قصة مار إبراهيم القيدوني

قصة مار إبراهيم القيدوني

أحد نساك المشرق الشهيرين ت 366

 

كاتب القصة:

دون قصة مار إبراهيم بالسريانية أديب لامع، عاصر المترجم، لذلك سرد تفاصيل حياته بأمانة وإسهاب وشاهد عيّان لوقائعها. ويظهر في القصة عامل الإثارة والتشويق في حادثة سقوط ابنة أخي مار إبراهيم في الخطية وخروج مار إبراهيم من صومعته وتضحيته بخلوته وعزلته، ولو لمدة قصيرة، وذهابه إلى المدينة وإنقاذه ابنة أخيه. وهذا يشبه قصة تاييس لاناتول فرانس التي كتبها بعد هذه القصة بعدة قرون.

وتقع قصة مار إبراهيم في خمس وثلاثين صفحة من الحجم الوسط وقد نحلت مار أفرام (+373)[1] خطأ، كما في نسخة دير الزعفران[2] وغيرها من المخطوطات[3] وأياً كان الكاتب فقد كان معاصراً لمار إبراهيم، كما يظهر من متن القصة، حيث يقول عن مار إبراهيم: «إنه كان في زماننا»[4].

وقد نظم مار أفرام السرياني في مدح مار إبراهيم القيدوني مداريش وأناشيد بلغت سبعة عشر مدراشاً تتفق وترجمة حياته[5].

نشأة مار إبراهيم:

ولد مار إبراهيم، على الأرجح، في مدينة الرها[6] أو في ضواحيها. وسمي قيدونياً نسبةً إلى قرية قيدون[7] التي هدى أهلها إلى النصرانية[8].

كان والداه من علية القوم ووجاهة وغنى، واشتهرا بالتقوى ومخافة اللـه، فنشأ إبراهيم في بيت مسيحي مؤمن، ونال قسطاً وافياً من العلوم ودرس الكتاب المقدس، وكان يواظب على الصلاة والصيام، ويسلك طريق الاستقامة بموجب شريعة إلهنا دون لوم.

 

زهده:

زهد في الدنيا في شرخ شبابه، وهجر داره وعروسه بعد سبعة أيام من عرسه وغادر مدينته والتجأ إلى مغارة غير بعيدة عنها، فاتخذها له قلاية[9] وصومعة. ووجده أهله هناك بعد تفتيش دام سبعة عشر يوماً. وحاولوا أن يثنوه عن حياة النسك فلم يفلحوا، وطلب إليهم أن يتركوه يعبد اللّـه مكرساً له ذاته كلياً. ثم سد عليه باب المغارة، ولم يترك منها مفتوحاً سوى كوة صغيرة كان يتناول عبرها ما يأتونه به من طعام وشراب. وقد اتصف نسكه بسكب الدموع الغزيرة إلى جانب السهر والصوم والصلوات المستمرة المقرونة بالسجود.

قيل أن يوسف الصديق ابن يعقوب أبا الأسباط ظهر له في حلم، فسأله مار إبراهيم من أنت يا سيدي. فأجاب أنا هو يوسف الذي لم يكن من السهل علي التخلّص من سيدتي، أما أنت يا إبراهيم فحتى مع زوجتك لم تتدنس[10].

بعد عشر سنوات من هجر مار إبراهيم العالم انتقل أبواه إلى جوار ربهما تاركين له ثروة كبيرة، فأوكل إلى أحد أصدقائه ليوزعها على ذوي الفاقة ويستبقي لديه جزءاً منها يستعمل عند الحاجة ولم يكن إبراهيم يملك سوى ثوب خشن منسوج من شعر الماعز يتشح به، وصحن يأكل فيه ما يصلحه من الطعام البسيط، وحصير يفرشه على الأرض ويضطجع عليه.

وكان الناس يجتمعون خارج مغارته فيخاطبهم بكلمة اللّـه عبر الكوة الوحيدة في قلايته، فيسكبون دموع التوبة عائدين إلى اللّـه لأن كلامه كان له تأثير عليهم فيبكت ضميرهم. من هنا نعلم أن الزهد في الدنيا ليس إهمال الدنيا عن كسل، بل هو الاهتمام بما فوق لدرجة توجب ترك ما في العالم، وذلك طبقاً لوصية الرب «لا تقدرون أن تعبدوا ربين اللّـه والمال» (مت 6: 24 ولو 16: 13) ولهذا ينذر الراهب أو الراهبة نذر الفقر الاختياري، والبتولية، والطاعة، فتظهر فيهما فضيلة نكران الذات التي توجب التضحية بكل ما يُظن أنه سعادة للإنسان في هذه الحياة.

 

تنصر أهل قيدون:

وكان بجوار الرها قرية كبيرة تدعى قيدون، يقطنها أناس شرسو الطباع، يعبدون الأوثان، وقد حاول العديد من الكهنة تبشيرهم بالمسيح يسوع مخلص العالم، فلم يفلحوا. وقرّ قرار أسقف الرها على إرسال مار ابراهيم الناسك ليدعوهم إلى المسيح، ولما طلب إليه ذلك، اعتذر ابراهيم في بادئ الأمر، معتبراً الرسالة فوق طاقته، فهو رجل بسيط، وضعيف. ولكن الأسقف كرر عليه الأمر، واعتبر عدم ذهابه إلى قيدون، عصياناً. ومما قال له: «إنك قد هجرت العالم ولذاته، وانقطعت للعبادة، وتعوزك فضيلة واحدة ألا وهي فضيلة الطاعة، وإن إقامتك في قلايتك هي لخلاص نفسك فقط. أما إذ أطعت أمري، وذهبت إلى قيدون، وجذبت أهلها إلى المسيح فإنك تكون سبباً لخلاص نفوس كثيرة، وعلاوة على خلاص نفسك» فأذعن مار إبراهيم وأجاب الأسقف قائلاً: «لتكن إرادة اللـه». فرسمه الأسقف كاهناً.

وهكذا ذهب مار إبراهيم إلى قرية قيدون، وشيد فيها كنيسة جميلة مما استبقاه لدى صديقه من المال الذي ورثه عن والديه… وكان مار إبراهيم يعظ سكان القرية صباح مساء داعياً إياهم إلى المسيح. وشرع يتجول في القرية ويحطم الأصنام التي يعبدونها، الأمر الذي أثار غيظهم جميعاً، فأشبعوه ضرباً وتجريحاً، وجرّوه في الشوارع وطردوه خارج القرية. فرجع إليها ليلاً. ولما وجدوه في اليوم التالي أعادوا الكرة بضربه وطردوه من قريتهم، وفي اليوم التالي وجدوه في الكنيسة يصلي فتألبوا عليه وأسمعوه كلمات قاسية، أما هو فكان يقابلهم ببشاشة ولطف ويحاول إقناعهم لترك عبادة الأوثان وقبول الإيمان باللـه الحي وابنه الحبيب يسوع المسيح مخلص العالم. وقوبلت كلماته هذه الرقيقة، ومحبته الخالصة، بالمزيد من الشتم والضرب، وجرّوه ثالثة في شوارعهم وأخذوه خارج القرية حيث أهالوا عليه الحجارة، وظنوا أنه مات. ولكنهم وجدوه في الكنيسة، في صباح اليوم التالي، وهو يصلي لأجلهم بحرارة، ويطلب إلى الرب ليلهمهم ما فيه خلاص نفوسهم، ودام اضطهادهم إياه ثلاث سنين[11] وهو ثابت على محبته لهم والصلاة لأجلهم، واستجاب الرب صلاته… فقد لانت قلوبهم، فاجتمعوا به في الكنيسة وأعلنوا له قرارهم: بأن محبته العميقة لهم، وتضحيته في سبيلهم، وتحمله الإهانات منهم، وصبره على ظلمهم وعنتهم، كل هذه الأمور جعلتهم يثقون بأنه يريد صالحهم وخيرهم، لذلك طلبوا إليه أن يعلمهم أصول الدين المسيحي، وتنصروا على يديه، فعمّد منهم أكثر من ألف رجل ومكث عندهم عاماً كاملاً، ثم غادرهم سراً راجعاًً إلى حياة النسك والوحدة والزهد بالدنيا. فحزنوا على فراقه كثيراً، وأخبروا أسقف الرها فرسم لهم كهنة وشمامسة. ولما سمع مار إبراهيم بذلك سرّ كثيراً ورجع إلى قلايته الأولى حيث كان قد بدأ نسكه.

