كل الملائكة في السماء يفرحون متى ما يتوب خاطيء واحد اتعب وفتش بين القراءات لعلك تجد لي تينة لاتمسك بها. للحكمة الغاز، اطلب لي في احد الالغاز حجة تساعدني لاسرع مسيرتي بتوبتي. لي رب رحوم لماذا يعلقون عدم الرحمة على بابه؟
لا أكون اناء هالكا لان ربنا يخرج ليجمع جميع الهالكين. لا يغلب الخروف المتمرد صاحب القطيع، الذي يجمع مقتنى ابيه. انا لم اطلب منه وحملني على كتفيه،احضرني الى حظيرته. بارادتي انهزمت لان خطاياي نفختني والآن ندمت واتيت، ألا يفتح لي الباب لئلا تاكلني الذئاب خارج حظيرته؟ سمرتا يداه بالمسامير ولم يتركني لانني كنت حبيبه وجعلتني خطاياي غريبا عنه. والآن احتقرت وعدت، هل سيلقيني كالغصن المرذول؟
لا يا دياني، لا يغلب شري حنانك. لا يا رب لست أقول: ان ذنبي اكبر من ان يغفر. التوبة تطلب منك أيها الحنان تلك التي هي معتادة ان تعكس كلامك وتحل احكامك. بعد ان اردت ان تقلب نينوى لكونها أخطأت لم تسمح لك ان تقلبها بعد ان تابت.
لما أصدرت حكما بالشر على بيت آحاب قامت وابطلت حكمك. يونان كان نبيا كما كان يوحنا رسولا. كرز يونان بخراب المدينة. وقال يوحنا: ألا يطلب احد بخصوص خطيئة الموت. التوبة الكاملة لم تصدق يونان ولم تسمع يوحنا. تجبرت وقامت وكذبت يونان. فان قامت أيضا فهي تحل العقدة التي عقدها يوحنا. لم تعد ابدا التوبة بخجل من باب الحاكم. وليس وقت لم تستجب به. ولم تطلب ابدا الا ونالت. اعني متى ما كانت امينة ولا تمل، ولجوجة ولا يؤثر عليها التوبيخ.
من لا يعطي بالمحبة لا يستطيع ان يمنع الالحاح ومن يلح لينال لا يزجره الناموس في مطلبه، ولا يرد واضع الناموس سؤاله. قال واضع الناموس ليس جيدا ان يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب. تقول التوبة نعم يحسن ان ياكل الكلاب من فتات أصحابها.
مقارنة بين بولس والمسيح
هلم انظر الى اللجاجة وهي تنقض كلام الحاكم لئلا تهدأ وتبطل وتتوقف من الطلب. عندما تسمع من الكتاب انه يسكتك لئلا تطلب من أجل جرم حسب ما قاله ربنا: ليس حسنا قالت الكنعانية: انه حسن ولم تخف الحاجة، لئلا يغضب الواهب ولا يستجيب سؤالها، لانها ردت عليه قائلة: انه حسن. ما تسميه غير حسن. واذا لم تبطل كلمة الرب طلب تلك التي تشكت من الشيطان، هل يلجم ويهدأ من مسك في خطيئة الموت التي هي التجاوز على الوصية من تقديم الطلب بسبب كلمة العبد؟
يقول بولس للعبرانيين: ان اخطأ احد بارادته بعد ان قبل معرفة الحق ليس اذا ذبيحة لتقرب بدل الخطايا. يقول أيضا رب بولس: ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب. وان قيل بخلاف الرب: انه حسن ان ياكل الكلاب ورضي، يقال نفس العبارة للعبد: يليق بالتوبة ان تقدم الطلب بدل كل الخطايا دون ان تخيب.
بولس يتكلم بموجب العدالة، اما ربه فيتفقد الخطاة بالتوبة. هذا الرسول المختار يحمل كالطبيب الحكيم الحديد والنار ويدني من غلاظة جرح الاثم لئلا ينتشر في النفس الحسنة ليقطع دابر الخطيئة من العالم بقساوة كلماته مثل الكي والتهديد؟ لئلا يفسد بها الكثيرون.
حية النحاس تشفي الذين عضهم الثعبان
اما الذي تراخى بارادته وانتشر جرح الاثم في نفسه، ماذا يفعل؟ الوجع يؤذيه وهو متضايق الى ان تتوفر له الصحة. من لدغه الثعبان، اين كان يجد الشفاء الا بنظره الى حية النحاس ليطيب؟ ومن اقترف خطيئة الموت بمن يجد الحياة الا بنظره الى الصليب؟
قل لي يا معلم الناموس من كان يعضه الثعبان في البرية وكان يتطلع الى ثعبان النحاس ويشفى، لو عضه أيضا ونظر اليه أيضا، الم يكن ينال الشفاء؟ أقول نعم كان يشفى، لانه كان موضوعا لاجل شفاء لدغات الثعابين التي كلما كانت تصيب جسم من كان يلدغ كان يجب عليه ان ينظر فقط الى الثعبان سواء البارحة او اليوم. رؤية الثعبان كانت سببا لشفاء العبراني كلما لدغ.
هل قال له موسى لانك شفيت امس، لا تات تطلب الشفاء اليوم؟ حاشا ! لم يكن يمنع كلما احتاج من كان السم منتشرا فيه من نيل الشفاء برؤية الحية. لم تكن صورة دواء الحياة مرتبطة بالحد بحيث تعطي الشفاء مرة، ومرة لا تعطيه. وهكذا كانت ستحدد. ان من شفي مرة واحدة لا يشفى أيضا.
كانت الحية التي رفعها موسى في البرية مليئة بالشفاء كل يوم للناظرين اليها بحيث كلما نظر اليها من لدغ نال الشفاء، إن كان مرة واحدة وإن كان ربوات المرات ! كان يجدر بمن لدغ ونظر الى ذلك الثعبان وتعافى ان يحدق اليه بصورة دائمة لئلا يلدغ بعد. اما من شفي، فان لم يفعل ما هو حسن، لكنه ابتعد ثم لدغ أيضا وطلب متسولا الشفاء بالنظر الى الحية، لم يكن معين الشفاء الكبير ينضب بالنسبة اليه.
كان ينال العافية ولو جزئيا من كان يبتعد عن الرؤية الشافية بعد العافية الأولى ليسير في القفر المليء ثعابين. حتى لو كان من ينال الشفاء ناقصا فان معطي الشفاء لم يكن يرفضه.
مقارنة بين الصليب وحية النحاس
ها ان صورة الصليب بحر الاسرار, ولجة الامثال العظيمة، وطبيب الانفس الماهر، والمهندس الذي يشيد الخربات، قد اعطى الشفاء للاولين وباقنومه أيضا اعطى الشفاء للآخرين. خرجت الخطايا كالثعابين ولدغت العالم. فصار الصليب علامة للشفاء، كالحية في القفر. كانت الحية تحلي بلا سم مرارة المرين. والجسد الذي هو بلا خطيئة كان يرفع خطايا كل الأجساد.
النظر الى الصليب
يا من لدغ بخطيئة الموت ها ان الحياة معلقة ازاءك. فانظر الى الصليب وعش. ما لم تنظر اليه تمت. قع عليه كالميت على عظام اليشاع. اسمع صوته مثل لعازر من شقوق الهلاك. لا تقطع رجاء حياتك لان رجاءك ثابت فيه. فالميت لا يشمئز من الاتكال على الباعث. ليس حسنا لمن فيه الجرح ان يبتعد عن باب الآسي. يحزن صاحب الدين كثيرا عندما يهرب منه المدين ولو انه لا يقدر ان يوفي. من واجب الخاطيء الذي يلح الا يبطل من طلب المراحم حتى اذا لم ينل الغفران. ان ظن الخاطيء في نفسه
انه لا يستحق المراحم، وهو يعلم انه ليس مستحقا لنيلها، لا يبطل من التوسل. وهذا ما يستحق المراحم. ليثبت في الطلب من أجل جماله، ولو يعرف انه لا يفيده وهذا هو الفكر الذي يحب الفضائل وعليه ان يستفيد من استمرارية محبته.
يقسم الله انه لا يريد موت الخاطيء
للخاطيء الذي يتجاوز الوصية ويخطيء خطيئة الموت ويصير ميتا بارادته منذ مدة، له في احد الكتب وحي: بخصوص أفكار الله فيه. وان صار ميتا بالتأكيد بسبب خطيئة الموت يظهر الله فكره بخصوصه بواسطة حزقيال النبي المتألم في وحيه حيث يقول: اقسمت بذاتي يقول رب السيادة, انا لا اريد موت الخاطيء الميت لكن ليتب اليّ ويحيا. هنا لم يقل قولا فقط، لكنه اقسم أيضا أيضا بالكلمة الحاملة مراحم وبالقسم المليء حقيقة ليتشجع الميت وينهض ليتوب وهو متكل على الله الذي يريد ان يهبه الحياة ثانية اذا تاب. لماذا حلف الله للخاطيء وأضاف الى القسم الكلمة أيضا؟
سهلة هي معرفة فكر الخاطيء. انه غير ثابت كلما كان خاطئا لكنه متذبذب وتعصف به ريح الشكوك ولا يستند على الحق ليصدق من يتكلم معه عن الحق. ولاجل هذا يلجأ الى القسم الذي يطلبه ممن يتكلم معه حتى يحلف. ومرارا أيضا يتشكك من القسم نفسه اذا لم يكن من حلف له محترما فيحسبه
كاذبا لان الخاطيء الملطخ بالخطيئة كاذب ولهذا فهو بعيد عن الحقيقة ويطالب بالقسم.
وبما أن الله يعرف نفسه، لذا حلف له بانه لا يريد موته لكن ليتب ويحيا بحيث يخجل عندما يسمع الله يحلف ويصدق ويبطل عن الشرور ويتعلم صنع الخير ويتكل على الله الذي يريد إحياءه ما لم يرد أن يثبت في الموت. من أجل هذا تنازل ليحلف ذلك الذي لا يشتهي أن يحلف أحد، ليصطاد بقسمه الخاطيء الذي هرب منه وصار ميتا ليجلبه اليه وتتوفر له الحياة بالتوبة التي تحل كل عقد الموت وتبعث كل الموتى.
فاذا حلف الله للخاطيء فهو يؤكد انه سيحيا. لو تركه بلا قسم باي رجاء كان يتمسك بالتوبة؟
حسنا فعل الله لما اقسم ليحيا الميت. ولو كان شيء أعظم من القسم لكان يفعله ليعيد الخاطيء ! علق الله ابنه على الصليب ليحيا به الخطأة. من يستطيع أن يقول أو يفكر في عقله أو يخطر على باله أن الخاطيء لن يقبل كلما قصد التوبة؟
ها ان الله قد انجز مع العالم محبة كبرى وسماوية. من يقدر أن يجازيه؟ اسلم ابنه للموت ليحيا الخطاة به ولم يشفق عليه. قسم الله في العهد القديم انه لا يريد موت الخاطيء واسلم ابنه في العهد الجديد ليصير ذبيحة بدل الخطأة. من لا يصدق ان باب الحنان لا يوصد في وجه الخاطيء الذي ترافقه التوبة؟ انه يقبله وهوذا يداه مبسوطتان لمسامحة المذنبين.
هل يقبل أو لا يقبل الخاطيء اذا تاب، فهذا تفكير باطل يغلق الدرب امامه لئلا يأتي الى مدينة الملجأ اعني التوبة.
دعوة النفس الى التوبة
قولي لي الآن ايتها النفس التي أخطأت خطيئة الموت، وسمعت ابن زبدى يقول: من أجل هذا لا أقول ان يتوسل احد. ما الاصلح لك من بين هذه الأمور. هل تمكثين راكدة بقطع الرجاء ويحل الموت أو تبللين اسكفة الديان بالدموع لينجيك من الفساد؟
يقول يوحنا لا يطلب احد من اجل من يخطيء خطيئة الموت. لا يقول ان الله وضع حدا لئلا يقيم الموتى الخطأة ان تابوا. تكلم التلميذ حسنا وبحذر: لا يطلب احد من أجل خطيئة الموت، لكي يفزع الكاملين بقطع رجاء الموت, لئلا يبسطوا أيديهم الى الاثم نهائيا. لم يكن حسنا ان يقول لمن لا يخطيء: ان أخطأت يغفر لك، لكن ان أخطأت تموت كما هو الحال في الواقع.
يجدر بالخاطيء الا يصدق ويهدأ ويبطل من الطلب الذي يغصب المراحم ان تسكب عليه الحنان، حتى وإن افزعته آلاف الكتب ونهته عن طلب المغفرة!
ايتها النفس الخاطئة لو صدقت يوحنا قبل ان تخطئي وآمنت بكلامه كما اعلن ان خطيئة الموت لا تغفر لكنت تصنعين حسنا بامتناعك عن خطيئة الموت. اما الآن وقد سقطت في فخ الخطيئة لا يجدر بك ان تسمعي ذلك الجواب الذي لم يسمع في حينه.
لكن كما أغلقت اذنك عن الاستماع اليه وهو يصرخ بقوة: لا تخطئي خطيئة الموت التي لا غفران لها، اغلقي اذنك الآن لئلا تسمعي ما قاله: عن خطيئة الموت: لا أقول ان يطلب احد. لا تهدأي من الطلب لانه لما كان يرعبك بقطع الرجاء لتمكثي في الحياة لم تنصتي اليه والآن بعد ان احزنتيه باثمك، دفعته الحمية ليخنق طلبك وتسلمين الى الموت، لماذا تطيعينه؟
لا يا نفس لا تهدأي من الطلب. لا تمنعك خطاياك من الصلاة بسبب الفزع، لكن ارفعي صوتك بألم طالبة بدافع الخوف. آمني ان الله باعث الموتى. لمن يؤمن، كل شيء ممكن. اسألي المراحم وانت مصدقة انك تنالينها. الوهاب قادر ان يعطي كل الخيرات لكل من يطلبونها منه.
لا صوت يسكت النفس التائبة من الطلب. اما النفس المستفسرة التي يستجاب لها او لا يستجاب فليست تائبة لكنها غشاشة. وكل من يعود بالحقيقة ويتوب عن الاثم، يؤمن ويصدق بالحقيقة ان باب الحنان مفتوح لكل من يطلب المغفرة.
اذا ايتها النفس التائبة اسرعي خطاك نحو التوبة وعيشي. ها انك سمعت ربك يحلف: انا لا اريد موت الميت الخاطيء. لا تطلبي ان تمكثي في خطاياك لئلا تموتي. عودي اليه مثلما عادت سارة الى إبراهيم. لا يطيبن لك عيش العالم كما لم تطب لتلك مائدة الملك مثل عشرة إبراهيم. لم تعير لانها عادت ولا انت أيضا تلامين لانك ذهبت. انك تلامين لو لم تجييء، إن اتيت يبسط ذراعيه ويستقبلك ويحملك ويقدمك لابيه ويفرح بك ويحببك ويقول لك هكذا:
ها ان صورتنا المفقودة وجدت،
ها ان ابنتنا المسلوبة عادت،
ها ان مقتنانا الذي نهبه الغرباء رجع الينا.
الخاتمة
يصير اذا في السماء فرح لجميع الملائكة الذين ابتهجوا بوجودك وسروا بتوبتك وسبحوا بعودتك، الآب الذي قبلك والابن الذي اتى بك والروح القدس الذي اعادك، له المجد والشكر والعظمة في كل ازمان العوالم الى ابد الابدين امين.
أيضا رسالة الى مار مارون بخصوص الأسئلة التي طرحها الى مار يعقوب الملفان
النعمة مربية.
لما تتحرك في النفس العاقلة فائدة من استفسار نافع فهذه هي عناية النعمة الإلهية التي على مثال المربية للطفل تهتم لتساعد الجنس البشري. تثير النعمة الاستفسار في السائل ليطلب منفعة عامة من المفسر. وتقترب النعمة أيضا لتتحد بفكر الذي يسأل ليعطي ما يطلب منه ولو كان هو محتاجا ومسكينا !
حيث تهتم النعمة بحركاتها النافعة لا يوجد الفقر ! لان الذي يسأل لا يفسر مما عنده، لكن من عناية النعمة التي تغني الكل بمواهبها المختلفة.
يعقوب مفسر متواضع
الاستفسار الذي طرحته اذا، يا رجل الله، لست اقصد انك طرحته لتثري نفسك بل لتوقظني وترشدني الى ما يجب قوله لفائدة الكثيرين.
قرئت رسالتك امامي، تلك التي كتبت للآخرين ليستفسروا مني. وقد جعلها وضيعة جدا اولائك الذين قرأوها امامي وهم يترجمونها من لغة الى لغة.
تعجبت جدا بسمو رسالتك ثاقبة النظر لانها اقلقتني وادخلتني لتقيمني باسئلتها العويصة، في مصف المفسرين وانا لم ابلغ بعد ان أكون سائلا مثقفا مثلك.
أسئلة مار مارون
قبلت ان اجيب على سؤالك، وانا لست واثقا من انني املك جوابا لكنني اؤمن انه سيعطى لي ان اجيب بذكاء على استفسار رجل الله من الكنز الثري، ولو انا لست مستحقا ان اعطي لمثلك لانك تستحق ان تأخذ. كلما تطلب يعطى لك. يعطى لك ما طلبته بواسطة أي كان كما طلبت. هذه هي الأسئلة المطروحة في رسالتك الغنية بالمعاني:
السؤال الأول: قال في كتاب التكوين: العوالم اتقنت في ستة أيام واليوم السابع دعاه الله: الراحة. ونجد أيضا ان الله قام فيه باعمال.
السؤال الثاني: لما صار نوح ابن خمسمائة سنة نزل عليه وحي من الله: بعد مئة وعشرين سنة يصير الطوفان. وحدث بعد مئة سنة فقط، في سنة ستماية من عمر نوح.
السؤال الثالث: قال الله لابراهيم يكون نسله مستعبدا اربعماية سنة. وصار اربعماية وثلاثين سنة.
السؤال الرابع: لما هرب داود من امام شاؤول دخل عند آحيمالك الكاهن وطلب منه خبزا للاكل. أجاب الكاهن داود وقال له: لا خبزا عاديا تحت يدي. انما يوجد خبز التقديس، لكن لياكل الشباب إن كانوا انقياء من النساء. أجاب داود وقال للكاهن: وان كانوا غير انقياء فليتقدسوا من اجل ثيابي.
السؤال الخامس: باي معنى قال الكتاب: ندم الرب لانه صنع آدم على الأرض. وقال الله: انني ندمت لانني جعلت شاؤول يملك.
ان هذه التعابير تعلن عن عاطفة بشرية.
السؤال السادس: من اجل كتاب نسب ولادة المسيح. يبدأ الطوباوي متى من إبراهيم الى يوسف. اما الطوباوي لوقا فيبدأ صاعدا من يوسف الى آدم. ولا يذكر الكاتبان ويحسبان نفس الأسماء مع العلم انهما شربا روحا واحدا غير ان ترتيبهما يختلف من موضع الى آخر في تسلسل القبائل.
السؤال الأول
أقول ان من يسأل بمثل هذه الحكمة يود ان يفيد هؤلاء الذين يفتشون عن الفوائد بدون هدف !
علمنا كتاب التكوين ان الله خلق العالم في ستة أيام وفي السابع استراح من تكوين الخلائق وليس من صرف الاعمال. ان قوته تسري الى الآن في اعماله ورمزه يحمل براياه. كتب: استراح وليس بطل. قوته لا تبطل يوم السبت من جعل البرايا تسير في الدرب التي هيأها لها للحركة في ستة أيام الخلقة. ان الذي صف النيرات في الرقيع في اليوم الرابع، يسحبها ويخرجها في اليوم السابع ويدفعها بقوته في درب مسيرتها كما هو مكتوب: يخرج بالعدد قواتهم. ذلك الذي امر الأرض لتخرج العشب والبحر ليسير الأسماك، والطير في اليوم الخامس، لا يبطل في اليوم السابع من تربية الزرع ومن تكاثر الأسماك والطير كأن السبت يبطل الاعمال لئلا تقضى فيها كما في بقية الأيام الأخرى.
من جبل آدم من التراب في اليوم السادس، لا يبطل في اليوم السابع من تصوير الصور بواسطة الزواج في بطون الزوجات: انه تدبير الخلقة. ولهذا، الابن الذي يشبه اباه في كل شيء جبل الطين يوم السبت وفتح عيني الاعمى. ولما قرفه المراؤون احتقرهم واسكتهم قائلا: ان ابي الى الآن يعمل وانا أيضا اعمل فصار شاهدا لابيه في القول والافعال. قوته لا تبطل بطالة يوم السبت من تسيير البرايا. دعي يوم السابع راحة شهادة للاعمال التي صارت في الأيام الستة ليعلم انه صار تعب فلزمت راحة.
اهتم تماما الناموس النير الذي نزل من جبل سيناء، بطرد ظلمة الاصنام من الخليقة ليبرهن ان للعالم خالقا. ولاجل هذا نظم الخلائق، ليبين كيف أتت الى الوجود في أيام ستة. وبرهن ان هذا جسم الخليقة المنظور هو عمل الله.
وضع الراحة بعد العمل ليتأكد ان العمل تم بالراحة المذكورة. اعطي السبت للراحة ليبطل فيها الشعب ويقرأ في الناموس ويريح العبيد والاجراء من العمل القاسي الذي فرضه طمعهم عليهم ليتعبوا بلا رحمة. ولما كانت الشعوب عابدة الاصنام ترى الشعب العبراني عاطلا عن العمل يوم السبت كانت تطرح عدة أسئلة بهذا الخصوص. لماذا ولاي سبب لا يعمل العبرانيون عملا يوم السبت؟ كان هذا موضوع الحديث في كل الشعوب بخصوص الشعب المثقف الذي كان يمسك بالناموس كالنور. خلق الله العالم في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح من كل اعماله التي خلقها الله وعملها. ولهذا فهو سبت. راحة من ناموس الله كما ان الخالق أيضا استراح من خلق الخلائق. هذا هو سبب بطالة العبرانيين يوم السبت.
كان يعلن عن قوة الله العاملة ويجمع ويجلب دخلاء من كل الشعوب الى شعب الله بخبر الخالق المخيف والقوي لانه اقام العالم في ستة أيام ليصير شيئا من العدم. واحتاج الله في اليوم السابع الى الراحة بعد ان انجز اعمال خلقه.
من اجل هذا التعليم المليء فوائد الذي اشرق في حينه كالنور كتب: استراح الله في اليوم السابع من اعماله. ان الراحة تشهد على قدرته العاملة وتعلنه وتظهره في كل الشعب: خالق الخلائق. من المعلوم والبديهي، لكل من قبل ناموس الله روحيا، ليس لكونه تعب لزمت الراحة هناك لكن ليعلن العمل الذي تحقق بحجة الراحة المذكورة.
هذه هي الأمور التي حدثت في أيام الخليقة الستة: ليكن النور، ليكن الرقيع, لتجتمع المياه، لتكن النيرات في جلد السماء، لتخرج الأرض الحشيش، لنصنع الانسان على صورتنا مثل شبهنا.
ست كلمات في ستة أيام. اين هو التعب الذي يتطلب الراحة اذا لزمت الراحة للعامل الذي تعب في الخلق؟ كلمة واحدة في يوم واحد لا تتعب حتى الانسان! ويفهم العاقل من هذا ان الراحة التي ذكرت تشير الى القدرة العاملة وليس الى جهد وتعب ذلك الذي عرفه النبي: لا يشقى ولا يتعب. والكتاب لا ينقض ولا يقدر احد ان يعاكسه وكتب استراح الله في يوم السبت.
المسيح الاله تعب على الصليب في اليوم السادس
لنبحث ليتضح هذا أيضا. المسيح الذي هو الله
تعب على الصليب في اليوم السادس واستراح من عذابات الصلب يوم السبت.
تعب على الجلجلة واستراح في القبر.
تعب لانه تجسد.
تعب لانه اتى في الجسد.
تعب ابن الله لانه اضحى ابن البشر بتجسده من البتول.
لم يتعب يوم كان يخلق الخلائق مع ابيه بالإشارة لانه لم يكن له جسد لكنه لما خلصها بآلام اقنومه من عبودية الشيطان تعب في الجسد لاجل خلاصها يوم الجمعة على الصليب. وصار السبت راحة من الآلام.
كلمات موسى محجبة بالبرقع
واعلن موسى ووجهه مسفر وقال دون ان يستحي استراح الله في اليوم السابع.
ان كلمات النبؤة تشبه المخطوبات اللواتي وجههن مستترة الى يوم عرسهن. ولهذا أيضا عظى موسى معين النبؤة وجهه وهو يصف السر ليفهم من يقرأون في كتابه ان كلماته مستترة كما ان كاتبها مستتر. ومن كان يتجاسر ان يكشف وجه تلك المخطوبة الا الختن عند ظهوره؟
كانت النبؤة مخطوبة للصليب فتغطت وتكلمت وهي مستترة ولما تجلى المسيح الختن كشف عن وجه النبؤة ورفع الحجاب عن وجه موسى فبان جماله. وانطلق لسانه لانه كان اخرس. وجرت كلمته بوضوح كما هو مكتوب: ليطلق لسان الاخرس.
والآن يتكلم موسى هكذا ووجهه مكشوف ولسانه طلق. كلماته غير مغطاة ولا لسانه يتلعثم. ولما يحين وقت العرس يرفع الغطاء عن تلك المخطوبة.
صورة آدم وحواء ترمز الى المسيح وكنيسته
اشرق الصليب مفسر الاسرار فتجلت الاسرار بوضوح. وبما ان الاسرار ظهرت لم تبق وشوشات ولا الغاز ولا رموز ولا صور ولا امثلة لان ما كان يصور بالرموز والالغاز ظهر جليا.
والآن كل من يتكلم يتكلم علانية كما رفع موسى صوته أيضا وقال: استراح الله يوم السبت. كل من يسمعه الآن يعرف ماذا يعني. ليس الانسان يتكلم الآن، لان السر قد أعلن.
كانت مغطاة عبارة ليترك الرجل اباه والام ويتبع امرأته ويكونان كلاهما واحدا، وكان سرا. ولم يكن يعرف انه سر. كل من كان يسمع كان يظن انها قيلت عن الرجال ونسائهم. ولم يكن احد يفكر بانها تقتضي تفسيرا. ولم يكن يحسب انها كانت تعني انسانا آخر ما عدا آدم وحواء.
لما تجلى السر واتى المسيح واخذ كنيسته وخلطها في جسمه وجعلها منه وصار كلاهما واحدا، دخل بولس العظيم وتطلع الى الختن والعروس أي الى الكنيسة والمسيح واعلن للداخلين الى الخدر: ان هذا هو السر الذي يفسر بالكنيسة والمسيح. وفضح بولس موسى لانه قال شيئا بدل شيء آخر. ولم يكن يعلم احد ماذا يقصد الاخرس لانه كان مغطى الى حين مجيء المسيح الذي رفع الحجاب عن وجهه واطلق لسان الأخرس ليتكلم بطلاقة: فاشرقت تلك العبارة: يصيران كلاهما واحدا واستنارت وتجلت وعرفت انها قيلت عن المسيح والكنيسة. صارا واحدا بروح واحد من بطن البتول ومن ماء المعموذية. الختن من البتول, والعروس من المعموذية. ومعروف الآن من هما اللذان صارا واحدا، لانه ظن طويلا انها قيلت عن الآخرين.
فهمت وفسرت هكذا عبارة: استراح الله في يوم السبت. كانت النبؤة تنظر الى المسيح وهو متعب جسميا في الجمعة ليستريح من تعب الصليب يوم السبت. لما اعطوه ليشرب الخل على الصليب ذاق وقال:
ها قد كمل ليفهم الآن من يسمع ما معنى
ها قد كمل؟
ها قد كمل عمل الآلام،
ها قد كمل درب الصليب،
ها قد كمل التفكير عن الدين الذي صارت الحية وسيطة ولزم ان يعوض على الصليب.
ها قد كمل حديث النبؤة التي قالت: حمل اوجاعنا وتكبد آلامنا واعطوني في اكلي المرارة وفي عطشي سقوني الخل. مع بقية ما قالت النبؤة بخصوص الصليب.
كمل عمل درب الصليب. كملت صورة الآلام نهار الجمعة في اليوم السادس وتوجه ربنا ليدخل ويستريح عند الموتى في يوم السبت. ولهذا قال: ها قد كمل ليبرهن على انه لم ينقص شيء من كل آلام الصليب، الا وكمله باقنومه ثم استراح كما هو مكتوب: استراح الله في اليوم السابع.
لم يبطل من عمل دربه لما دخل عند الموتى لان السبت لا يبطل الاعمال مثلما ذكرنا أعلاه. وقام الله نفسه فيه باعمال كما تعرف حكمتك. في اليوم الأول قال الله: ليكن النور، وهكذا كون العالم في ستة أيام بكلمة الله. ولم يحرم السبت من تلك الكلمة: بارك الله يوم السبت.
اذا البركة أيضا هي عمل، وليست عملا بسيطا لكنها انجاز وتثبيت الاعمال وشهادة لما وجد واكليل مظفور من سبعة اختام مرسومة عليها حكمة الباري كما هو مكتوب أيضا: بنت الحكمة بيتا واقامت فيه سبعة أعمدة. لو كان اليوم السابع يوم بطالة لما كان يسمح حتى استعمال البركة فيه لان البركة عمل وليست بطالة.
المسيح في الشيول
وهكذا هنا أيضا حتى لو كان السبت راحة من الآلام، لم يبطل المسيح فيه من درب تفقده لانه جعل كاروزا للنفوس المحبوسة في الشيول التي لم تطع في أيام نوح كرازة البار كما تشهد رسالة بطرس. والحال ان الذي دخل عند الموتى في الجسد هو اله. وشعر به كل الموتى وتعامل في تعليمه المليء حياة مع النفوس التي تمردت على تعليم نوح البار.
المسيح صار جنينا ليستقبله الاجنة وميتا ليستقبله الموتى
لو قال من هو ضدي: كيف شعر به الموتى؟ اجيبه قائلا: مثلما شعر به الاجنة لما كان جنينا في البتول.استقبله جنين الشيخة العاقر ولما أراد ان يصير ميتا في الشيول قبل الموتى تعليمه وفرحهم بنوره.
يسير درب المسيح فوق الطبيعة، فلا مجال للحكماء ان يصفوه بالتفسير. وبما انه اله، سار دربه الهيا فوق الطبيعة والعادة.
اليشباع عاقر والشيول عاقر. ومن حضنين عاقرين استقبلاه آدم ويوحنا. آدم من الشيول ويوحنا من اليشباع.
ما صنعه ربنا بين الموتى في يوم السبت يفوق الوصف ولا يستطيع اللسان ان يردده. فزع الشيول من امامه يوم دخله كما تفزع المدينة امام الملك الذي يدخل ليحل فيها. في نفس هذا يوم السبت لما استراح من آلام الصليب كان دربه يسير في عمل الخلاص لان غاية مجيئه هي: ان يدخل ويحل الاسرى من جب الهلاك.
التدبير الإلهي
ولما سار واتى من عند الآب الى البتول، ومن البتول الى المذود، ومن المذود الى الكنف، ومن الكنف الى مصر، ومن هناك الى الناصرة، ثم اتى الى العماذ في الأردن، وخرج الى القفر والى جناح الهيكل والى الجبل العالي, ثم دعي الى قانا الى الوليمة،
زار مدن يهوذا والجليل ودخل اورشليم على مطية حقيرة، وحل في العلية واكل خروف الفصح وخرج للصلاة وعاد ودخل الى المحكمة، وحضن العمود وحمل خشبة صليبه وصعد الى الجلجلة، واحصي مع الاثمة، وصلب بين فاعلي شرور، واحتمل بارادته كل ما تكلم عنه الأنبياء.
جاز في هذه العلامات المعينة وحل في هذه المنازل لاجل ذلك العمل الذي انجزه يوم السبت في الشيول.
تحرير آدم من الشيول
في نفس هذا يوم السبت حل الاسرى، كما قيل للمرائين: يحل كل واحد منكم ثوره او حماره يوم السبت ويسقيه. كم بالحري الانسان افضل من المقتنيات؟ من يسمع العبارة يفهم لمن هي موجهة. كان آدم اسيرا في الشيول منذ الأزل. وحل يوم السبت من رباطه بدخول ابن الجابل الذي نزل وتفقده في الأعماق السفلية. وبما ان يوم السبت هو للراحة، في نفس هذا اليوم فرح آدم لانه نسي آلام القصاص. فيجوز اذا عمل الخير في السبت.
