Skip to content Skip to footer

لقاء أرثوذكسي – مسكوني-1998

الحوار الأرثوذكسي

التقى ممثلو كل الكنائس الأرثوذكسية (الشرقية والبيزنطية) في دمشق بين 2 ـ 6/شباط/1998 وذلك لمواصلة الحوار بين العائلتين الشرقية الأرثوذكسية والبيزنطية الأرثوذكسية. وقد كلّف قداسة سيدنا البطريرك المعظّم مار إغناطيوس زكا الأول الكلي الطوبى صاحبي النيافة مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم مطران حلب، ومار اسطاثيوس متى روهم مطران الجزيرة والفرات تمثيل كنيستنا في هذا اللقاء الذي بحث في الأمور الرعوية والليتورجية بين العائلتين. وفي يوم الافتتاح بارك الحضور قداسة سيدنا البطريرك وغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم، وألقى كل منهما كلمة ترحيبية بالمشاركين، وأكّد غبطة البطريرك هزيم ما جاء في البيان المشترك بين كنيستينا والذي أصدره المجمعان عام 1991، وبيّن قداسة البطريرك زكا بأن مشاركته منذ بدء الحوار سنة 1964 في الدانمارك لا تزال فاعلة في كنيستنا من خلال مشاركتنا الفعلية وأننا في كنيسة أنطاكية السريانية نتطلّع إلى ذلك اليوم الذي فيه ستعاد الشركة بين العائلتين.

اللقاء الأرثوذكسـي المسكونـي

الكلمة التي ألقاها قداسة مار إغناطيوس زكا الأول عيواص في افتتاح

الذي عقد في ديــــر مــــار أفـــــرام الســـريـــانـــي

في معرة صيدنايا ـ دمشق 8 أيار 1998

 

صاحب الغبطة اغناطيوس الرابع هزيم
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس الكلي الطوبى
أصحاب النيافة رؤساء الأساقفة والأساقفة الأجلاء
حضرات الآباء الكهنة الأفاضل