 

ترهب مريم ابنة أخيه وسقوطها وتوبتها:

وكان لمار إبراهيم أخ وحيد له ابنة وحيدة اسمها مريم، جاؤوا بها إلى عمها، بعد موت أبيها، وكان عمرها سبع سنين، فتتلمذت عليه. وشيد مار إبراهيم قلاية خارجية ملاصقة لقلايته، فأسكن ابنة أخيه في القلاية الخارجية، وسكن هو في الداخلية، وكانت بينها كوة صغيرة. وعلّمها سفر المزامير وسائر أسفار الكتاب المقدس، وأخذ يرشدها إلى حياة الكمال المسيحي، وكانت تشاركه الصلاة ليلاً ونهاراً، مقتدية بسيرته الطاهرة، ودامت الحال على هذا المنوال عشرين سنة.

ولكن عدو الخير أغوى مريم فسقطت في الخطية إذ غرر بها أحد الشبان. واستولى عليها إبليس فأفقدها الأمل بخلاصها، وتملك اليأس والقنوط قلبها، فغادرت قلايتها، بدون علم عمها، وانطلقت إلى مدينة أخرى، والتحقت بفندق تعمل فيه مطلقة العنان لشهواتها، منغمسة في سائر أنواع الرذائل.

وفي الليلة التي غادرت فيها مريم حياة الطهر والنقاء، إلى البلاد البعيدة، لتبذّر نعم اللّـه ومواهبه، كالابن الضال، في تلك الليلة اضطربت نفس عمها، إذ رأى في حلم تنيناً كبيراً دخل قلايته فوجد حمامة وديعة ابتلعها وهرب. وبعد يومين رأى القديس إبراهيم في حلم أيضاً ذلك التنين، وقد أتى إلى قلايته ثانية فوطئ القديس رأسه بقدميه، فانشق بطنه وخرجت منه تلك الحمامة سالمة، فمد القديس يده وانتشلها. ولما استيقظ القديس من نومه صرخ بأعلى صوته منادياً ابنة أخيه قائلاً: «يا للعجب يا بنتي مريم ماذا دهاك حتى أهملت مشاركتي الصلاة منذ يومين! ؟» فلم يسمع جواباً، وكرر النداء ثانية وثالثة، ولم يكن هناك من مجيب… فعلم أن أمراً سيئاً قد جرى لابنة أخيه. وإن اللّـه قد أظهر له ذلك في الحلم… فحزن عليها حزناً عميقاً، وكان ينتحب ليلاً ونهاراً وهو يقول: «ويحي فإن الذئب الخاطف قد افترس نعجتي الوديعة!». وكان يواصل الصلاة إلى الرب يسوع ليعيد مريم إليه كما أعاد الابن الضال إلى أبيه.

وبعد سنتين بلغ مار إبراهيم خبر عن مريم ابنة أخيه، فأرسل من يتحقق من أمرها ويتأكد من الموضع الذي تعيش فيه، ولما اطلع بالتفصيل على مكانها لبس مار إبراهيم ثياب جندي روماني، ووضع خوذة على رأسه، وامتطى صهوة حصان مطهّم، وانطلق نحو المدينة التي تسكنها مريم، وجاء إلى الفندق حيث كانت تعمل، وسأل صاحب الفندق عليها مقدماًً له مالاً جزيلاً ليعد له لقاء خاصاً بها… وهكذا كان… ولاطفها مار إبراهيم، وأكل وشرب معها، دون أن تعرف من هو… ثم رفع الخوذة عن رأسه وناداها باسمها قائلاً: يا بنتي العزيزة مريم هل نسيت عمك، بل أباك الروحي، ومرشدك ومربيك؟ ! فعرفته وسقطت على قدميه تبللهما بدموع سخينة حارة… وأخذ يحثها على التوبة ويدعوها لتعود إلى اللـه، فاللّـه يقبل التائبين مهما كانت خطاياهم كبيرة وكثيرة… وكانت مريم تنتحب بمرارة وهي تسكب دموع التوبة النصوح ومار إبراهيم يشاركها البكاء ويصلي لأجلها، ولما قررت العودة معه إلى حياة النسك، سألته ما إذا كان يسمح لها بأخذ المال الذي حصلت عليه من أعمال الخطيئة، فكان جوابه لها أن تدع في مكان الخطية ما هو حصة إبليس والخطية[12] فتركت كل شيء ورافقته في الصباح الباكر إلى صومعتها. فسكن مار إبراهيم في القلاية الخارجية وأسكنها في القلاية الداخلية. وكانت تواظب معه على الصوم والصلاة والسجدات المتواصلة ليلاً ونهاراً. وكان صوت بكائها يسمعه الوافدون إلى القديس مار إبراهيم لنيل بركته، وكان هؤلاء يشاركونها البكاء وهم يقرعون صدورهم تائبين إلى اللـه.

وقد قبل الرب توبة مريم، وكعلامة لرضاه تعالى أنعم عليها بموهبة صنع العجائب والمعجزات. فكانت تصلي على المرضى فيشفون وكانت حياتها سبب بركة للناس، وكان العديد من الخطاة التائبين ينالون العزاء لدى سماع قصتها.

وكان القديس مار إبراهيم يواصل الشكر للـه لعودة الخروف الضال إلى حظيرة الخراف، وخلاص النعجة الحليمة من الذئب الخاطف، وإنقاذ الحمامة الوديعة من التنين اللعين. ودعي القديس بإبراهيم الثاني عن جدارة، وذلك أن إبراهيم الأول أبا الآباء حارب ملوكاً ورؤساء وخلص لوطاً ابن أخيه من أعدائه (تك 14: 13 ـ 16) ومار إبراهيم الثاني هذا حارب إبليس اللعين وأنقذ منه مريم ابنة أخيه.

 

انتقال مار إبراهيم إلى جوار ربه:

وبعد عشر سنين من توبة مريم انتقل القديس مار إبراهيم إلى جوار ربه عن سبعين سنة قضى خمسين منها في حياة الزهد والنسك والتقشف. وكانت وفاته في الرابع عشر من شهر كانون الأول سنة 366 للميلاد. وشيع جثمانه الطاهر جمهور غفير من المؤمنين تسابقوا لاقتطاع شيء من ثيابه تبركاً[13]، وتعيّد له كنيستنا في الرابع عشر من شهر كانون الأول من كل سنة.

وكان مار إبراهيم طوال مدة نسكه، يرقد على حصيرة بسيطة كما ذكرنا آنفاً أو يفترش الأرض، ويكثر من الصوم، والسجدات في الصلاة. ولم يمرض ولم تخر قواه قط، ولم ييأس، ولم يقنط، ولم يمل هذه العيشة الخشنة القاسية، بل كان يشكر اللّـه دائماً ويواصل البكاء ليلاً ونهاراًً، فلم يمر عليه يوم لم يبك فيه بدموع حارة، بل لم تعرف شفتاه الضحك أبداً. وكان كأنه يموت كل يوم. لذلك حاربه إبليس بشدة، وظهر له بأشكال شتى، وقد غلبه القديس باسم الرب يسوع.

وكتب مار إبراهيم صلوات وأدعية ضم بعضها إلى كتب (الأشبية) إي صلوات الرهبان السبع[14].

 

انتقال مريم إلى جوار ربها:

وبعد انتقال مار إبراهيم إلى جوار ربه بعشر سنين، لحقت به مريم ابنة أخيه، ففاضت روحها الطاهرة سنة 376م لتنال مكافأة الرب على زهدها، ونسكها، وتوبتها الصادقة.

وقد نُظمت أناشيد سريانية كثيرة مستوحاة من توبة ابنة أخي مار إبراهيم، منها (مرقاة)[15] لمار أفرام السرياني (+373) ضمت إلى فنقيث[16] صلوات الصوم الأربعيني المقدس. ويعتني بها السريان في طور عبدين[17] في سهراتهم. رأينا أن ننقلها بتصرف إلى لغة الضاد، ونختم بنشرها هذه القصة الشائقة.

 

تعريب أبيات من مرقاة التي نظمت بالسريانية على لسان ابنة أخي مار إبراهيم القيدوني في توبتها:

مبارك هو المسيح الذي يفتح باب الرحمة للخطاة والتائبين، ألا فلأتنهّد باكية على حياتي.

الويل لي. ماذا أصابني وكيف سقطت. يا رب ارحمني. مع كوني ابنة أخي إبراهيم الجليل الشهير، ويلاه! فقد سقطت في حبائل الشيطان إذ تعبت غوايته، آه! منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟ ! لقد اختارني ابن الملك (السماوي) ودعاني لأفرح بوليمته. ألا أنني فضّلت فرح البشر. فيا رب ارحمني.

ويلاه! فإن الدير الذي اتشحت فيه بالاسكيم الرهباني[18]، يندبني الآن، أن الشيخ الذي ألبسني الاسكيم ينتحب عليّ بحزن عميق، آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟ !

لقد نزعت عني الإسكيم المقدس، وارتديت حلة الزانية… الويل لي… يا رب أنت ارحمني.

ويلاه! فإن كل من عرفني يقول لي: ويلك! لأنني تركت ربي، وأحببت العالم، آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟ ! لقد كنت متقلدة بسلاح الروح القدس. فخلعت اسكيمي وعدت القهقرى. فيا رب أنت ارحمني.

ويلاه! فقد كنت محبوبة، عندما كنت أخدم المسيح، ولكنني سقطت إذ أطعت الشيطان، آهٍ منك أيها الشرير ماذا فعلت بي. لقد نسيت مطالعة الكتب المقدسة، فالويل لي. وأبدلتها بصوت مزمار منكر. فيا رب ارحمني.

ويلاه! فقد كنت حمامة طاهرة وديعة، وسقطت بين شدقي إبليس، وصرت له لقمة سائغة، آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟ ! تبكيني بزة الشعر التي ارتديتها. فالويل لي. ولأنني خلعتها تخلّى عني المسيح. فيا رب ارحمني.

ويلاه! لقد غادرت ميناء السلام الذي كنت فيه مطمئنة، وأضحيت معذبة وسط الأمواج المتلاطمة الهائجة، آه منك أيها الشرير ماذا فعلت لي؟ ! لقد حرمت نفسي من أنعام الروح القدس. فالويل لي لأنني فضلّت عليها الأغاني المنكرة. فيا رب ارحمني.

ويلاه! إن نار جهنم الشديدة الأوار تنتظرني، وقد فقدت الأمل بحياتي، آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟ ! لقد فقدت الكنز الثمين الصالح الذي كنت أملكه. فالويل لي. فقد اختلسه الشرير مني. فأين أجده (ثانية)؟ فيا رب ارحمني.

ويلاه! إن سحابة الخطايا والذنوب غطتني فأرحقتني، وقد اتشحت شقاوتي بثوب الخزي والعار، آهٍ منك أيها الشرير ماذا فعلت لي؟ !

إن باب مراحم اللّـه مفتوح للخطاة أمثالي. إذا ازدادت ذنوبي. وأنا اخشى الدنو من (عدالته). فيا رب ارحمني. ويلاه! أنا التي خلقتني على صورتك كمثالك يا إلهي الحنون الشفوق، قد تركت حريتي وأحببت العبودية، فالويل لي. فيا رب ارحمني. أني أخجل من الدنو منك يا إلهي. فاقبلني بمراحمك الغزيرة. ويا رب ارحمني.

أيها العليّ الذي طأطأ سماء مجده ونزل إلى الأرض لينقذ الغرقى أمثالي، انتشلني من وهدة الظلام التي سقطتُ فيها، آهٍ ارحمني يا رب.

السماء والأرض ترجوانك من أجلي يا ربي. فامح آثامي بكثرة نعمتك. ويا رب ارحمني.

لتشكرن اللّـه نفسي التي أنقذها تعالى من يد الشرير، ولتسجدن له وتمجدنّه دائماً وأبداً، آهٍ ارحمني يا رب. آمين.

 

الهوامش

—————————————————

(1)ـ نشر القصة بالسريانية المستشرق يوسف لامي في بروكسل سنة 1891 عن أربع نسخ مخطوطة ناسباً إياها لمار أفرام (طالع أيضاً يوسف شمعون السمعاني مج1 من المكتبة الشرقية ص 396 وذخيرة الأذهان لبطرس نصري مج1 ص 97. واللؤلؤ المنثور للبطريرك أفرام الأول برصوم طبعة بغداد 1976 ص 140 و 147).

(2)ـ الزعفرانية تحت رقم 117.

(3)ـ مخطوطة المكتبة الوطنية في باريس تحت رقم 234 خطت في القرن الثالث عشر ونسبت إلى مار أفرام طبعها الأب بولس بيجان في أخبار الشهداء والقديسين مج 6 ص 465 و 499 بنصها السرياني.

(4)ـ سيرة أشهر شهداء المشرق ـ بالعربية، طبعة الموصل 1906 مج2 المقدمة ص 2.

(5)ـ سيرة مار أفرام السرياني للمؤلف طبعة بغداد 1947 ص 29 واللؤلؤ المنثور ص 200 والمكتبة الشرقية للسمعاني مج1 ص 369.

(6)ـ الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام الأول برصوم طبعة حمص 1940 مج1 ص 540.

(7)ـ قيدون قرية كبيرة مجاورة لمدينة الرها.

(8)ـ سيرة أشهر شهداء المشرق: بالعربية طبعة الموصل 1906 مج 2 ص 58 ـ  72 وكلدو آثور  بالعربية 1913 مج 2 ص 32. وتاريخ الرهاوي المجهول في السمعاني مج 1 396.

(9)ـ قلاية كلمة لاتينية (Cellula) تعني مخدع، أو حجرة الراهب أو منزله.

(10)ـ كتاب الإيثيقون بالسريانية للمفريان مار غريغوريوس ابن العبري (ت 1286) المقالة الثالثة الباب الرابع الفصل السابع.

(11)ـ تقديس السنة المسيحية بقراءة قصص القديسين اليومية ـ طبعة الموصل عام 1891 مح1 ص 252.

(12)ـ  جاء في سفر التثنية: « لا تدخل أجرة زانية ولا ثمن كلب إلى بيت الرب إلهك عن نذر ما لأنهما كليهما رجس لدى الرب إلهك. »

(13)ـ كنيسة مدينة اللّـه أنطاكية ـ للدكتور أسد رستم. ج1 ص 289 عن Martin P.Zeit fur katolisch Theorogle 1880, 426 – 437.

(14)ـ اللؤلؤ المنثور ص 94.

(15)ـ مرقاة وبالسريانية (سيبلتو) وهي نوع من المنظومات السريانية الملحنة.

(17)ـ  فنقيث: مجلد، المجموع  العام، وهو اسم أحد كتب الفرض إلى الصلاة على الإطلاق (اللؤلؤ  المنثور ص 501).

(18)ـ طور عبدين: جبل متصل بجبل الأزل المشرق على نصيبين، وكورة كثير الأديار والصوامع قصبتها بلدة مذيات، مكتظة بنيف وخمسين قرية وضيعة ثلثا أهلها مسيحيون سريانيون والبقية مسلمون يزيديون (اللؤلؤ المنثور ص 517).

(19)ـ الاسكيم: كلمة يونانية تعني ثوب الراهب أو ما جعل منه على الرأس.

 

للأعلى

%d مدونون معجبون بهذه: