ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܕܟܠ ܐܚܝܕ ܐܝܓܢܐܛܝܘܤ ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܕܟܠܗ̇ ܡܕܢܚܐ ܘܪܝܫܐ ܓܘܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܐܪܬܕܘܟܣܝܬܐ ܕܒܟܠܗ̇ ܬܒܝܠ ܕܗܘ ܙܟܝ ܩܕܡܝܐ ܕܒܝܬ ܥܝܘܐܨ ܡ̄
قال الرسول بولس: «ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه، بل المدعو من اللّـه كما هرون أيضاً»(عب 5: 4)
نهدي البركة الرسولية والأدعية الخيرية إلى أخوتنا الأجلاء صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأول مفريان الهند، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نواب الأبرشيات والخوارنة والرهبان والقسوس والشمامسة الموقّرين، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية بشفاعة السيدة العذراء مريم والدة الإله وسائر الشهداء والقديسين، آمين.
أيها الأحباء، نتفقّد خواطركم العزيزة، ونهديكم البركة الرسولية والأدعية الخيرية، ونقول:
إن سر الكهنوت المقدس، هو موهبة إلهية يُنعم اللّـه بها على أناس يختارهم من بين المؤمنين ويدعوهم فيلبّون الدعوة ويكرّسون حياتهم لخدمته تعالى ويأخذون الرسامة الشرعية القانونية بعمل الروح القدس وقوته، وبذلك ينالون سلطاناً يميّزهم عن غيرهم في أمر خدمة الكنيسة والولاية عليها، (مت10: 1 ـ 15 ولو10: 1 ـ 12) بحسب سلطة الدرجة التي ينالونها، ومنح أسرارها الإلهية لمن يستحقونها بانتظام من تعميد وتقديس وحلّ التائبين، وعزل الخبثاء الشاذين والهراطقة المجرمين غير التائبين، وإقامة الصلوات العامة وإرشاد المؤمنين ورعايتهم (يو20: 21 ـ 23 وأع20 و1بط 5).
أجل، عندما كان الرب يسوع يكمّل تدابيره الإلهية في الجسد، انتخب له اثني عشر رسولاً وسبعين تلميذاً جاعلاً منهم وكلاء سرائره (1كو4: 1) وأودع إليهم القيام بالخدم الدينية والأسرار الكنسية (لو6: 13) وبهذا الصدد نقرأ في الإنجيل المقدس قوله: «ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سمّاهم أيضاً رسلاً»(لو6: 13) «فتقدم يسوع وكلّمهم قائلاً: دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس»(مت 28: 18و19) «فقال لهم يسوع أيضاً: سلام لكم كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت» (يو20: 21 ـ 23). وبحسب تعليم بعض آبائنا أن الرب رسم رسله أساقفة عندما «أخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء» (لو24: 50 و51) وبموجب الرسامة ينال الأسقف: سلطان التعليم والتبرير والتقديس والرعاية والقضاء. وقد أسس الرب سر الكهنوت مباشرة بعد الإعلان عن تأسيس الكنيسة على أثر اعتراف الرسول بطرس به بأنه ابن اللّـه الحي، فقال لبطرس: «طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس و على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات» (مت16: 17 ـ 19). وأشار الرسل إلى هذا السر وأقاموا قسوساً في كل مدينة (أع13: 2و3) وجاء في سفر أعمال الرسل ما يأتي: «وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما» (أع 13: 2و3). كما نقرأ عن انتخابهما قسوساً لإتمام الخدمة في الكنائس قول كاتب سفر أعمال الرسل عن بولس وبرنابا: «ثم رجعا إلى لسترة وإيقونية وأنطاكية يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في الإيمان وأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت اللّـه وانتخبا لهم قسوساً في كل كنيسة ثم صلّيا بأصوام واستودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به» (أع14: 21 ـ 23). والرسول بولس يحث تلميذه تيموثاوس على رسامة الكهنة بقوله: «لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة»(1تي4: 14). ويذكر الرسول بولس لتلميذه تيطس الشروط التي يجب أن تتوفر في القسس قائلاً: «وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح أن يكون الأشياخ صاحين ذوي وقار متعقلين أصحاء في الإيمان والمحبة والصبر»(تي2: 1 ـ 2). ويقول الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين عن موهبة القسوسية: «ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من اللّـه كما هرون أيضاً»(عب 5: 4). كما يقول أيضاً: «فوضع اللّـه أناساً في الكنيسة أولاً رسلاً ثانياً أنبياء ثالثاً معلمين ثم قواتٍ وبعد ذلك مواهب شفاء أعواناً تدابير وأنواع ألسنة»(1كو 12: 28) فالأساقفة الآن هم خلفاء الرسل نالوا الأسقفية بوساطة وضع اليد التي وضعت عليهم (أع 14: 23) وانتخبوا لهم قسوساً في كل كنيسة، وهذه الخلافة مستمرة حتى اليوم.
وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: «وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً»(2تي 2: 2).
ففي كنيستنا ثلاث درجات كهنوتية واضحة في الإنجيل المقدس وهي:
1 ـ الأسقفية أي النظارة والرعاية الروحية العامة والسامية وهي تخصّ الرؤساء بين أعلى وأدنى في السلطة والعلاقات الإدارية وهي ثلاث رتب: البطريركية والمطرانية والأسقفية.
2 ـ القسوسية (أع14: 23 وتي1: 5): الراهب الكاهن (الربان) والخوري وهذا كان يسام قديماً كمعاون للأسقف على الأرياف وهو الآن المتقدم بالكهنة في الكنيسة الواحدة أو الأبرشية الواحدة، ثم رتبة القسيس. وصاحب هذه الرتبة بشكل عام يقدّم الأسرار المقدسة والخدم الروحية كلها ما عدا المختصّة بالأسقف التي منها رسامة الكهنة الشمامسة ومنح الوظائف الكنائسية في الأبرشية. ومما تجب ملاحظته أولاً: إن هذه الرتب الثلاث كانت موجودة في كهنوت العهد القديم الذي تغيّر بأكمل منه في العهد الجديد أي كان فيه أحبار وكهنة ولاويون. ثانياً: إن هذه الرتب الثلاث تشبه رتب الطغمات العلوية، فإنها ثلاث أيضاً ولذلك يقول القديس اقليميس الإسكندري: إن درجات الأساقفة والكهنة والشمامسة تشبه المجد الملائكي. ثالثاً: إن كل رتبة من هذه الرتب الثلاث ينطوي تحتها ثلاث درجات لتكون جملتها تسعاً على مثال رتب السماويين.
3 ـ الشماسية أي الخدمة للّه (أع6: 6 و1تي3: 8 ـ 10) ورتبها هي الشماس الإنجيلي والأفدياقون المسمّى الرسائلي ثم القارئ ثم المرتل كما أن الأرخدياقون هو رئيس الشمامسة كافة في الأبرشية الواحدة.
إن خادم سر الكهنوت هو الأسقف وحده الذي له وحده حق وضع اليد على رأس المرتسم (أع6: 6 و13: 2و3). وإن القسم المنظور من سر الكهنوت هو وضع يد الأسقف على رأس المرشّح للكهنوت والصلاة الخاصة لهذا السر إذ يطلب الأسقف لأجل المرتسم فتحلّ عليه النعمة من الروح القدس. أما القسم غير المنظور فهي النعمة التي ينالها المرتسم من اللّـه وسلطان حل الخطايا وربطها والتعليم والتهذيب والتبرير والتقديس.
إن ثمار سر الكهنوت هي حفظ درجات الكهنوت في الكنيسة والالتزام بحفظ النظام والعمل بالواجبات والامتيازات للرعاة والرعايا، وتوزيع الرعاة نِعَم اللّـه وبركاته على الرعايا وممارستهم أسرار الكنيسة السبعة طبقاً لما يحق لهم بدرجاتهم ورتبهم الكهنوتية، وتعليم المؤمنين حقائق الدين المسيحي المبين والتحلي بالفضائل السماوية السامية ليقيموا من أنفسهم قدوة صالحة للمؤمنين بالكرازة بالإنجيل المقدس وبالكلام والعمل فيتمجّد بهم اسم الآب السماوي. وإكرام المؤمنين ذوي الرتب الكهنوتية ومحبة الإكليروس للمؤمنين وسعيهم لخلاص نفوسهم «لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس في ما للّه لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا قادراً أن يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضاً محاط بالضعف ولهذا الضعف يلتزم أنه كما يقدم عن الخطايا لأجل الشعب هكذا أيضاً لأجل نفسه» (عب 5: 1 ـ 3). فعلى الكهنة والأساقفة أن يهتموا بخلاص نفوس المؤمنين «اِحترِزوا إذاً لأَنفسِكم ولِجمِيعِ الرَّعِيَّةِ التِي أَقامكم الرُّوح القدس فِيها أَساقفة لِتَرْعُوا كنِيسة اللّـه التِي اقْتَنَاها بدمِهِ (أع20: 28) وعلى المسيحيين المؤمنين أن يكرّموا كهنتهم ورعاتهم لأنهم خدّام المسيح ووكلاء أسرار اللّـه (1كو4: 1) وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: «نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم» (1تس5: 12 وعب13: 7). وقد قال الرب يسوع لهم: «من يقبلكم يقبلني» (مت10: 40) و«الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني» (لو10: 16) فإكراماً للرب يسوع يكرم خدامه.
وبمناسبة الصوم الأربعيني المقدس نسأل الرب أن يتقبل صومكم وصلواتكم وصدقاتكم ويؤهلكم لتحتفلوا بعيد القيامة المجيد ببهجة وسرور وصحّة تامة بشفاعة السيدة القديسة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقديسين وكل عام وأنتم بخير. ܘܐܒܘܢ ܕܒܫܡܝܐ ܘܫܪܟܐ.
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق – سورية
في السابع من شهر شباط سنة ألفين وتسعة
وهي السنة التاسعة والعشرون لبطريركيتنا