ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܕܟܠ ܐܚܝܕ ܐܝܓܢܛܝܘܣ ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܕܟܠܗ̇ ܡܕܢܚܐ ܘܪܝܫܐ ܓܘܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܐܪܬܕܘܟܣܝܬܐ ܕܒܟܠܗ̇ ܬܒܝܠ ܕܗܘ ܐܦܪܝܡ ܬܪܝܢܐ ܡ̄
نهدي البركة الرسوليّة والأدعية الخيريّة إلى إخوتنا الأجلاء: صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأوّل مفريان الهند، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نوّاب الأبرشيّات والخوارنة والقسوس والرهبان والراهبات والشمامسة الموقرين والشمّاسات الفاضلات، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية بشفاعة السيّدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقدّيسين، آمين.
“كونوا أنتم، كحجارة روحيّة مبنيّين بيتاً روحيّاً، لتصيروا جماعةً كهنوتيةً مقدّسة، فتقرّبوا ذبائح روحيّة مرضيّة لله بيسوع المسيح” (1 بطرس 2: 5).
بعد تفقد خواطركم العزيزة، نقول:
في نواحي قيصريّة فيليبس، أعلن سمعان – بطرس إيمانه بـ”المسيح ابن الله الحيّ” (متى 16: 16)، فجعله الربّ يسوع صخرةً بنى عليها كنيسته. فإذا بالكنيسة بيتٌ روحيٌّ حجارته الحيّة كلّ مؤمن بالمسيح، تأسّس هذا البيت على صخرة الإيمان بالمسيح يسوع. إذاً هذا هو جوهر الإيمان المسيحي كلّه: هذه الكلمات تختصر كل العقيدة المسيحية ورسالتها السمحاء.
يسوع هو “المسيح” المخلّص الذي انتظرته البشرية منذ القدم والذي حقّق فيه الله الآب، بفيضٍ من محبّته، رسالة الفداء والخلاص للجنس البشري برمّته، شاهداً لمحبة الله العظمى ولرحمته اللامتناهية. وهو “ابن الله”، الإله الذي صار إنساناً ليخلص الإنسان. وهو “الحيّ” الذي لا بداية له ولا نهاية، الحاضر في الكنيسة والعامل فيها بروحه القدوس.
هذه الجماعة المؤمنة لا تستطيع أن تصمد في وجه التجارب وتنمو بالروح وتفرح بالربّ وتعيش بسلام من دون حضور الله الدائم فيها. ولا يمكن لهذه الجماعة المؤمنة أداء رسالتها بإخلاص وفعالية من دون التجدّد الدائم وذلك بالعودة إلى الله بروح التوبة، واستلهام أنواره، واكتشاف إرادته وهي “أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحقّ يقبلون” (1 تيم 2: 4).
علامات الكنيسة:
للكنيسة علامات أربع نردّدها في قانون الإيمان قائلين: “نؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسولية”.
يقتضي الإيمان بالمسيح ابن الله الحي أن نعمل بحسب ما أراده لنا الربّ في ليلة إقباله على الموت الإرادي من أجلنا: “ليكونوا واحداً كما نحن واحد” (يو17: 11). صلاة يسوع هذه تعني أنّ وحدة الكنيسة، على تنوّع وتعدّدية تراثاتها وتقاليدها وتنظيمها، هي في أساس مصداقية رسالتها: “ليكونوا واحداً، لكي يؤمن العالم أنك أنت أرسلتني” (يو17: 8). والمسيح الربّ نفسه هو مصدر وحدتها، ومن أجله وفيه تبقى واحدة وموحَّدة، وتحرص على الوحدة، “بقلب واحد ونفس واحدة” (أع 2: 46). هي كنيسة جامعة، لأنّها تجمع كلّ الأمم، ليست كنيسة شعب معيّن أو جماعة بذاتها، كما فُهِمَت من قبل أصحاب العهد القديم، بل هي كنيسة كلّ “الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أَولاد الله، أي المؤمنون باسمه” (يو 1: 12) وهذا ما رآه بالروح القديس يوحنا الرسول فدوّنه في سفر الرؤيا بقوله: “فرأيت جمهوراً كبيراً لا يُحصى من كلّ أمّة وقبيلة وشعب ولسان” (رؤ 7: 9).
