المقال 104
إعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله
هل تريدون ان تذهبوا الى فوهة ينبوع الحكمة المملوء. بما قرأناه الان. لكي تتعلموا منه تعليماً روحياً. وذلك على قدر استطاعتنا ان نعاير بكأس صغير يناسب حقارتنا حسب ما قاله بولس الرسول: “لأني اصغر الرسل انا الذي لست اهلا لان ادعي رسولا لاني اضطهدت كنيسة الله” (1كو 15).
“اني انا اصغر جميع القديسين اعطيت هذه النعمة ان ابشر بين الامم بغنى المسيح الذي لا ينقضي” (1ف 3:8).
في الواقع ان ما صنع وما قيل وقت تأنس مخلصنا كان يحدث حينئذن وكتب لاجل تعليمنا، ويعطينا نماذج ودروساً في الحياة الكاملة، مرشداً إيانا الى يجب ان نفعله او نقوله.
فلننظر إذن لنعرف ماذا كان وراء إجتماع الفريسيين والهيرودسيين، وماذا كانت التجربة التي نسجوها ليسوع. ان مجمع اليهود الذي بتعدي الناموس ويتصرف بدون تفكير، بعد ان غلط في روحه كما هو مكتوب: ” فمن يشورون. سمنت وغلطت واكتبت شحما. فرفض الاله الذي عمله وعمي عن صخرة خلاصه” (تث 22: 15). كان يسد اذنيه نحو وصايا الله.
لكن بسبب الكلمات والالقاب التي كانوا يضفونها عليهم كان تكريم الفضيلة تفضيلا لها على القساوة، واذ كان اليهود في حالة الجنون، كانوا يقاومون بالمحاربة والمخاصمة ما يكون كاملا وطغوا جدا بتسميتهم وبألقابهم، وهم يسمعون الله بقول لابائهم: ” فالان ان سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الارض” (خر 19: 5).
أي ان الشعب ينتصر ويمتاز على العدد الكبير لانه خلقته وهو الذي جبل كل الناس، ولهم الخيرات ان هم فعلوا ما يليق بربوبيته، دون ان يستعبدوا لسيد اخر، سواء اكان هوى الخطيئة او اله كاذب، ولا يسمعون ذلك فحسب بل ينطبق عليهم ما قيل: “وانتم تكونون في مملكة كهنة وامة مقدسة” (خر 19: 6). شعبا مفرزا ومقدسا ومكرسا لله.
لكنه فات هؤلاء البؤساء عديمو الفهم ان الاسم يلزم ان يكون على مسمى، وهذه الاسماء إنما هي جديرة بشعب الله الكبير، المدعو خاصة لله، اولئك الذين حسب قول بولس الرسول قد قدموا اعضائهم على اهمية الاستعداد كعبيد لبر القداسة: “لانه كما قدّمتم اعضائكم عبيدا للنجاسة والاثم للإثم هكذا الان قدموا اعضائكم عبيدا للبر للقداسة” (رو 6: 19).
وبنفس الطريقة فإن الشعب المقدس والكهنوت الملكي هم حسب قول بولس الرسول، قربان حي مقدس ذو رائحة ذكية: “فاطلب اليكم ايها الاخوة برأفة الله ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية” ( رو 12: 1).
لذلك فان الله لم يكن يستخدم هذه الاسماء الشرفة بتلك البساطة، انما كان ذلك بعد ان قال اولا: ” اذا طالما كانت هذه الاسماء عند اليهود اسماء خالية كلية من الحقائق فهم لا يستحقون فقد كانوا يخطئون ويقولون لصموئيل: “اجعل لنا ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب” 1صم 8: 5) كان الله يرد على صموئيل قائلا: ” لم يرفضوك انت بل اياي رفضوا حتى لا املك عليهم” (صم 8: 7).
وحسب نبوة اشعياء احاط شعبه بسياج مثل كرمة، أي انه احاطه بمعونته ذاتها: ” نقبه ونقّى حجارته وغرس كرم وبنى برجا في وسطه ونقر فيه ايضا معصرة فانتظر ان يصنع عنبا فصنع عنبا رديئا” (اش 5:2).
