مقال عن القديس أثناسيوس الكبير المعترف
بطريرك الإسكندرية
- أمر سيد البرايا في الناموس المعطى بواسطة موسى النبي، أنه حينما تنتهي حياة رئيس الكهنة على الأرض يذهب إلى الميراث الأفضل والحياة العتيدة ، فمن يخلفه يدعى إلى كرامة رئاسة الكهنة على الفور، ويلبس رداءه ذاته. لذلك كان يقول أيضاً لموسى: “خذ هارون والعازار ابنه واصعد بهما إلى جبل هور اخلع عن هرون ثيابه والبس العازر ابنه إياهما. فيضم هرون ويموت هناك” (عدد 20: 25- 26).
لم يأمر بذلك الا ليعلمنا أنه يجب أن يكون الخلف مثل سلفه في سلكه وكلمته، وينسج ذات الكمال بسرور، حتى يظهر الكهنوت أيضاً واحداً، وحتى لا يظهر من يباشرونه كأنهم كثيرون، بل كواحد حيث لا يختلطون بالشر.
ان في ذلك مديحاً حقيقياً لمن أنهى أيامه من السلف وكان بأعماله خالداً، فأنه يظل حياًُ بأعمال خلفه الحي وينظر إليه كما ينظر إلى صورة حية عاقلة.
فماذا أنا صانع إذاً، إذ احتفل بذكرى أثناسيوس الكبير، وأنا لست في ثياب رئاسة الكهنوت التي له، ثياب الفضائل؟ هل يجب على أمثال هؤلاء الفقراء الذين في المجامع وفي الحفلات أن يطلبوا هذه الثياب ويتزينوا بما للآخرين كأنه من مالهم الخاص؟
هل يجب أن أتسربل بمدائح الانتصارات الروحانية التي لرئيس الكهنة العظيم، أأتزين بها بالكلام وأظهرها بدلاً من الأعمال؟ حتى هذا، فعلاً، قد يكون له أيضاً منفعة لأجلنا، أعني حتى إن كنا لا نخجل من شيء أخر، فعلى الأقل تخجل من نفس كلماتنا، لأن من يمدح الكمال ينقاه ولو متأخراً إلى ممارسته.
ومع ذلك فيما لنسبة لي، فأنه لأمر عظيم أن أشبع آذانكم، إذ أضع إناء صغيراً واملاء بأعمال أثناسيوس الناجحة الطوباوية، وهي بحر عظيم هائل، إني أصرخ فمن الحكمة التي تستطيع أن تمزج جيداً شراباً من هذا النوع، فأقول هذه العبارات ذاتها التي جاءت في الأقوال الإلهية: “هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها، اتركوا الجهالات فتحيوا وسيروا في طريق الفهم” (ام 9: 5-6).
أنه فعلاً تعليم الحكمة والفهم وطرق المستقبل الحياة الإلهية التي بلا نهاية، هذا حقاً ما أضعه أمامكم، وليس لكي أمدح سيرة القديس أثناسيوس _ فما هي الكلمة التي يمكن بها التعبير؟_ ولكن لكي أقدم لمحة بسيطة فقط.
أثناسيوس، رئيس الكهنة العظيم، الراعي، المعلم المجاهد من أجل الحق، الذي يمثلك دفعة واحدة كل هذه الأتعاب كأنها لقب واحد، والذي أظهر منها بأسلوب فائق لدرجة أنه يبدو كأنه يستأسر بكل لقب منها وحده، ويمتاز بالأخير منها أكثر من الألقاب الأخرى. فقد كان محمولاً بطريقة سرية نحو رئاسة الكهنوت منذ أن كان في اللفائف، وكأنه يتغذى بغذاء مشترك بترقيته قسماً في الرتب المقدمة.
