2022- اليوبيل المئوي الخامس عشر لرقاد مار فيلوكسينوس المنبجي

العـدد: 425/2022

 

ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܕܟܠ ܐܚܝܕ

ܐܝܓܢܛܝܘܣ ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܕܟܠܗ̇ ܡܕܢܚܐ

ܘܪܝܫܐ ܓܘܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܐܪܬܕܘܟܣܝܬܐ ܕܒܟܠܗ̇ ܬܒܝܠ

ܕܗܘ ܐܦܪܝܡ ܬܪܝܢܐ ܡ̄

 

نهدي البركة الرسولية والأدعية الخيرية إلى إخوتنا الأجلاء: صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأوّل مفريان الهند، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين الخوارنة والقسوس والرهبان والراهبات والشمامسة الموقرين والشماسات الفاضلات، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية بشفاعة السيّدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل ومار فيلوكسينوس المنبجي وسائر الشهداء والقدّيسين، آمين.

 

بعد تفقد خواطركم العزيزة، نقول:

أطلّ القرن الخامس على كنيسة الله في الشرق، فوجدها تجاهد ضدّ الهرطقات والتعاليم الفاسدة التي كانت تحاول تقسيم الكنيسة وإضعاف إيمان أبنائها. بدأت في تلك الفترة البدع المختلفة تظهر إلى العلن وتؤثّر على القادة الروحيّين وتغذّي الانقسامات بينهم مدعَّمة بالأطماع السياسيّة والتحزّبات التي كانت تنهش جسم الكنيسة وتخلق العداوات بين المؤمنين. وتفاقم الشرخ والانقسام. ولكن العناية الإلهية ترسل إلى الكنيسة في كلّ زمان رجالاً أتقياء يثبّتون أبناءها على الإيمان القويم والتعليم السليم بحسب روح الإيمان الرسولي المسلّم إليهم. فكانت الكنيسة ترتفع ثابتة على صخرة الحقّ حيث تنكسر أمواج البدع المضلّلة والهرطقات الفائلة. في هذه الظروف، برز وهجُ نبراسٍ وضّاءٍ عظيمٍ من علماء كنيستنا السريانية، ألا وهو مار فيلوكسينوس المنبجي.

وُلِد في بلدة تحل من كورة باجرمي في العراق في الربع الثاني من القرن الخامس، وكان اسمه “أخسنايا” (أي الغريب). في ميعة صباه، دخل دير قرتمين (دير مار كبرئيل) حيث تعلّم آداب اللغة السريانية واليونانية وصنوف علوم الدين، ثمّ انتقل إلى مدرسة الرها وأتمّ فيها دراساته الفلسفية واللاهوتية. ثمّ ترهّب وسيم كاهنًا، وفي العام 485، أسند إليه البطريرك بطرس الثاني أسقفيّة أبرشية منبج فرسمه مطرانًا وسمّاه فيلوكسينوس أي محبّ الغرباء.

شمّر مار فيلوكسينوس عن ساعدَيْه، معلّمًا ومرشدًا وناصحًا، مثبّتاً المؤمنين على العقيدة السمحة والإيمان القويم. فما برئ مقدّمًا نفسه مثالاً يُحتذى به، قولاً وفعلاً. لم يُحابِ في مسائل الإيمان، بل سعى إلى عزل المهرطقين وحرمانهم، مهما علت رتبهم وسما شأنهم. فاحتلّ مكان الصدارة في حماية تعاليم الآباء وعقيدتهم، وصموده في وجه خصوم الإيمان الذين حاولوا مرّات عديدة إيقاف حماسه وإخماد عزيمته، إلا أنّ الله كان يسنده ويقوّيه ليتابع رسالته السامية.

جاد قلمه فحبّر الرسائل والمقالات، وألّف كتابًا نفيسًا في سيرة الكمال المسيحي يسدي فيه النصائح للرهبان عن طريقة التتلمذ للسيّد المسيح ومقاومة الرذائل ومعالجة الأهواء. ومنها نستشفّ زهده ونسكه الذي صقل شخصيته الفذّة ودعم صورة تقواه ممّا جعل له دورًا رائدًا في الكنيسة.

طال مواضيع شتّى من خلال رسائله العديدة التي انطوَتْ على صفو العقيدة وعكست غيرته الوقّادة وهمّته العالية في تثبيت دعائم الكنيسة. فمنها التي ندّدت بالرهبان الذين زاغوا عن الإيمان الحقّ وسفّهت مزاعم خصوم الحقّ، ومنها التي احتوَت الشروح والجدالات والدروس والعِبر. فكانت كتاباته ردًا على المضللين وتفنيدًا للهرطقات والبدع، وجوابًا شافيًا وقاطعًا للتساؤلات اللاهوتية التي اشتهرت في وقته واحتاجت مَن يخلّدها في الكتب.

