ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܕܟܠ ܐܚܝܕ ܐܝܓܢܐܛܝܘܤ ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܕܟܠܗ̇ ܡܕܢܚܐ ܘܪܝܫܐ ܓܘܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܐܪܬܕܘܟܣܝܬܐ ܕܒܟܠܗ̇ ܬܒܝܠ ܕܗܘ ܙܟܝ ܩܕܡܝܐ ܕܒܝܬ ܥܝܘܐܨ ܡ̄
ذكرى الألف والثلاثمائة سنة
على انتقال القديس مار يعقوب الرهاوي (708+) إلى الخدور العلوية
قال الرسول بولس: «اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله، انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم» (عب 13: 7)
نهدي البركة الرسولية والأدعية الخيرية إلى أخوتنا الأجلاء صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأول مفريان الهند، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نواب الأبرشيات والخوارنة والرهبان والقسوس والشمامسة الموقّرين، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية بشفاعة السيدة العذراء مريم والدة الإله وسائر الشهداء والقديسين، آمين.
أيها الأحباء، نتفقّد خواطركم العزيزة، ونسأل الله أن يجعلكم بتمام الصحّة والنجاح الروحي والجسدي. وبعد:
فبمناسبة مرور ألف وثلاثمائة سنة على انتقال القديس مار يعقوب الرهاوي إلى الخدور العلوية يسُرّنا أن نعلن هذه السنة «سنة 2008» سنة يعقوب الرهاوي في كنيستنا السريانية الأرثوذكسية الجامعة. ونصدر منشورنا هذا الرسولي متأملين بسيرة صاحب الذكرى وملخّصين ترجمة حياته المجيدة فنقول:
ولد مار يعقوب في قرية عين دابا التابعة لولاية أنطاكية سنة 633م ودرسَ في دير قنّسرين الذي أسّسه مار يوحنا ابن أفتونيا (536+) على شاطئ الفرات مقابل جرابلس سنة 530 للميلاد، والذي كان موئلاً للعلم ومحجّ العلماء السريان حتى القرن الثالث عشر. ولبس يعقوب ثوب الرهبانية ودرس على الفيلسوف الكبير مار ساويرا سابوخت آداب اللغة اليونانية وتعمّق في الفلسفة واللاهوت.
ثم رحل إلى الإسكندرية لإتمام دراسته الفلسفية واللغوية وعاد إلى سورية وتنسّك في الرّها، ورُسِمَ كاهناً. وفي سنة 684م رسمه رفيقه البطريرك الأنطاكي أثناسيوس الثاني البلدي (684-687) مطراناً على الرّها فنُسِبَ إليها. وأقام فيها أربع سنوات، ولغيرته الوقادة على مراعاة القوانين البيعية ورغبته المُلحّة في إعادة النظام إلى أديرة أبرشيته قاومه بعض الرهبان والإكليروس فجرّدهم من رتبهم.
ويُذكر عنه أنه جمع كتب القوانين البيعية أمام باب الدير الذي كان حالاً فيه البطريرك يوليانس وبعض الأساقفة الذين كانوا يرغبون في التساهل بحفظ القوانين تبعاً لمقتضيات العصر وحرق تلك القوانين وهو يصرخ ويقول: «ها أنا أحرق القوانين التي تطؤونها بأقدامكم ولستم توجبون حفظها وقد صارت لديكم من قبل الزيادة التي لا تجدي نفعاً». وهكذا استقال عن خدمة الأبرشية ومضى فسكن في دير مار يعقوب في الكشّوم بقرب شاميشاط، ثم انتقل إلى دير أوسيبونا في كورة أنطاكية حيث أقام إحدى عشرة سنة يُدرِّسُ رهبانه اللغة اليونانية، ثم قصد دير تلعدا شمال غرب حلب حيث مكث قرابة تسع سنوات، وفي تلك الأثناء توفي المطران حبيب خليفة مار يعقوب في كرسي أبرشية الرها، فالتمس الرهاويون منه أن يعود لأبرشيته فعاد. وبعد مكوثه فيها أربعة أشهر ذهب إلى دير تلعدا ليأتي بكتبه ووافته المنية هناك في 5 حزيران سنة 708م، ودُفِنَ في الدير المذكور.
أجل، كان القديس مار يعقوب الرهاوي لاهوتياً ومؤرّخاً ومترجماً لغوياً في السريانية واليونانية، وكان مفسّراً للكتاب المقدس حتى لُقِّبَ بمفسر الكتب، ترك ما ينوف عن ثلاثين كتاباً من وضعه أو ترجمته أو تنقيحه ومراجعته في مواضيع الكتاب المقدس الذي فسره آية آية، وألَّف في الفقهُ الكنسي والتاريخ والفلسفة والعقائد الدينية والطقوس الكنسية وغيرها. وهو الذي استنبط علامات الحركات السريانية، كما أنه أول مؤلف في النحو السرياني وعدَّ واضع هذا العلم لدى السريان. كما أنه أخذ أسلوباً حديثاً بالترجمة، فبعدما كان الذين سبقوه يتخذون طريقة الترجمة الحرفية، كان هو ينقل من لغة إلى أخرى متبعاً المعنى لا الحرف.
ونحن إذ نحتفل بذكرى مرور الألف والثلاثمائة سنة على انتقاله للخدور العلوية، إنما نكمّل ما أوصانا به الرسول بولس بقوله: «اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله، انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم»(عب 13: 7) نأمر أن تقام في كل أبرشية من أبرشياتنا السريانية في العالم الاحتفالات بهذه الذكرى السعيدة العزيزة، وقرنِ الصوم الأربعيني المقدس بالصلوات وتوزيع الصدقات وتضمين العظات سيرة هذا القديس العظيم، والاقتداء بسيرته خاصةً بحفظ عقائد الكنيسة السليمة المستقيمة الرأي الأرثوذكسية، والمحافظة على القوانين الرسولية والأبوية وقوانين المجامع المسكونية والمكانية كما كان مار يعقوب يُعَلِّمُ الإكليروس والشعب وهو يحافظ على هذه القوانين التي إنما سُنَّت ليعمل بها المؤمنون لأجل بناء النفوس والعودة إلى الله بالتوبة الصادقة ونقاء القلب والسيرة الصالحة. جعل الرب الإله هذه الذكرى السعيدة سبب نعمة وبركة لكم أيها الأحباء، بشفاعة السيدة القديسة العذراء مريم والدة الإله والقديس المُبَجَّل مار يعقوب الرهاوي وسائر الشهداء والقديسين.
وبمناسبة الصوم الأربعيني المقدس نسأل الرب أن يتقبل صومكم وصلواتكم وصدقاتكم ويؤهلكم لتحتفلوا بعيد القيامة المجيد ببهجة وسرور وصحّة تامة وكل عام وأنتم بخير ܘܐܒܽܘܢ ܕܒܫܡܝܳܐ ܘܫܪܟܳܐ.
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق ـ سوريا
في الثامن من شهر شباط سنة ألفين وثمان للميلاد
وهي السنة الثامنة والعشرون لبطريركيتنا