أيتها السيدات أيها السادة الكرام:
نحييكم جميعاً باسم ربنا يسوع المسيح ويسرنا أن نرحّب بكم في هذا الصرح البطريركي، كلية مار أفرام الكهنوتية في معرة صيدنايا ـ دمشق، مقدّرين لكم تجشمكم عناء السفر حيث قد جئتم من دول مختلفة ومن ثقافات وحضارات متعددة وأنتم تمثّلون عائلتي كنيسة اللّه الأرثوذكسية في العالم أجمع.
إن حضوركم ههنا هو في إطار اللقاءات التي تعقد استعداداً للجمعية العمومية الثامنة لمجلس الكنائس العالمي التي ستنعقد في هراري ـ زيمبابوي في شهر كانون الأول من هذه السنة تحت شعار «إلى اللّه توجّهوا وبالرجاء ابتهجوا».
نأمل أن تتركّز أبحاثكم ودراساتكم ومناقشاتكم على دور الكنائس الشرقية للعائلتين الأرثوذكسيتين في الحركة المسكونية بعد جهود جبارة بذلتها العائلتان الأرثوذكسيتان في مضمار اللقاءات والحوارات والمباحثات غير الرسمية والرسمية سواء كانت على مستوى الكنائس أو العائلات أو الجماعات المسيحية، وثقتنا كبيرة بأن لقاءكم هذا ههنا سيساهم بشكل حي وفعال لدفع عجلة العمل المسكوني إلى الأمام، وكلّنا اليوم أعضاء في هذا الجسم المسكوني الكبير، نسعى إلى ازدهار مجلس الكنائس العالمي.
عندما اقترح علينا نيافة أخينا الحبر الجليل مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم متروبوليت حلب استضافة هذا اللقاء رحبنا بالفكرة بحرارة لأن حضوركم بضيافة كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية هو شهادة كبيرة لاستمرار هذه الكنيسة في القيام بمسؤوليتها الروحية بالعمل من أجل خلاص النفوس وانتشار ملكوت الله، الذي بدأ منذ عهد الرسل ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا رغم كل الظروف الصعبة التي مرّت بها كنيستنا منذ فجر المسيحية وإلى أوائل هذا القرن نتيجة التغيرات والتحوّلات السياسية والأمنية والاجتماعية، قدّمت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية خلالها عدداً لا يحصى من الشهداء كان آخرها في بدايات هذا القرن الذي قدّمنا فيه حوالي مئتي ألف شهيد وأخذنا نلم شعثنا ونداوي جرحنا ونحاول أن نلعب دورنا الفعّال في العالم مستعينين بإيماننا الصادق بما تركه لنا الآباء من عقيدة سمحة وتراث ثمين ولغة مقدسة هي اللغة السريانية الآرامية التي تكلّمها الرب يسوع ووسعنا أبواب الانفتاح على الكنائس من مختلف المذاهب والطوائف. وهذا الصرح البطريركي بالذات الذي تجتمعون في رحابه جعلناه شهادة للأجيال لأننا نريد أن نعيد صفحة تاريخ أديرتنا المقدسة اللاهوتية التي كانت بمثابة كليات لاهوتية منتشرة في الشرق الأوسط وكان عددها قبل القرن الثالث عشر كبيراً وكانت منارات للإشعاع الفكري وأعطت للكنيسة مجموعة كبيرة من الآباء والعلماء أغنوا الحضارة المسيحية بمصنفاتهم وكتبهم، وجعلنا شفيعه مار أفرام السرياني الذي تقرّ كل الكنائس المسيحية بقداسته وعلمه الغزير وهو رمز من رموز وحدة الكنيسة.
نحن نؤمن بأن العمل المسكوني ليس بجديد على كنيستنا، فمنذ عهد انقسام الكنيسة في القرن الخامس تناول آباؤنا هذا الموضوع الحساس وآمنوا بأن إعادة الشركة بين الكنائس والتعاون في مجالات كنسية ورعوية هما من الضرورات لاستمرارية الحياة في الكنيسة المسيحية.
وبعد الخمسينات كان لبطريركيتنا دور كبير في هذا المجال، وبإذن من سلفي البطريرك يعقوب الثالث اشتركت وأنا راهب، في الحوار الأرثوذكسي الشرقي واللوثري في القدس عام 1958، الذي نظّمته كلية اللاهوت في جامعة كيل ـ المانيا. واشتركت في الدورتين الأوليين لمجمع الفاتيكان الثاني كمراقب رسمي سنتي 1962و1963. وفي عهد مطرنتي اشتركت بدءاً من عام 1964 في المداولات غير الرسمية للاهوتيين من العائلتين الأرثوذكسيتين التي عقدها مجلس الكنائس العالمي في الدانمرك أولاً، ثم في أماكن أخرى. كما اشتركت في الحوار اللاهوتي بين الأرثوذكس والكاثوليك في فيينا وغيرها.
ولا بد من أن نذكر أن كنيستنا انضمت إلى مجلس الكنائس العالمي كعضو فعّال سنة 1960، وفي عام 1975 انتخبت عضواً في اللجنة المركزية للمجلس خلال انعقاد الجمعية العمومية في نيروبي – كينيا. وعندما نصبت بطريركاً على الكرسي الرسولي الأنطاكي السرياني الأرثوذكسي عام 1980 أوكلت عني نيافة أخي المطران مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم الذي انتخب بعدئذ رسمياً كعضو في اللجنة وما يزال.
ومنذ تنصيبنا بطريركاً على أنطاكية بالنعمة لا بالاستحقاق نشطنا وشجّعنا العمل المسكوني في كنيستنا وأدخلنا مادة المسكونيات في برنامج الدراسة اللاهوتية في كليتنا ويقوم بتدريسها نيافة أخينا الحبر الجليل مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم مطران حلب وتوابعها. ووجّهنا الإكليروس والعلمانيين للتعاون في مجال المسكونيات على الأصعدة كافة محلياً وإقليمياً وعالمياً ولهذا فإن كنيستنا هي عضو في المجالس الكنسية المحلية، كما أنها عضو مؤسس في مجلس كنائس الشرق الأدنى أولاً ثم عضو مؤسس في مجلس كنائس الشرق الأوسط، ولم نتوانَ عن المشاركة في نشاطات واجتماعات مجلس الكنائس العالمي والمجالس الأخرى.
وفي مضمار علاقاتنا مع الكنائس الشقيقة الأرثوذكسية والكاثوليكية لنا مواقف تاريخية، فمنذ تنصيبنا بطريركاً ونحن نراسل جميع أصحاب القداسة والغبطة البطاركة وسائر رؤساء الكنائس الأرثوذكسية من العائلتين في العالم أجمع، وكذلك قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الذي وقّعنا معه عام 1984 بياناً مشتركاً له أهميته المسكونية. كما وقّعنا عام 1991 مع غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بياناً مهماً. ولا بدّ من الإشارة إلى أن اللقاء الأخير لبطاركة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية الأعضاء في مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي عقد في دير الأنبا بيشوي – مصر قد فتح صفحة جديدة من العلاقات بيننا كعائلة شرقية أرثوذكسية وبين الكنائس والعائلات المسيحية الأخرى. فلقد جاء في البيان المشترك الصادر بتاريخ 11 آذار 1998 أن يكون لنا موقف موحّد عقائدي ولاهوتي في كل الحوارات اللاهوتية وكذلك موقف موحّد في المسائل ذات الاهتمام الحيوي لكنائسنا في مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي وباقي المؤسسات المسكونية.
وعندما يتحدّث البيان المشترك عن ضرورة الحفاظ على المواقف الموحّدة إيمانياً في جميع الحوارات اللاهوتية وأنه من الآن فصاعداً أي حوار لاهوتي مع الكنائس الأخرى والجماعات المسيحية العالمية سوف يجري على مستوى العائلة الشرقية الأرثوذكسية في الشرق الأوسط هذا يعني إغناءً للحوارات في المستقبل. ويشترك معنا في هذا الفكر صاحبا القداسة الأنبا شنوده الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وأحد رؤساء مجلس الكنائس العالمي للدورة الحالية، وآرام الأول كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس ومدير جلسات مجلس الكنائس العالمي.
وفي هذا المجال أود أن أنوّه بالتقدم الذي حصل في الحوار مع بعضنا البعض كعائلتين أرثوذكسيتين، فبعد أن حصل الاتفاق على الأمور اللاهوتية أخذت لجنة الحوار المشتركة تبحث بجدية في الأمور الرعوية والليتورجية. وفي اللقاء الأخير بدمشق بحضورنا شخصياً وحضور غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم الكلي الوقار تأكّدنا بأن ما قام به اللاهوتيون في كنائسنا من جهود حثيثة ودراسات مكثّفة ساهم كثيراً في تقريب وجهات النظر بيننا. وأملنا كبير بأن تُرفع الحرومات بيننا وتصادق المجامع المقدسة في كنائسنا أخيراً على إعادة الشركة بين كل الكنائس الأرثوذكسية من العائلتين، ولا حاجة لنا هنا أن نتحدّث عن تقدم آخر حصل بين كنائسنا كعائلتين أرثوذكسيتين من جهة وبين بقية الكنائس الكاثوليكية والإنجيلية والجماعات المسيحية العالمية لأننا فعلاً نثق بالبركة التي حصلت في الكنيسة من خلال هذا الحوار المسكوني الرائع. ونؤمن بأن الروح القدس يعمل في الكنيسة فهو مرشدها ومعلمها.
كما نشير هنا إلى جو المحبة والتآلف بين مختلف الأديان والمذاهب في هذا البلد الآمن سورية، خاصة في عهد رئيس الجمهورية المناضل حافظ الأسد الذي نعتزّ ونفخر برعايته وعنايته بكل المواطنين الصالحين وعمله الدؤوب من أجل السلام العادل والشامل في كل المنطقة.
إن شعار الجمعية العمومية الثامنة لمجلس الكنائس العالمي «إلى اللّه توجّهوا وبالرجاء ابتهجوا» هو موضوع هام جداً له مساس بحاضرنا وفيه برنامج عمل لمستقبل كنائسنا ودورها في الحركة المسكونية.
إننا نتطلع إلى مزيد من التعاون مع مجلس الكنائس العالمي ولدينا الاستعداد الكامل لتقديم كل ما باستطاعتنا في سبيل استمرارية العمل في هذا المجلس، ونصلي إلى اللّه لكي يكون معنا في كل حواراتنا في الكنيسة وكعائلة مع كل الكنائس والجماعات المسيحية الأخرى.
نحن نؤمن بأن تقدماً كبيراً قد حصل في الخمسين سنة الماضية وأن صفحة من صفحات الجمود في الماضي قد انطوت، وصفحة جديدة ناصعة فيها كل معاني التفاؤل والعطاء والخدمة والتعاون قد انفتحت ونحن جزء من هذا التاريخ الذي يدعو إلى العمل المشترك بين الكنائس.
أخيراً نسأل اللّه أن يبارك هذا اللقاء ويؤهّل كل المشتركين في الجمعية العمومية التي ستعقد في هراري ليكونوا خير شهود للرب يسوع وللرسل الأطهار والآباء الأرثوذكسيين الأبرار، والسعي من أجل إعادة الشركة بين الكنائس وقطف الثمار اليانعة بعد هذه السنوات الطويلة من العمل في كرم الرب.
نرحب بكم ثانية ونتمنّى لكم طيب الإقامة بين ظهرانينا على أن تتكرر هذه اللقاءات في منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة وخاصة في دمشق مدينة القديس بولس، دمشق عاصمة سوريا. وشـكـراً.

جميع الحقوق محفوظة لموقع دائرة الدراسات السريانية ©