وحسب ماهو مكتوب حينما وصلت خطاياهم الى الذروة، وكانوا سادرين في غلوائهم حتى طفح الغضب الاتي من فوق: ” يمنعوننا عن ان نكلم الامم لكي يخلصوا حتى يتمموا خطاياهم كل حين. ولكن قد ادركهم الى النهاية، (1تس 2: 16) فانزلقوا وسقطوا، حينئذ بالحقيقة، تحققت كلمات النبوة وكذلك تهديد الله القائل:
” فالان اعرفكم ماذا اصنع بكرمي انزع سياجه فيصير للمرعى اهدم جدرانه فيصير للدوس” (اش5: 5).
وانه بعد العودة من بابل، نسوا كل هذه المعونة، بعد ان استعرت الحروب وسبي المقدونيين واولادهم، اخيرا صاروا تابعين للرومان، وكانوا اقوى الشعوب. تتبعوا لهم رغم انوفهم، وكانوا في خطر فقدان العبادة الرمزية نفسها التي كانوا يعبدون الله بها. ومن المؤكد انه قد سقط في عهد تبير كلود قيصر tibere Claude Caesar وايضا في عهد غايوس قيصر Gaius Caesar وفقا لما جاء في كتب التاريخ، عدد كبير من اليهود وقتلوا، حينما اراد الحاكم بيلاطس ان يقيم تمثالا لقيصر في هيكل الله.
في الوقت الذي فيه كانت الحال باقية هكذا في اورشليم، كان هناك بعض الناس يقنعون شعب اليهود المتكبر الاعمى، بالا يعودوا الى دفع الجزية التي كانوا يدعونها في لغتهم الاصلية ايداع لقيصر وكان قادتهم ورؤسائهم من الفريسيين الذين يدعون انهم يعرفون الناموس بطريقتهم الخاصة، وان تسميتهم تتفق والحقيقة ويفتخرون بذلك.
كان هؤلاء يخادعون ويضلون ايضا كثيرين من ابناء الشعب، حينما كانوا يذكرون الكلمات الالهية في غير معناها، فكانوا يدفعونهم الى التمرد فيستكبرون حتى لا يسمعوا لغريب عم امتهم.
وتارة كانوا يقولون كلمات موسى النبي هذه: “ان قسم الرب هو شعبه. يعقوب حبل نصيبه” (تث 32: 9).
“فانك تجعل عليك ملكا الذي يختاره الرب الهك. من وسط اخوتك تجعل عليك ملكا. لا يحل لك ان تجعل عليك رجلا اجنبيا ليس هو اخاك” تث17: 15).
وطورا يقولون كانوا يتمتعون بكلمات أشعياء النبي ويغيرون معنى النبوات فيقولون: ” فان الرب قاضينا. الرب شارعنا. الرب ملكا هو يخلصنا” (اش33: 22). دون ان يعلموا ان هناك امرا اخر لا بد منه، وفقا لقانونهم حق عليهم العقاب بسبب خطاياهم، وكان لزاما عليهم ان يخضعوا لمن كانوا يتفوقون عليهم قوة حسب قانون الحرب، لان الرب كان يعاقبهم بسبب خطاياهم.
وكان يهوذا الجليلي يفتعي ايضا الى هذا الفريق من الفريسيين. وهو الذي ذكره لوقا البشير في سفر اعمال قائلا: “بعد هذا قام يهوذا الجليلي في ايام الاكتتاب وازاغ وراءه شعبا غفيرا. فذاك ايضا هلك وجميع الذين انقادوا اليه تشتتوا” (اع 5: 37).
وكان هيرودس رئيس ربع أي رئيسا لإحدى الاربع الولايات الخاضعة لسلطان اليهود. كما قال ايضا لوقا البشير على سبيل الرواية: ” وفي السنة الخامسة عشر من سلطته طيباريوس قيصر اذ كما هو مكتوب في سفر اعمال الرسل. وهو حفيد اوسطوبول بن هيرودس الاول: “وبعد ايام جاء فيلكس دروسلا امر انه وهي اليهودية فاستحضر بولس وسمع منه عن الايمان فالمسيح” (اع 24: 24).
“وكان ايضا يرجو ان يعطيه بولس دراهم ليطلقه ولذلك كان يستحضره مرارا اكثر ويتكلم معه” (اع 24: 26).
وفي الجزء الثاني من (خراب اورشليم) يبين المؤلف ان هيرودس نصح شعب اليهود كثيرا بالا يتمردوا على الرومان فيكونوا سبيا في خراب مدينتهم وضياع امنهم. ولم يكن ذلك في زمن المسيح فلم يكن ولد بعد. كما ان تسمية بعض اليهود بالهيرودسيين لم تحدث وقت دمردهم على الرومان، بل برجم تاريخها الى زمن المسيح الى نحو اربعين سنة قبل خراب اورشليم، وليس من اجل الهيرودسيين انما دعوا بالهيرودسيين نسبة الى هيرودس الاول الذي هو ملك عليهم، والى حاكم الربع الذي حكم بالموت على يوحنا، والى هيرودس، أي ذلك الذي ذكره المعلم الذي مات في قيصرية كما هو مكتوب في سفر الاعمال: ” واما هيرودس فلما هرب ولم يجده فحص الحرّاس وامر ان ينقادوا الى القتل، ثم نزل من اليهودية الى قيصرية واقام هناك” (اع 12: 19).
كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية وهيرو دس رئيس ربع على الجليل وفليبس اخوه رئيس ربع على ايطورية وكورة تراخونس وليسانيوس رئيس ربع على الابلية.
كان هيرودس بدوره ينصح سكان اورشليم مشفقا عليهم ومهتما بهم اهتمامه بابناء جنسه واعضاء اسرته، بأن يكونوا خاضعين الرومان وان يدفعوا الجزية المفروضة عليهم. وكان هناك فريق اخر من الشعب يطيعون نصيحته ويقبلون ان يدعوهم لذلك هيرودسيين، ويعارضون الفريسيين ولا يقبلون روج التمرد السائد بينهم.
على ان الحزبين الذين كانا يعارضان بعضهما البعض صارا فيما بعد متفقين واجتمعا معا ضد يسوع، لان الشيطان كان يعرف كيف يسلح اولئك الذين كانوا بعضهم لبعض اعداء، وبجمعهم ويأتي بهم الى الاتفاق من اجل اتمام ما يرضيه. لذلك قال متى البشير في هذا المعنى: “حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة” (مت 22: 15). وكانه يقول: اشترك الخصوم الاعداء. معا حينئذ في المجمع.
ماذا كانت اهم المواضيع في الاجتماع؟ كان هدفها احراج السيد المسيح، قوة الله وحكمة الله. بسؤال كله مكر وخداع لكي يتصيدوا الله الكلمة في رده بخصوص موضوع لم يفحص ولم يناقش قبلا.
يقول: “حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة فارسلوا اليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يامعلم انك صادق وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس. فقل لنا ماذا تظن. ايجوز ان نعطي جزية لقيصر ام لا” (مت 22: 15-17).
اولا يجب ان نعلم ان بعض الرجال المسلحين كانوا قد اندسوا مع الهيرودسيين، وهم من خدم الوالي بيلاطس البنطي، لان لوقا البشير يقول: “فراقبوه وارسلوا جواسيس يتراءون انهم ابرار لكي يمسكوه بكلمة حتى يسلموه الى حكم الوالي وسلطانه” (لو 20: 20).
كان هيرودس رئيسا على الجليل في إحدى الاربع ولايات، وكان الجليل خاضعا له.
كانوا يتوقعون ان يكون في رد السيد احد امرين حتماً، وحسبوا انهم يستطيعون ان يظهروا جليا المسيح يخطئ ضد ناموس موسى او ضد سلطان الرومان فأذا رد بأنه يجب ان تعطى الجزية، كان الفريسيون حتما يشهدون عليه زورا لدى رؤسائهم بانه يخالف ناموس موسى وانه يبعدهم عن خدمة الله، وانه يدفعهم نحو سلطان اجنبي ليس من جنسهم، لذلك يقول لوقا البشير: “فطلب رؤساء الكهنة والكتبة ان يلقوا الايادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب” (لو20: 19). لانهم كانوا سألونه وسط الجمع حتى يهجموا الشعب ضده.
