المكتبة البطريركية

اهتمّ الآباء البطاركة والمطارنة ورؤساء الأديار منذ أقدم العصور بتأسيس المكتبات النفيسة وجمعوا إليها المخطوطات العلميّة والدينيّة والتاريخيّة، وقد وردت أخبار تلك المكتبات في سياق تاريخ السريان الأدبي. فمن المكتبات التاريخية القدمى، لا بدّ من ذكر خزائن دير قرتمين في طورعبدين، ودير مار متى في الموصل، ودير السريان في مصر ودير مار برصوم في ملطية وخزانة المفارنة في تكريت، حيث كانت هذه المكتبات ينابيع غزيرة للعلم والحكمة والمعرفة، يغترف منها المتتبّعون ما شاءوا من علم وأدب وحكمة.

وفي القرن العشرين، يُعتَبر البطريرك الطيب الذكر أفرام الأوّل (1933-1957) مُؤسّس المكتبة البطريركية الحديثة التي أنفق في سبيلها المبالغ الطائلة، فتجمّعت في خزانته المجلّدات النفيسة بين مطبوع ومخطوط بلغات كثيرة. لكن أيدي الزمان عبثت بها وفُقِد الكثير من كتبها المخطوطة والمطبوعة التي كانت تنيف على الألف كتاب. وبعد ذلك، أضاف إليها المثلث الرحمات البطريرك يعقوب الثالث (1957-1980) عددًا لا بأس به من الكتب التي اقتناها بنفسه أو أُهدِيتْ له. لكنّ عصر ازدهار وتوسّع المكتبة البطريركية، كان في عهد الطيب الذكر البطريرك زكا الأول (1980-2014) حيث بلغ محتويات المكتبة في عهده ما يزيد عن عشرين ألف مجلّد، جلّها بالعربية والسريانية والإنكليزية والفرنسية واليونانية، ناهيك عن الكتب الهندية (المليالم) والتركية والأرمنية والروسية واللاتينية والإيطالية وغيرها. واليوم، يرفدها قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بكتبٍ جديدةٍ تُهدى إلى قداسته أو تشتريها دائرة الدراسات السريانية بتوجيه من قداسته، من الميزانية المخصّصة للمكتبة.

تضمّ إذًا المكتبة البطريركية خزائن بطاركة أنطاكية السريان الأرثوذكس الأخيرين السالف ذكرهم، بالإضافة إلى مكتبة إكليريكية مار أفرام اللاهوتية بفرعها القديم (العطشانة) والجديد (معرّة صيدنايا). وتتّخذ المكتبة الحالية، من دير مار أفرام السرياني – الإكليريكية اللاهوتية، في معرّة صيدنايا، مقرًّا لها.

تجدر الإشارة إلى المجموعات المهمّة التي أهدتها مشكورةً جمعيات ودور نشرٍ وأفراد إلى المكتبة البطريركية:

مركز التربية الدينية في بروكسل، بهمّة الربّان حزائيل صومي (المطران مار حزائيل صومي بعدئذ)

السيد جبران كورية الذي قدّم مكتبته الخاصة الغنية بالكتب التاريخية والسياسية

دار طلاس للنشر التي رفدت المكتبة بمجموعة محترمة من منشوراتها

دار جورجياس للنشر التي أسّسها ويديرها الدكتور جورج كيراز

البرفسور خريستوس فولغاريس الذي قدّم للمكتبة كتبًا يونانية نفيسة

الدكتور خالد دنّو الذي يُعتبر المتبرّع الأساسي بالكتب الجديدة في السنوات العشر الأخيرة

بعد إنشاء دائرة الدراسات السريانية، بُذلتْ الجهود لتوسيع قدرة استيعاب المكتبة البطريركية وتبويبها وفهرسة مواضيعها بحسب نظام ديوي Dewey Decimal Classification لتنظيم المكتبات. وجرى العمل على المكننة الحديثة فصُمِّم برنامج فهرسة إلكترونية خاصّ بالمكتبة رُبط بسيرفر وشبكة داخلية، وبدأ إدخال الكتب إلى الفهرس الإلكتروني منذ أيلول 2015، حيث بلغ عدد الكتب الْمُدخلة نحو 18 ألف كتابًا.

%d مدونون معجبون بهذه: