المقال 77 عن الأحداث الإنجيلية والإنجليين الأربعة

المقال السابع والسبعون

القديس مار ساويرس الانطاكي

 

“ان الانجيليين لا تتعارض اقوالهم في شيء حينما يرون الاحداث المتعلقة بقيامة المسيح الهنا ومخلصنا”

يقع بعض الناس في حيرة لدى قراءة الاناجيل لان الانجيليين لا يقولون نفس الاشياء فيما يختص بنفس الاحداث، ويزعمون ان فيها اشياء متعارضة، وبالأحرى تجّر القارئ نحو عدم الايمان. يقولون من تصدق؟ أتصدق متى الذي كتب ان القيامة حدثت بعد السبت عند فجر اول الاسبوع. او يوحنا الذي روى ان نفس الحدث حصل باكراً او الظلام باقٍ، او لوقا ومرقص الذين اطلقا على نفس اللحظة. الواحد اول الفجر، والاخر شروق الشمس؟

ولكي نحل الاشكال المعروض علينا والمسائل الاخرى التي تفشأ عند قراءة نص الكتاب، يلزم، بالرغم من ضعفنا، ان نستعين بالإله الذي قام وتقدم شرحاً واضحاً. لأن الذي زرع بذار القراءة وجعلها تنمو في اذان الجميع، قادر ايضاً ان يبيّن المسائل التي تشيرها. وسنبيّن ذلك ونستنتج حل المسائل من الكلمات ذاتها التي قالها الذين اثاروا المسائل.

ان محرري الاناجيل القديسين لم يقولوا ان الرب اما ان يكون قد قام باكراً جدّاً في اول الاسبوع، او حينما انقضى الجزء الاكبر من الليل، او عند الفجر ايضاً، او حينما كانت الشمس اشرقت. صحيح انه يقوم التناقض اذا كان المحررون قد حكوا ان نفس الحدث لم يحصل في نفس الوقت، بل في اوقات مختلفة. لكنهم كتبوا ان النساء ذهبن الى القبر، تارة في حين، وتارة في حين اخر، لكن ليس في ذات الوقت وكيف يكون ذلك ممكناً وقد جئن الى القبر مرات عديدة؟ وجميعهنَّ سمعن الملائكة يقولون نفس الشيء عن المخلص انه قام، ليس هو هنا، دون ان يضيفوا متى كان ذلك. ويتبع ذلك انه اذا كانت القيامة قد حدثت في هذه الليلة المقدسة، باعتراف واتفاق كل الانجيليين، ولم يذكر احد الساعة، وهي مجهولة من الجميع، بإستثناء الابن الذي قام، والاب الذي يعرف وحده الاين كما يعرفه الابن. والروح القدس الذي يفحص كل شيء حتى اعماق الله.

قال متى فعلا ان مريم المجدلية ومريم الاخرى جاءتا يعطيه المن يوم السبت عند فجر اول الاسبوع، لكي تريا القبر وانه حدث زلزاله عظيم؟ وان ملاكاً نزل من السماء، وكان وجهه يشبه البرق، وكان ثوبه يشبه الثلج، لكي يُرهب الحراس عجبا بمنظره الرهيب وكانتا على وشك الهلاك من الخوف، لعدم إحتمالهما منظره، ولكي ينادي الملاك المرأتين وهو بمنظره البرّاق، ويلهمهما الثقة، وهما بطيعتهما يسهل القاء الرهبة في قلوبهما وهما خائفتان، وليبشّر ايضاً بالقيامة بسرور عظيم بمظهره، ولذلك ايضاً كان قد ارسل. فبعد ان رفع الملاك الحجر، وجد ان الرب قد قام وذهب، كما يليق به وكان القبر مغلقا مختوماً وتحرسه دورية من الجند، بنفس الطريقة التي دخل بها البيت، اذ كانت ابوابه مغلقة، وزار تلاميذه. لذلك ايضاً قال الملاك: ليس هو هنا لكنه قام، مشيراً بذلك ان قيامة المخلص حدثت بطرقة إعجازية قبل حضوره هو، تلك القيامة التي أتمّها المخلص بقوته الذاتية كإله، لانه لو محتاجاً الى ملاك، لقال الملاك: انظروا انه يقوم، بهذا ان الحدث يتم في نفس اللحظة؟ لكن بما ان القيامة حدثت قبلاً، فهو يستعمل الفعل الماضي: ليس هو هنا لكنه قام ويظهر هذا جليّاً ايضا من قول الرسل وهم يبشّرون الانجيل، ان المسيح قام بالآب، فيكون بذلك الخبر متقبّلاً في يسر. وان الملاك الذي كان اول من فتح فاهُ لكي يبشر بالقيامة، كشف عن السلطان الذي قام وقال: “ليس هو هنا لكنه قام”. وفي ذلك اعلان قيامته بالآب وهذا الخطاب يناسب ضعف السامعين، لكن المقصود من قوله قام المسيح بالآب هو ذات المعنى انه قام وليس له تأويل اخر. لانه كيف يعمل الاب؟ انه يعمل بقوة ذاته طبعاً. ومن هو قوة الاب؟ انه ليس اخر سوى المسيح. المسيح إذن اقام نفسه، حتى اذا قيل ان الاب اقامه.