وجاءتنا هذه الرواية القديمة أنه حينما كان طفلاً صغيراً، بينما كان الأطفال في سنه يلعبون أمام أبواب منزل على الساحة، رسموه أسقفاً وبطريركاً، لأن الأطفال الصغار يميلون في معظم الأحيان إلى أن يبدعوا دفعة واحدة، ويحبون أن أعظم الأعمال حتى أعمال لذلك أيضاً، حسبما تأتي بهم حركة الروح. فبعد أن أخذ أثناسيوس بالحقيقة المكان الأول بناء على قرار الأطفال، أو بالحري بناء على حكم العناية الإلهية التي تعطي من بعيد الحركة الاولى لأكبر النباتات بواسطة البذار الصغيرة جداً، رسم أثتاسيوس من بعض الأطفال كهنة وشمامسة، وكان يقلد على قدر الإمكان بقية الرتب الكنسية.
واليوم الذي حدث فيه ذلك اللعب بطريقة مقدسة بأسلوب الأطفال أو _تعيين الحق _ تعين ذلك سلفاً بأسلوب إلهي وكامل، هذا اليوم كان يوم ذكرى بطرس رئيس الكهنة والشهيد.
وقد خرج الأنبأ الكسندر البطريك إلى الساحة، وكان هو الذي يعتلي عرش كنيسة الاسكندرية المقدسة في ذلك الوقت. ولما اجتاز بجانب الأطفال في لعبهم، سمع كلمة مقدسة لفتت انتباهه، _فلم تكن أعمال أثناسيوس الطفل هذه موضوع لهو بالنسبة له_ تحركت روحه بالله فتوقف وسألهم ماذا يفعلون، وبعد أن علم وقد أخذ بطريقة إلهية جداً، وما كان يتم، وكان يجول بخاطره أن هذه اللعبة تجرى مجرى الرمز. فاستقبل عنده أثناسيوس والأطفال الذين رسمهم له أبناء، وأرقفهم داخل الكنيسة وعلمهم تعليماً ممتازاُ ومهماً جداً كما يعلم الكبار، وجعلهم يتأملون الكلمات الإلهية ليل نهار ويتلقون بأسلوب فلسفي عميق تدريبات أخرى خاصة بالكهنوت المقدس ودرجاته، وكان يراقب كل واحد منهم ويعده لدرجته الخاصة سلفاًً.
وكان أثناسيوس أكثرهم اجتهاداً، يتصرف بطريقة خاصة مقدسة تجدر بالكهنة، وكأنه يعمل داخل مقصورة، وكان ينمو في العلوم الكنسية ولا يذهب إطلاقاً إلى أي مكان، كما يروى الكتاب المقدس عن يشوع بن نون أنه لم يكن يخرج من خيمته.
على أنه درس العلوم الدنيوية عندما كبر. نهل منها لكي يتعلم ما يكفى لدحض تعاليم الخارجين ويظهر ضعفها، ويستخلص منها ما ينفع في استيعاب المسائل الإلهية، لتكون طرح بنانه فمن النافع أن نعرف أيضاً جيداً فساد الآراء المخالفة، لأجل إثبات الحق.
وبعد أن حصل أولاً على المعارف الخاصة بالثياب، رسم في الرتبة الأولى، ثم تدرج في الرتب الكنسية وارتقى إلى الدرجات المقدسة، ليس عن طريق غير مقدس، بل عن طريق مقدس وطاهر جداً، فأتى إلى رئاسة الشمامسة إذ كان يشغل هذه الدرجة بسبب كماله، وكان يزين هذه الرتبة نفسها، ولم يكن يردان بها.
في ذلك الوقت كان يسير الذي شبه آريوس يسبب…..، إذ كان يعلم بفصل الله الكلمة من جوهر الله والآب، ويقول أن خالق كل الخليقة الذي به كان كل شيء مخلوق، فجمع الإمبراطور التقى المحب للديانة المسيحية قسطنطين بجمع الثلاثمائة وثماني عشر الآباء والأساقفة القديسين في نيقية، وهي مدينة في بيثيفيه Bithypie كانت فيما مضى لا يعرفها الكثيرون، لكنها أصبحت شهيرة بسبب هذا المجمع وكان على رأس المجمع الأنبا الكسندر بطريرك الاسكندرية. وكان على يمينه أثناسيوس الشجاع مساعداً له. وكان ليقف ضمن المشامسة بسبب رتبته، ولأنه كان بالحقيقة غنياً بكلمة الحكمة وكلمة المعرفة “التي أجن لها لنا بكل حكمة وفطة” (أف 1: 8) كما قال بولس الرسول “أعطيت له الكرامة الأولى ” فكان له المكان الأول في الجلسات، قبل أولئك الذين كانت لهم الدرجات الأولى من جهة مراكزهم. فما من كلمة حق أو فكرة بارعة عند الذين كانوا يجاهدون لأجل الأرثوذكسية إلا وكان أثناسيوس …… لها، كان يتذكر بسهولة الأقوال التي تنجاز إلى جنون آريوس، ويدحضها متيقظاً لما خفى من أفكارهم الخبيثة. وكان منهم من ….. بآراء مضادة، ومن جهة أخرى كان هناك الذين يتأرجحون بين الفريقين، يمزجون الخمر بالماء وهم منشغلون عن الحق يتاجرون بكلمة الدين. ولكن أثناسيوس وقد حفظ الديانة في نقاوتها بدون اختلاط، قطع على أفكار الأشرار وبدعهم الخبيثة خط الرجعة؛ وهذا ما وراء هو نفسه بالتفصيل فيما كتبه للأفريقيين. ومنذ ذلك الحين قرر المجمع المقدس بالإجماع الحقيقة أن الابن ذاته الذي تأنس في آخر الأيام لأجل خلاصنا أكمل كل التدبير الإلهي، هو مسار للآب في الجوهر، وحسب المجمع الروح القدس مع الآب والابن، وعلم الأيمان، ووضع قانوناً لكل الأرض يتضمن هذا التعريف الخلاصي والاعتراف بالإيمان، الذي لا ينقصه شيء والذي فيه اعتمدنا. فهو في الواقع قد حدد في كلمات قليلة المعاني والعبارات المكتوبة في الكتب الملهم بها من الله، في أماكن متفرقة كثيرة منها.
وبعد هذا الجهاد رجع أثناسيوس إلى مدينته في صحبة البابا الكسندر البطريرك الطاعن في السن الذي كان قد كسب المعركة ضد آريوس بقوة الله وبمساعدة أثناسيوس، ثم انتقل من الجسد إلى أورشليم السمائية. وجلس أثناسيوس على عرش القديس مرقس الرسول، يجابه المعارك والأخطار التي تحدث لأجل الإيمان وكان لزاماً عليه أن يخوضها، لأن كلاب آريوس، كان بعضهم يعضه علانية، والبعض الآخر في الخفاء، كانوا يسترن أسنانهم ضد هو وحده، فهو الذي يدبر كل شيء حسناً. ومن ناحية لم يستطيعوا مطلقاً أ، يتهموه لدى الإمبراطور التقى قسطنطين زوراً بخصوص الإيمان, ومن ناحية أخرى كانوا يصعدون إلى اتهامات زور مختلفة بدون مبرر، منها أن أثناسيوس قد تجاسر أن يعطل ملاحة السفن التي تجلب القمح إلى الإمبراطورية.
وقد أطلق الإمبراطور لنفسه أن يقتنع بذلك وفي الحال؛ حرر خطاباً ينفي القديس كذابهم حين يبيع يوسف أيضاً إلى الفرعون وكان صالحاً، ويعرف فرعون أن الرب الإله كان معه، وأخذ من جهة أخرى بتهمة زوجته المزورة التي اتهمت الشاب الصابر الطاهر بالزنا، لأنه في المعركة لأجل الكمال تعطي الفرصة حتى للأعداء، في أوقات معينة ، حتى يكون استعلان الأبطال وانتصارهم مع العسر واليسر ظاهراً بالأكثر، وهدفهم في كلتا الحالتين هدف واحد، دون أن يتعالوا ويرتفعوا، أو يخوروا وتثبط عزيمتهم لا فائدة.