ولاجل هذا كان ربنا يشفي في السبت كل الأمراض لانه للراحة من الآلام وهو رمز العالم الوسطي الموضوع بين الصليب والقيامة وهو موضع هدوء الموت الذي يريح من الآلام ويدني من القيامة.
اذاً متى ما تسمع الآن موسى يقول: استراح الله يوم السبت وباركه وقدسه اعتبر الراحة التي صارت فيه حسب إرادة الله الصالحة الذي حسن لديه ان يتعب ابنه في الجسد ويحتمل الآلام ويستريح وهو يحل الأسرى من اسفل الأرض ليصعدوا الى اعلى السماء.
تفسير تكوين، خروج، غلاطية
أيضا السؤال الثاني: ما قاله الله لنوح: قال الله لنوح تكون أيام العالم مئة وعشرين سنة. ونقصها عشرين بالنسبة للعدد الذي ثبته في الوحي لنوح.
وقال لابراهيم: يكون نسله مستعبدا اربعماية سنة ثم أضاف اليها ثلاثين كما يشهد العظيم في المظفرين بولس.
علينا ان نجيب بلا جدال: ان العشرين سنة التي نقصت من حياة جيل نوح سببها كثرة شر البشر على الأرض. وعد بقطع خيط الحياة لئلا يطول كثيرا حبل الخطايا. ولم تحدث التوبة في الحياة التي وعدها. فقصر الحياة ليقطع دابر الاثم الطويل بالقصاص القريب. وأضاف الى عبودية نسل إبراهيم مدة ثلاثين سنة لانه احب مصر ولو انهم اشتهوا النجاة منها واهملوا موسى يوم بدأ بالانقاذ وردوا قائلين: من اقامك علينا رئيسا وحاكما؟ هنا أضاف العبودية ليقمع العبرانيون.
ونقص لاولائك الحياة لان كيل شر الجسورين فاض.
واذا طلب مني من يعاكسني، عليه ان يقول لي: لم تكن خافية على الله، كثرة الشر في جيل نوح يوم وعد حياة مئة وعشرين سنة ولما كثر عاد وجدد القصاص بفكر آخر كأنه لا يعرف انه سيكثر فنقصها عشرين سنة لانه رأى ان الشر قد تفاقم اكثر مما كان يظن ولم تفت عن معرفة الله ان العبرانيين يحبون مصر ويرذلون موسى. !
وهو يضيف وينقص على المواعيد والعهود. يضاف القصاص أيضا حيثما يضاف الاثم. ويتضاعف التأديب حيثما كثر الاثم. وتستطيع التوبة ان تحل وتبطل القصاص.
للخطيئة طاقات بحيث تقصر من الحياة حيثما كثرت. واما إضافة الحياة فتصير بالبرابرة. مثلا: ها انا اضيف الى أيامك خمسة عشر سنة. وتقصر الحياة باثم فاعليه كما حل بالكلداني لانه شرب الخمر في آنية مقدسة فظهرت له كف تمسك بالقلم وتكتب وتطلقه من الحياة وتعطي الاكليل للمادي.
ولهذا نقص حيث نقص وأضاف حيث أضاف ليخاف كل واحد من الخطيئة ويسعى في اثر البرارة. وليعرف كل واحد ان التوبة تقدر ان تبطل حتى حكم الله مثلما بطل دمار نينوى بتوبة سكانها.
هذا ما أراد الله ان يعلمنا انه ينبغي علينا في كل الفرص ان نهرب من الاثم. ويستطيع ان يجلب الشر ولو كان الشر بعيدا وان نلتجيء الى التوبة في كل وقت لانها تستطيع ان ترد الحكم ولو كان قريبا من الباب.
التفسير
يعلمنا تفسير هذه الأمور بوضوح ارميا الذي يقول: لو أتكلم على الشعب او على المملكة للاستئصال او الهدم او الهلاك وتاب الاثيم عن اثمه انا أيضا اتراجع عما قلته. هنا يكمن تفسير تقليل عشرين سنة من حياة جيل نوح. وكما نقص عشرين لكثرة الشر هكذا يضيف الحياة ولا يدمر الجيل لو دخلت التوبة امامه. لو لم يقصر من المئة وعشرين سنة التي وعدها كان يقال: انه حتى وإن تابو لما كانوا يقبلون لان الحكم قد صدر. اما الآن فقد نقص من وعده لان الاثم كثر فوضح انه سينقص الحكم لو حدثت التوبة.
الله فوق الناموس والمواعيد
هكذا أيضا فعل مع نسل إبراهيم. قضي عليه ان يستعبد اربعماية سنة. ولكونه كثر الخطايا اضيف له الاستعباد ليشعر كل الداخلين الى العالم ان الله لا يربطه حد ولا يرتبط بوعد ولا يوضع له ناموس. لكن كلماته تسير فوق الناموس بإرادة مطلقة ومتسلطة لا تخضع لاكراه الناموس.
اذا كتب: لم يوضع الناموس للابرار فكيف يوضع لرب الابرار، ولواضع الناموس؟ يوضع الناموس لمن هم غير ابرار ليخضعوا لحفظ الناموس.
لو وعد لجيل نوح انه يحيا مئة وعشرين سنة واطال لهم المئة وعشرين سنة التي وعدها وشره يتكاثر لكان يخضع لتلك العبارة التي قيلت: يحيا مئة وعشرين سنة غير انه نقص منها عشرين، لكي يبرهن انه ليس مربوطا بحد وبشريعة ولا يخضع للاحكام التي تصدر، بلا والتصق بالتراب وكان من المفيد له ان يسمع بانه يموت، ولما نزل الى غاية التواضع صلى بالتواضع واضيفت له الحياة. ولم يرتبط الله بحد ليبعث اليه: انك تموت. ولم تبطل معرفته السابقة لتدبيره الحكيم لانه كان يعرف ان الحياة ستضاف له. هل يهمل ليبعث ما هو نافع؟ لكنه ارسل الموت وهو مستعد لاعطاء الحياة. اثار خبر الموت الصلاة وعملت الصلاة عملها لتكون محبوبة من جميع الناس كالمرجانة الثمينة جدا.
فلو ثبت الله على معرفته لكونه يدري ان الملك لن يموت، لما اخبره بانه سيموت. تلك النفس الجميلة ما كانت تضيف جمالا على جمالها بتواضعها وما كان ذلك الوحي الحكيم يتضح بذلك الاعتلان.
اذا الان كلما سمعت بان احكام الله تصدر للانتقام من المذنبين اعلم انه بوسع التوبة ان تردها لئلا تنفذ كما صدرت.
الخلاصة
نهج سؤالك يستهدف العشرين سنة التي نقصت من جيل نوح. هذه هي غاية التفسير:
يريد الله ان يبرهن: كما انه نقص تلك السنين بسبب تفاقم الاثم وتكاثر الشر، على هذه الشاكلة كان يبطل القصاص لو اطاع الجسورون كرازة نوح البار واتوا الى التوبة.
اضيف استعباد على نسل إبراهيم: ثلاثون سنة، كما قيل لانه احب مصر ام العبيد وطابت لهم هدية قدرة… محبة الفساد… وليعوضوا عن الغلطة التي اذنب بها آباؤهم ضد العدالة اذ حسدوا يوسف الحسن واستعبدوه ليصير عبدا لدى المصريين.
ليظهر ويعرف ان ما يفعل بالجسارة لا يعمل جزافا.
انتهى تفسير السؤال الثاني والثالث اللذان فسرا سوية.
السؤال الرابع ( متى 14 / 3 – 4 )
أيضا السؤال الرابع: لما هرب داود من امام شاؤول دخل عند الكاهن احيمالك وطلب منه خبزا للاكل.
لما هرب داود من امام شاؤول دخل عند الكاهن احيمالك وهو جائع ونفسه معذبة ونفس الجمع الذي معه.
كان يطارد البار والنبي والملك العادل من قبل رجل اثيم اعطي بالغضب واخد بالحقد. اما هو فكان الهيا ومظفرا بالتسابيح. دخل عند كاهن الله وطلب منه خبزا ليسد احتياج اولائك الذين كانوا يضطهدون ظلما، من قبل من كان يطاردهم ظلما.
استقبل الكاهن احيمالك داود كالبار ومثل عارف الناموس ومعلم عظيم لا يقبل ان يفعل شيئا يضادد الناموس الروحي.
اراه الحقيقة قائلا: ليس لي خبز عادي تحت يدي سمى خبزا عاديا كل ذلك الخبز الموضوع لاستعمال كل انسان ولم يأت مع الذبائح والقرابين كما امر في الناموس.
قال عنه: لا خبزا عاديا بين يدي، انما يوجد الخبز المقدس. سمى الخبز المقدس خبز الوجوه المامور في الناموس ألا تفرغ مائدة الرب منه. لكن ليبدله الكهنة واضعين الخبز الحار بدله يوم يؤخذ. ومن هذا لا يجوز الاكل الا للكهنة فقط لان جميع الذبائح والنذور والقرابين هي ارث أولاد لاوي. اما داود فكان من سبط يهوذا والذين معه لم يكونوا لاويين. ولا يجوز لهم ان يأكلو من الخبز المقدس، ولم يكن للكاهن الخبز العادي. حتى لا يعطي الاقداس عندما طلب منه. ولان الذي طلب منه رجل معروف وصديق وعزيز وختن الملك ليعطى له الخبز، ولم يكن له خبز الا الخبز المقدس،
أعطاه وصار عطاؤه سببا للاستفسار: اذاً هل يجوز له ان يستعمل الخبز المقدس؟ لا يمتنع الكاهن من إعطاء الملك ما أراده، ولو اقتضى جعل الخبز عاديا عنفا، لكن يقيت الله؟ ولا يقترب من الخبز المقدس. هذه مبادرته وليست اجرة الكهنة !
ولما أراد أيضا ان يظهر الكاهن انه لا يحتقر الناموس لكن داود غال في عينيه طالب بطهر الصبيان: اذا كانوا اطهارا فليأكلوا. قال هذا ليتظاهر مثل حافظ للناموس. والناموس لا يأمر: ان كل من يريد ان يأكل من الخبز المقدس عليه ان يتطهر ثم يأكل. لم يسمح الناموس ان يأكل من الخبز المقدس، الا الكاهن وحده.
الطبيعة قبل الناموس
لما أراد الطوباوي داود ان يسد حاجة طبيعته وطبيعة الذين معه بالطعام تكلم مع الكاهن كلاما يجنبه الشك والحزن، لئلا يتشكك من داود الذي اقترب من خبز الكهنة وليس كاهنا، والكاهن نفسه لم يكن مسلطا، وأعطى ما لا لم يكن مسموحا له اعطاؤه.
قال داود هكذا: القربان مسلط لنا منذ البارحة ومنذ أول أمس يوم خرجت وها ان ثياب الصبيان طاهرة، والدرب عادية واليوم اتقدس بالثوب. هكذا ترد كلمات داود في النص السرياني. ولو أن النص اليوناني يوردها بصورة أخرى كما أنتم تعلمون. اما معنى تفسيرهما في اللغتين فغايته واحدة.
نعرف أن داود الإلهي كان متمسكا في نفسه بقوة الناموس حسب الروح اما الكاهن احيمالك فكان يتطلع الى عادة التقليد باسره وكان يفهم ما يأمر به الناموس جسديا. كان يفكر بأن الناموس يكتمل بالغسول والطهور المتنوعة.
أما داود الممجد فقد شفى تفكير الكاهن وقال له: مسموح لنا امس وأول امس منذ أن خرجت أي منذ أن قرر شاؤول أن يقتل، وداود أن يهرب. لم يكن داود خاضعا لحفظ الناموس لانه حيث تدور الحرب لا يحفظ الناموس.
ان درب الذين يهربون من أمام الأعداء حل من أن يرتبطوا بحفظ الناموس.
من أجل هذا قال: ان الحملة عادية وثياب الصبيان مقدسة، أي كانك تقول: لا يلزم ان يغيروا ثيابهم أو يغسلو جسمهم بالمياه كما امر الناموس.
لا يطلب من الهاربين أن يتقيدوا بمثل هذه الوصايا حتى وان لم يكن الرجال الذين معي اطهرا او لو حدث وتدنسوا إما بالإمنان الليلي أو بعظم الميت، أو بالدخول إلى الجثة أو بشيء آخر لانهم اخذوا ثيابي الخاصة اليوم ثياب المضطهدين والهاربين فهم قديسون لاجل اراداتهم الصالحة اذ يهربون مع المضطهد ولا يفضلون ان يشتركوا بالاثم مع المطارد.
هذا ما كان يفهمه داود في باطنه. أما الكاهن فكان يحسب حسابا آخر لانه كان يتكلم من الخارج. كان يعني شيئا بدل شيء كما عرفت من بداية حديثه مع احيمالك.
لما رأى الكاهن داود قال له: لماذا أتيت أنت وحدك، وليس معك أحد؟ أجاب داود احيمالك: أمرني الملك امرا وقال لي: الا يعلم احد لماذا ارسلك ولماذا آمرك. هذا ما قاله داود لاحيمالك وهو يستر سبب هربه ولا يريد ان يعرف سبب مجيئه.
يشبه هذا ما قاله صموئيل لما ارسل ليمسح الملك، كان يقول: اتيت لاذبح للرب وما قاله الطوباوي إيليا لتلميذه لما دعي ليصعد الى السماء: الرب أرسلني إلى بيت ايل والرب ارسلني الى ايريحا والرب ارسلني الى الأردن. ولم يكن احد من هولاء الكبار والالهيين يكذب كذبا عندما كانوا يقولون شيئا بدل شيء. الكذب لا يقترفه الصادق أبدا.
عندما يمعن النظر في ما قاله إيليا: الرب أرسلني الى بيت ايل وايريحا والأردن، نجد انه تكلم الصدق. فعلا ارسله الرب ليصعد الى السماء من عبر الأردن قبالة ايريحا. وكان دربه يمر في هذه الأمكنة المعينة ليجتاز فيها عندما يصعد الى السماء. وقال الحق لما قال: الرب ارسلني، لان امر الله حركة ليسير في هذه السبل ثم تنتهي طريقه بصعوده الى السماء.
قال أيضا صموئيل: اتيت لاذبح للرب وكان يريد ان يدهن الملك، ولم يكذب أيضا لانه ذبح عجلة الثيران وقدمها لله مسحة ظافرة لملك كهذا.
اعلم من هذا ان ما قاله داود أيضا: ان الملك ارسلني وقال لي ألا يعلم أحد بما انا آمرك به. فعلا ارسله الملك لانه جعله يهرب. فارسلني تعني، جعلني اهرب. وقوله: ان لا يعلم احد بما آمرك به، تعني أن شاؤول كان حاقدا وناويا على قتل البريء والبار بصورة سرية وخفية ولم يرد ان يشعر احد بشره الى ان تكتمل ارادته. وما كان يقوله داود كان حقيقة. من اجل إتمام تلك المسيرة حركة الملك بالمكر واستل سيفه ليسكب الدم الذكي. هكذا تكلم داود مع الكاهن وهو يتطلع الى هدف حملته وسبب هربه ويفهم الناموس روحيا وينظر الى فكر واضع الناموس الذي يريد ان يطرد الخطيئة من البشر في كل الفرص وكل الأسباب ولهذا يضع الحدود والنواميس والوصايا. فليس الناموس مسلطا على شيء بعيد عن الخطايا. وكل من يسلك بعدالة لا يخضع لحفظ الوصايا. ان الناموس لم يوضع للعادلين، لكن للاثمة وللذين ليسوا طاهرين ولفعلة الشرور.
ولهذا لما جاع داود ووجد الخبز المقدس الذي كان مامورا ألا ياكله الا الكاهن فقط، حكم باستقامة قلبه بانه ليس خطيئة ان يأكل من خبز الكهنة، ويسد احتياج الجوع بدون شراهة وبدون احتقار وبدون تفكير مستخف يجرؤ على فعل ما هو ضد فكرة واضع الناموس.
تلاميذ المسيح يحلون السبت ( متى 12 / 1 – 8 )
كما اجبر داود هكذا أيضا اجبر الجوع تلاميذ المبارك، عندما كانوا يسيرون معه في الطريق يوم السبت ليبدأوا يفركون السنابل ويأكلون كما يعلمنا كتاب البشارة. وبما ان أفكارهم كانت قد استنارت بشمس الصلاح الذي كانوا يسيرون معه، فهموا ببساطة ونقاوة ان السبت لا يهان اذا سد فيه احتياج الطبيعة بدون شهوة غريبة. كانوا قد تعلموا أيضا الا يهتموا بالغد.
ولم يكونوا يهيأون لهم البارحة ما ياكلونه اليوم ولا يجمعون اليوم ذخيرة للغد لكنهم كانوا ينظرون الى الطير الذي يلقط يوميا قوته بدون هم. هكذا صنعوا هم أيضا اذ أعطوا للطبيعة ما تحتاجه دون الاهتمام بيوم السبت من سنابل قارعة الطريق المفروكة على مثال الطير. ولم يكن لهم أكثر مما كان لهم بالأمس لياكلوه ولم يكونوا يهتمون بزيادة القوت اليومي ليفضل للغد.
وذم اليهود المراؤون هولاء الذين كانوا يعيشون على هذا النمط حياة اسمى من الناموس وقوانين موسى. وقالوا لسيدهم: لماذا يفعل تلاميذك في السبت ما لا يجوز؟
لم ينظر الجاحدون أعداء النور الى الحياة الصافية والمجيدة والمتعالية عن الاهتمام التي كان التلاميذ يعيشونها لكنهم وضعوا حفظ السبت عثرة امام هولاء الذين يسيرون في الدرب السوي والاسمى من الناموس.
لما أراد ربنا ان يدحضهم ويحكم عليهم من كتب أبيه اجابهم قائلا: الم تقراوا في الكتاب ان داود لما جاع دخل الى بيت الله واكل خبز مائدة الرب الذي لم يكن جائزا له اكله ولا للذين معه الا للكهنة فقط، الم تقراوا في التوراة ان الكهنة في الهيكل ينقضون السبت وهم بلا لوم؟
وضع هنا ربنا داود في الساحة ليقارع اليهود والكهنة بني اهرون ليصدروا الحكم على التلاميذ وهو يتصداهم بداود الذي لا يعرف ان يغلب ليشملوه هو الأول في لومهم ثم يبلغون الى التلاميذ.
اتركوا اذا صيادي السمك، لانهم انقياء وبسطاء وغير دارسين واذهبوا وعاتبوا ذلك بحر المزامير. الذي كانت لجة النبؤة تثور في نفسه، فاذا غلبتم ذلك وجعلتموه مذنبا ومتجاوزا على الناموس ليلام معه أيضا هولاء الودعاء الذين كالحمام المسالم وقفوا ليلقطوا لقط الحقل ليسدوا به رمقهم مثل داود. لم يكن لداود سبب يضطره الى اكل خبز الكهنة إلا لكونه قد جاع فقط. ولما نظر الى الناموس وقوانينه واسبابه وظروفه كان يتطلع أيضا الى الطبيعة واحتياجاتها وإلى ما يخصص لاستعمال الطبيعة. وفهم داود: ان الطبيعة أقدم من الناموس، وأن الناموس إضافة أدخلت لدينونة الذين تقلقهم الطبيعة كما هو مكتوب: الناموس اضيف من اجل المعصية.
من الطبيعي ان تاكل الطبيعة بدون شهوة، كلما جاعت. وهذا ما فعله داود يوم جاع. وهذا ما فعله التلاميذ أيضا لانهم جاعو. فلا داود اذا يلام باكله الخبز المقدس، ولا التلاميذ يجوز ذمهم لما كانوا يفركون السنابل يوم السبت وياكلون بسبب جوعهم.
ان البرهان الثاني الذي يحرر التلاميذ من اللوم يتلخص في ان الكهنة في الهيكل يحلون السبت وهم بلا لوم. يقوم الكهنة في يوم السبت بالاعمال ويكملون كل احتياجاته ولوازمه ويفعلون كل الاعمال الواجب عملها لاحترام وخدمة الهيكل ولا يلامون لانهم يشتغلون في الهيكل.
هكذا كان الرسل أيضا يسيرون مع رب الهيكل ويتعبون في تعليمه وكانوا مهتمين في الاصغاء الى وصاياه وكانوا قد افرزوا لخدمة من هو اعظم من الهيكل هنا. وكما ان الناموس ليس مسلطا على إلغاء تكريم وخدمة الهيكل في يوم السبت هكذا ليس مسلطا على هولاء الذين يخدمون رب موسى والهيكل، لكي يخضعهم ليحفظوا السبت كما يحفظه الخادمان زكريا وشمعون بطرق غير حسنة. بهذا ابان ربنا للفريسيين الذين ذموا الرسل ان داود لا يلام لكونه اكل الخبز المقدس هو والرجال الذين معه لانه اضطر الى الاكل بسبب الجوع، ولا يخضع الرسل للوم لانهم هم أيضا كانوا جائعين مثل داود وبدلوا مثله عادات القوانين، لما سدوا رمق نفسهم بالسنابل المفروكة.
وكما تقدس الرجال الذين كانوا مع داود بثيابه لانهم كانوا يحملون عار طريقه وكانوا يطاردون معه، هكذا التلاميذ أيضا كانوا محررين من اجل المسيح لما كانوا يسيرون معه من حفظ كل قوانين الناموس وكانوا بعيدين عن كل لوم.
وزبدة القول، يفهم بوضوح كيف صادف داود احيمالك من حادث التلاميذ. ربنا نفسه اظهر بجلاء بان الفعل الذي قام به داود كان خارج نطاق عادة الناموس كما كان فعل التلاميذ خارج نطاق العادة. يحرر فكر واضع الناموس داود من اللوم، ويبعد التلاميذ عن الذم.
كلمات داود الموجهة الى احيمالك، كما ذكرنا أعلاه لفظت بخفية لسبب هربه وهو يظهر بكلامه للذي يفهم روحيا ان الرجال الذين كانوا معه تقدسوا باخذ ثيابه وهو يجوز له ان ياكل من خبز الكهنة منذ ان قامت الحرب ضده واخرجته الى درب الفرار لانه لم يكن خاضعا لحفظ الناموس، عندما طرده الملك المرذول، الذي خرج في اثره حسدا. والناموس لا يلزم الطبيعة لتقوم بعمل شيء لا تستطيعه. وحيث لا تقترف الخطيئة لا يظهر الناموس سلتطه. كانت درب الهاربين من الحرب مفتوحة، ولم يكن بوسع الناموس ان يربطهم بقوانينه. كمل السؤال الرابع.
الرب يتندم ( تكوين 6 / 16 ؛ 1 صموئيل 15 / 11 )
السؤال الخامس: باي معنى قال الكتاب تندم الرب لانه صنع آدم على الأرض، وما قاله الرب: تندمت لانني جعلت شاؤول ملكا على إسرائيل.
مكتوب: تندم الرب لانه صنع آدم على الأرض وحزن في قلبه. وأيضا مكتوب: قال الرب تندمت لانني جعلت شاؤول ملكا على إسرائيل وأيضا: اتعبتم الرب في اجوبتكم. وأيضا: سياتي الله من التيمن و: سبحوا الراكب على المغرب: اسمه الرب و: التواء امعائك واحشائك انعكس علينا مع بقية ما يشبهها. يطلق الكتاب على الله نعوتا بشرية نظرا الى تجسد ابنه
للكتاب عادة بها يصف الله بكلمات لا تناسب طبيعة لاهوتية. يوصف الله في الكتب المقدسة ب: اليمين والوجه والوراء والعينين والعرش والكرسي وموطيء القدمين والغضب الذي يتصاعد كالدخان، والحقد والفرح، والفم الذي يرد الأجوبة وكل الأصوات المركبة تسمع من كل الكتب عن ذلك الكائن السامي والبعيد والمتعالي على كل تركيب وكل مراتب الأعضاء.
عندما ينظر الانسان الى طبيعة الازلية كم انها متعالية على هذه ثم يصغي الى كل ما يوصف بصورة دائمة في الكتب الإلهية يحتاج ان يستفسر لماذا تطلق على الله هذه العبارات التي لا توافق طبيعته؟
الطوفان
من سبق ونظر الى محبة الله كيف انه مرتبط بالجنس البشري بسبب محبته يفهم بانه يصف ذاته بما لا يليق بطبيعته لما أراد ان يلقن التوبة للاطهار: بني شيت الذين كانوا قد سقطوا بارادتهم في فخاخ الدنسات بنات قائين. قيل: تندم الرب لانه صنع آدم على الأرض ليتعلم من هذا أبناء القضاء كم انهم اذنبوا ويتوبوا لكونهم سقطوا بهذا القدر. وليعترهم الخوف لان الله تندم.
كان يود ان يوقظ في البشر الندامة. وكان يجب عليهم ان يتوبوا عن الشر الذي فعلوه. ولهذا قال: تندم ليتبعوه ويعودوا الى انسحاق النفس بالندامة. قال قولا يفوق العقل ليبرهن على ان كيل الخطيئة فاض وكثر الشر بقدر حجم كبر الكلمة. قال: تندم ليجعلهم يتندمون. لم يريدوا ان يتبعوه ولهذا جاء في الكتاب: تندم الله لتتنزه عدالته عن اللوم. فهو لم يجلب الطوفان عبثا لكن لكون شر البشر قد تنامى حتى ان الله تندم بسببه.
مثل شاؤول ( 1 صموئيل 8 / 7 – 20 )
كتب أيضا بخصوص شاؤول: تندمت لانني جعلت شاؤول يملك على إسرائيل لان أبناء إسرائيل رذلوا تدبير الله الذي بدأ بموسى حتى صموئيل. أرادوا ان يتشبهوا بكل الشعوب فاختاروا لهم ملكا بدل النبي. قال الله لصموئيل: لم يرذلوك انت، لكنهم رذلوني انا.
اعطي شاؤول ابن قيش من سبط بنيامين ملكا لتلك الإرادة المناهضة لله، ولم يعط لهم ملكا من سبط يهوذا ليملك عليهم.
وقد كتب عنه: به تقوم مملكة بيت اسحق ولانهم طالبوا به خارجا عن إرادة الله لم ياخذوه من القبيلة الملكية لكنه اعطي لهم بالغضب من اصغر الاسباط، كما هو مكتوب: أعطيت لهم ملكا بغضبي واخذته بحقدي.
لما بلغ الزمان الذي كان مقررا في معرفة الله ليقوم فيه ملك من يهوذا وظهرت إرادة الله ليدهن داود، قال الله لصموئيل: تندمت لانني جعلت شاؤول ملكا على إسرائيل لكي يخزي هولاء الذين طالبوا بملك في غير وقته ويعرف أيضا ان شاؤول لم يدبر المملكة حسب إرادة الله ويظهر الله أيضا عادلا ومستقيما لكونه لم يرذل شاؤول بدون سبب لكنه اختار من باب العدالة ذلك الذي يفعل ارادته من السبط الذي وضعه هو نفسه لينبت ملوكا لإسرائيل. ورذل مثل هذا الملك الضعيف حتى ان الرب تندم لانه ملكه. وبهذا يتندم بنو إسرائيل الذين طلبوا ملكا خارج إرادة الله ويحنوا رقابهم ليخدموا بمحبة مملكة بيت داود العادلة.
يوصف الله بعبارات بشرية
تنازل الله ورضي بمحبته ان يتعامل معنا بعباراتنا هذه لمساعدتنا، حتى اذا لحقنا نذهب نحن معه. بإرادة الله الصالحة جلب عليه كل ضعفنا ليوصف به وهو بعيد عنه، وهذا معروف منذ بداية الخليقة. انه مكتوب: قال الله لنصنع الانسان على صورتنا مثل شبهنا وهذه بداية التدبير الإلهي الذي ابان بوضوح الفكر الازلي المستتر في الله فتجلى على خليقته بمحبة غير موصوفة.
متى أقام الله صورته على التراب وعمل له شبها من طين مجبول وحير العوالم الخفية التي خلقت قبل هذا لتتعجب مندهشة من كثرة تنازل الكائن العظيم والى أي سمو ارتفع التراب الصغير؟ نزل العالي الابدي، وصعد السفلي الذي خلق الآن: ذرة التراب وقطرة الماء خلطها الجابل سوية وصنع خزفا من خزف الأرض واقام هذا بعجب ورسم عليه صورته وجعله له شبيها فربط محبته في صورته وعزز جبلته بمحبته وأقام عهدا مع شبهه وجعله سيد الخليقة. ومنذ ذلك الحين فتح له دربا اليه وجعله ندا له بحيث كلما تكلم معه يتكلم مع صورته، وكلما تجلى عليه، يتجلى على شبهه.
وبهذا الدافع يتكلم مع جنسنا بهذه العبارات وبهذه المحبة رضي ان توصف صورته بأسماء هذه الأعضاء غير الموجودة في طبيعته لكنها تكشف عن محبته. بدافع هذه المحبة تجلى الوحيد الولد الخفي في الجسد من أجل خلاص الجبلة. وقد تهيأت الأرض منذ ازلية العوالم لهذا التجلي الذي صار في نهاية الأزمنة ليعرف كل الداخلين الى العالم ان هذه النهاية السعيدة ناتجة عن تلك المجبة الأزلية التي اشرقت في البداية على الجبلة. لو لم يبدأ لما انهى. ولو لم يتكلم في البداية بانواع واشباه منذ القديم لما كان يتكلم معنا أيضا بابنه في هذه الأيام الأخيرة لانه مكتوب: بكل أنواع وكل اشباه تكلم الله مع آبائنا بالانبياء قديما وفي هذه الأيام الأخيرة تكلم معنا بابنه.
اذا لانه اتى ليتكلم معنا بابنه في هذه الأيام تكلم بانواع واشباه مع آبائنا بالانبياء قديما.
نهاية الأعمال هي علتها فقط. ان الفلاح يزرع ليحصد. والبستاني يشتل الشجرة ليأكل الثمرة. وكل من يشيدون ينظرون الى عمارة البنيان عندما يشرعون ويدشنون الأساس.
آدم صورة المسيح
هكذا الله أيضا لما تنازل ليقيم صورته على التراب ويصنع له شبها من الثرى كان يتطلع إلى درب تدبير المسيح في الجسد ومن ثمة بدأ ينحني بالمراحم المستعرة بالمحبة الى الجبلة ولهذا كان يستعمل عبارات تنبيء عن آلامه البشرية.
ويقول أيضا: سئمت من تلك الثمرة. وقال في موضع آخر: تعبت من الاخذ وشبعت من ذبائح الكباش. وذبائحكم أضحت لي ثقلا واتعبتموني باجوبتكم مع بقية الأمور التي تحسب كانها موجهة إلى المجاميع وتوصف كانما بواسطة الأعضاء. وهذه النعوت التي يوصف بها الله تدل لكل من يفهم بوضوح على انها تعلن درب الصليب العظيم.
اذا كل ما وصف به الله إنسانيا، كان يعلن ابن الله الذي صار انسانا بتجسده من بنت الانسان. ولم يكن احد يعرف لماذا دار هذا الكلام الى ان تحقق العمل الخفي وصار فعلا جليا. ارسل الله ابنه الى العالم وصار من امرأة. وتجلى السر الذي كان مكتوما عن العوالم والأجيال. وعرف ما معنى لنصنع الأنسان على صورتنا وعلى شبهنا ولماذا تجلى هذا التقارب الإلهي من جبلته واعتلن ذلك الحب المستتر في الله ولم يكن تشعر به العوالم ليقول: هكذا أحب الله العالم حتى انه اعطى بدله ابنه الوحيد؟ لو لم يكن يسبق ويهيم بمحبة العالم لما كان أيضا يسلم ابنه الى الصليب بدله، ولكونه أحب العالم اقام فيه صورته ورسم عليه شبهه. ولما توجب ان يخلص العالم بمراحم الله سلم ابنه الحبيب الى الموت لئلا تفسد الصورة الجميلة في الهلاك.
هذه المحبة ذاتها تحرك أصوات الأنبياء ليصفوا الله باشباه بشرية. وكان يتراءى ويتكلم بشكل ( اسكيمو ) كلامنا لانه كان يتطلع الى ما كان مزمعا ان يعمله في النهاية بتجلي ابنه. وبما ان ما حدث كان حاضرا في فكر الله: أي أن يرسل ابنه الى العالم ويصير من امرأة ويتحد بجسد تواضعنا وياخذ شبهنا من البتول، ويتراءى لعالمنا مثل الإنسان، لاجل هذا تكلم بهذه العبارات البشرية لتكون هذه بداية لطريق تجليه في الجسد لتناسبه هذه الأمورالتي كانت تصفه قبل ان يتجسد.
