كتاب الحق القانوني

كتاب الـحـق الـقـانـونـي

بقلم المثلث الرحمة العلامة

البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم

ينشره بالطبع

قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص

 

مقدمة

في الحق القانوني

الفصل الأول

فـي الـنـامــوس

الفصل الثاني

في تعريف الشريعة

الفصل الثالث

في القانون

الفصل الرابع

في الناموس القانوني

الفصل الخامس

في شمول الناموس القانوني وضرورته

الفصل السادس

في تقسيم الناموس القانوني

الفصل السابع

في الفقه الكنسي

الفصل الثامن

في تقسيم القوانين

الفصل التاسع

في سلطان الاشتراع في الكنيسة

الفصل العاشر

في مادة الشريعة

الفصل الحادي عشر

في إلزام الشرائع الكنسية

الفصل الثاني عشر

في تفسير الشرائع

الفصل الثالث عشر

في انتقاض إلزام الشريعة والفسخ والإعفاء والتفسيح

الفصل الرابع عشر

في العادة

الفصل الخامس عشر

في شرائط العادة

الفصل السادس عشر

في أحكام العادة

الفصل السابع عشر

في إثبات العادة

الفصل الثامن عشر

في إبطال العادة

الفصل التاسع عشر

في مصادر الناموس

الفصل العشرون

في العهد العتيق هل يصلح مُستمداً للناموس القانوني

وهل يُبنى عليه أحكام قانونية

الفصل الحادي والعشرون

في استمداد الناموس القانوني من العهد الجديد

الفصل الثاني والعشرون

في السُّنن الإلهية والرسولية

الفصل الثالث والعشرون

في النقل (التقليد) الإلهي والإنساني

الفصل الرابع والعشرون

في مجموع الناموس

الفصل الخامس والعشرون

في مراسيم الرسل وقوانينهم

الفصل السادس والعشرون

في المجمع وأعماله

الفصل السابع والعشرون

في أهمية المجامع ومنافعها

الفصل الثامن والعشرون

في ضرورة عقد المجامع

الفصل التاسع والعشرون

في المجمع المسكوني

الفصل الثلاثون

في الدعوة إلى المجمع

الفصل الحادي والثلاثون

في عقد المجامع العامة

الفصل الثاني والثلاثون

في سلطان المجامع

الفصل الثالث والثلاثون

في جسم الناموس وأجزائه

مقدمة

في الحق القانوني

1 ـ الحق القانوني:

بحسب الاصطلاح الكنسي، هو مجموع الشرائع والقوانين والقواعد المرسومة التي ثبتتها أو سنّتها الكنيسة المقدسة الجامعة الأرثوذكسية، لأجل العمل بموجبها على غاية النظام، مراعاة لخير بنيها في أمر الدين والدنيا ـ أعني التماساً لمطابقة الأعمال الصالحة للعقائد القويمة ـ للفوز بالسعادة الأبدية العظمى، والحظوى باللّه غاية المسيحي القصوى([1]).

2 ـ فالناموس القانوني:

بإقراره قاعدة العمل لابتناء كثير من قواعد الترتيب، والعمل على قواعد الاعتقاد، يلاحظ المؤمنين باعتبار نسبتهم إلى المجتمع الكنسي، ولذلك كان أخص مرجعه إلى المحكمة الخارجية لشموله الفرائض التي يستلزم القيام بها استحكام النظام في المجتمع الإنساني، واستتباب الألفة بين المؤمنين وإصلاح ذات بينهم.

3 ـ ومن هنا الفرق بينه وبين علم اللاهوت الخلقي:

المعروف أيضاً (بالأدبي) لأن هذا مداره على الفضائل والرذائل، ومقصور تعلّقه بالمحكمة الباطنية بوجه أوّلي وأصلي، ويبحث عن كل فعل سواء كان له نسبة إلى المجتمع أو لا.

كما أن الناموس يفترق عنه أيضاً بضمه إلى قواعد الاعتقاد والآداب، شرائع كنسية، أو تعليقه عقوبات ردعاً للناس عن سوء العمل وإقبالاً بها إلى صالح الأعمال (كما في الهرطقة والسيمونيا والحنث في اليمين أي أن الشخص لم يُبرّ في القسم أو اليمين وغير ذلك).

 

الفصل الأول

فـي الـنـامــوس

4 ـ الناموس Nom-ُs:

لفظة يونانية الأصل معناها الشريعة أو السنّة، وفي الاصطلاح يغلب استعمالها في ما دلّ على مجموع قواعد وشرائع يضمّها ارتباط ووحدة.

5 ـ وقسّمه بعضهم:

إلى طبيعي وكتابي. وغيرهم إلى إلهي، وإنساني وطبيعي. وأخيراً إلى ناموس طبيعي أو إلهي، ومدني وكنسي وهو عام وخاص.

فالعام: هو معرفة طبيعية مغروسة في طبعنا بها نميّز الخير من الشر.

والخاص: كالذي سنّ لآل نوح أن لا يأكلوا الدم «ولكن لحماً فيه دمه لا تأكلوا» (تك 9: 4).

6 ـ والإلزام لازم للناموس:

فيمتنع انفكاك تصوّر الواحد منهما عن الآخر، ومن ثمّ يتعيّن للإنسان المكلّف دراسة علم الناموس ومعرفته، القيام بواجب حفظه والعمل بمقتضاه وهذا الإلزام إما أن يكون نافذاً بالنظر إلى الضمير أو بالنسبة إلى الجزاء، وإما باعتباره كِلا الأمرين معاً بحسب ما ينويه المشترع.

إذاً الشريعة توجب إلزاماً من نفسها. وتعديها إلى الضمير أو قصرها على الجزاء، فتكون حينئذ جزائية، مما صح وثبت في الشرائع المدنية والقانونية والكنسية.

7 ـ والشريعة الإنسانية:

تقوى على إيجاب الإلزام في حق الضمير، بدليل الآية الرسولية: «فمن يقاوم السلطان فإنما يعاند ترتيب اللّه، والمعاندون يجلبون دينونة على أنفسهم» (رو 13: 2).

والشريعة الطبيعية أو الناموس الطبيعي: كما قال القديس بولس الرسول: «لأني أفرح بناموس اللّه، الذي في الإنسان الباطني» (رو 7: 22). فإنه يسمي الناموس الطبيعي لا الذي عليه تسلك الحيوانات بدون تمييز، لكن الناموس الذي بالتمييز يستطيع أن يعرف أياً هو الخير، كما قال ربنا «وكما تريدون أن يفعل الناس بكم، كذلك افعلوا أنتم بهم» (لو 6: 31) و«فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم بهم، فإن هذا هو الناموس والأنبياء» (مت 7: 12).

الفصل الثاني

في تعريف الشريعة

8 ـ الشريعة:

نظام عقلي ثابت، يسنّه ويذيعه صاحب سلطان عام إلى جماعة عامة يقصد به المصلحة العامة، فتؤلّف دستوراً قويماً للأكمال مقصوداً به إلزامها بفعل شيء أو اجتنابه تتبعاً للغاية القصوى.

وهي إما إلهية أو طبيعية أو وضعية أو إما بشرية كنسية أو مدنية، معلمة موفية، أو سالبة مانعة، وربما كانت مغيظة، تفترض رأساً في الضمير، أو تكون فقط تأديبية شخصية أو مكانية عامة أو خاصة.

9 ـ يقصد من الشريعة:

العناية بخير الجماعة، ولا يُبالى فيها بأمر الفرد إلا من حيث يجب عليه أن يعاون هو نفسه على خير الجماعة.

10 ـ السلطة التي تصدر عنها الشريعة:

هي العقل الذي يلزمه أن يعتني بخير الجمهور عنايته بخيره الخاص، ومن الضرورة أن تذاع الشريعة بحيث يمكن أن يطّلع عليها حتى تكون ملزمة.

11 ـ ومن الأمور المهمّة في الغاية:

أن نتفقّه في ما يمكن أن يتعلّق بنا من الشرائع، وهذه الشرئع أصناف، وهي: الشريعة الأزلية، أو الطبيعية، والشريعة الإنسانية، والشريعة الإلهية.

12 ـ فالأزلية:

هي الموجودة في اللّه، وهي الشريعة العليا التي تدبر جميع الكائنات، وعليها تتوقف سائر الشرائع التي ليست إلا فروعاً منها، ومظاهر لها جزئية، وهي ظاهرة في الأشياء بنظام الأشياء نفسها كما هو جار في العالم.

13 ـ والطبيعية:

هي الشريعة الأزلية الموجودة أيضاً في الإنسان بالمشاركة، وهي: النور الطبيعي الحاصل خلقة في العقل العملي من الإنسان الذي من شأنه أن يجعله يدبّر نفسه ويحدث عن علم أفعالاً تكون إنفاذاً للشريعة الأزلية، بأعمال رويّة. كما أن الأفعال الطبيعية الصادرة عن الفواعل الطبيعية بقوة ميلها الطبيعي، هي إنفاذ لهذه الشريعة نفسها عن غير رويّة.

14 ـ ويوجد في الإنسان:

مبدأ أول لهذا العقل العملي، أو رسم أول لهذه الشريعة الطبيعية، وهذا المبدأ مبني على حقيقة الخير أو طبيعته بمعناه الذاتي الوجودي، كما أن المبدأ الأول للعقل النظري مبني على حقيقة الوجود.

15 ـ وقضية هذا المبدأ هي:

أن ما هو خير، فعلى الإنسان أن يلتمسه، وما ليس بخير فعليه أن يتركه، وسائر المبادئ أو الرسوم ليست إلا تخصيصات له حاصلة بغير واسطة.

والتخصيصات الأولى التي جعلت له في الإنسان هي مناداة عقل الإنسان بثلاثة أصناف من الخيرات يرتب بعضها فوق بعض تلائم طبيعته:

1ـ التمييز بين الحق والباطل.

2ـ الضمير الذي يميّز بين الخير والشر.

3ـ يتوقع الجزآء أو المكافأة.

16 ـ ولكل شريعة يشترط شروط خمسة:

الأول: أن تصدر من رئيس شرعي لجماعة ما، فلا مفعول للشريعة إذا صدرت مِن مَن لا يولّى أمر الجماعة ومن ينفّذ أمره.

الثاني: أن تكون معقولة أي صوابية وممكنة، أما الأولى فأن تكون وسيلة إلى الحصول على إيضاح الصحيح، وأما الثانية، فأن تكون مما يقدر عليه أي إمكانها الوقوعي، وذلك بأن يقوى الإنسان على العمل بموجبها، إذ لا إلزام بالمحال.

الثالث: أن تكون عائدة إلى خير العموم لا إلى خير بعض الأفراد، لأنها دستور على الجماعة، والنظر في كونها ممكنة، مقصور فيها على الجماعة لا على بعض الأفراد.

الرابع: أن تذاع إذاعة كافية لحصول العلم بها عند الجمهور، لذلك إنها تلزم حينما تذاع، وأما إذاعتها من قبل المشترع فبمنشور حبري على ما جرت به العادة.

الخامس: أن تكون مقصوداً بها الإلزام على وجه الدوام، أعني أنها من طبعها تقتضي الدوام، وإيجاب الإلزام على وجه الاستمرار إلى أن تبطل شرعاً.

الفصل الثالث

في القانون

17 ـ القانون:

كلمة يونانية بمعنى المسطرة، ويراد بها مقياس كل شيء، ثمّ نقل تجوّزاً إلى الدلالة على القضية الكلية، من حيث يستخرج بها جزئيات المحكوم عليه فيها، وتسمى تلك القضية أصلاً وقاعدة، وتلك الأحكام فروعاً، واستخراجها من ذلك الأصل تفريعاً (كذا في الكليات). وخصتها غلبة استعمال المؤلفين بالدلالة على قواعد الآداب والشريعة، فقالوا:

الشريعة إنما هي القانون أو قاعدة العدل ونقيضه (المخالف له)، ودرجت الكنيسة على هذا الاستعمال لتغلّبه ولكثرة وروده بهذا المعنى في رسائل بولس الرسول وعليه: فإن لفظة القانون كأنها قد صارت في لغة الكنيسة نصّاً في قواعد الإيمان والآداب والترتيب.

ولمّا اشتهر إطلاق القانون على هذه القواعد، فكان حق الناموس الجامع لها أن يدعى ناموساً قانونياً.

الفصل الرابع

في الناموس القانوني

18 ـ حدّ بعضهم الناموس القانوني بأنه:

«ناموس يشتمل على القواعد الكنسية مقصوداً بها إلى إصلاح سيرة المؤمنين على اختلاف حالاتهم ومراتبهم، ورعاية جانب العدالة في الشعب المسيحي باتقان وحسن التدبير».

وقال فيه غيرهم «إن الناموس القانوني هو مجموع قوانين أو شرائع متعلّقة بالإيمان والآداب والترتيب أقرّها أو فرضها سلطان الكنيسة على المسيحيين» فقوله مجموع قوانين وشرائع جنس شائع يشمل الناموس الأدبي والقانوني وغيرها. وقوله (أقرّها أو فرضها) أراد به أن من تلك الشرائع ما هو مثبّت ومقرّر، ومنها ما هو موضوع ومسنون.

19 ـ فالأول:

ما لم تصنعه الكنيسة استئنافاً وإنما نقلته وشرحته أو قرّرته وأثبتته بسلطانها. من ذلك الشرائع المترتبة على الناموس الطبيعي أو الإلهي كقواعد الإيمان والآداب، ومادة الأسرار وصورتها، فهذه وإن دعيت شرائع كنسية فمرجعها في التحقيق إلى الناموس الطبيعي والإلهي. وهي لذلك ثابتة لا يعتريها تغيير، ويلحق به أيضاً من شرائع الناموس المدني ما أجازته الكنيسة وأثبتته في درج ناموسها.

20 ـ أما الثاني:

فهو ما سنّته الكنيسة ابتداءً بحسبما اقتضاه اعتبار الأمكنة والأزمنة والأشخاص، وهي الشرائع الكنسية المعروفة بالوضعية. وهذه تختلف عن قواعد الإيمان والآداب من وجوه ـ منها أنها قابلة للتغيير والإبطال، لأن الكنيسة كما وُلّيت حقّ سنّها، تلي حقّ إلغائها وإبطالها وتغييرها.

21 ـ والمكلّفون بالناموس القانوني هم:

المسيحيون ليس غير، وقد قال مار بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 5: 12: «فإنه ماذا يعنيني أن أدين الذين في الخارج».

الفصل الخامس

في شمول الناموس القانوني وضرورته

22 ـ يتبيّن شمول الناموس القانوني من غزارة مادته التي أبوابها ثلاثة:

باب الأشخاص               باب الأشياء             باب الأحكام

23 ـ باب الأشخاص:

يشمل الطغمة الكنسية بأسرها أي الدرجة، الرتبة، الخدمة، الفروض، الحقوق، نيل الدرجة وخسرانها.

24 ـ باب الأشياء:

يشمل الأسرار، الحلل والآنية الكنسية المقدسة، الطقوس، المعابد، المقابر، الأموال و(الوقوف) العشور.

25 ـ باب الأحكام:

يشمل أحكام سلطان الكنيسة القضائي، الاشتراعي، الجزائي، المحاكم، الأحكام، الذنوب، التأديبات.

26 ـ أما ضرورته فأشهر من أن تبيّن:

وأوّل من تلزم معرفته هم الإكليريكيون، وذلك ثابت بالشرائع الآمرة وهي من أخص الأوامر للإكليروس للإحاطة بالقوانين، وبدلالة حالتهم الإكليريكية لأن مقتضاها أن يتفقّهوا بالقوانين، ذلك أن جهالتها تفضي إلى تشويه وجه الترتيب الكنسي والتضرير بالأفراد. ونسبة علم القوانين إلى الإكليريكيين كنسبة علم الطب إلى الطبيب لا يعذر جاهله.

ويتعيّن على كل من الإكليريكيين بحسب قانون مراتبهم العلم بما تقتضيه حالته، ويتعيّن أيضاً على كل من يسمع الدعاوى أو يرافع عنها أو يحكم بها معرفة كلا الناموسين القانوني والمدني، لما بينهما من شدّة وارتباط.

الفصل السادس

في تقسيم الناموس القانوني

27 ـ هو باعتبار كيفية مشروعيته إما مكتتب أو عادي:

والمكتتب ما وضعه المشترع رأساً، سمّي كذلك لتدوينه في كتاب. والعادي ما استمرت عليه عادة الأقوام (أنظر شروط صحّة العادة).

28 ـ وباعتبار المكلّف به إما عام وإما خاص.:

العام: يقصد به إلى تدبير الكنيسة لسياستها بجملتها.

والخاص: إذا انحصرت غايته في تدبير بلد أو شعب أو إقليم أو أبرشية. فالأول وضعه منحصر في سلطان الأحبار أو المجامع أو العادة الجارية في الكنيسة جميعها. والثاني وضعه ثابت للأحبار والمجامع العامة والإقليمية والأساقفة والعادات المكانية.

29 ـ وباعتبار موضوعه إما جمعي أو فردي:

فإن كان مرجعه إلى تدبير الاجتماع وحقوق الرؤساء وواجباتهم، أي مصلحة مجموع الألفة المسيحية كان جمعاً. وإن كان قاصر البحث على حقوق أفراد المسيحيين وواجباتهم فهو فردي.

30 ـ فالكنيسة لمّا كانت مجتمعاً موصوفاً بالكمال:

وكان افتقار المجتمع إلى السلطة، كان لا بد له من عنصرين آمر ومدبّر ومشترع وقاض، وعنصر مأمور ومدبّر وخاضع ومطيع. ولكلٍّ حقوقٌ وواجبات.

أما حقوق وواجبات العنصر الأوّل فبحسبما تقتضي هيئة الاجتماع وطبيعته وغايته، وهي تترتب على شرائع مستقاة من الكتاب المقدس، والسنّة والتقليد وتعرف بالشرائع الأساسية وهي الأسفار المقدسة والسنّة. والناموس الفردي خصّ بمجموع الشرائع التي تحدّد حقوق الشعب المسيحي وفروضه.

31 ـ فالناموس الجمعي:

عبارة عن الناموس المشترِع (بكسر الرّاء) أي ناموس سنّ الشرائع، والفردي عن الناموس المشترَع (بفتحها) أي نفس الشرائع المسنونة وإن أطلقوا الناموس أرادوا به الأوّل.

الفصل السابع

في الفقه الكنسي

32 ـ الشرائع محلّها الأفعال البشرية:

وهذه دائرة على أمور فردية عارضة، ويمتنع طيّها تحت ضابط واحد شامل يحصرها برمّتها لما لها من سرعة التقلّب والتغيّر، فضلاً عن أن كثرتها تخرجها عن طور إدراك كل مشترع حكيم. فيلزم عنه أنه لا يستغني في الشرائع من الإحالة إلى تفسير وتوضيح وتنظيم.

33 ـ لمّا كانت الشرائع في الغالب ضوابط كليّة:

وكان من المستحيل أن تكون من الوضوح بحيث يستغنى عن كل تفسير أو من الشمول بحيث يمكن إطلاقها أو انطباقها على كل المسائل الجزئية الحادثة، لتعذّر إحاطة كل مشترع بها لكثرتها، كان لا بدّ من تدقيق النظر وإعمال الفطنة في الاستئناس بالشرائع وإتقان تدبّرها وتطبيقها على أفعال الناس بحكمة، وإطلاقها على ما لا تصرّح به من المسائل الواقعية بصادق التأويل. فعلم تفسير الناموس وتطبيقه يعرف بـ: (الفقه الكنسي).

وحدّه: أنه ملكة يقتدر بها على تفسير الشرائع الكنسية وأحكام تطبيقها على المسائل الواقعية فهو: كلّ ينطوي تحته جزءان: علم تفسير الشرائع، ثمّ إتقان تطبيقها على الحوادث الواقعية.

والأول مشكل يتقاضى العام بأشياء كثيرة، وأما الثاني فأسهل وأيسر، وذلك أنّك إذا استوضحت معنى الشريعة وشأنها وقصتها بوجه يزيل لبسها وخفاءها أسفر لك الأمر عن نيّة المشترع ووفّقت إلى أحكام تطبّق شريعة على المسائل المتنوّعة.

الفصل الثامن

في تقسيم القوانين

35 ـ تقسم القوانين إلى:

اعتقادية وترتيبية، لاندراج الطريقة المسيحية تحت قاعدتين: الاعتقاد والعمل.

وفرّق المحققون في الأخيرة قاعدة الآداب من قاعدة النظام فحصل: قوانين الاعتقاد ـ قوانين الآداب ـ قوانين النظام.

36 ـ أ ـ قوانين الاعتقاد:

موضوعها: الحقيقة المنزلة بوحي من اللّه، ويتعيّن على المؤمنين اعتقادها اعتقاداً جازماً والاعتراف بها بثبات.

واعتقادية القانون قائمة بأمرين:

الأوّل الوحي والثاني تقرير الكنيسة ما يعلّمه ذلك القانون ووضع ضوابط أربعة للتمييز بين قانون الاعتقاد وغيره.

37 ـ الأوّل:

إذا كان واضح البيان كأن يقطع فيه بهرطقة من يتمسّك بخلاف ما يعلّمه.

الثاني: أن يفرض المجمع مراسيمه بهذه الصورة: من قال بكذا وكذا فليكن محروماً.

الثالث: أن يقضي على المخالفين بالحرم قضاء نافذاً أي في الحال أو بذات الفعل.

الرابع: أن يقال بصراحة في أمر أنّه يجب على المؤمنين تصديقه بيقين أو تنزيله منزلة عقيدة، أو قيل «هذا مناف للإنجيل أو تعليم الرسل» وما شابه ذلك من الكلام الذي بمعناه لفظاً وتأويلاً ـ وذلك من قبل الأمر القطعي الجازم ـ وجزاء الحرم والطرد قد يعلّق على القوانين التي تتعلق بالعمل دون العقائد ـ كالقانون: «من تزوّج عرّابته (فليكن محروماً)» فإنّه لا يتضّمن شيئاً من العقائد.

38 ـ ب  ـ قوانين الآداب:

قوانين الآداب تتعلّق بما كان من الأفعال البشرية حسناً أو قبيحاً من نفسه، أعني أنّها تنصب على حسب قاعدة لما يجب فعله أو تركه، ولذلك كان مدارها على بسط الشرائع الطبيعية وتفسيرها ـ وشرائع الآداب هذه التي تلقّاها من النور الطبيعي تحوز كما لها من شريعة الإنجيل لأن المسيح لم يجيء لينقض الناموس بل ليتمّه.