واذا لم يقل بدفع الجزية، ففي الحال كان الهيرودسيين يضعون ايديهم عليه كي لا يخضعن للسلطات الرومانية.
انظر ما اشد زيف الرياء، كيف اخفى اليهود كل العداوة وكل فكرة القتل تحت حجاب الاطراء الكريه، وكيف كان الذين ملأ الحقد قلوبهم يتظاهرون بير ما يبطنون.
من قيل عنهم: “فشتموا وقالوا انت تلميذ ذاك. واما نحن فإننا تلاميذ موسى. نحن نعلّم ان موسى كلمة الله. واما هذا فما نعلم من اين هو” (يو9: 28-29). هم انفسهم الذين كانوا يدعونه “يامعلم” (مت22: 16).
كانوا يقولون انه يضل الشعب: “قد تذكرنا ان ذلك المضل قال وهو حيّ اني بعد ثلاثة ايام اقوم” (مت27: 63). ومن الحاسدين من كانوا يعملون للابقاء على مراكزهم وهم جهلاء يقولون: ” هذا الانسان ليس من الله لانه لا يحفظ السبت” (يو9: 6)، وان به شيطانا، ” فقال له اليهود الان علمنا ان بك شيطانا” (يو8: 52).
هم انفسهم كانوا يشهدون انه يعلم طريق الله بالحق: ” يامعلم نعلم انك صادق وتعلم طريق الله بالحق” (مت22: 16).
وهم الذين كانوا يشهدون عليه زوراً كأنه يخدع الشعب: “قد قدمتم اليَّ هذا الانسان كمن يفسد الشعب” (لو23: 14)، يقولون: ” ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر الى وجوه الناس” (مت22: 16).
ولا يطلب هؤلاء المخادعون شيئا اخر سوى مرضاة الناس اذ ينظرون الى وجوههم. “فتناولوا اليهود ايضا حجارة ليرجموه” (يو10: 31)، مكروا به وهم يصنعون الطاعة فسألوه هذا السؤال: “فقل لنا ماذا تظن. أيجوز ان تعطى جزية لقيصر ام لا” (مت22: 7). وما كانوا يعلمون بسبب جنونهم المسعور ان هذا التقلب الذي يترسمونه فجأة يبدو متكلفا حتى لاقل الناس حظا من الفهم، فكم يكون ظاهرا لله الكلمة الذي يعرف الحركات الخفية العميقة واذا كان هؤلاء الفريسيون ايضا يستحون بطريقة ما, فأنهم في نفس الوقت ارسلوا تلاميذهم مع الهيروديين غير متخلين عن كبريائهم, وكان هؤلاء الهيروديون لا يتورعون عن قول كل شيء ويحسبون انه قد تأخذه الكبرياء.
ماذا عمل اذا حكمة الله وكلمته؟ لقد سمح بأن يفرغ كل هواهم, وينكشف علنا, دون ان يقاطعهم بما كانوا يثرثرون به دون جدوى, وحينئذ كطبيب ماهر,قطع هويتهم قطعا بعد ان قال: ” فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربونني يا مراؤون” (مت 22: 18). وبعد ان بين موبخا ان ثوب الرياء الزائف قد بلى, حل مسائلهم بلطف وهدوء, قال: “اروني معاملة الجزية, فقدموا له دينارا. فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة، قالوا له لقيصر، فقال لهم اعطوا اذا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (مت 22: 19-21).
فأذا كان الدينار لقيصر وهذا ما قلتموه فيجب ان يعطى لقيصر.