والكنيسة مقدّسة لأنّ الله لا يحلّ إلاّ في المكان المقدّس وهو قدّوس ومقدِّس القدّيسين. وما الحياة المسيحية إلا كفاح مستمرّ من أجل بلوغ القداسة وإن كانت هذه الغاية صعبة المنال ولكن لا بدّ للمؤمن أن يسعى إليها باستمرار، وذلك بتنقية النفس من الأهواء ومن خلال التدرّج في الفضائل المسيحية. وهذا ما يذكّرنا به الربّ بواسطة بطرس الرسول: “لأنّه مكتوب: كونوا قديسين لأنّي أنا قدّوس” (1 بط 1: 16)
هي كنيسة رسولية، لأنّها مبنية على إيمان بطرس وسائر الرسل. وهذا ما نرنّمه صباح يوم الجمعة في صلوات الإشحيم، قائلين: ܥܰܠ ܫܶܡܥܽܘܢ ܟܺܐܦܐ ܡܳܪܰܢ ܥܺܕܬܶܗ ܒܢܳܐ܆ ܘܥܰܠ ܫܰܒܥܺܝܢ ܘܰܬܪܶܝܢ ܥܰܡܽܘܕ̈ܺܝܢ ܐܰܬܩܢܳܗ̇، وترجمتها: “على سمعان كيفا (الصخرة)، بنى ربّنا كنيسته، وعلى إثنين وسبعين عموداً (مبشّراً) ثبّت أركانها”. فالمسيح إذاً هو رأس الكنيسة، وإيمان الرسل وفي مقدّمتهم بطرس، هو أساس الكنيسة، وعلى أعمدة المبشّرين الإثنين والسبعين الذين كانوا كلّهم شهوداً وشهداء في سبيل هذا الإيمان ثبّت أعمدتها وأقام بنيانها، وتحقّقت الكلمة التي أطلقها الوحي الإلهي في العهد القديم: “الله في وسطها فلن تتزعزع” (مز 46: 5).
كنيسة شهيدة للمسيح، حيّة بالروح القدس:
بالإضافة إلى العلامات الأربع، نستطيع أن نصف الكنيسة بأنّها كنيسة مضطهَدة إذ ما فتأت تعاني من الاضطهادات منذ نشأتها حتى اليوم وذلك تحقيقاً لقول السيّد المسيح: “في العالم سيكون لكم ضيق، لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو 16: 33). وهكذا أصبحت الضيقات تقوّي إيمان المؤمنين فانتشر في القرن الرابع قول ترتليانوس: “دماء الشهداء بذار الإيمان”.
والكنيسة مضطهَدة لأنّها تواجه الشرير وأعوانه، وبقدر ما تتحمّل من الإضطهادات وتقدّم من الشهداء، تتقوّى وتنمو كشجرة تعلو وتعطي ثماراً ثلاثين وستّين ومئة.
بواسطة الكنيسة، انتشرت بشارة الحياة في كلّ العالم وأضحى الخلاص متوفراً لكلّ الناس، فأصبحت الكنيسة شاهدة للمسيح في العالم، بواسطة الروح القدس الذي يحافظ عليها ويقويها بمِنَحِه ممّا يفرض على كلّ مؤمن من أبناء الكنيسة أن يكون عضواً فعّالاً في جسمها يسلّم مشيئته للربّ ويُفسح المجال للروح القدس أن يعمل من خلاله وذلك من أجل تحقيق ملكوت الله بين الناس.
رسالة الكنيسة:
إنّ رسالة الكنيسة هي خلاص النفوس، بل خلاص العالم بأسره، لذلك ترى الكنيسة الجامعة تسعى باستمرار إلى نشر إنجيل المسيح بين جميع الأمم ليعرفوه “وقوّة قيامته” (في 3: 10)، فيؤمنون به مخلّصاً وفادياً.
ولإتمام هذه الرسالة، نجد في الكنيسة خدّاماً نذروا حياتهم لخدمة شعب الله ومرافقته في مسيرته الإيمانية. هذه هي طغمة الكهنوت بمفهومه الخدماتي حيث الرئاسة هي الخدمة كقول الربّ يسوع لتلاميذه: “مَن أراد أن يكون فيكم عظيماً فليصر لكم خادماً” (متى 20: 26). وقد قام الربّ نفسه بتجسيد هذا المفهوم عندما غسل أرجل تلاميذه وهو الربّ والمعلّم (أنظر يو 13: 1-5). بذلك، نفهم أنّ رسالة الكنيسة هي خدمة العالم بهدف تقديسه.
الكنيسة مدعوّة لتتجدّد بكلّ مكوّناتها، برعاتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها، وبأبنائها وبناتها المؤمنين. وهي مدعّوة أيضاً، بمؤسّساتها الدينية والتربوية والإجتماعية، إلى التجدّد وفقاً لتعليم الإنجيل وروحه.
فلنجدّد انتماءنا إلى الكنيسة، “هيكل الله” التي تجعل منّا “هياكل روحية” له، بقوّة كلمة الإنجيل ونعمة أسرار الخلاص، وحلول الروح القدس فينا. ولنجدّد كذلك التزامنا بقداسة الكنيسة، كخرافٍ لراعٍ واحد، هو المسيح الإله فادي الإنسان ومخلّص العالم. ونسمع صوت الرب يسوع ونطيع ما يقوله لنا ويدعونا إليه، بكلام الإنجيل، وتعليم الكنيسة، وإلهامات الروح القدس، وبقراءة أحداث حياتنا وعلامات الأزمنة. والسماع المطيع يقتضي إتّباع المسيح في المسلك والموقف والمبادرات. عندها نصبح خاصّته الذين يحتضنهم ويحرسهم ويحافظ عليهم كما يقول: “أنا أعرف خرافي، وهي تتبعني، وأنا أوتيها حياة أبدية، فلا تهلك أبداً، ولا يختطفها أحد من يدي” (يو 10: 27-28).
إننا نصلّي لكي يجدّد فينا الروح القدس هيكلَ الله، لا سيّما في هذه الأيّام المباركة ونحن نستعدّ للاحتفال بعيد قيامة الربّ من بين الأموات، وذلك من خلال العودة إلى ذواتنا وتقديم التوبة النصوح. والصوم هو خير فرصة نغتنمها لعمل الخير والرحمة مع الآخرين ونظهر محبّتنا لأخينا الإنسان، مدركين خطورة كلام بولس الرسول: “مَن يهدم هيكل الله يهدمه الله، لأنّ هيكل الله مقدّس وهو أنتم” (1 كور3: 17). نسأل الله أن يعيننا بنعمته لئلاّ نهدم هيكل الله الذي فينا، بابتعادنا عنه وعن كلامه في الإنجيل، وعن نعمة أسراره الشافية، وعن شريعة المحبّة المكتوبة في قلوبنا بالروح القدس. فلا نصبح فريسة الخطيئة والشر، فنحن نثق بأنّ الربّ يرعى كنيسته ويحفظها ويحيطها بحرّاس، يقفون على أبوابها ويحمونها ليلاً ونهاراً من الشرير كما نردّد من خلال تلك الترنيمة الجميلة القائلة: ܥܰܠ ܬܰܪ̈ܥܰܝܟܝ ܥܺܕܬܐ ܢܳܛܽܘܪ̈ܶܐ ܩܳܝܡܺܝܢ܆ ܒܠܺܠܝܐ ܘܒܺܐܝܡܳܡܐ ܡܶܢ ܒܺܝܫܐ ܢܳܛܪܺܝܢ.
كما نرفع أكفّ التضرّع إلى الربّ الإله، في هذا الصوم المقدّس من أجل عودة الأمن والسلام إلى بلادنا المشرقية. ونصلّي بشكل خاص من أجل السلام في سورية والعراق لتزول عنهما غيوم العنف والإرهاب والدمار فيستعيد الناس الطمأنينة والعيش الآمن ويعود المهجّرون إلى بيوتهم وأعمالهم. ونبتهل إلى العزّة الإلهية من أجل عودة جميع الأسرى والمفقودين إلى بيوتهم ومن أجل أن يحتفل صاحبا النيافة المطرانان بولس يازجي ومار غريغوريوس يوحنا إبراهيم بعيد القيامة مع أبنائهما الروحيين في حلب فيعمّ فرح القيامة في قلوبنا جميعاً.
بارك الربّ صومنا وتقبّل صلواتنا وارتضى بتقدماتنا، ورحم أنفس موتانا وأهّلنا لنحتفل معاً بعيد قيامته المجيدة، بشفاعة والدة الإله مريم والشهداء والقدّيسين أجمعين، آمين. ܘܐܒܘܢ ܕܒܫܡܝܐ ܘܫܪܟܐ.
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق
في الرابع والعشرين من شهر شباط سنة ألفين وسبعة عشر
وهي السنة الثالثة لبطريركيتنا