الان اذا عندما تسمع الكتاب يقول: تندم الرب لانه صنع آدم على الأرض و: تندم لانه جعل شاؤول ملكا على إسرائيل وبقية الأمور التي تدل على الحواس البشرية، افهم ان محبة الله نطقتها وهو الذي منذ البداية تنازل نحو الجبلة وجعلها على صورته وعلى شبهه وفي آخر الأزمنة ارسل ابنه وخلصها بآلام اقنومه. كمل السؤال الخامس.
السؤال السادس ( متى 1 / 1 – 17 ؛ لوقا 3 / 23 – 28 )
السؤال السادس من أجل كتابة قبائل نسب المسيح. يبدأ الطوباوي متى من إبراهيم الى يوسف.
ويبدأ الطوباوي لوقا ويصعد من يوسف الى آدم.
نسب المسيح
كتاب ولادة المسيح وعدد القبائل التي منها تجلى في الجسد وضع بواسطة مؤرخين اثنين متى ولوقا احد التلاميذ الاثني عشر ورسول من السبعين.
هذان ائتمنهما روح الله ليحفظا في الكتاب ذكرى القبائل التي منها اشرق المخلص حسب موعد الله لداود وإبراهيم.
يبدأ الطوباوي متى يبرهن بوضوح للعبرانيين الوعد الذي صار من الله لابراهيم والقسم الذي صار لداود.
قيل لابراهيم: بنسلك يتبارك كل شعوب الأرض وحلف الرب لداود ان كرسيه ثابت الى ابد الابدين في الصلاح بتسلسل نسله اعني بواسطة ذلك الذي اشرق من نسله. ولهذا اضطر متى الإلهي ان يبرهن ان وعد الله قد تم, وتحقق قسمه، والذي كان ينتظر أن يشرق قد اشرق وهو نفسه الذي صلبه العبرانيون، كما اعلن الأنبياء. ولا مجال اذا لانتظار آخر بعد ان صلب هذا. ولاجل هذا يسميه متى: ابن داود ابن إبراهيم لان الإسرائيليين كانوا ينتظرون قدومه من هذين الاثنين بلا جدال.
كانت هذه الكتابة للعبرانيين ليطيعوا هم الاولون لانهم كانوا واقفين في بداية الطريق. وكان يليق بهم ان يبداوا المسيرة في درب البشارة. لماذا لزم ان يذكر إبراهيم وداود في الوسط في ميلاد ابن الله، الا لتعريف العبرانيين هولاء الذين كانوا ينتظرون ان يظهر المخلص للعالم من إبراهيم وداود؟
مرقس يبشر الرومان
اما الرومان الذين لم يكونوا يعرفون لا إبراهيم ولا داود ولم يكونوا يعرفون لا المواعيد ولا العهود، لقد بدأت البشارة عندهم بصورة أخرى بواسطة المبشر القديس مرقس الذي بدأ في الكتاب الموجه اليهم هكذا: بدء انجيل يسوع المسيح ابن الله. ولم يذكر في الوسط أسماء أخرى ما عدا اسم الله الواحد وهو الآب الحقيقي لذلك الابن الحقيقي الذي ظهر في العالم لانه كان يود ان يخطف الرومان من السجود للاصنام. لم يستعمل أسماء بشرية ليدعى بها آباء لمن هو واحد وابوه هو الله الذي له وحده يجب السجود من كل خلائقه.
متى يبشر اليهود
كرز متى لليهود الذين كانوا متمسكين بداود. وكان إبراهيم عظيما لديهم. وكانوا ينتظرون ان يولد مسيح آدوناي من نسليهما حسب مواعيد الله التي صارت للآباء. فظهر يسوع من نسل هذين وهو الخفي في الكتب مثل النفس في الأعضاء.
يبدأ بتعداد قبائل يسوع من إبراهيم الذي ولد اسحق, ووصل الى داود في نفس التسلسل ومنه يبلغ التسلسل الى سليمان ويذكر المواليد الطبيعيين الى يوسف رجل مريم البتول والدة الله. وبرهن على صدق الله لكونه لم يكذب على داود وإبراهيم. وعلم بوضوح ان المسيح، كما كان يبشر به في الكتب المقدسة، ولد من نسل داود.
وكفت كتابة التلميذ متى هذه لتبرهن للعبرانيين ان المسيح المنتظر قد اشرق. وبهذا انتشر التعليم بين الشعوب: انجز الله وعده كما وعد الشعوب بنسل إبراهيم.
لوقا يبشر كل الشعوب
اخذ لوقا موضوع كتابته من معموذية الأردن. فبدأ يقول عن المسيح: كان يظن ابن يوسف ابن هالي ثم اسهب في التسلسل الناموسي من هناك الى ان بلغ الى ناثان ابن داود ثم من داود صعد وبلغ الى إبراهيم، وهو يتقيد بهدف كتابة الناموس لاستعمال تعداد القبائل؟ ولهذا ان القبائل في كتابة الطوباوي لوقا اكثر عددا مما هي لدى متى.
لدى متى عددها من إبراهيم الى المسيح اثنان واربعون. ولدى لوقا عددها من المسيح الى إبراهيم سبعة وخمسون. حدث هذا لان الموت استحوذ عليهم فاستمر التعداد حسب الناموس. بالنسبة لهولاء الذين كانوا يتوفون كان يدعى لهم أولاد من الآخرين وليس من صلبهم.
يدعو كتاب لوقا يوسف زوج البتول ابن عالي. اما متى فيقول انه ولد طبيعيا من يعقوب. كان عالي ويعقوب ولدي امرأة واحدة. ويعرف يعقوب أبا ليوسف حسب الطبيعة. اما عالي فمن الناموس. وإذ يتدرج العدد صعودا حسب التسلسل الناموسي يتوقف عند ناثان ابن داود، بينما القبيلة تنزل من داود الى سليمان. يعرف يعقوب اخو عالي أبا طبيعيا ليوسف. هذا ما فعله الكاتبان ليبرهنا بان القبائل تحسب ناموسيا. لو تابعناها طبيعيا يتوقف تسلسل النسب بداود وإبراهيم الذي منه ولد المسيح كما وعد الله داود وإبراهيم.
في كتابه لم يأخذ لوقا في الحسبان مساعدة العبرانيين لكن كل الشعوب أبناء آدم. فكما سند العبرانيون لانهم علموا ان المسيح ظهر في الجسد من جنسهم هكذا يفرح أيضا جميع البشر لان الرب المسيح ولد من جنس البشر وتشبه بهم في كل شيء ما عدا الخطيئة.
الفرح الذي صار لبني إبراهيم وداود لما اعطاهم الله وعدوا فقد نجز الوعد بميلاد المسيح. وتم الفرح نفسه لجنس بني البشر. من آدم ابي إبراهيم وداود وبقية الآخرين ولد المسيح الذي هو الحصة العامة والموهبة التي وهبت لكل من ولد من آدم كما قال الملائكة المقدسون للرعاة: ها نحن نبشركم بفرح يكون للعالم باسره.
يدرج المؤرخ لوقا بصواب تسلسل القبائل صعودا من إبراهيم الى آدم الذي هو أبو العالم باسره. وبما ان المسيح هو الفرح الذي صار للعالم نجد ان كتابة الطوباوي لوقا صارت بفكر حكمة الروح القدس الازلية السامي والالهي التي كانت تتكلم فيه. هكذا أراد ان تخرج منه البشارة لجميع بني البشر مثلما اشرقت الكرازة من متى على العبرانيين ليعرفوا ان المسيح يولد من إبراهيم وداود كما كان ينتظر. ولد الرب المسيح في الجسد من آدم ابي الاجناس وهو الفرح الذي صار لجميع العالم حسب ترتيل الملائكة المقدسين.
قبل ان يصدر من الله الميعاد لابراهيم والوعد لداود كان قريبا من الله ما قيل بخصوص جبلة آدم: لنصنع الانسان على صورتنا وعلى شبهنا. وهذا هو الوعد الأول الذي صدر من عند الله لجنس البشر ليخلقهم على صورته ويصنعهم على شبهه اعني اشرق منهم حبيبه.
ومن هنا بدأت مسيرة درب الاسرار الى ان أتت ووصلت الى ما حصل وتحقق في المسيح. توجب ان / 200/ يسمى في البشارة آدم كما حسب إبراهيم وداود في القبائل. آدم هو الاب الأول ومنه نزل التسلسل الى إبراهيم وداود وبلغ الى يوسف رجل مريم البتول التي منها ولد المسيح.
ولهذا لم يتوقف لوقا الإنجيلي عند داود وإبراهيم لما حسب صعودا ( القبائل ) لكنه صعد عشرين جيلا آخر اقدم من إبراهيم وذكر من باب الواجب آدم لانه أبو هولاء الذين دعيوا اجداد المسيح. فصار على صورة الله وعلى شبه صورة ابنه كما هو مكتوب: سابقا عرفهم ورسمهم على شبه صورة ابنه ومكتوب أيضا: الذين سبق ورسمهم دعاهم والذين دعاهم بررهم.
رسم آدم الأول ليكون صورة للمسيح. ودعي هو الى ذخيرة البنين في تجلي الابن الذي اشرق لاجل خلاصه واخذ ربه شبه آدم من حضن البتول وتشبه به في كل شيء ما عدا الخطيئة وبرر المسيح آدم ليس بالاعمال لكن بالنعمة، وبما ان آدم لم يثبت في برارة الطبيعة التي أعطاه إياها الله يوم خلقه على صورته وعلى شبهه، اتى السيد واخذ شبه عبده، وتبرر العبد بسيده ودعي الى ذخيرة البنين، التي كان قد فقدها بمشورة الثعبان. وكتب هكذا: الذين دعاهم إياه برر.
يعقوب يدحض الهراطقة
يجب أيضا ان نفهم ان روح الله الذي كان ينطق في لوقا المجيد كان ينظر الى الذين سياتون فيما بعد. كان يعرف ان الشكوك ستنبع على درب تدبير المسيح ويقوم الكثيرون ليعرقلو تعاليم البشارة القويمة ويتكلمون فرية على المسيح: انه لم يأت بالجسد ولم يتجسد من جسم آدم اعني ( بهم ) مرقيون وماني وبرديصان وبقية الآخرين الذين يكفرون بجسد ربنا ولا يعلمون انه اخذ من نسل إبراهيم حسب تعليم انجيل الله السليم.
مرقيون
يقول مرقيون: لم يولد ربنا من امرأة لكنه سرق موضع الآب ونزل. وظهر أولا بين اورشليم وايريحا كانسان في المظهر والخيالات وبشبه ليس له جسم.
في تعليمه لا يتطرق نهائيا الى موضوع الطوباوية مريم. ولا يقر انه تجسد منها وظهر في الجسد كما تعلم الكتب المقدسة.
ماني
اما ماني فانه يدنس تماما جسد بني آدم ويقول: انه من الكائن الشرير الجسد والظلمة والحية.
برديصان
وهكذا برديصان أيضا يحسب: ان الجسد من المادة. وخلق من عكر الشر وهو دنس وبلا قيامة.
التدبير الإلهي
وإذ كان الروح الفارقليط ينظر الى اولائك معلمي الضلال المستعدين ان يلقوا خارجا الجسد البشري الذي خلق على صورة وشبه الله سبق واظهر بواسطة المؤرخين الالهيين متى ولوقا وابان قبائل تجلي المسيح وولادته في الجسد التي صارت من داود وإبراهيم اللذين من جنس آدم. فيسميهم آباء المسيح لانه تجسد من جنسهم وتانس من جسدهم. وسمى نفسه في كتاب البشارة:
ابن الانسان. وتقول العبارة الرسولية علنا: لم يأخذ من الملائكة لكن من نسل إبراهيم اخذ ليعرف البشر جهرا هذا الرجاء: منهم تجسد وحيد الله. وآدم الذي كان ساقطا قام.
وذكر لوقا في كتاب القبائل بصواب هذه الصورة الجميلة التي هي أساس كل تدبير المسيح وهو يحسب صعودا من يوسف ناموسيا حيث لزم وبعدالة حيث اسعفته الطبيعة. وثبت كتاب متى الذي وجهه الى العبرانيين مبرهنا ان المسيح الرب ولد من داود وإبراهيم حسب موعد العهد الذي صار لهما. وصعد وبلغ الى آدم الذي هو صورة الله وشبه صورة ابنه. وهو الدرهم الذي فقد من اللاهوت في العالم المظلم ففتش عنه ووجده بنور الكلمة الذي جاء الى التجلي في الجسد كما هو مكتوب: كلمتك سراج لرجلي ونور لسلبي. ان الابن هو الكلمة – السراج المضيء. واستنار آدم بتجليه لانه كان مظلما بتجاوزه على الوصية كما قيل: الرب الهي يضيء ظلامي.
كان يعترف المسيح في أيام جسده بان آدم هو ابوه في الجسد. وهكذا سمى نفسه دائما ابن الانسان اعني ابن آدم. فالانسان هو آدم كما قال جابله. لنصنع الانسان على صورتنا. وصار الانسان على صورة الله ودعي آدم. وكان ربنا يعترف بان هذا أبو تجليه في الجسد. وكان ربنا يذكر في البشارة مسميا نفسه في كل موضع ابن الانسان وهو يذكر هذه الصورة العظمى والشبه البهي الذي صار بالنعمة على صورة جابله.
وعند هذا تنازل وانحدر الابن الازلي الذي لا بداية لميلاده من الآب وجاء وصار ابنا بميلاده الثاني من البتول. ولد ابن الله في الجسد من نسل داود، وصار ابن الانسان لانه تجسد من الجنس البشري ومن البتول، بنت الانسان. تجسد وتأنس وظهر في الجسد وهو اله على الكل، كما يعلم بولس العظيم.
ولاجل هذا يرفع لوقا المؤرخ القبائل ويوصلها الى آدم ولا يتوقف عند داود وإبراهيم. وعندما يبلغ الى آدم لا يتوقف أيضا عنده لكون المسيح قبل آدم كما هو مكتوب: اسمه قبل الشمس.
يبدأ من يوسف صعودا ولما يصل الى آدم يقول: ابن آدم الذي من الله ليبرهن ان الأبوة تصل عند الله الآب الذي منه تسمى كل أبوة في السماء وعلى الأرض. لا يجوز ان نعمل او نفكر او نظن ان للمسيح أبا آخر ما عدا الله الذي خلق آدم على صورته، ولكونه ضعيفا انهضه بتجلي ابنه.
الخاتمة
له التسابيح والتزمير والبركات والتشكرات من كل الافواه في كل اللغات في كل اطوار ازمنة العوالم الى ابد الابدين امين. كملت.
أيضا رسالة للطوباوي مار يعقوب على ما يقال ربنا: كل من قال كلمة على ابن البشر يغفر له من يقول على الروح القدس لا يغفر له
العين سراج الجسد
سراج الجسد العين، كلما كانت العين سليمة يمشي الجسد كله في النور. لو اعترض المرض وبلغ الأذى العين يفسد النور منظم الأعضاء وحيثما مشى الجسد يجد العثرات. اذا نور النفس هو الايمان. وبقدر ما يكون الايمان سليما وقويا بالحق بقدر ذلك تستنير النفس وتسري في صحو بهيج بعيد عن الغيوم وسحب الشكوك المظلمة. إن مرض الايمان ووقع في اوجاع الارتياب تعتم النفس وتظلم تشرع تتلمس لتعثر على الطريق في تيه الشكوك وحيثما تخطت وجدت العثرات. واذا لم تجعلها تمسك الدرب المستقيم لتمشي فيه لا تسلكه بالمحبة. وكما ان النور ليس جميلا للعين غير المتعافية فتهرب منه وتميل الى الزاوية المظلمة كأنها غاضبة غضبا من النور. هكذا يثلم المرض العين بحيث تبغض النور وتفضل الظلمة.
اما الآن فلكل سؤال يلقيه السائل بالايمان جواب كالمصباح المضيء. اما اذا كان السؤال بدون الايمان لكن صادرا بدافع اوجاع الانقسامات فمن الصعوبة بمكان على ذلك الذي يفسر ان يظهر النور للعين المريضة اعني ان يقول الحق للنفس التي يعشعش فيها الخصام.
الابن والروح متساويان ( متى 12 / 31 – 32 )
السؤال الذي طرح الآن علي هو: ما معنى قول ربنا: كل الخطايا والافتراءات تغفر للبشر، اما الافتراء على الروح القدس فلا يغفر وكل من يقول كلمة على ابن الانسان يغفر له، من يقول على الروح القدس لا يغفر له لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي.
اذا اثار الايمان السؤال، فالجواب يحضر بسرعة. اما اذا هب روح الانقسامات في فكر السائل فالتفسير يكون غامضا وعويصا وغير واضح لانه لا يسهل للحقيقة ان تلقي دررها امام الخنازير.
لتلق الأسئلة بالايمان لان كل شيء ممكن لمن يؤمن.انه مكتوب: من يقول كلمة على ابن الانسان يغفر له، من يقول على الروح القدس لا يغفر له لا في هذا العالم ولا في العالم المزمع.
عندما تسمع هذا كن حذرا لعلك تظن ان الروح اعظم من الابن؟ ولا يخطرن على بالك فكر يقول: ان الروح اعلى والابن ادنى، ولا تحسب حسابا يتبختر ليظن ان التجاديف على الابن تغفر والتي على الروح القدس لا تغفر. اذا يلزم ان نكرم الروح لان الكتاب اكرمه، اما الابن فان احتقر او جدف عليه قضي بالمغفرة على التجاديف ضده كأنه انقص من الروح. ها انه مكتوب: من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي ارسله.
ومكتوب أيضا: من يقبلني يقبل من ارسلني.
وقال ربنا أيضا: ان الروح ينبثق من الآب ومني يأخذ وعد أيضا: عندما اصعد عند ابي، ارسل لكم الروح الفارقليط وهو يعلمكم طرقي.
من الواضح ان المرسل ليس اعظم من مرسله. ارسل الابن الروح الفارقليط الى التلاميذ. فكيف يمكن ان يظن ان الذي ارسل اعز من ذلك المرسل؟ من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي ارسله. من يتجاسر ان يظن ان التجاديف الموجهة الى الابن لا تلحق الآب؟ وماذا نفعل الآن بالنسبة لما قيل: من قال كلمة على ابن الانسان يغفر له؟
احترام النص الكتابي ككل
لا تنزع الكلمة من الكتاب وتدخلها الى المحاكمة هي وحدها وهي بعيدة عن جسم الكتاب لانه مكتوب: اللحم المقطع من الحيوان لا تاكله، لان اللحم المقطع لا يقرب ذبيحة ولا يكمل منه القربان. لكن ليقرب للكاهن حيوان كامل وبدون عيب. وهكذا يصير ذبيحة وينال منه الغفران .
هكذا أيضا ليقرأ كل الكتاب وعندما يصغى اليه يتولد الحل كله. لا يجوز لاحد ان يحكم على كلمة واحدة كما ليس مسموحا ان يعطى للاكل او لتقديم القربان: اللحم المقطع من الحيوان.
اذا يا اخي يلزم خلط ما ورد:
كل من يقول كلمة على ابن الانسان يغفر له مع ما ورد:
كل من يقبلني يقبل من ارسلني مع: من لا يكرم الآب لا يكرم الابن الذي ارسله وليتبع ما قلناه أعلاه:
الروح ينبثق من الآب ويأخذ من الابن وان الابن ارسل الفارقليط عندما صعد عند ابيه كما وعد رسله.
وعندما ينصت الى كل الكتاب مع كل محتوياته وهي منظمة ومرتبة في مواضعها كالاعضاء في الاجسام دون ان تنتش وتفصل وحدها عن مثيلاتها كاللحم من الحيوان لكونها جميعها تكون كتابا واحدا اعني جسدا واحدا.
عندئذ يجدر بالسائل ان يستفسر عنها كلها ويتعلمها كلها
ويبنى بها كلها لانها كلها تظهر حقيقة واحدة أي: ان من لا يكرم الابن، لا يكرم الآب الذي ارسله.
الثالوث
بها تظهر مساواة الابن مع ابيه. وتتعلم مما قيل عن الروح الذي ينبثق من الآب وياخذ من الابن ان تعليم الروح الفارقليط يردده الثالوث كله. ولم يجعل الروح وحده معلما بدون فعل الآب وابنه الحبيب لكنه يعرف بهذا: إرادة واحدة وولاية واحدة، وقوة واحدة وفعل واحد وسلطة واحدة وسيادة واحدة. يعرف اله واحد بثلاثة اقانيم مقدسة أي الآب والابن والروح القدس.
الآب والد، والابن مولود، والروح منبثق.
الآب لا يدرس والأبن لا يفحص والروح لا يستقصى.
الآب كائن، والابن ابن الازلية والروح من الازلية.
الآب ولد ولا يولد، الابن مولود ثم ولد، والروح الذي ينبثق من الآب وياخذ من الابن وجعل معلما للبشارة.
الآب خفي وغير منظور، الابن مستتر وتجلى في الجسد، والروح معلم اسرار الثالوث.
يجدر بالآب ان يقول: انا الأول والآخر. ويقال هكذا عن الابن: ان يسوع المسيح امس واليوم وهو الى الأبد.
تتكلم كل الكتب عن مساواة الابن مع الآب والروح. وها انك تتواقح لتعلم عمن قيل: كل من يقول كلمة على ابن الانسان يغفر له ومن يقول عن الروح القدس لا يغفر له؟ افزعتك الكلمة لانك لم تسمعها في موضعها. ظننت انها تجعل الابن صغيرا وتعظم الروح لانك لم تقف على قوتها:
كيف؟
وماذا قالت؟
اعلم كيف قيلت الكلمة؟
ولماذا؟
ولمن قيلت؟
ومتى؟
وفي أي وقت قيلت؟
وضد من قالها ربنا؟
ولماذا قالها؟
ومن احتقر بها؟
وما هو داعي قولها؟
التدبير الإلهي
لو تصغي بالايمان تعرف بوضوح. اما اذا حرك الانقسام فيك السؤال فيصعب علي ان اتحدث اليك لانني اتحدث مع الايمان.
اسمع يا ابني ان اليهود المرائين كانوا يغارون من الآيات والقوات التي كان المسيح يجترحها عندما ظهر في العالم. وبما ان الحسد كان قد اعماهم فلم يكونوا يصدقون تلك العجائب التي عملها ولو انه كان يفعلها بوضوح تام امام الجموع. فتح الأعمى منذ ولادته بالطين الذي جبله من بصاقه واظهر الجبلة والفعل اللذين كانا فيه مثل ابيه فاتضح وعرف انه لو لم يكن الباري لما كان يبري بالطين بآبيء ذلك الذي لم يكن له بآبيء. لم يرد أولاد الأفاعي ان يسبحوا لكنهم بداوا يفترون على ان الاعمى ليس نفسه لكنه يشبهه. بينما صرخ الاعمى نفسه وقال: انا هو. ويشهد ذووه انه ابنهم المولود اعمى. وكان كل الجمع يتطلع الى العينين اللتين صارتا من الطين المجبول ببصاق ابن الجابل.كفر اليهود وتنكروا للاعجوبة وطردوا الذي شفي واخرجوه من المجمع لانه قال: انا هو.
وهكذا أيضا كانوا ينكرون ويكفرون ويستخفون بالكل. يرون ولا يصدقون. يشفون ولا يؤمنون. اشرق النور عليهم وهم جالسون في الظلمة، يتذمرون ويتظلمون لان مرضاهم يشفون. يتضايقون ويكتئبون لان اوجاعهم تشفى بكلمة.
احنى المرض احدى الضعيفات من شعبهم مدة ثماني عشرة سنة. ولما رآها الرب مقوم المنحنين اطلقها فاستقامت بكلمته. خاصمه رئيس المجمع لانها حلت من مرضها ولم يمجد الظالم وحسب لكنه كان يتخاصم مع الجموع: لماذا تاتون وتستشفون يوم السبت؟
وهكذا كانوا يغارون من كل عجائب ربنا. ولكونهم سكارى بالحسد لم يكونوا يصدقونها تصديقا وقت اجتراحها. كانوا يوميا يرون العجائب والقوات التي كانت تنزل عليهم بمثابة المطر واشرق عليهم نور شفاء المسيح كالشمس.
وساورهم فكر اثيم ودنس وكافر وظالم وملطخ بالاثم ليجربوا ربنا: بحيلة لا حد لها. هل الآيات التي يجترحها في المرضى هي بالحقيقة مثلما ترى؟ لعل هذه العجائب التي يفعلها هي ظلال بلا جسم؟ أو هذه القوات التي ترى هي خيالات بلا واقع أو لعله كلام يوجه بخفية إلى من يتظاهرون مرضى، غير ان ما يشفى ليس بأمراض؟
بهذه الفكرة الاثيمة طلبوا ووجدوا رجلا مريضا مخوفا متنكرا سمجا وبليته كبرى. قطع الرجاء من شفاء وجعه. فكان هذا الأعمى مختل العقل. جسده مهشم ونفسه فاسدة. اطرش واعمى ومجنون. لا الضوء في عينيه ولا السمع في اذنيه ولا الذاكرة في نفسه. لا يرى ولا يسمع ولا يشعر انه بحاجة إلى الشفاء. لما رأى اليهود هذا فرحوا به مثل شيء جميل وخطفوه واخذوه كشيء ثمين ليختبروا به طبيب المرضى وهم يقولون فيما بينهم: هلموا نجلب هذا لدى ابن النجار ونختبره به لنرى اذا كان شفاؤه صحيحا، وبهذا يفضح كذبه. لا يقدر أن يتواطأ مع هذا فانه لا يرى ليشير اليه ولا يسمع سماعا ليوشوشه ولا عقل له ليقترب منه.
اذا كان طبيبا: هذا هو المرض،
اذا كان جبارا هذا هو حجر عظيم،
اذا كان حكيما هذه هي احجية،
اذا شفى هذا فشفاءاته صحيحة،
اذا جعله يبصر ويسمع واعطاه الكلمة مع الضوء والسماع، نصير نحن شهود لعمله، فشفاؤه حقيقي، وهو بالحقيقة طبيب قوي،
اذا لم يشف هذا ستفضح وتبطل هذه الأخبار القوية المنتشرة بين الجموع التي تعلنه صانع العجائب. وقدموا هذا إلى ربنا بهذا الفكر المكلوب.
وتصرف ربنا من جهته كالصالح أي مثلما كان يصنعه يوميا مع المرضى. أشار الى الضعف وانهزم. امر الضوء وجاء إلى البآبي. ارسل صوته ودخل واستدار في الاذن. اطلق اللسان الذي كان مربوطا. وفتح السمع الذي كان مسدودا. اتى الضوء الذي كان منهزما. شفي الجسد الذي كان مهشما. واستقامت النفس التي كانت فاسدة.
اقترب العمل الذي عرقله الشيطان من العامل الحكيم واصلحه. نظر الله إلى خليقته واستقامت كما كونت. جدد الجابل الجبلة بالرمز. اصلح المهندس بناءه بالقوة. فسر الحكيم الاحجية بمعرفته. شفي الرجل من عيوبه. واحتقر الفكر الشرير. اشرق نور الاعجوبة على الظل ولم يتمكن من الهروب منه. لم يكن لليهود مجال للفرية ليقولو: ليس هو. هم انفسهم أتوا بالرجل وقد شفي. ولا يعلمون ماذا يصنعون هل يقولون: ليس هو لكنه يشبهه شبها؟ لا احد يشبهه لان علته كانت وحيدة. هم اختاروه ليختبروا به صانع القوات الذي ظهر في شعبهم. ولم يكن الحسد يسمح لهم ان يقبلوا الاعجوبة ويؤمنوا بالمسيح لانهم كانوا ثمالى بالحسد كما بعكر المسكر.
فحوصر الاشقياء من هنا ومن هناك وهم لا يريدون ان يؤمنوا ولا يقدرون ان يكذبوا. تركوا ابن آدوناي واسرعوا ملتجئين إلى الشيطان ليكون سبب هربهم من الاعجوبة التي حدثت.
قالوا حالا: هذا لا يخرج الشياطين الا ببعلزبوب رئيس الشياطين. خطفوا الاعجوبة من المسيح واعطوها للشيطان عدوه لانهم لم يستطيعوا ان يقولوا: لم تحدث. قالوا: انها عمل الشيطان. نسبوا عمل الله الى الشيطان وما عمل بروح الله وبرمز ابن الله نسبه المجدفون المكملون بكل التجاديف الى الشيطان عدو الله.
لما نظر الرب إلى ضخامة تجديفهم بدأ يقول هكذا: كل الخطايا والتجاديف تغفر للناس أما التجديف على الروح القدس فلا يغفر للناس. وكل من يقول كلمة على ابن البشر يغفر له، من يقول على الروح القدس لا يغفر له، لا في هذا العالم ولا في العالم المزمع.
انظر انت الآن، لماذا قيل هذا: كل الخطايا والتجاديف تغفر للبشر وكل من يقول كلمة على ابن البشر يغفر له؟ ما هي هذه التجاديف التي تغفر؟ واية كلمة يقولها الانسان على ابن الانسان وتستحق الغفران؟
كريستولوجيا
ان موضع الكلمة هو هذا: خرجت من عند الآب، واتيت إلى العالم. ارسلني ابي وصرت من امرأة. وراوني اسكن في بيت يوسف النجار. وبما انهم لم يشعروا بسري كانوا يقولون: هذا هو ابن النجار ابن يوسف. ولد من الزواج. هوذا ابوه وهوذا امه معنا وبيننا.
هذه كانت التجاديف وهي خطايا معروفة لكنها كانت تستحق الغفران لأن الذين كانوا يجدفون هكذا لم يكونوا يذمون لان ما تكلموا به كان يشبه اولائك الذين كانوا يرون الرجل يوسف والامرأة مريم يسكنان مع بعضهما بعضا والطفل يحبو بينهما. كيف كانوا يقدرون الا يقولوا: ان هذا المولود ولدته تلك الشابة وهو ابن ذلك الذي تسكن معه. وهذا كان تجديفا لكنه كان يستحق الغفران لانه لم يشعر بالسر الذي تم، الا الآب الذي أرسلني والملاك الذي بشر بي ومريم البتول التي قبلتني ويوسف الذي حافظ على البتول بطهر وانا الذي اعرف الآب، واشعيا الفقيه بسر البتول والذين لو شئت ان اجهز لهم درب كل تدبيري. هولاء الذين يقولون اذا بابني ابن يوسف يجدفون تجديفا لكن تجاديفهم تستحق الغفران. انا وبنو بيتي نعرف السر وحدنا، الى يوم تشرق بشارتي في العالم بواسطة رسلي مثل الشمس على الآكام.
يشاهدونني آكل واشرب مع الخطأة فكانوا يلومون تلاميذي: لماذا ياكل ويشرب ربكم مع الخطأة؟ هذا كان تجديفا. وهذه هي الكلمة التي لو اطلقت علي يجمل بي ان اتعامل معها بالغفران.
اما الآن وقد اعلنتني اعمالي نفسها: من انا وابن من انا والقوات والعجائب التي اعملها هي تعلن وتبرهن انني ابن الباري. لماذا خطفوا مني عملي واعطوه للشيطان المفسد؟
عملت عمل الله. اصلحت الخليقة التي كانت فاسدة. من أين عرف الآب الا بواسطة خليقته؟ أو كيف يجب أن يؤمن بالابن الا بواسطة اعماله؟
ان لم تؤمنوا بي آمنو بالاعمال نفسها، الاعمال التي انا اصنعها هي تشهد لي. لماذا ينسب عمل الله الى الشيطان؟ لماذا هذا التجديف العظيم بلا داع؟
لو شاهدوني وانا متعب وجالس على البئر ثم تجاسروا علي قائلين: انني انسان ولست الها لكنت اغفر تجاديفهم لانني قبلت ان انزل الى مستوى القامات البشرية لاعتبر ضعيفا لانهم لا يقتنون نظرا ثاقبا او عين النبؤة التي ترى الخفايا ليروا ويعرفوا من اين اتيت؟ والى اين اذهب؟ ومن انا؟ ومن هو أبي؟
لما ينظرون أيضا الى تدبيري في الجسد ويرونني انسانا بضعفي فلو قالو كلمة على ابن الانسان يغفر لهم، لكن لما يعتبرونني الها بفضل القوات والعجائب التي افعلها ثم يجدفون عليها لانها معمولة بروح الله ويرذلون ولا يقبلون الشهادة التي تاتيني من أعمالي ويمجد عوضي الشيطان بالعجائب، هذا التجديف لا يغفر لا في هذا العالم ولا في العالم العتيد. لماذا يتشككون بالصغائر ثم يتنكرون للكبائر؟ عندما يرون الطعام والشراب والتعب والهرب الى مصر والتستر في الناصرة والخبز الذي يبتاع للتلاميذ، والمياه التي تطلب من السامرية، والنوم في السفينة، والعشاء في دار شمعون، والخاطئة التي تقبل قدمي والعشار المتكيء معي على المائدة، وتسمع مني هذه العبارة التي تقول: ليس لابن الانسان موضع حيث يسند رأسه. من يقول كلمة على ابن الانسان بسبب هذا الضعف يغفر له وان… يجدفون…ويتجادل… يقول: ان الشيطان فعل…
ابن الانسان لهذا التجديف ليس غفران لا في هذا العالم ولا في العالم العتيد.