ماذا؟ اتسمح لنا ان نخدم انسانا ولا نخدم الله؟ كيف لا يكون ذلك ضد الناموس؟
لن يكون شيء من هذا. فإن دفع الضريبة لقيصر لا يمنع خدمة الله, ولو انكم تريدونه هكذا، لذلك يلزمكم ان تعطوا لله ايضا ما لله, فاذا كان ما لقيصر عائدة لخدمة الله، فيجب ان يقربنا الى الله, واما انكم محكومون لقيصر فيجب ان ترجعوا ذلك الى خطاياكم وليس لله.
ولكن يبدو ان في هاتين العبارتين، “اروني معاملة الجزية” (مت 22: 19)، “لمن هذه الصورة والكتابة” (مت 22: 20). فإن السيد عندما كان يراقب سائليه، لم يكن يرى الروح التي خلقت على صورة الله على شيء من اصالة الصورة الملكية, بل كان يراها وقد اصبحت كلها لحما وكانت تحمل كتابة ذلك القيصر الذي يرأس العالم, وهو الوسواس الشرير، لذلك قال موبخا: اروني معاملة الجزية. (مت 22: 19).
ان كان الدينار من الله فأنتم نصيب. ( ان قسم الرب هو شعبه، يعقوب حبل نصيبه) (تث 32: 9).
واذا كان لقيصر، وكنتم خاصته، فاخدموه ولا تطلبوا الله الذي لا تحملون علامة صورته.
ليفحص كل واحد منا عملة روحه، ولنحرص جميعنا على الصورة الملكية الالهية حسب وصايا بولس: ( ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ماهي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة)( رو 12: 3). ولنعطِ للجسد الطعام والكساء الضروريين ولنعط كل الباقي الى انساننا الداخلي. ولنوجه بعناية كل فكر يقودنا ويعلمنا ما يجب ان نفعله، ولنتمثل بذلك القول: ( ارني دينار الضريبة. لمن هذه الصورة وهذه الكتابة؟) فاذا كانت تتعلق بنموذج الله وبصورته فلنقبلها، واذا كانت تتعلق بنموذج قيصر فلنرفض بعيدا عنا ما لا يخصنا.
انه شيء عظيم ونافع جدا، ان نصلح ما يخنا بأنفسنا، قبل ان يقوم علينا يوم الدينونة ونسمع الديان بمرارة كثيرة وهو يطلق هذه الكلمة: ( ارني دينار الضريبة. لمن هذه الصورة وهذه الكتابة؟، لانه حينما نكون مرفوضين في ذلك الوقت، ونسمع حسب نبوة ارميا النبي: (فضة مرفوضة يدعون. لان الرب قد رفضهم) (ار 6: 30)، تسلم للنار الابدية.
عند سماعكن هذا، ايتها النساء اللواتي تحبين الزينة، وتزين من الخارج التمثال الذي يفسد، بالحلي الذهبية والملابس النادرة، اسألن انفسكن بشعور الوداعة، ومهما يكن من شيء، تحولن نحو العناية بجمال الروح، لان الجمال الخارجي سوف ينحل الى تراب بعد كسر القيد بقليل.
اما تلك العناية فنافعة ومفيدة لنا، وهي بصفة خاصة ضرورية فيما يتعلق بالإيمان ايضا. اذا سألك احد في جهالة السؤال التالي: عن قول بولس الرسول: (ان كان احد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن اناثيما) (غل 1: 9).
وانه يجب الا نقبل الذين يبشرون بإنجيل اخر حتى اذا كان عددهم كبيرا جدا لا يقع تحت حصر.
ايصبح ان يكون مجمع اساقفة كله اناثيما؟ فقل له: ارني ذلك الدينار.
واذا وجدت من يقسم ربنا وإلهنا يسوع المسيح، فأنه الدينار المرفوض اذ هم منحرف عن السمة الحقيقية باتجاه كافر بإزدواج الطبيعتين بعد الاتحاد الذي لا ينطق به، في الحال ندبر هذا السؤال: (لمن هذه الصورة؟، فإن من يكن كذلك يفصل من الله).
فإن قلت: بلى ولكني احترم كرامة الكهنوت، في الواقع اني اسمع احد الانبياء القديسين يقول: (لان شقتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لانه رسول رب الجنود) (مل 2: 7).