بأي شيء آخر ، إن لك يكن بهذا، كان بولس الرسول ثابتاً وناجحاً في كل هذه الحالات؟ فهو يقول: “في كلام الحق في قوة الله بسلاح البر لليمين ولليسار يمجد و هوان، بصيت رديء وصيت حسن كمضلين ونحن صادقون كمجهولين ونحن معروفون كمائتين وها نحن نحيا. كمؤدبين ونحن مقتولين. كحزانى ونحن دائماً فرحون . كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء”. (2كو 6: 7- 10).
كان أثناسيوس فريداً تغمره الثقة وتحوطه أسلحة البر من كل جانب، فكان ثابتاً لا يقهر، واقتيد إلى إحدى مدن الغال (فرنسا) فكان يتهم خاملاً بل كان كمدينة شهيرة أقيمت على جيل الفضائل كسراج لا يمكن أ، يخفى تحت مكيال بل على منارة فيضيء بنوره الساطع لكل البيت الذي هو الكنيسة.
“لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت” (مت5: 14- 15).
وحرك الله حاكم القطاع الغربي من الإمبراطورية الغربي من الإمبراطورية الرومانية، قسطنطين الصغير بن قسطنطين التقى صاحب النهاية الصالحة، الذي كان له نفس الاسم ونفس الأسلوب مثل أبيه، فأعاد البطل من المعركة.
حركة الله فأعاد أثناسيوس إلى مدينة الإسكندرية، بعد أن هدد بالحرب ……… أخاه وكان قد أخذ جزئياً في شباك الضلالة الآريوسية، هدده إن لم يرسله إلى الإسكندرية، بعد أن كتب من جهة أخرى إلى أهل الإسكندرية خطاياً أو مقالاً رسمياً يمتدح فيه أثناسيوس، وروى كل الوقائع الأخرى على الوالي، قال موجزاً: “إن رؤساء الكهنة وحدهم يملكون حق إظهار الرضى في التجربة، واحتمال الألعاب، ومن جهة أخرى الفرح مع الرجاء والتأمل بالروح في المجد العتيد الذي يخفي كل ما هو زمني وشتى المتاعب في هذا العالم الحاضر.
ونفذ قسطنطين التقى هذا الأمر نفسه من جديد، فأولاً مدينته وكان قد صعد إلى رومية من أجل معارك مشابهه، وأعطاه إكليل النصر.
لا أذكر المجامع الآريوسية المملوءة خبثاً، التي كان يتقدم أمامها المقتدي بالمسيح لكي يحاكم. لا أذكر فساد المدعيين والشهود الذين باعوا أنفسهم. فطالما هدم كل ما كانوا به يفترون بكلمات قليلة حكيمة، إذ كان يملك القوة بسبب الحق. كان يتكلم بذاك الذي قال:
“.فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. (مت10: 19).
ومع ذاك فإن جنون الضلالة جعل الأشرار مسعورين لدرجة أنهم اتهموه بالقتل أيضاً، وهو الذي كانت محبة الله ومحبة الناس بطريقة واحدة وكان قد تدرب وتعلم في محبة الرب ومحبة القريب كالنفس.”فقال له يسوع تحب الرب إلهك من قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها،تحب قريبك كنفسك” (مت32:27- 39).
اتهموه فعلاً يقتل شخص يدعى ارساتيوس وأنه قطع يده لكي يمارس السحر. وكان الذين يتهمونه يحتفظون طرفهم بتلك اليد ويقولون : “أثناسيوس كان يتهمونه يحتفظون طرفهم بتلك اليد ويقولون: “إن أثناسيوس كان يخفيها، أما نحن فقد أخذناها منه تأييد لصحة الاتهام”.