اما عن عبارة باكر جداً في اول الاسبوع، فهي لا تشير الى المساء الذي يلي غروب يوم السبت، لأن متى لم يقل لفظة السبت بالمفرد بل بالجمع –السبوت. ان للعبرانيين عادة ان يسمّوا الاسبوع كله سبتاً. هكذا قال الانجليون اليوم الاول، والمقصود بذلك يوم الاول من الاسبوع، وفي لغتنا الدارجة يسمى اليوم الثاني واليوم الثالث من الاسبوع، اليوم الثاني من السبوت والثالث من السبوت. متى لم يقل إذن انه كان باكرا جدا في اول الاسبوع، أي بعد غروب يوم السبت، لكي يشير الى مساء ذالك اليوم، لكن قال ذالك لكي يبين ان الوقت كان متأخراً وبعد الغروب بزمن كثير. وهكذا اعتدنا ان نقول: جئتُ بعدَ هذه اللحظة بكثير، عندما لا نشير الى المساء، او الى الوقت التالي لشروق الشمس- لغروب الشمس، لكن عندما نشير ان الشيء حدث متأخراً جداً. وبعد نهاية الاسبوع (غروب شمس يوم السبت) بزمن كثير، ذهبَت النساء الى القبر. وكل اسبوع ينتهي عند غروب الشمس الذي يلي السبت، لذلك اشار متى الى بعد اللحظة بالنسبة لنهاية الاسبوع المنصرم وشرح ذلك بإضافته قوله، في فجر اول الاسبوع، يقول كان الليل قد انقضى لدرجة انه كان وقت صياح الديك الذي يعلن اشراقة النهار الاتي. لذلك فإننا ننظر في تلك اللحظة وليس في المساء الذي يلي السبت، ونبتدي. نمتّع انفسنا بالبهجة، وان انتشار هذه العادة في كل مكان ليبين صحة هذا الوقت.

في هذه اللحظة إذن، جاءت مريم المجدلية وسميّتها (مريم الاخرى) الى القبر ورأنا ان الملاك الذي نزل من السماء. كان قد رفع الحجر وكان جالسا عليه. وحينما دعاهما، وان المكان الذي كان الرب مضطجعاً فيه، وبعد ان امرتا ان تذهبا لتبشرا الرسل بالخبر، خرجتا سريعاً من القبر وجريتا وبينما هما تجريان، قابلهما يسوع وقال: سلام. وكان يلزم في الواقع ان جنس النساء هو اول من يرى الرب ويسمع الكلمة الاولى من فمه: سلام. لان المرأة هي اول من استمع الى خدعة الحية. والتي نظرت ايضاً الى ثمرة الشجرة بخلاف الناموس وكانت محرّمة عليها, وهي التي حُكِمَ عليها بالحزن. لذلك سمح الخلاص للنساء ان يعبدونه ويمسكنَ بقدميه- وكانت المريمتان هما الاولتين اللتين انطلقتا فأمرهما السيد ان يشركا التلاميذ في فرحتهما- اراد ان تكون المرأة بالنسبة للرجل رسول البهجة والسرور وكانت لادم سبب الحزن والشقاء.

يقول متى: وفيما هما ذاهبتان اذا قوم من الحراس جائوا الى المدينة واخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا واعطوا المسكر فضة كثيرة, قولوا إن تلاميذه اتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيّام. واذا سمع ذلك عند الوالي فنحن استعطفه ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضّة وفعلوا كما علّموهم. فشاع هذا القول عند اليهود الى هذا اليوم، مت28: 11-15.