لم يثنِه انشغاله الدائم في الدفاع عن الإيمان عبر كتابة المصنّفات اللاهوتية عن تطبيق ما يكتبه في حياته الروحية، إذ كانت الحكمة الحقيقية بالنسبة إليه هي في الثبات في معرفتنا للكتب المقدّسة والتعاليم الصحيحة. وقد كتب في هذا المجال مؤكّدًا: “حقًا ليس لنا في هذا العالم عمل آخر أفضل من هذا: أن نُظهر عند الخطأ الجسيم أو الصغير، بسالة قوّة نفسنا ولا نُغلَب. إن كان ثمّة حكيم، ففي هذا يُعرَف، وكذلك أيضًا ذو السيرة المُدهشة، فهذه هي قوّة معرفة الكتب والطبائع والكتب المقدّسة والحكماء. لا شيء يساوي ذلك: لا خدمة ولا سلوك ولا معرفة.”

نُفِي عام 518 إلى فيلبوبولي في ثراقية (بلغاريا) لمدّة تقارب الخمس سنوات، ثمّ إلى غنغرة في بفلاغونية (تركيا) حيث حُبِس في غرفة ضيقة فوق فرن فاختنق لكثرة الدخان واستشهد في العاشر من كانون الأول عام 523، وعيّدت له الكنيسة المقدسة.

اليوم، بعد مرور ألفٍ وخمسمائة عام على استشهاده، يطيب لنا أن نعلن العام 2023 عامَ اليوبيل المئوي الخامس عشر لرقاد القدّيس مار فيلوكسينوس المنبجي. ويسرّنا بمنشورنا هذا أن نحثّ أبناء كنيستنا، إكليروسًا وشعبًا، أن يكرّسوا هذه السنة لإحياء ذكرى هذا القديس العظيم مار فيلوكسينوس المنبجي وأخذ العبر من جهاده وتحمّله العذاب في سبيل التمسك بالإيمان بربنا يسوع المسيح، إذ كان كوكبًا منيرًا شعّ نوره في سماء كنيستنا السريانية الأرثوذكسية وسجّل أمجاد جهاده الروحي بأحرف من نور على صفحات تاريخ الكنيسة والعالم.

وبمناسبة هذا اليوبيل، ستقوم البطريركية بنشر بعض الكتب التي تتناول سيرة هذا القدّيس العظيم وأرثوذكسيّته فضلاً عن تنظيم المؤتمرات العلمية والندوات والدراسات عنه وعن فكره اللاهوتي والنسكي. كما ستقدّم قناتنا البطريركية سوبورو (Suboro TV) برامج خاصّة عن مار فيلوكسينوس المنبجي وكتاباته وإرثه اللاهوتي الكبير. كذلك، نحثّ جميع أبرشيّاتنا في العالم على إقامة الندوات واللقاءات التي تتناول سيرة مار فيلوكسينوس المنبجي ومؤلفاته النفيسة لإبراز مساهمته الثمينة في إغناء تراثنا السرياني اللاهوتي العريق.

أيّها الأحبّاء،

نشكر اللّـه الذي يجود على كنيسته برعاة صالحين كصاحب الذكرى القديس مار فيلوكسينوس المنبجي ليرعوا خرافه ويثبّتوهم على الإيمان القويم. ففي الزمن العصيب وقاها من محاولة أعدائها القضاء عليها وشجّع أتباعها على صيانة جوهرة الإيمان الأرثوذكسي كما تسلّمته من الرسل الأطهار والآباء الأبرار.

لنقتدِ إذًا بجهاده الروحي وتمسّكه بالعقائد الإيمانية الرسولية فلا نحيد عنها، لنستحقّ إكليل المجد الذي يذكره الرسول بولس بقوله: «قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيراً قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً» (2 تي 4: 7و8). هؤلاء هم الآباء القدّيسون الذين عاشوا كما يحقّ لإنجيل المسيح محتملين المشقّات والضيقات. نصلّي ضارعين إلى الله أن يكون إحياء هذا اليوبيل سبب بركةٍ لكم جميعًا بشفاعة السيدة العذراء مريم ومار فيلوكسينوس المنبجي والشهداء والقدّيسين كافّةً، ونعمة الربّ تشملكم دائمًا أبدًا آمين. ܘܐܒܘܢ ܕܒܫܡܝܐ ܘܫܪܟܐ.

صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق

في العاشر من شهر كانون الأول سنة ألفين واثنتين وعشرين

والمصادف عيد مار فيلوكسينوس المنبجي

وهي السنة التاسعة لبطريركيتنا