عقد هذا المجمع سنة ٤١٠ في مدينة سليق (المدائن) عاصمة المملكة الفارسية على اثر انقشاع غيوم الاضطهاد عن المسيحيين وتمتعهم بالامن والاستقرار، حيث سمح لهم الملك يزدجرد الأول بترميم كنائسهم واقامة الشعائر الدينية بحرية تامة، وكان لهم خير عون في عقد هذا المجمع، اذ أوصى مرازبته بمساعدة الاساقفة لحضوره.
رئس المجمع مار ماروثا الميافرقيني ممثل البطريرك الانطاكي واسحق الأول جائليق سليق، وحضره اربعون اسقفا من مختلف الأبرشيات في المشرق مثل اربيل وكركوك والبصرة ونصيبين وما اليها. وقد تمت الاجتماعات في كنيسة سليق الكبرى. وفي احد هذه الاجتماعات تليت قوانين مجمع نيقية فوقعها الجميع ثم سنوا اربعا وعشرين قانونا على غرارها، وقد ثبتوا في القانون الثاني صورة ايمان المجمع النيقاوي. وكثيرا ما ترد في مطلع معظم هذه القوانين عبارة ” كما أوصى به المجمع، أو الذي وضعه المجمع، أو كما نصت عليه قوانين المجمع، اشارة الى مجمع نيقية. ولما كانت معظم هذه القوانين مسهبة، أثرت ترجمتها ملخصة مع الحرص على ابقاء جوهر معناها[1]. وتعرف هذه القوانين في الاوساط السريانية ب ” قوانين الفرس “، وقد اقتبس منها ابن العبري في كتاب الهدايات واثبت بالاضافة اليها قوانين اخرى بهذا الاسم. وفيما يلي نص هذه القوانين:
1- يجب ان تقام صلوات وتضرعات في جميع الكنائس من اجل الملوك والولاة لكي نعيش بالامن والاستقرار والبر والتقوى، ولكي لا يقسوا على المؤمنين.
2- تؤمن بآله واحد الآب الذي بابنه صنع السماء والارض، ونظم العالمين العلوي والسفلي. وبه سيعمل القيامة ويجدد الخليقة كلها. ونؤمن بابنه الوحيد المولود منه اي من ازلية ابيه، آله من آله، نور من نور، آله حق من آله حق. وُلد ولم يُخلق، مساو لابيه في الجوهر، ذلك الذي من اجلنا نحن البشر الذين به خلقنا، ومن اجل خلاصنا، نزل ولبس الجسد وصار انسانا وتألم وقام في اليوم الثالث وصعد الى السماء وجلس عن يمين ابيه، وسيأتي ليدين الاموات والاحياء. ونؤمن بالروح القدس الحي الفارقليط الحي من الآب والابن[2]. وبثالوث واحد، وازلية واحدة، ومشيئة واحدة. ونعترف بايمان الـ ۳۱۸ اسقفا الذي صيغ في مدينة نيقية وهو ايماننا ومعتقدنا. هذا هو التحديد الذي قبلناه من آبائنا القديسين والموضوع من قبل المجمع المقدس.
3- ينبغي ان يستشار الشعب في رسامة اي اسقف، وان يجتمع الاساقفة في المدينة التي سيرسم لها ويبحثوا عن شخص تتوفر فيه صفات الاسقف (هنا يذكر الصفات كما وردت في رسالة مار بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس)، وبعد ان يستأذنوا المتروبوليت رئيس الاساقفة، يباشروا بالرسامة في اثناء القداس، ويضع اليد عليه (المرتسم) اكبر الاساقفة سنا، ثم يمثل الاسقف الجديد امام جائليق سليق ليقبل منه التثبيت. اما من تجاسر من الاساقفة ورسم اسقفا المفرده فليطرد كلاهما (الراسم والمرتسم).
4- من جبَّ من المؤمنين نفسه بمحض ارادته فلا يمنح الكهنوت. أما من يجبه اسياده بالقسر، او البرابرة، أو الأطباء بسبب المرض، فيمكن قبوله في مصاف الكهنة.
5- كل اسقف او قسيس او شماس او افودیاقون او راهب، يقيم مع النساء ولا يسكن لوحده، محافظا على العفة والطهارة، أي ان يسكن الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، فمثل هؤلاء لا يقبلون، في مصافنا.
6- كل اكليريكي يتعاطى الربا، لا شركة له معنا (آباء المجمع)، بل يكون غريبا عن الكنيسة وعن خدمة الكهنوت.
7- كل من يتعاطى السحر والشعوذة والرقي والتعويذة، الامور التي تقوي جانب الوثنية، وهي من اعمال الشيطان، فليطرح خارج كنيسة المسيح بلا رحمة.
8- يحدد اجتماع الاساقفة مرة كل سنتين وليس مرتين في السنة كما نصت عليه قوانين المجمع، وذلك من اجل حل المشاكل والقضاء على الخصومات. ويتم ذلك بدعوة يوجهها المتروبوليت الكبير رئيس الاساقفة الجالس على كرسي الكوخي (اي الجائليق). واننا نتعهد بان نخضع لمشيئته وننفذ كل ما يأمرنا به من كلمة الله وبمخافة ومحبة.
9- يجب ان تنشأ في كل كنيسة دار للغرباء والفقراء، على ان يقبل هؤلاء برسالة من اسقفهم او قسيسهم الى اسقف او قسيس تلك الكنيسة.