اما مريم الاخرى- ونعتقد انها والدة الاله، لأنها لم تبق بعيدة عن الالام، وكانت تقف بجانب الصليب، كما روى يوحنا، ويطيب ايضاً ان تبشّر بالخبر المفرح، لأنها كانت سبب الفرح وكانت قد سمعت تلك الكلمات المجيدة توجه اليها، السلام لك يا ممتلئة نعمة- فقد نفذّت امر الرب وبالتأكيد قد بشرّت الرسل بالخبر. ولم يكن ليصبح في الواقع، ان ماتدبر وترتب بالحكمة هكذا. لايتم. ولا شك فيه ان هؤلاء الذين سمعوا الخبر لم يصدقوه- وهذا مايحدث غالباً حينما تُعلَن عجائب عظيمة- لانهم ما كانوا ليبقوا بلا حركة اذا كانوا قد صدقوه. اما المجدلية التي كانت تسير مع والدة الاله والتي كانت ايضا متعجلة لكي تبشر بالخبر. فقد شعرت بشعور عادي. مثل بطرس الذي كان قد قبض عليه هيرودس، ثم خلص بواسطة الملاك تلقائيا من قيوده، وخرج من السجن وتقدم بعيدا حى تخطى باب المدينة، فلم يفكر في ان ماحدث كان حقيقة، لكنه تصور انه رأى رؤيا، هكذا ايضا تراءى لمريم المجدلية الكلام عن عظمة المعجزة الزائدة كالهذيان- وكان الحراس قد حضروا واقبلها وابتدأوا يتشاورون مع رؤساء الكهنة عن إفترائتهم ضد القيامة وشعرت بالتأكيد ان شيئا من هذا النوع يهمون به، فأستقبلت إيحاءات الثلث واهملت رسالتها وامر الرب وذهبت الى القبر، باكراً والظلام باق، كما يقول يوحنا لأنه كما ان الرب سمح لتوما ان يقول عن عدم إيمان: “ان لم ابصر في يديه اثر المسامير واضع اصبعي في مكان المسامير واضع يدي في جنبه لا أؤمن” ( يو 20: 25). وانه بسبب عم ايمانه بغير تبصر، وبسبب لمسه للسيد قد تثبتّنا في ايماننا ان عمّانوئيل قام بالجسد الذي تألم به، فبنفس الطريقة سمع ايضا لمريم المجدلية التي كانت قد سقطت في عدم الايمان. والتي كانت قد جرّبت هذا الشعور بأكثر سهولة من توما، لا تجعل في الواقع انه من طبيعة النساء ان يترددن بسهولة من توما، سمح ان ان تجعل بفحصها الدقيق الذي تجاوز الايمان وكل تفكير معجزة القيامة اكثر تقبلاً بروح الشك هذه، وبعد ان رأت الحجر فقط الذي كان دحرج بعيدا عن باب القبر، ولم تر الملاك جالسا عليه. استسلمت لعدم الايمان وظنّت ان الرؤيا الأولى لم تكن سوى وهما وخيالا ولما جرت نحو بطرس والتلميذ الاخر الذي كان يسوع يحبه قالت لهما وهي تبكي “انهم اخذوا سيدي ولست اعلم اين وضعوه” (يو 20: 13)

انكم ترون انها كانت قد سمعت شيئا من هذا القبيل في الروايات التي شائت في الليل عند اليهود بعد تقرير الحراس، وغيرت فكرها عن ذلك، وصدقت ان الاعداء رفعوا الحجر وسرقوا جسد يسوع، لكي يؤكدوا الاشاعة التي تقول ان التلاميذ هم الذين سرقوه- لكن بطرس ويوحنا قاما في الحال وجريا الى القبر لأن الاقوال الشائعة التي كانت تهدف الى جعل الناس يؤمنون بالقيامة لم تكن بعيدة الوقوع، بل بالحري كانت سهلة التصديق وتتفق مع خبث اليهود. ففعلا ذلك بدون خوف. وكان الظلام باقيا وكان الله قد ملأهما ثقة. وعند وصولهما وجدا إثباتات ظاهرة للقيامة. رأيا فعلا الاكفان في القبر وكانت على الارض ولكن هذا ما كان ليحدث لو كان الجسد قد سرق. اولا: كان السّراق يحبون ان ينهبوا الاموات، ثم انهم يميلون الى ان يتموا السرقة بسرعة كبيرة، حتى لا يضبطوا متلبسين ويتحملوا العذاب بما كانوا يفعلون. لكن يوحنا كتب بخصوص جسد المسيح، “فأخذا جسد يسوع ولقاه بأكفان مع الاطياب كما لليهود عادة ان يكفنوا” (يو 19: 40) فكيف إذن لم يكن عملا متعبا للسراق ان يحلّوا اللفائف وينزعوا من الجسد الاكفان التي كانت ملتصقة به، والتي كان يصعب انتزاعها وقد تتمزق قبل ان ترفع. لانها كانت قد ربطت معا بمزيج من مر وعود كان نيقوديموس قد احضرها. ” والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعا مع الاكفان بل ملفوفا في موضع وحده (يو 20: 7). كان ذلك لا يشير الى عدم ترتيب. كما يكون الحال لو كان اللصوص سرقوا الجسد. اين يجدوا اللصوص القت والاطمئنان اللازم لكي يلفوا في ترتيب المنديل الذي كان يغطي الرأس ويضعوه جانباً؟ هذا التفصيل ايضا يقرر إذن بوضوح حقيقة القيامة، وفي نفس الوقت يعلن سراً يليق بالله، نظراً لأن الرأس اللاهوت، حسب قول الكتاب: الله رأس المسيح وان المسائل المتعلقة باللاهوت تبقى حتى بعد التأني، كأنها ملفوفة ولا يمكن تفسيرها، بينما الاشياء من النوع الاقل، المتعلقة بالجسد وبالاقامة على الارض بين الناس كانت الاكفان ترمز اليها.

بعد ان رأيا كل هذا، امن بطرس ويوحنا، لأنهما نظرا ليس بمجرد النظر ببساطة، لكن بفهم رسولي عالٍ. كان القبر في مملوءاً نورا، ومع انه كان الوقت ليلا، فأنهما رأيا جيدا ما بداخله: بالحس وبالروح. لأنه اذا كان الابرار يمتلكون النور دائما، حسب قول الكتاب، فكم بالحري اله الصديقين. يقول يوحنا انهم لم يؤمنوا. “لانهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب انه ينبغي ان يقوم من بين الاموات” ( يو 20: 9) وكان الرسل بالتأكيد يعرفون انه يقوم، لان المخلص كان قد قال ذلك لهم قبلا، ولم يكونوا ليعرفوا ذلك كأناس مقتنعين بالكتب وبالنبوات المعلنة فيها- وما كان يمكن الا ان تتحقق- كأناس كان ايمانهم لايزال مهزوزاً.

وكون المسيح قام عريانا بدون الاكفان، يؤكد اولا انه ما عاد ابدا يعرف حسب الجسد، ولن يحتاج الى طعام او شراب، ولا ثياب او ملابس، وحينما كان يكمل رسالته، كان يخضع ذاته بإرادته لهذه الاشياء، لانه اشترك في نفس الطبيعة معنا، ثم بعد ذلك. فهو يشير الى عودة ادم الى حالته الاولى، حينما كان عريانا في الفردوس ولم يكن يستحي به وفضلا عن ذلك، وهو ذاته الذي يشتمل بالنور مثل الثوب، كما يقول النبي داود.

لكن بطرس ويوحنا، وهما مقتنعان بما رأياه، عادا الى بينهما ولم يقولا شيئا لمريم لانه، بما انها سقطت في عدم الايمان، شاء الاله الحكيم ان تقتنع عند النظر اولى من ان تقتنع بالسمع. فكانت تقف بجانب القبر تبكي خارجا، ولما انحنت رأت ملاكين، كانت ملابسهما تظهرهما ناصعا البياض، “وكانا جالسين واحد عند الراس والاخر عند الرجلين حين كان جسد يسوع موضوعا” (يو 20: 12). وبينما كان يجب ان تبدل حزنها بالفرح. كانت لا تزال تذرف الدموع لدرجة ان الملاكين قالا لها: “يا امرأة لماذة تبكين؟” وهذا يعني ان هذه الدموع هي دموع امرأة وليست دموع انسان حكيم. اين مجال النحيب بعد مشهد كهذا؟ هذه مريم فريسة عدم الايمان- في الواقع كان الاثم ينتشر، وما كان يبدو الى احداث الايمان كان ينتهي بابعاده- قالت لهم ” انهم اخذوا سيدي ولست اعلم اين وضعوه ولما قالت هذا التفتت الى الوراء فنظرت يسوع واقفا ولم تعلم انه يسوع” (يو 20: 13-14). هذا كان يعود بعض الشئ الى ان الرؤيا كانت غير واضحة بسبب الدموع. وكأنها مثقلة بحجاب. والى ان يسوع كان يحرص مؤقتا على الا تتعرف عليه. لذلك قال: لماذة تبكين من تطلبين. فظنت تلك انه البستاني فقالت له “يا سيد ان كنت انت قد حملته فقل لي اين وضعته وانا اخذه” (يو 20: 15).

ربما لم تخطئ في اصول اللياقة اذ ظنت انه البستاني، فهو بالحقيقة زارع الفردوس الحقيقي الازلي، الذي يقوم في بستان القبر كما في الفردوس التي خدعت بغدرها ادم البستاني الاول.

كل الاشياء كانت الى هذه الدرجة مليئة بالاسرار وبكلمات الهية عالية. ولكن لما قالت مريم ذلك وتسلطت عليها رغبة قوية في البحث عن الجسد. ولما التفتت اكثر فأكثر، وكانت على وشك المضي، فإن ذلك الذي يدخل “الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ” ويميز “افكار القلب ونياته” (عب 4: 12) ولما رأى انها جربت بكفاية. ازال عدم ايمانها بكلمة واحدة وجعل نظرها حادا لكي تعرفه، مكتفيا بالقول. كما يعرف هو وحده ان يقول، بطريقة جعلتها تلتفت: “يامريم”. وفي الحال التفتت وقالت: ربوني الذي تفسيره “يامعلم” كانت تريد ان تمسك بقدميه الالهيين ولكنها سمعته يقول لها: ” لاتلمسيني لاني لم اصعد بعد الى ابي” بينما انت قلت هذه العطية ولمستني مع مريم الاخرى، وعبدتيني ، وامسكت بقدمي، فأنه لم يكن لك فكرة عالية بخصوص حتى انك اصبحت غير مؤمنة، وما زلت تبحثين حول القبر عمن يمكن فب العلا، بجانب الاب. والان لا تلمسيني، وانت لا زلت في نفس الشعور الروحي تفكر اين- وانا الساكن في العلا بأن اصعد الى الاب. “لاني لم اصعد بعد” بحسب رأيك الى ابي. “ولكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم” (يو 20: 17).

بما اني كنت حسب الجسد ” بكر بين اخوة كثيرين” (رو 8: 29). ليس لأجلي انا بل لأجلكم انتم يا اخوتي اصعد الان جسديا الى ابي وابيكم، الى الهي والهكم. ان لم يكن الاب دعا ذاته الهي، بعد ان رأى في براءة الطبيعة البشرية، لاني بلا خطيئة كما في بداية الجنس البشري ( قبل سقوط ادم)، ما كان قد دعي اباكم والهكم وانتم الذين ابتعدتم عنه- ولذلك بولس، حينما يكتب للعبرانيين يقول: ” لان المسيح لم يدخل الى اقداس مصنوعة بين اشباه الحقيقة بل الى السماء عينها ليظهر الان امام وجه الله لاجلنا” (عب 9: 24).

ذهبت إذن مريم المجدلية لتبشير التلاميذ انها رأت الرب وانه قال لها هذه الاشياء. وحينما وصلت واخبرت بكل هذا وجدت في هذه المرة مريم ام يعقوب، ويونا، النساء الاخريات اللواتي كن معها وكن ذاهبات بسرعة الى القبر مع الاطياب والعطور، في الوقت الذي فيه انتهى الظلام وكان الفجر على وشك الطلوع، أي انه كان واضحا وانه ابتدأ لتوه كما يقول لوقا: “ثم في اول الاسبوع اول الفجر اتين الى القبر حاملات الحنوط الذي اعتددته” (لو 24: 1). فأنضمت لهن واتجهت معهن.

وبسبب محبتها ليسوع. كانت تظهر انها الاولى، والإنجيليون يذكرونها اولا بسبب هذه الصفة الخاصة، وكانت ترغب ان يقتنعن ايضا بالقيامة. ليس بما كن يسمعن بما قيل لها ولمريم الاخرى، لكن بالمنظر نفسه امام اعينهن او بظهور ملائكة. وكانت تصحبن. فهي تصمت بحرص ولا تقول شيئا، ومع انهن لم يبلغن اليقين، لكنهن كن ينتظرون شهادة القيامة، وكانت مقتنعة ان اليقين تقدمه اعينهن نفسا. فلما رأين الحجر مرفوعا من امام القبر دخلن الى الداخل ولم يجدن جسد يسوع. وفيما هن متحيرات رأين رجلين بثياب برّاقة وقد وقفا امامهن وقالا لهن: “لماذة تطلبن الحي من بين الاموات ليس هو هنا لكنه قام” وبعد ان رجعن من القبر، بقول لوقا: “واخبرن الاحد عشر وجميع الباقين بهذا كله” (لو 24: 9). ولكن الباقين لانهم كانوا كثيرين، وكانوا بالاحرى غير مصدقين الخير الذي بشروا به ورفضوه، ويضيف لوقا: “فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوه” (لو 24: 11). ونتج عن ذلك ان بطرس خف مسرعا ازاء عدم ايمانهم، وهو مضطرب بعض الشئ وجرى ثانيا الى القبر وانحنى ورأى مرة اخرى الاكفان على الارض، وهي الاكفان التي سبق ان نظرها بأكثر انتباه حينما كان قد دخل القبر. لذلك اكتفى بأن ينحني ولما لم يجد شيئاً اخر، ذهب، متعجبا منذهلا لما حدث وممجدا ذلك الذي رتب كل هذا.

ومرة اخرى. كما سبق ان اصطحبت في الفجر الاول يونا وزميلاتها اللواتي كن احضرنَ الحنوط والاطباب التي كن جهزنها قبل السبت، بنفس الطريقة كانت مريم المجدلية تجري، بدون تأخير، منتعشة بذات الاستعداد الروحي مع سالومه، وهي امرأة غريبة بالمقارنة مع اللواتي ذكرت اسماؤهن، وهي التي اشترت اطيابا بعد السبت- بعد ان اخذت معها مريم ام يعقوب، حتى انهن كن يظهرن كأنهن اشتركن ايضا في شراء العطور، وبعد ان قطعن الطريق سوياً، فقد تركنَ في الواقع الناس ينسبون اليهن كل ما تم، كانه عمل مشترك- وباكراً جدا في اول يوم في الاسبوع ذهبن الى القبر. ،ايضا، تظهر في الواقع في المخطوطات الاكثر دقة، وتبين انه فضلا عن مرات الوصول الى القبر التي كانت قد حدثت، كانت هذه المرة التي وصلت فيها النساء الى القبر ايضا واضاف مرقس شارحا كلمات باكرا جداً بقوله: اذ طلعت الشمس، لو استطرد قائلا: “وكن يقلن فيما بينهم من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر لتطلعن وارأينَ ان الحجر قد دحرج. لانه كان عظيما جدا” (مر 16: 3-4).

بينما كانت سالومة مرتكبه، نظرا لانها لم تكن قد اتت مطلقا بعد الى القبر، وانها كانت توجه هذه الكلمات الى النساء اللواتي كن يسرن معها، وكانت اولئك صامتات واكتفين بأن يرفضن، ورددن على سالومة بنظرتهن. كان الحجر في الواقع يظهر مرفوعا امام العيون. ولكن لانهن كن قد قطعن نفس الطريق بعضهن مع بعض. روى الكتاب انهن كن متحيرات.