فحكموا على أثناسيوس بسبب هذه التهمة. لكن رب المعجزات والعجائب الذي أبطل الحكم الظالم الذي أصدره الشيوخ ضد سوسن الطاهرة. دبر أن يقف أرسانيوس أمام القضاة بإرادته ، بينما كانوا قد دفعوا لمن يتهمون أثناسيوس زوراً نظير هروب هذا الشخص ثمناً كبيراً بالذهب كأنه ذلك احدى السلع التي تباع – كيلاً يراه أحد اطلاقاً حتى تنتهي قضية التهمة الزور. فلما وقف أمامهم وأخرج يديه اللتين كانتا مخفيتين تحت ردائه وأراهما للمجتمعين، خرس هؤلاء اللوص رفعوا قضية الفشل بحسد ولكي يكونوا مصدقين …… بقصة اليد الملفقة. فكانوا جامدين مثل الحجار وفي النهاية ولوا هاربين.
وإذا أقول بعد ذلك حين أمعن النظر في بحرأعماله؟ هل أبين مرات النفي. والهروب، والسفر، والصعود إلى رومية، ليس فقط رومية القديمة ليكن أيضاً رومية الجديدة، ومرات للسير على الطريق، والأسفار، والأخطار في البحر، والاستراحة والسكن في الصحراء؟ هل أذكر الأباطرة الذين كانوا يهددونه بالقتل، …….،……..، ويوليان Constance,Va……….هؤلاء المرضى بآراء آريوس، وآراء عبدة الأصنام الذين كانوا ينظرون إلى حياة أثناسيوس كأنهم تفرض أركان ديانتهم؟
لم يستسلم لأحد قسراً، لكنه كان خالداً حقاً، وكان يجاهد بأسلوب خالد في الجسد، يعلن بجهاده ويخوض المعركة بأسلوب رسولي… لأن هذا الفساد لا بد أن يلبس عدم الفساد وهذا المائت يلبس عدم الموت” (1كو 15: 53).
من أجل ذلك كان محتلاً لكل شيء. كان أيوب مثال الصبر في آلامه يضيق قائلاً: “أليست أيامي قليلة. اترك. كف عني فأبتسم قليلاً” (أي 10: 20). كذلك كان أثناسيوس في أثناء الستة والأربعين سنة سني عهده، يدبر الدقة وسط البحار الهائجة في الزوابع، لم يترك مركب الإيمان الأرثوذكسي تغرق. وقد جلس على العرش مدة ستة سنين غير متصلة، بينما هو قد أمضى أربعين سنة يعاني الإضطهاد دون أن يقول: “كيف …. …. قليلاً” مؤكداً عن نفسه الكلمة المقدسة القائلة: “الصديق لن يزحزح أبداً والأشرار لن يسكنوا الأرض” (أم 10: 30)؛ يركض دفعة واحدة بتعب شديد، يفكر في مستولية الكرسي المقدس، وفي كل مرة كان ينحي عنه بسبب الإيمان المستقيم.
ماذا نقول عن قوته واستقامته اللتين امتياز بهما تعليمه في كل كنيسة وكل أمة فضلاً عن كنيسة الاسكندرية الرسولية، منذراً في خطاباته وكان فيها ملهماً، يعمل لأجل السلام، موحداً البعيدين، طارداً الذئاب: يقذفهم بحجارة قوانين الإيمان وسهام الروح فجرح كجلياط ليوتتيوس واوزويوس ، وهم من جبارة الأريوسيين الذين كانوا يحاربون الله، فأسقطهم، وقلبهم وأظهرهم ……….. فمنهم من كان بسبب تنعم ونجاسة حياته يتجاسر على قطع أعضائه الجنسية وحرمان نفسه منها حتى يكون لا خوف مع من كان يحيها، ومنهم من جهة أخرى من كان يسبب محبة السلطة يستبدل كرسي بآخر ويملأ بطنه بشرهاة ويزيد شروره.
لذلك كان هذا الاحتفال مع ذكراه دنيا نحو المعلم المجاهد، فنكسب به أيضاً نفعاً لأنفسنا. لأنه حينما نمتدح رجلاً صالحاً، يعم الشعوب السرور. “إذا ساد الصديقون فرح الشعب” (ام 29: 2).