الخاطئة في دار سمعان
جدف علي في الماضي شمعون الفريسي يوم دخلت بيته. خطر على فكره انني لست نبيا وقال: لو كان هذا نبيا لكان يعلم من هي؟ وما هو خبر تلك التي اقتربت منه لان تلك المرأة كانت خاطئة. وهذا الذي جدف هكذا وقال اني لست نبيا ومعه الخبر بانني سيد الحقيقة وابن الله وان لم تخدم… الخمسين… الدائن… خمسماية سامحته لانه… سبب التجديف والكلمة التي قالها عليها كانت تستحق الغفران.
رأوني آكل واشرب… المرأة.. التي تقبل رجلي وتسكب الدهن على راسي, ونظر الي لانني كنت انظر اليها بالمحبة وظن انني لم اعرفها بانها خاطئة وفكر لو عرفتها مدنسة لما كنت اسمح ان تقترب مني. وانطلاقا من هذه الأسباب التي تساعد على الشك تشكك بي وحسبني انني لست نبيا وجدف علي كانني لست اعرف وقال علي كلمة سيئة مع العلم انني كنت أقوم بفعل صالح.
وهكذا جعلته يستحق الغفران ولم اسمح للخطيئة ان تبيت في نفسه لانني كنت انا السبب ليتكلم عني هكذا. اتكأت معه على المائدة وسمحت للمرأة ان تاتي وتقبل رجلي ورأسي وتدهن بالطيب الذي به يمسح الغريب وكنت هادئا كانني لا اعرف المرأة ولم ازجر صديقة المكلوبين وهي تقبلني. تكلم علي شمعون كلمة سيئة بدافع غيرة حسنة وسامحته حالا. وهكذا تغفر كل الخطايا والتجاديف الصادرة علي باسباب مماثلة، مثلما غفر لشمعون.
التدبير الإلهي
أما الآن لم اقترف شيئا بالتجديف أو الشك لتقال ضدي كلمة غير صالحة: عملت عمل الله. اصلحت الصورة التي افسدها الشيطان. وشفيت الأطرش الاعمى المجنون، بروح الله مثل ابن الله.
أظهرت جليا طاقة عملي. فلا مجال هنا اذا للتجديف. ولا حجة لمن يتشكك. ولا سبب يدفع لتلفظ كلمة سيئة. ولم يظهر هنا عمل غير معروف يكشف عن هوية فاعلة: من هو؟ وابن من هو؟
وما صنع هنا بروح الله فعله ابن الله. فاذا حدث هنا تجديف فلا غفران له لانه بدون داع.اذا يقال بصواب: كل من يجدف على الروح القدس لا يغفر له لا في هذا العالم ولا في العالم العتيد.
سماع الكلمة في وقتها وفي موضعها
يجمل بمن يسمع الكلمة ان ينصت اليها في موضعها ويصغي اليها في وقتها لان كل كلمة لفظت في يومها بسبب حاجة الظرف ولا يجوز لاحد استعمال الكلمة بعد فوات وقتها كما لو قيلت في وقتها.
يقول اشعيا: ها ان البتول تحبل وتلد ابنا فلا يجوز ان يكرر اليوم نفس الكلام لان زمانه فات ولان البتول ولدت.
الوصايا والإرشاد لا تتقيد بالوقت مثل الكلمة
كل كلمة نطقت في حينها تنفع وقتها ما عدا الوصايا والنواميس وكلمة النصح فهي مسلطة للتوبيخ والإرشاد في وقته وفي غير وقته لانها وضعت للمنفعة العامة.
اما ما قيل في حينه وتحقق فكل واحدة من الكلمات اتضحت سلطتها في وقتها. ولا موضع لها بعد وقتها لتوصف كما وصفت.
في وقتها اذا استعملت عبارة كل من يقول كلمة على ابن الانسان, يغفر له. وكان وقتها منذ حبل البتول حتى صعود المسيح. كان المسيح خاضعا في أيام جسده لكل الكلمات وكل التجاديف والاهواء، لانه لا درب القديسين كان واضحا ولا سلطان الظلمة كان منحلا ولا تاج المسلط على الشيول ساقطا ولا… مرضوضا ولم يحلها ليدخل… ولم يكن الروح الفارقليط المعلم الكبير مرسلا من السماء إلى العالم، النور كانت تضطهده الظلمة. والنهار البهيج كانت تهينه الليالي الحالكة. كانت تتخاصم ظلمات الموت مع الحياة المشرقة.
ذلك الذي اتى الى خاصته لم يقبل من خاصته. واحنى نفسه الى الإهانة والعذاب بارادته. وبما ان طريقه يسير فوق الطبيعة كان الكثيرون يرشقونه بكل الشكوك وكل التجاديف. لم يكن يقدر… ان يرسل ليكون معلما للتلاميذ وبه… كثر كل من كان يقول كلمة الشك ضد ربنا لان… كانت تحكى لمشاهديه.
اما الآن صعد… وارتفع الى يمين الآب وارسل الفارقليط وأعطى تلميذه.. الروحي.. بالمسيح… مثل… البشارة… للتعليم… تحرر..
من الشك ومن يجدف عليه لا يغفر له لا في هذا العالم ولا في العالم المزمع ولا… مسلط… الكلمة التي كان يقولها لانه آمن… التجاديف… والألم الى.. لا يشتل فيه، وأيضا لا ينبذ.. الغفران… ومات، لما مات.. كان حده البتول… ابنها الى جيل.. وصرخ في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله والله كان الكلمة وكل ما تكون به ومنه تكون… ولا شيء من الخلائق والكلمة…
وبعد… ان قال كلمة على الابن يغفر له كالغفران الذي صار في ذلك الزمان لاولائك الذين لم يستمعوا به. غفرت التجاديف الى ان استاصلت الاهواء. اما الآن حيث لا توجد الاهواء.. وتقترف التجاديف. اولائك الذين يجدفون في ذلك الوقت لم يكونوا قد سمعوا… وحيث كثر الجابل… القدس… هكذا.. المختار النبي… مخافة… هذا…
عصر الروح
كانوا خائفين، مكتئبين، ومختبئين الى ان أرسل من السماء الروح القدس وعلمهم وكملهم وهذبهم وجعلهم حكماء، اتمهم وثبتهم وزودهم وارسلهم الى أربعة اقطار العالم.
خرجوا وكرزوا ثالوث التعليم الكامل الذي لا يقبل الإضافة. وهوذا اليوم تسمع في كل انحاء المسكونة العبارة القائلة: واحد الآب القدوس، واحد الابن القدوس، واحد الروح القدوس.
والآن ليس من السهل على أحد من هؤلاء ان يجدف لان المعتمذين يؤمنون بمساواة الثالوث. علموا لمن وجهت عبارة كل من يقول كلمة على ابن الانسان يغفر له وكل من يقول على الروح القدس لا يغفر له. وهذه استعملت في وقتها. من جدف قد جدف. ومن قال كلمة فقد قالها. ولمن غفر قد غفر. وانتهى الموضوع بانتهاء حوادث الصلب.
اذا من يجدف على الابن يجدف على الآب والروح، ومن يهين الروح، يهين الآب والابن، ومن يحتقر الآب. يحتقر الابن والروح أيضا.
وهكذا يلزمك ان تحفظ لسانك من التجديف على الابن وعلى الآب والروح. ولا تتكل الآن على ما قيل: كل من يقول كلمة على ابن الانسان يغفر له فاليوم لن يغفر له. لان اليوم لا مجال للكلمة ان تصف ذلك الذي لا يوصف ولا يبحث عنه ولا يفحص ولا يدرس ولا يحد.
الخاتمة
له التسابيح والبركات الى ابد الابدين امين. كملت.
أيضا رسالة مار يعقوب الى شخص صديقه
من يلبس الواحد ( الله ) يلبس الكل
من لا يشلح الكل لا يستطيع ان يرتدي الواحد. فالواحد لا يلبس مع الكل. ومن يلبس الكل لباسه عري. ومن يلبس الواحد جسميا وحده تغلب على العري ولا يحتاج الى الأوراق ليستتر بها ولا الى كساء مزيف من التينة ليقضي حاجته بلباس الخجل المرسوم فيه نقصان ثيابه. النفس التي تلبس الواحد تتنقى من الكل وتبغض الكل وتكفر بها وبالكل وتتعرى وتفرغ وتقطع وتهرب من الكل وتتبرج بذلك الواحد الذي اتشحت به وتتربى وتنمو وتسمن وتتنعم وترى جماله وتنظر الى بهاء طبيعتها وتتلذذ بامواج لمعان ذلك الذي لبسته وتغطس عماذ فيه وتستتر عن الكل وتنمو معه وتظهر للكل ولا تشتم رائحة غريبة ولا يقبل حلقومها الطعام القادم من الخارج لكنها تقتات من الواحد الذي لبسته وتتنعم معه ازليا بلا فساد بحيث يصيران كلاهما واحدا بروح محيي غير منقسم على ذاته.
اذا ليسا اثنين لكن واحدا. ومتى ما لم تلبس النفس هذا الواحد تعلن كل البستها العري وتعتبر كل سعادتها ويلات. تجري كل فوائدها خسارات من كل حياتها تتولد عذابات. مصفوفة في كل دروبها عثرات. في اطعمتها مطمور الجوع. في تسبحتها مرسوم الخجل، ويعلن غناها الفقر، ويلحق الموت حياتها، من الحية تقبل المشورة، ومن التينة تتطلب الورقة وتتعب بلباس العار وتقف يوميا عارية. لا وجود لمقتناها. سقط بناؤها. ترك غناها انحلت سلطتها. انقلبت شهوتها الى الانسحاق وحلاوتها الى المرارة. كانت تتعب مع الاحلام. وكانت تعد نسيج العنكبوت. كانت قلقة برؤى الليل. كانت قابضة على الظل بالمحبة. احتضنت الورد وقد ذبل. اغناها الزمن ثم فات، وخسرت ملكها وما ليس بخاصتها لم تنله. تركت الابدي ولم يتركوها بقرب الزمني.
يا اخي يجمل اذا بنفسك العاقلة والمتحدة بالله التي عرفت ذاتها ورات شخصها وتعارفت على طبيعتها وتركت ما ليس خاصتها وسعت بمحبة في اثر ما هو خاصتها وتوجهت الى موضعها وادارت ظهرها للعالم ووجهها لله ووضعت العالم وراءها، والله امامها. وها انها تنظر الى من تحبه وتتغرب وتبتعد عما رذلته.
الحياة الروحية تقدم مستمر وحركة دائمة الة الامام اما انا الناقص مثل من يفرح بحسنات اعضائي اصرخ بكل قواي: اذا وجد موضع ابعد منك اهرب أيضا اليه. واذا وجد موضع داخلك انزو أيضا اليه. ولا تبطل من الهرب ولا تسترح من الركض الى ان تدرك ذلك الشيء الذي من أجله ادركك المسيح.
وهكذا ضع حدا لسعيك: وانت تنهزم من عالمنا الى ان تترك وراءك كل اللحظات والمدد والأمكنة والاعماق والعلو والمنازل والمواضع. وضع حدا لك فوق الكل وفي محل الكل داخل الكل في رب الكل بسلطة لا تنحل وجمال لا يفسد ومقتنى يدوم بكهنوت روحي في النفس التي لا تستخدم الارضيات التي فقدها التجاوز على الوصية، ووجدها الصليب بذلك النظام الطبيعي الجميل الذي فسد بالميل وتجدد بالمعمودية.
يليق بك لكونك هربت من الشرير وهربك نافع لنا، وخروجك افتخار لنا وانتقالك من عندنا اكليل راسنا !
وهكذا جميع اخوتك يتباهون بك ويفتخرون باسمك كانهم جميعهم انتقلوا معك من العالم واحتقروا معك محبة سلطته.
الخاتمة
كلهم يصلون ليتم فيك مجد المسيح وتكتمل بالروح القدس مع جميع القديسين وتصير عضوا غير ناقص في ذلك جسم المسيح الكبير وانت تبنى وتتركب وتشد وتتقوى في الجسد المقدس الذي راسه هو المسيح.
له المجد والشكر من الكل. امين. كملت.
26 – أيضا الرسالة التي أرسلها مار يعقوب الملفان الى مار مارا اسقف آمد.
الافتتاحية
الى البار والقديس الكبير ومحب الله مار مارا الاسقف بنعمة الله.
يعقوب الناقص الساجد لحضرتك، بربنا. سلام
التدبير الإلهي يختار الاسقف مارا
تفقد تدبير الله الغني في المعاني وعميق الأفكار الذي بدونه لم يات شيء الى الوجود تفقد في هذا الوقت بعدالة كما هو معتاد وانتقاك واقامك مدبرا للشعب المؤمن لتكون راعيا للقطيع الروحي المخلص بدم الله الثمين ووضعك كالدواء على الجرح وكالجبر على الكسر وكالسفوفات الشافية للعين الضريرة.
المسيح نور يبهر الباحث
من يحدق ببؤبئه بجسارة في قرص الشمس لا يستنير بها لكن يغشى على بصره.
المسيح نور. ومن يريد ان يبحث عنه يعتم عليه تعتيما. اتى لينير العالم ويخلص السبي وليس ليبحث عنه المخلصون. اتى ليطهر الدنسين وليس ليتشدقوا عليه بافواههم ويطيل المدنسون الذي طهروا به السنتهم عليه.
سيدي الآن بالاتكال الثابت على الإيمان الذي لا تزعزعه رياح العالم المضطربة، نحن ملزمون ان نتمسك بالحقيقة مثلما وجدناها منتشرة في نفوسنا بالميلاد الثاني من الماء والروح.
الاخبار تعكر صفاء جو الكنيسة
لتصل قداستك مع الجمع المحتاج على العون الإلهي ليملك الأمان في كل كنيسة الرسل المسكونية لتكون كلها جماعة واحدة ترتل التسبيح لله بفكر مستقيم.
لا يقلقك الزمان المضطرب. ولا تخيفك الاخبار المتضاربة. عندما تسمع خبرا حسنا احتقره ولا تتكل عليه لانه ليس صحيحا. وان طرق سمعك أيضا خبر سيء لا تخف منه لأنه غير ثابت. في هذا الزمان تمتطي الأخبار السارة والمحزنة العجلات مثل النهار والليل وتتراكض وراء بعضها بعضا وليس لاي منها سلطة ليستقر في موضع او يخرج منه لان الحكمة ارادتها ان تتراكض هكذا. لا يفزع فكرك ويستعجل ويتطارد مثلها بحيث يحزنك هذا ويفرحك هذا، لكن دع الاخبار تذهب وتجيء واتكل انت على الله وعلى رجاء الإيمان منتظرا الجملة التي تقول: في النهار لا تؤذيك الشمس ولا القمر في الليل. والرب يحفظك من كل الشرور.
الله لا يتغير كالزمن والأخبار
الله لا يتبدل مع الأزمنة. ولا يتغير الاتكال عليه كالأخبار السيئة والسارة. لأن النبؤة تقول هكذا: انت كما انت. وبما أن الله هو كما هو بدون تبديل، هكذا أيضا خواصه هي كما هي بدون تغيير. المسيح يسوع: أمس واليوم وإلى الأبد.
الخاتمة
له التسابيح في كل زمان امين.
السلام والاحترام من حقارتي الى جميع منتسبيك والى كل الجماعة المخلصة بدم الله. كملت.
أيضا الرسالة التي أرسلها مار يعقوب الملفان الى مار دانيال المتوحد
الافتتاحية
الى البار وغزير العلوم عبدالله وسيدي الساكت في الجسد الناطق في الروح مار دانيال.
يعقوب الناطق اخوك بربنا رجاء وحياة الكل سلام.
المقدمة
استلمت اسطرك العزيزة يا سيدي يا مختار الله، وسرت بها نفسي الضعيفة والصقتها على جسمي مثل الضماد القوي على الجسم الضعيف.
وتأملت في حامل اسطرك فعظمت نفسي وشكرت ربنا لانه اهلني لترسل لي رسول السلام الحامل في شخصيته فائدة لمشاهديه.
صعوبة الكهنوت
وجدت في نهاية رسالتك التي حررتها لي حكمتك ان فكرك متضائق ومحزون ومرتاب من الموضوع المعروض على فضيلتك لتقبل الكهنوت؟.
فكرتان تقلقانك. تفكر وتتأمل: هل تخدم الكهنوت او لا تخدمه؟ وفكرتاك كلتاهما تنشدان الفائدة.
علمت من اسطرك ان عبارة بولس الإلهي تفزعك لما يقول: على الكاهن ان يكون من لا عيب فيه. وانت اذ تنظر الى عيوب نفسك، يستولي عليك الخوف والرعدة من الخدمة التي تطالب ممن يقوم بها ان يكون بلا عيب. ولهذا السبب ( تحرك ) فطنتك نفسك لتحرم من الكهنوت الذي بلغك بتدبير النعمة.
مثل الوزنات
سيدي، استحسن ان تخاف فضيلتك واكره لو تنحرم من الخدمة. اتخوف ولكن لا استحسن رأي صاحب الوزنة الواحدة: سيدي كنت اعرفك رجلا قاسيا فخفت منك واخفيت وزنتك لكن خذ ما لك دون نقص ولا تلف. التفت الى هذا صاحب البيت: اربطوا يديه ورجليه واخرجوه الى الظلمة البرانية، لانه لم يستخدم الوزنة، فاصبحت عاطلة عنده ولم يتاجر بها.
النظر الى صلاح الله
والآن اطلب منك سيدي، ليس كالمعلم، لكن كالحقير وكالمذموم الذي ينصح ويتوسل الى أخيه بمحبة المسيح الذي لا يخضع اللوم لتخدم الكهنوت وانت خائف بسبب فطنة نفسك التي تتفرس في عظمة الله وترى نواقصها هذه.
من لم ير الغنى الحقيقي فهو مهدد يوميا بالفقر. لو لا جمال الله الخفي لما رأت نفسك واستحقت الله، ولما سهل عليك ان ترى نقائص شخصك.
هذا هو جمال فطنتك الأساسي: ان ترى عيوبك عيوبا بسبب جمال الله الخفي الذي شعرت به كجمال. صرخ احد الأنبياء بالروح القدس قائلا هكذا: كل صلاحنا مثل رقعة النفساء. من ينظر الى صلاح الله لا يستطيع ان يظن او يتأكد من ان صلاحه صلاح. وهكذا من يرى جمال الله يحسب دائما ان كل فضائله هي عيوب بغيضة مقارنة بجمال الله العجيب.
مثل الفريسي والعشار
وأقول لك اخي لو لم تر عيوب نفسك لكنت بجملتك عيوبا. ذلك الذي ظن انه جميل كان يصلي في الهيكل ويرى نفسه مليئة جمالا ويظن ان لا عيب فيه ويفتخر بانه يصوم مرتين في الأسبوع ولكونه راى جماله بعينيه، نزل من الهيكل بغيضا ومليئا عيوبا.
اذا الآن الفطنة التي تحركك وتخيفك من الخدمة بسبب عيوبك هي ذاتها تظهر جمال نفسك العاقلة والقريبة من الله. وهذه الأمور التي اكتبها لك ولو انها احزنتك لانها لا تنفعك لانك تبغض ان تسمعها لكنها تتفق والحقيقة ولأنها تساعدني على التوسل اليك لئلا تغير الخدمة.
الخدمة بالخوف كالساروفيم
لا احد يقدم الى الخدمة الا وهو خائف، كما انت خائف. اذا يا سيدي، ما دمت خائفا تقدم. ولو لم تكن تعرف ما هي الخدمة، لما كنت تخاف. اذا كان الساروف الناري القديس بالطبع يقدس بدون هدوء قائلا: قدوس. قدوس. قدوس الرب القوي يخاف هكذا ويغطي وجهه الناري بجناحيه من اللهيب ويظن انه شخصيا لا يستحق ان ينظر الى السامي الجالس على عرش اللهيب ويرتل له التقديس بالخوف الملقى عليه من رعب العظمة، كم بالحري يجب على هولاء الذين يخضعون للاهواء المتنوعة ويتعرضون أيضا لما هو مذموم ان يتقدموا الى الخدمة التي تخيف خدامها بخوف ورعدة، بسبب عظمة سرها؟
لست أقول لك: لا تفزع كما انت خائف لكن لا تحرم نفسك من الخدمة وتحتفظ بالوزنة بدون فائدة لئلا تقول للواهب عندما تجيبه: كنت اعرفك رجلا قاسيا وخفت منك وحافظت على الكهنوت مثلما اقتبلته. ان قلت هذا سوف لن تسمع شيئا آخر ما عدا ما هو مكتوب اربطوا يديه ورجليه لانه لم يتاجر بالفضة التي وهبته إياها النعمة ليفيد بها الآخرين.
الخاتمة
والآن سيدي، احكم على كلماتي هذه بنية حسنة فان وجدتها موافقة للحقيقة ارجوك ان تسمعها لمجد يسوع الاله.
سيدي، اصلي هكذا ليكون كهنوتك وخدمتك لمرضاة الله لتنال المغفرة وتغفر وتدعو ويستجاب لك وتتضرع وتقبل وتقرع ويفتح لك وتسأل فتأخذ وتصعد المجد والشكر للثالوث الأقدس والممجد الاله الواحد الذي اعطى الكهنوت بحنانه الغزير لمن يرضى عليه لاجل غفران شعبه.
له المجد والعز والسجود الآن أيضا وفي كل وقت الى ابدا الابدين أمين. كملت.
رسالة مار يعقوب الملفان على انسحاق النفس
اضطراب العالم
لو لم تقلقني لقاءات هذا العالم، لكان من السهل علي ان اعرف ما ينفعني لانني مضطرب باعمال العالم كما بامواج البحر. فوائدي بعيدة عني واتاجر يوميا بالخسارة. ماذا اصنع لانني كلما اردت ان اركض الى الامام اميل الى الوراء؟ واعرف لكوني اعمل مع العالم انه ليس للنور شركة مع الظلمة ولا أحد ينظر إلى الوراء ويصلح للملكوت.
يعقوب يطلب الصلاة
لتصلي حكمتك لاجلي يا محب الفوائد لاعود الى الامام بدل ان انظر الى الوراء لكي انجو من الخطايا المحيطة بي، ومن الاثم الذي افعله يوميا ومن الشرور التي تهطل علي كالمطر بارادتي.
ابغض الاعمال السيئة لكنني افعلها بنشاط وبدون توان. احب أيضا الخير كثيرا ومع الأسف الكبير لا افعل ما احبه. انا خدوم لعدوي، ومتكاسل في منافع شخصيتي. في العالم لم اتقن شيئا كما تعلم انت أيضا ولا اتوخى ان اقتني. لماذا انا منزعج فيه؟ لست ادري. ابغضه واسعى في اثره. انه عدوي ومع ذلك انا اشتغل معه. رائحته كريهة بالنسبة لي ومع ذلك انا احتضنه. انا بعيد عنه وثقله موضوع فوق رقبتي. ليس لي فيه شيء ويتعبني بافعاله. انا اسمى منه وهو موضوع فوقي. انا اقوى منه بالطاقة لكنني مرتبط به بارادتي.
هلم واسخر من الأسير لانه لو لم يرد لما غلب.
هلم واستهزيء بالقوي الذي باراته الضعيفة ربطه عدوه.
هلم وابك على الحر لانه ربط رقبته بنير السيادة ليستعبده مبغضوه.
هلم وتعجب من التاجر الذي يحمل في جعبته الخسارة بينما الأرباح معروضة امامه.
انه لحزن كبير ان اعاين غلبتي ويسهل علي نيلها لو نهضت ارادتي وهبت عليها واتركها متذرعا بحجج وانا يوميا اتشجع لارتكب الذنب.
القت علي سلاسل عنكبوتية ويسهل علي كثيرا ان احلها بنفخة من فمي. يا لارادتي كم هي وهنة حتى انها لا تطيع ان تنفخ في ربطها. يا لعدوي كم هو محتال فانه لا يربطني بربط قاسية ليخنقني. لما يحملني على الظن انني اربح فانه يصدر لي ويعطيني منها الخسارة.
عندما يريني الورود يمسكني الاشواك. عندما يهيء لي درجا للتسلق يثقب الأرض امامي للسقوط.
عندما يضع اللقط في فمي يلقي الفخ على رقبتي.
لماذا اذا لا اهرب؟ ما هي علة ارتخائي ليغلبني ذاك الذي هو اقوى مني؟ اعرف كل هذا. لماذا لا انتصر في واحدة منها؟ لست ابغض جروحي الكبيرة، انما انظر الى خدوش الآخرين. لست استقبح ورم جروحي، وانا اخجل من عرق أصدقائي. في عيني جسور غير ثقيلة، وانا مهتم لانزع قذى الآخرين.
اطلب منك ان تصلي لاجلي لئلا أرى الاثم بالاثم الذي اقترفه في شخصي وخارجه. أرى اثمي واهتم فيه لا عطله ان استطعت، وانا اسال العون من فوق من نعمة الله التي تدبر حياتي وكل حواسي وافكاري لمرضاة يسوع الاله.
الخاتمة
لتنعم فضيلتك بك ومنك وانظر الى داخلك واسترح في موضع افكارك غير المضطرب، ولا تنظر الى العالم الشرير لئلا يغشى عليك وتسقط.
أيها العظيم ويا مختار الله، صل لاجل حقارتي. كملت.
29
أيضا رسالة مار يعقوب الى صديقه
الله يعطي للمستحق وغير المستحق
الله، بسبب صلاحه خلق الجنس البشري باسره حتى يغنيه بمواهبه. وبما انه لا يحسد فهو يعطي بسخاء لكل احد. مرارا يعطي لمن يستحق ومرارا أيضا يعطي لمن لا يستحق لكي تعلن عدالته بهذا وتظفر أيضا نعمته. لما يعطي موهبة صالحة لمن هم مكللون بالسيرة الحسنة تمجد عدالته لانه يعطي مكافأة حسنة للذين تنشطوا بسيرة حسنة، ولما يثري بالمواهب من لا يستحقون بسبب ارتخاء سيرتهم، تنتصر…
حيث كثرت النعمة هناك يود ان تكثر الخطيئة لو امكن.
التدبير الإلهي
تجلت محبة الله للعالم بصليب ابنه. وثلم الصليب سياج العداوة الذي بنته الحية بين آدم والله. ولا شى قصاص الموت الذي اعطي لآدم بالتجاوز على الوصية. وخلق الأمان بين العلويين والسفليين. وخلط الجبهتين بعضهما ببعض لتنسى تلك العداوة القديمة التي بدأت بمشورة الثعبان القاتل.
لا يجوز نسب هذا الفعل الى الانسان لكن الى وحيد الله الذي هو اله من اله وظهر في الجسد. ومزق صك الدين الخاضعة له كل الأجيال والقبائل. وبما ان طريقه سام ولا يخضع للتفسير زاغ عنه اولائك الذين أرادوا ان يفسروه طبيعيا.
اتى يسوع المسيح وحيد الآب الذي كان مولودا قبل العالم بلا بداية ببشارة جبرائيل وحل في بطن البتول وتجسد بها ومنها وهي من نسل داود وإبراهيم وظهر في الجسد وهو اله على الكل امس واليوم والى الابد.
كل من لا يقبل هكذا لا تقبله بنت النور لكنها تهرب منه وهي تحرمه وتحرم تعليمه العاثر.
الخاتمة
وحيد الآب هو وحده مع ابيه وروحه. الواحد الذي لا يجزأ الى اعداد ولا يخضع للطبيعتين والاجزاء لانه واحد هو الابن القدوس وواحد الروح القدس له التسابيح في كل وقت امين. كملت.
30
أيضا رسالة مار يعقوب الى صديقه
أسبوع الآلام
يا محب الله قضينا بعون الله عيد الاحد الكبير المجيد والكثير العجب. والنعمة المليئة كل معونات هيأت لنا العيد لمجد يسوع. صادفتنا يوميا هذه العجائب المذهلة اكثر من كل الأيام والعجيبة اكثر من الكهنة؟ وهي الجمعة والسبت والأحد. جمعة الآلام وسبت الاستراحة من الصليب والأحد الغزير المجد والعميم الافراح. وآلمتنا الجمعة وحيرنا السبت وابهجنا الاحد.
جمعة الآلام
في الجمعة حل المكروه فابتليت الأرض واضطرب البحر، وخاف الصالبون.
الواحد يركب الصليب، والآخر يظفر اكليل الشوك. رفيقه يهيء الخل والمرارة. والآخر يطعن بالرمح. وكانوا كلهم مستعدين لسكب الدم البريء.
كان ربنا صامتا وقيافا متكلما والخالق مشدودا على العمود. وكانت الخلائق تجلده بالسياط. يهوذا يقبل ويخون. شمعون يكفر ويحرم.
يوحنا يقوم تجاهله، اندراوس هاربا، توما؟ والآخرون ملتجأون الى الأختباء. الذئاب تعوي والخرفان محاصرة في الكمين، دار التلاميذ مقفرة. والجلجلة ترعد بالمجدفين. الخلائق مضطربة والعناصر قلقة لتنحل عن بعضها بعضا. الشمس مبعثرة وترمي سيور نورها، ولبقمر مغطى ببدلات مظلمة. النهار منهزم، والليل قائمة سلطته في الوسط. الأرض ترتجف بالفزع، والسماء متسربلة بالظلام. النور مصلوب، والظلال تستهزيء وتهز روؤسها. شق باب الهيكل حجابه، وانتقل الروح القدس من عند شعب الصالبين.
سبت الراحة
واحزنتنا هذه الآلام وحيرتنا هذه العجائب وانذهل قلبنا بهذه العجائب. انصرمت الجمعة بهذه الحوادث المختلفة. وحضر السبت ودخل وهو مليء حيرة واندهاشا. وفر الجمع من الجلجلة ونزل وذهب التاجر الى شيول الموتى. وتزوج الانبعاث الشيول مثلما يتزوج نيسان الأرض. فتحرك الموتى في قبورهم مثلما تنمو الورود في الوانها.
دخل “ملك الحياة” الى مدينة الموت، فارتجفت وارتعدت واضطربت. وهناك اظهر سلتطه ذلك الذي لا يموت لانه أراد ان يميت الموت بالآم شخصه، فننزل وجس الأعماق السفلية وحل آدم من رباطه لانه كان مربوطا في الجب السفلي، فسقط الموت من كرسيه، وازيح الهلاك من درجته، ووصلت البشارة الى الجيل الأول، فننزل ليحل الاسرى ويخلص السبي.
فترنم جيل نوح بالكرازة الجديدة، لانه لم يرد ان يسمع بمحبة كرازة الصالح. وهيأ له هناك ذلك ديان الاحياء والاموات كرسيا، ليحتقر الموت في عقر داره، ويعيد السبي الى ابيه.
وفي نفس هذا اليوم السبت خيم السكوت على الأرض والرعد تحت الأرض. وفي نفس هذا “اليوم الوسطي” الذي هو بعد الصلب وقبل القيامة به كثر الهزء استنارت شيول المقبورين، لما ربط الموت وحل آدم.
فضحت الشيول وتعففت حواء. هجمت أرض المتوفين. وخلص السبي ليصل الى حدوده.
