لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط
كاثوليكوسية الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا
أنطلياس / لبنان 17 تشرين الأول سنة 2003
بــيـــان مــشــترك
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
نحييكم بروح المحبة المسيحية.
نحن البابا شنودة الثالث، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والبطريرك إغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا. نشكر سيدنا يسوع المسيح الذي منحنا مرة أخرى فرصة الصلاة معاً، والتأمل سوياً بالقضايا ذات الاهتمام المشترك، في كاثوليكوسية الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا، في أنطلياس ـ لبنان. وهذه هي المرة السادسة التي يجتمع فيها الرؤساء الروحيون للكنائس الثلاث مع اللجنة الدائمة التي عيناها، في إطار شراكتنا التي بادرنا إليها عام 1998م.
في لقائنا اليوم في أنطلياس أكدنا من جديد على وحدة الإيمان، الذي شكل لقرون عديدة ركيزة مواقفنا العقيدية وتعاليمنا اللاهوتية المشتركة. إن وحدتنا المترسخة في الكتاب المقدس، وفي إيمان وتقليد الرسل، وفي المجامع المسكونية الثلاثة (نيقية 325م ـ القسطنطينية 381م ـ أفسس 431م)، وفي تعاليم آباء كنائسنا، عززت حياة وشهادة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، وأصبحت مصدراً حيوياً للقوة الروحية، والالتزام التبشيري، وسط الاضطرابات والتقلبات التي عانى تاريخ كل منها. وفي مفهوم كنائسنا الأرثوذكسية الشرقية، إن وحدة الإيمان هي أساس شركة الافخارستيا بين الكنائس، والوحدة المنظورة للكنيسة.
إن وحدة الكنيسة هي هبة من اللّه، التي يجب صونها وتعميقها. وهي أيضاً دعوة ومسؤولية ينبغي الاستجابة إليها بجدية. لذا، يجب أن تكتسب وحدة إيماننا تجليات واقعية وأن تلامس عمق الحياة لدى شعوبنا، من خلال الشهادة والالتزام المشتركين، وبخاصة في مجالات التربية الدينية، والاخلاقية، والخدمة الاجتماعية، والتنشئة اللاهوتية.
إن وحدتنا في الإيمان، نتمنى أن تشارك فيها أيضاً الكنائس الأخرى، في الشرق الأوسط، وفي أجزاء مختلفة من العالم وحدة إيماننا. في الواقع، أن الوحدة المنظورة للكنيسة هي هدف مسيحي مشترك. وبهذه الروح والالتزام ترتبط كنائسنا بنشاط في الحوارات اللاهوتية الثنائية، وفي التعاون المسكوني مع كنائس عديدة، وتجمعات كنسية عالمية، وهيئات مسكونية: إقليمية وعالمية. إن مجلس الكنائس العالمي كهيئة مسكونية عالمية، ومجلس كنائس الشرق الأوسط كهيئة مسكونية إقليمية، يتمتعان بأهمية خاصة في كنائسنا. وسنواصل القيام بدورنا المسكوني الفاعل في هذه الهيئات.
وإلى جانب التعاون المشترك بين الكنائس، نؤكد على حتمية الحوار والعلاقات بين الديانات. أن كنائسنا بحكم اندماجها في تاريخ وحضارات وثقافات الشرق الأوسط، كانت ولاتزال على حوار دائم وحيوي مع الإسلام. وحوار الحياة هذا، المبني على التفاهم والثقة والاحترام المتبادل، يجب أن يستمر، مع تأكيد جديد، ونظرة أشمل لاسيما على المستوى الشعبي.
إن الكنائس الأرثوذكسية القبطية والسريانية والأرمنية قد أدت دوراً مميزاً في جميع المبادرات الهامة، والخطوات العملية في منطقتنا، موجهة إياها إلى عدالة وسلام وازدهار أكبر. إننا لا يمكننا البقاء بعيدين وغير مبالين تجاه الموقف الراهن في الشرق الأوسط.
نحن نؤمن بحتمية تفعيل عملية السلام، وبحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وعودة اللاجئين إلى وطنهم الأم، والتمتع بحقوقه كاملة. إذ على اسرائيل أن تطبق جميع القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لجهة انسحابها من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مزارع شبعا في جنوب لبنان، ومرتفعات الجولان، والقدس. إن العدالة وحدها كفيلة بتحقيق السلام الشامل والحقيقي والدائم في الشرق الأوسط.
أما العراق فيجب أن يستعيد استقلاله ووحدته وسيادته. ويجب أن تغادر القوات المحتلة أراضيه، وتبدأ عملية إعادة إعماره بمشاركة جميع طوائفه ومواطنيه.
إن منطقتنا تجتاز منعطفاً خطيراً في تاريخها، ولهذا يجب أن نكون حذرين، وعلى مستوى المسؤولية في معالجة ما يخص الشرق الأوسط. إننا ندين كل أنواع التهديد ضد الدول العربية، وبخاصة الهجوم على لبنان وسوريا، فنحن شعب واحد في وطننا العربي الكبير.
كما أننا ندين كل أشكال العنف، في منطقتنا وفي كل أنحاء العالم. فالمفهوم الصحيح للدين هو حافز إلى المحبة والتسامح، السلام والعدالة. لذا، فنحن نطالب كل الجهات التي تتصارع لسبب أو لآخر، أن تعمد إلى حل مشاكلها بالحوار والتفاهم المتبادلين.
وفي هذه المناسبة نحيي فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد إميل لحود، ورؤساء الطوائف اللبنانية، والشعب اللبناني. ونشكر اللّه أن لبنان بدأ، وبعد فترة طويلة من الدمار والنزاعات، باتخاذ خطوات واعدة على طريق الإعمار والمصالحة، وكرؤساء روحيين نقدم دعمنا الكامل لهذه المسيرة. فالعيش المسيحي ـ الإسلامي يميز هوية لبنان الحقيقية.
وفي ختام اجتماعنا السادس في أنطلياس، نناشد شعبنا المسيحي أن يبقى وفياً للإنجيل المقدس عبر ممارسة قيمه وتقاليده في الحياة اليومية وبالمشاركة بفاعلية أكثر في شهادة الكنيسة. إن شراكتنا الكنسية يجب أن تستمر في شهادة فعالة، وحيوية ومتجددة وبخاصة في النواحي التربوية واللاهوتية والاخلاقية والخدماتية والإنجيلية والمسكونية.
الأسرة هي كيان مقدس أسسها ربنا يسوع المسيح، يجب أن نحافظ على قدسيتها وسلامتها. لذلك فنحن ندين كل الممارسات والسلوكيات الخاصة بالزواج أو الميول الجنسية التي لا تتفق مع تعاليم الكتاب المقدس والأخلاق.
ونظراً للتطورات والتحديات الناشئة، والتي تهدد مصداقية التعاليم الأخلاقية، والقيم الروحية، والتقاليد المسيحية، نناشد شعبنا أن يصون هويته المسيحية، ويحفظ ولاءه القوي لرسالة الإنجيل.
كما نناشد مجتمعاتنا في كل أنحاء العالم أن تبقى مرتبطة بقوة بوطنها الأم، وذلك بمساندتها جميع المبادرات والنشاطات التي تعزز السلام المبني على العدالة في الشرق الأوسط، إضافة إلى الاحترام المتبادل والتفاهم بين الأديان والشعوب.
ليكن سلام سيدنا يسوع معكم. آمين
الكاثوليكوس آرام الأول البطريرك إغناطيوس زكا الأول البابا شنودة الثالث