فهلا سمعت بولس الرسول يقول بالمسيح الذي كان يتكلم فيه: ( ولكن ان بشرنا كم نحن او ملاك من السماء بغير ما بشرنا كم فليكن اناثيما)؟
أتعتبر كرامة الملائكة مستحقة الاحترام اذا كان احدهم ينزل من السموات ويتغير الايمان؟
ومن ناحية اخرى، تأمل وافحص ايضا الكلمات التي ذكرتها: (لان شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لانه رسول رب الجنود) (مل 3: 7).
فإنه يجب علينا ان نعتبر الكهنة انفسهم كملائكة الرب القادر على كل شيء، اذا كانوا يحفظون معرفة الاشياء الالهية، ولا يخالفون الناموس، ويعلمونه بأمانة لطالبيه.
فإن كانوا سببا لعثرة الاخرين، فأي موضع يجب ان نضعهم فيه؟ انه بالتأكيد يجب ان نضعهم مع الرعاة الغرباء.
فإن قلت: بل منهم من يفكرون حسب الارثدوكسية، اذن كان احرى بهم ان يهربوا ويقولوا مع داود النبي: ( لم اجلس مع اناس السوء، ومع الماكرين لا ادخل. ابغضت جماعة الاثمة ومع الاشرار لا اجلس تغسل يدي في النقاوة فأطوف بمذبحك يا رب) (مز 35: 4-6).
يجب ايضا ان يفكروا في وصية موسى التي تقول: ( لا نتبع الكثيرين الى فعل الشر، ولا نحب في دعوى مائلا وراء الكثيرين التحريف) (خر 23: 2)
يجب ان يستحقوا ان يحق عليهم هذا القول: ( اذا رأيت سارقا وافقته ومع الزناة نصيبك) (مز 49: 8).
وكما يقول القديس غريغوريوس الثاؤلوغوس: لا تكون الروح الا قائمة بالكتابة الشريرة التي تخطها اليد.
فإذا قلت هي الظروف قد غلبتهم وقد تابوا فيما بعد، لست انا الذي ارد عليك بل باسليوس الحكيم هو الذي يتولى ذلك بهذه العبارات موجهة ليعض:
( ان قال البعض انهم تابوا، فليظهروا توبتهم كتابة بخصوص ايما القسطنطينية والانشقاق مع الانفصال عن الهراطقة، ولا تخدعوا البسطاء. وعليهم ايضا ان ينفصلوا عن الشركة مع من تكون لهم مثل هذه الاراء).
ولكن السماء قد سرت بأن يكون بعضهم قد تابوا توبة حقيقية. والذين في هذه الحالة لا يصيبهم الشجب العام ضد مجمع خلقدونية، فأنهم بالتوبة ثد جعلوا انفسهم خارجه. كما انه لا يحسب معهم في الدينونة يهودي وانتقل الى الديانة، وكذلك الخارجون عنه: وهكذا الحال بشأن الذين اراقوا دم الصديق اسطفانوس يدانون ولا يحسب بولس الرسول معهم، وهو في نفس الوقت قد اشترك في نفس العمل.
وايضا اذا كان احد يلعن انكروا المسيح، فليس بطرس الرسول منهم، مع انه انكر، لانه تاب.
اذا فلا يتخذن احد الخطايا حججا ويتصور الفسطات ضد القوانين الكنسية المقدسة امرا هيناً، بحجة المحبة بل ليتمسك بالقوانين ولا يدع مكانا للشر، ولا ينظر الى حجج من هذا النوع.
ولنتبع ايضا الى قوانين الكتب المقدسة ومعلمي الكنيسة المقدسة بخصوص الذين انفصلوا عنها، لا نفسد مالنا ولا نأخذ ايضا ما لغيرنا، كما يقول ايضا القديس غريغوريوس الثاؤلوغوس في مكان ما.
فإن الانسان ينحني لا لكي يسقط، لكن لكي يقيم من يكون مطروحا على الارض، كقول بولس الرسول: ( لكي تكون نعمة وهي كثرت بالاكثرين تزيد الشكر لمجد الله) (2كو 4: 15) الذي له المجد الى الابد امين.