كانت تعاليمه الصحيحة كالقسطاس في دقة ضبطها وشدة استقامتها، وكانت أقواله أحكاماً وقوانين فيها فصل الخطاب. وفي جهاده ضد ضلالة آريوس، وبمهارته الفائقة في قيادة المعركة، لم يدع إحدى الهرطقات الأخرى تجد إليه سبيلاًً، مثل هرطقة دودور وتيودور، وكلاهما لم يكون مختبراً في الإيمان، فكانا يريان بالعين الواحدة وأعميان بالعين الاخرى، ويقسمان كلمة ابنه المتجسد إلى اثنين؛ تعللا لكي يجاهدا في صف آريوس أو لتأييد أحد الآراء الأخرى التي تعد من الهرطقة.
ولكن أثناسيوس كان يقدم الأدلة واضحة في كل شيء؛ فوضع قانوناً ….. لا تعترف بطبيعتين للمسيح الوحيد بعد الاتحاد، بل يجب أن نقول بالطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد، وفي نفس الوقت يغير بتغيير أو اختلاط أو انقسام للتأنس الإلهي.
لما كان نسطوريوس وأنصار ديودور الآخرين لا يجرؤون على اتهامه. فقد استبدلوا وحرقوا الخطاب إلى ابكتيت، أحد تلاميذ أثناسيوس الحقيقيين، وقد أرسل نصه الأصلي، كما كان موجوداً، إلى الكنائس المقدسة في الشرق، حينما كان يفحم ….. المستعدين للكذب وللبدع. فأنه حتى بعد أن انتقل أثناسيوس من هذا العالم، لا يزال يعلو جهاده بمقالاته الآن أيضاً.
نشأ هذا البطل المختار في مصر بمدينة الاسكندرية المحبة للمسيح. وكان يعلم بها وتمرس بالمعارك الدينية وفاقت انتصاراته فيها الكثير من الانتصارات، وليس الفوز في الألعاب الأولمبية شيئاً مجانيها فهي ناصرة على الانقلاب والسقوط وتبادل الضرب كالكباش والجداء وذلك شيء بدني.
إن المعارك التي يجدر بالمسيحيين خوضها هي تلك التي تنشب من أجل التقوى, أو تلك التي تخوضها ضد الأهواء المدينة وضد الشياطين الذين يشملونها. إن معارك كهذه كان فيها أثناسيوس البطل والمعلم والربي.
اسقط الهوى بفكرة طاهرة، اغلب الشراهة بالقناعة. مرراكضاً من الظلم إلى العدل. وليكن النصر لك على كل هوى حسب الأقوال المقدسة: “فإن مصارعتنا ليست من دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين وع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (اف 6: 12).
لماذا تفتح أبواب قصرك لمعارك الأجسام؟ لماذا تركض نحو اللهو في شوارع دفني وتسرح عقلك فيها؟ لماذا تجاهد بشدة لأجل نصرة أشياء أخرى وتهمل معركتك الخاصة؟ فتوجه اهتمامك إلى الولائم والسكر والحسد والأحاديث والمناقشات والجدب، والصراخ والهتافات غير المنظمة التي تملأ الهواء؟
يا أخوتي، ليس أمراً هيناً أن تحتقر ناموس الله بسبب لعبة أو بعض التسلية. فليس هناك عمل بلا عقاب أو ثواب. هذا ما يعلمنا إياه أثناسيوس اليوم وينذرنا لنعبد أنفسنا لملكوت السموات. فلنطلب منه أن يفتقدنا أيضاً وأن يقدم الصلوات من أجلنا، مع الأنبياء والرسل والشهداء لكي نحرر أنفسنا من فخاخ المنافق، بالنعمة ومحبة الله العظيم مخلصنا يسوع المسيح الذي يليق به المجد والسطان مع الآب والروح القدس وكل أوان وإلى دهر الداهرين آمين.