وهذه القوانين مستمرة الثبات إلى ما شاء اللّه وشاملة الالتزام.

39 ـ ج ـ قوانين الترتيب:

هذه القوانين موضوعة لصيانة نزاهة الاعتقاد وصلاح الأعمال، وقداسة العبادة، ومدارها: وقاية الآداب والاعتقاد وصيانة حرمتها. وإليها مرجع التأديبات والعقوبات التي تفرض على الهراطقة والسحرة والقتلة وغيرهم.

وتخصيص الوصايا الإلهية والطبيعية أي تعيين زمان حفظها ونوعها كحفظ يوم الأحد والمناولة الفصحية وما شاكلها. ضبط أمر الكنيسة وتدبير اجتماعها وترتبط بهذا الباب قوانين الانتخاب وقوانين الأحكام وما أشبهها. وقوانين الترتيب الليتورجي وموضوعه، ضبط أفعال العبادة وإتقان تنظيمها، منها القوانين في توزيع الأسرار وفي أيام الأعياد إلخ.

ومادة الأسرار وصورتها وهيئة تدبير الكنيسة (وهو الترتيب الاعتقادي) ومرجعه إلى الناموس الإلهي، وعليه فإنّه ثابت غير قابل للتغيير.

الفصل التاسع

في سلطان الاشتراع في الكنيسة

40 ـ يجب لسنّ شريعة:

سلطة ولاية أعني حقّ الحكم على رعايا، باعتبارها أعضاء جماعة تامّة. فمن الثابت الذي لا يرد أن رؤساء الكنيسة الشرعيين الأعلين يولون سنّ شرائع توجب إلزاماً على المؤمنين ذلك أن السيد المسيح جعل كنيسته جماعة تامّة في جنسها ومستوفية شرائط كمالها، ولا بدّ في كلّ جماعة من رؤساء وسلطان اشتراع.

41 ـ وهذا السلطان:

خوّله السيد المسيح نفسه للقديس بطرس هامة الرسل وإخوته الرسل القديسين والأساقفة عنهم بقوله للأوّل: «وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما ربطته على الأرض يكون مربوطاً في السموات، وما حللته على الأرض يكون محلولاً في السموات» (مت 16: 19) وقوله للرسل (وخلفائهم الأساقفة) «كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً في السماء» (مت 18: 18).

وفي قوله (كلّ ما) أراد به معنى الشمول، إشارة إلى أن موضوع سلطانهم شامل، كما هو شأن موضوع الشريعة.

42 ـ ومآل الآيتين:

يثبت السلطان الاشتراعي، وهذا السلطان إما سامٍ أصلي، وإما فرعي مستمد، أما الأول فهو ما يستعمله البطريرك وهو الحبر الأعظم بطريق الأصالة، ذلك أنّه انتخب شرعاً فأبدى رضاه بملء سلطانه وولايته التصرف بسلطة الاشتراع، فيحق له أن يفرض على الكنيسة جمعاء في المواد الروحانية سنناً ترجع إلى خير النفوس وتوجب إلزاماً على جميع المؤمنين. وأما الثاني فيليه المجمع العام، المجمع المسكوني وهو تحت أمر البطريرك بطريق عادي أعني عن دواعٍ خطيرة ولأمور ذات شأن.

43 ـ أمّا الخاصة بأبرشية من الأبرشيات:

فيملك سنّها المجمع الإقليمي، وهي نافذة الإجراء في ذلك الإقليم أو تلك الأبرشية، لا تتعدى حدودها، ولمّا كانت ولاية الأسقف في أبرشيته ولاية أصالة، فله أن يسنّ شرائع في أبرشيته، والذي يفرضه يكون نافذاً وثابتاً سواء عقد لذلك مجلس شورى من قسوسه أو لا، بشرط أن لا تضر هذه القوانين الخاصة بالناموس العام ولا تقاوم المراسيم الرسولية. ولمّا كان من مقتضيات المرسوم بقاؤه مستمر النفوذ فهذه الفرائض نافذة بعد موت الأسقف ما لم يبطلها خليفته.

44 ـ ولرؤساء الرهبان أيضاً:

أن يفرضوا على رهبانهم قوانين توافق نظام الرهبنة وعاداتها الحميدة المرعية لأن لهم على مرؤوسيهم ولاية حقيقية، غير أنّه يشترط لنفوذها تصديق مطران الأبرشية التي يرتبط بها رئاسة دير أولئك الرهبان: هذا في الكنيسة.

45 ـ وأما في المجتمع المدني:

فيلي سنّ الشرائع والقوانين السلطان والملك وحدهما، أو بالاتفاق مع رجال الندوة، والجمهورية الشرعية.

الفصل العاشر

في مادة الشريعة

46 ـ أحكام الشريعة:

هي الأمر والنهي، والإجازة والجزاء فتنقسم بهذا الاعتبار إلى: آمرة وناهية (محرّمة)، ومجيزة، وجزائية.

47 ـ أما مادة الشريعة الآمرة:

فهي العدالة، ولعلّها تتناول أيضاً أفعال سائر الفضائل كالقناعة والزهد بشرط أن لا يكون ثمّ مشقّة ظاهرة، كما في أفعال المشورات الإنجيلية التي لا يتمّ فرضها إلا على الناذرين.

48 ـ وأما الشرائع الناهية:

فمادتها كلّ ما صادم العدالة وسائر الفضائل، ذلك أنّها تنتهي عن كلّ ما نهت عنه الشريعة الطبيعية أو الإلهية الوضعية.

49 ـ وموضوع الشرائع المبيحة أو المجيزة (المتساهلة):

فمنحصر في الأفعال المجرّدة أو المباحة. ولربما تسلّحت في بعض أفعال الظلم دفعاً لأعظم الشرّين، كالشريعة المحكى عنها في تثنية الاشتراع المبيحة لليهود أخذ الربا من الأجنبيين (تث 23: 20) «أقرض الغريب بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا».

50 ـ وأمّا الجزائية:

فدائرة على الأفعال المنافية للترتيب العام، ومن تعدّاها فرض عليه جزاء مسمّى.

51 ـ الشرائع الآمرة والناهية والجزائية:

لا تتناول الماضيات، وإنّما تدخل الأفعال الماضية تحت الشريعة التفسيرية والمبطلة، وصحّة دخولها تحت المبطلة مشروطة بالتصريح بذكرها، باعتبار أن حقيقة التفسير من شأنها أن توضّح ما خفي والتبس من نيّة المشترع لدى سنّه شريعة الأولى. فمن ثمّ تكون هي الشريعة التفسيرية بعينها لا تختلف عنها نوعاً وحكماً وإنّما تفارقها من حيث الوضوح والشمول.

وكلّ تفسير صحيح: حكمه حكم الشريعة التفسيرية.


الفصل الحادي عشر

في إلزام الشرائع الكنسية

52 ـ إذا ثبت للمشترع حقّ في سنّ الشرائع:

ثبت على المرؤوس الذي هو من رعيته حقّ وجوب الخضوع لها، لأن الحقّين متلازمان، وكل شريعة حقيقية موجبة إلزاماً في الضمير بمعنى أن تعدّيها يعدّ خطيئة. وقوة هذه الشريعة الشرعية تعرف بقوّة الشريعة المرشدة أو الإدارية.

53 ـ ولا إلزام في الشريعة قبل إذاعتها.

54 ـ الشريعة الكنسية:

تلزم بالخضوع لها جميع المعمّدين الحاصلين على ملكة التمييز والمقيمين في موضع إلزامها وقد أتمّوا سبع سنوات، لأن من ليس عنده ملكة التمييز لا يُساس بالشرائع.

55 ـ إن إلزام الإقامة في الموضع:

يشمل الشرائع الخاصة بإقليم أو أبرشية لا الشرائع العامّة. لأنها لا تحصرها حدود الأمكنة وإنّما هي نافذة الإلزام في كل موضع.

56 ـ يلزم الغرباء والطوّافين:

الخضوع للشرائع العامّة الشاملة جمهور المؤمنين دون الشرائع الخاصة، ما لم يسبب عدم حفظها عثاراً أو ضرراً براحة الجمهور.

57 ـ الشرائع المدنية العامة:

يلحق إلزامها الإكليريكيين وأموال الكنيسة من الوجه الإداري لا (الجزائي) إن كانت لا تصادم القوانين الكنسية المقدسة، ولا تنافي رونق الحالة الإكليريكية. وذلك أن جماعة الإكليريكيين يتمتعون بإنعام المنعة (الحصانة) الذي يخرجهم من طائلة فعل الشريعة الإرهابي (الجزائي) وكذلك الأموال الكنسية.

58 ـ الشرائع المدنية المثبتة صريحاً من الناموس القانوني:

تلزم ذمة دون ريب كشريعة القيصر يوستنيانس الأوّل في فرائضه الجديدة التي تعطي فسحة ثلاث سنوات لاختبار عجز المتزوجين.

59 ـ الشرائع المدنية غير المفروضة:

تعتبر منبثقة من الناموس القانوني مضمراً منها:

ان القاضي الكنسي يجب عليه أن يوافق الناموس المدني في الأوضاع التي يخلو من مثلها في الناموس القانوني.

60 ـ يلزم المشترع:

حفظ الشرائع التي تليق بالرئيس والمرؤوس معاً كالصوم مثلاً والاعتراف السنوي وما إليهما، وذلك من حيث قوتها الإدارية فقط، وهذا من باب الإلزام في الضمير، وهو ثابت بالنص والعقل:

أما النص فمبني على قول السيد المسيح (مت 23: 4) «لأنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة شاقة الحمل ويجعلونها على مناكب الناس ولا يريدون أن يحركوها بإحدى أصابعهم».

وأما العقل فلأنه إذا لم يكن في الرأس ما يُطلب في الجسم تضعضع نظام العَيْلة، فضلاً عمّا تسبب مخالفة المشترع من عثار يقعد بالمرؤوسين عن حفظ الشرائع.

61 ـ المشترع الأعلى:

ليس لحاكم آخر أن يحكم عليه بالعقوبة إذا خالف شريعته لتقدير أنّه الحاكم المشترع الأعلى في الشرائع الكنسية، ثم هو لا يصلح حاكماً على نفسه وآمراً ـ وعليه فلا يلزمه إيضاً حفظ شرائع سلفائه ـ باعتبار الحيثية المذكورة.

الفصل الثاني عشر

في تفسير الشرائع

62 ـ تفسير الشريعة:

هو إيضاح معنى نصّها الحقيقي مع بيان ما اشتمل عليه من الإيجاز، أي سدّ ما وقع فيه من التقصير غير المخلّ، ويكون التفسير صحيحاً إذا أنجزه المشترع، إما بصورة شريعة وإما بحكم أو قضاء وإما بإصدار براءة.

63 ـ ويكون عادياً:

إذا تسلسل من النوع الذي يتمّم به. وقضائياً (أو وثيقاً) صادراً عن سلطة شرعية فيكتسب قوة الشريعة، وتعليمياً يقوم به رجال ذوو فطنة، وهو إما بياني (مُوضِّح) وإما مُعدِّل، وينبغي أن يُجمع عليه رأيُ الأئمة غير أنّه لا يكتسب قوة الشريعة، ولا يتجاوز حدود الاحتمال.

64 ـ والتفسير:

إما أن يتولاّه المشترع بنفسه، فيحق له من التصرّف فيه ما لا يحق لغيره، وهو يلي نقض شريعة سالفه، فتفسيره يكون حجّة في كل حال، وإما رئيس أدنى: وتفسير هذا بخلاف تفسير المشرّع.

65 ـ والقواعد المطّردة التي يلزم الرئيس الأدنى رعايتها في تفسير الشريعة، وهي:

1 ـ اللفظ البيّن لا يتحمّل تفسيراً.

2 ـ يجب أن يكون التفسير أنسب بالمعنى منه باللفظ لأن من عوّل على ألفاظ الشريعة، وأعرض عن معناها فهو مسيء في جنب الشريعة، فقد قيل في المادة (2) من المجلة العدلية: «الأمور بمقاصدها» وفي المادة (3) «العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني»، ووجوب حمل الكلام على معناه الحقيقي، لأن المشترع حكيم يجيء بواضح من الكلام لا يوهم الالتباس، وحكمه وجوب العمل بما اتضح من كلامه، ولا يهمل الكلام إلا إذا كان قاصراً عن تأدية المراد أو كان مدلوله منافياً للعدل والصواب ولو وقع بين ظاهر الكلام ونيّة المشترع أو مقصود الشريعة تعارض ـ فحينئذ يصار إلى نيّة المشترع وقصد الشريعة ـ لأن الكلام يخدم المعاني لا المعاني الكلام.

66 ـ أما إن حاول أحدهم بحجّة تأويل الألفاظ:

خدع الشريعة بتخريج ألفاظها على مخارج غير مقصودة من المشترع فيُهمل ولا يُقبل منه لمخالفته للشريعة.

مثاله: يحرّم على الإكليريكي تعاطي الربا بنفسه فلو وُكّل به أو تعاطاه بالنيابة عن غيره كان مخادعاً للشريعة.

67 ـ 3 ـ لما كان يتعيّن على المشترع:

أن يعبّر عن شريعته بكلام واضح جلي، حذر أن تبقى في حيّز الاشتباه فلا يأمن القضاة فيها العثار لزم المفسّر أن يحمل اللفظ على معنى الحقيقة ولا يتحوّل إلى معنى آخر إلا إذا قامت قرينة بخلافه، والقرينة إما لفظية وإما معنوية.

68 ـ 4 ـ الكلام المطلق يُحمَل على إطلاقه:

إذ حيث لا تقيِّد الشريعة ولا تنوِّع، فلا يجب أن نقيِّد أو ننوِّع.

69 ـ 5 ـ الاستثناء من الشريعة يقررها:

أي أن الحادث الذي يخرج من حكم الشريعة يثبت نفوذها وحكمها في غيره من الحوادث، لأن الاستثناء إخراج من وجه، وتقرير من وجه آخر.

70 ـ 6 ـ إذا كانت العلة الغائيّة:

واحدة في حادثين وليس بينهما ظاهر تخالف، فالحكم يكون واحداً فيهما، إذ الحكم في النظائر واحد.

71 ـ 7 ـ المكروهات جديرة بأن تُضيَّق والمُستَحبَّات بأن تُوسَّع:

واعلم أن كل ما يوجب عجزاً أو تأديباً أو عقوبة أو يقضي ببطلان فعل أو يفرض موانع الزواج ثم كل إنعام أو حفظ أو تفسيح أو ما شاكل ذلك مما يشذّ عن الناموس العام يُعدُّ من المكروهات. وكل ما يراعى به جانب حرية الكنيسة، ويؤول إلى نفع الدين والآداب ولا يكون شاذاً عن الناموس العام، ولا يلحق ضرراً بصالح الشعب، فهو من المستحبّات.

72 ـ 8 ـ في المبهَمات يعتبر الأقل، أي ما كان أقل إلزاماً وأخف ثقلاً.

مثاله: إذا أوصى يوسف لبطرس بدراهم ولم يعيّن كميتها، فيُبَرَّأ ورثة يوسف بإعطاء ما شاؤوا من الكمية وإن كانت يسيرة.

73 ـ 9 ـ إذا حُرِّم شيء حُرِّم ما ينشأ عنه (قاعدة بديهية):

وبالعكس إذا أبيح أو حلل شيء يحلّل كل ما ينشأ عنه. لأن من القواعد الثابتة، أن الفرع يتبع الأصل، والمقول الشائع: المرتبطات سواء في الحكم.

مثاله: 1ـ تحريم أكل اللحم يعمّ كل ما يصدر عنه. كالجبن والبيض والحليب وما شاكل ذلك.

2ـ الزواج المعقود مع وجود مانع مبطِّل وغير مفسَّح منه، لما كان باطلاً بمقتضى الناموس، بطل وحُرِّم أيضاً كل ما يرتبط بذلك العقد وما ينشأ عنه كطلب الحق الزواجي، وحق الاستنفاع بالأموال الجهازية أو بيعها أو تمليكها لآخر.

3ـ تحريم الزنا: يشمل كل ملامسة أو عمل أو نظر غير جائز.

74 ـ 10 ـ في العقوبات تؤوَّل الشريعة إلى أيّ المعنيين هو أرفق.

وهذه القاعدة مأخوذة من القاعدة 155 من الناموس المدني والقاعدة 42 في العقوبات.

مثال: إذا فُرض تأديب كنسي، ولم يُقيَّد بكونه نافذاً في الحال أو موقوفاً، فيعتبَر موقوفاً أي مُعَلَّقاً نفوذُه على حكم الرئيس.

استثناء

75 ـ يخرج عن القاعدة:

1 ـ تأديب المنع فإنه إذا وقع المنع على الكلي من غير استثناء شمل كل أجزائه حتى أنّه لو مُنعت مدينة دخل في المنع جميع كنائسها وما يجاورها من المحلات والأبنية التابعة لها.

2 ـ الجرائم الفظيعة القباحة، فإنها تقاصّ بأشد العقوبتين، أو العقوبات المفروضة في الناموس.

76 ـ التفسير المصدَّر بشكل شريعة أو حكم عام:

يكتسب قوة الشريعة نفسها، وإذا أعطي لأجل حالة خاصة فليس له حكم شريعة، غير أنه ينحصر بالأشخاص أو يصيب فقط الأشياء التي أُصدر لأجلها.

الفصل الثالث عشر

في انتقاض إلزام الشريعة والفسخ والإعفاء والتفسيح

77 ـ يحصل انتقاض إلزام الشريعة:

أولاً: إذا زالت غايتها بوجه التعميم. إذ لا يُظنّ أن المشترع الذي سنّ شريعة من أجل خير الجمهور يريد بقاءها إذا عَرَت من النفع أو انقلبت إلى مضرّة الجمهور.

78 ـ ثانياً: إذا أُلغيت أو عُلِّقت.

إما بإبطالها شرعاً برمّتها، وإما برفعها من قِبَل الرئيس أو خليفته لتغيّر الظروف. أما التعليق فأنْ تُخفَّف أو تُغيَّر جزءاً، إما بحذف باب من أبوابها، وإما باستثناء مسألة منها.

79 ـ ثالثاً: بالتفسيح:

بأن يرفع صاحب السلطان العام إلزامها في حادث ما، أو في حق أشخاص معيَّنين، مع بقاء نفاذه في حقّ الآخرين.

80 ـ يستطيع في حالة خاصة:

فسخ شريعة أو نقضها في جزءٍ منها: المشترع أو خليفته، أو مطران الأبرشية. فالشريعة الجديدة تفسخ الأولى إذا كانت مناقضة لها مباشرة، أو أنها ترتب من جديد كل ما حوته القديمة التي تصبح بعد هذا بلا قيمة.

81 ـ البطريرك بمفرده أو في مجمع عام:

يُعفي من كل شريعة كنسية ولو كانت رسولية الوضع وذلك في ظروف خاصة موجبة لأجل خير الكنيسة العام.

وفي الشرائع الإلهية الطبيعية لا يستطيع إلاّ أن يُذيع: أن الإلزام غير موجود، كمادة النذر والقَسَم والزواج غير المباشر، وأما في الشرائع المسلّمة من السيد المسيح للرسل، نظراً إلى صُوَر الأسرار وموادّها فلا يقدر.

82 ـ لمطران الأبرشية:

بسلطته الخاصة، أن ينسخ أو ينقض أو يُعفي من شريعة أو قانون موضعيّين سنّهما هو أو أحد أسلافه في ولاية أبرشيته، غير أن هذا النقض أو التفسيح يزول فيما إذا جزم الرئيس الأعلى بأن ما سنّه الأدنى لا قوة له ولا يُعمل به.

الفصل الرابع عشر

في العادة

83 ـ العادة:

عبارة عمّا يستقر في النفوس من الأمور المتكررة، وقال مار غريغوريوس ابن العبري «العادة حالة نفسية بها يستسهل الإنسان الحركة والفعل بلا فحص ورويّة» (الإيثيقون مقالة 3، باب 2، فصل 1، ص 222).

وهذا قريب من تحديد الجرجاني للخُلق، قال: «الخُلق في اصطلاح العلماء هيئة راسخة في النفس، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويُسْر من غير حاجة إلى فكر ورويّة».

(الكليات) وأراد بالخُلق: المَلَكة التي بها تُصدر النفس أفعالها عن رويّة وإرادة مختارة.

وقال المطران نعمة اللّه أبي كرم في تعليقه على كتاب الفلسفة النظرية للكردينال مرسيه «الملكة صفة راسخة للنفس، فما دامت سريعة الزوال تسمّى حالة، وإن رسخت تسمّى مَلَكة، وبالقياس إلى العقل تسمّى عادة وخُلُقاً». (العلم الكلّي العام ص239).

وقال هو أيضاً: العادة باعتبار معنى العلّة فيها: عبارة عن طُرْقة تصرُّف يعود إليها الشعب بأفعال متكررة، وباعتبار صوريّتها: عبارة عن ناموس ناشئ عن استمرار الجمهور على تكرار أفعال مطّردة، يجيزه المشترع ببعض الرضى.

وهذا الرضى لا يطلب أن يكون صريحاً ولا ضمنياً، لكن، الرضى الحكمي فقط، وهو ما يُعتبر في الشرع رضى أو في حُكمِه. (قسطاس ص 127).

84 ـ وتقسم العادة باعتبار غايتها إلى موافقة للشريعة، وإلى أجنبية عنها، وإلى مضادّة لها.

فالموافِقة هي استمرار الجمهور على الفعل بالشريعة المسنونة بحسب المعنى الذي يعلّقه على ألفاظها المُبهمة.

والعادة الأجنبية حاصلة بما إذا فرض الجمهور على نفسه ما لا تفرضه شريعة، أو نهاها عمّا لا تُنهي عنه.

والعادة المضادة هي التي تجعل ما تُنهي عنه الشريعة جائزاً، وما تأمر به مباحاً.

85 ـ العادة منها حسنة، ومنها قبيحة:

شأنها في هذا شأن الأفعال منها الممدوحة ومنها المذمومة.

الفصل الخامس عشر

في شرائط العادة

86 ـ لا تكتسب العادة قوة الشريعة إلا إذا استجمعت شرطين:

الأول: أن تكون مطابقة للصواب.

الثاني: أن تُستَحَلَّ شرعاً.

87 ـ ومعنى هذا الاستحلال:

مُضيّ المدة المطلوبة في الشرع لتقريرها كما في الاستحلال، ومدة عشر سنوات كافٍ لاستحلالها، إذا خالفت العادة الناموسين الطبيعي والإلهي الوضعي، فاحكم بعدم صوابيتها، إذ يمتنع على الإنسان أن يبطّل ما سنّه اللّه، وأذاعه بنور العقل أو كلمة الوحي.

88 ـ كلّما آلت العادة إلى نقض الترتيب الكنسي، تكون مخالفة للصواب.

89 ـ إذا رُوعي في العادة:

جانب الأثَمة في الأمور المدنية أو الكنسيّة فهي مجلبة للخطأ ويجب نبذها، كالعادة التي تسوّغ للرجل المبذِّر السفيه إذا أسرف في مالِهِ أو خسره، أن يتصرّف بأموال امرأته الثابتة والمنتقلة تصرّف ملك. والعادة التي تجعل للمرأة المسرَّحَة لعلّة الزنآء حقّاً في نصف ما ربحه زوجها من الأموال ما دام زواجهما معقوداً.

90 ـ العادة:

إذا قُصد بها إلى استحلال سلطان الكهنوت، فهي مردودة لتضمّنها نقضاً للناموس.

91 ـ لا عبرة للعادة إذا اعترضت تهذيب الأخلاق:

وهي مخالفة للصواب إذا نافت خير الجمهور.

92 ـ كل عادة دفعها الشرع القانوني لمخالفتها للصواب فهي عارية عن كل قوة.

93 ـ لا تقوى عائلة على إجراء عادة ولا النساء.

94 ـ لو ظّن الشعب:

أن هذا اليوم عيد واجب الحفظ، فحفظه مدة عشر سنوات، لا ينقلب حفظُهُ عادةً، لابتنائِهِ على الجهالة.

الفصل السادس عشر

في أحكام العادة

95 ـ حُكم العادة الموافقة للشريعة، أن تكون مفسّرة لها:

لأنّها إن استتمت شرائطها وأتت عليها المدة المطلوبة، فهي أصدق مفسّر للشريعة.

96 ـ العادة الأجنبية عن الشريعة:

حُكمها أن تُحدث في الشعب شريعة جديدة بمعنى أنها تجعل مأموراً به ما كان مُباحاً، ومَنهيّاً عنه ما كان جائزاً.

97 ـ وحُكم المخالفة أن تُبَطِّل الشريعة أو تُعلِّقُها.

98 ـ العادة محكَّمَة لكنّها لا يقاس عليها:

أعني لا يكون حُكم العادة في شيء جارياً على نظائر ذلك الشيء على سبيل التسوية، هذا في العادة المستكرهة لا في العادة المستحبّة.

99 ـ عادة محلّ لا تلزم في محل آخر:

لأن العادة موضعية، ولا تتحقق إلاّ بتكرار الأفعال، فلا تلزم
إلاّ من كرّر تلك الأفعال، والشرط أن تكون الأفعال متواصلة غير منقطعة.

الفصل السابع عشر

في إثبات العادة

100 ـ من يحتجّ بالعادة فعليه إثباتُها:

لأن البيّنة على المُثبت، ويسقط عنه ذلك إذا كانت مشهورة جمهورية. ولعلّ ذلك لأنه متمسك بالظاهر، والبيّنة لإثبات خلاف الظاهر.

وإثباتها إما بالبيّنة الخطيّة إذا كانت مُسلّمة خطاً، أو بتصديق المحاكم في الحكم، أو بشهادة الشهود.

الفصل الثامن عشر

في إبطال العادة

101 ـ تبطل العادة:

إما بشريعة لاحقة وإما بعادة مناقضة. أما الشريعة اللاحقة فتُبطل العادة السابقة العامة.

102 ـ والعادة التي مرّ عليها مئة سنة:

أو كانت لعهد لا يُعرف بدؤه وتُعرف عندهم بالعادة المتميِّزة، يُحتاج في إبطالها إلى ذكر صريح.

ويُستثنى منه، ما لو كانت هذه العادة مما يُلحق بالناموس وَصْماً وفساداً.

الفصل التاسع عشر

في مصادر الناموس

103 ـ مصادر الناموس أي المشترعون أربعة وهي:

السيد المسيح مؤسس الكنيسة ثم الرسل ثم الأحبار العظام البطاركة ثم الأساقفة ملتئمين في المجامع العامّة.

ومواضع استمداده أيضاً أربعة: لأن ما علّمه المسيح وأمر به ونهى عنه فنقله عنه الرسل هو مصون في الأسفار الإلهية، وفي التقليد الكنسي الثابت، وفي ما سنّه الأحبار والأساقفة، ففي مراسيم الأحبار وقوانين المجامع العامّة.

104 ـ إذاً مصادر الناموس أربعة:

1ـ الكتاب المقدس. 2ـ التقليد الثابت. 3ـ سُنن الأحبار. 4ـ قوانين المجامع العامة.

الفصل العشرون

في العهد العتيق هل يصلح مُستمداً للناموس القانوني

وهل يُبنى عليه أحكام قانونية

105 ـ ينقسم الكتاب المقدس إلى عهدين، عتيق وجديد:

يشتمل أوّلهما على خمسة وأربعين سفراً، وثانيهما على سبعة وعشرين سفراً، مجموعهما اثنان وسبعون سفراً.

فوصايا العهد العتيق ثلاثة أنواع: أدبية وطقسية وقضائية.

106 ـ أمّا الأدبية:

فهي ثابتة النفوذ غير قابلة للتغيير والنقض، وقد شرحها وقرّرها السيد المسيح في غير موضع من إنجيله المقدس، فهي إذاً تصلح مورداً للاستشهاد ومستمداً لأدلّة راهنة، أعني أنّها يُبنى عليها أحكام قانونية.

107 ـ أمّا الوصايا الطقسية:

وهي المتعلّق بها حال كنيس اليهود، فقد نُقضت وألغيت عند تحوّل الكهنوت، وكذلك الوصايا القضائية الدائرة على ضبط سياسة العبرانيين المدنية، نُقضت وانتُسخت بانقراض حكومتهم.

والوصايا الطقسية والقضائية، استأنس الآباء القديسون بموارد استشهادها لما بين العهدين من شدّة ارتباط وأُلفة، فاستدلّوا بحالة كنيس اليهود وكهنوتهم على حالة وهيئة كنيستنا وكهنوتنا، وكذلك على تبتّل الإكليريكيين، وعلى مزيّة الإكليروس على الشعب، إلى غير ذلك من المواد والأحكام التي تحرّوا تبيينها وتقريرها بشواهد العهد العتيق.

إلا أن الاستدلال المذكور لا يفيد القطع بالاحكام القانونية، إنّما هو مستحسن وغاية في المناسبة.

108 ـ بعض ما هو مدوّن في العهد العتيق لا يصح الاستدلال به:

لأن بعضه أُسقِط ونُسخ فغدا استعماله لا يخلو من إثم، كشريعة التطهير.

وإنّما أخذ الرسل عن الوصايا الطقسية من الرتب ما من شأنه تعظيم شأن الدين ومزيد جلاء رونقه، كوصية تدشين المعابد، واستعمال البخور والحلل الكهنوتية، والترانيم وما أشبه ذلك، وتبعتهم الكنيسة محتذية آثارهم وأخذت عنهم.

وأثبتوا أيضاً من الوصايا القضائية كالتي تتعلّق بالقتل والسرقة والزناء وما أشبه ذلك، وعلى طريقتهم سارت الكنيسة.

109 ـ واعلم:

أن ما أثبتته الكنيسة وقرّرته في ناموسها من شرائع العبرانيين، لا يجب عدّه في جملة الشرائع الإلهية، وإنما هو من الشرائع الكنسية البحتة، وعليه فإنّها تحوز قوّة الإلزام من سلطان الكنيسة التي قبلتها وأثبتتها اختياراً، وللكنيسة إذاً التوسع فيها أو إلغاؤها إذا شاءَت.


الفصل الحادي والعشرون

في استمداد الناموس القانوني من العهد الجديد

110 ـ إن مصدر الناموسين العام والخاص، إنما هو أسفار العهد الجديد:

أمّا العام فلأن ما ورد فيه متعلّقاً بتأسيس الكنيسة وسلطان الرسل، ورئاسة القديس بطرس التي أوتيها من المسيح، كل هذا مأخوذ واضحاً من أسفار العهد الجديد.

وأمّا الناموس الخاص، فلا يكاد يُبحث فيه عن شيء، إلاّ وقد أمكن استمداده منها أو تقريره بها أو تبيينه.

111 ـ ولما كان للكتاب معنيان حرفي وسرّي (أي رمزي أو أدبي أو غائي):

فالأدلة القاطعة يجب استمدادها من المعنى الحرفي وحده، لأن المعنى الذي يتأدّى من اللفظ مباشرة وبلا واسطة، إنما هو المعنى الذي قصده الروح القدس.

112 ـ القطع بمعنى الأسفار المقدسة الصحيح، خاص بالكنيسة أي بالمجامع العامة:

والأحبار الذين استودعوا وحدهم كلمة اللّه وتفسيرها والحكم الجازم بمعانيها.

الفصل الثاني والعشرون

في السُّنن الإلهية والرسولية

113 ـ كل ما علّمه السيد المسيح نفسه أو أمر به في إنجيله، أو تلقّاه الرسل وحياً من اللّه فعلّموه، إنما هو إلهي محضاً وحقيقة:

وعليه فلا يبطل ولا ينقض كلُّه أو بعضُه، لكن يستمر ثابتاً مرعي الحرمة: «إلى أن السماء والأرض تزولان، يوطة واحدة أو خطة واحدة لا تزول من الناموس حتى يكون كلّه» (مت 5: 18).

114 ـ أما الوصايا التي وضعها الرسل من حيث هم رؤساء الكنيسة:

وإن كانت مثبتة في الأسفار المقدسة، فللكنيسة بسلطة حبرها الأعظم، تبديلها والتوسع فيها، والتفسيح منها وتغييرها بآداب مغايرة لها إذا اقتضى الأمر، من ذلك اتزار النساء في الهياكل وما شاكلها.

115 ـ يُهتدى إلى التفرقة بين الوصايا الإلهية وبين الوصايا الكنسية:

بالقرينة اللفظية كما في قول الرسول مار بولس في قورنثية الأولى 7: 10 «فأوصيهم لا أنا بل الرب»، وقوله في عدد 2 «أقول أنا لا الرب»، أو بالقرينة المعنوية وحينئذ إن دار الكلام على ما يتعلّق بالترتيب الكنسي فاحكم بكون الوصايا كنسية، وإن دار على ما يتعلّق بالإيمان والآداب أو على ما لا يقوى الإنسان على فعله، كرسم الأسرار، فاقطع بكونها إلهية لا تقبل النقض ولا يعتريها تغيّر لقيام القرينة المعنوية عليها.

الفصل الثالث والعشرون

في النقل (التقليد) الإلهي والإنساني

116 ـ النقل:

هو التعليم المرويّ مشافهةً غير مدوّن في سفر، ولا يعني أنه لم يدوّن قطّ، بل لأنه لم يؤخذ مدوّناً عن صاحبه الأول، كوجوب تعميد الأطفال، فإنه من المنقولات الرسولية غير المكتتبة وإن أُثبت في أكثر مصنّفات الآباء الأقدمين.

117 ـ والمنقول إما إلهي وإما إنساني:

فالإلهي مصدره اللّه وهو ما أخذه الرسل عن السيد المسيح مشافهة، أو لُقّنوه وحياً من الروح القدس، فنقلوه وتُدووِل عنهم حتى انتهى إلينا.

وأمّا الإنساني فهو ما صدر عن الرسل أو عن خلفائهم الأقربين.

ومن ثمّ فإما هو منقول رسولي وإما منقول كنسي.

118 ـ من المقرّر أن في الكنيسة تقليدات إلهية وإنسانية محقّقة ومؤيّدة:

ومن الإلهية: التقاليد التي منها وقفنا على عدد الأسفار المقدسة وعلى صدق وحيها. وعدّة قضايا كتبديل الأحد من سبت اليهود.

وأما الإنسانية: أي الرسولية والكنسية فبديهي أنه لم يكن مندوحة عنها في صدر النصرانية، بل كان من مطلق الضرورة أن يسلّم الرسل وخلفاؤهم في سبيل النقل، أشياء كثيرة في الطقوس والنظام الكنسي.

119 ـ للمنقول عن اللّه من الاعتبار مكانة غير التي للمنقول عن الإنسان:

فلا تنحط رتبة المنقولات الإلهية عن كلام اللّه المكتوب، وهذا ثابت بدليل العقل السليم الذي يقطع بوجوب الإذعان لكلام اللّه وتصديقه مطلقاً، أي سواء انتهى إلينا خطّاً أو بفم وليّ أو رسول من لدنه، وعليه فالتقاليد الإلهية لا تقبل التغيّر أصلاً ولا تكون تحت سلطة إنسان.

وبخلافها التقاليد والشرائع الإنسانية.

120 ـ دونك أربعة ضوابط للتفرقة بين المنقولين الآلهي والإنساني.

يُطَّرَد كون التقليد إلهيّاً:

1 ـ فيما إذا كانت مادّته ممّا يتعلق بالإيمان، ذلك الإيمان إنّما مصدره من اللّه لا غير.

2 ـ فيما إذا نقل أموراً تفوق طاقة البشر كمادّة الأسرار وصورتها، لأن رسم الأسرار منوط باللّه وحده.

3 ـ فيما إذا أجمع آباء الكنيسة الثقات على أن ما يُفرض أو يُؤمَر به في النقل قد أخذه الرسل مشافهة عن المسيح، أو تلّقوه وحياً من الروح القدس.

4 ـ فيما إذا حكمت الكنيسة بكونه تقليداً إلهياً ونقلته على أنه كذلك، لأنها في مثل هذه الأحكام منزّهة عن الخطأ.

الفصل الرابع والعشرون

في مجموع الناموس

121 ـ مجموع الناموس:

هو تأليف شتات المراسيم الرسولية وقوانين المجامع والآباء ومراسيم الأحبار الصادرة في أوقات شتى ومواضيع متباينة، والفائدة منه إحاطة القارئ بها جميعاً بتتبّع سياقها واحدة واحدة، فما انطوت عليه من مسائل الاعتقاد لا فرق ممكن فيها بين الكنائس لأن «قاعدة الإيمان واحدة مطلقاً ومنفردة لا تقبل التغيير والتصحيح» كما قال ترتليانس ووجود قوانين خاصة ببعض الكنائس لا يقدح بوحدة الشركة الكنسية.

122 ـ إن مجرّد ضم القوانين إلى مجموع واحد لا يكسبها قوة:

وإنّما قوّتها بحسب السلطة الآمرة بجمعها أو المجيزة لها بعد التأليف.

الفصل الخامس والعشرون

في مراسيم الرسل وقوانينهم

123 ـ لما كانت الكنيسة جماعة منظّمة:

والجماعة لا تقوم ولا تُساس إلاّ بالشرائع، لا شكّ أن الرسل قد سنّوا لها قوانين وشرائع لتدبيرها وسياستها، ويرجّح أن ما فرضه الرسل مشافهةً، دوّن بعد ذلك كتابةً.

124 ـ إن الديدسقالية ومعناها اللفظي «دار التعليم» والاصطلاحي «مجموع السنن والمراسيم المنسوبة إلى الرسل القديسين وتابعيهم»:

وهي الكتاب الموسوم بعهد ربّنا، وتعليم الرسل الإثني عشر، والمراسيم الرسولية في ثمانية كتب، نُحلت مار قليميس الروماني، ويضمّ إليها «تعليم أدّى الرسول» وهي قوانين جمعها بعض الآباء والمشترعين المجتهدين بتقليد رسولي منذ أواسط القرن الثالث حتى أوائل الخامس ـ وهذا النقل أو التقليد مأخوذ عن الرسل وخلفائهم الأقربين، ولم تُنسب إلى الرسل وقليميس إلاّ لتحظى بسلطة أقوى.

125 ـ لما كانت هذه المراسيم الرسولية تختلف نسخُها في البلاد:

ولم تسلَمْ والحالة هذه من طرف تحريف بل غلط تاريخي، ولا يبعد أن يعود هذان إلى تزييف بعض المتطرفين، فإن الكنيسة تقبل منها ما وافق المعتقد الأرثوذكسي والنظام الكنسي الراهن، ولا تعوِّل على ما خالف ذلك.

الفصل السادس والعشرون

في المجمع وأعماله

126 ـ المجمع:

في اللغة اسم مكان الجمع وفي الاصطلاح الكنسي: مجلس يعقده الأساقفة على وجه شرعي وصحيح للمداولة في مسائل دينية كنسية وتقريرها.

وحق عقده منحصر في الرؤساء الأحبار، ومأخوذ عن طريقة اجتماع الرسل والكهنة في مجمع أورشليم سنة 51م (أعمال الرسل 15).

127 ـ تقسم المجامع إلى مسكونية وعامة وإقليمية:

128 ـ تقوم أعمال المجامع:

في العناية بكل ما ينمي الإيمان وصحته، وإصلاح الأخلاق وإزالة العادات الرديئة الطارئة، وحسم الخلافات، وسنّ القوانين الكنسية التهذيبية على نمطٍ واحد.

129 ـ مرجع صحة المجمع وشرعيته إلى أمور ثلاثة:

الدعوة إليه، وعقده، وتثبيته.

الفصل السابع والعشرون

في أهمية المجامع ومنافعها

130 ـ إذا كان:

الكتاب الكريم صرّح بقوله «بالمشورة تُتْقَن الأفكار» (أمثال 20: 18)، وإذا كان العقل السليم يحملنا على التشاور والاستقصاء في النظر، في تدبير مهام الشؤون، لإصابة شواكل السَّداد وتطبيق مفاصل الصّواب، لنأمن معاثر التّيه في الرأي. فيصبح ما تجتمع عليه الكلمة أقوى حجةً وأجلَّ قدراً واعتباراً في العيون وأشفى الصدور، فكم بالحري ينطبق هذا على الأمور الدينية الكنسية التي لها المنزلة الأولى لزوماً وقدراً؟ دع أن الكنيسة بعقدها المجامع تحتذي سنّة الرسل القديسين الذين فازوا من الروح القدس بمعرفة غزيرة تحيط بدقائق الأمور.

131 ـ قال بعضهم:

إن المجمع هو نفس الجسم الذي يؤلّف المجتمع فإن فارقت هذه النفس جسدها أسرع إليه الفساد.

وقال غيرهم: إن في سقوط المجامع سقوط النظام البيعي شأنها في ذلك شأن الجسم الإنساني إذا يبست أعصابه.

132 ـ إن الآباء القديسين والأحبار الغيارى على قطيع السيد المسيح، صرفوا أعظم الهمم في عقد المجامع:

حرصاً منهم على البلوغ إلى غايتها وهي الدفاع عن صحة الدّين والذَبِّ عن حريّة الكنيسة وصيانتها، وتدبير شؤونها على الطرائق المثلى والسير بها في السُّبُل الحُسنى، واستئصال شأفة الرذائل، وزرع بذور الفضائل في قلوب الإكليروس والمؤمنين، فكانت أقوى الوسائل لإلباس الكنيسة رونقاً وتحويلها عمراناً وازدهاراً في كلا مصالح الدين والدنيا. وكلّما أُهمل انعقاد هذه المجامع، كلّما تسرّب إلى الشعب الفساد في الدين والآداب.

133 ـ فمنافع المجامع إذا هي:

تجدّد غيرة الأساقفة لصون الكنيسة والتهذيب البيعي في بهائهما، ومنع عدوى الأمراض الأخلاقية، وإزالة ظلام الجهل ووضع حدّ للمنازعات الدينية والنشاط إلى حفظ الوصايا الخلاصية.

وقد أيّد القِِدَم بالاختبار تأييداً بالغاً حدَّ الكفاية، ما حَفَلت به هذه المجامع والمنتديات من فوائد في تبيان حقيقة الدين المسيحي الأرثوذكسي وتأييدها، وتسهيل التهذيب البيعي، وتوفير شعائر الوَرَع والقداسة.

الفصل الثامن والعشرون

في ضرورة عقد المجامع

134 ـ إن انعقاد المجامع يسير بقوة ناموس طبيعي وإلهي:

لأنه لما كان قد حكم رعاة البيعة الوَرِعون العُلماء، حكماً مقروناً بالحكمة الإلهية أن وظيفتهم توجب عليهم بحقٍّ إلهي وطبيعي الانصراف إلى خلاص النفوس، فيتخذون الوسائل التي تؤدي إلى غايتهم، وكانت المجامع هي الواسطة الكبرى لاستئصال المفاسد وتقويم الأعوج وإصلاح التهذيب الكنسي، وصون الشعوب من التعاليم الفاسدة، نستنتج أن هذه الواسطة هي قسم من واجبات الرعاة بقوّة شريعة إلهية وبمعزل عن الشريعة الكنسية.

135 ـ لما كان:

إصلاح الخَلَل وتسوية المنازعات وتهذيب الآداب وصيانة قوانين الكنيسة تابعة تبعاً لازماً للمجتمع المسيحي في جميع الأقطار، ولما كانت الشريعة بالانقطاع المديد أي بإهمالها مدّة مستطيلة يلتبسها الخوف من الزوال أو شائبته، وجب عقد المجامع للقيام بهذا الحق، والحيال دون تسرّب ما يخشى منه إلى الشريعة.

136 ـ قال القديس قبريانس مطران قرطاجنة الشهيد 258+:

«لذلك كان لا بدّ لنا نحن معشر القسوس والرؤساء من أن نجتمع في كل سنة فنرتّب الأمور الموكولة إلينا، حتى إذا كان ثمّة شيء من المسائل الخطيرة، سُوِّي برأي الجمهور».

وكانت القوانين القدمى أوجبت عقد المجمع الإقليمي مرّتين في كل سنة (36 و38 من قوانين الرسل و5 من قوانين المجمع النيقاوي و20 من قوانين مجمع أنطاكية) ثمّ أُبعدت المدة رفعاً للمشقة وتسهيلاً للسفر على المجتمعين وذلك في مجامع تالية.

وصفوة القول أن تعقَد المجامع المبحوث عنها في أقرب المدّات كلّما دَعت الحاجة إليها ولم تحُل دونها أحداث الزمن القاهرة.

الفصل التاسع والعشرون

في المجمع المسكوني

137 ـ اعلم:

إن كنيسة المسيح الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية، كانت تعقد المجامع المسكونية لتحديد العقائد المسيحية الأرثوذكسية، ومن وجه ثانٍ، لسنّ القوانين الضرورية لحسن سير نظام الكنيسة، وقد عقدت ثلاثة مجامع مسكونية من سنة 325 حتى سنة 431م.

ولمّا نشب الخُِلْف الشديد بين أعضائها في المجمع المسمّى الخلقيدوني سنة 451 وأعقب الانقسام الكبير المزمن الذي ظلّت عواقبه تقلق راحتها وتهدّد وحدتها زهاء مئة سنة، لم يعد في وسعها عقد مجمع يستكمل شروط المجامع المسكونية على غِرار ما سَلف في المجامع المذكورة آنفاً، وأصبح عقد مجامع عامّة هو الممكن ليس إلا.([2])

 

 

الفصل الثلاثون

في الدعوة إلى المجمع

138 ـ يجب أن يُدعى إلى المجامع المسكونية:

جميع أساقفة العالم المسيحي وإلى المجامع العامة جميع الأساقفة اللائذين بالكرسي البطريركي، لكن لا يلزم حضورهم جميعاً، بل يكفي التئام بعض منهم من أقاليم شتّى، بحيث إذا اعتُبرت ظروف الزمان والمكان والأشخاص، يصدُق على مجتمعهم اسم المجمع المسكوني والعام.

139 ـ إن في حق الدعوة إلى المجمع المسكوني أو العام اعتباراً ذا بالٍ:

وتناوله المشترعون وعلماء القانون الكنسي بأبحاث شتى، ليس هنا مجال لبسطها، ذلك:

إن المجامع المسكونية الأولى دعا إليها ملوك الروم أي القياصرة الرومانيون البيزنطيون المسيحيون الأرثوذكسيون، وهم الذين أدّوا للأساقفة النفقات الواسعة وإلى سلطتهم المدنية كان يعود تنفيذ أحكام كثيرة كانت قرّرتها المجامع. وكانت دعوتهم إليها برأي ورضى الكراسي الرسولية وهم الروماني والأنطاكي والإسكندري، ثم القسطنطيني الذي أُيّدت سلطته في المجمع الثاني.

أما وقد تبدّلت الأحوال بتغيّر الزمان والدول، فبقي أن الدعوة إلى المجمع العام لا يليها إلا البطريرك لجميع أساقفته الذين يلوذون بكرسيه الرسولي.

140 ـ كل مجمع صحيح شرعي من شأنه البتّ في قضايا عقائدية:

ممتنع في كل حال من دون إذن الحبر وأمره.

141 ـ يسوغ بدون إذن الحبر عقد مجمع صحيح:

لا للبت والحكم في قضايا عقائدية، لكن للنظام والترتيب، وذلك في حالتين نادرتين:

الأولى: إذا كان الحبر في حالة لا تسوّغ له الدعوة إليه كأن يكون هرطوقياً أو مشاقّاً ـ معاذ اللّه ـ أو دخيلاً.

والثانية: كأن يكون أسيراً بين الكفرة، أو أنه عُتِِهَ بنوع لا يرجى شفاؤه، أو أنه تنزّل عن كرسيّه.

الفصل الحادي والثلاثون

في عقد المجامع العامة

142 ـ ينظر في عقد المجامع إلى ثلاثة أمور:

1 ـ حق الترأس عليها. 2 ـ حق الرأي. 3 ـ حق النظام.

فحق الترأس في المجامع العامة ثابت لمن يفوق سائر المدعوّين بالسلطة ويفضلهم بالاستحقاق والولاية ـ وهو البطريرك ـ وله أوّلية الرأي وأولويّته.

143 ـ أعضاء المجمع الذين لهم حقّ إبداء الرأي:

الذي يعقبه الجزم والحكم في القضايا (أصحاب الصوت الجازم) هم: الجثالقة أو المفارنة، والمطارنة أو رؤساء الأساقفة، والأساقفة أصحاب الأبرشيات، ويضاف إليهم غير المرتبطين برعاية أبرشية وهم المعروفون عندنا بأساقفة القلاّية أو الأساقفة العامّين ةآبيليا الذين بدأ عهدهم في أواخر المئة الثالثة عشرة.

144 ـ يسوغ أن يدعى إلى المجامع أيضاً:

رؤساء أديار ولكن ليس لهم فيه إلا صوت المشورة، ومثلهم الرجال اللاهوتيون أو القانونيّون (الإكليروس المتفقّهون في الحق القانوني) إذا دعوا إلى المجمع للاستفادة من علمهم.

145 ـ إن حضور الملوك والولاة والأمراء المسيحيين:

في المجامع المسكونية والعامة كان ليؤتوا الآباء الأمن والطمأنينة ويطفئوا نار الفتنة والهَرَج، ويحتاطوا لاجراء مراسيم المجمع وأحكامه وحفظها بأقوى المسائل لأن أمراً خطيراً مثل هذا لا يتمّ إلاّ بتضافر السلطتين الدينية والمدنية.

146 ـ إن حق إجالة الرأي الجازم وحق القطع والحكم في القضايا:

خُصّ به الأساقفة من لدن اللّه لأن هذا الحق لازم عن سلطان الرعاية والسياسة، وهم يملكونه بموجب رسم إلهي، لأن اللّه أقامهم رعاة ومعلّمين للكنيسة فقد جاء في سفر الأعمال 20: 27 «احذروا لأنفسكم ولجميع القطيع الذي أقامكم فيه الروح القدس أساقفة لترعوا كنيسة اللّه». فالأساقفة في المجامع العامة ليسوا مشيرين ومستشارين فقط، بل هم قضاة أيضاً.

147 ـ إذا تعذّر لبعض الأساقفة الحضور إلى المجمع:

لسبب شرعي كالمرض الشديد، والمحذور السياسي الخطير، فلهم بعد أن يبرهنوا لرئيس المجمع عن سبب امتناعهم عن الحضور بالذات، أن يستنيبوا عنهم برسائل رسمية أحد رجال الإكليروس.

148 ـ والحالة هذه:

إذا كان النائب أو الوكيل عن الأسقف المتغيّب عضواً في المجمع فلا يكون له فيه صوتان، وإن لم يكن كذلك، فله حق (صوت مشورة) لا صوت جزم وحكم، وإنّما له حق التوقيع على أعمال المجمع.

149 ـ إذا حدثت وفاة البطريرك رئيس المجمع العام في أثناء انعقاده:

فإن المجمع يبطل لا محالة، ولا يمكنه أن يواصل أعماله إلاّ بأمر البطريرك الجديد.

150 ـ يقوم حق النظام المجمعي:

1 ـ بصرف غاية العناية إلى البحث الدقيق والفحص البليغ والأخذ بأوجهِ الآراء وأمثلها.

2 ـ بالحرية في الأحكام لأن كل ما يجري بطريق الإكراه أو التخويف فهو باطل من ذاته.

3 ـ بانتفاء كل مكر وخداع منه.

151 ـ لا يسوغ لأحد أعضاء المجمع:

المجتمعين فيه الابتعاد عنه قبل ختامه بنوع قانوني فإذا أوجب داعٍ سفره، يمكنه رفع الأمر إلى رئيس المجمع ولا يستطيع التغيّب إلاّ بعد موافقة الرئيس وإذنه له.

الفصل الثاني والثلاثون

في سلطان المجامع

152 ـ لما أصبح سلطان المجامع العامة:

منحصراً ببطريرك الكرسي الرسولي الأنطاكي، في الدعوة إليها، وترؤسها وسنّ قوانينها وتقرير أحكامها، فهو يلي أيضاً حق تثبيتها أو إبطالها أو توقيفها إذا دعت إليه الحال.

153 ـ لما كان البطريرك الأنطاكي:

خليفة القديس بطرس الرسول الشرعي وبه يُسترشَد في المهمّات وبرأيه تنكشف معالم الهُدى، ومن ثمّ فسلطانه يفوق جميع الأساقفة أفرادهم ومجموعهم. لا يُعقَل أن يلتئم مجمع أساقفة بمعزل عنه، فإن التئم مجمع بهذه الصفة لا يكون مجمعاً عاماً شرعياً، وإنما هو محفل أو مجرّد التئام.

154 ـ لم تجرِ عادة في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية المقدسة:

أن يعقد مجمع عام شرعي صحيح بإجازة البطريرك فقط أو باستنابته إلاّ مرّة واحدة سنة 1153 إذ أجاز أثناسيوس السابع للأساقفة الالتئام في مجمع عقد في دير مار حنانيا بماردين برئاسة إغناطيوس الثاني مفريان المشرق، وهذا الحَدث يُعدُّ في حكم النادر، والنادر لا يُبنى عليه.

وإننا لَنصوّب قول بعض المشترعين وهو:

«إن ما كان له أسبقية النقل فهو صحيح وإلهي، وأما ما كان له بعديّة الرواية فخارجي وفاسد».

 

الفصل الثالث والثلاثون

في جسم الناموس وأجزائه

155 ـ يؤلَّف جسم الناموس عندنا من أحد عشر مصدراً وهي:

أولاً: أحكام العهد العتيق الأدبية، وأحكام العهد الجديد.

ثانياً: القوانين المنحولة الرسل وهي:

1 ـ كتاب عهد ربّنا.

2 ـ تعليم الرسل الإثني عشر.

3 ـ المراسيم الرسولية في ثمانية كتب نُحلت قْليميس الروماني وهي 81 قانوناً.

4 ـ تعليم أدّى الرسول.

ثالثاً: قوانين المجامع الإقليمية المعروفة بالصغرى وهي:

1 ـ مجمع قرطاجنّة في شمالي أفريقية سنة 254 وقوانينه سبعة وثمانون.

2 ـ مجمع أنقرة سنة 314 وقوانينه أربعة وعشرون.

3 ـ مجمع نيوقيسارية في إقليم البنطس وهو قريب عهد بمجمع أنقرة وقوانينه خمسة عشر.

4 ـ مجمع سرديقي سنة 343 وقوانينه واحد وعشرون.

5 ـ مجمع غنغرة في ولاية بافلاغونية سنة 364 وقوانينه عشرون.

6 ـ مجمع اللاذقية في ولاية فريجية سنة 364 وقوانينه تسعة وخمسون.

7 ـ مجمع سليق وقسطفون في العراق سنة 410 وقوانينه أربعة وعشرون.

8 ـ مجمع دير مار متى الأول في ولاية الموصل سنة 628 هذا وضع ترتيبات بلغت أربعة وعشرين بين مفريان تكريت ومطران دير مار متى تلخص بثلاثة قوانين والباقي تكرار مملّ لا يُؤبَه له.

9 ـ مجمع دير مار حنانيا الأول سنة 1153 وقوانينه أربعون.

10 ـ مجمع علواي في ملبار الهند سنة 1911 وقوانينه وتحديداته تسعة وثلاثون.

11 ـ مجمع دير مار متى الثاني سنة 1930 وقوانينه للرهبانية واحد وستون.([3])

رابعاً: المجامع المسكونية الثلاثة وهي:

مجمع نيقية سنة 325 وقوانينه عشرون.([4])

مجمع القسطنطينية سنة 381 وقوانينه أربعة.

مجمع أفسس سنة 431 وقوانينه اثنان.

خامساً: القوانين المقبولة من مجامع مرفوضة منها:

1 ـ مجمع أنطاكية سنة 341 وقوانينه خمسة وعشرون.

2 ـ مجمع خلقيدونية سنة 451 وقوانينه سبعة وعشرون.

سادساً: قوانين اقتُبست من رسائل بعض مشاهير الآباء من أوائل القرن الثاني حتى أواسط القرن السادس وهي:

1 ـ كلمات قانونية مختارة من رسائل مار إغناطيوس النوراني.

2 ـ عشرة قوانين استنبطت من إنذار مار بطرس الاسكندري الشهيد لمن كفر في أثناء الاضطهاد.

3 ـ رسالة مار أثناسيوس الرسولي إلى أمّون رئيس الدير.

4 ـ قوانين اقتُبست من ثلاث رسائل لمار باسيليوس القيصري أنفذها إلى القس فاريكوريوس، والخوارنة، والقس ديودورس.

5 ـ مقتبسات من خطبتين للقديس الذهبي الفم.

6 ـ مقتبس من خطبة مار غريغوريوس اللاهوتي في المعمودية.

7 ـ رسالة مار غريغوريوس النوسي إلى الأسقف ليطوايوس.

8 ـ من رسالة مار قالسطينس الروماني إلى أهل القسطنطينية.

9 ـ من رسالة مار قورلس الاسكندري للرهبان.

10 ـ رسالة إلى البطريرك مرتيريوس الأنطاكي من معتمده في العاصمة.

11 ـ من ثلاث رسائل لمار فيلكسينوس المنبجي إلى رهبان المشرق، وشمعون رئيس دير تلعدا، وأديار آمد.

12 ـ قوانين استنبطت من عشر رسائل للقديس سويريوس الكبير الأنطاكي.

13 ـ من رسالة مار توما مطران مرعش إلى بولس وإيليا قسيس ورئيس دير نسّاك جبل ماردين.

سابعاً: قوانين سنّها بعض مشاهير الآباء منذ أواخر القرن الرابع فصاعداً:

1 ـ خمسة عشر جواباً على مسائل وُجِّهت إلى مار طيمثاوس الأول الاسكندري.

2 ـ تسعة وستّون قانوناً سنّها مار باسيليوس القيسري في ثلاث رسائل أنفذها إلى خاله مار أمفيلوخيوس أسقف قونية.

3 ـ خمسة وعشرون قانوناً وضعها أساقفة المشرق جواباً على رسالة وردت من إيطاليا وثبّتها البطاركة الأنطاكيون.

4 ـ ثمانية وثمانون قانوناً وضعها مار رابولا مطران الرها.

5 ـ ثلاث مسائل وأجوبتها كتبها الأساقفة مار قسطنطين مطران اللاذقية (سورية) ورفاقه من الإسكندرية في إبّان الاضطهاد.

6 ـ سبعة قوانين وضعها الآباء في رسالة أنفذوها إلى بولس وبولس القسيسين ورئيسي ديرين في قرية لنسوس في ولاية قيليقية.

7 ـ سبعة وعشرون قانوناً سنّها للإكليروس مار يوحنا مطران تلاّ المعترف.

8 ـ ثمانية وأربعون قانوناً سنّها مار يوحنا نفسه لرهبان دير مار زكّى في الرقة (للقس سرجيس).

9 ـ ستة قوانين من أجل المحرومين.

10 ـ أربعة وأربعون فصلاً كتبت من المشرق ورُفعت مسائلها إلى الآباء.

11 ـ أربعة قوانين من رسالة قسطنطين مطران اللاذقية إلى الأب مرقس الأيسوري.

12 ـ أحد عشر قانوناً وضعها أحد الأساقفة إلى صديق له.

13 ـ خمسة قوانين سنّها القديس ثاودوسيوس الإسكندري.

14 ـ أربعة قوانين وضعها مار سرجيس الأقرن أسقف حرّان.

15 ـ مئة وثلاثة وعشرون قانوناً سنّها القديس يعقوب الرهاوي 708+.

16 ـ ثلاثة وثلاثون قانوناً وضعها القديس جاورجي أسقف العرب (725+) وأنفذها إلى يوحنا الأثاربي العمودي، والقس يشوع، وماري رئيس دير تلعدا.

17 ـ أجوبة للقديس جاورجي للقس أدّى.

18 ـ عشرة أحكام عقائدية وضعت في مجمع منازكرد الأرمني سنة 726 ووقّع عليها أساقفتنا لأجل الاتحاد.

19 ـ عشرة أجوبة لمسائل رفعها يشوع شماس ترمناز للبطريرك مار قرياقس نحو سنة 806.

20 ـ واحد وثلاثون قانوناً وضعها مار يوحنا مطران ماردين لرهبان مار حنانيا سنة 1154.

21 ـ رسالة ابن الصليبي ديونيسيوس في قوانين التوبة وسبعون قانوناً أنفذها إلى الأنبا روبيل رئيس دير فسقين قبيل سنة 1171.

ثامناً: قوانين المجامع العامة:

1 ـ مجمع كفرنبو في سروج عقده القديس جاورجي الأول سنة 786 قوانينه اثنان وعشرون.

2 ـ مجمع بيت باتين في سروج عقده القديس قرياقس سنة 794 قوانينه ستة وأربعون.

3 ـ مجمع حرّان عقده القديس قرياقس سنة 813 قوانينه ستة وعشرون.

4 ـ مجمع الرقة عقده مار ديونيسيوس الأول سنة 818 قوانينه اثنا عشر.

5 ـ مجمع دير مار شيلا الثاني عقده مار يوحنا الرابع شباط سنة 846 قوانينه خمسة وعشرون.

6 ـ مجمع كفرتوث عقده مار يوحنا الرابع شباط سنة 869 قوانينه ثمانية.([5])

7 ـ مجمع دير مار زكّى (الرقّة) عقده إغناطيوس الثاني سنة 878 قوانينه اثنا عشر.

8 ـ مجمع دير مار شيلا الثالث عقده ديونيسيوس الثاني سنة 896 قوانينه خمسة وعشرون.

9 ـ مجمع دير مار حنانيا الثالث عقده إغناطيوس الخامس سنة 1303 قوانينه عشرة.([6])

10 ـ مجمع دير مار حنانيا الرابع عقده عبد اللّه الأول سنة 1523.

11 ـ مجمع حمص الأول عقده مار أفرام الأول سنة 1932 ـ 1933 قوانينه 144 ولائحة الأعياد والتذكارات.

12 ـ مجمع حمص الثالث عقده مار أفرام الأول سنة 1946.([7])

تاسعاً: مراسيم وقوانين وضعها البطاركة الأنطاكيون منها:

1 ـ رسالة مار أثناسيوس الأول إلى رئيس دير مار متى سنة 628.

2 ـ مرسوم مار سويرا الثاني إلى الأساقفة في ت2 سنة 683.

3 ـ رسالة مار أثناسيوس الثاني في منع أكل لحوم الضحايا سنة 685.

4 ـ رسالة مار قرياقس إلى كوريا شماس بيت نعر في قضية «نكسر الخبز السماوي».

5 ـ مرسوم مار قرياقس في مجمع الموصل في آب سنة 817.

6 ـ مرسوم ديونيسيوس الأول لأجل مفريان تكريت ومطران دير مار متى ونينوى في ت2 سنة 824.

7 ـ درجات الزواج لمار يوحنا الرابع 878+.

8 ـ المواريث والوصايا له.

9 ـ مرسوم يوحنا الثالث عشر لدير مار حنانيا سنة 1263+.

10 ـ منشور جرجس الرابع إلى أبرشية البشيرية سنة 1776.

11 ـ منشور جرجس الخامس إلى ديار بكر لأجل حقوق الكهنة، حزيران 1820.

12 ـ منشور جرجس الخامس إلى آباء طورعبدين في الاتحاد مع الكرسي الرسولي في 29 أيار 1821.

13 ـ منشور جرجس الخامس إلى أهل حمص وثلاث قرى للتقيّد بالقوانين الكنسية في الزواج.

14 ـ قوانين نظامية وضعها بطرس الرابع لأهل ملبار في مولمتورتي سنة 1877.

عاشراً: نواميس ملوك الروم الأرثوذكسيين وغير الأرثوذكسيين:

1 ـ نواميس قسطنطين الكبير وثاودوسيوس الصغير ولاون الأول وعددها 156.

2 ـ نواميس أخرى لبعض الملوك ومنهم يوسطنيان الأول وعددها 100.

حادي عشر: تعاليق العلامة مار غريغوريوس الثاني ابن العبري مفريان المشرق في كتابه الموسوم بالهدايات.


([1]) ـ قال أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي وهو يعبّر بالشريعة عن الحق القانوني الذي هو اصطلاح مولد، الشريعة هي طريق جميل ومسلك رشيد سنّه اللّه على لسان بعض الأصفياء  التماساً لأن تجري سيرة الناس في دنياهم على غاية الانتظام ويلحقهم الفوز في أخراهم، والسعادة والاتصال بخالقهم. كتاب المرشد، الباب 15.

([2]) ـ إن الروم واللاتين انفردوا بعقد مجامع ثلاثة وهي القسطنطيني الثاني سنة 553 والثالث سنة 680 ـ 681 والنيقاوي الثاني سنة 787، وثمّ مجمع رابع مختلف فيه بينهما وهو القسطنطيني الرابع سنة 869 ـ 870. ولما وقعت الفرقة بين الروم واللاتين أيضاً انفرد هؤلاء باثني عشر مجمعاً وهي اللاتراني الأول في رومية سنة 1123 والثاني سنة 1139 والثالث سنة 1179 والرابع سنة 1215 ومجمع ليون الأول سنة 1245 والثاني سنة 1274 ومجمع فينّا سنة 1311 ـ 1312 ومجمع قسطانس واختلف فيه سنة 1414 ـ 1418 ومجمع فلورنسا (1431 ـ 1439) واللاتراني الخامس (1512 ـ 1514) والتريدنتيني (1545 ـ 1563) والواتيكاني (1869 ـ 1870) وكلها سمّوها مسكونية بحسب رأيهم ولم تكن كذلك.

([3]) ـ إن هذا المجمع حوى فرعاً مختلطاً إدارياً وضع قانوناً للمجالس الملية، واشترك بقرارات لحسن سير أمور الملة.

([4]) ـ في حوزة جميع الكنائس أربعة وثمانون قانوناً نُسبت إلى المجمع النيقاوي من وضع بعضهم في القرون الوسطى منها مقبول ومنها مرفوض.

([5]) ـ الهدايا ص 78 ـ 79 «نص القوانين والأحكام».

([6]) ـ هذه تحديدات ساذجة.

([7]) ـ اعلم أن مجامع أخرى عقدت في كنيستنا إما أنها لم تسنّ قوانين وإما أن قوانينها فقدت كمجمع دير مار برصوم في ملطية الذي انعقد في كانون الثاني سنة 1155 وسُنّ فيه أربعون قانوناً لم تصل إلينا.