واذا كن تتقيد بصحة الرواية وبطبيعة الاشياء، واذا نفحص عمن يحق له ان يكون متحيرا. فنعرف انه كان من غير المحتمل ان النساء ان راين الحجر مرفوعا. يهتممن بذلك. ولكن نظرا لانه بين النساء اللواتي يذكر من مرقس، سالومه التي كانت تجهل كل شئ. فإن الحديث حقيقيا لا ريب فيه (بما انها هي المتكلمة). لم يكن ايضا طبيعيا ان تعلن: من الذي يدحرج لنا الحجر، لان اليهود كانوا قد حتموا مدخل القبر واقاموا مركزا للعسكر وكان اليوم الثالث وشيكا. لان الانجاس قالوا لبيلاطس: “قد تذكرنا ان ذلك المضل قال وهو حي اني بعد ثلاثة ايام اقوم” (مت 27: 63). اذا كانت النساء يعرفن المعجزة التي حدثت بواسطة الملاك، وهي رفع الحجر، واذا كان النساء يعرفن ان الحراس انسحبوا في حالة رعب شديد، فكيف كن متحيرات بخصوص رفع الحجر؟ واذا كن يجهلن المعجزة، فكان لزاما عليهن ان يفتكرون في مركز العسكر ولا يتصورون انهن يستطعن ان يفتحن القبر لكن كانت سالومه تجهل كل هذا وكانت الكلمات موضع السؤال لها وحدها.

وفعلا جلست مريم المجدلية ومريم الاخرى امام القبر، كما روى متى، ولما جلستا هناك بثبات، رأتا اختام اليهود وحراسة الجند. ولما دخلت سالومه والمريمتان وخفن كلهن: سالومه لانه كان ينقصها الايمان وكانت في حالة استعداد بشرية، والاخريات كن يحضرن باستمرار الى القبر وكن يظهرن تبعا لذلك انهن يتحققن من القيامة اكثر مما يجب.

لهذا السبب إذن، ظهر لهن شاب، وكان يستطيع ان يذهلن ويوحي اليهن بالخوف، وكان ما اعتراهن من الخوف بسببه مضوا بالفرح وذلك لبياض ثوبه ونظراً لانه كان يوم عيد ولم يكن يريد ان يستبد بهن الخوف. وتحدث معهن بقساوة مؤنبا إياهن وانتهرهن قائلا لهن الا يستمرون في إظهار الفضول غير اللائق بعد ان كن شهودا لأشياء عظيمة بهذا المقدار بل ان يقفن بلبات عند مارأين.

قال لهن فعلا: “لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس انه يسبقكم الى الجليل هناك ترونه كما قال لكم” (مر 16: 7). لانهم كانوا مرات عديدة غير مصدقين، مدفوعين بنفس الفضول مثلكن- وانه يسبقكم الى الجليل هناك ترونه كما قال لكم.

لما ظهر لكن ايتها النساء “بعد السبت عند فجر اول الاسبوع” كما كتب متى (مت 28: 1). لا يبدو مطلقا انه قال لتلاميذه انه سوف يظهر لهم بعد قيامته في الجليل. الا اذا كنا نسلم بأن ما كتبه متى ومرقس، كان كما قاله المخلص حينما ذهبوا بعد العشاء الرباني الى جبل الزيتون بعد ان سبّحوا. (مت 26: 30):لكن بعد قيامتي اسبقكم الى الجليل. ولما خرجن من القبر وكنَّ خائفات ومرتجفات، هربت المريمات وسالومه ولم يقلن لأحد شيئاً لانهن كن خائفات اولا لان الشاب كان يوحي اليهن بالخوف، ثم لان النهار قد تقدم وكان اليهود على الارجح يتجولون في كل إتجاه، متعطشين الى الدماء.

في المخطوطات الاكثر دقة: ينتهي الانجيل حسب مرقس بكلمات: “لانهن كن خائفات” وفي البعض ايضا، نقرأ هذه الكلمات: “وبعدما قام باكرا في اول الاسبوع ظهر اولا لمريم المجدلية التي كان قد اخرج منها سبعة شياطين” (مر 16: 9). هذه القطعة تظهر كأنها تتعارض مع ما سبق ان قلناه عن وقت قيامة المخلص. بما ان الساعة التي قام فيها المخلص ليلا هي ساعة مجهولة، كيف نفسر إذن الكتب انه قام باكرا؟ وليس هناك أي تعارض اذا معنا النظر وقرأنا بلباقة. لانه يجب ان نضع النقط بفهم ‘بعدما قام‘ ثم اضاف: “باكرا في اول يوم الاسبوع ظهر اولا لمريم المجدلية” (مر 16: 9). حتى تكون كلمات ‘بعدما قام‘ منسوبة للماضي، بالاتفاق مع متى، وتكون كلمات: “باكرا في اول يوم الاسبوع” مرتبطة بالرؤيا التي ظهرت لمريم، التي رأت الرب اولا، مع مريم الاخرى، ثم مرة اخرى وحدها. والصباح هو في الواقع كل الوقت الذي يلي صياح الديك.