احد القيامة
واثناء حدوث هذه المآسي في المحل السفلي كنا نحن في حيرة في موضع فوق /236/ الأرض. اشرق احد القيامة بجماله السامي. “نهض الرب كالنائم وكرجل استفاق من سكره ضرب اعداءه وراءه”. اسر واهان من بيدهم زمام العالم المظلم. واشرقت القيامة كالنور. وتلألأ الانبعاث كالنهار. وعجلة الآلآم قلبت دورانها؟ ودارت وجلبت بدل الحزن والفرح. وكل مكان اسفل جعلته اعلى. أعطت يهوذا المشنقة. وحنان الخجل وقيافا العار. والتلميذ المجد. والتلميذة التسلية. المبغض الخل والصديق الشهادة. ولبس زي الخرفان من كانوا يعتبرون ذئابا، في الأرض.. صعدت الشمس.. الخلائق.. فتح.. بيت الأب.. لابسون البياض.. الملك.. سبي البرابرة.. اليوم مريم مبتهجة وفرحة. صديقاتها تكسبن الاطياب 28 التلاميذ مستبشرون بالبشارة. وكنيستنا أيضا تزخر بالشكر. ابهجنا العيد الجبيب وسرنا اليوم المبارك وجبر قلبنا المكسور وسرت جماعتنا الانها كانت حزينة. وهكذا اختلطت أصوات التسبيح واصوات الشكر: الكهنة برفرفاتهم والشمامسة بتراتيلهم والاجواق تضرب على قيثارة داود والمحتشمات ترتل بمداريشها والرجال والنساء مبتهجون في اليوم المضيء. المعموذية تحبل وتلد الروحيين. كل الشعوب والأمم تتبادل السلام مثل أناس صاروا جددا بقيامة المسيح. الصبيان والصبايا متشحون بثيابهم كالازهار في الوانها البهية /237/. إضافة الى هذه تكلم الرعد أيضا في هذا اليوم المجيد في الغيوم وكان شهيا واطيب بكثير من طبل سليمان. ودعا وهيأ السحب لتفرحنا برشاشها ورياح المياه بفيضها العميم وقطع الغيوم التي تتراكض وراء بعضها بعضا والعيد المزركش بكل جمال والمطر الوابل الرهيب الذي كان كئيبا، رياح الندى المسرعة ” لتصوير الحنطة في السنابل”، لئلا يفتقر سر ذلك الذي طلبناه في افراتا ووجدناه في الحقول. هو ذا جسده قد خلط في الخبز ومزج دمه في الخمر وتبتهج وتغتبط العروس بنت النهار التي تأخذ وتتناول الختن القتيل.
وفي خضم هذه الافراح التي تفوق الوصف، لو وجدت كآبة نسيناها ولو وجد خبر سيء لا نصدقه ولن يخطر بعد فقرنا على بالنا لان الفرح اعظم من كل الاحزان.
الخاتمة
والآن ها ان جماعتنا.. مراحم الله والمحتاجة الى مساعدة صلواتكم ترفع يديها الى السماء وتطلب وتتضرع لاجل.. كل الكنائس نقدم الطلب لله ليطيل عمر مختار الله رئيس الأساقفة لانه صار سببا الامان بلدنا وبواسطته اشرق الخلاص لجماعتنا ليرتفع.. بالمجد.. الرسل.. الصليب، وتسعر كل البرايا ان واحدا من الثالوث صلب نور من نور.., اله حق من اله حق.
له ولابيه مع روحه القدوس التسابيح والبركات امين. كملت.
السعانين
يا محب الله اغدقت علينا معونات المسيح الفرح الكامل وبامان كبير وزعتها علينا النعمة التي نبت العالم منذ الازل.., وإذ نعذب بالفقر والازمنة السيئة..
العيد جعلتنا ننسى احزاننا ونفرح بالرب في كل حين. التقانا احد السعانين وهو بهيج وسريع ومفرح ولابس حلة التسابيح. وصوت النبؤة الذي يوقظنا كالبوق ويعلن قائلا: ها ان الملك قد اتى وهو راكب على حمار وعلى عفو ابن اتان.
وخرج التسبيح من كل مكان والتسابيح من كل الافواه ورب الملكوت يرعد بكل التراتيل. جوق التلاميذ فرح ومبتهج. جمع الصغار يزمر بنقاء تسبحة جديدة للملك المتواضع: اوشعنا والتراتيل بصخب المجد. الأشجار التي تقدم اغصانها والتلاميذ الذين يفرشون ثيابهم. صوت عال يسمع كالرعد العظيم: مبارك الآتي باسم الرب.
التدبير الإلهي
سلت تسبحة العيد الكبرى وشجعت ثم اغنتنا باصواتها الحبيبة واللذيذة. وحالا افزعنا قتال الصليب العظيم وارتعدت نفسنا بالحيرة ورنمت كنيستنا بالشكر ونحن ننظر ونتعجب بالظافر الذي وقف في المحكمة بابن الاحرار الذي لطم على خده، الشمس الذي احتضن العمود، النار التي تجلد بالسياط،
النور الذي تحتقره الظلمة، رب جبرائيل الذي ضربه عبد قيافا،شبل الأسد الذي تنهشه الثعالب الحقيرة، البحر الكبير الذي يحكم عليه التراب، المخوف على الكاروبيم ركب خشب الصليب، موشح السوسنة المجد والورود الألوان المتنوعة، عار ومعلق عاريا، شاتل الفردوس يعطى له الخل والمرارة، اللهيب الذي يطعن بالرمح، مكلل الشمس بالأشعة وضع على هامته اكليل الشوك.
ومع هذه الحوادث العظمى اقرت بعجب كل الطبائع بالقوات التي رأتها واسرعت البرايا لتعلن ان ذلك المصلوب هو سيد البرايا. واتشحت السماء بالظلام. والأرض ارتعدت. وافزعت الأصوات بعضها بعضا. الصخور تتشقق، الحجارة تتفجر. الحجاب يمزق، القبور تتفتح. والموتى يقومون، الشيول تتقيأ الأموات. الموت ازيح عن كرسيه. القتيل والباعث يدخل ليحاسب الموت… المتوفين الذين جعلوا قصرا لملكنا السماوي. ولج وانضم ابن الاحرار الى الأموات كالقتلى الراقدين في القبور.
القيامة
ولما اجتازت ومضت جمعة الآلام وسبت الراحة عن الصليب، اشرق احد القيامة وافزعنا بجماله الخلاب وهو متشح ضياء ولابس شعاعا ومغطى بالنور كالثوب. وضع على هامته اكليل الانبعاث. ويحمل بشارة القيامة، ليصد خطوات الموت عن الخليقة. وصرخ واجتمع التلاميذ وغلبوا بالبشرى. وتبدد الصالبون كلهم. بدل النهار المضيء الاحزان التي حدثت في الليل المدلهم.
واستخفت الحياة بالموت قائلة: اين غلبتك يا موت وأين شوكتك يا شيول؟,
وفي نهار الاحد فتح لهم باب السماء الذي كان موصدا يوم الجمعة في وجه الملائكة لئلا ينزلوا الى الجلجلة فاسرعوا لينحدروا بثيابهم البيض ليستقبلو ملكنا الذي خلص السبي وعاد عند ابيه.
وصار القبر الجديد خدرا انشيء في الجنة للختن القتيل الذي أعاد العروس من حرب الأعداء. اجتمع وحضر الى الباب الحسن الملائكة في ثيابهم البيض، والتلميذات باطيابهن، شمعون ويوحنا يركضان بسبب الاخبار السارة، قليوفا واخوه تنفتح عيناهما بخبز البركة ليريا القيامة علنا. الأصدقاء يكشفون عن وجوههم. والمبغضون يطأطأون رؤوسهم. حنان خجل. وقيافا لا يستطيع ان يتكلم. يهوذا مشنوق. ورؤساء المجمع يلطمون على وجوههم. اغلق باب الشيول. وفتح باب المعموذية. نصب الصليب في مجاري المياه. سخن القطيع الناطق وحبل ليرتوي من المياه التي سالت من الصليب. نظر اليه وهو لابس النور وواقف على الينبوع فحبل وولد على شبه منظر نوره الحسن. ولبس بياضا ناصعا لونه بنوره وجعله ابيض كالثلج… لا اغر ولا ملون فالقطيع كله ابيض لان الصليب كله متشح بالنور.
وهوذا العروس متشحة بالنور من المياه. ورسم دم الختن على شفتيها مثل خيط قرمزي. وتشبه الضباب البهي الذي يلمع بالنور لينير مشاهديه. ها انها تاكل جسد الختن وتعطي للمدعويين ان ياكلوا وتمزج دمه في الكاس وتعطيهم ليشربوا. وها ان المدعويين كلهم يقبلون بعضهم بعضا مثل الناس العائدين من سبي الأعداء الى بلد ذويهم ويعطون السلام الواحد للآخر لانهم اضحوا جددا بقيامة المسيح.
الخاتمة
وفي هذا العيد البهيج بهذا المقدار والغني والسعيد بالتسابيح والالبسة الفاخرة، نسينا كل فقرنا. ونعتبر انفسنا كاننا لم نعرف العوز ونحسب انفسنا غنية بمجد يسوع الهنا كاننا في عدن فردوس الله، له المجد الى الابد امين. كملت.
أيضا رسالة أرسلها مار يعقوب الى مار فولا اسقف الرها
الافتتاحية
الى البار والقديس ومحب الله مار فولا الاسقف
يعقوب عبد قداستك. بربنا سلام
الله يمجد الانسان بالتجربة
معتاد هو التدبير الإلهي الحكيم الذي في كل حين يهتم بالجنس البشري ان يفعل من الشر خيرا ومما يظن معاكسا يظفر إكليل المجد للذين يقبلون ما هو ماكس بصبر وطول أناة وبلا تذمر.
نجد أن الله عندما يريد أن ينصر الإنسان ويعظمه، يسلمه أولاً إلى الشر ليختبر ويفحص ثم يظهر جماله للعالم بالحسنات التي يعملها الله معه.
مثل يوسف الصديق
لما أراد الله أن ينصر يوسف ويجعله سيداً لمصر كما ترى قداستك، ماذا كانت بداية عمله ليفضي إلى نهاية صالحة؟ أولاً قبض عليه اخوته وأهانوه واستهزأوا به ونزعوا ثيابه وألقوه في الجب وقطعوا رجاءه وباعوه للتجار وصار عبد يخدم الأرباب واستعبد ذلك “ابن الأحرار الحسن” الذي لم يقترف السوء.
من كان يرى هذا العمل السيء لم يكن بوسعه أن يظن أن كل هذه الشرور كانت تُرتكب لصالح يوسف. أما الله الذي كان يعلم ماذا يريد أن يصنع له يشفق عليه لما كان يزأر تحت وطأة كل هذه الشرور لكنه تركه يسقط في الجب ويباع للتجار ويزج في السجن ظلماً.
وبعد هذه كلها أشرق جماله كالشمس وظهر حقه كالذهب وزالت شروره كالدخان واعتلى قمة المركبة كالملك وقام في العظمة التي من أجلها وضعه الله بحيث عندما يتواضع يرتفع ليتبع تمجيد الله عظمة يوسف وليثن عليه مشاهدوه قائلين وممجدين الله: “إن ذلك الذي ألقي في الجب وحبس في السجن ها إنه يُكرم على المركبة لأنه جُعل سيداً على مصر”. وكان تمجيد الله يتبع دائماً عظمة يوسف ليسبح بواسطته المشاهدون الله الذي يعظم المتواضعين ويصدر الحكم للمظلومين ويمدّ يد العون للساقطين ليقوموا.
ولما يمجّد الله بواسطة يوسف، ينال يوسف الطوبى كما هو مكتوب “طوبى للعبد الذي بواسطته يمجد اسم سيده”. أعداؤه هؤلاء الذين باعوه أخضعهم الله إلى الجوع والعوز، لكي يذهبوا عنده بحجة القوت الذي احتاجوه ليروا عظمة ذلك الذي باعوه للعبودية، وأسلموه بجسدهم إلى الشرور. واحناهم أمامه ساجدين، واعتراهم الخجل لما شاهدوه معظماً وجالساً على قمة المركبة.
لم ينظر يوسف إلى هؤلاء كالأعداء ولم يرد أن يأخذ منهم ثأراً لهذه الشرور التي فعلوها ضده لأنه بواسطة هؤلاء المتعسفين وجد أن الخير أقبل إليه. ولم يقبل الله برهم غير أنهم صاروا سبب عظمة ليوسف.
لم يأته ولا خير واحد بواسطة يعقوب أبيه الذي كان يحبه كثيراً، لكن بواسطة أعدائه هؤلاء الذين كانوا يبغضونه كثيراً، صُنع لأجله هذا الفضل العظيم.
ولهذا أعطاهم القوت كالحكيم الكبير وسندهم بالكلمة، مسلياً إياهم قائلاً: “أرسلني الله هنا من أجلكم”. وكان يتحدث إليهم كالأصدقاء وفاعلي الخير. وسبق وأنجز بالفعل ما قاله ربنا: “أحبوا أعداءكم” ليس لأنهم يستحقون أن يُحبّوا لكون إرادتهم سيئة لكن لأن الخير أقبل عليه بواسطتهم.
يعقوب يمدح فولا ويصفه “بالمعترف”
وأنت يا عظيم الله لقد مدّ لك الله بالحقيقة يد المعونة لتحل في درجة “المعترفين” وتضطهد من قبل الساجدين للإنسان ويكون لك اسم صالح كالأمين.
هؤلاء الذين يعرفون ان ذاك الذي وُلد من البتول وظهر في العالم وقبل عليه الصليب وشرب بإرادته كأس الموت هو بالحقيقة إله من إله ونور من نور وغير المائت الذي خضع بإرادته للموت.
فولا ينتصر مثل يوسف
عندما أراد الله أن يظفر إكليلاً لإيمانك الذي تربيت فيه منذ صباك لم يرد الله أن يفعل هذا بك بدون فحص وبدون تجربة وبدون تحمل الألم. لا يمكن أن يحسن الذهب وتصاغ منه حلية أو ترسم منه صورة الملك إلا إذا أُدخل إلى الكور وفحص بالنار وطرق على السندان ولوي بيد العامل ثم يصاغ ويجمل ويصبح تاجاً للملك.
هكذا أنت أيضاً أسلمت إلى الأعداء وتركك الله تضطهد لأنه لو لم تضطهد لما كان بين جمالك ولو لم تهم لما القتك كرامة كبرى ولو لم تقم في هذه الآلام السيئة لمار عرف مدى تحملك.
لم يكن مشاهدو جهادك يعرفون ماذا يريد ان يفعل الله يوم كنت تضطهد، غير ان فكر كل واحد قصر وضعفت آراء المؤمنين وبداوا يتذمرون على الله ويقولون:
لماذا اذا اهمل الله؟ لماذا لم ينزل القصاص بالذين سكبوا الدم البريء؟ لماذا ترك كنيسته تقطع مثل شاة طاهرة من قبل ذئاب مفترسة؟ لماذا اهمل الله يوم استلت السيوف للحروب في بيت المعموذية ام الحياة حيث يغلب الموت وتملك الحياة على الجنس البشري؟
الناس يتعجبون من اهمال الله
لما تمارضت أفكار كل احد من جراء هذه الجسارة لانه كم من خطوة حققت ولم ترد وكم اهمل الله أيضا ولم يساعد؟
أقول أيضا ان اكثر النفوس تجاسرت لتذم الله: لم يهرع الله ليعكر النهج او ليفسد الجمال الذي كان مهيأ ليفعله لك في نهاية المطاف لكنه تركك تسحل وتخرج من ملجأ القرية، وتلمع السيوف وراءك مثلما تلمع وراء القتلة وتخرج من مدينتك كالراعي الذي يخطفه الذئاب من قطيعه، ويهزأ بك في الطريق وتقبل الإهانة. وكما سمعت لم ينقصك في الحقيقة ان ينزعوا عنك قميصك مثل يوسف.
ولما جربت بكل هذه الشرور وهجمت عليك كل هذه الآلام اشرق عليك خلاص الله وتبددت كل شرورك كالدخان الذي تبدده الرياح العاتية.
موقف الملك ( اناستاس )
لما علم الملك المؤمن والمستحق النصر، ما فعل ضدك خاف وارتعب فتحرك لئلا تلحقه التبعات. وبما ان قلب الملك بيدي الرب اهله الله أيضا ليرى الحقيقة ويعرف ايمانه للعالم كله ويثبت على امره النافذ فقد اعادك الى عرشك وحقر ولام اعداءك واعلم كل احد ارادته ليست شريكة لهولاء الآخرين الذين اهانوا المعموذية واضطهدوك بتعسف.
الفرحة بعودة فولا
والآن سيدي قد صار الفرح في كل البلد. وابتهج القطيع الصغير لان الراعي عاد الى قطيعه. واستنارت جميع الكنائس بمشاعل النار وبتراتيل الروح. وها ان كل الجماعات تصلي من كل قلبها لاجل الملك المؤمن ولاجل قداستك.
تيقنت اذا من ان الله لم يفعل هذا الخلاص لاجلك وحدك انت لكن أيضا من اجل الملك المؤمن، ليرى جمال حقيقته ويعلن ايمانه المليء جمالا الموافق مع ايمان الطوباوي قسطنطين وابجر المؤمن.
والآن ها ان جميع الكنائس في الشرق فخورة وتشكر الله لانه اعطانا ملكا مؤمنا وكاهنا عظيما معترفا اسقف الرها. انه مستحق ان يظهر جمال ايمان ملكنا بواسطته. ايمانه لا ينقص عن ايمان تلاميذ المصلوب. فلو لم يكن متأكدا من ان ذلك الذي علق على الصليب هو اله لما كان يزيح صليبه على قمة تاجه، لو كان صليب انسان كما يقول هولاء الذين أرادوا ان يضلوا الملك ويسخروا من الله لما كان يقبل الملك ان يزيح فوق تاجه صليب الانسان.
الرها المدينة المباركة تحافظ على وديعة الايمان
ولاجل هذا كان يلزم ان يشرق ايمان ملكنا كالشمس في العالم بواسطة كاهن الرها. الرها هي خطيبة المسيح الأولى. ويجب ان تكون هي البكر، المليئة جمالا في كل حين. انها الأرض المباركة التي قبلت الزرع الجيد واتت بغلة البركة بالايمان الحقيقي. وان نمى فيها بعض الزؤان القليل عدده فهي لا تهان بسببه ولا تسمى حقل الزؤان.
في حقل الرب حنطة وزؤان
تعرف ابوتك انه كان في حقل ربنا المبارك اثنتا عشرة حنطة فقط، وبين هذه القليلة العدد وجدت أيضا واحدة زؤانا. ولم يهن جوق التلاميذ بذلك الشوك الذي نمى بينهم. العدو الذي يزرع الزؤان بين الحنطة يود ان يتكاثر زرعه.
ولما طلب فلاحو صاحب الحقل ان ينقى الزؤان من بين الحنطة لم يسمح ان يحدث هذا، لكنه تركهما كليهما بنميان سوية وهو ينتظر يوم الغلة لتجمع الحنطة الى الهري ويحزم الزؤان باقات للنار.
على فولا ان يغير الزؤان الى حنطة
الآن، لتهتم قداستك يا سيدي ليس باستئصال الزؤان لكن بقلبه ليصير حنطة.
يقدر تواضعك ومحبتك ان يجعلا من البواشق حماما ومن الذئاب خرافا.
اعتذار يعقوب من اسقفه فولا
انا الحقير عبد قداستك كنت مشتاقا ليس فقط ان تحضر امامك اسطري لكن لتتمرغ تحت اخمص رجليك هذين.. فيها التعب.. طريق الاعتراف.. يونان وهو يصعد من البحر، ودانيال وهو يصعد من جب الأسود، واولاد حنانيا وهم يخرجون من اتون النار، ولعازر الميت الذي انتفخ وقام من القبر.
وانا محرج بهذا المقدار امام حضرتك بسبب ضعف الجسم الذي وهن كما تعرف قداستك لم اقدر ان اجيء لاسلم مثلما كنت أتمنى.
الخاتمة
ولهذا أرسلت اسطري هذه مع القس ارميا عبد قداستك ليسلم على قداستك ويجيب عن ضعفي.
أيها العظيم ويا مختار الله صل لاجل نقصي. كملت.
أيضا رسالة مار يعقوب الى مار اوطوخينا اسقف دارا
الافتتاحية
الى البار القديس العظيم ومحب الله اوطوخينا الاسقف.
يعقوب الناقص الساجد لك بيسوع نور وحياة وعدم فساد ورجاء وكمال الكل.
سلام.
المقدمة
استلمت رسالتك المليئة حكما، يا عظيم الله، وفرحت نفسي الضعيفة بسلامتك… وبمحبة نفسك المستنيرة بالله.
لحفظ الاجسام قلاع ولحفظ النفوس الايمان
يجب ويجمل بك أيها الراعي الروحي ان تهتم…
والقطيع الروحي.. ترعاه في مروج القوة وتقوده الى المياه الهادئة وهو..
تعليم المسيح.. حكمتك سيدي، لا يعلو سور الحجر المنحوت وابنية الأبراج
الحصينة والماردة والمصنوع بعمل جبار ليحمي نفوس البشر من نوع الخطايا، لكن لحفظ الأجساد والاجسام البشرية. لو فكرت حكمتك بهذا حين يتعب القابضون على زمام السلطة ويحصنون السور.. ليحافظ على أجساد الإنسانية من العدو.
على اوطوخينا حفظ المؤمنين من تعليم نسطوريوس
اهتم بمعرفتك النيرة لتبني سورا آخر افضل من هذا بالايمان الحق وبالتعليم المسيحي ليحفظ نفوس المؤمنين من الشك والانقسام ومن سلب الخطيئة خاصة بسبب جيرة الخداعين تلاميذ نسطريس المحروم هولاء الذين يبحثون في حد المسيح ويقسمونه الى أجزاء والى درجات ومقاييس. ويقولون: اثنين بدل الوحيد الواحد، ليعرف ايمانهم: انهم يدخلون الرابوع بدل الثالوث وبدل ابن واحد من الآب ومن البتول يعلنون اثنين في كل تعليمهم الغريب عن الحق.
ايمان الكنيسة
اما الكنيسة العروس بنت النهار.. خطيبة شمس الصلاح، فقد خطبت للواحد فقط وهو وحيد الآب، الابن الازلي الذي ببشارة جبرائيل، حل في البتول بنت داود, وتجسد بها ومنها واخذ شبه العبد، وبتجلي جسده خرج إلى العالم وهو اله- ابن الانسان، وانسان – ابن الله، الخفي الذي اتى الى الظهور، غير متجسم وتجسم من نسل داود وإبراهيم، غير متألم وخضع بارادته لآلام الصليب، غير المائت الذي قبل الموت ليحيي جنسنا المائت، المستتر الذي ظهر في الجسد وهو اله على الكل، الاعجوبة الذي لا يوصف، الكلمة الذي صار جسدا ولا يفحص.
واحد من الثالوث الذي تجسم وصلب، وعمل باقنومه تطهير خطايانا. ولاجل هذا يسجد له مع الآب ومع الروح مثل المساوي للآب والروح، ولا يقبل التجزئة، ولا ان يصير جسده خارجا عنه بالعدد وبالاقنوم الخصوصي لان الله الآب اسلم ابنه الوحيد ليصلب عوضنا.
ايمان الديوفيسيتيين
هولاء جيرانكم.. واحد هو وحيد الله وواحد.. واحد ويسوع.. البتول.. يسجدون.. الله ومتى هو ابن الانسان. واستطاع الابالسة ان يدخلوا هذه الاصنام من بعد ان قضي على الاصنام على الأرض.
الثالوث
اما كنيسة الرسل المسكونية فلا تقبل ان تسجد الا للثالوث فقط، وليس..
للثالوث ومعه لانسان آخر لان الله واحد مع كلمته وروح الله، هو الذي يقول:
انا الأول وانا الآخر. الكلمة هو الذي كتب عنه ارسل كلمته وشفاهم.. من الفساد. عن الروح قال النبي: الرب الاله ارسلني وروحه. وهكذا يعرف ويعترف به ثالوثا مثلما هو ثالوث قبل الصلب وبعد الصلب.
كريستولوجيا
ارسل الآب الكلمة ليشفينا وينجينا من الفساد. وبما ان الدرب كان مفروشا بالآلام لمن يسير فيه، وطبيعته هي بلا جسم ولا تقبل الآلام لهذا وجه دربه الى البتول وتسلح منها بطريقة الألم اعني تجسد منها ليسهل عليه قبول آلام الصليب لشفاء العالم. اتى في الجسد الى عالمنا من بطن مختومة بالبتولية، ولم يفتح الباب اذ خرج الى عالمنا لئلا يقتفي الحكماء آثاره. الباب المغلق لا يقدر احد ان يدخل فيه ولكونه مغلقا ما عدا الله وحده. هذا ما تعلمناه من جليان النبؤة من حزقيال ابن السبي الذي قال: هذا الباب يكون موصدا ولن يفتح لان الرب اله إسرائيل يدخل فيه ليفهم اذا من يؤمن ان ربنا ولد من البتول والبتول نفسها مكثت بتولا مثلما هي. يجب اذا ان نصدق ان الذي ولد منها هو اله لان باب الولادة لم يفتح امامه حين خرج الى عالمنا.
ومن السهل الايمان به، بينما من الصعوبة بمكان تفسيره. كيف يفسر ذلك الذي كتب عنه: جيله من يصفه؟ او كيف يبحث عن طريق ذلك الذي منذ بداية دربه خرج من باب مغلق، والقى الحيرة على الذين يريدون ان يقتفوا آثاره؟
وبما ان دربه يسير فوق الطبيعة ويفوق التفسير، ها هوذا الذين يريدون ان يفتشوا عنه مرتعدون وقلقون بينما هو ثابت في استحالة البحث عنه.
تحسن صنيعا انت يا رجل الله لكونك تهتم بمساعدة مدينتك المستحقة مراحم الله بتعليم الله الحق وببساطة الرسل وتذكر سكانها الذين يحرسون على ايمانهم كما يحرسون الأبواب والاقفال من حيلة جيرانهم لئلا يضايق عليه هولاء الذين يقسمون المسيح الى اثنين.
الخاتمة
اولائك الاخوة أبناء الخدمة الذين ارسلتهم عندي حكمتك سببوا لي فرحا جما ووصفوا لي كيف انت مستيقظ ليل نهار ومنتبه ومستعد لعمل ما يرضي الله.
يا عظيم الله كن معافى بربنا في كل وقت وصل لاجل نقصي. كملت.
أيضا رسالة مار يعقوب الى السيد سيماي بمناسبة وفاة ابنه
الافتتاحية
الى الكبير ومحب الله مار سيماي
يعقوب الناقص محبك بربنا.سلام
تسلية اهل الميت
في العالم عادة أيها الحكيم في الله ان كل من اعترضه الحزن بموت عزيزه يجتمع عنده الأحباء والأصدقاء وأبناء العشيرة ليطردوا الألم من فكره بشركة محبتهم.
ألم الموت يغطي النفس ويقلقها على غرار غيمة حالكة. لتجلس في الحداد بسبب قطع عضو من الجسم الجميل. ومثل صحو بهيج يبدد اجتماع الأصدقاء الحزن الذي سببه الألم للفكر ليعود يتسلى بكلام أصدقائه اللذيذ.
وتجري هذه العادة المغروزة في الطبيعة وتصل الى كل البشر. والبعيدون والقريبون يؤدون الواجب لكل من حدث وصارت له مناسبة وفاة واثر عليه حزن حبيبه باجتماع كل أصدقائه عنده ليشاطروه وجعه ويحزنوا معه مثله، وبكلماتهم المعجونة بالمحبة يخرجون الألم من النفس التي حزنت على الميت.
الصديق الحقيقي يسلي الحزانى
إن تخلف احد من الأصدقاء ولم يقم تجاه صاحب الميت بهذا الواجب فهذه غلطة كبرى تستحق اللوم والذم من قبل صاحب الحداد الذي يؤنبه لقيامه بعمله هذا لكون محبته قد انكشفت ان صداقته ليست حقيقية تجاه الذي حدث الموت عنده إذ لم يتحرك كصديق اتى ليكمل العبارة التي تقول: ابكوا مع الباكين.
وهكذا يلام ذلك الذي اهمل ولم يأت لتعزية صاحب الحداد، كمثل من يتجاسر ويتملص من صاحب الدين ولا يوفي الصك الذي كتبه بالعدالة. ودينه ثابت وحقيقي لدى جميع البشر.
يعقوب يعزي سيماي
اما انا يا سيدي فقد سمعت بنبأ فقيدك المعروف والمحبوب وقد ارعب موته الكثيرين واقلق الم موته المدينة والبلد والشعب باسره، وعلمت ان العديد من كل الجهات كانوا يهرعون نحوكم ليس بدافع العادة العامة فقط وليس ليسلوا محبتكم الغالية لكن ليحملوا الألم في ذاتهم من جراء الحزن البليغ الذي افزع الكثيرين.
حضرت انا أيضا لاوفي هذا الدين، وانضممت الى الكثيرين لاتحدث اليكم واسليكم واشجعكم حسبما تقتضيه العادة لئلا اتنكر للواجب العمومي، المرتب علي بسبب واجب المحبة وعرف ( سكيمو ) العادة. ولما اضلتني العادة لاقوم بهذا العمل، حركني الفكر ونظرت اليك يا رجل الله فعرفت وفهمت في عقلي انه يوجد رجل يسمى صاحب الحداد. خجلت من نفسي لئلا اهينك بالعادة واحسبك صاحب الحداد وانا أكون لك مسليا اذ اعتبر نفسي في درجة عالية واحط من قدرك كالمحتاج الذي يطلب المعونة من هولاء الذين هم اعلى منه.
تشهد اعمالك الحسنة نفسها ان الموت لا يخيفك والاجل لا يرعبك ولا شيء يحزنك في عالمنا هذا المليء بالاحزان ما عدا الخطيئة اذا اعترضت لنفسك الحكيمة. انك لا تحيا للعالم ولا تتحرك حسب اباطيل العالم هذه لكنك حي في الله. وتحركك محبته لتنسى العالم وترتبط بالله. ولا تأخذ في الحسبان مقتناك ولا تتطلع الى غناك كانه غنى. ولست متيقنا ان مسكنك هو ملكك لكنك تحسب مقتنى الشيء الذي هو داخل نفسك كما هو مكتوب: ملكوت الله داخلكم.
ان ما تراه غنى: هو هذا الشيء الذي تتكل عليه وتعتبره ملكك اليوم وغدا والى الابد. وتتأكد من ان مسكنك هو موطن النور الذي هيأه الله للذين يحبونه. توضح سيرتك لكل احد: اين هو موطنك؟ ومن أين انت؟ والى اين انت ذاهب؟
اذا كل من يعرفك وينظر ويفهم حركاتك الروحية واعمالك العجيبة يتحير بك.
كيف انت عندنا؟ ولست معنا؟ وكيف انت منا ولست منا؟ انت مصمم لتذهب عند من يدعوك ليتكئك على مائدته الروحية. ولهذا لا يغرقك العالم بامواجه: المضطربة والهائجة لانك تحملك كلمة الذي يقول: هلموا الي أيها المتعبون والمضنوكون وانا اريحكم.
سيماي يشبه سمعان بطرس
تعرف حكمة الله الساكنة فيك ان شمعون رئيس التلاميذ لما كان يسير بثقة على الموج وكان مصمما ليمشي على عاصفة البحر كان يمشي بفضل الاتكال لان ربه قال له: هلم عندي.
اما انا الشقي وقليل الادب الحق أقول لك يا عظيم الله، بالنسبة لي ليست مسيرة شمعون في البحر دون ان يغرق اعظم من مسيرة احد الأشخاص في العالم دون ان يختنق !
مسيرة الانسان الباطني في العالم
وبما ان انساننا الباطني المجهز بحركات روحية يستطيع ان ينظر الى ما هو بعيد كانه موضوع امام ناظريه، يسهل عليه ان يفهم بواسطة شمعون الماشي على البحر وبواسطة الانسان الإلهي والسائر في العالم، ذاك لم يغرق في البحر، وهذا لا يميل الى العالم.
انه لامر جلل للناظر، ان يتعجب بهذا الذي لا يميل الى العالم اكثر من ذاك الذي لم يغرق في البحر. ليس العالم بحرا فقط لكنه بحر كبير كما يشهد جليان دانيال المؤمن الصادق الذي يقول في نبؤته: كانت رياح السماء الأربعة تعصف بالبحر الكبير.
اذاً نفهم بوضوح ان البحر بحر، والعالم بحر كبير. ومن يمشي في هذا العالم ولا يغرق فمسيرته تستحق التعجب العظيم: لانه على اية أمواج يتغلب؟ وفي اية هوة لا يسقط؟
سيماي في العالم وليس من العالم
واحسب هذه نعمة كبرى اعطاناها الله لنرى في أيامنا رجلا الهيا يمشي في العالم ودربه اعلى من العالم !
انا اعلم ان ما أقوله لا يفرحك، ولم اكن ارغب ان يقال او ان تسمعه لانك قتلت شهوة محبة المجد فيك. واظن انك كنت تفرح لو شتمك احد اكثر مما تسمعه ممن يكيل لك المديح !
الانسان الذي يتحرك روحيا مثلك يحزنه المديح، كما يحزنك انت. سامحني, لئن قلت ما يحزنك لانني لا اتوخى ان احزنك لكنني اتحدث لئلا اتنكر للحقيقة.
لا يلومنني هولاء الذين يسمعونني، ولا يقولوا بانني أتكلم كلاما مستعارا لان كل من يسمعون الكلمة هم شهود عيان لواقعها.
يتحير بك كل واحد. ليس لان سيرتك سامية وحسب، لكن لان الزمان محروم من السير الحسنة ومن الناس الذين يحبون الله !
فالعالم اليوم مليء بكل الشرور. وكثر الطمع في البشر والظلم والشراهة والزنى ومحبة المال وشهوة السلطة ومحبة الغنى وكل ما يحزن الله !
انها فرحة كبرى إن وجد في مثل هذا الزمن، رجل كامل غير مرتبط بالغنى ولا يحب المقتنيات ولا يلتفت الى المسكن لكنه يسعى في اثر الحسنات ويدور ويفتش على حسنة هاربة منه ليصطادها ويعمل الخير الذي لم يعمله بعد ليضم الى شخصه كل ما يرضي الله.
رؤية مثل هذا، مفيدة وهي تعليم حقيقي لكل من يريد ان يعمل الحسنات. بما انك وحدك تسلك هذا الدرب المليء جمالا وليس لك رفاق معروفون او جماعة تتبعك، ليسيروا معك الى موعد العالم الجديد، فلهذا انت عجيب اكثر من عديدين. وقد جعلت مثالا حسنا لكل من يريد ان ينظر بعدل الى مسيرة البشر.
سيماي مثل إبراهيم
ومن اجل هذه السيرة الحسنة والسامية والتي هي فريدة في عصرنا هذا العاثر بالشرور، أقول ان هذا الجمال قد اضيف على موت هذه الثمرة الحبيبة لتختبر على غرار إبراهيم بتجربة وحيده.
سيماي مثل داود وإبراهيم
تعلمت كيف تجابه حكمتك خطورة الموت. انك لم تنقص شيئا عن داود المظفر يوم واجه موت ذلك الذي كان يحبه. لقد صلى حيث وجد مجالا للطلبة وازال عنه الحداد لانه تيقن ان إرادة الله كملت. سمعت بجمال ذلك النبي والملك، فضممته الى شخصك. اعني انك لست بعيدا عن محبة إبراهيم الذي لم يحزنه مقتل وحيده يوم امر ان يصعده للذبح.
هذا هو الجمال العظيم: ان يرضخ المرء في كل الفرص لارادة الله كما اتممت وحققت في نفسك ما أراد الله ان يصنعه دون ان تستسلم الى الحزن.
سيماي اب مثالي
انا اتجاسر لكي افسر عناية التدبير. باي فكر الهي حسن صار موت ذلك الحسن؟ اعني عندما كنت تسير في درب العدالة وانت تعيش حياة عائلية مليئة جمالا، والتي ليست ناقصة ولا تقل عن حياة إبراهيم واسحق ويعقوب.
اعطي لك ابن وسمي وارث اموالك ( مرهوطو ) وعامل استمرار ( ميابلونو ) لعشيرتك وقد ظن انه يحل محلك في مسكنك من بعدك. وتربى هذا بكل حشمة وبمخافة الله التي كانت ترى يوميا في ذويه وارتبط أيضا به حبك طبيعيا. بينما كانت محبته باردة في نفسك وكانت يوميا محبة الله حارة ومتقدة فيها.
محبة الله ومحبة الأولاد
وبينما كانت هاتان المحبتان تتنازعان: محبة الوارث ومحبة الله، كانت محبة الله تضطرم في افكارك، فاخضعت وربطت تلك محبة البنين التي كانت تطالب وهي تتباهى لتحفظ كل بقية اموالك للوارث.
راى الله الحكيم في كل شيء ذاك الذي بمحبته يريد ان يعطي ملكوته للذين يحبونه انك فكرت ان تقلل وتنقص وتكمل مقتنى ذلك الذي سمي لك وارثا، فاخذه منك لئلا يجعله وارثا، لكي لا يرث مقتناك الصغير وحسب، لكن ليتسلط على ملكوت الله وبذلك اغنى وارثك بسببك، وانت لا تضطرب في الطريق الذي انتهجته. وبما انه راى ان كل بصرك وعقلك متجهان. نحو العالم الجديد لم يترك لك خلفا لتنظر الى ورائك قليلا او كثيرا، لانه لا احد يضع يده على سكة الفدان ويلتفت وراءه ثم يصلح لملكوت الله.
الخاتمة
صممت بارادتك يا مليئا جمالا ان يرسل امامك كل ما تملكه الى عالم النور. وحسن في عيني الله الذي يحبك، لكون محبته اعظم من محبتك. ان يرسل وارثك قبلك وتفرح به هناك عندما يرث الله معك وانتما تريان الآب في مجده والابن في شبهه والروح القدس في جلاله المجيد وهو اله واحد وممجد.
له المجد والعز الى ابد الابدين. امين.
أيضا رسالة مار يعقوب الى قمس بسا
الافتتاحية
الى الكبير والمظفر والمؤمن الحقيقي مار بسا قمس
يعقوب الساجد لعظمتك. بربنا سلام.
مقارنة بين الثروة المادية والايمان
هولاء الذين يسعون وراء الثروة ووراء مقتنى العالم يسعون وراء الغنى ليتمجدوا به. يريدون ان يجمعوا لهم المقتنى بجهد كبير وتعب بلا حد وبالم وبخطايا ليكثر مجدهم بمقتناه الوفير لان طبيعة البشر تحب المجد. ومن هم اثرياء يظنون انهم يمجدون بالغنى، لذلك يحبون الثروة الزائلة.
القمص بسا فضل الايمان على الأموال
اما انت يا سيدي، فقد منحك الله الايمان الحقيقي الذي هو افضل بكثير من الذهب واللآليء والحجارة الكريمة. وبالايمان اغتنيت وعظمت وتمجدت وبان جمالك في العالم مثل نور الشمس وعظمت مدينتك بك واستضاءت وجوه اصدقائك وصرت مثالا حسنا للعديدين. وعظمت تذكار والدك الذي هو أيضا خرج من هذا العالم بالايمان الحقيقي. أحببت الصليب المجيد وهبطت ناره على عقلك واشرق نوره على افكارك فعرفت أيا هو الغنى الحقيقي وايا هو المقتنى الباقي.
والسلب والخطف اللذان تعرضت لهما اموالك اعتبرتهما ربحا جما. وابتهج فكرك في ربنا الذي اهلك لتتألم من اجله وتنهب وتهان لانك فكرت في نفسك:
اذا كان ذلك غير المحتاج قد تألم من اجلنا دون ان يحتاج، كم بالحري يجب علينا نحن المحتاجين والضعفاء والوهنين ان نتألم من اجله في ما نتعرض له؟
كريستولوجيا
عرفت المسيح بانه اله، مساو لابيه المجيد في الجوهر، صورة مجده وضياء ازليته، ولم تقبل ان تصغي الى اولائك الذين يعتبرونه: ابن الانسان الذي أخذ من البتول، وكان يتبع كلمة الله لان يسوع ذاته هو كلمة الله ووحيد الآب وظهر في الجسد وهو الاله. انه واحد من الثالوث الذي لا يقبل الإضافة والمولود من الآب قبل كل العوالم. بلا جسم وبلا بداية. وولد من مريم البتول جسميا بالبداية التي افتعلها لمجيئه. وهكذا يراه ايمانك:
لما دخل من اذن البتول ليفسد سم الحية فيها وحل في المستودع القدوس وتصور ذلك كلمة الله جسديا من نسل داود وإبراهيم، وهو الذي يصور الاجنة في بطون النساء.
ولما ولد في الجسد بلا زواج ذاك الذي يساعد جميع الاجنة ليخرجوا من الظلمة الى النور.
ولما كان ملفوفا في الاقمطة وموضوعا في المذود، كان يربط باشارته البحر لئلا ينطلق ويغرق المسكونة.
ولما كان موضوعا على ركبتي الشابة فهو ذاك الذي كان يجلس على مركبة الكاروبيم المخوفة وكانوا يباركونه بخوف شديد قائلين: مبارك عز الرب من موضعه.
ولما كان يرضع الحليب من صدر الشابة كان يرسل الامطار من الغيوم ليربي زروع الفلاحين.
ابن الله الوحيد. وهو الذي ولد ولادتين: الواحدة من الآب، والأخرى من البتول. وهو الذي اخذ صورة العبد ووجد في الشكل مثل الانسان الكلمة صار جسدا دون ان يتغير. وهو الذي أرسل من الآب ليحمل اثمنا ويشفي اوجاعنا كما هو مكتوب: ارسل كلمته وشفاهم وانقذهم من الفساد ومكتوب أيضا: ارسل الله ابنه الى العالم وصار من امرأة وصار تحت الناموس.
ويخص هذا الوحيد كل ما صادفه في درب تدبيره: تخصه القوات التي اجترحها وتخصه الآلام التي تكبدها ويخصه الجسد ويخصه الموت. لم يمت بالشبه كما يقول الساجدون للإنسان لكنه عمل تطهير خطايانا باقنومه وشرب كاس الموت بارادته. وليس لله الاب ابن آخر الا ذاك الذي ولد من البتول القديسة التي هي بنت داود، وذاك الذي كان معلقا على الصليب هو نفسه من الآب ومن البتول. ولهذا ان الذي صلب صار الآب شاهدا له على الأردن وصرخ من السماء: هذا هو ابني ولم يقل: هذا يخص ابني او ابني يسكن في هذا او ابني يتبع هذا، لكنه اعلن جهرا قائلا: هذا هو ابني الحبيب ولم يكن يوجد هناك آخر ما عدا يسوع الذي اعتمذ ذاك الذي ابانه الروح القدس للجموع بانه هو الذي صرخ عنه يوحنا: سيأتي بعدي وصار قبلي لانه اقدم مني.
بعد ان حبلت اليشباع بيوحنا ومضت ستة اشهر بعدئذ حبلت البتول برب يوحنا، ولهذا كان يقول: سيأتي رجل بعدي لانه حبل به في البطن بعده. وعندما يقول: انه وجد قبلي يعني ان ميلاده من الآب سبق آدم والعالم. وهو نفسه الذي اعتمذ في الأردن. كان بعد يوحنا وقبله. لم يكونا اثنين الواحد بعد يوحنا والآخر قبله، لكن كما كتب: يسوع المسيح هو امس واليوم والى الابد.
يعقوب يمدح القمص بسا
نعما لك أيها المسيحي الحقيقي لانك حفظت في نفسك هذا الايمان الحقيقي وصرت خير وارث لابجر الفرثي. وكما ورثت مدينته ورثت أيضا ايمانه ووقفت مثل قوي وجبار واظهرت صحة ايمانك مع مار فولا الراعي والمعترف.
وعندما اعترضت الذئاب واتت الى القطيع لم ترض ان تقبع كغنمة في محلك لكنك نهضت مثل متقدم نشيط لتساعد القطيع على قدر المستطاع ولو آذتك الذئاب.
اذا سيدي، محفوظ لك ما وعده المسيح اذ قال: من يعترف بي قدام الناس اعترف به انا أيضا قدام ابي الذي السماء.
الخاتمة
له ولابيه ولروحه القدوس التسابيح والبركات في كل وقت. امين.
أيضا رسالة مار يعقوب الى مار قورا رئيس الأطباء ( ارخيطروس )
الافتتاحية
الى الكبير والظافر والمؤمن الحقيقي مار قورا رئيس الأطباء ( ارخيطروس) قومس.
يعقوب الساجد لعظمتك. بربنا سلام.
مدح قورا لكونه مستقيم الإيمان ومثالاً يحتذى به
يليق بك أيها الحكيم العظيم لكونك أظهرت نفسك لكنيسة المسيح بمحبة الله وبالإيمان الحقيقي وصرت مثالاً حسناً، بسببك تسند النفوس العديدين وتشفى واجتهدت كي يطلق عليك هذا الاسم وتدعى: “رئيس الأطباء” ويتحقق قولاً وفعلاً، ليس لتهتم بشفاء الجسد فقط لكن بشفاء نفوس أحبائك لتثبت في الإيمان الحق وليس لتمرض وتسقط في مرض الكفر.
تعرف حكماك أن كل من هو كبير ومعروف، يسهل عليه أن يكون مثالاً للمشاهدين ويجر وراءه الكثيرين سواء إلى الخيور أو إلى الشرور. يتمسك أكثر الناس بالإيمان ببساطة ووداعة وينقادون ليسيروا في درب الإيمان وراء من هم مشهورون في العالم.
نبعت هذه الهرطقات في العالم بحكمة ومرارة مدشنيها لأنهم جروا وراءهم الكثيرين بالمظهر الحسن والحكمة.
إذا سيدي، يجمل بكل من هو حكيم ومعروف أن يتمسك بالحق ويزداد معرفة ويغتني بالإيمان ليس لأجل نفسه وحسب إنما ليكون أيضاً مثالاً حسناً للآخرين.
اضطراب سفينة المؤمنين في بحر الجدال
وهذا ما صنعته حكمتك في هذا الزمان المضطرب يوم هبت ريح الدجل لتغرق سفينة المؤمنين، وحرك “الساجدون للإنسان” الموج ليلطخوا بالدنس الإيمان الحقيقي ويربكوا مستقيمي الإيمان ليصدّوهم عن الاعتراف الإلهي.
أظهرت نفسك أنك مؤمن وقمت وتجبرت وأشرق حق تفكيرك كالنور. وعُرفت إلى أية جهة تنتمي، ليس إلى جهة اليسار لكن إلى جمع اليمين الكبير. وبسببك توكّل العديدون وعلموا في أية جهة يلزمهم أن يقفوا. صرت طبيباً كبيراً لنفوس الكثيرين. وتزينت المدينة المؤمنة ببهاء إيمانك. وصار لك نجاح كبير مع أندادك المستقيمي الإيمان.
الابن في مريم كالكلمة في الرسالة
قبلتم المسيح وهو إله من إله، ونور من نور ووحيد الآب الذي ظهر في العالم مثل الشعاع من الشمس ومثل الضياء من القرص ومثل الغليان من النار.
أرسله أبوه المجيد ليخلص العالم فنزل وحل في البتول دون أن تفرغ منه السماء. حلّ في مريم دون أن يبتعد عن أبيه.
صارت البتول مثل الرسالة المليئة أسراراً، حيث كان الكلمة مختفياً وهي مختومة البكورية. كان ذلك الكلمة كله في أبيه الذي أرسله وكله في مريم التي قبلته.
لا ترسل كلمة في الرسالة ألّا وتبقى كما هي في عقل مرسلها. ولما تتجسم في الحروف وتحبس ضمن الرسالة لا تحدها الرسالة لأنها لتم “تُقطع ولم تخرج من عقل مرسلها”.
كريستولوجيا
هكذا أتى الله الكلمة عندنا وظل عند أبيه. حل في البتول، ولم ينتقل من حضن والده. أخذ الجسد من زرع داود وإبراهيم وصار إنساناً بينما مكث إلهاً. حملته الصبية، والسماء مليئة منه. ولدته البتول وظلت بتولاً. مثلما صار إنساناً ظل إلهاً. “وتُعرف مريم بتولاً بالحقيقة وأمّا بالحقيقة. ولا تُعدّ اثنتين بينما هي حاصلة على الحالتين لكونها بتولاً وأمّاً. مريم واحدة وهي أمّ وهي بتول.
هكذا أيضاّ العجب الذي ولدته هو إله وإنسان وليس فيه “مراتب ولا أعداد” ليعرف الواحد إلهاً والآخر إنساناً. أنه واحد قبل أن يكون العالم، ومن البتول وبعدها. قبل العوالم: من الآب بلا جسم. ومن مريم جسمياً بدون تفسير. وقد وُلد ذاك الذي كان مولوداً.
ولو أن عبارة: تسمية البتول والدة الله تفزع المنشقين لكن لو لم يكن مولوداً لما ولد.
لا أحد يجرؤ ويقول: “ان الآب قد وُلد”، لأنه ليس مولوداً. ولا “الروح وُلد” لأنه ليس مولوداً. فالروح ينبثق انبثاقاً من الآب ويأخذ من الابن.
وُلد من كان مولوداً ويليق به اسم الأبناء. يقول اشعيا “ولد لنا طفل وأعطي لنا ابن”. كان طفلاً وكان ابناً قبل أن يكون العالم. وفي الأزمنة الأخيرة ولد لنا في الجسد. ولنا أعطي ليكون آدم الثاني. ويلدنا روحياً لنكون أبناء للآب وندعو بثقة حقيقية: “أبانا الذي في السماء”.
مراحل التدبير الإلهي
مشى في عالمنا، معنا، مثلنا، لأجلنا. وحلّ في ثلاثة منازل: في بطن البتول، وفي مخاض الأردن، وفي مدينة الموت لأنه كان متجهاً ليلحج إلى هذا المنزل الثالث حيث كان سجيناً آدم: “الصورة الجميلة” التي فسدت في “الهلاك”. لا يقدر أن يدخل ذلك الموضع من لم يمت. وليس من السهل أن يموت من هو غير مجسم، ولهذا حلّ أولاً في البتول وتجسم منها ليسهل عليه أن يموت بحكمة، وحياة طبيعته محفوظة فيه. وليكن واضحاً ومعروفاً بالحقيقة أنه ولو كان ميتاً فهو حي.
طعن بالرمح وجرى منه ماء ودم. الماء من الميت، والدم من الحي. والتلميذ ابن الرعد الذي رأى هذه الآية شهد عليها وشهادته هي حق. لم يكتب أن “الدم والماء سالا منه لكنه شهد أن الماء جرى منه أولاً ليعرف بالحقيقة أنه مات منذ مدة ثم قال: ان الدم أيضاً جرى ليصدق أنه حي بالحقيقة.
فلو لم يمت لما كان يدخل إلى موضع الموت. ولو لم يكن حياً لما كان يحلّ آدم المربوط.
لاهوت المناهضين
هؤلاء الذين يناهضوننا يقولون: “إن من مات هو إنسان مائت وكان يتبعه آخر: الإله الكلمة الذي لا يموت”.
لله الآب ابن واحد وحيد هو الذي أسلم إلى موت الصليب لأجل العالم.
زاغ هؤلاء منذ بداية الطريق. لا يريدون أن يصدقوا أن مريم صارت أمّا ومكثت بتولاً. ولا يؤمنون أن الله صار ابن الانسان وهو الله. ولا يؤمنون أن ذاك غير المائت مات، وحياة طبيعته محفوظة فيه.
إيمان يعقوب
نحن نؤمن أن مريم بتول وهي ترضع، وأن الله صار انساناً كان إلهاً بالحقيقة وكان حياً وباعثاً وهو ميت على الصليب.
نحن لا نصفّ معه آخر ليعرف ويفسد صورة الثالوث، لأنه واحد هو الآب القدوس، وواحد هو الابن القدوس، وواحد هو الروح القدس.
الخاتمة
له التسابيح في كل زمان. آمين. كملت.
أيضاً رسالة مار يعقوب إلى امرأتين زانيتين اصبحتا حبيستين
الافتتاحية
إلى الطاهرتين اللتين طهرهما الصليب السيدة لانطيا والسيدة ماريا.
يعقوب الناقص المحتاج إلى مراحم الله إلى عون صلواتكما بيسوع الذي يكمّل الكل بآلام صليبه. سلام.
النعمة تدعو إلى القداسة
دعنكما نعمة الله الفاعلة كل القوات والحالّة كل العقد والغنية بكل الخيرات لتأتيا من وادي الخطيئة إلى موضع الرؤى لتعملا فيه الجهاد الحسن وتظفرا ببطولة الصلاح وتأخذا الاكليل بمحاربة صبركما.
إذاً يجب عليكما أيتها الطاهرتين أن تعرفا بوضوح من أي موضع أتيتما وفي أية درجة تقفان. وتقول في نفسها كل واحدة منكما: ” لن أعطي النوم لعيني ولا النعاس لجبيني إلى أن أغسل ثيابي الوسخة بدموع توبتي. لأنجو من ذلك البحر الناري الذي أعده لي عدوي لألقى فيه بدون رحمة”.
الشيطان يغضب من التوبة
لما يشاهدكما السالب الذي سباكما منه الصليب، في درجة التوبة ينظر ويغضب ويصر أسنانه ويقلق لأنه فقدكما من سبيه وخرجتما من عداد فاعلي إرادته. وعليه أن يقول لجميع قوات الظلمة التي تتبعه مثلما قيل من قبل ملك الآدوميين بخصوص آحاب في حرب راماث جلعاد. كان يقول ذلك الآدومي لعساكره: “لا تحاربوا لا مع الكبير ولا مع الصغير لكن مع ملك إسرائيل”. هكذا الآن أيضاً يأمر قائد عساكر اليسار المؤذية. بسبب عدائه لكما: لا تحاربوا لا مع الطاهرين ولا مع الكاملين ولا مع أحد أعدائي الأقوياء لكن مع هاتين اللتين هما خاصتي واحتقرتاني وسخرتا مني وها انهما قائمتان في درجة القديسين.
اجلبوا عليهما قطع الرجاء. املأوهما الكسل. ازرعوا فيهما الحسد لبعضهما بعضاً ليخضعا للضعف. ويحترقا بشهوة الأطعمة. أيقظوا أفكارهما ليحبا أعمالهما الأولى. أقلقوهما بأفكار الزنى. عرقلوا صلاتهما، لئلا تكون قوية لتكمّلا عهودهما.
الشيطان يترك القديسين ليحارب الخطأة
ما لي وهؤلاء القديسين الذين لم يتبعوا إرادتي أبداً؟ أنا أطلب هؤلاء الذين فقدتهم. إن غلبتاني هاتان فإنهما يتركان ثلمة في اليسار وتفسحان المجال للدنسات أمثالهما ليتملصن من فخاخي. ولهذا السبب ليشن الحرب ضدهما فقط لتنزلا وتقفا في درجاتهما الأولى. لو منعهما الخجل لتقبلا إلى الزنى فهناك فخاخ أخرى لتسقطا فيها.
فخاخ الشيطان عديدة
انفخهما بالكبرياء وأوقفهما على جرف العظمة. واربطهما بمحبة المجد. اشوّقهما لتظهرا للبشر. احملهما على الظن انهما صارتا صالحتين. أرسل عندهما المرضى لتصليا عليهم واحمل الآخرين على القول: “اننا شفيا بصلواتكما. واخدعهما بأنهما ليستا تائبتين بل فاضلتين.
وبهذه الاغراءات احملهما على الافتخار، فتنسيا تنهدات التائبين التي بها تصفى جروح الاثم، وافرحهما بالصلاح الذي يفرح قلب الكاملين. وأبطل طلباتهما ودموعهما بأمل كاذب. وعندما أتمكن منهما بواسطة ما لا يليق بالتائبين اخضعهما للزنى الخفي بينما يظهر لهما كأنه سيرة فاضلة. واقتنيهما ثانية، لتصيرا بدل الزانيات فاسقتين. واصفّهما في جهة اليسار حيث كانتا تقيمان في السابق.
الشيطان لا يغضب حرّية الإنسان
هذا هو فكر العدو المحتال والماكر بخصوصكما يا خادمتي الصليب الجديدتين. تعرف حمكتكما أن محاربتكما ليست مع الدم واللحم لكن مع رئيس الاثم، مع المتسلط الذي يحرس الهواء ومع المتسلطين على الظلمة. ولأجل هذا، كونا مستيقظين واعلما أنكما خُطبتما لذلك الذي يقدر أن يجعل من الزانيات بتولات ومن الدنسات قديسات ومن الذئاب المفترسة حملانا وديعة. لا تستسلما للانحدار لأنه لا يقدر أن يغضبكما بالإكراه ولا يستطيع ان يسلبكما من الصليب. ان حريتكما لا تغصب فهي المتسلطة على ذاتها وهي اقوى من حارس الهواء هذا ما لم تسلمه هي ارادتها لتعد بين فاعلي ارادته.
الصليب يقهر الشيطان
لتكرر في نفسكما هذه العبارة ضد كل أفكار هذا المتسلط الاثيم: اذا كان الله معنا من هو ضدنا؟ ان الذي خطبنا لنفسه جبار وسبي الجبار لا ينهب ولا تنهب غنائم القوي.
كنا على ثقة من ان قائدا قويا ينازل العدو بدلكما. لا يغلب عدو كما بقوتكما لكن بقوة ذلك الذي عرق في الجهاد بدلكما. اتكلا على الصليب وكونا واثقتين من ان غلبتكما توجد بغلبته على غرار من يدخل الى محاربة العدو وهو متشح بالدرع. انه واثق لو انه رمي بسهم العدو لا يصيب جسمه الأذى لان الفولاذ يتكبد الضربات بدل جسمه. هكذا من هو متكل على الصليب، له الثقة بانه ليس محتاجا ليقارع العدو لان الصليب بآلامه يخمد ويطفيء صولة العدو.
حذار من الارتخاء
لكن حذار من ان يرتخي اتكالكما. ولا تستولين عليكما الرهبة لان القابض على سلطة الظلمة لا يقدر ان يغصبكما قسر. في حوزتكما غلبة النور: الحارس الذي لا يمل: لا ينام ولا ينعس حارس إسرائيل. من لا ينام لا ينهب. كلما كان حارسكما مستيقظا لا يقدر السارق ان يسرق منه مقتناه. سلما حياتكما للصليب وكونا على ثقة من ان غلبتكما لا تسقط.
خروجكما من العالم يحتاج الى عدة حسنات حتى يكمل وتدخلا الى خدر القديسين. انكما لم تصبحا فقط صالحتين لكونكما تركتما سوق البغاة لكنكما فررتما من الزنى وكتبتما صكا كبيرا في ذلك سوق الزنى، وها انه موضوع في يد ابن البتول.
كونا متاكدتين يا اختيّ الحبيبتين ان صككما لن يخرج من يديه الى ان تذهبا عنده. اما اذا تكاسلتما، ووقفتما عاطلتين عن الطلب وعن البكاء وعن الدموع وعن التنهدات التي لا توصف فانه لا يرضى ان يسلم الصك الذي حررته العدالة في عرس الدنسات. اذا ثبتما في مقصد التوبة الى ان تعبرا من عالم الى عالم، فالختن حاضر امامكما وهو لابس النور ومتشح البهاء وذراعاه مبسوطتان وباب خدره مفتوح وصكوكما ممزقة ودينكما قد اوفي ودنسكما مقدس وزناكما مسجل في البتولية فتدخلان عنده مع اللواتي ظفرن بنور مشاعلهن.
عمل الخير في الخفية
عليكما ان تشتهيا تلك الساعة التي يلزم فيها اسفرار الوجه. وكونا بهيتين في خفايكما وخائفتين من الظن المفرط. وتساميا على المظاهر الكاذبة والمناظر التي تخجل من يحبونها، لانه ليس شيء خفيا إلا ويجهر ولا مستتر إلا ويعلن.
ازرعا خفية الحسنات امام الله وافتخرا بالخفايا عندما يتبعهما اسفرار الوجه ولا يراها الناس. ان كان التراخي من الداخل والاسم المستعار من الخارج، فالبنيان ينهار ويتلاشى ويذم من يملكونه. اما الله فلا يسخر منه. انه يحب اعمال النور. ويجمل بكما يا تلميذتي النور ان تستنيرا بالرب من الداخل وتثبتا في وعدكما في التوبة الكاملة التي لا تميل الى الارتخاء.
الخاتمة
انا الضعيف والحقير اخوكما، اذكركما في كل وقت في صلواتي واتوسل الى ربنا، لتصبحا رائحة لذيذة وقدوة حسنة وان تؤول تلمذتكما لمجد يسوع بلا فساد. امين
أيضا رسالة الى شخص متوحد كان يشاهد علانية خيالات ورؤى الشياطين.
العالم يقتنص النفس
عندما تقتنص النفس بعلاقات العالم المضرة، فالعلاقات ذاتها تصير لها عثرة ولا تتعب عدوها ليشن عليها الحرب شخصيا، لتدحر لكنه يسبب لها المضرات من الاعمال نفسها، فتغلب بما تحبه لانها لا تشاهد ذاك الذي يحاربها مصطفا تجاهها.
يقدر دخان العالم ان يعمي النفس دون ان تضاف اليه نار غريبة. وتخنق اموره ذاتها التي تظن انها حسنة من يحسب انه يمكنه فعل الخير بواستطها. معاشرات العالم فخاخ كبرى منصوبة للحواس التي تقبلها، وكلما صادفتها قهرت طبيعيا وبدون اكراه فتصير النفس مغلوبة دون ان تحارب وساقطة دون ان تنزل الى ساحة الوغى ومسلوبة دون ان تشعر بمن سباها، ومغصوبة وليس لها من يجبرها.
رؤى الشيطان تضعف النفس وتحملها على الكبرياء
لما تشعر انها تتقهقر بسرعة الى الوراء، تود ان تمتد الى الامام. يظهر حينئذ عدوها نفسه لها بحروبه المتنوعة. يحارب النفس التي شرعت تمشي الى الامام في دربها، سعيا وراء مصلحتها. يظهر امامها باشكال مختلفة ومضطربة وذلك لسببين: اما لتمرض وتظل متخلفة وإما لتتكبر وتسقط. فإن جعلتها الرؤى مريضة تخلفت، وإن ظنت أيضا انها شيء فيشن عليها حربا فتقع. اذا يلزم امران للعاقل، لئلا يمرض ويظل عاطلا عن العمل بسبب رؤى العدو السمجة، والا يعتمد على ذاته كأنه مقاتل مصطف في الحرب ويتصارع معه الشياطين بشبه رؤاهم المتنوعة.
أنواع التجارب
يحدث أحيانا انهم يقلقون سمعه بعبارات مضطربة واحيانا أيضا بمنظر الذكور والاناث الواضح، وهم يضاجعون بعضهم بعضا امام ناظريه.
ومرة يفزعونه بالاحلام المضطربة، ومرة يخيفونه بمناظرهم الكاذبة اثناء نومه بالحلم واثناء يقظته بالمنظر ويسكبون عكر شرهم امام عينيه ليستنبطوا في كل الفرص عثرات لاسقاطه.
التواضع يطرد الشياطين
يلزم على من يتعذب بهذه ان يتواضع ويتندم ويخجل ويخفي فكره تحت التراب والرماد ويحقر نفسه ويزجرها قائلا:
لو كان الرب موضوعا في كل حين امامي لما كان يستقر طرفي على الأشباه الغريبة،
لو كنت اطلب ما هو فوق وافكر فيما هو فوق لما كنت اشعر مثل السفلي بما هو سفلي،
لو لم يكن يوجد وسخ الشهوات في نفسي لما كانت مناظرها المؤذية تسحقني من الخارج.
المدينة المحصنة لا يدخلها العدو
لا يقدر ان يلج العدو الى المدينة المغلقة والقوي سورها لو لم تكن تتراخى نفسي، وتنفتح فتدخل ذكرى الشهوات تدور فيها ثم تخرج. وتنتصب امام عيني في اليقظة، الخيالات بمناظرها انا الانسان الشقي، من ينقذني من هذا جسد الموت؟
الصليب يحارب العدو
للرب القتال وله الغلبة وله الخلاص وله الملك والقوة. اكفر باتعابي وبصلاح ذاتي. انا لا اقدر ان انتصر من ذاتي، كما أيضا لا اقدر ان احارب. لي قائد الجيش، ليحارب لي الصليب الحاذق بمعرفة فنون معركة العدو الكبرى ليحمل آلامي وعليه موضوع ثقل خطاياي: بدلي نزل الى المنازلة، بدلي عرق في الجهاد. سقوطي مختلط بقيامته. ينتصر اندحاري بغلبته. بذاتي انا اخسر. به اظفر. بما هو خاصته اتعالى على عدوي، يتكابر عليّ بما يخصني.