10- على القسوس والشمامسة والأفودياقونين الا يحضروا وضائم المساكين لئلا تلحق اهانة بحرية الكنيسة.
11- لا يتكى في الولائم، القسوس او الشمامة أو الأفود ياقونون او الرهبان او النذراء او حراس الابواب، سواء أكانت ولائم افراح ام اتراح.
12- يجب ان يتلى الانجيل والاسفار الاخرى في كل يوم أحد، ويناقش كلام الله حتى الساعة الثالثة او الرابعة (أي الفجر) ويعقب ذلك اقامة القداس.
13- كل متروبوليت يترأس أكثر من ثلاثة اساقفة، عليه ان يضع هذه القوانين نصب عينيه دائما، ومنها كذلك يجب ان يستقي الاساقفة اصول القيام بمهامهم.
14- من اجل القضاء على الفوضى، تقرر ان لا يكون الاسقف اكثر من كاهن واحد برتبة خورفسقفوس، واذا وجد اكثر من واحد فليعزل.
15- يتعين لكل اسقف ارخدياقون واحد فقط، ويجب ان يكون فصيحا وحكيما ومثقفا، مهتما بالمساكين والفقراء، وخبيرا بخدمة الكنيسة لكي يصلح ويأمر بما يجب، ويقرأ الكرازة[3] بدلا من الشماس من على المنبر يوم الاحد اذا وجد الاسقف، ويتلو الانجيل، وينفذ ارادة الاسقف، ويجلس القسوس على الكراسي، ويترأس الشمامسة، ويقيم الافودياقونين على حراسة ابواب الكنيسة، ويأمر باعطاء كتب الاسفار للشمامسة القراء، و يوزع الأدوار على الكهنة والشمامسة، ليعمدوا وليخدموا المذبح، ويهتموا بالهيكل وزينته.
16- توزع الادوار الاسبوعية (اي بين الكهنة) بالنسبة الى كبر الكنيسة والمدينة وليعش اصحاب هذه الادوار من الكنيسة، وليسكنوا في الدور الخاصة والمعروفة بـ ” بيت الشمامسة “.
17- يجب ان يتم تعيين وكيل الكنيسة، الذي يؤتمن الواردات والهدايا والنذور، على النحو التالي: توضع مفاتيح الوكالة على المذبح، ومنه يتسلمها الوكيل ويضعها كذلك على المذبح في حالة استقالته أو اقالته.
18- يمنع عن الخدمة كل قسيس غير مريض، ولا يجلس على الكرسي[4] مع رفاقه في اثناء الصلاة، ولا يقف امام المذبح في اثناء القداس.
19- عند غياب الاسقف، يكلف الارخدياقون القسيس بالقداس، اما اذا حضر الاسقف فهو الذي يأمر من يشاء (من القسوس).
20- يعاقب كل شماس – لم يكن مريضا – لا يحضر الصلاة في الكنيسة، ولا يقف في مصاف الشمامسة عندما يأمره الارخدياقون ان يضع هرارا ويصعد الى المنبر ويتناول الكتاب ليقرأ، او اذا ترك الخدمة بعد تلاوة الكتاب، او ترك الشعب وجلس في بيت الشمامسة. فعلى كل شماس اذن ان ينتظم مع زملائه ويقف امام المذبح حتى ختام الصلاة.
21- كذلك الأمر بالنسبة الى الافودياقونين، فأي منهم لا يحضر الصلاة – ولم يكن مريضا او غائبا – ولا يشترك في الترتيل او حراسة ابواب الكنيسة في اثناء الصلاة، يعزل كي لا يسري الاهمال الى الآخرين.
22- من واجبات الارخدياقون: ان يبحث عن كل شخص، والا يدع احدا من القسوس او الشمامسة أو الأفودياقونين او الرهبان، ان يسافر الى مكان ما دون اذن منه. وليكن هو نفسه قدوة صالحة للآخرين، لانه هو سراج للكنيسة ونور امام الاسقف بكلامه وتعليمه.
23- لتبطل العادة القديمة التي تمنع القسيس الشاب من اقامة القداس بحضور قسيس اكبر منه سنا، ولا يكن ذلك سببا المغادرة القسوس الكنيسة لافساح المجال للكهنة الشباب. ويجب ان يكرم القسوس والشمامسة بعضهم بعضا بحسب قول الرسول.
24- لا يمنح الكهنوت للفتيان الحديثي السن وغير المتفقهين بالكتب المقدسة، نظرا الى الفوضى الناجمة عن العادة الجارية (برسامة مثل هؤلاء).
[1] لخصت اخبار هذا المجمع من كتاب ” تاريخ الكنيسة السريانية الانطاكية ” لقداسة سيدنا البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث.
[2] المقصود هنا بعبارة – الحي من الآب والابن – هو انه ينبثق من الآب وياخذ من الابن كما جاء في انجيل يوحنا.
[3] وهي صلاة خاصة تتلى من اجل البطريرك واحبار الكنيسة وكهنتها وشمامستها ومؤمنيها، ومن اجل الرؤساء والحكام.
[4] جرت العادة في كنيسة المشرق قديما ان يجلس الاكليروس احيانا على الكراسي عند تلاوة الفرض في الكنيسة، اما اليوم فقد ابدلت بالوقوف كما هو معروف.