بما ان النساء حضرن الى القبر في اربعة اوقات، فيكون إذن وصول النساء على اربع دفعات، فإن روح القدس حرص على كل من الانجيليين ان يصف وقتا واحدا. فمتى تكلم عن النساء اللواتي وصلن الى القبر. بعد السبت عند فجر اول الاسبوع، وروى ان ملاكا نزل من السماء ودحرج الحجر، ويوحنا كتب ان مريم المجدلية وصلت وحدها في الظلام، قبل الفجر، وانها رأت ملاكين داخل القبر: ولوقا كتب ان النساء الاخريات حضرن في لحظة الفجر عينها، ومرقس كتب ان النساء الاخريات حضرن في لحظة الفجر عينها، ومرقس كتب ان أمرأة اخرى وصلت في لحظة شروق الشمس، بصحبها بعض النساء اللواتي كن سبق ان ذهبن الى القبر، فرأت الاوليات رجلين واقفين امامهن، والاخيرات رأين شابا جالسا عن يمين، وكلهم، (الملائكة والرجال والشاب)، كانوا لابسين ثيابا بيضاء. ويتبع ذلك اننا نستطيع، بجمعنا حسب ترتيب الاوقات، ما كتبه كل انجيلي، ان نكوّن مجموعة واحدة متنافسة لكل الرواية، كما لو كان شخص واحد، وليس اشخاص كثيرون، هو الذي كتب الكل.

فإذا كان الانجيليون قد ذكروا جيشا واحدا للنساء في لحظة واحدة، واذا لم يكونوا قد قالوا ان نفس الملائكة قد ظهروا لهن، او اذا كانوا، بعد ان تكلموا عن نفس الظهور وعن نفس الرؤيا، قالوا إنها حدثت في اوقت مختلفة، غير ذاكرين وقتا واحدا، لكانت الرواية فيها لبس التعارض. لكن اذا كانت الاوقات والاشخاص تختلف، والظهور ليس هو في كل مرة نفسه- لان الله اراد ان يجعل معجزة القيامة العجيبة قابلة للتصديق بطرق كثيرة- واذا كان ما لم يقله احد الانجيليين قد رواه انجيل اخر، كيف لاتكون كل الرواية صحيحة من كل نقد؟

بما ان الاناجيل تذكر مريمات كثيرات، يجب ان نعلم انه يوجد ثلاثة فقط، ذكرهن يوحنا قائلا: ” وكانت واقفات عند صليب يسوع امه واخت مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية” (يو 19: 25).

نعتقد فعلا، ان مريم المدعوة ام يعقوب ويوسي عند الانجيليين الاخرين، هي والدة الاله وليست اخرى. لانه كما انه بسبب التدبير ولكي يكون الميلاد خفيا وليس معلناً لليهود القتلة، فقد روى انه في الوقت الذي فيه كانت العذراء على وشك ان تقاد الى رفة العرس لكي تحبل من الروح القدس، في هذا الوقت دعي يوسف زوج العذراء ووالد يسوع، بنفس الطريقة كانت تدعى والدة الاله وتسمى ام يوسي ويعقوب، الذين كانا ولدي يوسف النجار، ولدين مازالا صغيرين، مولودين من زواج سابق ومن زوجة ماتت قبلا. هذا هو السبب في ان اليهود كانوا يقولون وهم يجدفون ضد المخلص: “اليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وامه” (يو 6: 42). لذلك ايضا دعاها يوحنا، بينما كانت تقف بالقرب من الصليب، والدة يسوع، وفقا للحقيقة، نظرا لانه كان يعبر عن نفسه بصراحة فيما يختص بألوهية المسيح، بينما الانجيليون الاخرون، بأهتمامهم الزائد بالتدبير. كانوا يدعونها. وفقا للتدبير، ام يعقوب ويوسي، اللذين كانا ولدي يوسف المعروفين بالاكثر ضمن اولاده-  ان تفسيرنا يبين بوضوح انه بسبب هذا التدبير وبسبب الرأي الذي عيّنه، كانت مريم تحضر الام المخلص بدون ان يكون هناك ثمة خطر عليها، لانه اذا كانت العذراء قد عرفقتها الجموع، لكان اليهود الحاسدون قد اهلكوها. ويحدث اننا نجدها مدعوة عند الانجليين، بحسب واحد فقط من اولاد يوسف، مريم ام يعقوب. ومريم ام يوسي. مرقس دعاهما ام يعقوب الصغر ويوسي كان هناك في الواقع يعقوب اخر ابن حلفى، الذي كان عظيما لانه كان ضمن عدد الاثني عشر رسولا، ولم يكن يعقوب الصغير من ضمنهم. وقد نتسائل: كيف ان المخلص. بعد ان وعد تلاميذه، تارة بواسطة الملائكة، وتارة شخصيا بأنه يظهر لهم عند وصولهم الى الجليل، كيف يقدم وعده ويظهر لهم في القدس ذاتها؟ حسب لوقا يظهر للاحد عشر المجتمعين يوم القيامة ذاته حسب يوحنا يظهر في ذلك اليوم وفي اليوم الثامن، يقف في وسطهم ويقول: “سلام لكم” ويترك توما يلمسه” (يو 30: 27). ان هذا يقرر غنى سماحته ومحبته للبشر، ولا يمكن ان يوصف بانه متناقض. فلم يقل “سوف يرونني فقط في الجليل” وبعد ان ظهر في القدس لم يمتنع عن ان يظهر في الجليل كما وعد. لكنه اذا قد ظهر لهم، من ناحية. في اورشليم، حينما كانوا يحتاجون الى تشجيعه، واذا كان، من ناحية اخرى، بر بوعده بظهوره لهم في الجليل، فإن الظهور الواحد والظهور الواحد والظهور الاخر اللذين حدثا حقيقة. يبينان محبته للبشر.