عدم الظن والادعاء
تلزم هذه الأفكار المتواضعة للعاقل. كلما تعذب برؤى الشياطين المضطربة سواء في الحلم او في اليقظة، وحسب نفسه كانه القوي المنخرط في المعسكر والمحارب ضد الطاغي فقد اندحر مسبقا، وعظمت سقطته بسبب ظنه، بينما عدوه هاديء.
على النفس ان تكون حذرة جدا من الظن لئلا تسقط وعندما تظن انها قائمة وتخذل لانها رأت انها لم تندحر وتهوي في الحفرة وهي تفتخر لانها رات انها لم تقهر. من هو واقف ليحترس من السقوط لو افتخر لكونه واقفا فان وقوفه سقوط.
مثل الفريسي والعشار
ان وجع من هو متواضع بالندامة لكونه قد سقط، ابسط من وجع ذلك الممتطي حصان الكبرياء ويمشي بخيلاء لانه مارس سيرة روحية كما تعرف بوضوح من مثل الفريسي والعشار.
مثل بولس
لو لم يكن الظن خسارة للذات لما كان ينتج عنه الخوف للعظيم في المنتصرين بولس. انه يعلم المحاربة للمجاهدين الروحيين. انا خائف جدا من ان يظن احد في اكثر مما انا عليه. وإن صدر الظن عن الآخرين خارج إرادة من يظن فيه، فهذا مخوف للعاقل لانه هو نفسه يصاب بالضلال بتبجحه على ذاته.
مثل بطرس
وتعرف كم ان سقوطه عظيم من بعد صدور عبارة بطرس تقف على تفكيره المتواضع على نفسه وظنه المتواضع على شخصه بقوله: ربي ابتعد عني لانني رجل خاطيء. قال لربنا
بعد ان علم انه قد اختاره قبل انشاء العالم، وبعد ان سمي: كيفا وصار أساسا ليحمل ثقل البنيان الكبير مع المسيح رأس الزاوية، بعد ان تنبأ ليصير الوكيل واؤتمن المفاتيح وبقية الأمور السامية والفائقة الطبيعة.
بعد هذا كله كان يعترف بانه رجل خاطيء وبان يبتعد المسيح عنه وكان يتوسل مثل من لا يستحق ان ينظر اليه.
مثل إبراهيم واشعيا وغيرهما
إبراهيم أبو الأنبياء كان يعتبر نفسه ترابا ورمادا. وكان يعرف اشعيا الغني بالرؤى انه رجل دنس الشفتين. ولم يكن يفكر في نفسه واحد من هولاء العظام او يقدر ان يتامل في شخصه بانه شيء. نفوسهم سامية بالله وافكارهم ملقاة على الحضيض.
اذا خاف بولس من الظن واعترف بطرس بانه رجل خاطيء واعلن إبراهيم انه تراب ورماد، وصرخ اشعيا بانه رجل دنس الشفتين، فمن هو اذا غبي كي لا يخاف ويرتجف ويرتعب ويقشعر ويرتعد لو خامره فكر وتولد في احدى حواسه الظن على نفسه بانه شيء؟
الحذر من الكبرياء
ومتى ما تمكن من الثبات في هذا الفكر غير المائل ونظر الى شخصه كانه لا شيء وثبت في هذا الظن المتواضع والدنيء أي انه بالحقيقة ليس بشيء، ليحترس أيضا لئلا يجد بدل الحسنات الشرور ويخطف من التواضع الى العجرفة بشكل آخر.
لا يضل أيضا ويظن او يخالجه فكر ليتبختر ويفكر انه ادرك مرتبة هولاء الكبار الذين لم يكونوا يحسبون نفسهم شيئا، لكن ليكن حذرا وليعلم انه لكونه ليس بشيء، لا يحسب نفسه شيئا.
الكاملون يكتشفون صغرهم في عظمة الله
هولاء، لانهم كانوا ينظرون الى عظمة الله، ظهر لهم صغر شخصهم. كانوا ينظرون الى أمواج لمعانه وصفاء طبيعته وعجب ازليته ومجد عظمته وقوة عدم محدوديته وجمال قداسته السامي، والى هذه الأمور الموجودة طبعا,منه وعليه وله وبه. وكانت أفكارهم نيرة ليروا نفسهم ويتأملوا في شخصياتهم كما هو مكتوب.
وكانوا محترسين أيضا لئلا يوجد جواب الاثم في قلبهم او التفكير الذي يؤدي الى الظن: ان صلاح شخصهم استحقوه بفضيلتهم ليبلغوا الى قمة عظمة الله.
الكاملون يعتبرون ذاتهم لا شيئاً
لا تقدر نفس ان تثبت في التواضع الحقيقي وترى صغر ذاتها وتفكر في فقر طبيعتها إلا وابهرتها ثروات الله الخفية وحركتها بسمو منظرها. الفقر يتبدد بالغنى. والظلمة تبغض باشراق النور. ويشعر بتواضع النفس من سمو الله العجيب. من شعر بعظمة الله يرى صغر ذاته. هولاء الذين وصلوا الى هذا الشعور وخافوا من الظن واعترفوا بانهم خطاة وتراب رماد ودنسو الشفاه لم يصفوا نفسهم بالكلام وحسب بانهم شيء لكونهم لم يكونوا يظنون ظنا انهم شيء كما هو مكتوب: انا وديع ومتواضع في قلبي. لا تقدر النفس ان تثبت في التواضع الحقيقي الا واحست بوضوح بسمو عظمة الله.
التواضع يهزم الشيطان
تواضعهم من الداخل لان رؤيتهم من الداخل. وحيثما راوا العظمة هناك احسوا بالصغر. تسلقوا خفية ونظروا الى سمو الله. وخفية نزلوا وتواضعوا في القلب حيث يوجد الشعور: ما هو العلو والعمق والطول والعرض.
حتى ان الشياطين لا تحارب مع هذه المرتبة التي ارتفعت بالتواضع. عندما تصير النفس ترابا ورمادا لا تسهل محاربتها. عندما تحسب كل انسان افضل منها، لماذا يحارب الابالسة مع من كل انسان افضل منها حتى العشارين والزانيات؟ عندما تحتضن النفس التراب كما هو مكتوب لا يسهل قهرها لانها من التراب اين ستسقط؟ أما لو كانت واقفة على العلو لسهل سقوطها.
كل من يرفع نفسه يتضع. عندما تتضع من تلقاء ذاتها بارادتها المتواضعة والفطنة فهي مصانة من السقوط ولا مجال للعدو ان يشن الحرب ضدها.
السيرة الفاضلة وحدها لا تقتل الشهوات
ان ذلك الذي لم يصل الى درجة الإحساس هذه ويجرؤ ليطرد ويخرج منه الشهوات بسيرة الحياة الفاضلة وباعماله فانها تعذبه بمنظرها من الخارج لانه طردها قسرا واخرجها من الداخل. انها طريدة وهي حية، ولهذا تحارب. لكونها ليست مقتولة قتلا فانها توقظ الخصام.
محبة الله وحدها تقتل الشهوات
عندما تدخل محبة الله الى نفس لا تخرج الشهوات اخراجا لكنها تقتلها قتلا وتطفئها كما تطفيء المياه النار لئلا يظهر حتى دخانها امام وجه ذلك الذي اماتها عنه بلذة الله.
عندما تغلب بسيرة الشخص فانها تتعب من يتغلب عليها.
وعندما يسكنها، فانها تضطرب.
وعندما يجعلها تغفو، فانها تستيقظ.
وعندما يربطها، فانها تنحل.
وعندما يطردها ويخرجها من الداخل بالاتعاب الجمة، فانها تدور وتصطف وتقف ضده وتظهر له وجهها من الخارج.
كلما رأت ان ذلك البيت الذي طردت منه لا يقطنه احد اقوى منها فانها تسبب يوميا مشادة على بابه لكي يقهر باضطرباها ويهان بها من طردها عنه لكي يفتح لها فتدخل الى مسكنها الأول. لا يمكن ان تفرغ النفس من المحبة
كلما رأت صورة ذكرها حاضرة في النفس، لا تهدأ من عرض صورها امامها لتتلون بها وتصطبغ ببهائها باستمرارها على تعودها عليها ثم تتجدد رويدا رويدا اوجاعها القديمة بالتفكير الدائم فيها.
من المستحيل اذاً ان تبقى النفس فارغة من محبة واحدة، كما لا يمكنها ان تحتوي على محبتين اثنتين ولا ان تفرغ من محبة واحدة. اذا ما يجب عليها فعله هو: ان تكون النفس ملئية بمحبة الله وها انها محصنة بحيث لا ذكريات ولا اشكال الاهواء الأخرى تصطف امام وجهها بمناظر مخيفة.
لا تعبدوا ربين
عندما يكون احد مغرما بمحبة شيء يصعب عليه بغضه حتى وإن شاء ذلك.
اما اذا صادفته محبة أخرى اسمى منه فتغلب هكذا وتنطفيء الأولى بالثانية حتى ان ذكرها لا يمكث في النفس التي رذلتها بسبب وجود الأفضل منها.
ما قاله ربنا: لا تقتنوا ذهبا ولا فضة هو وصية روحية. ومن يظل بلا مقتنى انطلاقا من الوصية وليس لانه راى ان الله والذهب لا يقتنيان في نفس واحدة يرذل الذهب ليقتني الله. غير ان الزام الوصية قاده الى ترك المال كما هو مامور. تصغر نفسه وتفتقر وتقهر وتحتاج وتتمارض وتحزنها الفاقة لان ما كانت تظنه مقتناها قد أخذ منها.
من احس ان الله هو الغنى وهو المقتنى الحقيقي وغير المتبدل كالذهب ولا يخضع للقلق كالمقتنى لكنه كنز لا يفتقر يحتوي داخله كل الثروات، ان مثل هذا لا تخضعه وصية لئلا يقتني المال، لكن شهوة شعوره حركته لئلا يخلط الحمأة بالشمس ولا فكر المقتنيات بفكر الله.
بالمحبة الكبرى غلبت تلك المحبة الصغرى. تنتصر اذا محبة الله في النفس على كل الحروب وتسكت كل الأمواج وتحل كل العقد وتدوس كل أنواع الحب وتملك على كل الانتصارات وتضع النفس التي اقتنتها فوق كل الاهواء.
كيف تكتسب هذه المحبة
لكنك تقول الآن: كيف تقتنى هذه المحبة؟ وبماذا يقبض عليها؟ وكيف تصطاد؟ وباية أفكار تعرف؟
اود ان احب ولا تضطرم في المحبة. اصلي وافكاري باردة. اضغط على عقلي ليصعد الى السماء اما هو فيتدهور لينزل الى اللجة. اشجر فكري ليغلي بالمحبة فتبرده الهموم التي لا اعرف ما هي أسبابها.
ماذا اصنع اذا؟ وباية حركات اثير ( دول ) في محبة الله لتقتل بها شهواتي وتنطفيء اهوائي المؤذية؟
تقتنى محبة الله بفكر قوي وغير مهزوز يطلبها بنشاط ودون كسل. تتولد المحبة من العشرة. وبالاحتكاك تقدح النار. وباللجاجة يرد السؤال. تصدر الطاعة من الخوف. وتتولد المحبة من الطاعة والطاعة هي الخضوع لحفظ الوصايا.
وصايا وارشاد
من الوصايا تتعلم: صلوا ولا تملوا وأيضا: كونوا مستيقظين في كل وقت ومصلين و: من يقطع رجاءه لا تريده نفسي لئلا يقنط الفكر ويبطل من طلبه متى ما كان باردا من المحبة، كما تعلم الكتب.
ان القنوط يؤدي الى الهلاك. من ينتظر على الباب، مهما تأخر فانه سيدخل.
اثبت في طول الاناة، وافزع من الظن. لا تقترب من القنوط. ولا تبطل من الطلب، لا تجعل الرؤى نفسك مريضة لئلا ترتخي وتبطل سيرتك.
ولا يخطفك الظن لئلا يتكبر ويسقط فكرك. وعندما تختفي عنك الرؤى وتهدأ لا تظن انها غلبت لكن حافظ على نفسك لعلها تنصب لك كمينا. وعندما تقلق وتضطرب وهي تصارعك بكل الاشكال لا تفكر بانها تخاف من قوة فضيلتك لكن كن انت غير هياب عندما تضطرب وتظهر. وعندما تهدأ وتختفي انظر الى الله الممجد والى ذاتك وليحيرك جمال الله الخفي ولتحملك على الندامة نقائص ذاتك. وبين عظمة الله تلك وصغر ذاتك لا يجل شيء آخر في نفسك يحملك على التكبر او على التخوف في وقت من الاوقات.
الطلب بإلحاح
اشمل في طلبك كل البدايات ولا تجعل لها النهاية ابدا. لما يكون الوسخ ملتصقا في الوعاء يلزم غسله مرات عديدة لينظف ويحصل على نقائه. لا تضجر في طلبك. لا تفكر بان طلبك يعود فارغا. لا تقل: طلبت كثيرا ولم اجد ولعلني لن اجد ابدا؟ لا تظن انك تركت بلا موهبة بدافع الشر لكنه يطيل عليك اناته بمحبة جمة ليجعلك تنتصر بجمال طول الاناة.
مثل الارملة والقاضي
اذا كان قاضي الاثم قد دان نفسه ليحكم لتلك الارملة المظلومة لانها استمرت في طلبها، كم بالحري يستجيب الآب الرحوم بفرح طلبات الذين يقفون امام بابه بطول الاناة وهم لا يملون من الطلب؟
هذا نظام من يسال الموهبة: إلم يحصل عليها لا يبطل من الطلب ولو ظن ان الواهب تأخر لكن ليسلم الطلب لارادته التي لا ترد السؤال في الوقت المناسب.
النفس التي تؤخذ منها ارادتها الصالحة هي ارملة مظلومة ليس لها وال. وعندما ترى ان جمالها قد نهب وليس من منتقم تقدم طلبا الى ديان العالمين وهي تصرح بالالم: سيدي حقق لي من خصمي لانه نزع عني جمالي وسلبني مقتنياتي واستعبد حريتي واعماني بدخان الشهوات وغزاني وانا مستيقظة ومحدقة به وخطف مني حلة النور ووشحني بالاوراق. اخذ مني المجد واعطاني الفضيحة. انزلني من السماء وحفر لي قبرا واستولى على حياتي. اسلمني الى الموت.
سيدي انتقم لي من خصمي. هذا ما تقدمه اليه وتطلبه منه بالصلاة دون ملل مدة طويلة. وإذ لم يترك ذلك الاثيم تلك الارملة التي اضجرته بدون مقاضاة لانها طرقت بابه متوسلة اليه بدون ملل، كم بالحري اذا ابوكم الذي في السماء يعطي الخيرات للذين يسالونه؟
الآب السماوي يعطي الخيرات
ولهذا كان ربنا يحث الرسل قائلا صلوا ولا تملوا. يصير الملل، عندما لا توجد المحبة. وهذه المحبة ضرورية ولو كانت الأفكار باردة. فلا نبطل من الصلاة. إن قوله حق اطلبوا تجدوا إسألوا تاخذوا واقرعوا يفتح لكم.
لا يعطي الآب ابنه الحية بدل السمكة ابدا او الحجر بدل الخبز. وهذا كاف لتضرع من يطلب. يقول: اذا كنتم انتم الأشرار تعرفون ان تعطوا المواهب الحسنة لاولادكم كم بالحري ابوكم الذي في السماء يعطي الخيرات للذين يسالونه؟
الخاتمة
له المجد على غنى كل مواهبه غير المحدودة في كل ازمان العوالم الى ابد الابدين. امين.
أيضا رسالة الى مار دانيال المتوحد
الافتتاحية
الى البار والفاضل السيرة عبدالله العلي مار دانيال الإلهي.
يعقوب الناقص اخوك والساجد لك بربنا يسوع رجائنا واتكالنا وحياة جميعنا. سلام.
المقدمة
استلمت اسطرك سيدي، يا مختار الله، واشتاقت نفسي الضعيفة الى سلامك الإلهي وشكرت الله الذي اعطاك فكرا متواضعا.
الملكوت ثمرة مخافة الله
ولقد سمعت محيينا يسوع يقول: في من استريح واسكن الا في الوديع وفي المتواضع الذي يهاب كلمتي؟
وضعت نفسك بمحبة كبرى وتواضع ليسكن المسيح فيك. اخضعك تواضعك ذاته لتسير في درب الصليب.
وتواضعك جعلك تتنازل الى ضعفنا لتقدم لنا استفسارا لنرشدك نحن الى ما يجب عليك فعله.
معلمك انت هو الصليب الذي تطأطأ بمحبته ليحمل ثقل البشر. تعرف الحكمة الإلهية التي تحل فيك، سيدي، ان لمخافة الله اشكالا عديدة وكل اشكالها تتجه صوب هدف واحد على غرار الأعضاء المرتبة في الجسم والمختلفة بعضها عن بعض والتي لا تشبه بعضها بعضا، بينما كلها تتزاحم صوب باب الملكوت الواحد لتدخل فيه.
اشكال الحياة الرهبانية: ليخدم المرء الهه حسب دعوته.
أنواع الحياة الرهبانية
أ – الحياة في القفر
وجدنا أناسا ابغضوا السكن والطمأنينة بدافع محبة الله، وخرجوا الى القفر وهم يهربون من العشرة البشرية ليكونوا في عشرة الله في القفر والتوحد.
ب _ الحياة في الاديرة
رأينا أيضا آخرين بنوا عمارات كبرى ومن كل صوب جمعوا ( قهال ) وملأوها بالمتوحدين وفتحوا ابوابهم امام الغرباء ليرضوا الله، بواسطة المعذبين القادمين عندهم ويكونوا مينا حسنا للبشر محبة الله.
ج _ الحياة في المغائر
يوجد أيضا بشر هربوا من العالم بنفس دافع محبة الله وجعلوا لهم مسكنا في ثقوب مستديرة وشقوق مظلمة وفي مغائر تحت الأرض ونفسهم مستنيرة.
وتضطرم محبة الله في فكرهم.
د _ الحياة على العمود
نصب ( زقاق ) لهم آخرون أعمدة بارادتهم الصالحة وتركوا الأرض ودروبها وسبلها ومداخل ومخارج القرى والمدن وعزلوا نفسهم عن معيشة العالم وعاشوا في قمة الهواء على العواميد لان محبة الله خطفتهم من العالم.
وإذ لا تشبه هذه الأنواع بعضها بعضا نعرف ان هذه السير المتنوعة الجميلة تتوجه وتذهب الى هدف واحد وتتحرك بمحبة واحدة في مسيرة افعالها. نهاية كل واحد من هولاء ابطال الصلاح هي الصبر كما هو مكتوب: من يصبر حتى المنتهى يحيا اعني ( ايمار ) لم يسلك احد هذه السير الا وجاهد في أفكاره قائلا: انه يلزمه ان يغيرها !
عدم تبديل المكان ونمط الحياة
الجمال والغلبة لمن يعيش سيرة من أي نوع كانت دون ان يبدلها. وإن حاججته أفكاره وقرر انتهاج سيرة أخرى في شكل آخر مثل من يظن ان السيرة التي يقوم فيها هي ادنى من تلك التي يود ان يعبر اليها، يجمل به ان يمكث في تلك التي يقوم فيها ويظن انه يقوم في درجة ادنى. يحرره تواضع فكره من اهواء الكبرياء كلها ويتطلع الى نفسه فيجد انه لم يبلغ بعد درجة المسيرة في درب الكاملين.
العمودي يتواضع لما يفكر بسيرة افضل من سيرته
يجمل بمن يعيش على العمود، ان يظن انه كان من الأفضل له ان يكون في دير الاخوة يخدم اقرانه ويهتم بالمساكين القادمين الى ديره وينحني ويغسل اقدام الغرباء ويعطي الخبز للجياع لتكمل فيه كلمة ربنا الذي قال: كنت جائعا واعطيتموني لآكل وكنت عطشانا وسقيتموني مع بقية الحسنات الأخرى المنسقة مع مثيلاتها كالاعضاء مع بعضها بعضا. وانه انطلاقا من هذه السير كان يقدر ان يقترب من الله. وعندما فكر بهذا يجمل به ان يستقر في محله حاملا نفسه على التواضع ويكبحها نظرا لوجود درجة اسمى واعلى من الدرجة التي يقوم فيها.
لا تجوز الغيرة في الحياة الرهبانية
أ – لا يحسدن ساكن الدير ساكن الصحراء
وهكذا أيضا يليق بمن هو في دير الاخوة وبابه مشرع ومفتوح امام الغرباء ويريح كل من يقصده، عليه ان يفكر ويشتهي ويقول: طوبى للبشر الذين ابغضوا الأمان والدير وخرجوا الى الصحراء ليكونوا في صحبة الله. واذا صغرت في عينيه ( الحالة التي ) يقوم فيها لا يلزم ان يفسد نمط عيشه ويهدم الميناء الحسن الراسي فيه.
ب – لا يحسدن الراهب الصامت والعمودي ساكن الدير
هكذا بالنسبة لمن يختار السكوت، عليه ان يعلم ان ذلك الساكن في الدير الكبير ويفيد العديدين بعشرته لو ترك ديره وخرج منه يقوم بعمل بغيض.
وهكذا بالنسبة لمن يسكن على العمود لو خطر على باله واشتهى نمطا احسن من ذلك الذي يقوم فيه فانه يقوم بعمل بغيض لو ترك رتبته ونزل منه.
هكذا بالنسبة لمن قصد ان يحافظ على السكوت يجمل به ان يمكث في العمل الذي بدأه واذا خاصمته الأفكار المطالبة بتبديل سيرته، يلزم ان يتغلب على هذا الفكر. وليخدم كل احد الله حسب الدعوة التي دعي اليها.
فضيلة مار دانيال
انا اعرف فضيلتك سيدي، عملك مستصغر في عينيك. وكنت تود بارادتك الصالحة ان تتقدم الى اسمى منه. يجمل بك يا عظيم الله ان تثبت في هذا الظن ولا تغير نمطك لان زخم محبة الله يحركك لتتمسك بسيرة أخرى اعلى من التي انت سائر فيها. تكفيك تلك التي تعيشها وانت تظن ان السير الأخرى احسن من سيرتك. اخترت ان تخدم الله فقط بهذه السير المتواضعة. بينما هذه السير اعلى واسمى من سيرتك. وقد تمسكت نفسك النقية بالصبر لئلا يتعثر سيرك ولا تغير نمطك.
لا تحمل جسدك اكثر من طاقته
لكن اعمل هذا وانت تتوسل الى ربنا الساكن فيك ليعلمك هو عوضي ان تكون مستيقظا ومستعدا لتنفيذ إرادة ربك. لا تثقل حملك ولا تضعف جسدك بسيرة تفوق طاقتك لكن تواضع لاجل المسيح كما انت، وانفع الذين يلاقونك ولا تحرم من عشرتك اصدقاءك والذين رأوك واستفادوا منك. ما دمت في عالمنا أفدهم بعشرتك. هولاء الذين يقولون لك: اننا نستفيد منك يقولون الحقيقة كما هي.
ونحن نقول: قداستك مفيدة لجميعهم. ولو انك بتواضعك تظن وتحسب انهم يتحدثون اليك بكلام مجازي. لا حد للفائدة التي يجنوها من رؤيتك المليئة فوائد.
سكوت دانيال ابلغ من كلام الآباء المشهورين
أقول الحق: لو كنت تنطق مثل مار يوحنا ومثل مار افرام القديس، ومثل مار بسيليس الإلهي ومثل مار غريغوريوس ومثل مار غريغوريوس، وبقية الملافنة الكبار لما كنت تفيد بكلماتك الذين يلتقون بك كما يفيد الآن سكوتك مشاهديك.
على دانيال البقاء في سيرته
ولاجل هذا انا اتوسل اليك ولو انك تعتبر العمل الذي تقوم فيه ناقصا ومتواضعا، فهو يفيدك كثيرا ويفيد من يلتقيك، وينفع بالحقيقة.
يجمل بك ان تثبت في هذه السيرة ليستفيد منك الكثيرون. وانت لا تحسب سيرتك بانها لم تصل الى الكمال الذي كنت تتوخاه.
ما طلبته افعله لئلا تطالب جسدك اليوم ان يحمل الثقل الذي كنت تحمله في شبابك لكن خفف عنه قليلا الحمل الذي كان يحمله لئلا يضعف ويسقط فتصبح عاطلا عن خدمتك الروحية.
الخاتمة
غاية كلماتي الموجهة اليك هي هذه: لتستودع سيرتك الى نعمة الله، والنعمة تدبر حياتك الى النهاية.
اتضرع الى محبتك الإلهية لتصلي لاجل نقصي لانجو من الشرور التي تهطل علي كالمطر ولكي احفظ بمراحم الله.
يا عظيم الله كن معافى بربنا. كملت.
أيضا رسالة مار يعقوب الى شخص متوحد
الافتتاحية
الى القديس ومحب الله مار نشريهب المتوحد.
يعقوب الناقص، اخوك بربنا. سلام.
تغيير السيرة من عمل الشيطان
الكتب الإلهية أساتذة حقيقيون وملافنة حقيقيون انها تعلمنا هكذا: ليخدم كل واحد الله بما دعي.
لا تقرب المرء من الله لا تغييرات الاشكال الأخرى او الأماكن المشهورة لكن الإرادة الصالحة التي تخدم الله بالمحبة أينما وجد. تنقل المرء من مكان الى مكان يسببه الشيطان الذي يقلقه ليعطله من سلوك طريق الصلاح. وأي شكل يتمسك به الانسان يحاربه الشيطان ليغير هدفه.
فإن تاه احد في الغربة يحاربه الفكر ليدخله الى الأمان ويمكث في محله، وإن كان في الدير يحثه على الخروج منه، وإن كان في المحبسة يحثه العدو ليخرج الى الغربة.
وأي نمط يتمسك به المتوحد يشن ضده العدو جهادا ليخرجه من ذلك الشكل الى شكل آخر. وعندما يخرجه من ذلك الشكل يبدأ يلوم نفسه بافكار الكآبة التي يلقيها الشيطان في عقله فيفكر بانه اساء التصرف يوم بدل عمله والتحق بعمل آخر. يقلقه في كل الفرص وفي كل ما يصنعه، لكي يستقطبه جالبا إياه الى مشوراته الماكرة والمعاكسة.
الله موضع النفس، لذا لا يلزم التنقل
ولهذا يجب على المتوحد ان يمكث حيث يوجد وفكره هائم بمحبة الله.
وليعلم انه، لا المكان ولا الشكل يبررانه ما عدا محبة الله. وليظن ان النمط القائم فيه هو انقص من الاشكال الأخرى التي يتمسك بها المتوحدون الآخرون. وليكن فكره متواضعا ونفسه محتضنة التراب كما هو مكتوب: نفسي احتضنت التراب. وليكن وديعا ومتواضعا بالحقيقة كما يتواضع المفطوم على صدر امه ولا يعرف الاها وحدها فقط.
النعمة أم تبني العالم وتعتني به
النعمة التي بنت العالم هي ام رحوم تهتم به كالوالدة بطفلها ولا تقدر ان تتركه. المرأة لا تترك جنينها. والطفل بدوره أيضا يظن انه لا توجد امرأة أخرى في العالم الا تلك التي ترضعه.
الله موضع سكنى النفس
هكذا تفكر أيضا النفس التي تحب الله: ان الله هو موضعها ولا تعرف موضعا آخر لتسكن فيه ولا تقطن في محل الا في الله كما هو مكتوب: كان الرب مسكنا لنا الى جيل الأجيال.
اذا حيثما وجد المسيحي الحقيقي فهو يسكن في الله ويسكن الله فيه ولا يتكل لا على الموطن ولا على الموضع ولهذا لا يحتاج الى التنقل من موضع الى موضع مثيله. لاجل هذا اتوسل الى محبتك ان تخدم الهك بالمحبة الإلهية كما انت وحيثما وجدت.
الخاتمة
وتذكر نقصي في الصلاة ليراف بي بمراحم الله يا محب الله صل لاجلي.
أيضا له الى شمعون صديقه
الافتتاحية
الى الفاضل والكبير ومحب الله مار شمعون.
من يعقوب محبك بربنا. سلام.
شمعون مثال السيرة الفاضلة
وبسبب جمال سيرتك الفاضلة فقد جعلت مصدر مجد للكثيرين. وقريبة هي منك العبارة القائلة: طوبى للعبد الذي يمجد اسم سيده بواسطته ويليق بك الآن أيضا لانك اضفت الى سيرتك الفاضلة فصرت مساعدا للذين يضطهدون من اجل الايمان المستقيم من قبل الذين لا يعرفون كيف يسجدون.
مناشدة المنشقين للانضمام الى الايمان
لو كانوا يعرفون لما كانوا يضطهدون. ولو كانت عين ايمانهم سليمة ليبصروا جيدا درب الصليب السامية لكانوا يتفقون مع المستقيمي الايمان الذين يعترفون بصوت عال بان الذي ولد بدون تفسير من البتول القديسة وعلق بدون ادراك على الصليب هو اله من اله ونور من نور. وإذ كان يحمل الأرض برمزه كان الخشب يحمله على الصليب، وإذ كان من السهل عليه ان يدعو مياه البحر ويسكبها على وجه الأرض كلها قال: انا عطشان ليتم الكتاب.
البيعة تفتخر بآلام المسيح
الكنيسة عروس النور الجالسة على رجائه تفتخر بآلامه وتحبب جروحه وتعترف بموته وهي مفتخرة وتقر وصوتها عال بان الذي صلب عوضها هو اله من اله.
من لا يعترف بموت المسيح هو الشيطان
هولاء الذين لا يعترفون بالمصلوب بانه اله، سببه هو انهم لم يعرفوه ويخافون ان يعترفوا بموته. ومن يقول مثل شمعون: حاشا سيدي ان يحدث لك هذا اعني معاذ الله ان تموت تنطبق عليه العبارة التي وجهت الى شمعون: اذهب الى خلفي يا شيطان لانك لا تفكر حسب الله لكن حسب البشر لانك ظننت بانني سانحل من الحياة بالموت ونظرت الي كانسان: تخرج روحه ويعود الى ارضه وتباد في ذلك اليوم كل أفكاره ولا تفكر حسب الله الذي يقدر ان يفعل كل شيء بسهولة.
من السهل علي ان اموت دون ان افقد حياة اقنومي. ادخل الى الشيول واحل الاسرى المحبوسين هناك منذ مدة طويلة بسبب دين آدم. انا مسلط على نفسي لاضعها ومسلط أيضا ان اخذها. كان يجب عليك ان تفهم بانني افعل كل شيء بسهولة: لو لم امت لما عاش آدم ولو لم اربط فخار على الصليب لما حل الاسرى منذ مدة مديدة. ولو لم احمل الآلام والاوجاع لما اوفي دين آدم.
اذا لو تبعتك واتفقت على ما تقوله: معاذ الله ان تموت، ستبطل طريق الخلاص كلها. يريد الشيطان وحده ألا يخلص الجنس البشري. اذا اذهب الى ورائي يا شيطان لانني توجهت صوب الموت.
يعقوب يمدح شمعون
اذا افهم الآن يا محب الفضائل ان كل من يقول لك ان: الاله الحق، من الاله الحق لم يمت يتفق مع الشيطان حسب كلمة مخلصنا الموجهة الى شمعون. نعما لك يا رجل الله لانك لم تؤمن ايمانا فقط بانه اله لكنك تحملت وزر الذين يؤمنون به مثلك.
الخاتمة
ولهذا انا استودعك دائما لصليب الابن الحبيب ولقوة روحه القدوس لتحفظ بسر الثالوث الاقدس من كل الشرور وليكون لك سلام في عالم الله الواسع.
له التسابيح في كل وقت آمين. كملت.
أيضا رسالة القديس مار يعقوب اسقف بطنان تعرف ( اوداع ) السيرة الفاضلة المكتوبة الى شخص مسكين لاجل خلاص حياته
حفظ الوصايا
من خصصوا نفسهم ليسيروا سيرة تلمذة المسيح السامية والروحية لا يجوز لهم ان يقتنوا الكسل بفضل مواعيد الله لهم لكن ليضعوا لهم هدفا ارتضوا ان يبلغوه وهو حفظ الوصايا بواسطة عساكر الملائكة بعدم الألم الذي نبديه حسب المستطاع في اعضائنا ونحن نحتقر كل اوجاع اللحم وندوس على الشهوات الأرضية المعتادة على إفساد جمال النفس فنكون في يقظة كبرى للمحافظة على ذاتنا من غزو العدو.
اليقظة
قال: تشبهوا بالعبيد الذين ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس لما يأتي ويطرق يقومون حالا ويفتحون له. طوبى للعبيد الذين يأتي سيدهم ويجدهم يفعلون هكذا. الحق أقول لكم انه يشد حقويه ويعبر ويخدهم.
من هم هولاء العبيد الا عساكر الملائكة الذين كانوا يجلسون على أبواب السماء بعين ساهرة وينتظرون المسيح ليرتفع في الجسد حين عاد عند ابيه من العرس الذي صنعه للكنيسة؟
حين صعوده الى السماء كانوا يأمرون ان ترفع الأبواب رؤوسها ما دمنا نؤمر ان نتشبه بالملائكة في سلوكنا لا يجوز لنا ان نختار الحياة الهادئة والمرتخية لئلا نبتعد نهائيا عن انتسابنا الى المسيح، انما علينا ان نكون سكانا وورثة لملكوته.
الشهوة تعمي النفس
لا شيء يظلم عين النفس، لئلا تنظر الى الله مثل راحات ولذات الشهوات على غرار الانسان الذي يحبس في بيت مليء بالدخان فان عينيه تظلم وتعمى لئلا تتطلع حتى الى الضوء الذي يدخل من نوافذه، هكذا النفس أيضا عندما تحبس في سبات الراحات والشهوات تعمى وتظلم لئلا ترى حتى ولا بالضوء الذي يشع عليها من الكتب الإلهية.
وبما اننا لا نتمكن من رؤية سلوك الملائكة بعين الجسد، لننظر كما في المرآة الى سلوك القديسين الذين كانوا يمتلكون عينا نيرة واستمروا يتشبهون بالروحيين، ولنأخذ عنهم المثال: لنعرف كيف نرث الخيرات المزمعة التي لا توصف ونحن نرضي الملك السماوي.
مثل داود
وضع نصب عينيك الراحة التي عاشها الطوباوي داود ذلك الذي كان ملكا ومتوجا بتاج فخم وبهي لم يختر له حياة الراحات والنعيم لكنه كان مرارا يقتات بالرماد كما بالخبز وكان يمزج شرابه بالبكاء وكانت ركبتاه تتوجع بالصوم وكان شحم جسمه يضعف ومخاض الموت واوجاع الشيول كانت تحيط به، وكانت دمعته طعامه ليل نهار وفي الليالي، كان يبلل سريره ويندي فراشه بدموعه.
وبالإضافة الى هذا كله كان يجري سواقي الدموع من عينيه بدل خطايا الآخرين الذين لم يكونوا يحفظون ناموس الهه كما يقول في المزمور: سالت سواقي المياه من مآقي لانهم لم يحفظوا ناموسك.
مثل اشعيا
كان اشعيا النبي أيضا يقوم بنفس العمل من اجل خطايا الآخرين. لم يكن يبكي بكاء لكنه كان ينوح نواحا قائلا: تركوني اولول بالبكاء، لا تجبروني على التسلية بسبب ابن بنت شعبي
مثل ارميا
وارميا الذي كان مقدسا من الاحشاء كان يبكي أيضا على اورشليم بدموع ومراث وكان يطلب لراسه ماء ولعينيه ينابيع الدموع.
مثل بولس
واقر بولس الذي كانت نفسه تضطرم بالله بانه بكى مدة ثلاث سنين بدل خطايا الآخرين.
التوبة ضرورية
فان عاش هولاء المنتصرون والممتلؤن جمالا الهيا في حداد وبكاء كهذا، كم يجب علينا نحن الضعفاء المثقلين بخطايا كثيرة والغارقين في حمأة الاثم ان نبكي ونحزن ونحفر لنا قبورا نحبس فيها نفسنا ونحن احياء؟
واتضرع اليك ان تفعلي بموجب كلمة ارميا النبي الذي ينصح كل نفس تريد ان تجد المراحم قائلا: اسكبي الدمعة كالوديان ليل نهار ولا تروي غليلك ولا تهدأ بآبيء عينيك. قومي وسبحي في الليل في بداية الهجعة. اسكبي قلبك كالمياه نحو وجه الرب. اذا فعلت هذه تتمكنين ان تنجي من الغضب الاتي.
رهبة الدينونة
الموطن الذي نسافر اليه مليء خوفا ورهيب هو العرش المزمع ان نقف امامه لما يجري نهر النار للانتقام من المتمردين وينهش الدود الذي لا يموت أجساد المذنبين.
ليس لانه يلزمك ان تريحي جسدك بالشهوات تريدين ان تمهدي دروبك دائما الى الاكل او الى الشهوات المريحة للجسد او الى النوم الطويل وهذه الأمور ضد الروح والله.
مثل داود
كان داود مثلما قلت لك أعلاه ملكا ومقتنيا غنى كثيرا حتى انه نسي اكل خبزه والتصق لحمه بعظامه من صراخ تنهداته.
مثل دانيال
ودانيال الذي كان يفوح صومه امام الله كعطر كان ثالث شخصية في مملكة نبو خذ نصر وكان يملك ثروة كبرى ولم يستسلم للذات لكنه كان يضع نفسه بالصوم والتزهد.
مثل المرآة
وكما لا يستطيع احد ان يرى وجهه في مرآة وسخة الا بعد تنظيفها من وسخها هكذا لا يقدر الانسان ان ينظر الى نفسه او الى الجمال الإلهي وهي مليئة بوسخ الشهوات. ولهذا كان يقول ربنا: احترسوا لئلا تثقل قلوبكم بالاكل والشرب.
طوبى للحزانى
ثم تكلم معنا مرات عديدة بخصوص الحزن قائلا: طوبى للحزانى لانهم يعزون. كما اعطى الطوبى والتسلية للحزانى هكذا يعطي الويل والكآبة للذين يصرفون حياتهم في الفرح والتنعمات.
ويشهد النبي عاموص على هذا اذ يدعو الذين يعيشون هكذا ولا يكترثون بفائدة النفوس ولا بالويل والسبي فيقول: الويل للذين يحتقرون صهيون والمتكلين على جبل السامرة. وبعد قليل يقول أيضا بخصوص الذين ينتظرون اليوم السيء ويقدمون الى سبي الخطف ويرقدون على سرير النوم ويتلذذون على فراشهم، الذين يأكلون سمان القطيع والعجول من الابقار، الذين يضربون على افواه الجموع ويعتبرون آلات الطرب مثل داود، الذين يشربون خمرا صافيا ودهونا راقية. ولاجل هذا يستحقون ان يكونوا في مقدمة السبي ويرفع الفرح من سلاطينهم.
الويل للضاحكين
يقول بولس الحكيم بالالهيات: من تفعل الفسق هي ميتة وإن كانت حية.
واعلن ربنا امام كل احد وقال: الويل لكم أيها الضاحكون الآن فانكم ستبكون وهذه الكلمات هي حقيقية.
فلو سهل لعين الجسد ان ترى نفوس الذين يصرفون حياتهم بالشهوات ويسترسلون بالفرح لكانت ترى نفوسا عديدة ينهشها الدود، وينبع منها الدود والنتانة اكثر مما تنتجه جيفة الموتى الكريهة في القبور.
الباب الضيق
ولهذا قال ربنا: اجتهدوا على الدخول في الباب الضيق فيبرهن انه بدون المضائق والاتعاب لا يقدر الانسان ان يطأ مدينة الملائكة المقدسة ويصير هناك وارث الحياة المليئة تطويبات. ويقول: ما اضيق واحرج الطريق المؤدي الى الحياة.
كان يعرف داود النبي هذا فصرخ الى الله قائلا: لو سلكت في الضيق تحييني وبغضب اعدائي تمد يدك وتنقذني.
انظر كيف نجمع الحياة والخلاص والخيرات الوفيرة من الضيقات واعمال الفضيلة. وهذا يحدث لنا بنعمة الله. لما نتعب في وقت قصير. فما هي مدة حياتنا بالنسبة لهذه الحياة التي لا تنتهي ابدا؟
الف سنة مثل يوم امس
كان احد الحكماء بالالهيات يقول: ان سنة من هذا العالم ليست ولا مثل يوم واحد في عالم الابرار. وجه كلامه الى الله ذلك الكنارة الروحية وعلمنا مثل هذا قائلا: الف سنة في عينيك مثل يوم امس مضى وكهجعة الليل.
اذا يجب علينا حتى لو طالت حياتنا مئة سنة في هذا العالم ان نعيش في اعمال الفضيلة على مثال موسى العظيم الذي فضل واختار ان يكون في الضيق مع شعب الله من ان يتنعم وقتا قصيرا بكنوز المصريين.
مقارنة بين اتعاب هذه الحياة وسعادة القديسين
ما هي مشقة الاتعاب هنا بالنسبة لهذه الخيرات المعدة للقديسين؟
اعني: السكنى هناك الاختلاط مع الملائكة، الابتهاج مع البتولات الحكيمات, الاكاليل البهية، التنعم مع الثالوث الشريف، والاعظم من كل هذا: ان واحدا من اقانيم الثالوث أي الابن الوحيد سيشد حقويه ويخدم عماله ويريحهم من اتعاب مضائقهم.
وبما ان بولس الحكيم كان يعرف هذا فقد كتب لاشخاص مسليا إياهم بسبب ضيق اتعابهم قائلا: اظن اذا ان آلام هذا الزمان لا تساوي المجد العتيد ان ينجلي فينا. وأيضا: لو نتألم مع المسيح، معه نتمجد.
يعقوب ينصح هذه المرأة بممارسة الفضيلة
اذا كامرأة لها كل هذه البراهين، لا تضجري من الصلاح. ولا يثقل عليك الانضباط عن الشهوات وتحمل الصوم والسهر، لكن متى ما تخاصمك عادة الارتخاء وتغريك ناصبيها العداء بفكرك المسلح وقولي لها: نحصل على مكافاءات عديدة اذا تركنا مهملين الشهوات. وقولي لنفسك: هل انت متضايقة لانني احرمك من الشهوات؟ لكن تعزي لانني ارفعك الى السماء والى اللذة هناك. اصبري قليلا وسترين اية فائدة تصيبك. استمري في هذا الجهد وسترين أي اسفرار الوجه تقتنين.
لو تتكلمين بهذا مع نفسك ولا تنظرين فقط الى اعمال الصلاح ولا الى الاكاليل المحفوظة، لكنت تبتعدين سريعا عن الخطايا. واذا كان الشيطان يبرهن لنا انها لذيذة ووقتية وما يحزن يثبت الى الابد فهو ينتصر هنا أيضا ويصرعنا.
ننتصر عندما نبرهن لنفسنا عكس هذا أي ان اتعابنا هي وقتية اما راحاتنا فهي ابدية.
مثل الغني ولعازر
باهمالنا اعمال البر، أي جواب نعطي من بعد كل هذا التشجيع؟ تكفيك اذا حجة اعمالك لتعزيك في مضائقك التي تحتملينها لاجل المسيح. وضعي في فكرك في كل وقت كلمة الانجيل التي قالها إبراهيم للغني الذي كان ملقى في هاوية اللهيب، وكانت تحيط به العذابات من كل صوب، وكان يطلب الماء بطرف خنصره، وكان يسمع يقال له: تذكر انك قبلت خيراتك في حياتك.
الله يغضب من السوء
وتوسلي الى الله لينير عيني نفسك لتنجي من حيل العدو, كما كتبت لك في الرسالة الأولى التي ارجو ان تقرأيها الآن أيضا. لا يغضب الله من العمل السيء فقط، ولكن أيضا من كل كلمة رديئة. ولاجل هذا كتب بولس للبعض: لا تخرج كل كلمة سيئة من فمكم، الا تلك الحسنة والصالحة للبنيان. وليس فقط بالكلمة نقصي نفسنا عن الله، ولكن بالافكار السيئة أيضا التي تتسلط علينا بارادتنا.
الحكمة لا تدخل الى الانسان الخاطيء
قيل في الحكمة: الأفكار السيئة تبعد عن الله. وقوة البق توبخ الحمقى. ان الحكمة لا تلج الى النفس الملطخة بالشرور، ولا تسكن في الجسد الذي يحب الخطيئة. يا ترى من هو الحكمة، الا المسيح، الذي مجيئه كله خوف ورعدة؟
الدينونة الأخيرة
عندما يتزيح على الكواريب في الهواء، ويجيء قدامه آلاف الوف الملائكة،
ويجري ويخرج من قدامه بحر النار،
عندما يجلس على العرش العالي والسامي، وتفتح العدالة اسفارها ليجازى الانسان في جسده حسب عمله صالحا كان ام طالحا،
عندما يهدر بحر النار من جهة الخطأة ويصرخ اللهيب من الجهة الأخرى،
عندما يمسك الديان الرفش بيده، وينقي بيدره ويجمع القمح الى اهرائه، ويحرق التبن في النار التي لا تطفأ،
عندما تقطع قضبان النار للتعذيب وتجذل السيور من اللهيب للتاديب،
عندما يسرع الملائكة ليربطوا مثل حزم الزؤان اولائك الذين امتهنوا وصايا الديان، ثم يحلون في لجة اللهيب، عندما تصاغ السلاسل من اللهيب لربط كل من يلبس الثياب الوسخة لكي يخرج من الوليمة ويلقى في الظلمة الكئيبة،
حيث يسمع فقط البكاء وصريف الاسنان، وهناك الدود الذي لا يموت حسب كلام ربنا الذي قاله لمن كان لابسا ثيابا وسخة.
أي قطع رجاء يشبه قطع رجاء ذاك الذي من بعد ان اتكأ مع المدعويين ورأى ذلك الجمال الذي لا يشبع منه، ينزع عنه ويربط في يديه ورجليه ويصيبه الويل الذي لا تعزية له؟ ان خبر هذا لمخوف جدا !
مثل المدعو الى العرس
انني اتذكره وارتعب، اسرد قصته وارتجف، يخطر على بالي ويتحسر قلبي, لانه أصابه بدل فرح الوليمة، الويل الذي لا نهاية له، لان الحلة الإلهية التي كان يلبسها كانت وسخة. اذا انه لخوف عظيم !
لعلنا نحتقر هذه الحلة الجميلة بالاهمال بواسطة سيرتنا الناقصة، فنلقى من الخدر ومن المأدبة مثل تلك البتولات الخمس الجاهلات ومثل ذلك الذي لم يكن مرتديا ثياب العرس؟ كان هذا أيضا من بين المدعويين، ودعي هو أيضا، لكنه بعد الدعوة وكل ذلك الاحترام، اهان من دعاه.
انظري ! أي قصاص يحل به, وكم هو شجي، ويستحق دموعا غزيرة؟ جاء ليتنعم على تلك المائدة الممتلئة تطويبات. ولم يحرم من التنعم وحسب,
لكن ربطت يداه ورجلاه، والقي في الظلمة، ليتحمل البكاء الابدي وصرير الاسنان. لا تظني ان الايمان يكفينا للحياة، ما لم تكن لنا سيرة طاهرة. لو لبسنا ثيابا غير لائقة لهذه الدعوة واتينا، فلا مانع من ان يحل بنا ما حل بالشقي.
العلم والسيرة الحسنة
صلي اذا ليكون لك مع، المعرفة القويمة، سيرة نقية وحياة ناجحة، لانه لا فائدة من العلم ما لم يكن لك الاعمال حتى لو كان لنا الايمان كله وفهم الكتب, وكنا خالين وعراة من الاعمال. يوجد شيء يمنع من زجنا في جهنم النار واحتراقنا في اللهيب الذي لا يطفأ.
وكما ان الذين عملوا الصالحات يقومون للحياة الأبدية، هكذا أيضا الذين تجاسروا وعملوا خلاف ذلك، يقومون للعذاب الابدي. لننج منه بنعمة وبمراحم ربنا يسوع المسيح.
الخاتمة
له المجد مع ابيه وروحه القدوس الى ابد الآبدين امين
للقديس مار يعقوب الملفان رسالة الى شخص صديقه
العالم سريع الزوال
كان ينبغي ان نتألم يوما بعد يوم. نول نسيج حياتنا قطع وانتهى. هوذا الأيام مسرعة لتطردنا من العالم. ولا يود الفكر محب العالم ان يسرع الخطى نحو اعمال البر. انه لألم جسيم، ان تسرع أيامنا الى الوراء، وخطايانا الى الامام! حياتنا قصرت، وذنوبنا طالت. نشبه البيت العديدة نفقاته، والقليل دخله. وهذا قد خرب منذ أمد.!
الليل والنهار كالعمال
كان يلزم ان تقصر وتضيق كمية خطايانا، كما هي قصيرة مدة حياتنا. تسرق حياتنا لتنتهي. يعطلنا النهار والليل !, انهما كعاملين نشيطين يسرعان الخطى نحو آخرتنا.
الليل والنهار يلعبان بالبشر كالاطفال بالكرة
هوذا الامسيات والصبحيات تلعبان بنا كالاطفال في الكرة ! ومتى ما اخذنا النهار، القانا الليل، فاستلمنا الليل، واعطانا للنهار. المساء يخطفنا من الصباح، والصباح يرسلنا الى المغيب. انتهجنا درب السفر. حريتنا لا تتوخى فائدتها، فهي لا تنظر باستقامة لتمشي الى الامام.
الزاد للسفر
اضلتك يا محب المقتنيات شهوة الغنى ومحبة الأموال وضلال الأمور الزائلة.
ولا تريد ان تهيء لك زادا للطريق الأسرع من العالم. انت راكب على حدة العجلة، وحياتك ماضية الى النهاية، ولا تميز.
الحياة لا تعود الى الوراء
لا تملك اليوم هذه الحياة التي كنت تملكها البارحة لان النهار قد قصر المدة.
الليل ينحل ويروح وانت خامل، وقد جاء وراح وانت لا تشعر.
لم تنقص حياتك ولم تكثر توبتك. هذه الحياة التي كانت البارحة موجودة لن تجدها. لقد مضت مع البارحة وراحت ولن تعود. لا ترجع المياه الى الينابيع ولا تسير الشمس بالعكس الى الوراء، ولا يمنع محور المجرة من شدة دورانه، ولا يهدأ سير الطبائع السريعة، فهو يجرك لتصل الى النهاية.
الخروج من العالم
اخرج من العالم، فالنهار يدعوك. يعلن لك الليل ان تترك الخليقة لتفسح مجال الحياة للآخرين. الأوقات ترعبك، الصباح يطردك من المشرق، ويدفعك نحو المغرب، انهما يتجاذبانك لتنتقل من الحياة. لماذا انت لا تحرك ساكنا، لان الذين يطالبونك لا يعرفون معنى للراحة؟ ترشقك الساعات الواحدة تلو الأخرى وكلها تبعدك عن الحياة. انها تستاصل سنة من عدد عمرك، وتخرب أساسه الفخم. والساعة أيضا تبعدك لتهوى من العالم. الشهر الواحد يكمن لك في بدايته، في نهايته تمر من حياتك اعداده كلها.
دعوة الى التوبة
ها ان من يقودونك مسرعون، وما اكثرهم الذين يطالبون بك؟ هوذا حياتك تمضي، مثل المياه في المنخفض، هوذا التوبة مكبلة وموضوعة في البعد، اما الخطيئة فتقترف يوميا عن قرب. عليك ان تأخذ مقصدا: ساتوب غدا، ان يوم غدك بعيد جدا ولعله لن يأتي ابدا؟ انه اعرج، ومن العبث ان ننتظر منه ان يمشي !
في أي يوم تدعونا الى توبتك؟ ومتى ستعلن تلك الساعة التي تجمعت فيها كل هذه المواعيد: أي انك تترك شرورك؟ مرت أيام عديدة، ويومك لم يات. تبدلت أوقات كثيرة، ووقتك لم يتبدل. ها ان يوم توبتك بعيد، فالى متى نظل ننتظرك؟ العله يأتي قبل الممات؟
التوبة اليوم وليس غدا
ليكن يوم توبتك اليوم. لعل الموت يهجم عليك اثناء الليل؟ ما كنت مستعدا لعمله، اعمله حالا. اذا كان لك فكر حسن، لا تنم قبل ان تقدم الى إنجازه. ليست مدة حياتك بين يديك. وليس عدد ايامك موضوعا في اصابعك. لا اعرف متى تحل النهاية. ألا تعلم، ان ساعة اجلك واقفة على الباب؟
لماذا اذا لا تعمل اليوم ما كنت مصمما على عمله غدا؟ لا تعرف ماذا سيفعل الليل. استعجل لتعمل في النهار. استبق قبل ان تسبق. اهرب قبل ان يدركوك. اجتهد قبل ان يسجنوك. لكنك مستعد حتى الان لتعد، ولست مهتما كعادتك بتنفيذ التوبة. انك تعلقها بالرجاء، وتقيم الفضيلة في الامل، وتشير من بعيد كما بالاصبع الى طريق الحسنات.
لا يمكن إيقاف حركة الموت
اذا ضع حدا للموت، وقل له: لا تأت الى ان ابعث وراءك لتأتي. لو لم ادعك لا تخرج. لو لم اشر اليك لا تقترب. لو لم اخطيء بقدر ما اشاء، واتوب متى ما اشاء، لا تدعني، لاني لن اذهب معك ! غير ان الموت لا يستمع اليك، والاجل لا يطيعك، ولا يصدقك لانك كذبت عليه.
لا تكتف بالمواعيد
لم تعد بالتوبة اليوم فقط، ان ما وعدته الآن قد قلته قبل مدة. كانت لك مواعيد كثيرة، ولم يتحقق واحد منها. يسهل عليك ان تقول الكثير، ولكن لا تعرف متى تفعله. لو كان هذا الوعد الأول لكان فيه امل للتحقق من مدى صحته. لكنك وعدت يوميا ولم تفعل شيئا البتة. اذا ليس الوعد مهما لكن البدء بالعمل.
النهار والليل لا يعدان ومع ذلك يكملان مسيرتهما
انظر الى النهار كم انه سريع، وتامل الليل كم انه يطارد ! انهما، وإن كانا هادئين فهما مهتمين باعمالهما، وإذ لا يعدان، فهما ينفذان مهماتهما. لا يتكلمان ويكملان مسيرتهما. لو وعدت الشمس ان تشرق، ولم تشرق، لما انارت العالم بكلمتها. لو بعث وراءك الصباح انه يأتي، ولم يات، ماذا كنت ستفعل بالليل، لانه لما كان ينتقل عنك قبل ظهور النور؟
الاعمال لا تتم بالكلام فقط
لا تجري الاعمال بالاقوال. ان البرايا توجد بالافعال. تشرق الشمس وإن هي ساكنة، وتنير الأرض ولا تتكلم. لا تقل اذا شيئا دون ان تكمله، لكن افعل ما تقوله.
دفن الخطيئة مع دفن كل نهار
اليوم هو يومك، اما الغد فلا تعرف لمن هو؟ لعل اقدام الذين يدفنونك تقف على الباب؟ لا تدفن يومك, إلا ودفنت معك إثمك، لا تكفّن خطيئتك، لا تغمض عينيك في السبات إلا وفتحت فكرك على الصلاة. رأيت كم أن النهار مستعجل ليذهب، أسرع لتغادر خطاياك معه. ولتشرق برارتك مع الصباح.
لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد
لا يكن وعدك بعيدا عن التنفيذ. قبل أن تعد، تهيأ لتنفذ. لتكن كلمتك جلية وعملك حقيقيا. لو ساورتك فكرة صالحة في المساء، ابدأ بتنفيذها في ليلتها. وإن استيقظت فيك ذكرى الخيرات في الصباح، لا تمنع عن فعل الحسنات، لأن النهار لا يمنعك من إتمام أعمالك. اهتم بعملك قبل أن يغيب النهار.
لا تهتم بما لا يعنيك
لا تتعب بما ليس لك، وتترك ما يخصك يذهب سدى. لا تكن إرادتك يقظة على المقتنى الزائل. فأمامك عمل ثابت.
العالم سريع الزوال
زخم الأوقات سريع الزوال، فالجسر قلق لطردها من أمام بعضها بعضاً. طريق العالم مستعجل ليصل إلى النهاية. دورة السنين تُطوى سريعاً لتخرجك من الحياة. لا شيء سريع الذهاب، ما عدا يوم توبتك الذي لا يريد أن يأتي، لكنه معلق وواقف بعيداً عن العوالم مضت كل الأيام، أما يومك فلم يأت بعدُ، هل هو همجي، لا يحني رقبته لنير الفلك، لينضم ويختلط بعدد الأشهر؟
دعوة الجميع إلى التوبة
ها أنك منذ صبوتك قد دعوته ليأتي، فانقضت شيخوختك ولم يأت. ولّى زمن صبوتك، في آلام الشهوات، ومضى وقت شبابك بسلوك الرذائل، وحلّت الشيخوخة ولم تأت التوبة. كنت متعجرفاً في صبوتك، وفي شبابك كنت طائشاً، وها أنك الآن في شيخوختك لا تريد أن تتوب. أنك قد طردت التوبة. لعلها انهزمت لكيلا تأتي عندك؟
في صبوتك جعلتها تتكل على الزمن الماضي ثم طردتها من عندك وفي شبابك أنجزت رغبتك، فادعها اليوم قبل أن يدعوك الموت. افتح لها الباب لتدخل عندك قبل أن يدخلوك إلى الشيول.
في هذا العالم التوبة نافعة
لا تلزم التوبة هناك بعد الموت. لا يتندم المائت. تب قبل أن تموت. اصنع اليوم ما لا تقدر أن تصنعه بعد مدة من الزمن. الأيام الماضية تخبرك عن تلك الآتية. لم تُمنع الأيام الأولى ولا تثبت الأخيرة. بقدر ما كنت بعيداً عن اليوم الحالي، فقد أتى وأدرك، وها هو أيضاً مستعجل ليزول، كما زالت الأولى.
انظر إلى نفسك قبل أن يمضي اليوم. تنشط في عملك، قبل أن تُقصّر العجلة لتنزلك إلى القبر. انتبه! لم يثبت فيك جمال الصبوة. ولم تتوقف عندك طاقة الشباب. طارت الأزمنة وانتقلت كالظلال، ومعها بدأت الحياة تنتهي.
يمثل الصباح والظهر والمساء الولادة والشباب والموت
توسل إلى النهار، فإذا استمر ثابتاً عليك، اهدأ أنت من التوبة. حياتك تنهزم كالنهار، وتنتهي كالنهار، وتنتهي أيامك كالليل. بميلادك تشبه الصباح، وفي عهد شبابك الظهر، وفي المساء رسم مثال موتك. أنجز عملك ما دام النهار، اركض قبل أن يدرك الظلام، انظر إلى أيامك ما دامت مفيدة، وإلى الأزمنة كيف تتغير.
المساء يدفن والصباح يبعث
هوذا الأيام تُدفن كالموتى، هوذا الأيام تُقبر كالمتوفين. أمس دفناه البارحة، وها اننا ننصح اليوم بأنه سيفسد أيضاً. ابك إذا على الأمس الذي لم يعد يوجد، وارفع صوتك على اليوم لأنه سينتقل أيضاً. هوذا الأيام تخطفك، والحياة تهرب. وعندما يقبرك المساء. يبعثك الصباح. أنها تميتك يومياً لتعلم أنك ستموت. يشلحك المساء لتعلم أنك تخرج من هذا العالم عرياناً، يلبسك الصباح، ليخطفك للعمل أثناء النهار.
حياة الأمس والغد مضت
هربت منك حياة الأمس. وهذه حياة اليوم سريعة الزوال. إن كنت يقظاً أو نائماً، فالليل لا يقف عن مسيرته، والنهار لا يهدأ من تكميل مسيرة دربه. حياتك هذه تُنهب، فانهب أنت منك الفائدة. لا تعتمد على الصباح لكونه منيراً، لو لم يكن فكرك مستنيراً بالله ليشرق. لا تفكر بأن المساء هو للراحة، ما دامت نفسك معذبة بآلام الشرور.
هجر الخطيئة
لكنك إلى الآن وعدت للتوبة وعداً فقط، أبرم إذا وعد للخطيئة: غداً سآتي عندكِ. وقل لها: “اذهبي، فأنا اليوم منشغل بعمل الفضيلة، ومستَأجر من قبل التوبة، وقد نويت أن أسلك درب البرارة، وأود أن أداوي جرحي الأولى، فاتركيني اليوم ولا تعرقلي العمل الذي بدأت الآن. وبعد مدة سأنظر إذا لزم على أن أدعوكِ لتأتي”.
تخلّ عن الخطيئة وألقها عنك. أنقذ اليوم حياتك من الخطايا، مثلما طردت التوبة بحجج مختلفة إلى الآن. أيقظ إرادتك لتطرد الخطيئة يوماً بعد يوم إلى أن يلتقي بك النصر كالثروة بالمسكين. من الأصلح أن تبتعد عنك الخطيئة بالشرط وأن تتمم البرارة بالفعل، ولا تقوم بهذا العمل بجهل. إن أردت يسهل عليك أن تعمل الخير فعلأً، وإن تقصي الشر عنك وتبطله. ما كنت تعمله بالنسبة للبرارة، اعمله بالنسبة للخطيئة، وكما فرغت من الحق، فرغ من الاثم.
إلى الآن كنت تعمل مع الخطيئة، لكنك كنت تعد التوبة وعداً فقط. نفّذ الآن البرارة بالفعل، والوعد للخطيئة. اجعلها تظن أنك تعمل ما لم تعمله، اقصها عنك فقط وستزول عنك. اخطف الفضيلة، وأنقذ حياتك من الخطيئة بأية وسيلة كانت. وارضِ الله كما ارضيت العالم. اغتن بالفقر، كما افتقرت بالغنى. فتش عن التجرد كما فتشت على المقتنيات. اخرج عقلك من العالم ووجهه إلى الله كما أخرجت نفسك من عند الله وراء العالم.
إلى اليوم لم تكن ملكك الخاص، بل عبداً للعالم. كن مُلكك، واخدم نفسك. كفى، سلب حياتك من قِبل أعمال الظلمة، فإلى متى تعطي جهدك للباطل؟ لماذا سخرت منك المقتنيات؟ ألم تأخذ مقتنى ذويك لتفعل به إرادتك؟ اعلم أنه سيخطف منك أيضاً، ما لم تجعله مالك بتوزيعك إياه على المحتاجين.
لو سرقك اللص وتولت، بينما تُسرق حياتك من حياة الله ولا تتألم عليها. لا تحسب أن لك حياة، ما عدا الوقت الذي فيه حييت لله. لما كنت تعمل مع العالم بخطاياك، كنت ميتاً. ويا ليتك ميتاً منذ الحبل بك! ماذا كان ينتج، لو كنت تبطل من الاثم كما بطلت من البرارة؟
النظر إلى يسوع “واهب الحياة”
هلم انظر إذاً إلى ذلك الذي مات ليحييك، عش لأجله كما مات لأجلك. ليس بالوعد وحسب لكن بالهرب السريع من العالم الذي هو زهرة، فلا يضلك، وحلم فلا يثقبن يدكك، وبحر واسع فلا يغمرنك بأمواجه. يزول شكله كما هو مكتوب: يبطل غناهن تحتقر سلطته، سلاطينه ينحلون، درجاته تتساقط، خيراته تتغير، شروره لا تثبت، شهواته تذبل. ويزول بجملته مع كل ما فيه، ومثله تنتهي راحاته.
العالم الحالي يزول ليأتي العالم الحقيقي
يخرج ليدخل آخر. يذهب هذا الكاذب، ليأتي ذاك الصادق. يسقط المنحل، ليقوم ذاك الذي لا ينحل. إذا لا محبة لهذا العالم. افسح له المجال، لأنه يهرب هرباً من قدام العالم الآخر.
العالم شاخ وسينحل
اجعل إذاً بداية لتوبتك. لقد شاخ، إلى متى سيستمرّ في الوجود؟ كل مدة الحياة انقضت. عطّل الاتكال الكاذب التوبة. بقيت لك حياة قصرة من حياة طويلة، فلا تتركها تنصرف عبثاً، كما انصرفت هذه التي وُجدت قبلها.