ويبدو ان ما قيل في متى بخصوص التلاميذ، أي “اذهبا قولا لاخوتي ان يذهبوا الى الجليل وهناك يرونني” (مت 28: 10) له معنى على جانب عظيم من الاهمية، بما ان ظهوره كثيرا قد حدث لهم فإن الوعد الذي وعد يسوع انه سيتراءى لهم على الجليل، يختص برؤيا لها اهمية خاصة اكثر من الرؤى الاخرى. انه يقول لهم حينئذ. بسلطان يليق بالله، حينما اقتربوا منه وعبدوه، بينما كان البعض يشكون: “دفع الي كل سلطان في السماء وعلى الارض” (مت 28: 18). ان القوة التي يملكها، بصفته الها يقول في قوله انه يأخذها، لانه صار انسانا من اجل التدبير: “والان بمجدني انت ايها الاب عند ذلك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم” (يو 17: 5) لو لم يكن له هذا المجد كمجد ذاتي. بصفته الله، لكان يستحيل ان يأخذه كمجد غريب، لان الاب يقول بفم النبي ” انا الرب هذا اسمي ومجدي لا اعطيه لاخر” (اش 42: 8).

انه يضيف بعد ذلك الكلمات التي بواستطها تعين عليهم ان يصطادوا الناس في الشبكة “فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الب والابن والروح القدس وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به، وها انا معكم كل الايام الى انقضار الدهر” (مت 28: 19-20). واخيرا يضيف الكلمات التي تكمل إتمام هذه الاوامر وتحقيقها: ” وها انا معكم كل ايام الى انقضاء الدهر” لهذا السبب يقول: ” اذهبا قولا لأخوتي ان يذهبوا الى الجليل وهناك يروني” كأنها رؤيا خاصة غير عادية لم تكن. قال متى ” واما الاحد عشر تلميذا فانطلقوا الى الجليل الى الجبل حيث امرهم يسوع” (مت 28: 16).

نظرا لان الرب لم يعد في أي مكان من الاناجيل بأنه سوف يظهر على الجبل موضع الحديث. وقبل ان يجعل نفسه مرئياً على الجبل، ظهر لهم ايضا عند بحر طبرية في الجليل، وكان عددهم سبعة وهم: بطرس، توما، نثنائيل، اولاد زبدي، وإثنان اخران من تلاميذه. كما روى يوحنا. والجبل الذي امرهم يسوع ان يتواجدوا فيه، هو الذي كانت تشير اليه هذه الكلمات: “هناك تروني” امر واضح بطريقة تليق بالله. “فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس” وليس عن غير قصد، قيلت هذه الكلمات على جبل الجليل وليس في مكان اخر. فترجمة كلمة جليل، في الواقع تعني التدحرج من اعلى الى اسفل، لذلك ايضا تسمى العجلة لذلك الاسم، إذن فهي منطوق بها بفم المخلص، كما من اعلى جبل مرتفع، فكانت هذه الكلمات تتدحرج، مثل عجلة، على الارض وتجوب فيها كلها، والجميع اعتمدوا في الامم وفي المدن باسم الاب والابن والروح القدس.

لكن التلاميذ، بعد ان سمعوا هذه الكلمات، لم يذهبوا في الحال أي امة، بل بقوا في اورشليم حتى حلول الروح القدس في العنصرة، منتظرين مجيئ الروح القدس الذي حل عليهم تحت شكل السنة نار (اع 2: 3-4).

وكان يظهر لهم بهذه الطريقة ويجتمع معهم مرات عديدة، لمدة اربعين يوماً، كما يقول لوقا في بداية سفر الاعمال، وكان يأمرهم ويوصيهم قائلا الا يبتعدوا عن اورشليم بل ان ينتظروا موعد الاب الذي سمعتموه مني، يقول لهم: “ان لايبرحوا من اورشليم بل ينتظروا موعد الاب الذي سمعتموه مني، لان يوحنا عمّد بالماء اما انتم فستعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الايام بكثير” (اع 1: 4-5).

لسبب اكيد استعمل عبارة، ان لا يبرحوا، أي الا يفترقوا طويلا والا يذهبوا بعيدا، ولم يقل لهم الا يخرجوا اطلاقا من اورشليم. لانه كيف كان يمكنه ان يقول لهم ذلك، وهو الذي امرهم ان يذهبوا الى الجليل؟ يجب ان نفهم ايضا ان ماقيل في اخر انيل لوقا: ” وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وصعد الى السماء” (لو 24: 51). وايضا ماهو مكتوب في انجيل مرقس: ” ثم ان الرب بعد ما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الاب” (مر 16: 19). ذلك حدث في اليوم الاربعين، وفقا في الاناجيل، يروي ويشرح بطريقة مطولة.

هذه هي الصعوبات التي وردت في القراءات الانجيلية لليلة الاحد والتي يمكن ان يشكل فهمها

ولربنا المجد دائما الى الابد امين.

 

%d مدونون معجبون بهذه: