رعية مار أفرام السرياني ـ بربانك
دير مار أفرام السرياني في هولندا
تقديس كنيسة دير مار أفرام في هولندا
عيد انتقال السيدة العذراء ـ هولندا
توشيح راهب بالإسكيم الرهباني في هولندا
الرهبانية هي الشغف في محبة المسيح
تقديس كنيسة مار بطرس وبولس في كولن
اليوبيل الماسي لكنيسة مار جرجس في زحلة
ذكرى تأسيس مركز التربية الدينية بدمشق
رسامة نيافة المطران أفرام كريم
الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في القرن الحادي والعشرين
اختتام مؤتمر الأبرشيات السريانية في أميركا وكندا
بدء العام الدراسي في كلية مار أفرام اللاهوتية
كنيسة العذراء في أوغسبورغ ـ المانيا
لقاء قداسته بطلاب دير مار يعقوب السروجي ـ المانيا
عيد مار أفرام السرياني ولقاء مع طلاب الكلية
رسامة الخوري عبد الأحد الخوري ـ المانيا
رسامة الخوري يعقوب دوغاني ـ بيبرا
رسامة الخوري يوحنا تبر ـ برلين
كنيسة مار أفرام السرياني ـ برلين
رسامة الخوري توما بيلان ـ بادفيلبل
تقليد الأب كريم أسمر الصليب المقدس
رسامة الخوري عمانوئيل آيدين ـ فيينا
تقديس كاتدرائية مار بطرس وبولس ـ معرة صيدنايا
الذكرى المئوية الثامنة لانتقال مار ميخائيل الكبير
رسامة المطران مار سلوانس بطرس النعمة ـ حمص
اليوبيل الأسقفي الذهبي للمطران مار إقليميس أبراهام
افتتاح الحلقة الدراسية للعلوم اللاهوتية
مؤتمر الأبرشيات السريانية في أميركا وكندا
تدشين دير السيدة العذراء ـ تل ورديات
زيارة قداسته لأبناء رعية الدرباسبة
زيارة قداسته لأبناء رعية المالكية
تقديس كنيسة السيدة العذراء ـ القحطانية
مهرجان اللغة السريانية ـ القامشلي
تقديس كنيسة دير السيدة العذراء ـ تل ورديات
زيارة دير القديسة الشهيدة دميانة ـ مصر
القداس الإلهي في دير القديسة دميانة ـ مصر
قداسته يبارك أبناء رعية فيروزة
مقدمة المؤلف†
بعد حمد الله تعالى، أقول:
شاء الرب يسوع فاختارني أنا الضعيف الضئيل، ودعاني لخدمته، فلبيت الدعوة، وأرسلني منذ شرخ شبابي لأعطي عبيده الطعام في حينه (مت 24: 45)، وأبسط أمامهم مائدة الكلمة الحيّة، وأرويهم من ماء الحياة. ومن جملة المسؤوليات الروحية التي وضعها الرب على عاتقي أن أعظ المؤمنين به.
ففي عام 1954 وهي السنة الأخيرة من مرحلة دراستي في مدرسة مار أفرام الإكليريكية في مدينة الموصل بالعراق مسقط رأسي، ابتدأت أعظ في كنيسة العذراء الداخلية التي كانت تدعى كنيسة (الطاهرة) أو كنيسة (القلعة) إحدى كنائسنا الخمس في مدينة الموصل يومئذ، وهي كنيسة آبائي التي كان بينها وبين دارنا قاب قوسين أو أدنى في محلة (حوش الخان) وقد نلتُ سر العماد المقدس فيها، وخدمت مذابحها المقدسة في صباي كشماس صغير، وقد ابتدأت فيها خدمة الوعظ بإيعاز من أستاذي الجليل مطرانها المثلث الرحمة الملفان مار غريغوريوس بولس بهنام الخطيب المصقع والواعظ المفوّه. وقد اشتهر شعبنا السرياني الموصلي بإيمانه وتقواه وشغفه بسماع المواعظ. وإنني لمدين لهذا الشعب المبارك بتشجيعه إياي على الوعظ وبذلك نمت موهبة الوعظ فيَّ في سن مبكرة، وابتدأت أعير اهتماماً كبيراً بتهيئة مواعظي احتراماً للسامعين، وتقديراً لهم، وسعياً للوصول بهم إلى الهدف الأسمى الذي نتوخاه من رسالة الوعظ وهو خلاص النفوس.
وقد تعودت على الصلاة إلى اللّه ليعضدني تعالى ويُمدني بقوة منه وحكمة، ولينير روحه القدوس ذهني لأبذل قصارى جهدي بدراسة موضوع الموعظة جيداً، وأقوم بتقسيمه إلى أجزاء وأختار الآيات المناسبة من الأسفار المقدسة، أستشهد بها لدعم الحقائق الإيمانية والعقائد السمحة، وأستعين بتعاليم آبائي السريان الميامين وشروحهم النفيسة للكتاب المقدس. ويشغل موضوع العظة ذهني بل يحيا معي فترةً كافية من الزمن وتسرع نبضات قلبي عندما أكون على أهبة إلقاء العظة على ظهر قلبي.
ولغتي في الوعظ سهلة سلسة وأتوخّى دائماً البساطة والوضوح، وأتجنّب التعقيد والألفاظ الغريبة غير المتداولة وغير المستساغة، محاولاً توصيل الحقائق الإيمانية والمبادئ الروحية إلى أذهان السامعين بسهولة قدر الإمكان.
وقد تعوّدت أن أسأل الله تعالى بصلاة حارة كي يضع في قلبي وعلى لساني الكلمات المناسبة المؤثّرة في النفوس لتدخل هذه الكلمات الروحية إلى القلوب فتتطهَّر وتتوب إليه تعالى، وبذلك أكون قد بلغت الغاية المنشودة من الوعظ، ألا وهي خلاص النفوس.
وفي هذا المضمار أسعى لخلاص نفسي أولاً لئلا ينطبق عليَّ القول: «أعلّم الناس ولا أتعلّم، وأعظ ولا أتعظ»، فكنت ولا أزال أعظ نفسي قبل أن أعظ الناس، وأطلب إلى الرب أن يملأ قلبي محبة للّه وللقريب وإيماناً به تعالى وثقة بالرب يسوع الذي وعد سائر خدامه الأمناء بأن يُرسل إليهم روحه القدوس ليذكرهم بتعاليمه ويصون أفكارهم وألسنتهم من الخطل والزلل، فكنت أطلب إليه أن ينعم عليَّ بإصلاح نفسي قبل أن أسعى إلى إصلاح نفوس السامعين.
وبما أن أسلوبي في الوعظ هو غالباً عدم كتابة نص الموعظة بكامله مسبقاً، والاكتفاء بكتابة عناوين أقسامها الرئيسة، لذلك فقد فقدتُ أغلبَ عظاتي في عهد رهبنتي ومطرنتي، ولم يبقَ منها سوى ما سجله بعض الهواة لأنفسهم، وبخاصة مواعظ الجمعة العظيمة وبعض الأعياد الكبيرة. أما بعد أن تبوأتُ الكرسي البطريركي الأنطاكي بالنعمة لا بالاستحقاق عام 1980 فقد كان بعض أبنائي الروحيين، يسجّلون مواعظي على أشرطة تسجيل (كاسيتات) في المناسبات ثم يفرّغونها على الورق وهكذا نشرت قسماً منها على صفحات المجلة البطريركية الغراء وبخاصة تلك التي كانت تذاع عبر إذاعة دمشق، كما نشرتُ بعضها في كتاب بجزئين طبع الجزء الأول منهما عام 1984 والجزء الثاني عام 1988 تحت عنوان (حصاد المواعظ).
وبعدما أسستُ عام 1990 رهبانية العذارى باسم (راهبات مار يعقوب البرادعي) اهتمت بناتي الروحيات الراهبات الفاضلات بإشراف رئيستهن الأم الفاضلة حنينة هابيل بتسجيل أهم مواعظي على أشرطة تسجيل (كاسيتات) أثناء إلقائي إياها على ظهر قلب، وتفريغها على الورق، فتجمّع لديَّ عدد وافر من العظات والخطب التي ألقيتها في عدة مناسبات رأيتُ أن أنشر نخبة منها في سلسلة تحت عنون «من بيدر المواعظ» في سلسلة أنوي إصدارها تباعاً، تتضمّن مقدمة لاهوتية ضافية بموضوع الأعياد المسيحية ومواعظ مختارة لمناسبات الأعياد المارانية (السيدية) أي أعياد الرب الكبيرة، ولبعض هذه الأعياد أكثر من موعظة، خاصة لعيدي الميلاد والقيامة، ومواعظ الأعياد المارانية (السيدية) الصغيرة، وأعياد السيدة العذراء مريم، والشهداء والقديسين، وآحاد الصوم الكبير وشتى المناسبات الروحية على مدار السنة الطقسية السريانية، وذلك لفائدة الإكليروس السرياني وخدام مراكز التربية الدينية والشعب المؤمن.
نسأل اللّه تعالى أن تؤول هذه المواعظ إلى خلاص النفوس وأن تكون سبب بركة للقارئ الكريم آمين.
إغناطيوس زكا الأول عيواص
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
من عظات عام 1981
من عظات عام 1981
زيارة أبرشية الجزيرة والفرات·
المجد لله
أيها السامعون الكرام:
المجد لله وحده. نحمده تعالى على وصولنا إليكم بالسلامة، ونشكر سيادة المحافظ وممثلي الدولة كافة، على لطفهم ونبلهم حيث تجشموا عناء استقبالنا في هذا الازدحام. إن هذا التكريم ينعكس من شخصنا إلى كنيستنا السريانية الأرثوذكسية المقدسة كنيسة أنطاكية سورية التي غرستها يمين الرب في هذه الأرض الطيبة فنمت وترعرعت وأعطت ثماراً يانعة ومن هنا من سورية مركز الإشعاع الديني خرج الرسل الأطهار إلى العالم أجمع يحملون بشارة الإنجيل ومعها يحملون حضارة سورية العريقة.
أولئك آباؤنا الميامين الأبطال الجبابرة الذين في الفتح العربي الإسلامي حاربوا جنباً إلى جنب مع إخوانهم العرب المسلمين فامتزج دم المسيحيين والمسلمين وحققوا النصر المبين بل سجلوا عهداً أبدياً أن يكون المسلمون والمسيحيون إخوة لأن لهم مصيراً واحداً ولأنهم يوحدون الله.
أيها الأعزاء:
لم يتعاون المسلمون والمسيحيون في الحرب فحسب بل أيضاً في السلم وهناك الثقافة التي نشروها في أنحاء العالم وكان السريان يترجمون الكتب اليونانية إلى السريانية ثم العربية ويحملون الحضارة إلى الغرب عن طريق الأندلس ورأينا هذه البقعة المباركة من الأرض، الجزيرة رأيناها مليئة بالناس الذين كانوا عرباً على مذهبنا السرياني وكانت المدارس منتشرة فيها حتى عدت خمسين مدرسة في القرن السابع يلحق بها مكتبات عديدة وتخرج فيها علماء ليس في ميدان الدين فحسب بل الفلسفة والآداب والطب والكيمياء والرياضيات وسائر العلوم، واليوم نرى الجزيرة عامرة أيضاً بأناس أتقياء يهتمون بالقيم السماوية، فصارت ثانية، مركز إشعاع ديني مسيحي إسلامي ونرى سورية مناضلة مكافحة في سبيل العروبة وحق العرب في فلسطين.
ويطيب لي من هذا المنبر المقدس أن أحيي سيادة رئيس الجمهورية المبجل ورجال الحكومة، وأصحاب النيافة والسيادة والآباء وسائر الشخصيات البارزة التي اشتركت في هذا الاحتفال. إن أبرشية الجزيرة جوهرة لامعة في تاج الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، وإن مطران الجزيرة والفرات نيافة الحبر الجليل مار أوسطاثيوس قرياقس حكيم السريان في كل مكان، ولذلك من دواعي بهجتي وسروري وفخري واعتزازي أن تكون أبرشية الجزيرة والفرات أول أبرشية أزورها بعد تنصيبي بطريركاً ورئيساً أعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم، لا نستغرب البهجة التي شملت نيافة سيدنا مار أوسطاثيوس قرياقس هي بهجة الأب عندما يرى ابنه في مركز مرموق، بهجة المعلم عندما يرى تلميذه وقد نجح نجاحاً باهراً. تعود بي الذكرى في هذه اللحظات إلى سنين خلت حيث كنت في حمص وكان نيافة الحبر الجليل مار أوسطاثيوس قائممقاماً بطريركياً وكنت راهباً شماساً وتعلمت منه لفترة قصيرة من الحكمة والإرادة الرشيدة ما لم أستطع أن أتعلمه في سنين في كليات العالم. وفي 11 تموز 1980 عندما انتخبت بطريركاً كان ذلك بإجماع أصوات أعضاء المجمع ونيافته في مقدمتهم لأنه أراد أن أكون أباً عاماً للكنيسة.
وفي 14 أيلول نصبت بطريركاً فسلمني بيده ـ وهو رئيس المجمع والقائمقام البطريركي ـ سلمني عصا الرعاية لأكون راعي الرعاة في هذه الكنيسة المقدسة.
وطلب بإلحاح أن تكون أول زيارة رسولية أقوم بها إلى أبرشية الجزيرة والفرات، وهاأنذا بينكم وقد لبّيت دعوته المباركة، أتيت لأرى ثمار أعماله الجبارة مدة أربعين سنة ونيف كمطران في هذه الكنيسة لأبرشية الجزيرة والفرات يشيد الكنائس والمدارس والأوقاف ويقرب النفوس ويتفقد الضال ويهتم بالناس ليتبعوا الله، لا فرق بين مسلم ومسيحي، الكل سواسية، وليعطه الرب صحة وعافية ليدوم لنا مثالاً طيباً في مسيرتنا الروحية بما فيه خير الكنيسة والوطن.
أيها السامعون الكرام:
باسمي وباسم صاحب النيافة مار ديونيسيوس جرجس القس بهنام ومار ثاوفيلوس جورج مطران جبل لبنان أكرر شكري لكم جميعاً على هذه الحفاوة سائلاً الله أن يجعل أيامكم كلها أفراحاً ونعمته تشملكم دائماً أبداً.
حجارة المسيح الحية·
«أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي، وأبواب الجحيم لنا تقوى عليها».
(متى 16: 18)
بعد أن ابتدأ الرب يسوع بخدمته الإلهية وتدبيره الرباني لخلاص البشرية واقتباله العماد من يوحنا المعمدان وإعلان شهادة السماء عنه أنه (ابن الله) بعد ذلك بمدة سمعناه في طريقه إلى قيصرية فيلبس يسأل تلاميذه قائلاً: (من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان؟). أجل إنه ابن الإنسان هكذا ظهر للناس فماذا يقولون عنه؟ واختلف البشر في تشخيص هويته بيد أن الروح القدس ألهم بطرس ليعرفه حق المعرفة بدون تردد أو ارتياب فنطق قائلاً: (أنت هو المسيح ابن الله الحي). ونال بطرس الطوبى لتصريحه هذا ومن هنا وعلى هذا الإيمان بنى المسيح كنيسته التي لن تقوى عليها أبواب الجحيم. ولم تبنَ الكنيسة على شخص بطرس لأنه إنسان زائل ضعيف، وإلا كيف تكون إلهية إن لم يكن ابن الله الوحيد صخرة أساسها. ولكن الرب عندما حان الوقت ليؤسس ملكوته على الأرض جعل كنيسته سلماً يرقى بها الإنسان إلى السماء. إنه ابن الله الفادي الذي أتى ليفتقد الإنسان الخروف الضال ويحمله على منكبيه ويعيده إلى حظيرة الآب السماوي.
تلك كانت المرة الأولى التي يذكر فيها الرب لفظة (كنيسة) وعنى بها جمهور المؤمنين به ـ لأنه ابن الله الحبيب ـ وبأبيه وروحه القدوس إيماناً مستقيماً بالثالوث الأقدس الإله الواحد. وسمعناه أيضاً في مناسبة أخرى يلفظ كلمة (كنيسة) ويعني بذلك الجمهور الذي يؤمن به في مكان ما من العالم، أي الكنيسة المحلية واعتبر السلطة الكهنوتية كنيسة أيضاً عندما قال: (وإذا لم يسمع منك فقل للكنيسة). والكنيسة أيضاً هي جسد المسيح السري والتي جُعِلَ المسيحُ حجر الزاوية فيها فهو أساسها وهذه الكنيسة تُمَثَّلُ بالفرد المؤمن بالرب.
وهذا الفرد هو خلية حية في جسد المسيح. وما دام المسيح رأس الكنيسة فهو رأس كل مؤمن به. هذا ما علّمنا إياه آباؤنا وفي مقدمتهم القديس مار أفرام السرياني حيث يقول ما ترجمته:
(ليكن جسدك كنيسةً وفكرك هيكلاً مقدساً). فأنتم أيها الأحباء، كنيسة الله المفتدية بدمه. وكما قال مار بولس الرسول: (أنتم هياكل الله وروح الله حالٌّ فيكم). وإذا كنا كنيسة الله فعلينا أن نرى المسيح يسوع رأساً لنا هو رأس الكنيسة إذ قدسها وطهرها ونقّاها فهو عريسها وهي عروسه وتستمد قوّتها منه. فليست الكنيسة قوية وسامية برجالها ولا بأساقفتها وكهنتها وشمامستها وليست كذلك قويّة بمالها وأوقافها، وكل حطام الدنيا لا ينفعها إنما قوّتها بالمسيح يسوع صخرة إيمانها، لذلك لن تقوى عليها أبواب الهاوية.
ولقد جعل المسيح في الكنيسة وسائل النعم الإلهية لكي تلد المؤمنين في حميم المعمودية وتثبتهم بالميرون المقدس وتقيتهم بالقربان الأقدس، بل جعل سرّ الكهنوت المقدس سلطاناً في السماء والأرض لإرادة شعب الله وللإتيان به إلى الخلاص. وبهذه النعم يولد الإنسان في الكنيسة ميلاداً ثانياً من السماء فيصبح مواطناً للعلاء فيستحق في عمره القصير الذي يقضيه بالتقوى ومخافة الرب والصلاح على هذه الأرض أن ينضم إلى الكنيسة المنتصرة في السماء.
أيها الأحباء: كم قسا الدهر على الكنيسة! كم أصابها من النوائب والاضطهادات والمصائب والبلايا. كم من الملوك ظلموها عبر الدهور والأجيال. بزنطية الظالمة مضطهدة كنيستنا، زالت إمبراطوريتها، الأمم التي لا تعرف الله حاربتها كلها بادت أما الكنيسة فثابتة لن تقهرها أعاصير الدنيا (لأن المسيح في وسطها فلن تتزعزع). وإذا شعرنا يوماً أن المسيح قد نام في السفينة وإذا الرياح عاتية والبحر صاخب والسفينة تتقاذفها الأمواج علينا أن نوقظها (يا رب ألا تبالي إننا نهلك). فيجيبنا ما بالكم تخافون يا قليلي الإيمان فلا نخاف شراً لأن الرب معنا (عمانوئيل: الله معنا). هذه هي قوة الكنيسة الثبات على إيمانها والتمسك بالسيرة الفاضلة التي سلمنا إياها ربنا يسوع الذي صار مثالاً لنا وشريعة وحياة لأن الكنيسة عمود الحق التي تجعل الإنسان أن يبلغ إلى الحقيقة فيغدو بها بالنعمة ابناً لله.
والكنيسة هي أيضاً البناء الذي يكرس ويقدس ويخصص لعبادة الله وتقديم الذبيحة الإلهية غير الدموية لتقديس الإنسان، فهي حظيرة الخراف التي تعرف صوت الراعي فتتبعه. ألم نرَ في العهد القديم النبي موسى أمام العوسجة الملتهبة غير المحترقة مبتهجاً لسماع كلام الله قائلاً: «اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه هو أرض مقدسة» (خر 3: 5).
أجل تقدست تلك الأرض لأن الله حلَّ عليها، ألم نسمع يعقوب أيضاً قبل ذلك عندما رأى في الحلم مثال الكنيسة بالسلم المرتفعة من الأرض إلى السماء وملائكة الله صاعدين نازلين عليها. فلما استيقظ آمن بأن ذلك المكان مقدس لأن الله كان حالاً فيه. بل ألم يرَ موسى مثال الكنيسة على الجبل وأمر أن يصنع مسكناً لله على مثال قبة الخيمة والشهادة التي ظهرت له هناك. هذه هي الكنيسة التي يحلّ فيها الله ليكون قريباً من عباده فيستجيب دعواتهم وطلباتهم في المكان الذي يكرس ويقدس لعبادته تعالى.
ما أسعد الإنسان الذي يخصص لله بيتاً، يمجد اسم الله فيه. تأملوا النبي داؤود الذي دعي قلب الله لم يستحق أن يبني بيتاً لله لأن يديه كانتا ملطختين بالدماء. فمن يستحق أن يشيّد بيتاً لله فهو إنسان أغدق الله عليه نعماً عظيمة، وبالتالي الطوبى التي أعطيت لأنقياء القلوب وصانعي السلام ومحبي الله.
فما أسعدكم يا صاحب النيافة مار أوسطاثيوس قرياقس الحبر الجليل مطران الجزيرة والفرات. طوبى لكم لأن الرب قد اختاركم لتكونوا حكيم السريان، فتشيّدوا لله دوراً لعبادته تقدس اسمه. تسع عشرة كنيسة شيّدتموها في هذه الأبرشية العامرة لتمجيد اسم الرب القدوس، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على همتكم العالية وحكمتكم السامية ومحبتكم لله والشعب. وهذه الحجارة تنطق بمحبتكم لكنيستكم المقدسة ولوطنكم الغالي. ولا يسعنا في هذه اللحظات ونحن نهنئكم بهذه الكنيسة البديعة التي جاءت آيةً جليلةً في البناء والمحبة والسخاء، وما هي إلا ثمرة إرشاداتكم لهذا الشعب الطيب. أمدَّ الله بعمركم وحفظكم.
وأنتم أيها الأحباء، أيها الشعب النبيل، الشعب الكريم السخي، أنتم كآبائكم تعلمون علم اليقين أننا في كل مشاريعنا العمرانية الدينية والاجتماعية نتكل على الله وعلى شعبنا المبارك لذلك وقد اتكلتم على الله وعلى نفوسكم وبعرق جباهكم ودم قلوبكم شيّدتم هذه الكنيسة وغيرها، وأقمتم المدارس وزدتم الأوقاف لتكون هذه الأبرشية ألمع درَّة في تاج السريان. فهنيئاً لكم ولراعيكم الجليل. هنيئاًًًًًًًًًًًًًًً لكم هذه الكنيسة المقدسة الجميلة وليستمع الرب صلواتكم فيها وليحفظكم وليؤهلكم لتكونوا كنائس حية في كنيسة الله، وحدات حية في جسم الكنيسة عروس المسيح، لتكونوا في هذه الكنيسة المقدسة أتقياء صالحين مؤمنين وفي كنيسة الأبرار منتصرين.
ليكافئكم الرب عن كل ما تبرعتم به إن كثيراً أو قليلاً حسبما جادت نفوسكم فهو عند الله مقبول، لأنه عطاء سخي صادر عن قلوب مؤمنة. ألا فليرحم الربُّ نفوس موتاكم ويحفظكم بنعمته.
أيها الأحباء بافتتاح هذه الكنيسة بلغة المسيح السريانية المقدسة لترفع الصلوات مع صلوات ملايين السريان في العالم صباح مساء في هذه البقعة العزيزة من الأرض. أجل إن تقديسنا هذه الكنيسة ما هو إلا برهان على أننا بحق أولاد هؤلاء الآباء الجبابرة الكرام وأحفادهم، وكذلك نؤكّد تمسكنا بأرضنا الغالية ووطننا العزيز، وبالتالي نصرُّ على استمرارية عطائنا. فأسأل الله أن يوفقنا لما فيه رضاه ويحفظ الكنيسة المقدسة ويصون وطننا المفدى وحكومتنا الرشيدة والنعمة تحفظكم آمين.
من عظات عام 1983
من عظات عام 1983
كاتدرائية مار مرقس في هاكنساك·
نشكر الله شكراً جزيلاً، على النعمة التي أسبغها علينا في هذا اليوم المبارك حيث قد أهلنا لنقدم الذبيحة الإلهية، على مذبح هذه الكاتدرائية العزيزة على قلبنا الأبوي، خاصة وأنتم تستعدون للاحتفال باليوبيل الفضي، لتكريسها…
لقد أسس نيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس يشوع صموئيل، في عهده الميمون، ما يقرب من عشرين كنيسة في أبرشية الولايات المتحدة وكندا.
ولكن تبقى كاتدرائية مار مرقس الأولى بين الكنائس التي نفتخر جميعاً بها. ذلك أن هذه الكاتدرائية، قد اقتناها نيافته بمال الشعب وسخائهم وعطائهم الكريم، اقتناها بدم القلب وعرق الجبين، لأنها عنوان الجهاد، عنوان التمسك بالتقليد الرسولي، عنوان الثبات على الإيمان المستقيم الرأي، هي عنوان تعب الشعب والإكليروس وتعاونه، مع نيافته…
وكانت رعية هذه الكنيسة تعد على الأصابع يوم أسست هذه الكنيسة، ولكنهم كانوا يحملون الإيمان المتين الثخين في القلوب الكبيرة والرجاء بالرب والقوة المستمدة من السماء، لذلك عندما تبرعوا فقد تبرعوا بسخاء، واهتموا بهذه الكاتدرائية أكثر من اهتمامهم بدورهم، فصارت كما نراها الآن، بحلتها القشيبة الجميلة، وقد باركها الله فامتلأت بكم أيها المؤمنون الأعزاء…
فهذه الكاتدرائية الجميلة التي ضاقت بالمؤمنين هي عنوان للجهاد وللأتعاب ولكرم المؤمنين وسخائهم وبذلهم وعطائهم فنحن السريان ننصهر إكليروساً وشعباً في كنيستنا، الفرد فينا يضيع في المجموع لأن تأسيس الكنيسة عندنا هو في مقدمة طموحاتنا في الوطن وفي المهجر دائماً.
فإني أهنئ نيافته، وأهنئ كاهن الكنيسة الغيور، النشيط، التقي، الذكي، الأب جان مينو. وأهنئ سائر الكهنة الأعزاء الذين يصلّون في هذه الكنيسة ويهتمون خاصة بالحفاظ على طقسها السرياني الأنطاكي، وهم يجيدون هذا الطقس، وأهنئ الشمامسة الأحباء، الذين يرتلون بانتظام، وبرغبة في مذبح الرب، وأتمنى أن تتوسع الكنيسة كبناء، وقد كثر المؤمنون فيها وهذا ليس بكثير، على غيرة نيافة الحبر الجليل، مار أثناسيوس يشوع صموئيل، مؤسس الكنائس والمهتم بجمع شمل أبناء الكنيسة في المهجر الأميركي، وهذا ليس بكثير أيضاً عليكم أيها المؤمنون الغيارى، وأنتم تعلمون، أن من يبذل في سبيل تأسيس الكنائس فإن أجره عند الله عظيم.
أيها الأحباء:
إن ما يبهجنا هو أن نرى الكنيسة تهتم بخلاص أبنائها لينموا بالنعمة والقامة، فالقربان المقدس الذي هو سر الاتحاد بالمسيح والغذاء الروحي، يقدم للأطفال عندنا، بعد عمادهم مباشرة ولا يكمل سر من الأسرار السبعة، بدون القربان المقدس. أما هذا التناول الاحتفالي، فإننا نقوم به في كنائسنا في هذا العصر لتشجيع الآباء والأمهات على التقدم لتناول جسد المسيح ودمه الأقدسين، لتوجيه الأطفال لكي يشتركوا بهذا السر المقدس، فنهنئ أولادنا الأعزاء وبناتنا العزيزات الذين يتقدمون اليوم لتناول القربان المقدس ونهنئ أهلهم وذويهم، ونسأل الرب الإله أن يؤهلهم لكي يربوا أولادهم التربية المسيحية الصالحة، من هنا نعلم أن هذه الكاتدرائية بل هذه الأبرشية هي حية، لأن هؤلاء الأطفال هم كنيسة اليوم، وكنيسة المستقبل، فإن كنا لا نهتم بأولادنا ليكونوا أيضاً في عداد أغنام المسيح، في الكنيسة المقدسة لا تكون كنيستنا حية، ولكن هذه الكنيسة حية، وستبقى حية، إلى الأبد، هذه الكنيسة حية لأن هناك دلالات عديدة تبرهن على حياتها من ذلك أنها تهتم بقادتها وبتكريم هؤلاء القادة الروحيين في حياتهم، فالشعب الذي يكرم رؤساءه في حياتهم هو شعب حي ويستحق أن يبقى حياً، وإنني أيها الأحباء أشكركم جزيل الشكر، كهنة وشعباً، على البادرة الطيبة، التي صدرت من الأبرشية، بالاهتمام بتكريم راعي الأبرشية نيافة المطران مار أثناسيوس يشوع صموئيل «بيوبيل ذهبي كهنوتي» تحتفلون به بعد مدة قصيرة وهذا يدل على أنكم شعب مؤمن، نبيل، طيب، شعب يعرف كيف يكرم رؤساءه في حياتهم.
إحدى وخمسون سنة، مرّت على رسامة نيافة الحبر الجليل مار أثناسيوس يشوع صموئيل كاهناً. كان ذلك في الهند، وكانت الرسامة على يد المثلث الرحمات المطران يوليوس الياس قورو، وحتى الآن نرى هذه البركة تفيض على المؤمنين بركة الكهنوت الموهبة السامية التي يمنحها الله لبعض المؤمنين الذين يختارهم، كما اختار هارون، الذين يفرزون من بين المؤمنين ليكونوا كهنة للرب يخدمون أسراره المقدسة، ينوبون عنه بإعطاء البركة للناس بل لخلاص النفوس. ومنذ ذلك الحين وإلى الآن ونيافته يحمل صليب الرب وسمة الكهنوت المقدس والإنجيل المقدس، وينشر كلمة الله في كل مكان يحل فيه، ويجاهد ويتعب ليلاً ونهاراً، وقد نال بعدئذ، أي قبل سبع وثلاثين سنة تقريباً، موهبة سامية هي الأسقفية التي هي كمال الكهنوت ذلك أن الله قد قبل خدمته ككاهن، فأنعم عليه ليكون رئيس كهنة، بل رئيس أساقفة يجاهد ويتعب وينشر البشارة الإنجيلية في كل مكان حلَّ فيه.
لقد اتصف نيافته بالتواضع، والمحبة، والعمل بخفاء، والجهاد المستمر، وهذا ما جعل منه أباً عطوفاً للمؤمنين، يعتني بالجميع كأب وكراع، لا يفرق بين هذا وذاك، لا تهمه المادة ولا يهمه أي شيء يسعى إليه الناس من الهناء والسعادة الدنيوية. كل ما يهمه هو أن يرى كنيسة الله وخاصة هذه الأبرشية تنمو وتتسع والناس فيها يتمسكون بالتقليد الكنسي والإيمان المستقيم الرأي، وإننا لنفتخر بنيافته لأنه قد حافظ على العقيدة الأرثوذكسية في هذه الديار النائية، بل أيضاً أوضح للغرباء ما هي العقيدة السريانية الأرثوذكسية وما هي لغة المسيح السريانية كما أنه نشر العديد من الكتب الطقسية ونقلها إلى اللغة الإنكليزية، وبهذا بشر بالمسيح والكنيسة في المهجر، وخاصة اهتم بالرعية، لذلك أيها الأحباء نعتز به فقد كان معلماً ومرشداً لنا يوم كنا راهباً بهمته نكمل دراستنا في نيويورك، نفتخر به كل الافتخار ويطيب لنا أن ندعوه في هذه اللحظات (رعيو شاريرو) أي (الراعي الأمين) وهذا لقب يستحقه نيافته لأنه اقتدى بالراعي الصالح المسيح يسوع الذي هو راعي الرعاة.
إننا نسأل الله الذي أهّل نيافته أن يحتفل باليوبيل الفضي لهذه الكاتدرائية وبيوبيله الذهبي الكهنوتي، أن يعطيه مكافأة الوكلاء الأمناء الحكماء. فاليوبيل ماض وحاضر ومستقبل. ليس اليوبيل توقفاً إنما هو وقفة تأمل لعهد جديد ومسيرة جديدة، تأمل في الماضي واكتساب الخبرة مما جرى فيه وما صادف الإنسان في حياته من صعوبات أو من راحة وتأمل بالحاضر للنقد الذاتي، إذ يفحص الإنسان نفسه، ثم يبدأ العد العكسي لمسيرة جديدة لانطلاق جديد نحو الأفضل فليعط الرب نيافته الصحة التامة والعافية، ويلهم الرعية لتكرم نيافته دائماً وأبداً وتعرف جهاده وأتعابه ويؤهله وإياكم لتحتفلوا بيوبيله الذهبي الأسقفي والماسي الكهنوتي ونعمة الرب تشملكم، آمين.
من عظات عام 1984
من عظات عام 1984
كنيسة مار جرجس في حلب·
إن البهجة تغمر قلبنا الأبوي في هذه اللحظات ونحن نحتفل بالقداس الإلهي في هذه الكنيسة المباركة، ونقوم بتقديس مذبحين جديدين. الواحد باسم مار يعقوب الرهاوي والآخر باسم مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم الذي يرعاكم رعاية صالحة ويسعى بنكران ذاته من أجل خير وتقدم وازدهار الأبرشية عمرانياً واجتماعياً وروحياً، حفظه الله لهذه الأبرشية الزاهرة وجعله مثالاً صالحاً. وفي هذه المناسبة الخالدة ونحن نحتفل بعيد شفيع هذه الكنيسة مار جرجس. نقدم أصدق التهاني لصاحب النيافة المطران جرجس الذي خدم هذه الأبرشية قرابة ثلاثين عاماً تاركاً ذكراً صالحاً في خدمة المؤمنين.
كما أننا نقدم أخلص التهاني لصاحب النيافة مار ملاطيوس برنابا حيث إن اسمه الحقيقي كان جرجس قبل رسامته راهباً. كما أننا نسدي أسمى التهاني لصاحب النيافة مار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان. حفظهم الرب وعضدهم لما فيه خير الكنيسة وتقدمها.
أيها الأعزاء:
إن لساني لعاجز عن التعبير عما يكنه قلبي تجاه هذا الشعب المبارك، وإن ما وصفكم به صاحب النيافة مار غريغوريوس يوحنا كان حقاً في مكانه. فأنتم أحفاد الملوك والرؤساء وأبناء الأباجرة العظام. فهذا الصرح الشامخ الذي شيده آباؤكم الرهاويون برهان على أنكم أحفاد أولئك العظام. إن السريان شعب نبيل وأصيل ومحب لله والقريب. شعب يهتم بتربية أولاده التربية المسيحية الصالحة. وعندما هاجر آباؤكم وتركوا الرها الحبيبة، لم يأخذوا من متاع الدنيا معهم شيئاً. وإنما حملوا معهم الإيمان القويم، والفكر النيِّر، والسيرة الصالحة. جاؤوا هذه المدينة الطيبة وهم لا يملكون شروى نقير، غير ثقتهم بربهم وثقتهم بأنفسهم وأول ما فكروا به هو بناء الكنيسة ومن ثم المدرسة. لأن الكنيسة هي الأم الرؤوم التي تجمع أبناءها والمدرسة هي المشعل الوضاء لكل أمة ترغب في الحياة النيِّرة البعيدة عن الجهل والظلام. وبعد مرور خمسين عاماً على بناء هذا الصرح الشامخ جئتم أنتم الأبناء البررة فنسجتم على منوال الآباء الصالحين، فرممتم ما بناه الآباء بجدهم وجهدهم هذه اللؤلؤة الثمينة، هذه الكنيسة الرائعة بفضل توجيهات راعيكم الجليل مار غريغوريوس يوحنا وتعاون كاهنكم الفاضل والمجلس الملي واللجان العاملة. وإنكم اليوم مفخرة السريان في كل مكان.
يا أبناء الرها الأعزاء:
عندما نتأمل في تاريخنا الأصيل، ونقرأ عن عروس ما بين النهرين الرها الحبيبة، تسيل دموعنا سخية على أمجادها العظيمة. ونحن نفتخر بعظمائها وعلمائها وقادة الفكر فيها. نحاول أن نقتدي بهم. الرها التي آمنت بالرب يسوع رباً وإلهاً. الرها التي انطلقت منها البعثات التبشيرية، ونشرت البشارة المسيحية في كل مكان. وكان أول ملك آمن بالمسيح هو أبجر الملك. الرها التي أرسلت جالية إلى الهند وبشرتها بالمسيح يسوع رباً ومخلصاً. ولم يكونوا كهنة وشمامسة وحسب إنما علمانيين أيضاً وحملت مشعل الإنجيل ولغة السيد المسيح إلى كل مكان في العالم ونقلت رفات مار توما الرسول من الهند إلى الرها. أجل أيها الأحباء عندما نقرأ تاريخ آبائنا الرهاويين السريان نجده تاريخاً حافلاً بالإيمان بيسوع المسيح ومحبة اللغة السريانية، والطقوس والألحان الكنسية الشجية. ونرى أيضاً من الواجب عليكم أنتم أحفاد أولئك العظام أن تحثوا أولادكم على محبة الكنيسة واللغة السريانية الحبيبة ودفعهم للانخراط في السلك الكهنوتي المقدس. وقد ذكر مار ميخائيل الكبير أن تسعين ألف راهب كانوا يعيشون في جبل الرها المقدس. فتأملوا! عليكم أن تنسجوا على منوال الآباء والأجداد، لكي نضيف إلى مجدنا التليد، مجداً جديداً ونحن فخورون بآبائكم وقد جاؤوا مشبعين بروح الإيمان، ومهتمين بالكنيسة والمدرسة، وتفاعلوا مع مجتمعهم الجديد في سورية الحبيبة وكانوا صالحين، وقدوة حسنة للمواطنة الصادقة. وأنتم اليوم الأبناء والأحفاد عليكم الاقتداء بسيرة الآباء والجدود في الإخلاص لله وللوطن وللكنيسة وأن تكونوا قدوة صالحة في مجتمعكم. وإن إقدامكم على ترميم هذه الكنيسة المباركة كلياً ما هو إلا صورة صادقة عن بذور الإيمان الطيبة التي تحملونها في قلوبكم. وإن دل على شيء فإنما يدل على تعاونكم مع مطرانكم الجليل وكاهنكم الفاضل ومجلسكم الموقر ومؤسساتكم العاملة حتى جاءت جهودكم مثمرة معطاءة وإننا صلينا من أجلكم لكي يرعاكم الرب بيمينه القوية، كما ذكرناكم في القداس الإلهي لكي يمتعكم بالصحة والسعادة والتوفيق كما ذكرنا على مذبح الرب الآباء الكهنة المرحومين يوسف وحبيب وأدى الذين خدموا هذه الكنيسة ردحاً طويلاً من الزمن كما ذكرنا الشمامسة المرحومين ليرحمهم الرب، والأحياء لكي يحفظهم الرب بالصحة حتى يخدموا بيت الله بإخلاص وتفان.
أسأل الله أن يجعل زيارتنا الرسولية سبب نعمة وبركة لكم، وأن يحفظ أولادكم ويجعلهم مواطنين صالحين. ونعمة الرب تشملكم أبداً آمين.
زيارة مدرسة بني تغلب الثانية·
أصحاب النيافة، أيها الحفل الكريم:
إن أعذب الأوقات التي نقضيها في هذه الأبرشية العزيزة، هي الأوقات التي تجمعنا فيها المدرسة. فالمدرسة هي مصنع الرجال، وعندما أقول الرجال أقصد النساء أيضاً. المدرسة التي تهيئ لنا العامل الكادح الذي بعرق جبينه ينمو الوطن ويزدهر، المدرسة التي تعطينا الجندي الباسل الذي يحرس حدود الوطن ويدافع ويذود عن حياضه. المدرسة التي تقدم لنا المعلم وهو الشمعة التي تضيء لإنارة الآخرين، وينكر ذاته ويخدم أولاد غيره.
المدرسة تعطي لنا القائد والمفكر والسياسي والموظف. المدرسة تقدم لنا خدّام المسيح والكنيسة بمختلف رتبهم الكهنوتية. والمدرسة هي عنوان تقدم الأمة وازدهارها. والعلم ممزوج بدم السريان الرهاويين منذ فجر المسيحية، وهو ممزوج في دمكم. لذلك لا نعجب والرها أم العلم والمعرفة التي احتضنت أفرام السرياني شمس السريان وكنارة الروح القدس في مدرستها الرها التي أنارت العالم بنور العلم والمعرفة. وعندما غادرها أجدادكم وآباؤكم وجاؤوا إلى حلب الشهباء أول ما أسسوا كانت المدرسة والكنيسة، لم يهتموا بالمأكل والمشرب والملبس قدر اهتمامهم بتثقيف أولادهم لينشأوا نشأة صالحة في خدمة الكنيسة والوطن العزيز سورية العربية. وقد ساروا على منوال السلف الصالح في محبة العلم والكنيسة. إيماناً منهم أن من يتعلم يقضي على الجهل فيخدم كنيسته وأمته ووطنه ولا عجب أن نسمع اليوم منكم هذه الأناشيد الشجية، وهذه الكلمات باللغة العربية، لغة الضاد العزيزة، والسريانية لغة السيد المسيح المقدسة.
ولا عجب أن نسمع هذه الأناشيد وهذه الكلمات النابعة من قلوب نقية طاهرة يرعاها نيافة أخينا المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم، الذي يحب العلم والعلماء، لأنه عالم فاضل، ولأنه نشأ في المدرسة السريانية كما أنتم الآن، ولأنه استقى من ينابيع ربنا يسوع ويسقيكم ويرويكم ماء الحياة وهو يولي المدرسة عناية فائقة، ويكفي ما وصف به الهيئة الإدارية والتعليمية من تفان ونكران ذات في سبيل تعليمكم وإرشادكم في دروب العلم والعرفان. ثم وجه قداسته الكلام إلى القائمين على إدارة المدرسة والمعلمين والمعلمات فقال:
ألف شكر لكم، والرب يكافئكم على أتعابكم وجهادكم في تنشئة وتعليم هؤلاء الغرسات اليانعات، وهم أمانة في أعناقكم فربوهم على محبة الله، ومحبة الوطن. ولا يمكن أن يكونوا مؤمنين صالحين إن لم يكونوا وطنيين صادقين. أقول من كل قلبي، أن يعي أبنائي الطلبة المسؤولية الملقاة على عاتقكم في رسالة التعليم والتربية. أطيعوا معلميكم وإدارتكم، فهم الذين يسهرون على سلامتكم سهر من سيحاسب. وكونوا أبناء بررة للكنيسة والوطن لكي تفرح قلوبنا بكم دائماً وأبداً. ضارعاً إلى الله أن ينور أذهانكم، وأن يحقق الأماني التي من أجلها سرتم في دروب العلم والمعرفة والرب يحفظكم.
القداس الإلهي بالقرب من بحيرة الأسد·
يطيب لي أيها الأحباء باسمي وباسم أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء مار ديونيسيوس جرجس القس بهنام ومار ملاطيوس برنابا مطران حمص وحماه ومار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان والوفد المرافق أن أحيي في فاتحة كلامي الرئيس المبجل الفريق حافظ الأسد رئيس الجمهورية وأبا السوريين كافة.
وقد ذكرناه في هذا القداس أمام الرب ليعضده ويساعده وينصره ليبقى نوراً لقطرنا العربي السوري يهتدي به الشعب المبارك، وأشكر من صميم قلبي المسؤولين في محافظة الرقة وفي مقدمتهم سيادة محافظ الرقة، وأشكركم جميعاً أيها الأحباء يا من جئتم من كل فج عميق من أبرشيتي حلب والجزيرة تشاركوننا الصلاة لله بمناسبة عيد العمال وعيد الشهداء.
ونحن إذ نحتفل هنا من على هذه المنصة في سد الفرات المبارك في هذه المنطقة لابد من أن نشكر المدير العام لسد الفرات والعاملين فيه لأن كلاً منهم تعب معنا في هذا الاستقبال الحافل ولإقامة شعائرنا الدينية في هذا المكان. كما عملوا لإنجاح هذه الزيارة الرسولية، لهم شكرنا وامتناننا ولهم المكافأة من ربنا.
احتفل القطر العربي السوري في الأول من أيار بعيد الطبقة العاملة بعيد العامل الذي لوَّحت الشمس المحرقة وجنتيه، وشدد العمل الدؤوب ساعديه، وعطر تراب الأرض جبهته العالية وهو يسعى للحصول على إنجازات جبارة في هذا القطر المبارك ليهيِّئ للشعب الغذاء والكساء والدواء.
لهذا العامل مكانته المرموقة في شعبنا ولدى رئيس البلاد المفدى والحكومة الرشيدة، لأنه هو الذي يصنع العجائب وهو الذي ينمي المشاريع الجبارة. نرى في عمل العامل المؤمن عمل الرب «إن أبي ما يزال يعمل وأنا أعمل» فالأب السماوي يعمل وهو روح محض وهو خالص الكون من العدم، والكتاب المقدس يصور لنا بأنه يعمل بيديه في خلقه الكون في ستة أيام وقد خلص الإنسان وغرس جنة عدن ووضع فيها الإنسان ليحرسها ويزرعها ويعتني بها أي ليعمل بها، ومن ناموسه بموجبه يعمل الإنسان ويستريح في اليوم السابع، ليجعل راحة للإنسان وهي القاعدة التي يسير عليها الكون اليوم بتخصيص يوم واحد في الأسبوع ليستريح فيه العامل الكادح.
وكان الرب يسوع عاملاً كادحاً، وهو مثال للعمال، عمل كنجار في حانوت يوسف خطيب العذراء مريم، وعمل بأمانة وجد ونشاط وهو مثال طيب لكل عامل أمين، وعندما بلغ الثلاثين وبدأ تدابيره الإلهية كان يعمل المعجزات، يهتم بالناس متحملاً المشقات مدافعاً عن حقوق الإنسان.
الرب عمل ويعمل وأنه يكافئ العاملين «من عمل وعلَّم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السموات» (مت 19:5) لا يرغب الله تعالى في العامل الكسلان، لأن الكسلان يطرح إلى الظلمة الخارجية وهناك يكون البكاء وصرير الأسنان.
فإلى العمال الأحباء في هذه المحافظة وفي القطر العربي السوري نزجي التهاني القلبية بعيدهم الميمون.
وإذا كانت الحكومة الرشيدة بقيادة الرئيس الفريق حافظ الأسد قد ضمنت للعامل حقوقه، وأصبح يميز عن غيره بامتيازات شتى ضمن النقابات والمنظمات العمالية، فعليه أن يسعى مجتهداً في عمله وأن يهتم بالآلة التي يعمل بها، اهتمامه بنفسه، أن يكون مخلصاً في زيادة الإنتاج وعلى رب العمل أن يهتم بالعمل والعمال على السواء. «لأن كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم».
والعامل الكادح لولا هذه النظم التي جعلته متمتعاً بكل حقوقه لاعتبرناه شهيداً، ولكنه في ظل الحكومة الرشيدة يتمتع عاملنا بكل الامتيازات والحقوق، والكل يتمنون له الصحة والنجاح في عيده.
ونعيِّد في السادس من أيار عيد الشهداء الذي له مكانته في تاريخ سورية، فهو يوم البذل والتضحية ونكران الذات. والاستشهاد حب عميق يمتاز بالتضحية والبذل والعطاء. يقول الكتاب «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية».
«ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه» هذا الحب العظيم هو الذي يدفع الإنسان ليبذل نفسه عن أحبائه، الحب للوطن ضروري لكل مؤمن، ولا يمكنه أن يكون مؤمناً ما لم يحب وطنه كحبه الله.
الحب للوطن هو الوازع الأول الذي دفع أحباءنا الأبطال إلى الاستشهاد في سبيل وطننا. فعيد الشهداء هو عيد المحبة، عيد أبطالنا الذين يذودون عن حياض الوطن. ويضحون في الغالي والنفيس في سبيل راحة شعبنا.
الجندي الذي يمسك بيده علم البلاد الكريم رافعاً إياه، معتزاً به يضرج العلم العزيز بدمه النقي، ويحافظ عليه، وإذا ما تجند هذا الجندي في ساحة الوغى، والعلم بيده، يلف جثمانه بهذا العلم، ويوضع معززاً مكرماً في سبيل الحفاظ على وطنه وأرضه ورئيسه وعلمه، ألا يحق لهذا الجندي أن نحتفل بعيد استشهاده.
فعلينا أن نحب وطننا ونعتز به وأن نضحي في سبيله.
تأملوا نصيبين في القرن الرابع وتأملوا قدّيسيها مار يعقوب ومار أفرام السرياني يقفان مع جنود البلاد على سور المدينة ويشجعان الجيش للدفاع حتى الموت عن مدينته.
هذه تعاليمنا السماوية: أن يدافع المؤمن عن وطنه وبلده حتى الموت.
لم يمت الشهيد فإن روحه خالدة وذكره خالد، وبلاده تحتفل بذكراه، في ذكرى الشهداء علينا أن نتمثل بهم، بحب الأوطان حتى الدم. في ذكراهم ذكرناهم على المذبح، سائلين الرب أن يرحمهم الرحمة الواسعة، ويؤهلهم للسماء مع من ظفر وانتصر، وأن من استشهد سينال إكليل المجد مع الخالدين.
أيها الأحباء:
إنني فخور جداً أن أحتفل بالقداس في هذا المكان، وفخور أن أجتمع مع الرجال الرسميين الأعزاء الأكارم وأبنائي وبناتي القادمين من حلب والجزيرة، وأبلغ بوساطتكم بركتي الرسولية للأبرشيتين.
واجتماعنا ههنا يعود الفضل فيه أولاً وآخراً إلى أخينا الحبيب والحبر النبيل مطران حلب وتوابعها، التي تعد محافظة الرقة ضمن أبرشيته العامرة. فشكراً لنيافته.
وباسم الأحبار والوفد المرافق نشكركم جميعاً لإنجاح هذه الزيارة الرسولية، ونشكر أتعابكم وتجشمكم عناء السفر، ونشيد بهمتكم العالية في المشاركة في هذه الاحتفالات الكبرى.
والنعمة معكم.
من عظات عام 1987
من عظات عام 1987
الخدام في مراكز التربية الدينية·
«لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك لأنك إذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً».
(1تي 11:4)
أودع الرسول بولس هذه الوصية السامية تلميذه تيمثاوس، ليتخذها نهجاً لحياته الروحية، وقانوناً يقيس عليه أفكاره، وأقواله، وأعماله، في جهاده المرير للحصول على خلاص نفسه والآخرين.
الخدَّام مدعوون من الله:
إن هذه الوصية الرسولية ذاتها، تقدم أيضاً إلى كل خادم لكلمة الله، فهي موجهة إليكم أيها الأحباء، مع الفارق الوظيفي، ذلك أن تيمثاوس كان أسقفاً نال موهبة الكهنوت الشريف، فمسؤوليته في خلاص النفوس كبرى، ولهذا فالرسول بولس يوصيه أيضاً قائلاً: «لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي الكهنة عليك» (1 تي 14:4). أما أنتم فلئن لم تنالوا موهبة الكهنوت المقدس، ولكنكم تشاركوننا الكهنوت العام، في السعي لخلاص الإنسان. وباختياركم، لما دعاكم الرب، على لسان الأسقف أو من أوكل الأسقف إليه هذه المهمة من الكهنة أو العلمانيين، أجل، لما دعاكم الرب لبَّيتم الدعوة بملء إرادتكم، فأخذتم مسؤولية روحية واجتماعية، في خدمة كلمة الله الحية، لتوصلوها إلى كل الذين أوكلتم تعليمهم وتهذيبهم في مراكز التربية الدينية في كنائسنا السريانية التي تخدمونها خدمة تطوعية مجانية مشكورة ومبرورة. فمسؤوليتكم الروحية والاجتماعية ولئن كانت لا تضاهي مسؤولية الأسقف أو الكاهن، ولكنها تشابهها كثيراً، وقد قال الرسول بولس عن الرب يسوع، إنه «إذ صعد إلى العلاء أعطى الناس عطايا… وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض رعاة ومعلمين» (أف 8:4 و11) فأنتم كخدام للتربية الدينية، أعطيت لكم موهبة التعليم والتهذيب، فطوبى لكم إذا أنجزتموها كما يتطلبه ناموس إلهنا.
تلبية تلاميذ المسيح دعوته إياهم:
اختار الرب تلاميذه الأطهار، ودعاهم فلبوا الدعوة، وتركوا كل شيء وتبعوه، فاستمعوا إلى أقواله وأمثاله وكان بين الفينة والفينة يأخذهم على انفراد، ويشرح لهم أمثاله وتعاليمه، كما شاهدوا معجزاته الباهرة، وهكذا تخرجوا في مدرسته الإلهية إذ عرفوه معرفة حقيقية عميقة، وقد وهب لهم أن يعرفوا سر ملكوت الله (مر 11:4) فاعترفوا به بفم بطرس زعيمهم بأنه المسيح ابن الله الحي، فأوضح لهم أن ذلك لم يعلنه لبطرس لحم ودم بل الآب السماوي (مت 17:16 و18) وعرفوا بأنه جاء من السماء لخلاص البشر، ورأوه متألماً وبعد أن صلب، ومات، ودفن في القبر الجديد، قام في اليوم الثالث من الأموات، فرأوه بعد قيامته وأكلوا وشربوا معه. وشاهدوه صاعداً إلى السماء، فصاروا له شهوداً، وختموا شهادتهم الصادقة بدمهم الكريم وهكذا نالوا الخلاص كما خلصوا الآخرين.
دعوة السيد المسيح للخدام وتلبيتهم الدعوة:
أجل إن السيد المسيح حي و«المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد» (عب 8:13) وقد وعد أن يكون معنا إلى انقضاء الدهر. وقال: «وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (مت 20:18).
وكما تتلمذ عليه الرسل، يوم كان في الجسد يتمم تدابيره الإلهية على أرضنا، لأجل فداء البشر، هكذا علينا أن نتتلمذ عليه اليوم، نحن الذين أنعم علينا، ودعانا، لنكون كهنة، وشعباً أعضاء في كنيسته المقدسة، التي هي جسده السري، وهو رأسها. فلبينا دعوته، وقبلنا شروط التلمذة، حاملين صليبه كل يوم، مقتفين أثره، في طريق الجلجلة. فلنواظب على السير وراءه كما فعل الرسل لنتخرج في مدرسته الإلهية.
المواظبة على دراسة الإنجيل المقدس:
إنكم أيها الأبناء الروحيون الأحباء، خدام مراكز التربية الدينية من الجنسين، قد قبلتم باختياركم وملء إرادتكم أن تخدموا المسيح يسوع ربنا، فعليكم أن تتعرفوا عليه لتعرفوه معرفة حقيقية عميقة، وصميمية، لتزدادوا حباً له، وتعلقاً به، وتقتدوا بتواضعه ووداعته، فتجدوا راحة لنفوسكم. كل ذلك بالمواظبة على قراءة الإنجيل المقدس الذي ينطوي على أقواله، ووصاياه، وأعماله الباهرة. فقد قيل في سفر المزامير عن الإنسان الصالح: «طوبى لمن لم يسلك وفق مشورة الآثمين، ولم يتوقف في سبُل الخاطئين، ولم يجلس في مجلس الساخرين، لكن بشريعة الرب سروره، وبشريعته يتفكر ليله ونهاره» (مز 1:1 و2) ولذلك فالرسول بولس يوصي أيضاً تلميذه تيمثاوس قائلاً: «اعكف على القراءة» (1 تي 13:4) علماً بأن تيمثاوس، بشهادة بولس، كان منذ نعومة أظفاره يعرف الكتب. ولكن هذه المعرفة مهما كانت واسعة لا تكفي حاجة تلميذ المسيح الروحية، فعليه أن يواصل قراءة الإنجيل المقدس يومياً، لينال منه قوته الروحي اليومي، فينمو في معرفة المسيح، ويغوص في خضم الكتاب المقدس العظيم ليكتشف كل يوم لآلئ غالية الثمن من التعاليم الإلهية، بالتأهل في سيرة الرب بالجسد، وكأني به يعاشر الرب، ويتبعه كما فعل الرسل الأطهار والتلاميذ الأبرار. بهذا فقط يشعر من يتتلمذ على الرب، أن الروح القدس يرشده إلى الحق ويعزيه في الضيق ويملأه حكمة، ويذكره بكل ما قاله الرب يسوع لرسله الأطهار بل يساعده أيضاً ليستنير بنور المسيح، شمس البر، وينير الآخرين، وبذلك يخلص ويخلص الآخرين.
الاقتداء بالمسيح:
باتباع المسيح يسوع، والتأمل الدائم بسيرته الإلهية، يمكن تلميذ المسيح أن يتخذه مثالاً له في السيرة الصالحة، فالمسيح وحده معصوم عن الخطأ، ولم يعرف خطية، ولم يوجد في فمه غش. وهو القائل لأعدائه: «من منكم يبكِّتني على خطية» (يو 46:8). وقد أقام من نفسه مثالاً لنا يحتذى لنكون قديسين، بقوله لأبيه السماوي «كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم ولأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق» (يو 18:17 و19). فعليكم كتلاميذ المسيح أن تتمثلوا به وقد قال «يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه والعبد كسيده» (مت 24:10) فتقدسوا أنفسكم لأجل تلاميذكم لتخلصوا، ويخلصوا معكم. وأن تقيموا من أنفسكم مثالاً لهم، بالسيرة الطاهرة، والسريرة النقية، والتمسك بالإيمان والعقيدة السمحة، وتعاليم الآباء القديسين وتقاليد الكنيسة الشريفة، وطقوسها الجميلة ولغتها السريانية المقدسة. والرسول بولس يوصي تلميذه تيمثاوس، ويوصيكم جميعاً قائلاً لكل منكم: «لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة» (1 تي 12:4) ويقول أيضاً «لاحظ نفسك» أي كن حذراً، لئلا تولد الشكوك بكلامك، وأعمالك فتهلك وتصير سبباً لهلاك الآخرين.
إن الطريق المؤدية إلى الملكوت صعبة:
ضعوا نصب أعينكم قول الرسول بولس القائل: «وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في يسوع المسيح يضطهدون» (2 تي 12:3) فليست طريقكم مفروشة بالورود، فالرب لم يعد تلاميذه بسعادة على الأرض. بل بالعكس فقد أوضح لهم أن عليهم أن يدخلوا من الباب الضيق ويسلكوا الطريق الصعبة لكي يبلغوا إلى السعادة الأبدية. ستصادفكم مشقات كثيرة، أو عقبات كأداء، وضيقات من الداخل والخارج، فالذي يصبر إلى المنتهى هذا يخلص. لأن الرب معكم وهو يذلل العقبات بل يحولها إلى مرقاة، تصعدون على درجاتها إلى قمة العطاء، والبذل، والتضحية، فتتقلبون من مجد روحي إلى مجد روحي أفضل، وبتلك المرقاة تربطون الأرض بالسماء.
روح الخدمة الحقيقية:
إن اهتمام الخادم بخلاص نفسه، وخلاص الآخرين يقتضي فهمه رسالة السيد المسيح الخلاصية، فهماً عميقاً، فالمسيح هو الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف وقد قال عن نفسه: «لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك» (مت 11:18) «لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة» (مت 13:9) فيتوجب على خدام التربية الدينية أن يحبوا الله، ويحبوا القريب، بنكران الذات، والتضحية لكي يتمكنوا من اتمام رسالة المسيح الفدائية. وأن يبتعدوا عن الروح الفريسية، روح المراءة، روح الكبرياء، واحتقار الإنسان الضعيف والفقير والمعوز، وترك الساقط بين اللصوص وهو يتخبط بدمه، دون أن نمد إليه يد العون فالمسيح قد أحب الإنسان، وسعى لخلاصه فغفر للخاطئة، ولزكا العشار ولأحد اللصين اللذين صلبا معه. لأنهم ندموا على خطاياهم واتكلوا عليه وآمنوا به واعترفوا بخطاياهم وابتعدوا عن خطية البر الذاتي، والتجديف على الروح القدس، أي اليأس والقنوط. إنكم ستصادفون في خدمتكم أناساً يظهرون لكم وكأنهم بعيدون عن الله، فلا تحتقروهم، ولا تهملوهم، بل رحبوا بهم، ولاطفوهم، لأن المسيح قد جاء لأجلهم، جاء لا ليدعوا أبراراً في أعين أنفسهم، بل خطاة إلى التوبة. وهو يرفض من يدّعي بالبر الذاتي، ومن له صورة التقوى، ولكنه لا يعرف قوتها، ويرحب بكل خاطئ يتوب، كما رحب الأب بابنه الضال الذي عاد إلى بيت أبيه نادماً تائباً.
واجب الخدام التربوي الروحي:
لاحظوا أنفسكم، فأنتم وكلاء المسيح لإعطاء إخوته الصغار طعامهم الروحي في حينه. فعليكم أن تنموا الشعور الديني في قلوبكم وقلوبهم، وتؤججوا نار الإيمان في تلك القلوب، وتقدموا لهم المسيح يسوع مخلصاً وفادياً، ورفيقاً في الطريق. يقول الرسول بولس «لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً» (1 كو 2:2) والرب قال عن نفسه: «وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 14:3) فلا تحجبوا المسيح المصلوب، عن نظر الآخرين لئلا تلدغهم حيات الخطايا المحرقة فلا يتمكنون من رؤية المسيح المصلوب فيهلكون. لاحظوا أنفسكم، حذار لئلا تكونوا قد تورطتم بالأنانية والكبرياء ومحبة الذات وبذلك تعثرون الآخرين وتحجبون عن نظرهم الحية النحاسية التي أقامها موسى في البرية رمزاً للمسيح يسوع الذي إذا تطلع إليها من لدغته الحيات المحرقة نال الشفاء حالاً. فإذا حجبتم المسيح عن الآخرين هلكتم، وهلك معكم الآخرون.
الكنيسة جسد المسيح السري:
إن المسيح في وسط الكنيسة، وهو المصلوب لأجلنا ولأجل خلاصنا، وهو رأس الكنيسة التي هي جسده ونحن جميعاً أعضاء جسده، والكنيسة التي أسسها تجاهد على الأرض بالحفاظ على الإيمان الحق، والسيرة الفاضلة، وتسعى لبلوغ ملكوته السماوي. وتاريخها في خدمة الإنسان، مشرّف ومجيد، وشهداؤها لا يحصى لهم عدد، فاعرفوا تاريخ كنيستكم، وافتخروا بها. ولا تكونوا هدامين مغرورين، كالذين يظنون أن كل ما جاء من الماضي السحيق، والقريب، لا يصلح لنا اليوم. فيحاولون هدمه للتخلص منه ولكنهم في الوقت ذاته لا يتمكنون من استبدال ما هدموه بما يعوّض عنه لما فيه خلاص الإنسان، فتمسكوا بعقيدتكم الدينية المسيحية وبتراثكم السرياني الثمين، وبلغتكم السريانية المقدسة التي تكلم بها الرب يسوع وأمه الطاهرة، ورسله القديسون.
لاحظوا التعليم:
الرسول بولس يحذر تيمثاوس من المعلمين الكذبة الذين ظهروا في فجر المسيحية. وأرادوا أن يعودوا بالكنيسة إلى الوراء لتتهود. فيقول له: «ولكن الروح يقول صريحاً أنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين. في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم… إن فكرت الإخوة بهذا تكون خادماً صالحاً ليسوع المسيح متربياً بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذي تتبعه» (1 تي 1:4 و2 و6) إنكم بوعظكم الآخرين تعظون أنفسكم. فادرسوا عقيدة كنيستكم السمحة دراسة وافية، وتعمقوا في معرفتها «بل قدموا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف» (1 بط 3:أ1) فتبنون أنفسكم والآخرين.
أجركم عظيم:
قال الرب يسوع «وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السموات» (مت 19:5) إنكم تعملون في حقل الرب باختياركم متبرعين. فمهما بذلتم من جهد، وتعب، وتحملتم من مشقات، فأجركم عظيم في السماوات، إذا عملتم وعلَّمتم، أي إذا علمتم وترجمتم ما علمتوه الآخرين، بالعمل الصالح، وبالسيرة النقية، وصفاء النية، فتفوزون بالسمعة الجيدة، والاسم الطيب، وتنالون نعمة في أعين رؤسائكم الروحيين وزملائكم، وتلاميذكم.
علاقة الخدام بالمسؤولين في الكنيسة:
إنكم دعيتم لتكونوا خداماً ومعلمين. وما أسمى هاتين الصفتين! فالرب يسوع قد قال: «من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً… كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدم» (مت 26:20 ـ 28) وقد دُعي، له المجد، معلماً.
وعليكم كخدام ومعلمين في الكنيسة، أن تمتثلوا لأوامر مطران الأبرشية لأنه يمثل السيد المسيح في أبرشيته. وهو المخطط، والمدبر، والمرشد، والموجه. كما عليكم أن تحترموا الكهنة، وكل من له مسؤولية روحية، وإدارية، واجتماعية في الأبرشية، وإذا لمستم أنهم يتجاهلونكم، فلا تتثبط عزيمتكم بل صلوا لأجلهم، وبالصبر، والانتظار، عرّفوهم أن وجودكم في الأبرشية ضروري جداً لنمو أبنائها وبناتها بالقامة والنعمة أمام الله والناس.
الخاتمة:
ولابد من أن نذكركم كيف تمكن المسيحيون الأولون من ربح أعدائهم للمسيح، بسيرتهم الفاضلة «فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات» (مت 16:5) فلاحظوا أنفسكم والتعليم لأنكم إذا فعلتم هذا تخلصون أنفسكم والآخرين.
من عظات عام 1988
من عظات عام 1988
تقديس كنيسة مار قرياقس بالقامشلي·
نحن نقدس الكنائس والأديرة، والمشاريع الخيرية والاجتماعية لنبرهن على أننا شعب تأصلت فيه روح التدين الصحيح. فالسريان أينما وُجدوا قبل أن يبنوا لهم بيوتاً يشيدون لهم كنيسة.
إننا شعب يحب أرضه ويتعلق بوطنه الحبيب. ويهمّه كثيراً أن يمد جذوره في هذه الأرض أرض أجداده. كما أن هذه الظاهرة تبرهن على أننا نمارس شعائرنا الدينية بحرية تامة ولنا حقوقنا كمواطنين في سورية، كما أن علينا واجبات كمواطنين صالحين.
هذه الكنيسة وكل الكنائس إن عنينا بكلمة كنيسة المبنى أو عنينا بها مؤمنين بيسوع المسيح. نحن نرى أن الكنيسة لها شعار هو الصليب المقدس. ولها دستور هو الإنجيل المقدس، ولها أسرار كنسية في مقدمتها سر الكهنوت لرعاية شعب الله والاهتمام بقطيع يسوع المسيح. والكنيسة هي كنيسة المسيح، المسيح رأسها، والمسيح هو حجر الزاوية فيها، وقائدها وقد أرسل الروح القدس ليرشدها، ويذكرها بكل ما قاله المسيح لها والمسيح ثابت فيها.
وعندما نطلق اسم السيدة العذراء أو اسم أحد القديسين على الكنيسة فإنما نفعل ذلك لنتمثل بهم، والقديس بولس الرسول يقول: « انظروا إلى نهاية سيرتهم» ولنتشفع بهم أيضاً.
وقد أطلق اسم الشهيد مار قرياقس على هذه الكنيسة ونعم ما فعل نيافة المطران مار أوسطاثيوس قرياقس. فالسيدة العذراء ومار يعقوب ومار أفرام هؤلاء القديسون الذين أطلقت أسماؤهم على كنائسنا الأخرى في القامشلي، عندما نذكرهم نشعر بأنهم كاملون بالسن، والسيرة متمسكون بالإيمان معلمون الشعب طريق السماء.
ولكن عندما أطلق نيافة المطران قرياقس اسم الطفل الصغير مار قرياقس على هذه الكنيسة يريد نيافته أن يعلمكم الثبات على الإيمان حتى الدم. فقد استشهد مار قرياقس مع آلافٍ مثله في سبيل الإيمان بيسوع المسيح.
نيافة المطران قرياقس يريد أن يقول لكم: عليكم أن تعلموا أولادكم الإيمان القويم عليكم أن تنشئوهم على جداول الفضائل المسيحية ومن ذلك الشجاعة في الشهادة هذا هو الدرس الخالد لأهل القامشلي، للسريان، لكل من يؤمن بيسوع المسيح. إن الأطفال أيضاً بقوة إلهية سبحوا الرب بأصوات «أوشعنا» فتمت النبوة القائلة: «من أفواه الأطفال والرضع هيأت سبحاً» فالقديس قرياقس استشهد وهو ابن ثلاثة أعوام مع أمه يوليطي أي جوليت سنة 303.
هذه الكنيسة بهمة نيافته وبهمة المؤمنين السريان الذين اشتهروا بسخائهم وكرمهم وتضحياتهم في سبيل الكنيسة التي قامت وتقوم على أكتافهم فالله يقيض بين الحين والآخر من ينفح كنيسته بهبات سنية لينال هو أيضاً أجراً عظيماً.
لابد من أن نذكر في هذه اللحظات المؤمن السيد جاك كره بيت سركيس الذي اختار أن يكنز له كنوزاً في السماء فتبرع بنفقة تشييد هذه الكنيسة وبذلك بنى بيتاً لله والله الذي وعد أن يهيئ لنا منازل في السماء لابد من أن يهيئ له أيضاً منزلاً بعد عمر طويل لأنه هيأ للرب منزلاً على الأرض.
تقليد نيافة المطران مار أوسطاثيوس قرياقس وسام «الصليب الأكبر» لمار أغناطيوس النوراني، ثم تابع قداسته كلامه أثناء القداس الإلهي قائلاً:
أيها الأحباء:
يطيب لي جداً أن أعلن لكم أني أنتهز زيارتي هذه لأكرم صاحب النيافة الحبر الجليل مار أوسطاثيوس قرياقس مطران الجزيرة والفرات حكيم السريان وعميد مطارنة الكرسي الأنطاكي بمناسبة يوبيله الأسقفي الذهبي أي مضي خمسين عاماً على رسامته مطراناً. خمسون عاماً قضاها في خدمة الله، في رعاية شعب الله، والرعاية هي الصفة التي ينالها الأسقف من الرب يسوع فقد سمَّى رسله صيادي الناس ولكن عندما نالوا كمال موهبة الكهنوت قال لبطرس «ارع خرافي» فكمال الكهنوت هو الرعاية.. «ارع» كلمة صغيرة ولكنها تعني مسؤولية كبيرة. فإن الراعي يتحمل شدة الحر في الصيف وقساوة البرد في الشتاء. هذه هي الرعاية ليلاً ونهاراً في خدمة الشعب المبارك وحراسته من الذئب الخاطف… العناية به… ومداواة الجريح والمريض منه.
يمرر الراعي عصا الرعاية على الأغنام ليتعرف فيما إذا كانت مصابة بأذى فيداوي، ويضمد، ويعتني ويحمل على منكبيه الضال الذي تاه مشرداً ليأتي به إلى الحظيرة. الرعاية، حراسة ومداواة وصيانة. والراعي أيضاً يغذي خرافه إذ يأخذها إلى المروج المخضوضرة وإلى مياه الإنجيل العذبة لكي لا تعطش أبداً، هذا هو نيافة المطران قرياقس… ليلاً ونهاراً خدم رعيته منذ نصف قرن شيَّد البيع أقام المدارس. شيَّد ديراً أيضاً أسس الجمعيات، والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والخيرية. رعى السريان رعاية صالحة في هذه الأبرشية وليس هذا فقط فقد أقيم قائمقاماً بطريركياً لمرتين. انتخب بطريركاً سنة 1957 ففضل خدمتكم في الجزيرة على البطريركية. السريان يحبون بطريركهم وأسقفهم وكهنتهم ولكن حبهم قاتل. فمن كان مطراناً على أبرشية واسعة جديدة نمت معه، كما نمت أبرشية الجزيرة والفرات مع نيافة المطران قرياقس من كان كذلك فهو شهيد بغير دم.
أيها الأحباء: عندما يذكر الرسول بولس شروط الأسقف يذكرنا بوضوح بالنسبة إلى السيرة النقية والسريرة الطاهرة وغيرها حتى الشماس في الكنيسة يحتاج إلى شهادة الغرباء. عندما انتخب اسطيفانوس ورفقاؤه قال الرسل في شروط الانتخاب: يجب أن يكونوا مملوئين من الروح القدس ومشهوداً لهم بالفضل. فنيافته الذي تعب ويتعب ويجاهد في سبيل ازدهار الأبرشية مشهود له بالحكمة، وقد حصل لكم على الصيت الحسن والاسم الطيب لدى الغرباء فهو يضع الوطن والكنيسة في كفتي ميزان يعلم المؤمنين كيف يجب أن يكونوا مواطنين صالحين، كيف يحبون رئيسهم ويصلون لأجله. فنحن سريان لأن كنيستنا هي كنيسة أنطاكية سوريا، وأنطاكية هي عاصمة سوريا القديمة.
اسم المطران قرياقس يعطر أفواه الغرباء، ولم يكسب هذا الاسم عبثاً بل بأتعاب جمة: بعرق الجبين، بدم القلب، بالسهر، بالتضحيات، لأنه يكمل قول الرب «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون» (مت9:5) لذلك أحبه الناس وتعلقوا به، نال أوسمة عديدة. أسمى وسام ناله هو وسام الراعي الصالح الذي أنعم عليه به قداسة البابا الروماني.
واليوم يسرنا أن نقلده أعلى وسام لكرسينا الرسولي الأنطاكي هو وسام الصليب الأكبر لمار أغناطيوس النوراني.
إننا نكرم بشخصه كل أعضاء المجمع المقدس، أحبار الكنيسة السريانية الأجلاء الذين يقتدون به، برعاية شعب الله الرعاية الصالحة، وبجهادهم المستميت في سبيل الحفاظ على العقيدة السمحة، والسيرة الصالحة، واللغة السريانية الحبيبة، والتراث الأبوي الثمين…
من عظات عام 1990
من عظات عام 1990
عيد الفصح المجيد·
وفي هذا العيد المبارك، عيد الفصح المجيد، عيد الخلاص من ربقة الخطية، عيد السلام الذي تم بين السماء والأرض، يطيب لنا أن ندعو شعوب العالم أجمع، ليشاركونا الصلاة من أجل توطيد السلام في أرجاء المسكونة كلها، ولاسيما السلام العادل في منطقتنا، ومن أجل القضاء على النزعات والممارسات الإسرائيلية العدوانية والعنصرية، في فلسطين العزيزة وبقية الأراضي العربية المحتلة، حيث تُزهق أرواح إخوتنا الأعزاء الذين يبذلون دمهم الطهور في سبيل تحرير وطنهم الحبيب وتطهيره من رجس الاحتلال الصهيوني البغيض.. فإن ما تحمّله إخوتنا الفلسطينيون وأهلنا الصامدون في الجولان وجنوبي لبنان، من صنوف التعذيب الوحشي من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يُعكّر علينا صفو أفراح أعيادنا، ويمزج حلاوة المناسبة بمرارة المعاناة، ولكن ما يظهره أطفال الحجارة من شجاعة بطولية نادرة يوقظ فينا الحماسة ويزرع في قلوبنا الأمل بمستقبل عربي أفضل على الرغم من المؤامرات الدنيئة التي يحيكها المحتمل الصهيوني الغاشم وأحدثها هجرة اليهود السوفييت إلى فلسطين المحتلة وتوطينهم فيها، الأمر الذي يُعدّ خرقاً فاضحاً لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، لأنها تهدف في النهاية إلى توطين غرباء غاصبين محلّ المواطنين الشرعيين.
وبينما نستنكر هذه المؤامرة الدنيئة، نقف في وجه الضالين والمضلّين، من بعض الفرق التي تدّعي المسيحية والمسيحية براء منها، هذه الفرق التي تتعامل مع الصهيونية لإيجاد غطاء ديني لتلك الممارسات اللادينية بتفسير آيات الكتاب المقدس أسلوب منحرف غريب عن روح الكتاب وبعيد عن مشيئة الله، لنؤكّد بكل وضوح أن الله لا يبارك الذين يحتلون أراضي الآخرين بالقوة، ويطردون السكان الأصليين من وطنهم العزيز، سالبين إياهم حريتهم وكرامتهم، كما أن الكتاب المقدس لا يدعو مطلقاً إلى عودة من بدّدهم الله في أصقاع الدنيا نتيجة انحرافهم عن شريعة الرب، ورفضهم طريق الخلاص الذي أعدّه الله بوساطة السيد المسيح الذي تنبأ عنه أنبياؤهم والذي قال عنه الإنجيل المقدس: إلى خاصته جاء وخاصتُه لم تقبله… لذلك رفضهم الرب لأنهم رفضوه. فتنبأ عنهم السيد المسيح قائلاً: «هوذا بيتكم يترك لكم خراباً. إني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مباركٌ الآتي باسم الرب» (مت 38:23 و39) كما قال لهم أيضاً «أنتم من أبٍ هو ابليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذلك كان قتّالاً للناس منذ البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس الحقُّ فيه» (يو 41:8). فسيبقى الخراب قائماً فيهم أفراداً وجماعات، طالما هم ظلّوا خاضعين لإبليس اللعين، وهذه أعمالهم الوحشية في الأراضي المحتلة ضد إخواننا العرب تقيم الحجّة على إطاعتهم أباهم ابليس.
وخير شاهد على الأعمال الإجرامية للعدو الإسرائيلي، الاعتداء الصارخ الذي وقع قبل ثلاثة أيام في القدس العربية على غبطة الحبر الجليل تيودورس الأول بطريرك القدس لليونان الأرثوذكس الذي قاد مسيرة مستنكراً العدوان الإسرائيلي الغاشم، فأوقعه الصهاينة أرضاً فأصيب بجروح، وكسروا الأيقونة التي كان يتقلدها. وبذلك أضافت سلطات الاحتلال الصهيوني الغاشم جريمة جديدة على جرائمها الشنعاء العديدة ضد الأديان السماوية والرموز الروحية والأماكن المقدسة.
وفي هذه المناسبة الغالية، نتوجّه إلى إخواننا وأبنائنا في لبنان الحبيب، ليكفّوا عن هذا الاقتتال الطائش التدميري الذي تحرّكه دوافع الأنانية وشهوة السلطة ولا يخدم سوى العدو الصهيوني البغيض المدعوم من القوى الإمبريالية العالمية، ونحثّهم جميعاً أن يلتفوا حول الشرعية، لتتولى مؤسساتها الرسمية المشروعة، ضبط النظام، وصون الأمن، وحماية المواطنين، ولتتمكن الشرعية بدورها، بالتعاون الجدّي والإيجابي، مع شقيقتها سورية البطلة من مواصلة طريق التحرير والتحرر والإصلاح، وإعادة بناء لبنان العربي الموحد المستقل.
ولابد في هذا الصدد، من أن نذكر ما قدّمته وتقدّمه سورية الصامدة، بقيادة رئيسها المناضل حافظ الأسد، من معونة غير محدودة، على الأصعدة كافة، لمساعدة الأشقاء اللبنانيين في مسيرة وفاقهم وتوفير أمنهم وتحرير أرضهم، وصون وحدة وعروبة أرضهم، والحفاظ على استقلالهم، والوقوف في وجه كل حركات وممارسات التقسيم والتشرذم.
وهنا ومن هذا المكان المقدس وفي هذه المناسبة المباركة، نتقدم إلى سيادة الرئيس المفدّى حافظ الأسد، بالتهنئة القلبية، طالبين إلى الله أن يكلأه بعين رعايته وأن يمدّه بالعافية وبطول العمر، ليستمرّ في نهجه الحكيم وقيادته التاريخية، قائداً لمسيرة التحرير ومناضلاً من أجل الحرية والسلام. كما نتوجه أيضاً بتحية وتقدير وإكبار إلى جيش الوطن الباسل وإلى الحكومة المكرمة.. ونخص بالشكر أخيراً، العاملين في حقل الإعلام، من تلفاز وإذاعة وصحافة على جهودهم المخلصة في إيصال الإعلام البنّاء إلى جماهير الشعب، سائلين الله تعالى أن يحفظكم جميعاً برعايته وعنايته، إلى أعياد عديدة. آمين.
مطرانية بيروت·
أصحاب المعالي والسعادة والسيادة..
أيها المؤمنون:
لتتمجد كنيسة الله السريانية في هذا اليوم المبارك، لتتمجد لأن الرب قد وعدها أن يثبت فيها ومع رعاتها إلى الأبد، فالله في وسطها فلن تتزعزع، لتتمجد في هذا اليوم الذي يصادف بدء السنة الطقسية السريانية، التي نصلي إلى الله ليجعلها سنة صلاة دائمة لأجل سلام لبنان، ونصرة السلام في لبنان، ونجاح مسيرة السلام في لبنان، ولحفظ رئيس جمهورية لبنان فخامة الأستاذ الياس الهراوي ورجال حكومته ولحفظ لبنان حراً مستقلاً ومثلاً يُحتذى بالديمقراطية، ومصدر إشعاع روحي واجتماعي وثقافي للعالم أجمع.
نحمد الله حمداً جزيلاً لأنه أهّلنا لنشترك بتبجيل كنيسته المقدسة التي هي جسده السري، فالمسيح رأسها وهو صخرة أساسها، ورأس الزاوية في بنائها. ففي مثل هذا اليوم من كل سنة نتلو فصل الإنجيل المقدس الذي فيه نسمع هامة الرسل بطرس معترفاً بيسوع الناصري أنه المسيح ابن الله الحي، ونسمع الرب يسوع يقول لهامة الرسل بطرس «أنت بطرس وعلى هذه الصخرة (صخرة الإيمان الحي) أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها».
بل في هذا اليوم أيضاً نقرأ ما كتبه الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين من رعاة الكنيسة الذين يختارهم الله من بين الناس ليتميزوا عن الناس، فينالوا الموهبة من السماء الهابطة من عند أبي الأنوار، ليقدموا قرابين عن خطاياهم وخطايا الشعب ليبرروا ويقدسوا ويهذبوا الشعب، ويدبروه بحسب السلطان الرسولي الذي أعطي لهم من الله. وإنها الآن لمناسبة طيبة أيها الأحباء ونحن نحتفل بأحد تقديس الكنيسة بحسب طقسنا السرياني أن نحتفل أيضاً بتكريم أحد آباء الكنيسة الأجلاء نيافة الأخ الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران أبرشية بيروت وزحلة بمناسبة يوبيله الفضي الأسقفي. وباحتفالنا هذا نثني جزيل الثناء على أبناء هذه الأبرشية المباركة كهنة، ومؤسسات، وشعباً مؤمناً، عرف كيف يكرم رؤساءه لأنه شعب نبيل أصيل، هذا الشعب الذي نفتخر به لأنه يحب رؤساءه المدنيين ويطيعهم بحسب تعليم الرسول بولس، كما أنه يحب رؤساءه الروحيين ويبجلهم ويخضع لأوامرهم الرسولية لأنه شعب مؤمن. ففي هذه المناسبة أيها السامعون الكرام بمناسبة اليوبيل الفضي الأسقفي لنيافة أخينا نتأمل برتبة رئاسة الكهنوت، ونتأمل بما تعني هذه الذكرى فاليوبيل هو يوم التحرير هو بدء عهد جديد مع الله هو وقفة لا توقّف، وقفة تأمل في الماضي ودراسة التاريخ، وقفة دراسة أيضاً للحاضر ونقد ذاتي، بل أيضاً وقفة تأمل في المستقبل الذي هو حصيلة الماضي والحاضر. فنيافة أخينا المطران أفرام برصوم كان له ماض مجيد جداً. فقد ولد من والدين تقيين بارين وذلك في مدينة حمص وتربى في بيت تفوح منه رائحة الفضيلة التي يدعوها الرسول بولس رائحة المسيح الذكية ونشأ في القامشلي في المدارس السريانية، فتى كان يتطلّع إليه الجميع، ويتنبأون عن مستقبل باهر ينتظره، وشماساً صغيراً يواظب على حضور القداس الإلهي مع أبيه البار المرحوم الشماس بولس منوفر برصوم، ثم ينخرط ذلك الفتى في سلك اكليريكية مار أفرام في الموصل. هناك عرفته ربيب الصبا وزميل الدراسة فتى الفتيان إليه يتطلع الجميع صوته الرخيم، شخصيته الجذابة وحديثه الروحي، أفكاره السامية تدل على تربية فاضلة صالحة كما تدل على إعداده من الرب لنيل موهبة سامية من السماء. صوت رخيم ندر أمثاله في اكليروسنا في هذا الجيل، طموح إلى العلاء لرؤية الكنيسة وقد أعادت أمجادها السحيقة القديمة. محبة وتعلق بالله تعالى وود صافٍ لرفاقه وزملائه هذا كان الفتى أفرام والاكليريكي أفرام إن كان في القامشلي وإن كان في الموصل في اكليريكية مار أفرام.
إنني أؤمن أن لاسمه معنى سامياً جداً فأفرام كنا ندعوه مازحين أفرام السوري فهو أفرام السرياني وضع أمامه أفرام السريان ملفان الكنيسة واقتدى به فدرس السريانية فكتب بها نثراً وشعراً بلغة أفرام السرياني النقية الخالية من العجمى. كما أنه تاق إلى الرهبانية ليكون كأفرام السرياني فاتشح بالاسكيم الرهباني عندما انضم إلى الحاشية البطريركية في حمص، هناك أيضاً كنا معاً زميلين يحب أحدنا الآخر كأخ له هناك خدمنا سلفنا الأسبق البطريرك العلامة مار أفرام برصوم الأول وهناك عرفنا الراهب أفرام ذا هدف سام أيضاً يطمح أن يرى الكنيسة وقد أعادت أمجادها السالفة. هذا هو أفرام الراهب الذي عرف أن الرهبانية إنما ينالها الإنسان وهو يقدم النذور إلى الله. البتولية مع العفة، الفقر الاختياري والطاعة التامة هناك شاءت العناية الربانية أن ينال خبرة في خدمة المدارس فعين مديراً لمدارس الطائفة في حلب ثم عين قاصداً رسولياً في الهند فبرز. وعرف فضله وحسن إدارته كما عرف كشخصية دينية جذابة تفرض احترامها على جليسها.
وعُرف أيضاً بإدارته الرشيدة الحكيمة، لأنه قد تمرس على أيدي المطارنة الشيوخ والبطريرك أفرام فنال خبرة واسعة لم ينلها غيره من زملائه. وعندما شغرت هذه الأبرشية ورشح لأن يكون مطراناً عليها، نزل إلى ميدان الجهاد وقد اختاره الله من بين الناس كقول الرسول بولس «ليكون رئيس كهنة ولا يأخذ هذه الوظيفة أحد إلا من اختاره الله كما هرون أيضاً» كما يقول الرسول بولس في الرسالة إلى العبرانيين. فنال رئاسة الكهنوت وهو يعلم ما هو رئيس الكهنة في الكنيسة المسيحية وفي الكنيسة السريانية فهو زعيم القوم في الكنيسة السريانية وهو في الوقت نفسه الراعي والرقيب والمعلم الذي يهتم بالنشء الصاعد الجديد فيربيه التربية الصالحة وينشئه على جداول مياه التراث السرياني ليحافظ على هذا التراث لأنه تراث المسيحية المقدس تسلمناه من آبائنا وهو ثمين وبخاصة اللغة السريانية التي هي لغة الرب يسوع وأمه الطاهرة القديسة مريم.
فاهتم بالشباب الناشئ، بجوقات الترتيل الناجحة، واهتم بالمدارس واهتم بالمؤسسات الكنسية وهو يرى أيضاً في هذه الأبرشية مستقبلاً باهراً. هذا الراعي الصالح الذي دعاه الله ليكون سفيراً عنه ووكيلاً برعاية أبناء الرب كما دعا الرب هامة الرسل بطرس ليكون أولاً صياداً للناس وبعدئذ راعياً، فأكد بطرس محبته للرب فقال له الرب ارعَ خرافي… ارعَ نعاجي… ارعَ كباشي… اتبعني.
فمحبة الرب شرط أساسي لمن يتقدم لخدمة أبناء الرب. محبة الرب تجعل هذا الإنسان في سبيل محبة الإله يضحي بالغالي والنفيس ويتبع الرب، لا يتردد أبداً كما تردد ذلك الشاب الغني فخسر ملكوت الله. محبة الرب هذه المحبة القوية العميقة جداً تجعل الإنسان يتحدى السيف والنار كما قال الرسول بولس «ولا يخاف الاضطهاد بل يتقدم للشهادة للمسيح»، ولو شاء المسيح أيضاً لاستشهد في سبيل إيمانه بالمسيح. هذا الراعي الصالح الذي لا يخاف الذئاب الشرسة، لأن الأجير إذا رأى الذئاب مقبلة هرب وترك الخراف لأنه أجير. كما يقول الرب. أما الراعي الصالح فيسهر لأنه يعلم أنه قد أعطي عصا الرعاية ليهش بها على غنمه ويعلم أنه بعصا الرعاية بقوة الرب يقصم ظهر الذئاب ويهشم أضراسها وينجي الخراف منها.
هذا صموده خلال المحنة التي مرت بلبنان ( لا أعادها الله ) هذا صموده رغم كل التحدي في مكانه ومركز أبرشيته لأنه يعلم أنه يحب الجميع ولا يفرق بين دين ودين وطائفة وطائفة وهو صديق الجميع ويريد من الجميع أن يعرفوا حقيقة هذه الصداقة والود الصافي ولهذا أصبح مثالاً لرعاة الكنيسة بالصمود لأنه يؤمن بأن رسالته سامية وأن هذه الرسالة السامية تريده أن يبقى صامداً وهو يبذل نفسه عن الخراف كراعٍ صالح.
إنني أيها الأحباء لمسرور جداً أن أكون مع أبناء هذه الأبرشية بل أيضاً مع المسؤولين في لبنان من رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء وكل من شاء أن يشارك الشعب السرياني في بيروت وزحلة لتكريم مطرانهم المبجل. رأيت من واجبي كأب للسريان في العالم وكخادم خدام هذه الكنيسة بل أيضاً واجبي أن أفي ديناً لأخي وزميلي وصديقي العزيز وربي بالحداثة وزميل الدراسة والعمل في البطريركية والمجمع المقدس أن أشترك معكم بتكريمه، وقد سألت الرب على المذبح المقدس ليجعل هذه المناسبة سبب بركة للكنيسة وللبنان محفوظين من كل بلية، سألت ربي أن يصون نيافة أخينا المطران مار أثناسيوس أفرام برصوم بالصحة التامة والنجاح المطرد وخدمة لبنان وخدمة الكنيسة في لبنان. سألت ربي أن يؤهله ليحتفل يوماً بيوبيله الأسقفي الذهبي لكي يعطي الكثير لكنيسة الله والوطن العزيز لبنان. وفي هذه المناسبة وتقديراً لجهوده وأتعابه وإخلاصه في رعاية الكنيسة وهذه الأبرشية بالذات وإقامته من نفسه مثالاً طيباً للراعي الصالح الصامد الشجاع الجريء، سأقلده بعد الانتهاء من كلامي وسام مار أغناطيوس النوراني سائلين الرب أن يجعل منه مثالاً دائماً أبداً لكل راعٍ صالح. وتقليدي إيّاه هذا الوسام هو تقدير لجهوده وجميع العاملين معه بإخلاص في سبيل تقدم هذه الأبرشية وازدهارها ومؤسساتها كلها الكنيسة الروحية والاجتماعية الخيرية، والثقافية. وقد ازدهرت كثيراً على يديه وبهمته العالية وبتعاون هذا الشعب المبارك، فعندما نقلده الوسام إنما نقلده أيضاً لكل من يتعاون معه وهذه كنيسة مار أفرام التي كاد بناؤها أن ينتهي تدل على الهمة العالية لنيافته ولمؤسسات الأبرشية المتعاونة معه، أهله الله وأهلكم للمكافأة من ربنا فنحن نقدم وساماً علامة محبة وتقدير وعرفان جميل ولكن نتأمل بعد العمر الطويل أن الله يقدم له ولكل راعٍ صالح إكليل المجد كما قال الرسول بولس عن المجاهدين المنتصرين، «إكليل المجد الذي يهبه الرب الديان العادل في ذلك اليوم العظيم» الأمر الذي أتمناه لي ولرعاة الكنيسة كافة ولكل من يخدم كنيسة الله ونعمة الرب تشملكم دائماً أبداً آمين.
اليوبيل الأسقفي الفضي للمطران أفرام برصوم·
أصحاب السعادة والنيافة والسيادة، أيها المؤمنون:
يسرنا أن نحتفل بالقداس الإلهي وباليوبيل الفضي الأسقفي في هذه الكنيسة المباركة، لنيافة مطران أبرشية بيروت وزحلة أخينا مار أثناسيوس أفرام برصوم، يعاوننا في ذلك نيافة أخينا مار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وبحضور أخوينا أسقفي زحلة المطران جورج اسكندر للموارنة والمطران اسبيريدون خوري للروم الأرثوذكس. ويسرنا أيضاً وجود السيد روي الهراوي ممثلاً والده فخامة رئيس الجمهورية الأستاذ الياس الهراوي الذي أحب أن يشاركنا هذه المناسبة الميمونة في هذه الفترة الزمنية التي يجتازها لبناننا الحبيب في طريق السلام والوحدة وفي عهد الرئيس الياس الهراوي الذي نعتبره منقذاً تاريخياً للبنان فهو الرئيس الجريء، والذي مد له اليد لمساعدته في مسيرته الوطنية أحد الأصدقاء الأوفياء للبنان وهو سيادة الرئيس حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية الذي تعاون مع فخامة الرئيس الهراوي فقدم التضحيات الكبرى والمساعدة التامة باسم سورية في سبيل إنقاذ لبنان. إننا نقرأ في الكتاب المقدس مثل السامري الصالح الذي ضربه الرب، ونرى في المثل إنساناً قد سقط بين اللصوص، فضربوه وجرحوه وتركوه بين حي وميت ومرَّ في تلك الطريق كثيرون ولكنهم لم يبادروا إلى تضميد ذلك المسكين. هذه كانت حالة لبنان حتى جاء المنقذان الصالحان هما فخامة الرئيس الهراوي وسيادة الرئيس حافظ الأسد اللذان مثلا دور السامري الصالح في إنقاذ لبنان الحبيب. لذا يجب عليكم أيها اللبنانيون أن تمدوا أيديكم إلى الشرعية لإنقاذ وطنكم، كفاكم حرباً، وتدميراً، وتشريداً… فاسعوا ليبلغ لبنان إلى شاطئ المحبة والسلام ويعود الوطن مركز إشعاع فكري وروحي وسياسي لحدوده وأراضيه كلها، فليضحِّ اللبناني بنفسه في سبيل وطنه.
أيها الأحباء: تحتفل كنيستنا السريانية اليوم في طقسها المقدس بـ (أحد تجديد الكنيسة). ويعلّمنا الإنجيل المقدس كيف أن الرب يسوع أراد أن يسمع من تلاميذه رأيهم فيه فقد ظهر كإنسان عجيب يجترح المعجزات ويجول بين الناس يصنع خيراً، وفي حديثه إلى تلاميذه في نواحي قيصرية فيلبس وجه إليهم السؤال قائلاً: «من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان فقالوا: قوم يوحنا المعمدان، وآخرون إيليا، وآخرون ارميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم وأنتم من تقولون أني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلنا لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها» (متى 13:16 ـ 18). للمرة الأولى نسمع الرب يفوه بكلمة كنيسة وقد عنى بها المؤمنين به، وكان الرسل وبعض التلاميذ الذين منذ ذلك الحين أعطاهم بشخص بطرس أولاً السلطة الروحية، وحملهم الرسالة السامية، ووضع على عاتقهم مهمة خدمة تلك الكنيسة التي جاء ليجعلها ملكوتاً سماويا على الأرض، وليجعل منها مرقاة يصعد عليها الإنسان إلى السماء، بل جسراً يعبر عليه من الهلاك إلى الخلاص. هذه الكنيسة أراد أن يخطبها لنفسه عروساً مقدسة نقية لا عيب فيها ولا غصن ولا شيء يشبه ذلك، على حد تعبير الرسول بولس. وهو لم يطلب من رسله أن يعرفوا من هو فقط، بل أيضاً أراد أن يوضح ماهية رسالته على الأرض، فقد جاء لا ليصنع المعجزات ولا ليعطي شريعة جديدة فحسب بل أيضاً وخاصة فقد جاء ليفدي البشرية بدمه الكريم فبعد أن أعلنت حقيقته على لسان بطرس القائل له: (أنت المسيح ابن الله الحي) آن الأوان ليعلن المسيح حقيقة رسالته السامية رسالة الصليب الذي يعني التضحية ونكران الذات والاعتراف بحق الخاطئ التائب للحصول على المغفرة، بل ليكون ابن الله بالنعمة إن هو آمن بالمسيح يسوع ابن الله الوحيد بالطبيعة لكن فكر اليهود المتزمتين لا يستطيع أن يحتمل عقيدة الكفارة أي الآلام والموت في سبيل خلاص البشرية، فكانوا يفتكرون في قلوبهم قائلين إذا كان يسوع الناصري هو المسيح المنتظر فيجب أن يكون جباراً منتصراً لا أن يعلن بأنه سيتألم ويموت لذلك عندما أعلن المسيح لتلاميذه هذه الحقيقة ابتدأ بطرس ينتهره، لأن بطرس والتلاميذ لم يكونوا يومذاك يفهمون معنى الصليب، ولكنهم سمعوا أكثر من مرة المسيح يسوع يصرح بأن الصليب هو علامة تلميذه الحقيقي بقوله ( من أراد أن يكون لي تلميذاً عليه أن يحمل الصليب كل يوم ويتبعني ) والصليب في المسيحية هو علامة التلميذ الحقيقي والمسيحية تعلن أنه لا قيامة دون صليب ولا حياة دون موت، وقد جاء الإله المتجسد ليصلب ويموت لكي بموته وقيامته من بين الأموات يمنح البشرية حياة فيحق له أن يقول عن نفسه أنا هو القيامة والحياة، وأنا هو الطريق، أنا هو الحق فهو مخلص البشرية. وهو رأس الكنيسة وأساسها. فيوم قال لبطرس على هذه الصخرة أبني كنيستي عنى بذلك صخرة الإيمان بابن الله وقد منح الكنيسة نعماً عظيمة لتحتفظ بها وتمنحها أبناءها عبر الدهور والأجيال. هذه الكنيسة التي اقتناها المسيح بدمه الكريم ونقاها وطهرها وجعل المؤمنين به حجارة حية تبنى بها هياكل روحية في كل أنحاء العالم. هذه الكنيسة المجاهدة على الأرض، هذه التي إذا ما انتصرت كانت أرواح قديسين أي كنيسة الأبكار المكتوبة أسماؤهم في السماء، هذه هي الكنيسة التي أعد لها المسيح ربنا وكلاء عنه يصطادون الناس في شبكة الإيمان القويم، والعقيدة السمحة، والسيرة الصالحة، وهم الحارسون أغنامه في حظيرته لئلا يتورطوا بالأفكار الضالة والهرطقات الوخيمة، ولئلا يتغلب عليهم الغرور فيبتعدون عن محبة الله والاتكال عليه تعالى في مسيرتهم في هذه الحياة. هؤلاء الرعاة أيها الأحباء خدموا الكنيسة عبر الدهور والأجيال، واستمرت الكنيسة ثابتة لأن الرب في وسطها وقد وعدها أن يكون معها إلى الأبد. «وإذا كان الله في وسطها فلن تتزعزع أبداً» رعاتها لهم امتيازاتهم، وهم المدبرون وهم المعلمون وهم الحراس وهم الرقباء وهم « وكلاء سرائر المسيح» كما يصفهم الرسول بولس. وهؤلاء أيضاً هم الأساقفة الذين يُعدّون، عن حق وجدارة، خلفاء الرسل. وأحد هؤلاء الرعاة هو الأخ الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة الذي احتفلنا بيوبيله الفضي الأسقفي في الأحد الماضي في بيروت ونحتفل اليوم بهذا اليوبيل في زحلة مع أبنائنا الأعزاء أهل زحلة الذين يحبون وطنهم لبنان ويحبون رعاة كنيستهم، لذلك أبوا إلا أن يحتفلوا أيضاً بتكريم مطرانهم الجليل وقد احتفلنا في الأحد الماضي بتقليده وسام مار أغناطيوس النوراني وهو من أرفع الأوسمة البطريركية لدينا لنعبّر بذلك عن فرحتنا مع أبناء شعبنا في هذه المناسبة، ولنبرهن أيضاً عن محبتنا الخالصة الثابتة لأخينا المطران أفرام فنحن أخَوان منذ كنا تلميذين صغيرين في مدرسة مار أفرام الكهنوتية بالموصل، وفي الخدمة في ديوان الكتابة في البطريركية بحمص وكمطرانين في عضوية المجمع المقدس، وما نزال محافظين على هذه المحبة الصافية النقية إلى جانب تعاوننا في خدمة الكنيسة العامة.
إننا لمبتهجون جداً في هذه المناسبة ونحن نرى في أخينا المطران أفرام برصوم مثالاً لوكيل المسيح الأمين في المتاجرة بالوزنات، ووزناته رابحة، وقد أعده الرب قبل أن دعاه إلى هذه الخدمة السامية ليكون مؤهلاً لها ليكون بين البارزين من أحبار الكنيسة، أعده منذ نعومة أظفاره وهو الذي اختاره من بطن أمه كارميا النبي، وكالرسول بولس، وملأه من الروح القدس كيوحنا المعمدان، وظهر عمل الروح فيه بمحبته لله وللإنسان، وفي محبته للشعب المبارك الذي اؤتمن على خدمته مضحياً في سبيل ذلك بالغالي والنفيس ولا غرو فقد نما في الفضائل في بيت أبيه مقتدياً بأخيه الفاضل المرحوم الشماس بولس منوفر برصوم رجل الله البار، الذي في شيخوخته الصالحة كان يهتم خاصة في نسخ الكتب السريانية وإهدائها إلى الكنائس، وكم كنا نود لو كان ما يزال على قيد الحياة لكنا قلدناه أرفع وسام بطريركي لأنه قدم للكنيسة السريانية حبراً جليلاً، عالماً قديراً، وخطيباً مصقعاً. أما والدته الفاضلة أطال الله بقاءها فقد أنعم عليها كرسينا الرسولي بوسام الأم المثالية لأنها حقاً أحسنت تربية بناتها، وابنيها المحتفى به، نيافة أخينا المطران أفرام، وأخيه الملفونو أوكين الذي إذ نذكره في هذه المناسبة نذكر أيضاً فضله في توجيه أخيه أفرام الأصغر منه سناً. وكان الملفونو أوكين ومايزال يتفاعل مع فعاليات الكنيسة فقد كان في القامشلي يومذاك في عداد مؤسسي الكشاف والمدارس كما كان والده أيضاً أحد مؤسسي جمعية الإحسان وكان يهتم بالفقراء والمساكين والمحتاجين، ومن هنا نلمس بعض عوامل تكوين شخصية المطران أفرام برصوم القوية الصالحة من تربيته في البيت المبارك، وضمن العائلة الصالحة، والجو السرياني الخالص، وكذلك في شرخ شبابه وعهد رهبنته، كان قد عُيِّن مديراً لمدارس السريان في حلب ومديراً لبعض المؤسسات فيها، ثم قاصداً رسولياً في الهند، ثم انتخب قبل ربع قرن ورمس مطراناً على أبرشيته العزيزة وهو كحبر جليل ما يزال يخدمها في كل الميادين الثقافية والاجتماعية والخيرية حتى أنه اهتم بتأسيس مستوصف لهذه المدينة المباركة، كما اهتم بتشييد كنيسة مار أفرام في بيروت التي تشهد على همته العالية كما أنه افتتح هذه الكنيسة مع بعض الأحبار الأجلاء. وهذه الميادين التي اهتم أن يكون السبّاق في حلباتها، تبرهن على أن الله أعده لهذه الرتبة السامية، أما تعاونه مع البطريركية فحدّث عنه ولا حرج، فهو رئيس محكمة الاستئناف. وقد برهن على جدارته ومحبته وغيرته واهتمامه بجمع شمل العائلات، كما أنه قد برز في الحركة المسكونية فقد مثل الكنيسة في اجتماعات مسكونية عالمية في أماكن عديدة في مجلس الكنائس العالمي وفي مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يُعدّ أحد مؤسسيه والمهتمين في تقدمه وازدهاره، وهو عضو في اللجنة التنفيذية فيه. وفي الأحد الماضي قدّم له المجلس شعاره علامة تقدير وعرفان جميل لحبر جليل يهتم في بث الروح المسكونية. وحيث أننا بصدد الروح المسكونية نذكر زحلة التي يعد أحبارها من مختلف الطوائف أخوة يتعاونون في لمّ شمل الطوائف كافة ويسعون في مضمار تقدم هذه المدينة المباركة وازدهارها. هؤلاء هم عنوان المسكونية ومثال يُحتذى في هذا المضمار، ونحن اليوم بحاجة ماسة في وطننا لبنان إلى أن نهتم في تقريب وجهات النظر السياسية والاجتماعية والدينية لجميع الأديان والطوائف لكي نبلغ إلى الوحدة الوطنية التي ننشدها في هذا البلد.
أيها السامعون الكرام يسرني باسمي وباسم المجمع المقدس الأنطاكي السرياني الأرثوذكسي أن أهنئ أبرشية بيروت وزحلة بهذه المناسبة المباركة وأسأل الرب الإله أن يحفظ حياة نيافة أخينا مار أثناسيوس أفرام برصوم ليواصل جهاده وأتعابه في سبيل خدمة الأبرشية والكنيسة عامة بكتاباته القيِّمة، وبخطاباته الناجحة، وبإدارته الرشيدة، وأيضاً بتقواه، وسيرته النقية التي ورثها عن أبيه البار. فهو يواظب على إقامة الصلاة صباح مساء، جامعاً حوله نخبة من شباب الكنيسة من الجنسين، مقيماً من نفسه مثالاً للرعية، ولكهنة الرعية، بالصلاة عن نفسه، وعن الأبرشية، فليعطه الرب أن يحتفل بيوبيله الأسقفي الذهبي وهو في أحسن حال من الصحة التامة والتوفيق الجليل، ونعمة الرب تشملكم آمين.
عيد الميلاد المجيد·
في عيد المحبة والسلام، تتجه أفكارنا إلى إخوتنا في لبنان الذين يحتفلون معنا بالعيد في جوّ الأمن والسلام والمحبة كما لم يحتفلوا منذ زمان بعيد وسنوات طوال. فهنيئاً لهم بسلامهم ووفاقهم الوطني وشكراً وألف شكر لسيادة الرئيس القائد حافظ الأسد الذي جعل المستحيل ممكناً، والصعب ميسوراً، والأمنية حقيقة. وتحيّة وألف تحيّة إلى الأخوة اللبنانيين من المسؤولين في الحكومة والمنظمات الذين أصغوا إلى النداءات المخلصة التي صدرت عن سورية وقائدها سيادة الرئيس حافظ الأسد فوضعوا يدهم بيد سورية لإنقاذ لبنان، وإخراجه من محنته والحفاظ على لُحمة أبنائه وتماسك كيانه ووحدة بنيانه وقوامه، والسير على دروب السلام والأمن والوفاق الوطني. واليوم، والبهجة تملأ قلوبنا للسلام القائم في لبنان في عيد السلام والمحبة، نتوجّه بكل إخلاص إلى إخوتنا في لبنان داعين إياهم مواصلة التعاون مع سورية، ففي ذلك مصلحة لبنان واللبنانيين.
أيها الأخوة اللبنانيون إنكم مع سورية تربحون، لأن سورية لكم الأخ والسند والعمق. ومن حُسْن حظكم وحظنا أن في سورية قائداً هو الرئيس حافظ الأسد الذي يكنّ لكم المحبة والتقدير، والذي بادر إلى مساعدتكم كلما وجهتم إليه الدعوة، وإلى إنقاذكم من شرّ حروبكم الانتحارية، فحفظ لكم لبنانكم وصان لكم وحدتكم وأنقذ لكم مؤسساتكم، وأبقى لكم شرعيتكم، وأعلن لكم المرّة تلو المرّة أن قرار سورية هو مساعدة لبنان والوقوف إلى جانبه دون تفرقة بين لبناني وآخر، وطائفة وأخرى. فبورك لكم ولنا بهذا القائد الفذ الذي امتلأ قلبه محبة للناس فسامح وعفا وتغاضى وظلّ كبيراً كبيراً، وعظيماً عظيماً، في بُعد نظره ومبدئيّة مواقفه وإخلاصه لشعبه وأمّته.
لا يقلقنا في عيد سيد السلام والمحبة إلا نذرُ الحرب والدمار التي تنعقد غيومها في سماء الخليج، مهدّدة بشرّ مستطير وكوارث لا يعرف أحدٌ المدى الذي ستصل إليه والمآسي التي ستحملها.
ومهما اشتدّت الخلافات وتأزمت العلاقات، فإن الشعب هو شعبنا وما يصيبه يصيبنا وما يؤلمه يؤلمنا. ولذلك، ومن على هذا المذبح المقدّس، نسأل الله تعالى أنه يبدّد غيوم الحرب والدمار، وأن يهدي الحكام إلى طريق السلام، وأن يبعد عن إخوتنا في الخليج الكوارث التي تتهدّدهم. ونتوجّه بإخلاص إلى المسؤولين في العراق ندعوهم إلى الإصغاء إلى كلمة الحق، واتخاذ القرارات التي تحفظ حياة الناس وتجنّب قرار الانتحار، وليستمعوا إلى نداءات سيادة الرئيس حافظ الأسد المخلصة، ويتبعوا النصائح التي قدّمها بدءاً من الكلمة القومية الرائعة التي ألقاها في مؤتمر القمّة الطارئ في القاهرة. فهذا القائد الذي يحبّ أمته، ويحبّ العراق لأنه من هذه الأمة. ففي دعوته واقتراحاته المَخْرَج العملي من المأزق، وفي الإصغاء إليه والتعاون معه الحلّ الوطني والقوميّ السليم.
وتحية وألف تحيّة إلى إخوتنا في الأرض المحتلة، والذين يروق لنا أن نذكرهم بدعم سورية بقيادة سيادة الرئيس حافظ الأسد لانتفاضتهم المباركة التي دخلت عامها الرابع، فنقول لهم: إننا معكم بقلوبنا وأفكارنا فلقد أحييتم آمال هذه الأمة وبرهنتم على أنكم شعب لن يموت أبداً ولن يستسلم إلى العدو المعتدي مهما طال زمن الاحتلال واشتدت قيوده. فليعطكم الله القوة لتواصلوا رسالتكم القوميّة في التحرّر من أغلال القهر الغاشم. وفي هذا العيد المجيد أتوجّه بأفكاري وتهانيّ إلى أبنائي السريان في جميع أنحاء العالم راجياً من الله العلي القدير أن يأخذ بيدهم ويوفقهم وأن يجعلهم رسل خير ومحبة حيثما حلوا وأينما أقاموا. وأقول لهم ألا ينسوا كنيستهم المقدّسة التي هي كنيسة سورية، فسورية والسريان صنوان واسمنا مرتبط باسم سورية، واسمها مرتبط باسمنا. وهي مهد كنيستنا وبطريركيتنا الأنطاكية، ومنها خرج آباؤنا إلى أنحاء العالم قاطبة حاملين مشعل الإنجيل المقدّس مع حضارة سورية العريقة، فأناروا المسكونة. وسورية وطن آبائنا وتربتنا تضمّ رفاتهم، وأن آثار سورية وحضارتها وتاريخها تشهد على محبة آبائنا لسورية العربية فنحن لها وهي لنا، نعيش فيها في محبة مع الجميع ونعمل من أجل رفعتها وتقدّمها وعظمتها كما عمل آباؤنا منذ بدء التاريخ. كل من فيها أخ لنا، وكل ما فيها عزيز علينا، ونحن فخورون بها وبما يتحقق فيها على يد سيادة الرئيس القائد حافظ الأسد الذي يخص أبناءه جميعاً بكل المحبة والرعاية والاهتمام. إنه عظيم هذه الأمّة، لقد أصبح عظيماً بها وزادت هي عظمة به قائداً عزّ مثيله جسّد في قيادته النبل والحكمة والشجاعة والإخلاص، حفظه الله ووفقه لما فيه استمرار ازدهار البلاد وتقدّمها وحفظ العباد والاستقرار في أنحاء المنطقة قاطبة. وكل عام وأنتم بخير.
من عظات عام 1991
من عظات عام 1991
يوم الحصاد·
ما أسعد الزارع يوم الحصاد، إذا كانت غلّته وافرة، وبيدره فائضاً، ونوعية حنطته ممتازة جداً.
جدير بنا أن نشكر الله تعالى اليوم وفي كل يوم على مباركته خدماتنا الروحية وسعينا في إيجاد كادر قيادي صالح لخدمة كنيستنا السريانية المقدسة التي هي بأمس الحاجة إلى هذا الكادر الذي يشعر بمسؤوليته الجسيمة في خدمته تعالى، وخدمة كنيسته المقدسة. واليوم أفرز الروح القدس هؤلاء الشبان الأتقياء، خريجي كلية مار أفرام الكهنوتية، فكرّسوا نفوسهم له تعالى، ملبين دعوة الرب يسوع القائل: «ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً» (لو 27:14).
هؤلاء الشبان، مثل البذور الجيدة التي أخذت من مخازن نقية امتلأت بالحنطة الممتازة، فقد تربوا في دورهم تربية مسيحية صالحة ونموا بالقامة والنعمة أمام الله والناس، معدنهم نقي ومحتدهم أصيل وعنصرهم كريم وجوهرهم شريف، فهم ينتمون إلى عائلات سريانية تقية، تفوح منها رائحة المسيح الزكية، ويتمسك أعضاؤها بالإيمان المستقيم والتقاليد الشريفة. هؤلاء الشباب بذور زرعت في أرض جيدة هي كلية مار أفرام الكهنوتية، فصادفت التربة الصالحة، والمناخ الروحي الممتاز، والأجواء العلمية النادرة وقد أحاطت العناية الربانية هذه البذور فأولت إلينا مسؤولية زرعها وسقيها. فالزارع الساهر والمجتهد يحرس البذار لئلا تلتقطها طيور السماء، ويحرث أرضه مراراً وتكراراً وينقيها من الأشواك لئلا تنمو مع الحنطة فتخنقها، وينقيها من الحجارة لئلا تكون تربتها ضحية وتنقلب إلى أرض صخرية ينمو فيها الزرع سريعاً وإذ ليس له عمق أرض، ما أن تشرق الشمس تحرقه. كل ذلك يكلف الزارع والساقي كثيراً من السهر والجهد الجهيد والتعب المستمر، والمواظبة على الصلاة التي يقدمها إلى أبي الأنوار ليل نهار، ليحفظ البذار سليمة وينميها بقدرته الإلهية فتعطي ثماراً ثلاثين وستين ومائة.
هكذا بعناية الله وقدرته، نمت البذور الصالحة في كلية مار أفرام الكهنوتية وابيضّت السنابل واليوم هو يوم الحصاد، يوم الشكر لله على نعمته التي لا يعبّر عنها فلنفرح ونبتهج بالرب الذي هيأ لنا شباناً هم موضع أمل الكنيسة، فقد كانت كنيستنا منذ أجيال وأجيال تجاهد الجهاد الحسن للحفاظ على جوهرة الإيمان المستقيم، وتقاليد الآباء الشريفة سليمة نقية وطاهرة، وآباؤها الروحيون كانوا وما يزالون، بأمانة وبساطة يتسلمون من آبائهم ويسلّمون إلى أبنائهم هذا الإيمان وهذه العقائد الدينية السمحة والتقاليد الرسولية والأبوية السامية مفتخرين بما ورثوه من أجدادهم الميامين من تراث نفيس وتاريخ مجيد، ويترقبون قدوم جيل جديد من شبان أتقياء علماء، يتبوَّؤون مراكز القيادة في الكنيسة وقد تحقق حلمهم يوم أسس سلفنا الأسبق الخالد الذكر البطريرك أفرام الأول برصوم المدرسة الأكليريكية الأفرامية في زحلة سنة 1939 وتخرج فيها العديد من الرجال الذين هم اليوم القادة الروحيون في الكنيسة منهم البطريرك وأغلب المطارنة، والعديد من الكهنة وواصل سلفنا المثلث الرحمة البطريرك يعقوب الثالث الاهتمام بالمدرسة الأكليريكية الأفرامية ولكن غالباً ما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقولون. فقد طرأت ظروف قاسية قاهرة ونقلت المدرسة إلى الموصل ثم إلى العطشانة بلبنان. وأخيراً توقفت على عهد سلفنا المثلث الرحمة البطريرك يعقوب، فاستأنفنا فتحها عام 1984 في دمشق حيث هي الآن، ونسعى إلى تشييد مقر جديد لها في معرة صيدنايا وعمل البناء جارٍ على قدم وساق. ولكن في الوقت ذاته نبذل قصارى جهدنا لرفع المستوى العلمي والأدبي فيها، فقد وفقنا الله تعالى وصارت المدرسة بمستوى كلية لاهوتية تضاهي الكليات اللاهوتية الكبرى في الشرق الأوسط. وذلك بعناية ربنا، واهتمام المخلصين، والبررة، والخيّرين الذين يعضدونها مادياً ومعنوياً والعائلات التي رفدتها بشباب مثقف يهتم بالسير بها في الطريق المؤدي إلى الرقي والازدهار بخطى جبارة.
ما أعظم محبتك يا رب الجنود! ما أسمى النعم التي تسبغها علينا بدون استحقاق! ما أعمق محبتك لكنيستك المقدسة التي تعبدك بالروح والحق! إنها كنيسة الشهداء الذين قدَّموا ذواتهم على مذابح محبتك، وسفكوا دمهم الطاهر لإثبات صدق إيمانهم بك، فنحن أولاد الشهداء الأبطال، وهذه الكنيسة هي كنيسة أبطال الإيمان، هذه الكنيسة التي صمدت ثابتة على صخرة الإيمان على الرغم من تحديات أعداء الحق، وقدمت للمسيحية وللعالم الحضارة وصنوف الثقافة، فلم تستطع بيزنطية الظالمة العاتية وملوكها وحكامها الطغاة أن ينالوا منها، كما لم تتمكن البدع الوخيمة والهرطقات الضالة والمضلة من زحزحة الكنيسة قيد أنملة عن الحق الذي تسلمته من الرب يسوع بوساطة الرسل الأطهار، والآباء الأبرار. فالكنيسة التي أسسها المسيح على صخرة الإيمان به، وهو حجر الزاوية فيها، وهو في وسطها ومعها إلى الأبد، هذه الكنيسة لا تتزعزع أبداً، وهي تسعى لنشر نور الإنجيل المقدس مع صنوف العلم والمعرفة، إلى جانب بساطتها الروحية وتمسكها بالإيمان والتقليد الشريف، كل ذلك صار أمانة في أعناق أبناء كلية مار أفرام الكهنوتية، الذين يشعرون بعظمة المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم لإعادة أمجاد السريانية الروحية والعلمية.
واليوم قد حمل هؤلاء الشبان الصليب المقدس وتبعوا الرب يسوع في طريق الجلجلة، طريق التضحية ونكران الذات. وأنتم أيها السامعون خلال تلاوة طقس الرسامة بكى بعضكم وهلل الآخرون وزمّروا، وأنتم من حيث تدرون أو لا تدرون عبّرتم عما يتضمنه الطقس الكنسي المقدس في إلباس الاسكيم الرهباني: فهو حمل الصليب، والتتلمذ للرب يسوع، هو موت على الصليب مع المسيح وقيامة معه، فهو حزن وفرح روحي في آن واحد. أجل إن هؤلاء الشبان قد خيّروا ما بين السهل والصعب فاختاروا الصعب لأنهم أشبال روحيون. ولكن نير المسيح هيّن وخفيف أيضاً ولئن بدا لنا ثقيلاً، والمسيح أعطى الطوبى للحزانى لأنهم يتعزّون، وللباكين لأنهم سيضحكون.
أيها الأحباء:
إننا شخصياً عندما نوشح أحد أبنائنا الروحيين بالاسكيم الرهباني المقدس نضع نفسنا في موضعه، ونتذكر حدثاً جرى لنا في السادس من شهر حزيران من عام 1954 وكنا يومذاك في الحادية والعشرين من عمرنا فقد أُلبسنا الاسكيم الرهباني المقدس بأمر المثلث الرحمة سلفنا الأسبق البطريرك أفرام الأول برصوم، وقام بإلباسنا الاسكيم مرشدنا الروحي ومعلمنا الصالح المثلث الرحمة الملفان المطران بولس بهنام الذي لا ننسى فضله علينا. وفي ذلك اليوم، الذي لا ننساه أبداً، سكبنا نفسنا أمام ربنا بالصلاة وعاهدناه أن نكون له وحده فقدمنا ذاتنا على مذبح محبته ولسان حالنا يردد قول أحد الملافنة ما معناه بتصرف: لقد رأيت الرب يسوع يحتاط به الصالبون ويستهزئون به وهم يسيمونه صنوف العذاب وعلمت أنه إنما يتحمل ذلك من أجلي فَهُمْتُ بمحبته وتركت أهلي، وحملت صليبه وتبعته، والآن مهما طرأ علي من ضيقات ومشقات في سبيله فلا أتركه، فلا تستطيع النار المستعرة ولا السيف الحاد ولا أية قوة في العالم من أن تفصلني عن محبة المسيح.
أجل إننا لا ننسى ذلك اليوم المبارك فلئن نسينا يوم رسامتنا كاهناً، ويوم رسامتنا مطراناً، ويوم تنصيبنا بطريركاً، فسنتذكر دائماً بدء المشوار الروحي أي يوم إلباسنا الاسكيم الرهباني لأنه اليوم الذي فيه قطعنا عهداً مع السماء أن نكون للرب، وأن نسكن في بيت الرب إلى الأبد، ومنذ ذلك اليوم ونحن نقضي أغلب ساعات الليل في التهجد والتأمل في كتاب الله، وسير القديسين، والصلاة المستمرة لنكون مقبولين لديه تعالى.
هكذا حملنا الصليب وسنبقى حاملين إياه، وقد حمله هؤلاء الأبناء الروحيون اليوم وسيبقى هذا اليوم يوماً تاريخياً مشهوداً بالنسبة إليهم أيضاً، ولن ينسوا هذا الحدث كما لم ننسَ نحن يوم إلباسنا الاسكيم الرهباني. لقد حملوا صليب الرب ليتجندوا للرب القائل: «ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً» (لو 27:14) فالصليب علامة تضحية، وعلامة خلاص، وهو علامة طاعة، فقد حمله الرب يسوع وأطاع بذلك أباه حتى الموت موت الصليب، وهكذا بررنا وقدسنا فبعد أن كنا كالابن الضال غرباء وبعيدين عن بيت الآب السماوي عدنا بإرادتنا تائبين نادمين على خطايانا، فقبل توبتنا فجدد العهد معنا، ووضع خاتم العهد بإصبعنا، معيداً إلينا ثقته بنا، وألبسنا الحلة الجديدة وذبح الكبش المسمَّن وأولم للأصدقاء بل لملائكة السماء التي تفرح بخاطئ واحد يتوب. هذه هي الرهبانية بمعناها الحقيقي العميق، توبة وعودة إلى الله، والحياة معه تعالى وفيه، وإتمام وصاياه الإلهية، والتجرد التام عن كل ما في العالم من لذات، والتضحية حتى بالحلال منها محبة لله، وفرز الإنسان ذاته لله، بل على حد تعبير الرسول بولس «مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيحُ يحيا فيَّ» (غل 20:2) فالأمر إذاً هو أمر موت وحياة في آن واحد، أي أن نموت عن العالم لنحيا بالمسيح، أن نلبي دعوة المسيح التي لم يتمكن الشاب الغني من تلبيتها حيث أنه كان ذا أموال طائلة وأراد أن يحيا حياتين متناقضتين في آن واحد، أي أن يكون لله وأن يكون للعالم في الوقت ذاته، فلما قال له الرب: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني» (مت 20:19) ذهب حزيناً مغادراً الرب، محبةً للعالم، ومحبة العالم هي عداوة الله (يع 4:4) كما يقول الرسول يعقوب. فقد فضَّل الغني الغبي محبة المال على محبة المسيح. أما هؤلاء الشبان الأتقياء فقد تركوا العالم، وحملوا صليب المسيح، وتبعوه. فصار المسيح رفيقهم على الطريق، فإذا مات من أجلهم فأماتوا ذواتهم من أجله، وصلبوا معه ودفنوا معه ليقوموا معه في اليوم الثالث من بين الأموات ويحيوا معه إلى الأبد فقد دفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة (رو4:6) على حد تعبير الرسول بولس، ولذلك فالرهبانية تدعى معمودية ثانية. فما أسعد هؤلاء الشبان الذين صاروا اليوم للمسيح وصار المسيح لهم كما هو لنا. واختلوا بالمسيح والاختلاء للامتلاء من الروح القدس المعلم والمرشد والمعزّي والمشجّع.
أجل إن كنيستنا السريانية قدّست الرهبنة منذ فجر النصرانية حيث كان لنا رهبان منذ القرن الثالث في ربوع سوريا، تطورت لدينا الرهبنة من نسكية إلى ديرية ثم إلى تبشيرية وتعليمية، فبعدما كان الراهب يهتم بخلاص نفسه فقط، وهذه هي الغاية القصوى من الرهبنة، اعتبرت هذه الطريقة بدءاً لطريق الرهبانية ـ أي الاختلاء بالرب للامتلاء من الروح القدس ـ هكذا فعل الرب يسوع في بدء خدمته العلنية بالجسد، إذ اختلى في البرية، وصام أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم اعتمد ليظهر للعالم فحل الروح على هامته على شبه حمامة.. والمسيح مثالنا في الرهبانية، بل أن المسيح هو أول راهب سرياني، ألم يتكلم السريانية؟ ألم يعبّر عن الحقائق الإلهية بالأسلوب السرياني؟ فلغته سريانية، وحضارته سريانية، فهو الراهب السرياني الأول النقي الطاهر البتول الفقير الذي أتمّ النذور الرهبانية الثلاثة وهي العفة في البتولية والفقر الاختياري… والطاعة، فقد أطاع أباه حتى الموت موت الصليب. لذلك فالراهب يتبع المسيح في طريق الجلجلة حاملاً الصليب ويقتدي بالمسيح بالتضحية ونكران الذات. ونرى المسيح الراهب السرياني، لم ينفرد في البرية إلا فترة قصيرة من الزمن، ثم خرج إلى العالم منادياً «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات»
(مت17:4) هكذا الراهب بعد أن يكون قد اهتم بخلاص نفسه عليه أن يهتم بخلاص الآخرين لذلك فالرهبانية صارت في خدمة البشرية. كذلك فعل مؤسس الرهبانية الديرية في مصر القديس أنطونيوس الذي لما رأى الخطر يداهم الكنيسة لانتشار البدع الوخيمة في صفوف المؤمنين، كما شاهد المتمسكين بالإيمان يعانون من الاضطهاد المرير، نزل إلى الاسكندرية ليدافع عن الإيمان القويم ويشجع المؤمنين على التمسك بالعقيدة السمحة ثابتين بالإيمان، مهما تحملوا في سبيل ذلك من صنوف العذاب وحتى الموت.
هكذا فعل أيضاً القديس مار أفرام السرياني في القرن الرابع فقد كافح وناضل في سبيل تثبيت الإيمان «وكان على الهراطقة كسيف ذي حدين» وأسس المدارس وعلّم الشبان في نصيبين والرها وألّف جوقة الترتيل من فتيات تقيات فاضلات. كما خدم العجزة والمرضى وسدّ حاجات المعوزين، ونظم الطقس الكنسي السرياني لجذب المؤمنين إلى الصلاة بالروح والحق.
هكذا صارت الرهبانية خادمة صالحة للكنيسة، وهي أي الرهبانية ولئن كانت خارج الكنيسة، إذ أنها لا تعدّ من الرتب الكهنوتية، ولكنها لنشاطها في الكنيسة واهتمامها بالكنيسة، وتكريس الرهبان أنفسهم بخدمة الرب وحماية الإيمان تسلّموا زمام القيادة في الكنيسة ونشروا تعاليم الرب كما اهتموا بتحصيل العلم الروحي والمدني ونشره.
أجل إن هؤلاء الرهبان الجدد قد بدؤوا اليوم مشوارهم في طريق الرهبانية ملبين دعوة الرب التي جاءت على لساننا ليدخلوا الباب الضيق ويسيروا في الطريق الصعبة. فنحن لم ندعُهم إلى جنة غنّاء في هذه الحياة، بل إلى النزول إلى ساحة الجهاد، وميدان التعب والكفاح، إلى حمل الصليب وإلى وضع إكليل الشوك على هاماتهم ليستحقوا في الحياة الأبدية إكليل البر الذي يهبه الرب الديان العادل للمجاهدين الغالبين المنتظرين ظهوره في مجيئه الثاني. فليعطهم الرب أن يغلبوا إبليس، وأن يفوزوا بإكليل المجد. وليكن الرب معهم في الطريق كما كان مع يوسف الصديق فينجح الرب طريقهم كما أنجح طريق ذاك البار.
ليبارك الرب الدور التي تقدم للكنيسة خدّاماً أمناء، ونهنئ أهل أبنائنا الرهبان الجدد… وليبارك الرب كل العاملين في كلية مار أفرام الكهنوتية من الناظر، والمرشد الروحي، والأساتذة، وكل من يدعم الكلية مادياً ومعنوياً.
وشكرنا الجزيل للأحبار الأجلاء الذين شاركونا الفرحة بهذه المناسبة الطيبة وشكرنا كذلك وبركتنا الرسولية ودعاؤنا لجميع الحاضرين الذين قدموا من أماكن عديدة، لتكن أيامكم كلها مناسبات روحية مباركة ونعمة الرب تشملكم دائماً أبداً آمين.
الشهادة للمسيح·
أيها الأحباء:
يروق لي أن أرحب بكم جميعاً إلى هذه الحلقة الدراسية لتدريب الخدام في مراكز التربية الدينية في سوريا ولبنان. وأن أرحب خاصة بحبيبنا الروحي الفاضل البروفسور الدكتور موريس تاوضروس أستاذ اللاهوت في الكلية الاكليريكية القبطية بالقاهرة، وأستاذ اللاهوت بكليتنا كلية مار أفرام الكهنوتية بدمشق، الذي تجشم عناء السفر وجاء خصيصاً لإلقاء دروس علم اللاهوت في هذه الحلقة الدراسية ولتثقيفكم أنتم خدام مراكز التربية الدينية، وأن أشيد بغيرتكم الوقّادة ومحبتكم العميقة لكنيستكم، وخدمتكم الجليلة لتثقيف الجيل الصاعد الثقافة الروحية التي تليق بأبناء كنيستنا السريانية العريقة بالمجد والسؤدد.
أجل إنني أرحب بكم إلى هذه الحلقة الدراسية التي تفتح صفحة ذهبية جديدة في تاريخ كنيستنا السريانية، فلأول مرة يفسح المجال للفتاة أن تدرس علم اللاهوت وإن شاء الله بعد حلقات مماثلة سنرى الفتاة السريانية تقوم بتدريس علم اللاهوت. سجلوا هذا في مذكراتكم.
وأصلي إلى الله ليوفقنا لكي نصل إلى هدفنا الروحي السامي، لأن الكنيسة بحاجة ماسة لا إلى خدمة الشباب فقط بل إلى خدمة الفتيات أيضاً، والكنيسة تنتظر منكم ثماراً طيبة. فمنذ أن اقترحنا على المجمع المقدس تأسيس مراكز التربية الدينية، وأخذ المجمع قراره بذلك منذ سنين، نرى اليوم أن مراكز التربية الدينية في كل مكان يشعّ نورها كنجمة لامعة في كل أبرشية من أبرشياتنا. وتسعى للعمل على إيقاظ الوعي لشبابنا. إننا نقدّر همة شبابنا وفتياتنا إلى جانب توجيه رؤساء الأبرشيات، الأحبار الأجلاء، ومن يهتم من أحبائنا الكهنة بالتعليم الديني وإرشاد المؤمنين إلى جداول المياه ليرتووا منها ويطفئوا ظمأهم الروحي وليشتركوا بتناول دم المسيح وجسده، فيشبعوا جوعهم الروحي.
إنني لمسرور جداً أن أعلن لكم أننا قد عيّنا لجاناً عديدة وأولى هذه اللجان اللجنة التنظيمية تراجعون أفرادها المجتمعين في وقت يحددونه، وتراجعونهم في وقت مناسب وغير مناسب، لأنهم وقد قبلوا أن يضحوا بوقتهم في سبيل خدمتكم في هذه الحلقة الدراسية عليهم أن يتحملوا… وتتألف اللجنة التنظيمية من أولادنا الروحيين الربان سويريوس مراد ناظر كلية مار أفرام الكهنوتية والأخت الراهبة حنينة هابيل والشماس رازق سرياني والسيد موسى عبد الأحد.
ولأهمية اللغة السريانية عيّنا لجنة لتدريس هذه اللغة المقدسة وتتألف من أبنائنا الروحيين: الربان عيسى كربوز المرشد الروحي لكلية مار أفرام الكهنوتية والراهب ملكي ملكي، والملفونو جوزيف أسمر.
أيها الأحباء:
سؤال يطرح نفسه في هذا الموقف وهو: لماذا علم اللاهوت؟ ولماذا تدريس علم اللاهوت؟ ونجيب على ذلك بكلمات قليلة فقط، إن كنا لا نعرف دستور بلادنا، لا نعرف كيف نسلك كمواطنين صالحين، وإن كنا لا نعرف عقيدتنا الدينية لا نعرف وصايا ربنا. إن العقيدة الدينية هي التي تحدد سلوك الفرد، وعقيدة الإنسان الدينية هي المعلم والموجه للإنسان والمرشد والوازع له لكي يكون صالحاً أو طالحاً. هذا الميدان واسع. وتبقى مساحاته شاسعة، فإن كنا لا نعرف عقيدتنا، يعني ذلك، قد أصبحنا غرباء عن مسيحنا وعن إلهنا وعن تقاليد آبائنا، فمعرفتنا عقيدتنا، هذه العقيدة السمحة ضرورية جداً للخلاص، لأنها عقيدة أعطيت لنا من الله، وعلينا أن نعرفها. الرسول بطرس يقول لنا: «قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وصبر» (1 بط 15:3). لنستعدن لمجابهة الهرطقات العديدة القديمة والجديدة ولنعد فتياننا وفتياتنا لذلك، فهناك أناس قد باعوا أنفسهم للضلال يستغلون جهل شبابنا من الجنسين بعقيدتهم الدينية ويحاولون إغراءهم لكي ينحرفوا عن طريقهم المستقيم، لذلك لنسمع إلى الرسول بطرس القائل «قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وصبر» (1 بط 15:3).
فإذا كانت لكم معلومات كافية وكنتم تلمّون إلماماً كافياً بعلم اللاهوت، ستكونون على استعداد لمجاوبة الناس الضالين والمضلّين وإسكاتهم.
أيها الأحباء: إن شعار هذه الحلقة الدراسية هو: «رؤية مسكونية جديدة في الأبحاث اللاهوتية». وإن هدف الحلقة هو تسليح خدام مراكز التربية الدينية بمعلومات كافية عن تاريخ الكنيسة السريانية، وعقائدها، وطقوسها البيعية، وتقديم دراسات وأبحاث وموضوعات لاهوتية في رؤية مسكونية جديدة.
أردت بهذا أن أقول لكم إننا نؤمن بالحركة المسكونية التي ترغب في أن تفتح باب الحوار بين الكنائس لا لتضحي هذه الكنائس بعقائدها التي تسلّمتها من الرسل الأطهار، والآباء القديسين، بل لتضع أصبعها على الحقيقة الإلهية التي أعطيت لنا في هذه العقائد السمحة ولتعلن بأنها مؤمنة إيماناً مستقيماً مبنياً على حقائق الكتاب المقدس وتقليد الآباء، وفي الوقت نفسه ستكتشف أن إيمان الكنائس المسيحية الرسولية التي تسلّمت هذه العقائد من الرسل هو واحد وهي تلتقي في نقاط عديدة ولئن اختلفت في أمور ثانوية، هذا ما ستكتشفونه لدى سماعكم المحاضرات في العقائد وفي اللاهوت النظري.
وإننا لابد أن نذكر لكم بأننا ـ إن شاء الله ـ سنواصل هذه الحلقات الدراسية فإذا كنا ندرس في هذه السنة اللاهوت النظري ربما في السنوات القادمة اللاهوت المقارن واللاهوت الرعوي، وهكذا فعلينا أن نهتم لكي لا نضيّع دقيقة واحدة في هذه الفترة الزمنية القصيرة التي حددناها بثلاثة أسابيع.
إن مثالي الأسمى في حياتي الكهنوتية هو الرب يسوع، والرب يسوع هو الإله المتجسد، وإننا نحمل صليبه ونتبعه في طريق الجلجلة. ولكننا بعيدون جداً عن بلوغ قمة الكمال التي قد بلغها في تدبيره الإلهي بالجسد، وإننا نسعى للشهادة للرب يسوع، وفي هذه الحلقة الدراسية بالذات أرى أن نتخذ القديس مار يوحنا المعمدان مثالنا، فقد شهد للمسيح فلنتأمل بذلك متوقفين عند بعض نقاط سيرة حياته.
إننا نقرأ أولاً شهادة المسيح عنه، ثم سنرى لماذا شهد المسيح عن هذا الشخص، وشهادته عظيمة جداً، وإذا شهد المسيح عن أحد، فهذه أعظم شهادة ينالها الإنسان في الحياة الدنيا وفي ملكوت السموات. يوحنا كان قد أرسل اثنين من تلاميذه إلى الرب يسوع بعد أن أحيى الرب يسوع الشاب ابن أرملة نائين، وصل هذان التلميذان إلى يسوع وسألاه أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ طبعاً إن يوحنا لم يشك بالمسيح أبداً، وكان قد شهد له أنه حمل الله الذي يرفع خطايا العالم، وكان قد رفض أولاً حتى أن يضع يده على رأس المسيح ويعمّده ولكنه خضع أخيراً لأمر الرب ولما رأى يوحنا أن الأوان قد آن ليوجه تلاميذه ليتبعوا المسيح أرسل اثنين منهم إليه ليشاهدا أعماله العجيبة ويسمعا تعاليمه الإلهية. ويوحنا لتواضعه أولاً ولشهادته الصادقة ـ قال إنه لا يستحق حتى أن يحل سيور حذاء الرب. وإن ذلك الآتي أي الرب يسوع هو أقدم منه وبهذا الكلام يعترف بأزلية الرب. ولذلك لكي يؤكد لتلاميذه أن يسوع الناصري هو ماشيحا ـ المسيح ـ المنتظر أرسل هذين التلميذين فلما مضيا وقابلا يسوع.. رأيا عجائب عديدة اجترحها الرب، واستمعا إلى تعاليمه الإلهية السامية، وعادا إلى معلمهما يوحنا. يقول لوقا في (24:7) «ابتدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنا، ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا، أقصبة تحركها الريح،» ظنّوا أن يوحنا قد شك بالمسيح، إن الإنسان الضعيف الإيمان يصير كعصافة أمام الريح يتجه كل اتجاه غير ثابت على إيمانه ومبدئه الديني. كلا إن يوحنا ليس كذلك «بل ماذا خرجتم لتنظروا أإنساناً لابساً ثياباً ناعمة» هوذا الذين في اللباس الفاخر والتنعم هم في قصور الملوك. «بل ماذا خرجتم لتنظروا أنبياً، نعم أقول لكم وأفضل من نبي، هذا هو الذي كتب عنه، ها إني أرسل ملاكي أمام وجهك الذي يهيئ طريقك قدامك، لأني أقول لكم إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه».
هذه الآية تعلن لنا:
أولاً: عظمة يوحنا المعمدان.
ثانياً: عظمة المؤمن بيسوع المسيح الذي فاق بالعظمة يوحنا المعمدان.
ما هي العظمة بمقياسنا نحن البشر؟
إن الإنسان العظيم هو الإنسان الذي تبوأ مركزاً مرموقاً سامياً، أو جمع أموالاً طائلة، أو كان ذا مواهب ليس له فضل فيها، أعطيت له من الله دون أن يجتهد ليحصل عليها، هذا الرجل عظيم قدره، ونرى أيضاً احترام الناس له، ونقرأ القصائد الرنانة لشعراء عديدين يمدحونه، ولكن بمقياس الله، العظمة الحقيقية هي أن يكون الإنسان عظيماً قدام الله، هكذا كان يوحنا، ويوحنا كان عظيماً أمام الله وقد أعلن ذلك الملاك يوم بشَّر زكريا بميلاد يوحنا أو بالحبل به، بحبل اليصابات به، فمنذ ذلك التاريخ عرفنا أن يوحنا عظيمٌ.
سنعرف لماذا كان عظيماً. نقرأ ما قاله الملاك: لا تخف يا زكريا ها أن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابناً وتسميه يوحنا وسيكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته، لماذا سيفرحون بولادته؟ لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، هذه هي العظمة، أن يمتلئ الإنسان من الروح القدس. ولا يشرب خمراً ومسكراً، الذي يرى الأشياء الدنيوية صغيرة لأنه هو عظيم ويرى الملذات الدنيوية حقيرة فلا يتمرغ فيها إنما يمتلئ من الروح القدس. والامتلاء من الروح القدس يجعل الإنسان عظيماً أمام الرب، وعظمة يوحنا ظهرت بلباسه البسيط، ونحن عندما نرى إنساناً لابساً ثياباً فاخرة نحترمه ونكرمه للباسه. يعجبني قول أحدهم: استقبل الإنسان كأي إنسان ولكن ودعه بقدر ما ترى فيه من فضائل وإيمان بالله. وقد نستقبل إنساناً فقيراً نراه في ثياب رثة لا نحترمه. ولكننا بعد أن نعرفه حق المعرفة نكتشف أن تحت هذه الثياب رجلاً عظيماً بل لهذا الجسد البسيط نفس كبيرة وروح عظيمة لأنها قريبة من الله.
كان يوحنا عظيماً في تقشفه أيضاً، وكان يأكل الجراد وعسل البر. إن حجم ذلك الجراد أكبر من الجراد الذي تعرفونه، وكان سكان الصحارى عادة ينظفونه بقطع معدته ثم يأكلونه، هذا كان يأكله يوحنا مع عسل البر، ويقال إن عسل البر الذي كان يأكله لم يكن حلواً كالعسل العادي الطبيعي. وكان يوحنا عظيماً في رسالته، ما هي رسالته؟. إن رسالته أعلنها الملاك لزكريا وهي أنه: «يردُّ كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم يتقدم أمامهم بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً».
هذه رسالته السامية، قام بها يوحنا فكان همزة وصل ما بين العهد القديم والعهد الجديد، وبين أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد، ورسالته سمت لأنها تتعلق بأسمى رسالة في الكتاب المقدس هي رسالة الإله المتجسد، المسيح يسوع ربنا الذي هو مركز الدائرة في الكتاب المقدس، بل في الكون كله، ورسالة يوحنا كانت تهيئة الشعب وإعداده لتقبّل السيد المسيح والإيمان به لذلك اعتبر أعظم الأنبياء بل أعظم المولودين بين النساء.
لكن في الوقت نفسه نرى أن الرب يسوع يجعل الأصغر في ملكوت الله أعظم منه. هذا أمر عجيب، من هو الأصغر في ملكوت الله يا ترى؟ قال بعض الآباء إنه الرب يسوع، ولكن أغلب الآباء يقولون: إن الأصغر في ملكوت الله هو الإنسان الذي اعتمد باسم السيد المسيح ومسح بالميرون المقدس واشترك بتناول القربان المقدس وصار عضواً في جسد المسيح، الكنيسة المقدسة، هذا هو الأصغر في ملكوت الله. ويوحنا المعمدان على عظمته لم ينل هذه النعم.
إن كانت شهادة يوحنا للمسيح يسوع قد جعلته عظيماً، فأنتم تحملون رسالة شبيهة برسالته السامية، إنكم تشهدون للمسيح بالقول والعمل وتهيئون شعباً للرب مستعداً.
هذه الرسالة سامية جداً وحملها يُعد فرصة سانحة أعطيت لكم من الرب، أن تنالوا شهادة منه له المجد وأن تكونوا عظماء، أعظم من يوحنا المعمدان لأنكم قد نلتم الخلاص باسم المسيح يسوع، ولأنكم قد مسحتم بالميرون المقدس وأصبحتم شركاء ذوي الكهنوت، على حد قول الرسول بطرس: «كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً لتقدموا ذبائح مقبولة عند الله بيسوع المسيح» (1 بط 5:2) إنكم في عداد خدمة الرب كالكهنة، فإنكم تشاركون طغمة الإكليروس أي الطغمة الكهنوتية حسب تعبيرنا السرياني لكلمة (إكليروس) اللاتينية. إنكم تشاركوننا الكهنوت، والكهنوت اللاوي في العهد القديم كان خاصاً بسبط لاوي. لكن الكهنوت المسيحي هو كهنوت عام فبإمكان كل واحد من الذكور المسيحيين أن يرسم كاهناً، إذا كان أهلاً لذلك أمَّا الإناث فقد حَظَرَ عليهن ذلك، لأن المسيح اختار رسله الأطهار الاثني عشر واختار السبعين تلميذاً أيضاً من الذكور، وكانت النسوة تخدم السيد المسيح وتلاميذه وتسير معهم ورأينا أيضاً شماسات، ورأينا أيضاً من نذرن أنفسهن لخدمة الرب، ولذلك لا لأن المرأة ليست مساوية للرجل، بل ربما لأمور فسيولوجية، وربما لكي لا تتولد الشكوك لما كان عليه أتباع الديانات الوثنية لاختلاط النسوة في خدمة الأوثان، ولأسباب أخرى، وعلى كل حال هذا ما تسلّمناه من الرب، أن سر الكهنوت هو للرجال فقط، ولذلك لا نقدر أن نقول شيئاً آخر، لكن الرجال والنساء جميعاً يشتركون مع الكهنة بنعمة الكهنوت، لأننا جميعاً بيت روحي وكهنوت مقدس، نقدّم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح. الذبائح الروحية، هي لتسبيح الله، ونحن لا نستطيع أن نسبّح الله بألسنتنا فقط، بل يجب أن نسبحه بأعمالنا مثلما قال تعالى: «لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات». فتمجيد الله يكون في أعمالكم، بتربيتكم النشء الصالح تربية مسيحية صالحة بإقامتكم أنفسكم مثالاً طيباً لأولئك الناس، يوحنا كان مثالاً للتقوى ومخافة الله، والتجرد ونكران الذات، ولذلك كان شجاعاً عند الحق، نادى بالحق، لم يخف إنساناً، حتى هيرودس وكلفته شجاعته وشهادته للحق أن يقدم نفسه ضحية على مذبح محبة الله، وإعلان الحق، يوحنا كان متواضعاً، لذلك عندما سئل عما إذا كان هو المسيح؟ قال إنه لا يستحق أن يحل سيور حذاء المسيح، يوحنا في الوقت نفسه كان متقشفاً كما ذكرنا وزاهداً بأمور الدنيا كلها، لذلك استطاع أن يقدم شهادته قولاً وعملاً في آن واحد بشجاعة فائقة.
نحن في مراكز التربية الدينية نسمع انتقادات من أهلنا وأقاربنا وأصدقائنا وزملائنا، ونصادف مشاكل عديدة من الأفراد الذين نعتني بهم، ولكن إن كنا نشعر بأننا قد أُرسلنا من الله لحمل الشهادة للمسيح كيوحنا المعمدان ونفكر بالمكافأة التي سننالها من الله إذا كنا عظماء أمام الرب لا أمام الناس ليتكلم الناس عنا ما يشاؤون، حتى عن رسالتنا، ولكننا على يقين أننا نحمل رسالة سامية، إننا مرسلون من الله للقيام بهذا العمل الرسولي، فإذا كنا نحمل صفة الكهنوت العام، فما نعمله لأجل الرسالة فهو رسولي وما نقوم به في سبيل خلاص هؤلاء الناس وتهيئة الشعب للرب، هذا الشعب الذي اعتمد باسم المسيح، هذا الشعب الذي مسح بالميرون المقدس، وبنيله الميرون أصبح شعباً كهنوتياً وملوكياً، لأنه في القديم كان الملك والكاهن يُمْسحان بالزيت المقدس عندما يرسم الكاهن وعندما ينصّب الملك، وكذلك عندما يعلن عن الشخص أنه نبي. ونحن قد نلنا هذا، ذكوراً وإناثاً. إذن، نحن شعب ذو كهنوت مقدس وقد فسح لنا الرب المجال أن نأخذ وظيفة روحية ونحمل رسالة سامية في كنيسته المقدسة، علينا أن نقوم بها أفضل قيام، وعلينا أن نقيم من أنفسنا قدوة صالحة لهؤلاء الذين اؤتمنا على تثقيفهم روحياً والإتيان بهم إلى المسيح يسوع لتهيئة هذا الشعب ليؤمن بالمسيح، لا لأنه ورث الإيمان من آبائه بل ليؤمن بالسيد المسيح عن يقين وعن عقيدة وعن معرفة تامة، ويكون الإنسان به عقلاً وفكراً وعملاً إيماناً مستقيماً، بهذا ننال العظمة الروحية أمام الله.
أجل، بهذا، أيضاً ننال المكافأة من الله، هنيئاً لكم لأن الرب قد هيأكم لكي تهيئوا شعباً له، هنيئاً لكم لأن الرب بروحه القدوس ألهمكم لكي تتعاونوا بعضكم مع بعض لإتمام هذه الرسالة التي هي رسالة محبة الله، لأننا إذا لم نحب الله، لا نريد أن يعلن اسمه أمام الناس ليتمجد هذا الاسم المقدس، إذا كنا لا نحب الكنيسة لا نخدم الكنيسة، إن كنا لا نحب هؤلاء الصغار لا نخدمهم، إن كنا لا نحب بعضنا بعضاً لا نستطيع أن نتعاون بعضنا مع بعض لإتمام هذه الرسالة السامية.
أكرر شكري لكم أيها الأحباء في هذا اليوم المبارك الذي يعد يوماً تاريخياً لأنه سيفتح أمامنا باباً واسعاً للدراسة اللاهوتية. ودراسة لغتنا السريانية المقدسة، التي هي لغتنا الطقسية أيضاً، وبهذا نكون قد هيأنا أيضاً للذين سيأتون بعدنا الطريق ليكونوا قريبين إلى الله، الرب الذي شهد ليوحنا ويشهد لنا أيضاً ليس في هذه الحياة فقط بل أيضاً في السماء في الحياة الأبدية بنعمته تعالى، آمين.
حلم جميل قد تحقق·
أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء، أيها الأحباء:
نحمد الله الذي أنجح طريقنا إذ كان معنا منذ أن مخرت سفينتنا عباب يم الأبحاث الدينية في هذه الحلقة الدراسية اللاهوتية السريانية، وكان الرب معنا خاصة عندما كانت سفينتنا تصارع الأمواج العاتية، والرياح العاصفة، ونحن نحاول أن نكتشف المجهول برعب وخوف ولكن بإيمان وعزم وتصميم وتحدٍّ. واليوم وبعد ثلاثة أسابيع وقد بلغنا الميناء بسلام، لم نبلغ نهاية الطريق بل البداية فلم تنته مهمتنا بل قد بدأت رسالتنا، إنكم بهذه الفترة الوجيزة أيها الأحباء، استطعتم أن تستوعبوا أموراً لاهوتية وسريانية كثيرة، وتمكنتم من أن تشعروا بمسؤوليتكم الروحية إزاء خلاص نفوسكم وخلاص النفوس الذين تحملون إليهم ما تعلمتموه في هذه الفترة الوجيزة. فقد دُرِّبتم بمهارة، وبمخافة الله على الغوص في أعماق يم علوم اللاهوت وانتقاء اللآلئ الثمينة، لتنضدوها قلائد جميلة، يتزين بها جيد الكنيسة السريانية المقدسة، بل لتنثروها درراً نفيسة أمام الذين وضعت مسؤولية خلاصهم على عاتقكم، لتعلّموها وتثقفوهم الثقافة الروحية، وتقودوهم ليتعرّفوا على المسيح، ويقبلوه فادياً ومخلّصاً، ولتنشئوا من بعضهم قادة أمثالكم في ميدان التربية الدينية، والتهذيب المسيحي لبنيان الكنيسة، كنيسة الله التي هي جسده المقدس.
أجل، إننا نهنئ نفسنا قبل كل شيء، ونحن نوزع عليكم شهادات، تأخذونها إلى دوركم العامرة، وتفتخرون بها، وسيسألكم أهلكم، الكبار منهم والصغار، عن هذه الشهادات، لابد أنكم ستقصّون عليهم قصة حلم راود فكر البطريرك، وبتعاون من الابن الروحي الفاضل البروفسور الدكتور موريس تاوضروس، تحقق هذا الحلم، واجتمعتم نخبة طيبة من بناتنا وأبنائنا الروحيين، وجئتم لتتلقنوا العلوم اللاهوتية والسريانية في هذه المدة القصيرة.
واليوم وأنتم تتسلمون هذه الشهادات تبدؤون عملكم، وتنزلون إلى حلبة الجهاد الروحي في هذه الحياة الدنيا لتستحقوا بعد الظفر بإبليس أن تنالوا إكليل المجد بالسماء بعد العمر الطويل. لأنكم قد تسلحتم بسلاح الروح وأصبحتم على استعداد لمجاوبة كل من يسألكم سبب الرجاء الذي فيكم (1 بط 15:3)، لأنكم قرعتم باب العلم، ففتح لكم، ودخلتم إلى مقصورة ما كنتم تظنونه مجهولاً، لتكتشفوا أسرار العلوم اللاهوتية وعلوم لغتنا السريانية المقدسة.
وقبل ثلاثة أسابيع عندما بدأتم بخوف ورهبة ولسان حالكم يقول: هل بإمكاننا أن ندرس اللاهوت؟! وكيف سنتعلّم قراءة الحروف السريانية؟! ولكن الله فتح لكم، فتعلمتم القراءة السريانية، وأخذتم قسطاً كافياً من العلوم اللاهوتية، وإن شاء الله ستخطون خطوة واسعة جداً نحو الأمام، نحو الروح، نحو اكتشاف التقوى ومخافة الله في كتب آبائنا القديسين بالسريانية. أما علم اللاهوت، واسمه مهيب جداً، فإنكم بعد ثلاثة أسابيع، اكتشفتم أنكم تستطيعون أن تقدموا على الامتحان ولئن كان الامتحان مخيفاً جداً.
ويسرني أن أبشركم جميعاً بأنكم قد اجتزتم الامتحان بنجاح باهر، ذلك أن الدكتور موريس كريم وكريم جداً، كريم الأخلاق، كريم الروح، سخي وسخي جداً أيضاً بمنح العلامات، كما أن الأسئلة التي وضعها لم تكن صعبة وإن اعتبرها بعضكم صعبة ولكنهم اجتازوا الامتحان بنجاح، والدكتور موريس فرح جداً عندما صحح الأوراق، وكانت الأسماء غير معروفة كما تعلمون بحسب الأصول، وبعدئذ أنا وهو معاً، درسنا العلامات وكشفنا عن الأسماء، ووضعنا بحسب هذه العلامات مرتبة هذا أو تلك، والكل ناجحون، فيكم الممتاز والممتاز جداً بمرتبة شرف، الأولى والثانية والثالثة، وفيكم الجيد جداً وفيكم الجيد، الحمد لله لقد اجتزتم هذه المرحلة الصعبة، ولكن أمامكم امتحانات عديدة في كيفية تقديم هذه المعلومات التي نلتموها لتقدّموها للآخرين. لقد أخذتم المواد ـ والبنات تعرفن أكثر من الشبان ـ كيف تُعد المواد للطبخ، ولكن العارف والخبير فقط يقدر أن يهيئ أكلة طيبة من هذه المواد، فلكي تهيئوا الدروس الناجحة لطلابكم وطالباتكم، يجب أن تشعروا بمسؤوليتكم طالما أنتم الآن تملكون المعرفة الوافية، عليكم توصيل هذه المعرفة للآخرين.
أيها الأحباء:
ما لم نواصل تثقيف أنفسنا، ما لم نهتم بجمع الكتب الروحية النفيسة لتغذي مكتبات مراكزنا الدينية، ما لم نواصل المطالعة والتحصيل بالدرس وبالبحث والتنقيب، لا نستطيع أن ننتفع ونفيد الآخرين، أكرر عليكم ما قلته في بدء الحلقة الدراسية ـ أننا قبل كل شيء، سنتصل بكم كأفراد، وسنتصل بكم كمراكز عن طريق أصحاب النيافة مطارنة الأبرشيات ـ سنعقد حلقات دراسية في المستقبل إن شاء الله، ونهيئ لها تهيئة جيدة، وسنجتمع معاً لكي نواصل دراستنا، وأنا متأكد أن العديد منكم سيرغبون بل سيتشوقون إلى الانخراط في هذه الحلقات الدراسية في المستقبل.
أهنئكم وأهنئ نفسي وأهنئ الأحبار الأجلاء، الذين لبوا دعوتنا فأرسلوكم إلى هذه الحلقة الدراسية، أهنئ كلية مار أفرام الكهنوتية التي لولا جهودها في دمشق مقر كرسينا الرسولي الأنطاكي، ولولا وجود أبنائنا الرهبان الأعزاء، لصعب علينا القيام بهذه الحلقة الدراسية، وأهنئ خاصة عزيزنا الروحي الفاضل الدكتور موريس تاوضروس على همته العالية وعلى محبته الكبيرة، وتعاونه معي التعاون التام في هذا المضمار.
إنني لا أستطيع أن أكافئ الدكتور موريس على كل أعماله الكبيرة والكثيرة في سبيل كنيستنا السريانية، فقد درّس في كليتنا اللاهوتية مادة العهد الجديد والعلوم الدينية، وخاصة علم اللاهوت لمدة أربع سنوات كان فيها عنوان التضحية ونكران الذات، وكان موضع فخرنا، وما يزال، واستطاع في هذه الفترة وهو يتعاون معنا في وضع منهاج الدراسة اللاهوتية وغيرها من المواد أيضاً، وحتى أنه تعاون معنا في الأمور الإدارية، فالرب هو الذي يكافئه على كل أتعابه. ولكن كعربون لمحبتي، وعلامة شكر، أقلّده في هذه اللحظات وسام مار أفرام السرياني، ومار أفرام هو شفيع كنيستنا وكما تعرفون أنه كان عالماً روحياً كبيراً، ولاهوتياً خطيراً، ونحن نبجل مار أفرام ونحبه، فقد علمنا كيف نحب العلم ونرتشف منه ماء عذباً، كما علّمنا كيف نحب لغتنا السريانية وننهض بها، وهو شفيع كليتنا الكهنوتية وعندما نقلّد الدكتور موريس وسام مار أفرام، هذا الوسام الرفيع، نفتخر أن عالماً كبيراً ولاهوتياً شهيراً مثل الدكتور موريس يتقلد وسام العلامة الخطير مار أفرام السرياني.
فباسمي وباسم الأحبار المطارنة الأجلاء، وباسم كلية مار أفرام الكهنوتية، وباسمكم جميعاً أكرّم الدكتور موريس بتقليدي إياه وسام مار أفرام، وأهنئه، متمنياً له ولأفراد عائلته الكريمة الصحة التامة، والعمر الطويل، والتوفيق الجليل، بشفاعة السيدة العذراء مريم والدة الإله ومار أفرام السرياني، آمين.
قوة الصليب المقدس·
«إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله» (1 كو 18:1).
هنيئاً للمخلَّصين بصليب الرب يسوع، فقد نالوا قوة إلهية، وغلبوا إبليس والخطية، وصار الموت الطبيعي لديهم انتقالاً من حياة شقاء فانية إلى حياة هناء أبدية.
ما أتعس الهالكين، فإنهم لا يفقهون الأسرار الإلهية، وقد فقدوا قوتها، وصارت لديهم وكأنها غير موجودة، أولم يقل صاحب المزامير عن أمثالهم: «قال الجاهل في قلبه ليس إله، فسدوا ورجسوا بأفعالهم ليس من يعمل صلاحاً» (مز 1:14) فالذي يتمرغ في بؤرة الفساد والخطية، ولا يفقه التعاليم السماوية، يعتبر جاهلاً، لأنه قد ابتعد عن الله، هكذا كان الوثنيون بعيدين عن الإله الحقيقي، عابدين المخلوق دون الخالق، فجهلوا قوة الصليب، إذ لم يؤمنوا بتدبير الله الخلاصي للإنسان، ولم يفهموا سر عمل الفداء، ولم يؤمنوا بالفادي الحبيب. أما اليهود فإنهم «لو عرفوا لما صلبوا رب المجد» (1كو8:2) أولئك الذين اؤتمنوا على حفظ النبوات والناموس والشرائع، قد صار الصليب عثرة لهم لأنهم لم يريدوا أن يدرسوا النبوات ليفهموا سر الفداء، لذلك فقدوا قوة الصليب التي يدعوها الرسول بولس قوة الله، والصليب يستمد قوته من استحقاقات موت المسيح عليه، وقيامته من بين الأموات التي أعلنت قبول الآب كفّارة المصلوب وفداءه البشرية، على حد تعبير الرسول بطرس بقوله لرؤساء الكهنة اليهود عن الرب يسوع: «إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة، هذا رفعه الله بيمينه رئيساً ومخلصاً ـ ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا» (أع 30:5 و31) فإن الملايين من البشر قد صلبوا قبل صلب المسيح وبعده، ولكن لم يقم واحد منهم من بين الأموات بل طمس ذكرهم وذهبت ريحهم وصاروا أثراً بعد عين. ولكن الرب يسوع وحده الذي صلب ومات على الصليب، ودفن في القبر الجديد، وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماء، وإذ صُلب عنا افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب « ملعون كل من علق على خشبة » (غل 13:3 وتث 23:21) وهكذا حوَّل المسيح لعنة الصليب إلى ينبوع بركات سماوية، ونعم روحية، وصار الصليب راية الكنيسة المسيحية وشعارها وموضع افتخارها، فبعد أن كان علامة الضعف والذل صار عنوان قوة الله، ومجد كنيسته، وهذه القوة الإلهية ينالها كل من يؤمن بأنه نال الخلاص بدم المسيح يسوع الذي سفك على الصليب، لأن دم المسيح هو المرادف الحقيقي للصليب لأنه دم الإله المتجسد على حد قول الرسول بولس لكهنة أفسس «احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع28:20). والصليب أيضاً هو المرادف للإنجيل كله كقول الرسول بولس لأهل كورنثوس « لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً » (ا كو 2:2) فلا إنجيل خلاص دون المسيح المصلوب على الخشبة، والقائم من بين الأموات، فالمسيح بالصليب منحنا سر المصالحة مع أبيه السماوي، كما أعطانا نعمتي التبرير والتقديس بل أيضاً نعمة التبني، فصرنا أهلاً لنقف أمام الآب السماوي لا كعبيد بل كأبناء بالنعمة لندعوه بدالة البنين قائلين: « أبانا الذي في السماوات » حيث قد ولدنا من فوق لا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله (يو 13:1) فالصليب بكل استحقاقاته جعلنا ورثة لملكوت السموات، لأن قوة الصليب هي مصالحة السماء مع الأرض، وحياة تنالها الأرض من السماء بعد إيمانها برب السماء والأرض، وقبولها تدابيره الخلاصية، هذه القوة هي الغلبة على إبليس بحيث أن من يرسم علامة الصليب على جبهته بإيمان يُرْعِب الشيطان، وأن الأبالسة مجتمعة تهرب من أمام طفل مسيحي صغير يرسم علامة الصليب، إذ يمنحه المصلوب القدوس قوة روحية فيصير بطلاً روحياً ومسيحاً صغيراً يستحق الغلبة التي أنعم المسيح بها علينا بغلبته على إبليس وظفره به على الصليب، ومنحه إيانا الصليب سلاحاً روحياً ماضياً.
هذه القوة الإلهية الكامنة بالصليب المقدس كانت الوازع الأول للرسول بولس ليجهر أمام الناس معلناً وقائلاً: « وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا صُلبت للعالم » (غل 14:6) «مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي» (غل 20:2).
أجل إن الإيمان بيسوع المصلوب، فادي البشرية، يوجب على المؤمن الموت والحياة، أي المشاركة التامة للمسيح بآلامه وموته على الصليب وذلك بأن يموت المؤمن عن العالم والخطية. كما توجب الحياة بالمسيح القائم من بين الأموات، حياة قيامة روحية بالاتحاد بالمسيح القائل: « أنا هو القيامة والحياة ومن آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد » (يو 25:11 و26). فالرسول بولس مثلاً إذ صلب ذاته مع المسيح، نال الحياة في المسيح، واكتشف سر قوة صليب المسيح، فبعد أن كان الصليب عثرة له، وعائقاً عن الإيمان بالمسيح المخلص، صار لديه السبيل الممهد للوصول إلى المسيح بل أصبح لديه حياة وافتخاراً (غل 14:6).
أجل إن معرفة يسوع المسيح المصلوب المعرفة الحقة هي إعلان لسرَّيْ التجسد والفداء، واعتراف بأن المسيح قد أخذ جسدنا حقاً، وجُرِّب مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية، ومات بالجسد، على الخشبة، كفارة عن خطايانا، لذلك فعندما نرسم إشارة الصليب على وجوهنا قائلين: «باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين». نجاهر بإيماننا بسر الثالوث الأقدس الإله الواحد، ومساواة الأقانيم الثلاثة في الجوهر، كما نعترف بسرَّيْ التجسد والفداء، وعمل الكفارة على الصليب، لذلك اتخذ المسيحيون الصليب شعاراً لهم، منذ بدء المسيحية، وعرفوا فيه راية الكنيسة، ومن هذا المفهوم المسيحي السليم نذرت الملكة المسيحية هيلانة والدة الملك قسطنطين في القرن الرابع للميلاد، أن تفتش عن خشبة الصليب إذا ما آمن ابنها قسطنطين الملك بالمسيح يسوع فادي البشرية، وكانت هيلانة تواصل الصلاة ليل نهار، مقرنةً إياها بالصوم وتوزيع الصدقات ليستجيب الرب دعاءها. وشاء الله تعالى فأظهر لقسطنطين علامة الصليب في السماء، في رابعة النهار، ومعها كتابة تقول « بهذه العلامة تنتصر » فاتخذ قسطنطين علامة الصليب راية لجيشه وظفر بعدوه، وتنصَّر، فوفت أمه هيلانة نذرها عام 326م وذهبت إلى المدينة المقدسة وفتشت عن خشبة الصليب فوجدتها، وتأكدت بأعجوبة، من أنها الخشبة الحقيقية التي علق عليها الرب يسوع في الجلجلة، وذلك بوضع الخشبة على جثة شاب ميت وحالما لامستها عادت الحياة إلى ذلك الشاب فقام. وبارك أسقف المدينة الشعب بصليب الرب المقدس.
حقاً! إن الكنيسة المسيحية تكرِّم خشبة الصليب المقدس كما أنها تكرِّم علامة الصليب المقدس، مثلما يكرِّم المواطنون علم بلادهم وبذلك يكرِّمون وطنهم ودولتهم، ومن يُكرِّم الوطن يُكرِّم رايته التي هي رمز كرامته.
وإننا نكرِّم الصليب ساجدين للذي صُلب عليه ومات وقام من بين الأموات ظافراً بالموت، وإبليس، والخطية، وأعطانا بذلك الغلبة على أعدائنا الثلاثة هذه، ونرى بالصليب سر الخلاص، كما كان شعب العهد القديم في البرية، حيث لسعتهم الحيات المحرقة المميتة، يتطلعون بإيمان إلى الحية النحاس المعلقة على سارية في وسط المحلّة فينالون الخلاص من الموت. ونحن السريان لا نضع فوق الصليب تمثال المصلوب لأن يسوع الذي مات على الصليب أنزل عن الصليب ودفن في القبر الجديد، وقام في اليوم الثالث ممجداً، فهو ليس فوق الصليب بعد. فالصليب خالٍ منه. ونحن إذ نسجد للصليب إنما نسجد لمن صلب عليه. ولا نسجد لتمثال، ولا غرو من ذلك فإن بني إسرائيل عندما عبدوا الحية النحاس على عهد الملك حزقيا حطم هذا الملك المؤمن تلك الحية النحاس وألقاها في النار، مع سائر الأصنام، لأنها صارت سبب هلاك للشعب بعد أن كانت مصدر خلاص لهم.
فنحن بإكرامنا علامة الصليب المقدس، إنما نعبد الرب يسوع المصلوب من أجلنا ومن أجل خلاصنا، ونسجد لصليبه لأنه رايته وراية كنيسته المقدسة وبه يتم تقديس سائر أسرارها.
وإننا نكرم خشبة الصليب لأنها لامست جسد ربنا يسوع المسيح، كما أن دمه الزكي الثمين سفك عليها فإذا كانت للمناديل التي لامست جسد الرسول بولس قوة سماوية فائقة بحيث كانت توضع على المرضى فينالون الشفاء، فكم بالحري الخشبة التي صلب عليها الرب يسوع، ولامست جسده المقدس قد نالت قوة إلهية لمنح الشفاء لنفوس المؤمنين وأجسادهم؟!.
يقول آباء الكنيسة الميامين، إن شجرة الحياة التي غرست في وسط الجنة هي رمز للخشبة التي علق عليها المسيح، وإذا كان أبوانا الأولان قد مُنعا من الأكل من ثمارها بعد أن أخطأا لئلا ينالا الحياة الأبدية في حال الخطية، يحق لنسلهما أن يتمتع بأكل ثمار الخلاص المتأتية من صلب المسيح على الخشبة بعد أن نال هذا النسل الفداء بالمصلوب الإلهي وتبرر المؤمنون بكفارته وتقدسوا واستحقوا الحياة إلى الأبد بالمسيح المصلوب.
وإلى خشبة الصليب وعلامته، رمزت علامة دم خروف الفصح الذي لطَّخ على القائمتين والعتبة العليا على باب كل بيت من بيوت شعب العهد القديم في مصر، فكان الملاك المهلك عندما يرى الدم يعبر ولا يهلك بكر ذلك البيت، وهكذا أنقذت علامة الصليب أبكار شعب النظام القديم.
أجل أيها الأحباء: إن كلمة الصليب عندنا نحن المخلصين هي قوة الله. وعلامة الصليب هي علامة مسيحنا القدوس، والذي شاء أن تكون علامة لكل من يتتلمذ له تتلمذاً حقيقياً فهو له المجد قد قال: «ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي لا يقدر أن يكون لي تلميذاً» (لو 27:14) وقال أيضاً للجمع ولتلاميذه معاً: «من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلِّصها» (مر34:8 و35) فلا يمكن أن نصير تلاميذ المسيح ما لم ننكر ذواتنا أولاً، وإنكار الذات يعني اعتراف الإنسان المؤمن بضعفه وبقوة الله تعالى، وحاجة المؤمن إلى الله الذي لا قوة في الكون تضارع قوته تقدس اسمه، أما حمل الصليب فهو قمة التخلي، وتلميذ المسيح قد دفن أنانيته مع المسيح فلا يطلب ما هو لنفسه، بل ما هو لخلاص الآخرين لأن الصليب هو الاعتراف بحقوق الخطاة الهالكين من إخوتنا البشر الذين لأجلهم ولأجل خلاصهم وخلاصنا حمل المسيح صليبه، وعلق على الصليب. فعلى تلميذ المسيح أن يسعى لخلاص الناس، لينالوا الفداء ويصيروا أولاد الله بالنعمة.
أجل إن التلمذة للمسيح يسوع ربنا، وإنكار الذات، وحمل الصليب المقدس، كل هذه الأمور المقدسة، تذكرنا في هذه اللحظات، باليوم التاريخي المشهود، يوم جلوسنا على الكرسي الرسولي الأنطاكي بالنعمة لا بالاستحقاق. ونحن اليوم بنعمة الله نضع قدمنا على العتبة الأولى من السنة الثانية عشرة لبطريركيتنا. إننا نبدأ هذه السنة كما بدأنا خدمتنا في البطريركية بإيمان متين، ونكران ذات، وتضحية، بحمل صليب ربنا يسوع المسيح، واقتفاء أثره في طريق الجلجلة بصبر، وتحمل، وجلد. فحمل الصليب دلالة على اعترافنا بقوته الإلهية واعترافنا بضعفنا واتكالنا التام عليه، له المجد، فهو الذي يقول لنا ما قاله للرسول بولس: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمَلُ» (2 كو 9:12).
بنعمة الله قد اختارنا الله تعالى لخدمة كنيسته، ودعانا لنشاركه حمل الصليب، والسعي لخلاص النفوس. ولا غرو من ذلك فقد رأيناه في طريق الجلجلة وقد أنهكته الآلام فمشى ودمه يتصبب من جسمه المثخن بالجراح من آثار الصلبات القاسية واللكمات الشديدة بعد أن ساموه العذاب بالجسد الوحشي حتى أنه ظهر وكأنه لا يقوى على حمل الصليب فسخّروا سمعان القيرواني ليحمل عنه الصليب… من هنا نعلم أن الرب يسمح للبشر أن يحملوا صليبه وأن يتحملوا معه مسؤولية خلاص البشر مشاركين إياه في عمل فداء البشرية… فمسؤولية الخلاص بالصليب قد أعطيت لنا عن طريق الكنيسة المقدسة التي هي جسد المسيح السري التي استحقت أن تتسلم استحقاقات الفداء بالصليب وتحافظ عليها كحدقة العين، وتوزعها على المؤمنين أبنائها ليكونوا تلاميذ المسيح ربها وعرينها ورأسها.
لقد هيّأنا الله تعالى منذ نعومة أظفارنا لنكون تلميذاً للمسيح، وأعدّنا لنجلس على عرش أنطاكية بالنعمة لا بالاستحقاق، لذلك نرفع إلى جلاله الشكر على ما أنعم به علينا خلال هذه السنين الإحدى عشر الماضية التي قمنا فيها بأعباء البطريركية، شاكرين أعضاء المجمع المقدس السادة المطارنة الأجلاء الذين بإلهام رباني انتخبونا بطريركاً لنحمل الراية ونتقدمهم في خدمة كنيسة الله التي اقتناها بدمه لتمجيد اسمه القدوس لخلاص أبناء الله.
كذلك أيها الأحباء، نشكر أصحاب النيافة الأجلاء المشتركين معنا في الصلاة في هذا اليوم وفقهم الله في خدمتهم الرسولية. وليكن الله معنا جميعاً في الأيام القادمة كما كان معنا في السنين الخوالي لأننا بدونه له المجد لا نقدر أن نفعل شيئاً، كما قال في الإنجيل المقدس (يو 5:15) ونشكركم جميعاً أكليروساً وشعباً سائلين الله أن يبارككم بصليبه المقدس ويحفظكم ويحفظ أولادكم ويؤهلكم يوم تظهر علامة الصليب المقدس في السماء معلنة مجيء الرب يسوع ثانية أن تكونوا في عداد الموسومين بالصليب والمخلصين بالصليب والفائزين بالقيامة مع الصالحين (يو 29:5) الذين سيكونون في الدينونة مع الخراف الذين عن يمينه ويسمعون صوته العذب وهو يقول لهم: «تعالوا يا مباركي أبي رِثوا الملكوت المعد لكم قبل تأسيس العالم» (مت34:25) فترثوا معه ملكوته السماوي الحالة التي أتمناها لي ولكم بنعمته تعالى آمين.
تقليد المطران أفرام برصوم وسام مار أفرام السرياني·
صاحب الغبطة، أصحاب الدولة والمعالي والنيافة والسيادة:
أيها الحفل الكريم:
قبل عام احتفلنا في هذه الكاتدرائية بتكريم نيافة أخينا الحبيب الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة، بمناسبة يوبيله الأسقفي الفضي، وقلدناه يومذاك وسام مار إغناطيوس النوراني أحد الأوسمة الرفيعة التي يمنحها كرسينا الرسولي الأنطاكي لأحبار الكنيسة الأجلاء، مكافأة لهم على جهادهم المرير في رعاية الشعب المبارك، إلى مروج العز والراحة، ويومذاك وخلال زيارتنا لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس الهراوي، وعد فخامته أن يمنح نيافة المطران أفرام برصوم وساماً سامياً، وها هو اليوم قد برّ بوعده وجاءنا معالي الوزير شوقي الفاخوري ممثلاً فخامة الرئيس ليقلد هذا الوسام «وسام الأرز الوطني من درجة كومندور»، لنيافة المطران أفرام، ويسرنا جداً أن نرعى هذا الاحتفال البهيج، آية شكر وامتنان لفخامة الرئيس، وعلامة محبة وإكرام لأخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم، ما نفعله ويفعله فخامة الرئيس في هذا الميدان، إنما هو تقليد لدى الأمم الراقية والمتقدمة لتكريم العاملين من المواطنين في سبيل خدمة الوطن ورقيه وازدهاره، فهم ينعمون بأوسمة على الذي يضحون بالغالي والنفيس وحتى بالنفس أحياناً، في سبيل خدمة بلادهم، وفي ميدان الدين نرى الرسول بولس وهو يشجع المؤمنين بالرب على السعي للحفاظ على الفضائل الإلهية والسعي إلى الكمال ويشبه الذين يمتازون عن غيرهم بسيرتهم الفاضلة وإيمانهم المتين بالذين يفوزون في سوق السباق، ويرى أن الله يضع على هامة كل فائز إكليل المجد، فإن الجعالة تعطى للفائزين وإن إكليل البر قد أعد في السماء للذين جاهدوا الجهاد الحسن وأكملوا السعي وحفظوا الإيمان الذين يشترون السماء بالأرض، والذين يكنزون لهم كنوزاً في السماء يفوزون بالحياة الأبدية، الغاية القصوى من جهاد الإنسان المؤمن على هذه البسيطة، ولكننا أيضاً نفهم من حديث الرب يسوع مع ذلك الشاب الغني، ومداخلة القديس بطرس في ذلك الحديث مفتخراً أنه ورفاقه قد تركوا كل شيء وتبعوا الرب، نسمع الرب يقول له ولرفاقه: «ليس أحد يترك بيتاً أو والدين أو إخوة أو امرأة أو أولاداً إلا ويأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة، وفي الدهر الآتي ملكوت الله».
فالذي يضحي بالكثير الكثير في هذه الحياة يأخذ أيضاً في هذا الزمان كوعد الرب أكثر مما ضحى به، وذلك هو الإكرام، ذلك هو الاحترام، فمن يخدم الرب يكرمه الرب والشعب المؤمن، ألم يقل الرب للرسل: «من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني ومن يقبل نبيا باسم نبي فأجر بني يأخذ، ومن يقبل باراً باسم بار فأجر بار يأخذ».
فما أعظم رتبة الإنسان الذي يضحى بالغالي والنفيس في سبيل التمسك بشريعة الله وخدمة الله وأبناء الله، أي البشر كافة، ما أعظم أجره حتى على الأرض لذلك نرى أيها الحفل الكريم فخامة رئيس الجمهورية يكرم حبرا جليلاً لأنه رأي فيه إنساناً ضحى بالغالي والنفيس في سبيل خدمة وطنه العزيز لبنان، وفي سبيل الكنيسة والإنسان.
إن الأمم عندما أوجدت الأوسمة في العصور الوسطى وقدمتها لأناس خدموا الإنسانية كانت غايتهم من ذلك ليس فقط تشجيع أولئك الناس ومكافأتهم بل أيضاً ليتشجع غيرهم فيضحوا وينكروا ذواتهم في سبيل خدمة الإنسانية.
ونيافة المطران أفرام عرف بسيرته الفاضلة وبغيرته الوقادة في رعاية الشعب الذي أوكلت رعايته إليه، وعرف بمحبته لله وللناس، جميع الناس على مدى أكثر من ربع قرن وهو يخدم الأبرشية بتفانٍ، لم يميز بين كبير وصغير، وقد أحب الجميع وقضى من هذه السنين ست عشرة سنة كانت مليئة بالشدائد والمصاعب والمصائب، قضاها في مركز أبرشيته لم يتزعزع أبداً لإيمانه بالله وإيمانه بوطننا العزيز لبنان، وإيمانه باللبنانيين من مسيحيين ومسلمين، ولأنه قد تسلم من آبائنا السريان شعارهم «إن الدين لله والوطن للجميع»، ووجوب التمسك بالمحبة والسلام بين المسيحيين والإسلام، أولئك آباؤنا السريان الذين كانوا دائماً محبين للناس محبين للوطن مظهرين محبة الله بمحبة الناس، مرضين الله بخدمتهم للقريب، أولئك الذين عاشوا مع إخوتهم المسلمين بمحبة، بوداعة بتواضع وخدموا في دواوين الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين بل أيضاً اهتموا بالثقافة العربية إذ نقلوا الثقافة اليونانية عن طريق اللغة السريانية وبذلك تزاوجت هذه الثقافات الثلاث السريانية والعربية واليونانية فولدت لنا ثقافة عربية غنية جداً، صارت نوراً ومنارة انتقلت إلى الغرب عن طريق الأندلس فأنارت دياجير ظلامه، السريان الذين كانوا وما يزالون يحبون أوطانهم وقد امتدت جذورهم في الوطن العربي، وهم يعلمون أنه وطن أجدادهم وآبائهم، وسيكون وطن أولادهم وأحفادهم لذلك ضحوا بالغالي والنفيس وفدوه بالدم، وهم مستعدون أن يفدوه الآن وإلى الأبد، وهم يعون أن الوطنية ليست محبة بقعة الأرض التي نعيش عليها فحسب، إنما هي أيضاً التاريخ المجيد الذي مثله آباؤهم وأجدادهم فحددوا به العلاقات بعضهم مع بعض، ومع جيرانهم أيضاً في الوطن العربي الكبير، كان السريان وما يزالون محبين للجميع مخلصين لأوطانهم في كل مكان.
هذه فلسفة آبائنا الدينية والوطنية التي استمدها منهم أحبار الكنيسة كافة لأن الكنيسة لدى السريان هي الأم الرؤوم، هي التي تلدهم أولاداً للسماء، وتلدهم أولاداً لوطنهم مواطنين صالحين وترشدهم وتدلهم إلى السبيل المستقيم، وترى فيهم أبناء بررة، في هذه الفلسفة استطاع نيافة الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم كسائر أحبار الكنيسة أيضاً أن يقودوا دفة الكنيسة لإيصالها إلى ميناء السلام وأن يجعلوا من أبنائها مواطنين مخلصين لوطنهم، والسريان جزء من نسيج هذا الشعب المبارك، وهم يعرفون أنهم جزء من أمة أعطت العالم الحرف والدولاب والزورق بل أعطت العالم أيضاً الفلسفة والرياضيات، أولئك الذين يسعون في لبنان أن يكونوا مثالاً لمن يحب لبنان ومن يذود عن حياض لبنان وإنهم لمبتهجون جداً أن يروا لنبان وقد تماثل للعافية، وإن شاء الله في أقرب فرصة يحرر الجنوب المغتصب من العدو الصهيوني الغاشم ليكون لبنان حراً طليقاً منارة للهدى، ليكون لبنان مثالاًَ للديمقراطية الحقة والسلام العادل.
أيها الحفل الكريم، يسرني أن أختم كلامي بتكرار شكري لفخامة الرئيس الياس الهراوي، بشخص ممثله معالى الوزير شوقي الفاخوري، وشكري لكم جميعاً، وأكرر تهنئتي القلبية لأخي العزيز الحبيب المحتفى به نيافة مار أثناسيوس أفرام برصوم ولأبناء أبرشيته وللبنانيين السريان على الوسام الرفيع الذي ناله نيافته من فخامة الرئيس، وبذلك قد ناله كل سرياني في لبنان، عاش فخامة الرئيس، وعاش لبنان، وعاش المحتفى به نيافة المطران أفرام، وشكراً.
قوة الصليب المقدس·
أيها الأحباء:
من دواعي بهجتي وسروري في هذا اليوم المبارك أن أقدم تهنئتي القلبية لكم جميعاً بمناسبة تكريم فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس الهراوي لنيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة، بمنحه وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور، فقد جاء هذا الانعام في محله، ذلك لأن نيافة المطران أفرام برصوم هو رجل رسولي وهو راع صالح كما أنه يعتبر أحد زعماء الوطن وليس فقط مواطناً صالحاً.
ولا غرو فإننا في كنيستنا نعتبر الكنيسة والوطن في كفتي ميزان وهذا تعليم ربنا أن نعطي «ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، فإذا كنا لا نتعاون مع السلطة ونحترمها نكون قد ابتعدنا عن ينابيع عقائدنا الدينية، بل أيضاً نكون قد ابتعدنا عن محبة كنيستنا، فنيافته مثال صالح لكم جميعاً في محبة الوطن والتعاون مع السلطة لما فيه ازدهار الوطن وتقدمه، فقد جاء هذا التقدير من رئيس الجمهورية في محله، كما أن هذا التقدير هو لكم جميعاً، لأن الراعي يسعى لأجل اسعاد رعيته وخلاص نفوسهم، والراعي الذي يكون محباً للناس محباً لكنيسته ولرعيته، ومحباً للوطن هو حقاً الراعي الصالح.
باسمي وباسم الأحبار الأخوة المطارنة الأجلاء: مار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان، مار إياونيس بولس النائب البطريركي في دمشق، مار إقليميس أوكين المعاون البطريركي، نقدم إلى نيافته التهاني القلبية الحارة وأقدم لكم جميعاً هذه التهنئة الأبوية سائلاً الله تعالى أن يجعل هذه المناسبة سبب بركة ونعمة لكم وللبنان العزيز الذي نصلي دائماً لأجله لكي يعود إلى ما كان عليه في الماضي مثالاً للوطن الذي يكرم مواطنيه، للوطن الذي يطمئن المواطن فيه، للوطن الذي يكون نوراً للهدى للذين يعيشون في جوانبه، بصلاة العذراء مريم ومار أفرام الذي على اسمه شيدت هذه الكنيسة التي أتمنى أن ينتهي العمل فيها في القريب بهمة مطرانكم الجليل الذي اشتهر بنشاطه وحكمته وإدارته في جميع الميادين التربوية، الثقافية الاجتماعية، العمرانية والإنسانية، اللهم اسمع دعاءنا واحفظ شعبنا وبارك ميراثك واحفظ رعاة الكنيسة بصحة تامة وتوفيق جليل ليواصلوا خدمتك في رعاية شعبك المبارك بنعمته تعالى آمين.
أحبائي: هذا اليوم بحسب طقسنا السرياني هو بدء السنة الطقسية، وهو أحد تقديس البيعة وقد استمعنا إلى الرب يسوع في الفصل الذي تلي على مسامعكم من الإنجيل المقدس في بدء القداس، وهو يسأل تلاميذه عما يظنه الناس فيه إنه هو، ثم يوجه سؤاله ثانية قائلاً لهم: «وأنتم من تقولون إني أنا»، واستمعنا إلى الرسول بطرس يعلن الإيمان المسيحي قائلاً للرب: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، واستمعنا إلى الرب يعلن للمرة الأولى عن تأسيس كنيسته على أساس الإيمان به كابن الله، فيقول لبطرس: «أنت بطرس (أي الحجرة ـ كيفا بالسريانية) وعلى هذه الصخرة (شووعو بالسريانية) أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها».
بنى الرب يسوع كنيسته على مبدأ إيماني حقيقي هو أنه ابن الله الحي، لم يبن الكنيسة على شخص بطرس ولئن كان بطرس هامة الرسل، لأن الإنسان معرض كثيراً ودائماً للخطيئة، فلا يمكن أن تؤسس كنيسة المسيح على شخص ما لم يكن هذا الشخص المسيح بالذات، لأنه هو أساس الكنيسة ورأسها، وحجر الزاوية فيها. فقد جاء السيد المسيح وفدى العالم وكان لابد أن تكون له مؤسسة في هذه الأرض لكي تتحمل مسؤولية نشر بشارته الإلهية في العالم وتتحمل مسؤولية الحفاظ على النعم العظيمة التي استحقها العالم بعمل الفداء.
هذه هي الكنيسة المقدسة التي تحتوي على نعم الفداء وتبلغها إلى المؤمنين بالرب، وهي الجسر الذي يعبر عليه المؤمنون من الهلاك إلى الخلاص، والمرقاة التي يرتقون عليها من الأرض إلى السماء.
فعندما ابتدأ الرب تدبيره الإلهي بالجسد، لما آن الأوان وجاء ملء الزمان ونزل الملاك ليبشر العذراء أعلن أن هذا الذي حبل به فيها هو من الروح القدس وأنه قدوس وابن العلي يدعى، وعندما آن الأوان ليعلن المسيح عن تأسيس الكنيسة أعلن الرب أنه ابن الله، ولما ابتدأ رسالته الخلاصية أعلن الرب ما كان قد أعلنه السابق يوحنا القائل: «توبوا فقد اقترب ملكوت الله»، وعلمنا أن ملكوت الله هو الكنيسة بالذات، والكنيسة هي ملكوت الله على الأرض، تأخذ هؤلاء الناس المهتدين ليتعمدوا في جرن معموديتها ليكونوا هم أيضاً أولاداً لله بالنعمة وأخوة للرب يسوع، ويرشحوا لملكوت الله في السماء، فما أعظم رسالة الكنيسة التي سلمها المسيح يسوع لرسله الأطهار، ليكونوا الكنيسة المعلمة، والكنيسة المدبرة وليكونوا أيضاً ذوي سلطان لحل الخطايا وربطها، وليقودوا هذا الشعب إلى ملكوت الله في السماء، أي كنيسة الأبكار وقد وعد الرب كنيسته أن يكون فيها ومعها وأن تكون ثابتة لا تتزعزع، وأبواب الجحيم قال المسيح لن تقوى على الكنيسة، فهي صامدة وعلى صخرتها تتكسر قوى إبليس وتتلاشى الهرطقات والبدع الشنيعة، وفيها تثبت العقائد الإيمانية السمحة لآنها قد تأسست على تعاليم الرسل، التعاليم التي اخذوها مباشرة من الرب يسوع، كم قسا الدهر على هذه الكنيسة؟! كم حاول الملوك والأباطرة أن يتلاشى اسم المسيح الرب؟ ولكن الكنيسة بقيت ثابتة على إيمانها، ثابتة على آداب وأخلاق وسيرة أتباع المسيح، لأنه أرادهم أن يكونوا كاملين لأن أباهم السماوي هو كامل، ودعيت الكنيسة كنيسة مقدسة، وستبقى إلى الأبد ثابتة إيماناً وآداباً.
وكنيستنا كنيسة خالدة، الكنيسة السريانية التي أسسها الرسول بولس وأسسها الرسول بطرس وهي كنيسة بولس وكنيسة بطرس، بل أيضاً كنيسة الشعب بالذات، لأن الشعب الذي اضطهد في أورشليم هاجر إلى أنطاكية عاصمة سورية الكبرى يومذاك، وفي أنطاكية بدأ الشعب ينشر البشارة الإنجيلية إلى ان جاء بولس ثم جاء بطرس واعتبرت الكنيسة كنيسة هامة الرسل بطرس.
كنيستنا بقيت ثابتة على إيمانها وعلى سيرتها الصالحة ودعي أعضاؤها الذين اقتدوا بالرب يسوع مسيحيين لأن كل واحد منهم كان مسيحاً صغيراً بسيرته، بإيمانه، باستقامته، بأخلاقه السامية، وكنيستنا بقيت ثابتة أيضاً على التمسك بلغة المسيح السريانية وتفتخر بهذا أمام الكون لأنها لم تتمسك بطقوس غريبة عن حضارتها، غريبة عن دينها، بل تمسكت بما سنه ونهجه الرسل الأطهار وما أخذوه عن الرب نفسه هذه المسؤولية كبيرة لنا جميعاً نحن الذين ننتمي إلى هذه الكنيسة العريقة بالمجد والسؤدد، أن نكون مثل آبائنا القديسين، والقداسة أمر مفروغ منه لدى أبناء الكنيسة، فقبل أن يؤسس الرب يسوع الكنيسة وقبل أن يعلنها أمام رسله بعد أن اعترف به الرسول بطرس أنه ابن الله، وقبل أن ولدت الكنيسة يوم الخمسين عندما حل الروح القدس على التلاميذ وطهرهم ونقاهم وقدسهم، فأعادوا وحدة العالم بتكلمهم لغات عديدة بعد أن كانت قد تبلبلت لغات الناس في بابل من كبرياء الإنسان، فرسالة الكنيسة هي رسالة التوبة والعودة إلى الله بتواضع ووداعة، فقبل كل ذلك، نادى الرب يسوع في بدء خدمته العلنية قائلاً: «توبوا فقد اقترب منكم ملكوت الله»، وملكوت الله في الكنيسة المقدسة.
وقال الرب أيضاً: «كونوا قديسين لأن أباكم السماوي هو قدوس» فالكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، بقداستها تقدم للرب الذي مات من أجلها وفداها ونقاها وقدسها وأقامها لنفسه كنيسة مجيدة لا عيب فيها على حد قول الرسول بولس، هذه الكنيسة قدمت وتقدم له دم شهدائها وترانيم ملافنتها وصلوات نساكها وعبادها ورهبانها وراهباتها وقرابين أحبارها وكهنتها، ودموع من أخطأ من أبنائها وتوبتهم النصوح.
نسأل الرب الإله أن يؤهلنا جميعا لكي نعود إليه بالتوبة ولكي نقبل منه كالابن الضال العائد إلى أبيه فيأمر ليلبسنا خاتم العهد وحلة البر والقداسة ويذبح لنا الكبش المسمن، وتفرح بنا الملائكة في السماء، لنصير حقاً أعضاء في الملكوت السماوي على الأرض، وأن نستحق أن نكون أيضاً مع الملائكة القديسين ومع الآباء الميامين أعضاء في ملكوته السماوي في السماء بعد العمر الطويل بنعمته تعالى آمين.
عيد الميلاد المجيد·
أيها السامعون الكرام:
إن رسالة مولود بيت لحم، السيد المسيح، هي رسالة السلام، السلام للبشرية كلّها، السلام للناس جميع الناس. وقد أطلق السيد المسيح دعوة السلام هذه من بلادنا سورية الحبيبة، بلغته وبلغة كنيستنا السريانية الآرامية، لغة سورية القديمة. ونحن اليوم، وفي كل يوم، بهذه اللغة ندعو الله تعالى أن يوفّق سيادة رئيسنا المحبوب حافظ الأسد، إلى تحقيق رسالة السلام، رسالة الأنبياء رسل الخير والمحبّة.
وفي هذا العيد السعيد، عيد السلام والمحبة والتضحية، ونكران الذات، تهفو أفئدتنا إلى السلام… فالسلام هو حُلمنا الجميل، ورسالتُنا الخالدة، وهو جوهر ديننا السماوي… والسلام لا يمكن أن يكون سلاماً إذا لم يقم على أسس العدل الثابتة، فالظلمُ نقيضُ السلم، والتمييز العنصري الذي يشكّل جوهر الصهيونية، هو عدو السلام، وقهر الشعوب هو بذرة الحروب، واحتلال أراضي الغير، هو استثارة للنزعات المسلحة… ولذلك لا يدعو إلى السلام من يظلم ومن يقهر ومن يحتل أراضي الغير ويصادر حقوقهم.
ومن أجل السلام الحقيقي، ذهبت سورية إلى مؤتمر السلام، وسورية هي مهد الدعوة إلى السلام.
وعندما تدعو سورية بقيادة رئيسها المناضل حافظ الأسد إلى السلام، فإنما تدعو إلى العدل، وإلى إنهاء الظلم والقهر والاحتلال والاغتصاب والتمييز العنصري، وهذه الدعوة هي إرادةُ كلّ أبناء الوطن والأمّة.
أجل، لقد برهن سيادة الرئيس حافظ الأسد على أنه محبّ للسلم، وهو يسعى إلى توطيده في كل مكان، فقد نشر السلام في لبنان، وصان وحدته، وقوّى اللُّحمة بين أبنائه، وأزال من النفوس أي تفكير في قاهرٍ ومقهور، وجعل لبنان لكل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، وما كان لهذا البلد الذي مزَّقه الأعداء، ودمَّره الجهلةُ من الأبناء، أن يصل إلى شاطئ الأمان لولا سيادة الرئيس المفدّى حافظ الأسد، ولولا حكمته وإخلاصه ومحبَّتُه لجميع الأبناء دون تفريق بين دينٍ ودين، ومذهبٍ ومذهب، وطائفةٍ وطائفة، الأقربُ إليه هو الأخلصُ لوطنه، لا فرق عنده بين لبناني ولبناني إلا بقدر حبّه للبنان، ولا مطمع له في لبنان، إلا أن يكون حراً مستقلاً لأبنائه وشقيقاً توأماً لسورية، وبلداً عربياً ذا رسالة سامية في أمته وفي العالم.
ولسوف يسجّل التاريخ، اسم سيادة الرئيس المفدّى حافظ الأسد، بأحرف من نور وذهب، في الخالدات من سجلاته. فهو قائدٌ عزَّ مثيله، ورائدٌ قلَّ نظيره، وحكيمٌ يُرتجى، وشجاعٌ يُفتقد. إنه بصفاته وقدراته وأخلاقه، يجسّد كلَّ أصيلٍ ونبيلٍ وسامٍ في ماضي هذا الشعب العريق وحاضره وكلّ تطلعاته إلى مستقبلٍ سعيد فيه الكرامة والحرية والمساواة، وتكافؤ الفرصِ لجميع المواطنين، وفيه تحقيقُ الأماني القوميّة الخالدة التي تستمدُّ جوهرها الإنسانيَّ من جميع الحضارات المجيدة التي عرفتها أرضنا المباركة.
لقد كبرت سورية العربية بقيادة الرئيس حافظ الأسد، وأصبح لها شأنٌ عربيّ وإقليميّ وعالميّ عظيم. ونحن فخورون بذلك. ومن حقّ كل مواطن أن يسير ورأسه مرفوع وقدماه ثابتتان في الأرض، وعيناه متطلّعتان إلى مستقبل العزّ والكرامة.
فيطيب لنا مرَّة أخرى، أن نهنئ الشعب بهذا الرئيس الفذّ، الذي اختاره الله، وحباه بقوةٍ من عنده ليقودَ الأمَّة في طريق العزة والنصر والكرامة والحريّة والسلام، حفظه الله تعالى وأنعم عليه بالصحّة التّامة والعمر الطويل والتوفيق الجليل. كما يطيب لنا أيضاً، بمناسبة تجديد البيعة، لولاية جديدة لسيادة الرئيس المفدَّى حافظ الأسد أن نهنئ سيادته والشعب كافةً، بما شهده الوطن، كل الوطن، من أعراس شعبية، عكست حب الجماهير، كل الجماهير، وولائها المطلق للسيد الرئيس.
ولا ننسى أبداً في هذه المناسبة المباركة، أن نهنئ أيضاً سيادة الرئيس المناضل حافظ الأسد، والشعب العربي السوري، بذكرى ما زلنا نعيش أفراحها، كما نعيش كبير منجزاتها، ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة، التي قادها سيادته، داعين إلى الله، ليعضده وينصره في كل الميادين، كي يواصل مسيرته المباركة في بناء الوطن، ورفعته وازدهاره، ومن أجل استعادة الأرض، وإحقاق الحقوق المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني، وإقامة السلام العادل والشامل في المنطقة.
ويروق لنا في الختام، أن نشكر العاملين في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، على الجهود التي يبذلونها في سبيل نقل وقائع هذا الاحتفال الديني المجيد، وفّقهم الله في خدمة الوطن العزيز، وكل عام وأنتم بخير.
من عظات عام 1992
من عظات عام 1992
فرياس 1992·
السيد رئيس البلدية والآباء الأفاضل أيها الأبناء الأعزاء:
أبدأ باسم الرب الإله شاكراً العزة الربانية على إتاحة الفرصة لضعفي كي أقضي أياماً طيبة بين ظهرانيكم، وأشكر المسؤولين في هذه البلدة المباركة على توفير الراحة لي ولمرافقي كما أشكر أبنائي رئيس وأعضاء جمعية السريان لتنظيمهم برنامج الزيارة بطريقة ذكية جداً وخاصة حفلتي الاستقبال والوداع. وأشكر الخطباء الأعزّاء على كلماتهم اللطيفة التي عبّروا فيها عن شعورهم النبيل.
إنني لسعيد جداً أن أكون بينكم وقد قضيت أياماً قليلة والسعادة تغمرني، والآن وأنا أودعكم أؤكد لكم بأنني لن أنساكم أبداً في صلواتي. كانت الأيام الماضية القليلة مليئة بحرارة الصلوات والأحاديث الروحية كما ذكر الخطباء الكرام بكلماتهم وخاصة الآنسة « ندوة » فرسالتنا هي رسالة المحبة. وإنني أؤكد لكم بأنه لا يمكن أن يكون رجل الدين أميناً لرسالة المسيح ما لم يبشّر بالمحبة وينشر المحبة حيثما حلّ وأينما رحل. وها أنا أشعر بدفء المحبة في بلدكم (فرياس) المحبة التي بدت من رجال الحكومة والكنيسة والشعب المؤمن على اختلاف مذاهبه. وكما ذكر صديقي رئيس البلدية أنني صديق (فرياس) منذ أمد بعيد، ويحق لفرياس أن تدعى بلدة الصداقة والمحبة. أجل أيها الأحباء لقد جاء آباؤكم من المشرق إلى هذه البلاد والمشرق هو نور الحضارة والإيمان وعندما جاء آباؤكم إلى هذه البلاد المباركة سطع نورهم فيها.. جاءوا لا يحملون في جعبتهم شروى نقير ولكن كان لهم الإيمان وكانت لهم الأخلاق العالية التي توارثوها عن الأجداد. وبجدهم ونشاطهم ومحبتهم استطاعوا أن يبلغوا ما كانوا يطمحون إليه فتبوّأ أولادهم مراكز مرموقة. ونالوا ثقافة عالية. هل يا ترى سألوا أنفسهم قبل أن يأخذوا المركب إلى الأرجنتين ماذا ستعطينا الأرجنتين؟!
إن تساءلوا وإن لم يتساءلوا فالمهم أنهم عرفوا أن الأرجنتين أعطتهم فرصاً ذهبية، فاستطاعوا بعد جهد جهيد وتعب كثير أن يبلغوا الهدف المنشود. لقد غرسوا وأنتم قطفتم الثمر. وزرعوا وأنتم حصدتم، ونشأتم في بلاد الحرية والديمقراطية، فاليوم لا يحق لكم أن تتساءلوا ماذا تعطينا الأرجنتين، بل يجب عليكم أن تقولوا لأنفسكم ماذا يجب أن نعطي للأرجنتين.
عندكم أمور كثيرة بإمكانكم أن تمنحوها لهذا البلد، أولاً المحبة التي هي مصدر الفداء لأننا إن أحببنا وطننا سنفديه بمهجنا. المحبة التي يأمرنا بها الرب أن نحبه بكل قلوبنا، وأن نحب قريبنا كأنفسنا، وقريب المسيحي هو كل من يحتاج إلى المسيحي. إذا أعطتني بلادي أن أكون في مركز مرموق فعليّ أن أخدم وطني بخدمتي لأخي المواطن. إذا أتاحت لي بلادي الفرص فصرت غنياً علي أن أخدم الفقير واليتيم والمعوز والأرملة.
إن المجتمع الذي يضم فقط الغني الموسر والفقير المعسر، لا يسعد فيه كلاهما، فلا توجد سعادة في مجتمع ما، إلا إذا كان أغلب أفراده من الطبقة المكتفية بذاتها، غير غني غنىً فاحشاً، ولا فقير فقراً مدقعاً. فإذا كنت غنياً وتتنعم لوحدك بالمال الذي جمعته بطرق شرعية أو غير شرعية تكون قد أسأت إلى الدين والمال، فإن شئنا أن نوفي وطننا على ما أعطانا إياه أيها الأحباء، علينا أن نبذل الغالي والنفيس في سبيل إسعاد أبنائه، بذلك فقط نرضي إلهنا، إن رسالة الرب يسوع دائماً في قلبي وعلى لساني، فلا تعجبوا إن قلت لكم إن المسيح سيجيئ في اليوم الأخير ويدين العالم بقانون الرحمة والمحبة، فكما أننا بحاجة إلى ثقافة مشرقية كذلك نحن بحاجة إلى ممارسة الفضائل السامية التي ورثناها عن آبائنا، نحن بحاجة إلى جمعيات خيرية تتبرع للمريض والمشرد، للأرملة والعوائل المستورة، لليتيم ولكل المحتاجين، بهذا فقط نبرهن على أننا متمسكون بما أعطانا آباؤنا وبما أعطتنا الأرجنتين، إن المادية قد طغت، والأنانية هيمنت على الإنسان. والله يريدنا أن نكون خميرة صالحة نخمر العجين كله، لقد تحمل آباؤنا كثيراً من صنوف العذاب والاضطهاد للحفاظ على دينهم وتركوا وطنهم الأم مفتشين عن الحرية والعمل بحرية، فبعد أن نلنا الحرية الدينية علينا أن نعطي الدين حقه، فليس الدين نواهي ووصايا، بل الدين عمل إيمان متين يترجم بالأعمال الصالحة، هو العمل بالوصايا الإلهية، وتطبيق المبادئ السامية على مجتمعنا، أريد أن أؤكد لكم، أننا في وطننا الأم نعيش بحرية دينية تامة، وأن شبابنا من الجنسين يحبون كنائسهم ويمارسون شعائرهم الدينية بشوق وإيمان. فوصيتي الأخيرة إليكم أيها الأحباء أن توجهوا أبناءكم إلى محبة كنائسهم، فالكنيسة أم ومعلمة تلدنا من جرن المعمودية أبناء لله بالنعمة وتعلمنا مبادئ الإيمان المبارك وتدربنا في مدارج الفضائل وتعدنا لنحب الله وبعضنا بعضاً لنستحق أن نكون أبناء الله بالنعمة، وورثة لملكوته السماوي. فإذا كنا بحياتنا نسعى للمركز والمال دون أن نسعى لخلاص أولادنا، فالمال لا يخلصهم، والثقافة المدنية لا تنقذهم من الشر ما لم نزرع بذرة الإيمان في قلوبهم لتنمو وتعطي الثمار الطيبة التي هي السعادة في الدارين. فمن أحبّ أولاده فلينشئهم على محبة الله.
ليبارككم الرب كي تكونوا مسيحيين حقيقيين. أكرر شكري لكم جميعاً وخاصة المسؤولين الدينيين والمدنيين لمشاركتهم أبناءنا السريان بهذه الحفلة التكريمية، وأستودعكم الله مؤكداً لكم ثانية أني سأذكركم بصلاتي ليوفقكم الله وشكراً.
من عظات عام 1993
من عظات عام 1993
الحلقة الدراسية للعلوم اللاهوتية واللغة السريانية·
أحبائي..
نشكركم على تلبيتكم دعوتنا للمشاركة بالحلقة الدراسية ولشعوركم بمسؤوليتكم الروحية تجاه الذين تعملون معهم في مراكز التربية الدينية، وبرغبتكم في تحصيل الثقافة الدينية والسريانية، وإننا لنشكر أولاً العزيز الروحي الفاضل الدكتور موريس تاوضروس، لمحبّته للشباب، ونحن وأنتم نتعبه كثيراً، لكن هذه بركة من الرب لنا وله في آن واحد.
نشكر الذين اهتموا معنا بتنظيم الحلقة وتعاونكم معهم، ومن اشترك معنا في الحلقة الدراسية الأولى، ومن المفيد أن نعلمكم أننا في ختام الحلقة سندرس أوضاع مراكزنا الدينية، لإيجاد السبل الناجحة لتقدمها كي تعطي ثماراً أفضل.
هذه المراكز نعتبرها الدور التي تحوينا وهي مصانع للشباب والشابات الذين يخافون الله، ويعبدونه بالروح والحق.
قد جعلنا شعار الدورة، دراسة اللاهوت ودراسة الطقس الكنسي السرياني، ذلك لأنه ليس بالإمكان أن أفهم اللاهوت وأعلن حقائقه إلا عن طريق الطقس الكنسي، والطقس هو اللاهوت الذي يطبَّق عملياً، والطقس هو الصلاة بالذات، واللاهوت بالنسبة لي أنا كشرقي: هو معرفة الله معرفة أعمق، ومحبة الله، محبة خالصة والتقرُّب إليه تعالى، لأنه إذا أحب أحد شخصاً آخر، يرغب في أن يعرف عنه أكثر فأكثر، فعن طريق دراستنا اللاهوت نريد أن نعرف الكثير عن الله، وأن نخاطبه وأن نكون قريبين منه فعندما ندرس علم اللاهوت، ونعرف أكثر عن الله، ستقوى ثقتنا بالله وبأنفسنا، مؤكدين أن الله أبونا، لأنه هكذا علّمنا الرب يسوع. وعندما أعرف أن الله أبي وأنا أقف أمامه بدالة البنين، وأصلّي وأقول: « أبانا الذي في السموات » ستكون الصلاة التي أصليها عميقة جداً، وستكون نابعة من القلب والضمير، وسيكون شعوري عندما أقف أمام الله شعور شخص يعرف من هو الله، ويعرف أمام من يصلّي، ويعرف أن الله يعرفه أيضاً ويحبه، فالطقس هو الصلاة بالذات، وأقول الطقس السرياني لأن اللغة السريانية التي تكلمها الرب يسوع هي أمانة كبيرة وضعت على عاتقنا وفي أعناقنا نحن السريان، فيجب أن ندرسها وأن نعلّمها لأبنائنا لكي نفهم صلواتنا التي نتلوها فيها، ونشجع بعضنا بعضاً للتكلّم بها، فالسريانية الفصحى هي اللغة النقية الطاهرة التي أعطانا بها آباؤنا الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد في أواخر القرن الأول، وأوائل القرن الثاني، والكتاب المقدّس موجود لدينا مثلما تسلَّمناه، وتوجد اليوم كليات مختصة تدرس الـ « فشيطتا » أي الترجمة السريانية البسيطة للكتاب المقدس وهي أيضاً لغة مار أفرام بالذات، فنحن نريد أن ندرسها ليس لأنها لغة الآباء، ولا لأنها كانت لغة قومية، علماً بأننا نفتخر بآبائنا كلهم، إن كانوا شرقيين أي من سكّان شرق الفرات، أو غربيين أي من الذين سكنوا ما بين النهرين غرب الفرات إننا نفتخر بهم جميعاً، ولكننا ندرس اللغة السريانية لأنها لغة مسيحنا التي نعتز بها ونحاول أن نحتفظ بها حيّة ومنتشرة.
في الحلقة الدراسية الماضية، كنّا قد اتخذنا مار يوحنا المعمدان مثالاً لنا، مصممين على الشهادة للمسيح، كما شهد له يوحنا، ونحن الذين نهتم بتربية الجيل الصاعد التربية الدينية السليمة، يجب أن نشهد للمسيح بأقوالنا، وبأعمالنا، وبكل صدق، وحيث أن الشكوك الدينية قد كثرت في عصرنا هذا كما كثر الادعاء الديني خاصة من أناس التجدد، ويدَّعون أنهم يعترفون بالمسيح، وهم غير صادقين لأنهم ينكرون كل شيء ورثناه عن آبائنا الميامين القديسين. ويتجاهلون حقيقة أخذنا عن آبائنا الإيمان الصحيح بالمسيح، وقد أخذنا عن آبائنا الكتاب المقدَّس وسلّمونا إياه تماماً كما تسلّموه من رسل الرب يسوع الأطهار وتلاميذه الأبرار وإن محبتنا للمسيح هي الوازع الأول لتمسّكنا بآبائنا الشهداء والقديسين، ودراستنا لغتنا السريانية المقدسة.
وإننا في هذه الحلقة الدراسية، نتخذ الرسول توما التلميذ المحب والمؤمن مثالاً لنا فكلَّما نفكر بتوما نتصوَّر أمامنا شخصاً قد شكّ بحقيقة قيامة المسيح من بين الأموات ولا نفكر بتوما أنه التلميذ الذي آمن بعدئذ وأن شكوكه ثم إيمانه أبعدت عنا الشكوك بحقيقة قيامة المسيح من بين الأموات، ولا نفكر بتوما المحب الذي بإعلان إيمانه ومحبته للمسيح استشهد في سبيل المسيح. وبتأملنا في سيرة توما، نرى أنه كان يحب المسيح محبة عميقة جداً جداً، محبة خالصة، حتى أنه عندما عزم الرب على الذهاب إلى اليهودية ليقيم اليعازر من بين الأموات وكان اليهود قد عزموا على قتله، وأراد التلاميذ أن يثنوه عن الذهاب إلى اليهودية لئلا يُقتَل، قال لهم توما لنذهب ونموت معه، إذن كان توما مستعداً حتى أن يموت محبة بالمسيح، وقد شاءت إرادة الله ألا يكون توما مع التلاميذ عند ظهور الرب لهم في العلية مساء يوم قيامته، فتوما عندما يسمع من التلاميذ إخوته، أن المسيح ظهر في وسطهم، وأراهم يديه وجنبه وقال لهم: السلام لكم، ونفخ في وجوههم وقال لهم اقبلوا الروح القدس، وأعطاهم أيضاً سلطان غفران الخطايا وإمساكها، تألم توما لأنه حُرِمَ هذه النعمة العظيمة، وتحدَّى التلاميذ قائلاً: « بأنه ما لم يُبصِر في يدي الرب أثر المسامير ويضع يده في جنب الرب، لا يؤمن » (يو 24:20 و25) هذا الكلام صعب جداً، إنه تحدٍّ للرب أيضاً. ولكن توما اقتبسه من دعوة الرب للتلاميذ، ليروا يديه وجنبه، وإننا نعتبر توما مؤمناً ذلك لأنه لازَمَ التلاميذ إخوته ولم يتركهم. فقد كان له أمل في رؤية الرب. إنكم أيها الأحباء قد تساوركم الشكوك في حقائق إيمانية والإنسان عدو ما يجهل. أحياناً عديدة تظهر علامة استفهام كبيرة على بعض المواضيع، وتبدأ الشكوك، إذا كنتم محبّين للرب، وإذا كنتم مؤمنين، أنا أؤكد لكم أنكم ستبقون مثل توما مع التلاميذ، ولن تتركوا رفاقكم، بل بالعكس، في بقائكم معهم تبرهنون على أنكم مؤمنون. وتبرهنون على أنكم محبون، وتبرهنون أيضاً على أنكم تتوقون لتنالوا هذه الموهبة التي نالها غيركم، ولكن إذا أبغضنا المسيح، فسنكون لا سمح الله مثل يهوذا إذ يستولي علينا اليأس والقنوط ونهلك أنفسنا بعدم التوبة. فتوما الرسول ولئن أظهر شكوكه إنما كان يضمن إيماناً ورجاء ومحبة، فشكوكه كانت عارضة، تولدت نتيجة للغيرة، والغيرة طبعاً هي إحدى علامات المحبة، وثبت توما مع التلاميذ، وفي الأحد التالي، ظهر المسيح للتلاميذ في العالم ووجه كلامه إلى توما فبعد أن قال سلام لكم « قال لتوما هاتِ إصبعك إلى هنا وأبصِرْ يدي وهاتِ يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً أجاب توما وقال ربي وإلهي. قال له يسوع لأنك رأيتني يا توما آمنتَ طوبى للذين آمنوا ولم يروا » (يو 26:20 ـ 29) لقد برهن الرب لتوما على أنه الإله الحقيقي، فهو يعرف ما في القلوب، فقد عرف ما فكر به توما وعرف ما قاله لإخوته التلاميذ. فأجابه على تحديه.. فأعلن توما إيمانه وقال له ربّي وإلهي معترفاً بلاهوته فقد رأى إنساناً وصحّ أن يدعوه ربّاً وإلهاً لاتحاد اللاهوت بالناسوت، حسب عقيدتنا السمحة، في الطبيعة الواحدة والأقنوم الواحد والمشيئة الواحدة للمسيح يسوع الإله المتجسّد. فشعارنا إذاً في هذه الحلقة الدراسية التمسّك بالإيمان المستقيم الرأي، المسلَّم مرة للقديسين (يه 3) والمعبر عنه بالطقس الكنسي، ومثالنا الرسول توما المحب والمؤمن إن نسجنا على منواله سنكون محبين لله وإن محبتنا لله ستكون أساس كل تصرفاتنا في الحياة فهي التي تبعدنا عن الشر، وتكون وازعاً لنا لعمل الخير لأنه لم نُدْعَ لنبتعد فقط عن الرذائل بل أيضاً لنتحلى بالفضائل، وهذا الأمر ضروري جداً جداً، لأننا في مراكز التربية الدينية، نجتهد لكي نصير مثالاً للآخرين. وفي حادثة توما بالذات نتعلم كيف نتعامل مع المشككين من الشباب في مراكزنا ففي كل آن يوجد من يحاول أن يشككهم بعقائدهم الإيمانية في المجتمع وفي البيت وفي كل مكان. فعلينا أن نتحلى بروح المحبة والصبر والإيمان ونصلي لأجل المتشككين من الإخوة ليعودوا إلى حظيرة الإيمان مثل توما. ولنعامل مثل هؤلاء كما عامل المسيح توما بالصبر والرأفة واللطف، فلو عامل الرب توما بعنف لطرده لأن توما قد استمع إلى تعاليم الرب وشاهد معجزاته الباهرة بل أيضاً استمع إلى نبواته عن آلامه وقيامته. وقد يكون توما بلا عذر في تشككه.. ولكنه إنسان معرض للخطيئة، فأعطاه الرب فرصة فتاب توما ورجع إلى الرب مؤمناً. نحن أيضاً في مراكز التربية الدينية عندما نلتقي أخوة لنا قد يشككون في طقسها وفي تقاليدنا ويشككون حتى في الكتاب المقدس، وقد يثيرون الشكوك حول سلامة نية المسؤولين الروحيين، حقاً إنها لمسؤولية عظيمة، علينا أن نتحمّلهم ونصبر عليهم ونعطيهم البرهان الحسي بأننا نحبهم ونريدهم ونفسح لهم مجالاً أوسع للعمل. لطالما خسرنا الكثير من الشباب الذين أصبحوا يعملون ضد الكنيسة لأننا لم نتحمل جهالاتهم بصبر جميل، فإذا لم نصطبر على الشخص المريض روحياً ونفسياً، ونحاول معالجته كمريض نكون قد أخطأنا بحقه كأخ لنا بالمسيح…
لذلك بالصبر على أولئك الناس نجعلهم يشعرون بخطأ ما يقومون به ويبدأون هم أيضاً يتحمّلون معنا أعباء الآخرين. نحن نعرف المصاعب التي تلاقونها في التربية الدينية في عالم مليء بالألحان مليء بالخطية مليء بالابتعاد عن الله. أمَّا بالنسبة إلى تقييم أعمال المراكز فنحن نرغب في أن نسمع منكم لنتعاون معاً بما فيه خير هذه المراكز وتقدمها وازدهارها والنعمة معكم جميعاً ».
تقديس كنيسة مار أفرام الأشرفية·
صاحب الفخامة الأستاذ الياس الهراوي، رئيس الجمهورية اللبنانية الأكرم.
صاحبي الغبطة أخويّ البطريركين الجليلين،
أصحاب النيافة والسيادة المطارنة الأجلاء،
أصحاب الدولة والمعالي والسماحة والعطوفة المحترمين،
أيها الحفل الكريم:
إنها لفرحة عارمة تغمر كياننا في هذه اللحظات التاريخية المباركة، ونحن نفتتح وندشّن ونقدس هذه الكنيسة الجميلة، بموجب الطقس السرياني العريق، ويروقنا أن نقدّم التهاني القلبية إلى نيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة الجزيل الاحترام، وإلى كاهن الكنيسة وأبنائها كافة على إنجازهم تشييد هذه الكنيسة التي سيصدح فيها بلبل السريان الغرِّيد نيافة المطران أفرام برصوم، فتردد جوانبها صدى صوته الملائكي العذب الشجي، وسيعير المصلون آذانهم باهتمام ليسمعوا خطبه البليغة، وعظاته الروحية المؤثرة التي ترتفع بالقلوب والأفكار إلى الله، فلنشكر الله تعالى الذي أنعم عليه بهذه المواهب السامية إلى جانب ما وهبه من الحكمة وحسن الإدارة، وقد أهّله وأبناء أبرشيته أن تكتحل عيونهم جميعاً بمشاهدة هذه الكنيسة بعدما أُنجِزَ بناؤها، وبانت بذلك ثمار أتعابهم الجمّة فيها. وليكافئ الرب كل من ساهم واشترك في البناء مادياً ومعنوياً، ولابد من أن أشكر نيافة أخي المطران أفرام لمكارم أخلاقه ومحبته الخالصة حيث أنه شاء أن نحتفل بيوبيلنا الأسقفي الفضي بعدما كنا قد اقتصرنا في حينه على الصلاة لأن لبنان كان يمرّ بمحنته التي زالت والحمد لله.
أجل إن السريان شعب عرف بكفاحه وجهاده الروحي، شعب يقارع المصاعب، ويصارع المتاعب، فهو يدخل من الباب الضيّق، ويسلك في الطريق الصعبة المؤدية إلى ملكوت الله، ويرتقي القمم الشامخة ليبلغ إلى ذروة الكمال المسيحي. وفي ميدان تشييد الكنائس والأديرة والمشاريع الخيرية يبذل السرياني بسخاء، فهو يفضل بيت الله على بيته الخاص، لأنه قد ورث عن آبائه الميامين روح التديّن المتأصلة فيه، والإيمان الثابت الذي لا يتزعزع والرجاء الوطيد الذي لا يخيب، والمحبة العميقة التي ليس لها حدود، محبة الله والقريب والوطن الحبيب. والسرياني يفقه أنه منذ فجر التاريخ كانت قوى الشر تقارع قوى الخير، وتنازلها وتحاول التغلب عليها، وقد ازداد هذا الصراع شراسة وشدة وحمي وطيس الحرب الضروس في عصرنا هذا، وكادت قوى الشر تظفر بقوى الخير في مجتمعات فاسدة تقوم على أسس الطمع والجشع والاستغلال، بعيدة من مخافة الله والمحبة والسلام. وقد تمخضت قوى الشر وولدت موتاً ودماراً، كما جرى في الحرب الأهلية المشؤومة في لبناننا الحبيب، التي تحمّل السريان إبّانها المحن والمصاعب والضيقات والمشقات والأسى والكآبة، كسائر إخوتهم اللبنانيين، صامدين. واليوم والحمد لله، التأم جرح لبنان النازف دماً، ويتمتع اللبنانيون بنعم الأمن والسلام، والوحدة الوطنية، فلا فرق بين مسيحي ومسلم ودرزي، فكلهم للبنان ولبنان لكل واحد منهم، وقد صاروا عائلة واحدة أبوها هو أبو البلاد فخامة الرئيس الأستاذ الياس الهراوي، الذي إليه يعود الفضل في إرساء دعائم الوحدة الوطنية وأسسها المتينة الثابتة، ذلك بمد يده إلى سيادة الرئيس حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية، الذي يكنّ للبنان واللبنانيين المحبة والتقدير، والذي بادر إلى مساعدتهم وإلى إنقاذهم من شر مأساتهم، وكانت نتيجة تعاون فخامة الرئيس الياس الهراوي مع فخامة الرئيس حافظ الأسد أن تخلَّص لبنان من محنته، محافظاً على لُحمة أبنائه، وتماسك كيانه، ووحدة بنيانه وقواته، والبقاء على شرعيته، وهكذا جمع شمل العائلة اللبنانية الواحدة التي يربطها تاريخ مجيد، وتراث نفيس ثمين، وعقيدة بالله تعالى واحدة. فسيسجل التاريخ اسمكم يا فخامة الرئيس المبجّل، بأحرف من نور على أنصع صفحاته. أجل إن تفضل فخامة الرئيس اليوم بتشريف هذا الحفل ومشاركته إيانا فرحة افتتاح هذه الكنيسة يدلان على تقديره لرسالة الدين السامية وعلى ما يعمر قلبه من إيمان بالله والوطن، وسعيه لتجديد المجتمع اللبناني، لكي يصل المواطنون إلى أعلى مستويات الكرامة، كما أن وجوده ههنا يدل على إيمانه بالقيم الروحية وتأثيرها الكبير في إصلاح المجتمع، وأين توجد هذه القيم يا تُرى إلا في المعابد والكنائس والمساجد؟ والكنيسة بحسب عقيدتنا تعد مسكن الله، إن الله لا تسعه السماء والأرض وهو موجود في كل مكان ولكنه موجود خصوصاً في دور العبادة المكرَّسة لعبادته تعالى بالروح والحق.
والكنيسة هي أمّ للمؤمنين ووالدتهم التي تعتني بتربيتهم، وهي مدرسة يتخرجون فيها وقد تعلّموا من جملة ما تعلموا إقامة الصلاة من أجل جميع الناس، من أجل الملوك والرؤساء وكل منصب، لنقضي حياة مُطمئنة هادئة في كل تقوى وكرامة (1 تي: 2 ـ 1 و2) على حدّ تعبير الرسول بولس. وقبل الختام لابدّ من أن أشكر أصحاب الغبطة والنيافة والسيادة وسائر ممثلي الطوائف الدينية الذين زادونا ابتهاجاً بمشاركتهم إيانا، وكذلك أشكر سائر الحضور الكرام على لطفهم الجم.
ليسمع الله الصلوات التي ترفع إليه تعالى من هذه الكنيسة عطر بخور طيب الرائحة، وليستجب الرب الأدعية الصالحة، وليحفظكم جميعاً بالصحة التامة والتوفيق الجليل آمين.
سر الميرون المقدس·
نحمد الله حمداً جزيلاً على النعمة التي أسبغها علينا في هذا اليوم المبارك، إذ أهّلنا لنحتفل برتبة تقديس الميرون المقدس في هذه الكاتدرائية المباركة. ونشكر أخانا الجليل مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم مطران هذه الأبرشية، أبرشية حلب وتوابعها، الذي رغب في أن تقام رتبة تقديس الميرون في كاتدرائيته هذه، لينال أبناء أبرشيته بركة خاصّة، ليحفظهم الرب الإله وأولادهم، ويثبتهم على صخرة الإيمان القويم، منتفعين من مفاعيل سر الميرون المقدّس، فألف شكر لنيافته.
وإننا لمبتهجون أن يشاركنا أيضاً هذه الحفلة الروحية المباركة نيافة الأخ الجليل سورين مطران الأرمن الأرثوذكس في حلب، وأصحاب النيافة الأخوة الأحبار الاجلاء: مار ملاطيوس برنابا مطران حمص وحماة وتوابعهما، ومار يوليوس عيسى جيجك مطران أوروبا الوسطى، ومار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان، والمطران مار فيلكسينوس يوسف جتين النائب البطريركي في استنبول، ومار أوسطاثيوس متى روهم مطران الجزيرة والفرات، والمطران مار إقليميس أوجين المعاون البطريركي، والأسقف مار ايونيس بولس السوقي النائب البطريركي بدمشق، هؤلاء الأحبار الأجلاء شاركونا الصلوات إلى الله، طالبين منه تعالى، أن يرسل روحه القدوس ليقدّس مادة سر الميرون المركبة من زيت الزيتون والبلسم والأطياب، ليمنحها الرب قوة إلهية سامية، لكي تقدس أبناء الكنيسة الذين يمسحون بها على أثر نيلهم سر العماد المقدس.
أيها المؤمنون: إننا نرى أمامنا دهناً طيباً، ذا رائحة زكية، ونلمسه، ولكننا بالإيمان، نرى قوة خارقة الطبيعة، تصدر عن هذا الدهن المقدّس، نرى فيه مفاعيل الروح القدس، الروح الذي هبط بشبه حمامة على الرب يسوع على اثر عماده من يوحنا المعمدان، وبهذا الصدد جاء في الإنجيل المقدّس، قول الرسول متى: «فلما اعتمد يسوع، صعد للوقت من الماء، وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من السموات قائلاً، هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت»
(مت 16:3و17).
أجل، إنّ مَن يؤمن بيسوع ويعتمد معترفاً بالثالوث الأقدس، ويمسح بالميرون المقدّس، يستحق أن تنفتح له السموات، ويحلّ عليه الروح القدس، وأن يصير ابناً لله بالنعمة. وبسر الميرون المقدّس أيضاً، ينال المؤمن مواهب الروح القدس التي نالها الرسل الأطهار والتلاميذ الأبرار، عندما حلّ عليهم الروح القدس في العلية بشبه ألسنة نارية.
فما أسمى سر الميرون المقدّس، وما أروع مفاعليه، أنه أحد الأسرار السبعة التي سلّمها الرب يسوع إلى تلاميذه يوم الخميس، ليلة آلامه المحيية، عندما أكل الفصح معهم، وخلال الأيام الأربعين، الفترة الزمنية الواقعة ما بين قيامته من بين الأموات وصعوده إلى السماء. وأنعم الرب يسوع على رسله الأطهار، بموهبة رئاسة الكهنوت، ووهبهم السلطات على غفران الخطايا، وتقديس سائر أسرار الكنيسة، وأدرك الرسل سرّ القوة الإلهية الكامنة في هذه الأسرار المقدّسة.
وكان الأصل في سرّ الميرون المقدّس، أن يضع الرسل الأيادي على المعتمدين ليحلّ عليهم الروح القدس، ونقرأ في سفر أعمال الرسل، أنه «لما سمع الرسل الذين في أورشليم، أن السامرة قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذين لمّا نزلا، صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس، لأنه لم يكن قد حلّ بعد على أحد منهم، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع، حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس» (أع8: 14-17).
ولما تكاثر المؤمنون بالرب يسوع، ودخل في المسيحية جماهير غفيرة، من أماكن شتى، وتعذّر على الرسل أن يقوموا بخدمة وضع الأيادي، فبإلهام الروح القدس، استعاضوا عن وضع اليد، بتقديس الزيت بعد إضافة الأطياب التي أمر بها الرب موسى ليركب منها دهن المسحة في العهد القديم، كما أضاف الرسل إليه الحنوط والأطياب التي كانت على جسد الرب يسوع، ووزعوا هذا الدهن المقدّس على التلاميذ، وهكذا بدأت الكنيسة تمسح المعمّدين، بالميرون المقدس بعد الانتهاء من طقس عمادهم مباشرة، وآمنت الكنيسة بأن لسرّ الميرون، قوة إلهية، وهو العلامة الظاهرة لمفاعيل الروح القدس، وبهذا الصدد يكتب الرسول يوحنا في رسالته الأولى إلى المؤمنين كافة قائلاً: «وأمّا أنتم فالمسحة التي أخذتموها، ثابتة فيكم، ولا حاجة لكم إلى أن يعلمكم أحد، بل ما تعلمكم هذا المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق، وليست كذباً، كما علمتكم تثبتون فيه» (1 يو 27:2). والرسول يوحنا بقوله هذا، يعلن لنا أن مسحة الميرون المقدّس التي نلناها من الله، وهي ثابتة فينا، إنما هي معلمتنا ومرشدتنا، وأن علينا أن ننصت إليها، ولا نتخذ لنا معلماً آخر.
وعندما نعقد المقارنة بين كلامه هذا وبين كلام الرب يسوع عن عمل الروح القدس، يتضح لدينا الربط المتين بين عمل مسحة الميرون وعمل الروح القدس ومفاعيلهما، فالمسيحة المقدّسة أي الميرون هي العلامة الظاهرة الحسيّة والمنظورة لمفاعيل الروح القدس غير المنظورة، فالرسالة واحدة، والهدف واحد، ويتبين ذلك جلياً من قول الرب يسوع للتلاميذ عن الروح القدس «إن يوحنا عمّد بالماء، وأماّ أنتم فستتعمّدون بالروح القدس». (أع1: 4و5). فيوحنا الإنجيلي الذي دوّن في الإنجيل الذي كتبه، هذا الكلام الذي سمعه من الرب يسوع، يوحنا هذا يكتب في رسالته الأولى قائلاً للمؤمنين: إن المسحة أي مسحة الميرون المقدس، تعلمهم كل شيء، فالمسحة إذن لها مفعول الروح القدس، لأنها هي العلامة الظاهرة لمفاعيل الروح القدس الذي يقول عنه الرب لتلاميذه: «ومتى جاء المعزّي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من الآب ينبثق، فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضاً، لأنكم معي من الابتداء» (يو 15: 26و27) وقال أيضاً: «لأنكم ستنالون قوة، متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض» (أ ع 8:1) فهذه هي مفاعيل الروح القدس التي لا ترى، ولكننا نشعر بها، وقد شبّهها الرب بالريح قائلاً: «الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، ولكنك لا تعلم من أين تذهب، هكذا كل من ولد من الروح» (يو 8:3) إننا ندرك ما يجري للذي يولد من جرن المعمودية ويمسح بالميرون المقدس، ونشعر بالتغيير الذي يحدث لهذا الإنسان من تأثير الولادة المقدس، ونشعر بالتغيير الذي يحدث لهذا الإنسان من تأثير الولادة الثانية الجديدة، الولادة من السماء، فهذا الإنسان يلبس المسيح، على حدّ قول الرسول بولس: «لان كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح» (غل 27:3) هكذا يصير المؤمن الذي اعتمد ومسح بالميرون المقدّس، مسيحاً صغيراً في كل تصرفاته وعلاقاته مع الناس، إنه يحيا السماء على الأرض، نحن لا نعلم كيف يحدث هذا التغيير، كما لا نرى الريح، لكننا نسمع صوتها، وهكذا نشعر بتأثير مفاعيل الروح القدس بالمؤمنين على أثر المسحة بالميرون المقدس.
كذلك فالروح يمنح المؤمن ثباتاً على الإيمان، وشجاعة، وبسالة في الاعتراف بهذا الإيمان، هكذا حدث للتلاميذ بعدما حلّ عليهم الروح القدس في العلية يوم الخميس، تغيّروا تغيراً ملموساً، وانقلبوا من أناس ضعفاء جبناء، خائفين، مختفين، إلى رجال شجعان أقوياء، معلنين إيمانهم بالمسيح على رؤوس الأشهاد، ومن سذَّج بسطاء، إلى حكماء وخطباء، حتى أن هامتهم الرسول بطرس تمكن بخطبة واحدة ألقاها على الجمهور الغفير الذي اجتمع حول التلاميذ، أن يجذب إلى الإيمان بالمسيح، ثلاثة آلاف نفس، بل أيضاً أثّرت خطبته فيهم فنخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس وسائر الرسل: ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة ؟ فقال لهم: «توبوا وليعتمد كل واحدٍ منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس لأن الموعد لكم ولأولادكم» (أع 38:3 و39).
هذا ما تسلمناه من الرسل الأطهار، أن نعمّد أطفالنا، ونمسحهم بالميرون المقدس، ليولدوا لا من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله (يو 13:1)، ذلك أن المعمودية ضرورية للخلاص بموجب قول الرب يسوع «من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدَن» (مر16:16)، وخوفاً من أن يموت بعض هؤلاء الأطفال قبل أن يبلغوا سن الرشد، دون أن ينالوا الخلاص بالمسيح، قرَّرت الكنيسة بناءً على تعاليم الرسل وممارستهم، أن تمنحهم سرّي المعمودية والميرون المقدس، الذي هو تكملة لسر المعمودية وكذلك سر القربان المقدس، بناءً على إيمان آبائهم وأشابينهم ومسؤوليتهم الروحية جميعاً، ولا يكررّ إعطاء سر الميرون للمؤمنين، فهو كالمعمودية، يُعطى مرة واحدة في الحياة. إن الكنيسة المقدّسة تسلّمت من الرسل والآباء الميامين، أن تقديس الكنائس والمذابح والأواني الكنسية أيضاً يجري بمسحها بالميرون المقدس.
أجل، إن كل سر من أسرار الكنيسة السبعة، لا يكمل شرعاً، ما لم تتوفر فيه شروط ثلاثة هي: الخادم، وهو الكاهن الشرعي بحسب رتبته وسلطانه وصلاحيته لخدمة ذلك السر بالذات، ثم الصورة، وهي الأقوال التي تتلى أثناء إتمام الخدمة الطقسية للسر، ثم المادة، وهي الأشياء المنظورة والمحسوسة من السر كالماء في المعمودية والخبز والخمر للقربان المقدس.
وتتميّز مادة سر الميرون المقدس، عن مواد بقية الأسرار، بأنها يجب أن تتقدس أولاً، ثم توزع إلى الكنائس، ويقوم بتقديسها في كنيستنا السريانية الأرثوذكسية، البطريرك الذي هو أبو الكنيسة العام ورمز وحدتها، وهو يمثل السيد المسيح رأس الكنيسة، ويعتبر سر الميرون المقدّس، علامة وحدة الكنيسة التي هي أسرة واحدة، وبهذا الصدد يقول الرسول: «لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح، ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع» (غل 27:3 و28).
وقد احتفلنا اليوم برتبة تقديس مادة الميرون المقدّس بحسب طقس كنيستنا السريانية الأرثوذكسية العريقة بالمجد والروحانية، وقد سلّمنا آباؤنا القديسون هذا الطقس، لنقتدي بهم، فنمارسه بخشوع ورهبة ومخافة الله، ونسلّمه إلى أبنائنا ليبقى للبركة إلى أبد الآبدين.
ولا بدّ أنكم لاحظتم أننا ابتدأنا الطقس بتلاوة صلوات للتوبة، وذكرنا فيها المرأة الخاطئة، التي اشترت طيوباً غالية الثمن وسكبتها على هامة الرب يسوع وقدميه، ومسحت قدميه بشعرها. وخلال ذلك أخذ أحد المطارنة المبخرة، وتقدَّمه كهنة، يتقدمهم حامل الصليب المقدس، ثم كاهن حمل عكاز البطريرك، وآخرون حملوا المراوح والشموع، ودار المطران في الكنيسة حيث دار البطريرك بعدئذ، ثم تليت قراءات من أسفار العهد القديم من الكتاب المقدس، وإن دوران المطران بالمبخرة وتبخيره الكنيسة إشارة إلى أن النبوات التي تنبأ بها أنبياء العهد القديم عن الرب يسوع قد انتشرت في العالم كله قبل تجسُّده، له المجد.
وخلال ذلك مزج البطريرك البلسم بالزيت المطبوخ مع الأطياب وذلك في مكان خاص في المذبح بعيداً عن أنظار الناس قدر الإمكان. وإن مزج هذين العنصرين الرئيسيين ببعضهما في القنينة، يشير إلى اتحاد اللاهوت بالناسوت في أحشاء العذراء مريم، فالبلسم حار يدل على نار اللاهوت والزيت بارد يشير إلى الناسوت.
ثم حمل البطريرك القنينة وأخفاها بحلّة القداس التي يرتديها، ودخل القبَّة من باب المذبح الذي يقع على يسار الشخص المواجه للمذبح، وحمل الإكليروس القبَّة محاولين قدر الإمكان إخفاء البطريرك عن الأنظار.
وابتدأ البطريرك بالمناداة قائلاً: هليلويا. أي المجد لله، وهو في هذه المرحلة يشير إلى ميلاد الرب يسوع بالجسد وكرَّر المناداة ثلاث مرات وأجابه الإكليروس أيضاً ثلاث مرات قائلين بالسريانية: ܫܠܡܐ ܘܫܝܢܐ ܘܣܒܪܐ ܛܒܐ ܠܒܢܝ̈ܢܫܐ المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة، وتليت صلوات، وأنشدت ترانيم روحية خلال الدورة، وبعد الوصول إلى المذبح وضع البطريرك القنينة على المذبح على (الطبليث) القطعة الخشبية الموضوعة في وسط الترونس، والتي يوضع عليها عادة الكأس والصينية أثناء الاحتفال بالقداس الإلهي، ووضع قنينة الميرون عليها، إشارة إلى صلب المسيح على الخشبة، ثم تليت صلوات عديدة، إشارة إلى موت المسيح وقيامته من بين الأموات وصعوده إلى السماء، ثم حمل البطريرك القنينة وزيَّحها في المذبح على الجهات الأربع، دلالة على انتشار الدين المسيحي في نواحي الأرض الأربع. وهكذا يبارك البطريرك الشعب بالقنينة المقدسة.
أجل: إننا نرى مادة سر الميرون المقدس ونلمسها ونشمها، إنها تحت حكم الحواس ونؤمن أن مفاعيلها الروحية عظيمة جداً، ولئن كانت لا ترى بالعين المجردة، فهي مفاعيل الروح القدس بالذات، ومن يمسح بالميرون بصورة قانونية، يحلُّ عليه الروح القدس، كما حلَّ على التلاميذ في العلية، وهو «روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب» (اش 2:11). وهذا الروح يثبِّت الإنسان على صخرة الإيمان، ويمنحه الشجاعة الكافية للاعتراف بالمسيح، كما فعل المعترفون والشهداء القديسون، فالرب قد أوصانا قائلاً: «ولكن احذروا من الناس لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يحاكمونكم وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم، فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم» (مت 17:10 ـ 20).
لا غرو من الشعور بقوة مفاعيل سر الميرون المقدَّس، فإن الزيت في العهد القديم الذي كان رمزاً للميرون المقدس، كانت له مفاعيل روحية سامية، عندما كان يستعمل لمسح الكهنة والملوك والأنبياء، فكم بالحري دهن الميرون المقدس. وبصدد مفاعيل الزيت في العهد القديم جاء في سفر صموئيل الأول الإصحاح السادس عشر «إن الرب قال لصموئيل النبي املأ قرنك دهناً واذهب إلى يسّى البتلحمي، لأني قد رأيت لي في بنيه ملكاً، وامسح لي الذي أقول لك عنه… وعبَّر يسَّى بنيه السبعة أمام صموئيل، فقال صموئيل ليسّى: الرب لم يختر هؤلاء. وقال صموئيل ليسّى: هل كملوا الغلمان؟ فقال: بقي بعد الصغير وهوذا يرعى الغنم، فقال صموئيل ليسَّى: أرسل وأتِِِِِِِِِِ به لأننا لا نجلس حتى يأتي إلى ههنا. فأرسل وأتى به، وكان أشقر مع حلاوة العينين وحسنِ المنظر، فقال الرب لصموئيل: قم امسحه لأن هذا هو» (اصم 16). أما كيفية إعلان الرب إرادته في حالٍ كهذه فهو أن الزيت يغلي ويفور في القرن، فيعلم النبي المرسل من الله، أن الله قد اختار هذا الإنسان للغاية التي أرسل النبي لأجلها. هكذا اختير داود ومسح ملكاً ونبياً عظيماً.
فإذا كان ذلك الزيت البسيط، الذي هو رمز للميرون المقدَّس، قد صدرت منه قوة إلهية، فهل نستغرب أن يهبنا الرب عطية الروح القدس، عندما نمسح بالميرون المقدَّس على أثر خروجنا من جرن المعمودية، فتنجلي مفاعيل الروح في أفكارنا وأقوالنا وأفعالنا!؟
أيها المؤمنون: نِعمَ ما عملتم في هذا الصباح المبارك، بحضوركم هذه الحفلة المباركة واشتراككم معنا بالصلاة، فقد نلتم بركة الرب يسوع. أسأله تعالى أن يعزز مفاعيل الروح القدس في أفكاركم، وأقوالكم، وأعمالكم، وأن يثبِّتكم وأولادكم على صخرة الإيمان القويم، وأن يقوّيكم لتعرفوا قوة أسرار المسيح يسوع مخلصنا وتمارسوها، فتعمدوا أطفالكم لينالوا نعمة الثبات على الإيمان كقول الرسول بولس: «لكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا» (2 كو 21:1 و22)، فليثبت فينا جميعاً الروح القدس الذي يرشدنا إلى الحق، ويذكّرنا بتعاليم ربنا يسوع المسيح ووصاياه الإلهية لنعمل بها، وليمنحنا الشجاعة، الكافية للاعتراف به أمام الناس، ليعترف هو أيضاً بنا في اليوم الأخير أمام أبيه السماوي وملائكته القديسين، ونعمة الرب تشملكم جميعاً آمين.
مكافأة العاملين في كرم الرب
أيها المؤمنون: يرسم لنا مَثَلُ عمَّال الكرم، صورة واضحة عن كيفية مكافأة العاملين في الكنيسة المقدسة التي هي ملكوت الله على هذه الأرض، الذي شبِّه بالكرم (مت 28:21 ـ 33 ولو 6:13) ويُلَخص المثل بأن « رب الكرم استأجر عمَّالاً لكرمه في مُدَد متفاوتة ومتباينة، بدءاً من طلوع الفجر وإلى الساعة الأخيرة قبل غروب الشمس. وكان قد اتفق معه الأولون على أن يدفع لكل واحد منهم ديناراً واحداً أجرة عمله طيلة اليوم. أما مع بقية العمال فلم يتم أي اتفاق على مقدار الأجرة. وفي المساء دفع للجميع أجرتهم بالتساوي ديناراً واحداً لكل واحد منهم. مع أن الذين استأجرهم أولاً عملوا من الصباح الباكر وحتى آخر النهار بخلاف الذين استأجرهم أخيراً الذين عملوا ساعات قليلة فقط. ولمّا تذمّر الأولون على رب الكرم قائلين: هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثِقَلَ النهار والحر، أجاب وقال لواحد منهم: يا صاحب ما ظلمتك أما اتفقت معي على دينار. فخذ الذي لك واذهب، فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك، أو ما يحلُّ لي أن أفعل ما أريد بمالي، أم عينك شريرة لأني أنا صالح، هكذا يكون الآخرون أولين، والأولون آخرين. لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون» (مت1:20 ـ 16).
أجل لقد أسّس الرب يسوع كنيسته، ودعا أناساً ليعملوا فيها وفي مقدمتهم الرسل الأطهار، والتلاميذ الأبرار. وقد حدَّثهم الرب كثيراً عن أصول التلمذة الحقيقية والتضحيات التي تتطلبها، وفي مقدمتها حمل الصليب واقتفاء الرب في طريق الآلام، وسأله بطرس مرة مستعلماً عن نوع المكافأة التي ينالها هو ورفاقه التلاميذ وقد تركوا كل شيء وتبعوه. فأكّد لهم الرب بأن التضحية في سبيله لابد أن تنال مكافأتها في هذه الحياة وفي الحياة الأبدية (مت 28:19 و29).
وضرب الرب يسوع مثل عمال الكرم ليوضّح لبطرس وسائر الرسل والتلاميذ بأن المُهمَّ في الخدمة هي: نيّة الخادم الطاهرة، والدافع إلى الخدمة من إخلاص وأمانة وتضحية ونكران الذات. والغاية منها خلاص النفوس. ذلك أن التطلع إلى المكافأة يفسد معنى التضحية حيث تصير المكافأة الغاية من الخدمة، فتنقلب التضحية إلى مساومة. إن الرب عادل فهو يصرف للعامل أجرته كاملة. وفي الوقت ذاته يراعي الرب في مكافأة العاملين، نوع العمل وكيفيَّته، ونية العامل، والروح التي كانت وراء الخدمة. كما فعل سيد الكرم مع أولئك الذين عملوا في كرمه ساعات معدودة فقط، لا كل النهار، إذ أغدق عليهم هباته بسخاء، في الوقت الذي لم يظلم فيه الذين اتفقوا معه على أجرة معلومة فدفع لهؤلاء بعدل تماماً كما ساوموه في بدء النهار.
والأجرة في المثل تمت مساء عند مغيب الشمس. وهكذا الرب يكافئ خدامه الأمناء عند انتهاء العالم أي يوم القيامة العامة. كما أن عمل الإنسان ينتهي أيضاً عندما تغيب شمسه في هذه الحياة، فينتقل من هذا العالم الفاني إلى العالم الثاني، وقد يكون آنذاك في مقتبل العمر، أو كهلاً أو شيخاً طاعناً في السن، ويكافئ الرب الجميع حسب نياتهم وإخلاصهم وأمانتهم والدافع إلى تضحياتهم والغاية منها، لا حسب طول مدة الخدمة أو قصرها لأن الخلاص هو نعمة مجانية، فلا يعتبر الدخول إلى ملكوت الله في السماء أجرة واستحقاقاً للخدمة، إنما هو هبة ونعمة وبركة يسبغها الله على العاملين بنيّة طاهرة، وغاية سامية، هي خلاص النفوس، وتمجيد الله، وشكره على النعم التي يسبغها على الإنسان مجاناً، لا بأعمال بر عملها (تي 5:3) فافتخار الإنسان بأعماله بما نسميه البر الذاتي يرفضه الرب قائلاً « كذلك أنتم متى فعلتم ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا » (لو 10:17).
أبعدنا الرب الإله إكليروساً وشعباً عن روح الطمع والجشع، وألهمنا لنعي بأن علينا أن نعمل في كرمه بتضحية ونكران ذات، وأهَّلنا له المجد، لنكون في عداد المؤمنين المدعوين المنتخبين العاملين بصمت، محبّة به لا طلباً للمكافأة. آمين.
من عظات عام 1994
من عظات عام 1994
رعية مار أفرام السرياني ـ بربانك·
أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء، سيادة المحافظ، الآباء الكهنة الأعزاء، السادة رؤساء المجالس المليّة، أيها الحفل الكريم:
أشكر الله شكراً جزيلاً على ما يسبغه عليّ من نعم لم أستحقها، أشكره تعالى على هذه الفرصة التي أتيحت لي في هذه الأمسية الجميلة، لأجتمع بكم وأتحدث إليكم، وإنني لممتن جداً لنيافة أخينا الحبر الجليل مار اثناسيوس يشوع صموئيل مطران الولايات المتحدة وكندا، وعميد مطارنة المجمع السرياني الأرثوذكسي الأنطاكي المقدس، على دعوته الكريمة لضعفي، لأحتفل بالأعياد معكم في هذه المدينة المقدسة.
هذا الشعور يشاركني فيه نيافة الحبر الجليل المطران مار إقليميس أوجين المعاون البطريركي، الذي يرافقني في هذه الزيارة.
وإنني لمتفائل جداً أيها الأحباء، وأنا أراكم بهذه الغيرة السريانية الوقادة، يقودكم في كنيسة مار أفرام النائب المطراني، في هذه الولاية العزيز الفاضل الأب الدكتور جوزيف ترزي، الذي هو نار ملتهبة بمحبة الله والكنيسة واللغة السريانية، الذي هو خير مثال لكهنة الكنيسة الذين يقومون بخدمتهم في ميادين شتى، تعليمية، ثقافية، روحية، وكهنوتية، فالكل يعرفه معرفة جيدة لجهوده وأتعابه، وإنه لنعم الاختيار الذي اختاره نيافة الحبر الجليل المطران مار أثناسيوس يشوع صموئيل ليكون نائبه في هذه الولاية، وأن يرعاه ويشجعه ليواصل هذه الجهود الجبارة في خدمتكم، في لمّ شتات أبناء الكنيسة، في تفقدهم في المجالات الروحية والاجتماعية والثقافية، وإنني لأهنئكم بكاهنكم الفاضل.
أيها الأحباء: أشكر أصحاب النيافة، الآباء الكهنة، ممثلي الطوائف، وكل من شارككم في إعداد هذه المأدبة الفاخرة تكريماً لضعفي، وإن هذا التكريم إن كان بإقامة المأدبة أو بالكلمات اللطيفة التي قيلت عني وأنا لا أستحقها أبداً، يتعدى شخصي الضعيف إلى هذا الشعب المبارك، الشعب السرياني في كل مكان وكل زمان، هذا الشعب الجبار، أبناء أنطاكية سورية، الذين كانوا السبّاقين بالإيمان بالمسيح يسوع ربنا، والذين اقتدوا بالمسيح وحملوا صليبه، وحذوا حذوه، وطبعوا على غراره، فرأى فيها المواطنون في أنطاكيا أنهم مسحاء صغار، فدُعي أتباع ربنا يسوع المسيح مسيحيين أولاً في أنطاكيا، كما يذكر سفر أعمال الرسل، هذا الشعب المبارك، هو شعب سرياني سوري مذهباً، حافظ على التراث السرياني، على لغة ربنا يسوع المسيح السريانية الآرامية، وما يزال، هذا الشعب اتصف بمحبة العلم والثقافة، فعبر الدهور رأينا علماء السريان يساعدون إخوتهم العرب بنقل التراث اليوناني من اليونانية إلى السريانية الحبيبة فالعربية العزيزة، وبذلك أعادوا الثقافة إلى أهلها. فبعد أن أخذ اليونان الثقافة منا، من بين النهرين، من سومر وأكاد عن طريق الفينيقيين في لبنان، أعادها السريان ثانية إلى أبنائها، وكان السريان قد عضدوا إخوتهم العرب في حروب تحرير أراضيهم، ودعوا ذلك فتحاً وتحريراً في آن واحد، لأن الأراضي كانت أراضينا نحن الذين سكنّا أنطاكيا، وهضاب آرام وما بين النهرين العليا والسفلى، نحن الذين حافظنا على بلادنا، لأننا نحب بلادنا، نحن الذين أخلصنا لأوطاننا، وذدنا عن حياضها إن أفرامنا السرياني في القرن الرابع، ومعلّمه يعقوب النصيبيني، كانا يقفان على السور في نصيبين وهما يشجعان الجيش للدفاع عن المدينة، لأن هذا أمر طبيعي جداً، لمن يحب وطنه، ومن يحب الوطن يبذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على الوطن. آباؤنا السريان أحبوا العلم، وقال عنهم المؤرخون، إنه ما بنى السريان كنيسة إلا وبنوا إلى جانبها مدرسة، أما الأديرة فكانت كليات، يتلقن فيها كل من قصدها، اللغة السريانية واليونانية وأحياناً العربية، وكل العلوم. لذلك كان آباؤنا مفخرة الأجيال، وسيبقون نجوماً ساطعة في سماء العلم والثقافة بل الحضارة.
السريان عانوا كثيراً، في سبيل تمسكهم بعقيدتهم الدينية، وسيرتهم الفاضلة إننا لا نتمكن من فصل العقيدة الدينية عن السيرة، هذه مسيحيتنا بل هذه تعاليم مسيحنا، أن نتمسك بالعقيدة التي صارت أساساً للكنيسة عندما اعترف الرسول بطرس بالرب يسوع بأنه: ابن الله الحي، فبنى الرب كنيسته على هذا المبدأ الحي، وهذه السيرة التي يريدنا الرب أن نتحلّى بها، أن نحمل صليبه، أن نتبعه، أن نقتدي به، مثلما قال لبطرس: اتبعني، عندما أراد أن يثبت بطرس على الإيمان.
إننا، أيها الأحباء، دنيوياً، عالمياً، وبمقياس أبناء هذه الحياة، قد خسرنا كثيراً، لأننا كنا ملايين، ولكن الآن نُعدّ فقط بالآلاف، ولكن من قرأ تاريخنا ودرس ما طرأ على شعبنا عبر الدهور والأجيال، أقرّ معنا أننا أبناء الشهداء، بل أيضاً أقرّ معنا أن وجودنا حتى اليوم كأفراد وككنيسة يعتبر أعجوبة الأعاجيب. لكن ـ الحمد لله ـ ما نزال موجودين، آباؤنا حملوا مشعل الإنجيل إلى الشرق والغرب، تلمذوا العالم، مع الإنجيل المقدس حملوا لغته السريانية، لغة سورية القديمة، لغة ربنا يسوع المسيح، ثقّفوا العالم، ولكن العالم تنكر لهم، فاضطهدتهم ممالك، وقتل رؤساء وملوك ألوفاً من كهنتهم وشمامستهم وأحبارهم والمؤمنين لتمسكهم بعقيدتهم الدينية. ما نزال والحمد لله في الوجود. الهجرة قصمت ظهرنا، وأتعبتنا ولكن في الوقت نفسه، فسحت لنا الهجرة، لنقتدي بآبائنا بحمل الإنجيل إلى العالم، فطالما تركنا بلادنا، شابهنا شجرة باسقة عصفت بها ريح عاتية، فتناثرت أثمارها هنا وهناك، وكل ثمرة أنبتت غرسة جديدة وصارت أيضاً شجرة باسقة، هذه هي الهجرة، صرنا في أماكن عديدة في الشتات، ولكن حملنا معنا إلى الشتات إيمان آبائنا، كما حملنا أيضاً الفضائل السامية التي تحلّى بها أجدادنا، فنحن معلمون حيثما حللنا وأينما رحلنا، فلتكن هذه رسالتنا في المهجر ههنا، وقد تجمعتم بمحبة، جمعتكم الكنيسة، جمعتكم لتسعدكم، إنكم إن كنتم مؤمنين، فأنتم سعداء بالرب، ثقوا بأن الحياة تتقلب كثيراً وكثيراً جداً، والإنسان يشعر بفراغ واسع في قلبه، ما لم يتمسك بالله، فما لكم إلا الكنيسة، أن تجتمعوا فيها، وحولها، وتتعاضدوا وتتكاتفوا ويساعد بعضكم بعضاً، كما عليكم أن تسلكوا حسب إرشادات الكنيسة لكي تنالوا السعادة في هذه الحياة. أولادكم في ضياع، أنتم تعرفون مشاكل هذه الأوطان أكثر مني، فما عليكم إلا أن تتعاونوا مع الكنيسة أيضاً، ما أجمل كنيسة مار أفرام، ما أجمل النظام الذي فيها، هذه الدوائر الجميلة الرائعة، هذه المناهج لتعليم الأطفال من الكتب الموجودة، التي تساعدنا على تهذيب أولادنا ضمن القيم التي أتينا بها من أوطاننا الأولى. فلا تنسوا أوطانكم، تذكروا دائماً أنكم تنتمون إلى حضارة عريقة في المجد والسؤدد، تذكروا دائماً أنكم إنما أتيتم إلى هذه البلاد لتكونوا مثالاً للمواطنين الصالحين فيها، لا تنسوا فضل أميركا عليكم، نتمنى أن نقتدي بآبائنا، بمحبة العلم. لا يكفي أن نكون أغنياء في هذه البلاد، علينا أن نثقّف أولادنا، علينا أن نشجّعهم لكي يتفاعلوا في هذا المجتمع، لنرى يوماً ما أناساً منا قد تبوؤوا مراكز حساسة سياسية واجتماعية وعلمية مثل سعادة الماير أوجين موزس الذي هو من أصل عربي. ونرى من بعض شبابنا حكاماً لولايات، وقد يصل أحد أبنائنا إلى البيت الأبيض أيضاً، لا تتعجبوا من هذا، إن كنا مثالاً للمواطنين الصالحين والمؤمنين الصالحين، متمسكين بإلهنا واثقين بكنائسنا، متعاضدين، متكاتفين، لابد أن يبلغ أبناؤنا المراكز المرموقة لخدمة وطنهم هذا الجديد، فيخدمون من بعيد وطنهم الأول الحبيب.
أكرر شكري لجميع الذين اهتموا بإقامة هذه المأدبة تكريماً لضعفي والذين فاهوا بالكلمات الطيبة المعبرة عن شعورهم وشعوركم النبيل بارككم الله جميعاً ونعمته تشملكم آمين.
رسامة الأب الدكتور جورج البناء·
«ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هارون أيضاً»
(عب 4:5)
من هو هذا الإنسان الذي يختاره الله، ويدعوه، وينال نعمة عظيمة من السماء؟! حتى أنه تعالى يوكل إليه حمل رسالة سامية هي رسالة الخلاص، رسالة دعوة الناس إلى التوبة، والعودة إلى الله، رسالة الكهنوت، رسالة التبرير والتقديس رسالة نقل الناس من مواطن التهلكة إلى الخلاص ليرثوا ملكوت الله. لا يأخذ أحد هذه الوظيفة، ولا يحمل هذه الرسالة إلى المدعو من الله، كما هارون أيضاً. الكتاب المقدس يعلمنا كيف أن موسى أخذ عصا واحدة من كل سبط وكتب اسم السبط عليها، ووضع العصي أمام الرب، وكيف أن عصا هارون أفرخت وأثمرت لوزاً، هكذا انتخب الله هارون ليكون كاهناً وخص الكهنوت بنسله، ولكن الاختيار في العهد الجديد كان بوساطة الإله المتجسد المسيح يسوع ربنا، الذي دعا رسله فلبى من لبى منهم الدعوة وتبعوه، ثم أرسلهم ليبشروا أمامه في القرى والدساكر، وأعطاهم سلطاناً على إخراج الشياطين، بل أيضاً شفاء المرضى كما أعطاهم بعدئذ سلطاناً على مغفرة الخطايا، وبحسب تقليدنا السرياني أن الرب بعدما بعث تلاميذه ليبشروا في القرى والدساكر، رسمهم شمامسة وبعدها قام من بين الأموات وظهر لهم في العلية وأعطاهم السلام، نفخ في وجوههم فرسمهم كهنة، وأعطاهم سلطاناً لمغفرة الخطايا وربطها. أما الرسل فصاروا أحباراً، أساقفة عندما كان الرب قد أخذهم إلى جبل الزيتون، وانفرد عنهم ورفع يديه وباركهم ثم صعد إلى السماء، هكذا أودع الرب أولئك الرسل والتلاميذ رسالته السامية، رسالة الخلاص، وأمرهم أن يذهبوا إلى جميع أنحاء العالم، وأن يتلمذوا الأمم، ويعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. ووضع هذا الشرط الإلهي الذي لا تحيد عنه الكنيسة قيد أنملة، ألا وهو من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن. هذه رسالة الكهنوت، رسالة الخلاص، يختارها الإنسان لنفسه إن شاء أن يدعى من الله، يهيّئ نفسه لهذه الدعوة فإن كانت الدعوة في العهد القديم على عهد موسى قد أعلنتها السماء أمام الرب عندما أفرخت عصا هارون وأعطت لوزاً دون عصي بقية أسباط إسرائيل. فقد صارت الدعوة علانية عندما دعا الرب يسوع تلاميذه. أما بعد صعود الرب إلى السماء، فقد صار الروح القدس يدعو أولئك الناس لهذه الوظيفة السامية. ففي سفر أعمال الرسل نقرأ عن شاول وبرنابا كيف أن الكنيسة في أنطاكيا كانت تصلي وتصوم، فجاء صوت الروح القدس قائلاً افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيدي وأطلقوهما. ولكن الآن الروح القدس يدعو هؤلاء الناس لخدمة الكهنوت بطريقة سرية، يلهم أولئك الذين لهم السلطان أن يرشحوا من يرشحونهم لهذه الوظيفة أو حمل هذه الرسالة لسامية، فيدعى الإنسان وإذا ما لبى الدعوة، يأخذ الرسامة الكهنوتية لينطلق إلى العالم في خدمة الرعية التي يوكل إليه رعايتها، ولا يدعى إلى جنة غنّاء ولا للراحة والكسل، إنما يدعى للجهاد وللعمل المضني للسعي المستمر، لخلاص نفوس الناس، يدعى ليتحمل كثيراً، إذ أنه يدخل من الباب الضيق، ويسلك في الطريق الصعبة، خاصة في أيامنا هذه، فمن دعي يكون قد تجرد عن العالم. عندما أرسل الرب رسله أمرهم أن لا يأخذوا فضة في الطريق، مجاناً أخذتم ـ قال الرب لتلاميذه، مجاناً أعطوا. إن هذه الموهبة السامية، تخول من ينالها الصلاحيات السماوية، التي جعلت آباءنا أن يطلقوا على سر الكهنوت التشبه بالله، لأن الإنسان يسمو عن البشر، الرسول بولس عندما يقول إن الإنسان يختاره الله من الشعب ليقدم عن نفسه وعن الشعب الذبائح لمغفرة الخطايا. فهذا الإنسان المؤمن هو واحد من المؤمنين، ولكنه إذ يختاره الله يميزه يفرزه عن الجماعة، ليتقدمها ليسمو كثيراً بهذه الوظيفة، ليستحق أن يقدم عن نفسه وعن الشعب ذبائح وقرابين لمغفرة خطاياه وخطايا الشعب. فما أسمى هذه الوظيفة. إن الكاهن يتحمل المشقات كثيراً من الداخل والخارج، أرسل الكهنة كبقية الشعب كخراف بين الذئاب ولكن الكاهن يهمه أن يكافح ويجاهد وينازل ذئاب الخطية الأبالسة، الأرواح النجسة، لينتصر عليها، لينقذ رعيته منها، ليكون وإياها مستحقاً الأجر العظيم، ويتاجر بالوزنات الإنجيلية، ويربح روحياً، في هذه الدنيا فهو زهيد جداً إن كان الكاهن يخاف الله، إن كان قد أخلى ذاته من كل أمور العالم وهيأ هذه الذات لتمتلئ من الروح القدس، لكن أجره عظيم أما أجره المادي في السماء. إنه السعادة الأبدية، هذا ما يتوقعه المدعو من الله، كما هارون أيضاً ليكون كاهناً إذ يهيّئ نفسه منذ نعومة أظفاره لحمل هذه الرسالة، يكون مندفعاً بالروح لخدمة الله ومذبح الله، وبعدئذ يدعوه الله وإذا ما دعاه وتحمل هذه الرسالة، عليه أن يكمل الرسالة بالمواظبة على الصلاة صباح مساء، لأجله ولأجل الشعب، وتقديم الذبائح لأجله ولأجل الشعب، والسؤال من الله ليس فقط خلاصه بل أيضاً خلاص الرعية التي أوكلت رعايتها إليه أن يواظب على دراسة الكتاب المقدس، أن يعظ الناس بأفعاله بما يتحلى به من الفضائل السامية، قبل أن يعظهم بالكلام، إن كانت مواعظه مليئة بآيات الكتاب المقدس وبحوادث الكتاب المقدس، يكون إذاً وعظه باسم الرب ويكون لأجل الرب، أيضاً أن يتفقد الكبير والصغير. فبطقسنا وبحسب تقاليدنا السريانية أن الكاهن هو أب للرعية، وأب لكل عائلة من عائلات الرعية، بأفرادها جميعاً كباراً وصغاراً، لا يكفي الوعظ في الكنيسة، هناك العمل الفردي العمل أو ما نسميه بالعمل الرسولي وهو تفقد الكبير والصغير من أعضاء الرعية، في السراء ولا سمح الله في الضراء، في دورهم العامرة، والتحدث معهم ومحاولة إنقاذهم من الشرير، لينالوا الخلاص بالرب يسوع. أجل إن الشعب السرياني النبيل الذي يفتخر به، لا يحتاج إلى وصية باحترام كاهنه ومحبته وإكرامه وتهيئة سبل العيش الكريم له، فشعبنا سخي كريم مؤمن يحب إكليروسه محبته لوالديه، فهؤلاء هم آباؤه الروحيون. في هذه اللحظات بعناية الله وإلهام الروح القدس يرسم لرعية مار أفرام بعمان، لهذه الكنيسة المباركة وفي الأردن، الابن الروحي الشماس الدكتور جورج أسطيفان عيسى، الشماس جورج عرفناه منذ نعومة أظفاره كان شماساً صغيراً رسمناه شماساً قارئاً في الموصل، كان في عداد أولئك الشباب الذين كانوا منذ فتوتهم مندفعين في خدمة الكنيسة ومحبة المسيح يسوع ربنا كان هو وإخوته وأخواته مثالاً للشمامسة والشماسات، من دار مؤمنة نشأ فيها وهي تفوح برائحة الفضيلة. هذا الشماس تدرج في العلوم، فهو دكتور في العلوم وأستاذ في جامعة الموصل، ولكن في الوقت نفسه تدرج في الفضيلة ومحبة الكنيسة والعلوم الدينية، فهو أستاذ الوعظ في الكلية الإكليريكية في الموصل، هذا الشماس يكفي أنه يخاف الله، دعاه الله، دعاه من بين الشعب، أفرز ليحل عليه الروح القدس، بحسب إيماننا بعد لحظات من رسامته كاهناً ليجرد نفسه عن العالم، ونحن واثقون أنه إنسان مجرد عن المادة، لأنه يعرف أن محبة الفضة هي أصل الشرور، وخاصة إذا أصابت الكاهن. يعرف أنه يقدم إلى حمل رسالة سامية، وأن شقاءه في الحياة يبدأ في هذه الساعة، ولكن هذا الشقاء الظاهر هو جهاد روحي أيضاً، ينال أجراً عظيماً هو السعادة الأبدية إذا ما جاهد الجهاد الحسن وحفظ الإيمان، إذا ما اهتم بالكبير والصغير، بتهذيب الرعية ونشر مبادئه المسيحية، وتلقين لغة السريان لغة المسيح السريانية، إذا ما فعل هذا فمكافأته من الرب عظيمة جداً، إنها إكليل البر الذي يهبه الرب الديان العادل لكل مجاهد ومؤمن.
أهنئ هذه الرعية المباركة بكاهنها الجديد، أهنئ نيافة أخينا المطران مار ديونيسيوس بهنام ججاوي نائبنا البطريركي في القدس والأردن، على هذا الكاهن الذي سيكون يمينه إن شاء ذلك، ونيافته يفرح جداً ويسر أن يكون له كاهن مثل الدكتور جورج، وإني لأشكر هذه الرعية ونيافته لطلبهم بإلحاح بأن أقوم أنا بهذه الرسامة لأن الشماس جورج ابن روحي لي منذ نعومة أظفاره، وأشكر صاحبي النيافة المطران مار سويريوس اسحق ساكا والمطران مار إقليميس أوجين المعاون البطريركي، على مشاركتهما إيانا أيضاً في هذا الحفل الروحي، وأشكر الإخوة الأحبار الأجلاء رؤساء الطوائف المسيحية في هذه البلاد على تكرمهم بمشاركتنا هذه الفرحة الروحية متمنياً لكم جميعاً أحبائي البركة من الله، لتكون هذه الرسامة سبب نعمة لكم جميعاً ولأولادكم ولخلاصنا، لنكون معاً بعد العمر الطويل في ملكوت الله، مع من خدموا الرب إذ دعاهم الرب للخدمة ولبوا الدعوة، وتاجروا وكانوا من الرابحين ونعمته تشملكم دائماً أبداً. آمين.
دير مار أفرام السرياني في هولندا·
أيها الأحباء: نمجِّد اسم الله القدوس في هذه اللحظات الرهيبة، ونحن نجتمع في هذه الكاتدرائية الجميلة، وقد أتينا من الشرق والغرب والشمال والجنوب، بطريركاً ومطارنة، لمشاركة أخينا الحبر الجليل المطران عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى والرهبان والراهبات، والكهنة والشمامسة والشعب المبارك في هذه الأبرشية العامرة، كما أن أخوة الشعب السرياني في أوربا الوسطى جاؤوا من أماكن عديدة أيضاً ليشاركوا إخوتهم هذه الفرحة العارمة.
أيّها الأحباء:
منذ أن دخلت هذه الكنيسة وأنا أسكب نفسي أمام الله شاكراً إياه تعالى، لأنّه لم ينسَ السريان، ولن ينسى السريان أبداً. وعدت بالخيال إلى قبل خمسة عشر عاماً حيث كان لي الشرف أن أشارك سلفي الطيب الذكر والخالد الأثر البطريرك العظيم مار أغناطيوس يعقوب الثالث وبعض السادة المطارنة، برسامة الربان عيسى جيجك مطراناً لأوروبا الوسطى باسم مار يوليوس عيسى جيجك. وكان ذلك في كنيسة شقيقة، وكم كان حزننا عميقاً أن نرى السريان يستعملون كنيسة لا يملكونها حتى في رسامة مطرانهم. ولكن المطران عيسى جيجك، الذي أطلقنا عليه اسم «يعقوب البرادعي القرن العشرين»، بهمته العالية، بإيمانه، بتمسكه بتقاليد آبائه السريان، برعايته الصالحة لهذا الشعب المبارك، الذي جاء من كل مكان، وخاصة من طورعبدين جبل العباد والنسّاك والزُّهاد، استطاع أن يشجّع هذا الشعب السرياني المؤمن، فقام بتشييد أربع وثلاثين كنيسة في أوربا الوسطى، وبما أنه كان، وما يزال، وسيبقى راهباً، الأمر الذي يفترض على البطريرك والمطارنة السريان، لأنهم يحملون الاسكيم الرهباني، لذلك لابد من أن يؤسس ديراً في أبرشيته. وكم كانت فرحتنا عظيمة قبل عشر سنوات عندما افتتحنا دير مار أفرام في هذه البلاد المباركة ليكون حظيرة للرهبان والراهبات. فالرهبانية هي قوة وراء الكنيسة، بصلوات الرهبان والراهبات من أجل الكنيسة. والسريان منذ القرون الأولى أحبّوا الرهبانية، وأسسوا الأديرة في كل مكان، لذلك لا نتعجب إن رأينا السريان في أوربا الوسطى، وفي أماكن عديدة من العالم، يقصدون دير مار أفرام في هولندا. فإليه يلتجئ الغرباء في هذه الأوطان من السريان، وأمام مذبح كنيسته يسجدون ليعبِّروا عن شكرهم لله بوجودهم ههنا. كما أنهم يشاركون مطران الأبرشية والرهبان والراهبات، بالصلاة من أجل إخوتهم وأخواتهم في طورعبدين، وفي كل مكان من العالم. وتتحد صلواتهم مع صلوات رهباننا وراهباتنا في الوطن الأم، لترتفع إلى السماء عطر بخور طيب أمام عرش المسيح. وطالما يكون في السريان أحبار أجلاء يتّصفون بالإيمان وبالأعمال العظيمة، فستبقى الكنيسة قائمة إلى الأبد.
أبارك لكم يا أبناء أبرشية أوروبا الوسطى بكاتدرائيتكم هذه الجديدة والجميلة، وإننا نشكر أخانا المطران مار يوليوس عيسى جيجك الذي دعانا لنرأس مراسم تكريسها وافتتاحها وتقديسها، ونتمنى له العمر الطويل والتوفيق الجليل في كل أعماله الروحية، وللرهبان والراهبات والكهنة الأحباء والشمامسة وهذا الشعب المبارك، وإن شاء الله صباح يوم الأحد نجتمع جميعاً ههنا لنحتفل بحسب طقسنا السرياني المجيد المقدس بتكريس هذه الكاتدرائية الجميلة، وسنسأل الرب بصلواتنا أن يقبل كل دعاء صالح يرتفع من هذه الكاتدرائية إلى السماء، آمين».
تقديس كنيسة دير مار أفرام في هولندا·
نشكر الله شكراً جزيلاً على النعمة التي أسبغها علينا في هذا اليوم المبارك، حيث قد أهّلنا بأن نحتفل بتقديس هذه الكنيسة التي هي كاتدرائية أبرشية أوربا الوسطى، يشاركنا أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء الذين أتوا من أماكن بعيدة ليقدّموا معنا التهاني القلبية لنيافة أخينا الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطران هذه الأبرشية، وللرهبان والراهبات والكهنة والشمامسة، ولكم أيّها الشعب المبارك. إن إنجاز العمل في هذه الكاتدرائية إن دلَّ على شيء فهو يدل على الهمة العالية، والغيرة الرسولية، والمحبة للشعب. الفضائل التي اتّصف بها صاحب النيافة الأخ الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطران الأبرشية. كما يدلّ أيضاً على تعاون الكهنة والشمامسة والمجالس الملية والشعب مع راعيهم الهمام. ويدلّ خاصة على أصلكم النبيل، أيّها الأحباء، وعلى كرمكم الحاتمي السرياني الطوراني، وعلى إيمانكم المتين الثخين، وعلى محبتكم لله والكنيسة. إنكم شعب نبيل، شعب مؤمن وطيب. عندما تركتم الوطن الأم والكنائس والأديرة القديمة، العريقة بالمجد، وأتيتم إلى ديار الغربة، لم تحملوا معكم ذهباً ولا فضة، ولكن حملتم إيمان آبائكم في قلوبكم، وصممتم أن تبقوا متحلين بالفضائل السامية، كما كنتم في الوطن الأم، وأن تربّوا أولادكم التربية السريانية المسيحية الخالصة، كما ربّاكم آباؤكم، وهذا الأمر يحتاج إلى تشييد الكنائس وإقامة الأديرة وتأسيس المدارس.
هنيئاً لكم براعيكم الذي يهتم بهذا الشأن كثيراً، فقد تمكّن بهمة هذا الشعب وكهنته بفترة قصيرة لا تتعدى الخمسة عشر عاماً أن يؤسس أربعاً وثلاثين كنيسة، وهذه الكنائس إلى جانبها صفوف لتعليم الدين والسريانية أيضاً. فبارك الله بهمته. إن دير مار أفرام هذا الذي اشتراه نيافته قد صار منارة للمهجر كله، إليه يهتدي السرياني أينما كان، ليتذكر أنه قد تربّى على أيدي الرهبان والراهبات، وأن الرهبان والراهبات يقدّمون الصلوات، ليل نهار، في سبيل الحفاظ على الإيمان المستقيم الرأي، والسيرة الصالحة. وكما نرى في كل ميناء فناراً يشع نوراً ليهدي السفن إلى الميناء، كذلك صار دير مار أفرام في المهجر. والآن قد تكامل وتزيَّن بهذه الكاتدرائية الجميلة. نهنئكم بذلك أحبائي، ونسأل الله أن يتقبل صلواتكم التي تُرفع من هذه الكاتدرائية إلى عرشه الإلهي، لأن رسالة الكنيسة هي رسالة الخلاص، وهذا الخلاص قد صار بالفداء الإلهي، بدم ربنا يسوع المسيح. والرب يريدنا أن نكون قريبين منه، ويدعونا إلى التوبة، لنكون في حالة البر دائماً، ولا ننال نِعم التبرير والتقديس والتبني إلا عن طريق الكنيسة، لأن الرب قد قدّسها وأودع فيها هذه النعم لتحافظ عليها سليمة وتوزعها على العالمين. وإننا عندما نقدّم القرابين الإلهية لله، نذكر جميع الذين اشتركوا في تشييد الكنائس، في الحاضر والماضي. ففي هذا اليوم، ذكرنا جميع أمواتكم المؤمنين، ليعطهم الرب ملكوت السموات. وذكرنا كلّ من اشترك في تشييد هذه الكاتدرائية، وكل من يشترك أيضاً بتشييد الكنائس ويعضد المشاريع البيعية. ليرحم الرب الأموات، ويمنحكم أنتم الأحياء الصحة التامة والتوفيق الجليل، وبعد العمر الطويل، ملكوت الله.
إن الغاية من تأسيس الكنيسة، أيها الأحباء ـ التي يدعوها الرب ملكوت الله على الأرض ـ هي أن تهيئنا الكنيسة لنرث ملكوت الله في السماء. فعلينا أن نهتم لنكون قريبين من الرب، خاصة ونحن في المهجر، ونكون مؤمنين صالحين، ومواطنين صالحين. وحيث أننا في هولندا، نسأل الله أن يبارك ملكة هذه البلاد وأرضها وشعبها الطيب. ففي الوقت الذي تركنا فيه أديرتنا وكنائسنا في الوطن، علينا أن نشعر بأن الله قد عزَّانا بامتلاك دير مار أفرام هذا، وفي الكنائس الجديدة التي شيّدت في أماكن شتّى. ليبارككم الرب الإله، ويجعل من كل واحد منكم هيكلاً للروح القدس. وكما حلَّ الروح في هذه الساعة على هذه الكاتدرائية وقدّسها ليمكث فيها بعد تقديسها، بحسب طقسنا السرياني الأرثوذكسي العريق، ليحل علينا الروح جميعاً. وكما أهّلنا الرب لأن نكون أعضاء في كنيسته ـ ملكوته السماوي على الأرض ـ ليؤهلنا جميعاً بعد العمر الطويل أن نجتمع أمام عرشه المهيب في السماء، ونعمته تشملكم».
عيد انتقال السيدة العذراء ـ هولندا·
إنّها لمناسبة سعيدة جداً، أن نحتفل بعيد انتقال أُمنا العذراء مريم إلى السماء. وبحسب تقليدنا السرياني الأرثوذكسي، أن العذراء انتقلت إلى السماء نفساً وجسداً. وهذا ليس غريباً أبداً، لأن الجسد الذي حمل الرب يسوع تسعة أشهر، هذا الجسد أسمى من أجساد بني البشر كافة. فإذا كان اخنوخ قد سار مع الرب، كما يقول الكتاب، ولم يُوجَد لأن الرب أخذه إلى عنده. وإذا كان إيليا قد خُطف بمركبة نارية إلى السماء. فهل كثير على العذراء مريم، التي هي أسمى من الأنبياء والشهداء والمبشرين أن تنتقل نفساً وجسداً إلى السماء؟!. ونحن نؤمن أنّها الآن في السماء بجسدها الممجد تشفع فينا وتصلي من أجلنا. وبعيدها لابد أن نتأمل بسيرتها. وتأملنا بسيرتنا يجعلنا أن نقتدي بها. فالعذراء مريم كانت سليلة الملوك والكهنة والأنبياء، وقد اختارها الله دون عذارى العالمين، لتكون أمّاً لابنه الحبيب الوحيد، لعفتها وطهرها وقداستها ونقائها. والعذراء مريم قبلت هذه النعمة إذ قالت للملاك مبشرها: «هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك» (لو 38:1). لذلك أصبحت قدوة لنا جميعاً: للمتزوجين، لأنّها ولدت ابنها يسوع المسيح، واعتنت به كأم صالحة. وللبتولات، لأنها حافظت على طهرها ونقائها وبتوليتها، وقد تنبأت عن نفسها قائلة: « منذ الآن جميع الأجيال تطوّبني »، وها نحن نطوّبها اليوم، وفي كل يوم وخاصة في أعيادها. ومن البديهيات أن كل إنسان يسير مع الله ويخضع لإرادة الله ويكون نقي القلب طاهراً قديساً، يكرّمه الرب، كما يكرمه أبناء الله المؤمنون. عندما كان الرب يسوع في بيت مرتا، وكانت مرتا مهتمة بأمور كثيرة، أما مريم أختها فكانت جالسة عند قدمي يسوع تسمع كلامه، وقفت (مرثا) وقالت: «يا رب أما تُبالي بأنَّ أختي قد تركتني أخدم وحدي، فقل لها أن تعينني». فأجاب يسوع وقال لها: «مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد، فاختارت مريمُ النَّصيب الصالح الذي لن يُنزع منها» (لو38:10 ـ 42).
فالإنسان إذا ما اقتدى بالعذراء مريم، وبمريم أخت مرثا، يسهل عليه أن يخصص حياته كلها للمسيح يسوع، والرب لا يضيع أجره أبداً، لأنه قد اختار له النصيب الصالح الذي لا ينزع منه. والعذراء مريم، التي اختارت النصيب الصالح، أصبحت مثالاً للبشر كافة في نكران الذات، لأنّها كرّست نفسها للرب. وهذه الفرصة أيضاً أتيحت لنا نحن المؤمنين بالرب يسوع، أن نقتدي بالعذراء، لننال قسطاً من نصيبها الروحي. ففي الإنجيل المقدس نقرأ أن العذراء مريم جاءت مرة مع أقارب الرب يسوع ووقفوا خارجاً حيث كان يعلم وأرسلوا يدعونه « وكان الجمع جالساً حوله، فقالوا له: هوذا أمّك وإخوتك خارجاً يطلبونك. فأجابهم قائلاً: مَن أمي ومن إخوتي. ثمّ نظر حوله إلى الجالسين وقال: ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي » (مر 32:3 ـ 35). من هنا نعلم أن كل من يعمل بوصايا الرب ويطيع الرب، وكل من يحب يسوع المسيح ويكرس نفسه له، يصير أخاً للمسيح.
في هذه اللحظات، أيّها الأحباء، كرّست الابنة الروحية المؤمنة الراهبة حانا نفسها لله. لقد اختارت لها كمريم النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها. دخلت من الباب الضيق، وسلكت الطريق الصعبة (مت13:7 و14)، فنحن لم نَدعُها إلى جنّة غنّاء، أو إلى راحة، بل إلى الشقاء، إلى التعب. فقد أحبت فلسفة المسيحية أي الرهبانية المقدسة بنذورها الثلاثة: البتولية مع العفة، والطاعة التامة، والفقر الاختياري. هذا ما نسميه الربح في معرض الخسارة، كأنّها خسرت كل شيء، لكن بالحقيقة قد ربحت المسيح. إذا تأملنا في هذا العالم، مهما يظهر لنا العالم أنّه مريح وكأننا سعداء فيه، لكننا نحن أشقياء في العالم. ومهما طال عمرنا في الحياة الدنيا فهو قصير جداً بالنسبة إلى الأبدية. وقد كتب علينا أن نموت وبعدئذ الدينونة. إن الإنسان الحكيم هو الذي يهتمُّ بربح الآخرة السعيدة الأبدية. وهذه نعمة من ربنا، وهي أننا نستطيع أن نربح السعادة الأبدية بتضحيتنا بملذات الحياة الدنيا الزائلة، وأن سني حياتنا على الأرض مهما كانت قصيرة وزائلة لكنها ثمينة جداً، ذلك أننا خلالها نقرر مصيرنا الأبدي، ونستطيع بالمسيح يسوع أن نرث الحياة الأبدية. لذلك وإن دعونا الابنة الروحية الراهبة حانا إلى الشقاء، إلى التعب، إنما نهاية الطريق ستكون السعادة الأبدية والربح الدائم، الربح الذي ليس بعده ربح، الحياة العتيدة الخالدة الأبدية التي نكون فيها مع المسيح، لأننا اخترنا النصيب الصالح، أن نجلس عند قدمي المسيح ونسمع تعاليمه الإلهية. نتمنى لها ولراهباتنا ورهباننا جميعاً أن يكونوا بعد العمر الطويل مع البتولات الحكيمات، آمين.
توشيح راهب بالإسكيم الرهباني في هولندا·
أيّها الأحباء الروحيون، نشكر الله الذي يختار له خداماً يكرسون أنفسهم لخدمته، حاملين صليبه، مقتفين أثره في طريق الجلجلة. في هذا الزمن العصيب، الذي كثرت فيه العثرات وما يبعد الإنسان عن الله، نرى شباناً وشابات يتقدمون إلى الرب الإله مكرسين أنفسهم. فالرهبنة هي اللجوء إلى الله، بالتوبة التامة. هي عودة الابن الضال إلى الآب السماوي. فالطقس المقدس الذي تُلي على مسامعكم قبل لحظات، هو طقس التوبة والموت عن العالم، وكل ما في العالم، والحياة بالمسيح.
أيّها الأحباء:
إنني عندما أوشّح شاباً أو شابة بالاسكيم الرهباني أتذكر كيف اتشحت أنا بالاسكيم الرهباني قبل أربعين عاماً تماماً. وكنت حينذاك شاباً في الحادية والعشرين من عمري، ولبس الاسكيم الرهباني معي حينذاك الأخ الجليل مار غريغوريوس صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها. وعندما أتذكر ذلك، أكرر عهدي أمام الله بالتمسك بنذور الرهبانية الثلاثة. وأشعر بأن هذا كان بدء المشوار. وعندما صرت كاهناً ثم مطراناً، ثم بنعمة الله لا بالاستحقاق، بطريركاً أي أباً للسريان في العالم، كل ذلك بنعمته تعالى، كان بدء المشوار يوم لبست الاسكيم الرهباني، وحيث أنني اختبرت حياة الرهبانية وسبرت غورها وذقت حلوها ومرّها وأيقنت بأنها الطريق الصعبة، وهي موت حقيقي عن العالم، ففي عهد مطرنتي كنت أتردد كثيراً في دعوة أحد إلى الرهبانية لئلا أشترك معه في تحمّله هذا العبء الثقيل، ولكنني منذ أن اختارني الرب بالنعمة لا بالاستحقاق لأحمل رايته وأتقدم صفوف السريان وأكون خادم خدامه، ألهمني بأن دعوته الرهبان تأتي من باب دعوته المتعبين والثقيلي الأحمال الذين يريحهم، فإن نيره هيّن وحمله خفيف مهما بدا أمامنا ثقيلاً، وإن الذي يتقدم بإرادته لحمل صليب المسيح هو وحده مسؤول عن خلاص نفسه، كما كنت أنا مسؤولاً عن خلاص نفسي عندما قدمت نفسي للرب. لذلك نرى أنّه من الضروري جداً أن يتشجع الإنسان الذي يشعر بأن الرب يدعوه ويترك العالم ليخدم الرب. ونرى أيضاً أن الرهبانية ليست درجة كهنوتية، بل هي علمانية. لكن عندما تطورت الرهبانية عندنا نحن السريان خاصة، أخذ الرهبان درجات الكهنوت، وهكذا أصبحت أعلى درجة في الكهنوت تُعطى للرهبان فقط. أجل، إن حياة الزهد والنسك والرهبانية بدأت عندنا نحن السريان منذ فجر المسيحية استناداً إلى تعاليم الكتاب المقدس، وخاصة عندما جاء ذلك الشاب الغني إلى الرب يسوع وطلب منه أن يعلمه كيف يستطيع أن يرث ملكوت الله، فكان جواب الرب: « إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني » (مت 21:19). إذاً هذا هو التكريس التام، أن يفرغ الإنسان قلبه وفكره ونفسه من كل ما في العالم، أن ينكر ذاته، ويضحي في سبيل الآخرين. ولئن كانت الرهبنة هي التوبة والعودة إلى الله، والسعي لخلاص النفس، لكن خلاص النفس أيضاً يقتضي فيه خلاص الآخرين، لأنه إذا امتلأ الإنسان من روح الله بعد أن يكون قد فرّغ ذاته من روح العالم، لا يمكن إلا أن يفيض هذا الامتلاء من الروح القدس على الآخرين أيضاً. وآباؤنا السريان كانوا أكثر العالم تُقىً ومخافة لله، حتى في طريق الرهبانية، لم يكونوا فقط يتنسكون في الجبال والمغاور، بل أيضاً كان الرهبان ينزلون إلى المدن والقرى والدساكر ويعلّمون الشعب الدين المسيحي والسيرة الفاضلة، وكذلك حملوا مشعل الإنجيل ونشروه في بلاد عديدة، لأنه لا يمكن أن أخلص نفسي إن لم أسعَ لخلاص الذين حولي، لا يمكن أرى الساقطين بين اللصوص وأعبر، كالكاهن واللاوي، بدون أن أعتني بهذا الإنسان، مثل السامري الصالح. إن الذي يتشبه بذلك الكاهن واللاوي لا يرث ملكوت الله، لا ينال الخلاص. والراهب يشبه السامري الصالح، الذي يسعى لخلاص نفسه وفي الوقت نفسه يطلب خلاص الآخرين. واليوم العالم بحاجة ماسة إلى الرهبان، وخاصة كنيستنا المقدسة. لأن أغلب البشر وخاصة الشباب قد سقطوا بين اللصوص، لصوص الخطية، لصوص الشهوات وهم بحاجة ماسة إلى الرهبان الذين يمثلهم السامري الصالح، لكي ينقذوا هؤلاء الناس باسم الرب. كم أنا فرحان في دير مار أفرام ههنا، ومهما مدحنا وأثنينا على نيافة أخينا الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك، فنحن مقصّرون في ذلك.
فالدير هو الحظيرة لهؤلاء الرهبان والراهبات. والدير هو الميدان للتدريب على الجهاد الروحي، لمحاربة إبليس وجنوده. والرهبان والراهبات هم جنود الرب. وعندما يحملون الصليب على أكتافهم، هذا سلاحهم لمحاربة إبليس. وهذا الرمز للتلمذة للمسيح، والاستعداد لصلب الذات على صليب المسيح. فطوبى لمن يسعى لخلاص الناس، وطوبى لمن يهيئ جنوداً للمسيح يسوع طوبى لأخينا الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك، لأنه مستعد لتهيئة جنود صالحين، رهبان وراهبات، لخلاص النفس وخلاص الآخرين. وهو المثال لهم في التجرد عن العالم، فهو راهب، ولئن كان رئيس أساقفة. ولا عجب من ذلك فإن البطريرك والمطارنة لدينا نحن السريان هم رهبان، ويبقون رهباناً. لذلك لا يتركون الإسكيم الرهباني. وهذا ما يجعلنا أن نفتخر بآبائنا الذين علمونا هذه الطريق، طريق الرهبانية الحقيقية. ولهذا أيضاً نفرح بالذين يتقدمون ليضحّوا بأنفسهم في سبيل خدمة المسيح، وشعب المسيح ونحن نقول إن الرهبانية هي قوة وراء الكنيسة، لأن الرهبان والراهبات، ليلاً ونهاراً، يصلون لأجل الشعب، ولذلك تتقوى الكنيسة بهذه الصلاة. والرهبانية صارت مع الزمن قوة في الكنيسة. يروق لنا في هذه اللحظات أن نهنئ أهل الراهب الجديد، الراهب صليبا. ونتمنى أن تقتدي كل أسرة سريانية بأسرته وتقدّم للكنيسة رهباناً وراهبات وكهنة وشمامسة كما كان يفعل آباؤنا في القديم، وإلا فكيف امتلأت أديرتنا في الماضي بطورعبدين في تركيا، وجبل الألفاف في الموصل، وفي أديرتنا التي اندثرت في سوريا، في الرها ونصيبين…، كيف امتلأت بالرهبان والراهبات، لو لم تقدم العائلات أولادها ليكرسوا ذواتهم للمسيح.
ليبارككم الرب أيها الأحباء. ليؤهلكم لكي تقدموا لله رهباناً وراهبات لخدمة كنيسة الله. ليبارك الابن الروحي الراهب صليبا، وليرافقه الرب بطريقه هذه الجديدة، ليكون ناجحاً لخلاص نفسه أولاً، وسبباً لخلاص الآخرين. ليبارك الرب دير مار أفرام، وليجعله مليئاً بالرهبان والراهبات، ونعمة الرب تشملكم دائماً أبداً، آمين ».
كنيسة مار إشعيا الحلبي في كروناو·
أصحاب النيافة المطارنة الأجلاء،
أصحاب السعادة رئيس البلدية، وسائر موظفي الحكومة الألمانية الجليلة،
أيها الأحباء: يمتلئ قلبنا بهجة وسروراً، ونحن نرى هذا التقدم والازدهار في أبرشية أوربا الوسطى، وإذا كان رب البيت هماماً، وإذا كان رب البيت مجتهداً ومؤمناً وغيوراً، فإن أهل البيت جميعاً غيارى، فيطيب لنا أن نثني جزيل الثناء على أخينا الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى، وعلى كهنته ومجالسه الملية، على هذه الهمة العالية والسعي الحثيث في سبيل تدبير الكنيسة في هذه البلاد. إنني في هذه الزيارة أردد في قلبي وفكري ونفسي، وألهج بوعد الرب لكنيسته بقوله: « وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ». لقد أسس الرب كنيسته السريانية، كنيسة أنطاكية، كنيسة الآباء الميامين، الكنيسة التي تكلّم بلسانها، أسسها على صخرة الإيمان القويم الرأي. ومن يتأمل بتاريخ كنيستنا ويعلم بأنها ما تزال حية مزدهرة، وستمكث إلى الأبد، يؤمن بأن الله في وسطها، فلن تتزعزع. من يراكم أيها الأحباء والفرحة بادية على وجوهكم، وأنتم تجاهدون في تشييد كنيسة وقاعة على أرض كبيرة، ولا يُمجّد الله، ولا يؤمن أن الله معكم؟. عندما غادرتم الوطن الأم، عندما بكت عليكم الكنائس القديمة، والأديرة المقدسة، وأهلكم وذووكم، عندما كنا نجثو أمام الله في الصلاة لأجل حفظكم، ونحن لقلة إيماننا، كقلة إيمان الرسل أحياناً عديدة، كنا نخاف لئلا يتبدد هذا الشعب في أطراف الأرض، فيبرد إيمانه، ولكن عندما نراكم في المهجر، وقد أصبحتم خميرة صالحة تخمر العجين كله، عندما نراكم ثماراً طيبة زرعت في أرض صالحة، وقد نمت وارتفعت أشجاراً باسقة، نؤمن بأن العواصف الشديدة إذا ما هزّت الكنيسة الشجرة الباسقة الثابتة فإن الثمار التي تتساقط وكأنها قد تبددت، فإنها ستنمو بقوة الله أشجاراً قوية ونضرة تعطي ثماراً يانعة. فبارك الله في همتكم، وليثبت الإيمان المقدس في قلوبكم. كونوا كآبائنا القديسين الأوائل الذين أينما كانوا وحيثما رحلوا، حملوا الإنجيل المقدس معهم ونشروا البشارة المحيية، وعاشوا كما يحق لإنجيل المسيح. إنني مسرور لأنكم تتفاعلون في مجتمعكم الجديد. كما أحببنا أوطاننا بحسب وصايا آبائنا، عليكم أن تحبوا وطنكم ألمانيا، كما كان آباؤنا مواطنين صالحين في الوطن الأم وأعضاء أحياء في الكنيسة، التي هي جسد المسيح والمسيح رأسها، أراكم ههنا أعضاء حية في الكنيسة، تظهر الحياة منبثقة من قلوبكم وأرواحكم وحرارة الإيمان أصيلة، وتثمر السخاء السرياني الطوراني، وإلا كيف يصدّق الإنسان العادي أن مئة عائلة بإمكانها أن تقوم بمشروع عظيم كهذا لبناء كنيسة كبيرة وقاعة مهمة، ومدرسة واهتمام بالتربية الدينية. كونوا متمسكين بمسيحكم الأقدس وسريانيتكم المباركة. لتكن الحرية التي نلتموها في هذه البلاد، سبباً لتحريركم من إبليس بالمسيح يسوع. هكذا تثبت الكنيسة.
أتمنى أن نسمع في أقرب فرصة أنكم قد أنهيتم العمل في تشييد الكنيسة والصالة والمدرسة. وأصلّي لتبقى أيضاً نفوسكم هياكل حية للروح القدس. وليكن الله دائماً في وسطنا، فلا نتزعزع أبداً. ونؤمن أن كنيستنا قد أسسها المسيح على صخرة الإيمان، فلن تتزعزع، وأبواب الهاوية لن تقوى عليها. ليبارككم الرب، ويبارك أولادكم، وليحفظكم ويصونهم من الشرير، وليفرحكم بهم دائماً أبداً، ونعمة الرب تشملكم آمين.
كنيسة مار أفرام السرياني ـ سيدني·
أيها الأحباء:
نشكر الله الذي أهّلنا لأن نحتفل بالقداس الإلهي في هذا اليوم المبارك في عيد ميلاد سيدتنا العذراء مريم، نشكره تعالى حيث قد أهلنا للقيام بزيارتنا الرسولية لكنائسنا المقدسة في استراليا، يرافقنا بذلك أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء مار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى ومار فيلكسينوس يوسف جتين النائب البطريركي في استنبول ومار إقليميس أوجين المعاون البطريركي، ونشكر ترحيبكم جميعاً بنا إكليروساً وشعباً وعلى رأسكم نيافة أخينا الحبر الجليل المطران مار طيموثاوس أفرام عبودي النائب البطريركي في استراليا، سائلين الرب الإله أن يجعل هذه الزيارة الرسولية سبب بركة لكم جميعاً ونعمة لهذه البلاد وأن يرحم موتاكم المؤمنين.
أيُّها الأحباء:
عندما نحتفل بعيد السيدة العذراء نرى أمامنا بتولاً طاهرة نقية يختارها الله من بطن أمها لتكون أماً له، وآباؤنا ملافنة كنيستنا السريانية الأرثوذكسية، قد نظموا في مديحها الميامر التي لا تحصى ودبّجوا الروائع وهم يطوّبونها اتماماً لنبوتها عن نفسها بقولها: « تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى اتضاع أمته. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني » (لو 46:1 ـ 49). ونحن صباح مساء نترنم بصلواتنا بهذه الميامر، مطوّبين العذراء أمّنا ومتشفعين بها. والعذراء مريم لها مكانة سامقة وسامية في كنيستنا منذ بدء تاريخ الكنيسة، وأعيادها عديدة، واليوم نحتفل بعيد ميلادها الذي يصادف الثامن من أيلول، وقد حوّل إلى هذا اليوم، وإننا بحسب عقيدتنا وعادات آبائنا وتقاليدنا نعيّد للقديسين في عيد انتقالهم إلى السماء وانتهاء جهادهم الروحي على الأرض. ولكننا نحتفل بعيد ميلاد العذراء مريم، كما نحتفل بعيد ميلاد يوحنا المعمدان فقط، ذلك أن الأنبياء قد تنبأوا عن العذراء مريم وعن يوحنا المعمدان قبل ميلادهما بأجيال عديدة، فنرى الرموز والإشارات في العهد القديم قد أشارت إلى العذراء مريم، فهي العوسجة التي رآها موسى ملتهبة ناراً ولم تحترق، فقد حلّ فيها نار اللاهوت وأنارها، ولكن لم يحرقها. وهي الصخرة التي منها نبع الماء الحي يسوع المسيح. وهي الجزة التي تجمّع الطلّ ـ طلّ البركات ـ عليها، لتوزعها على الأرض. بل هي المرأة التي قال فيها الرب: « نسل المرأة يسحق رأس الحية »، ونسلها المسيح، سحق رأس الحية الأبدية إبليس، وأظهر الله على لسان أشعياء، أن تلك المرأة هي عذراء، بقوله: « ولكن يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل » (اش 14:7). هذه الفتاة التي كانت من نسل الملوك والكهنة والأنبياء، لم يكن قد بقي لها من ذلك المجد الدنيوي سوى الفقر واليتم، ولكن كل ذلك اقترن بالقداسة والعفة، ولذلك عندما أراد الله أن يتجسد من فتاة، رذل كل فتيات الدنيا واختارها أمّاً له. لقد وُلدت من أبوين عاقرين، ولدت كما وُلد اسحق من عاقرين مثلاً، وكما وُلد يوحنا، وُلدت ولادة طبيعية كسائر البشر. وُلدت تحت حكم الخطية كسائر البشر، فورثت الخطية الأبوية، لأننا كمسيحيين نرى أن عقيدة الخطية الجدية التي ورثناها عن أبينا آدم وأمنا حواء هي أساس عقائد المسيحية، حتى أن العذراء مريم ولدت تحت الخطية، ألم يقل داود أبوها عن نفسه: « ها أنذا بالإثم صُوِّرتُ، وبالخطية حَبِلتْ بي أمّي » (مز 5:51). والرسول بولس يقول عنا جميعاً: « إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله» (رو 23:3). ولذلك يذكر الإنجيل المقدس عن العذراء مريم أن الرب بعد أن اختارها لتكون أمّاً له، حلّ عليها الروح القدس ونقاها وطهرها وقدسها، فحلّ الروح القدس فيها وجبل منها جسداً للرب يسوع، ودعيت والدة الإله المتجسد.
أيُّها الأحباء:
إنَّ العذراء مريم التي كانت مجرد إنسان كسائر البشر قد سمت على البشر كافة لطهرها ونقائها وعفتها وقداستها. فقد كانت ـ وما تزال ـ مثالاً للعذارى البتولات العفيفات القديسات الطاهرات، ومثالاً للأمهات الصالحات. وهي مثال لجميعنا بالتمسك بالمسيح يسوع ربها وابنها، فقد كانت كما يقول الإنجيل المقدس « تحفظ جميع هذا الكلام ( الذي قيل عن يسوع منذ ولادته ) متفكرة به في قلبها » (لو 19:2). أي كانت في حالة صلاة عقلية مستمرة. فإذا أردنا أن نبلغ درجتها كما قال الرب عن الذين كانوا يسمعون كلامه وننال الطوبى التي كانت تنبأت عن نفسها، فعلينا أن نحفظ كلام الله وأن نعمل به.
فعلينا ونحن نعيّد للعذراء مريم عيد ميلادها، أن نقتدي بها بالمواظبة على الصلاة في هيكل الرب، وفي دورنا وأماكن عملنا، وبتربية أولادنا التربية الصالحة ليكونوا نامين في القامة والنعمة، كالرب يسوع المسيح، أمام الله والناس.
نسأل الرب الإله بشفاعة سيدتنا وأمنا العذراء مريم أن يحفظكم جميعاً وأن يبارككم وأولادكم جميعاً وأن يؤهلنا وإياكم لنكون مع العذراء مريم بعد العمر الطويل في السماء متنعمين مع الرب يسوع المسيح ونعمته تشملكم دائماً وأبداً آمين».
كنيسة مار ملكي ـ سيدني·
أيُّها الأحباء: امتلأ قلبي فرحاً برؤيتكم ولساني شكراً على استقبالكم الحافل لي ولأصحاب النيافة الأحبار الأجلاء. إننا جميعاً نشكر لكم هذه المأدبة الفاخرة، يشاركنا أيضاً أحباؤنا وأبناؤنا الآباء الكهنة. ونرى بوجودنا ههنا ـ اكليروساً وشعباً ـ صورة مصغّرة عن الكنيسة السريانية التي يكمل فرحنا فيها عندما يشارك الإكليروس الشعب بفعّالياته الروحية والاجتماعية. إنني لدى سماعي الأناشيد الطيبة والشجية والأنغام الروحية من بناتنا وأبنائنا الأعزاء بناتكم وأبنائكم راودتني أفكار كثيرة، تطلعت فرأيت آثارنا قد صورتموها على الجدران، فجذبتني قوتان عارمتان: قوتا الفرح والحزن، واليأس والرجاء. الحزن على ترك آثارنا النفيسة من الأديرة القديمة والكنائس التاريخية المقدسة وأضرحة الشهداء القديسين. وقوة الفرح المقرون بالرجاء وأنا أتطلع إلى مستقبل أفضل في المهجر طالما تسعون إلى تربية جيل طالع من شبابنا الناهض تربية صالحة ليؤلف الكنيسة في هذه الديار البعيدة في الحاضر والمستقبل. فامتلأ قلبي أيضاً عزاء بالمسيح. إن المسيح معنا كما كان من آبائنا. والمسيح في كل مكان، في طورعبدين وفي سائر أوطاننا القديمة، وأيضاً في استراليا، وسائر بلاد المهجر. والرب يسوع المسيح الذي أسس كنيسته وعد أن يمكث فيها إلى الأبد. والكنيسة برعاتها تحاول أن تقود الشعب إلى المسيح، وهذا الأمر لا يتم إلا بتعاون الشعب المبارك، وعندما نتعاون معاً يتمجد اسم المسيح بأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا.
لقد بكى الرب يسوع على أورشليم لأنه رآها بعينه النبوية الإلهية خربة. أجل رأى ذلك الخراب بأم عينه قبل أن تخرب بمدة طويلة أي نحو أربعين سنة تقريباً. بكى عليها لأنها كانت مدينته. نحن أيضاً عندما نفتكر بآثار آبائنا نرى الخراب ونرى ما يحدث اليوم أيضاً، ونستاء من الوضع الدنيوي الموجود في عالمنا اليوم، وفي منطقتنا في طورعبدين خاصة. نبكي كما بكى المسيح على مدينته ولا نخشى لومة لائم. ولكن عندما نشعر بروح المسيح الطاهرة تحلّ في قلوبنا وأفكارنا فنربي أولادنا التربية الصالحة ليعبدوا المسيح بالروح والحق، نبتسم لمستقبل أفضل. إن تمسكنا بالمسيح سنكون نور العالم، مكمّلين وصية الرسول بولس القائل: «فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة، مشتركين في احتياجات القديسين، عاكفين على إضافة الغرباء… فرحاً مع الفرحين، وبكاءً مع الباكين » (رو 12:12 و15). فإن حزنا على آثارنا نتقوى بالرب ونفرح بالرب لأن الرب معنا. وقد منَّ علينا بنعمة النطق بلغته السريانية، فكما أعطانا إيماننا الأرثوذكسي المستقيم الرأي وقد استشهد آباؤنا في سبيل الحفاظ على هذا الإيمان، كذلك أعطانا لغتنا السريانية المقدسة لنحافظ عليها، لتبقى إلى الأبد حتى مجيئه الثاني حيّة ومزدهرة. الكنيسة تريد منكم المواظبة على حضور القداديس الإلهية والصلاة، والحفاظ على طقسنا الكنسي، ولغتنا السريانية المقدسة، والكنيسة في الوقت نفسه تريد أن نحافظ على التراث، فمثلما نحافظ على تراثنا الديني نحافظ أيضاً على تراثنا الشعبي وفلكلورنا. ما أجمل هؤلاء الأطفال بدبكاتهم القديمة الحديثة وبأناشيدهم الحلوة، وبترانيمهم الشجية المقدسة، ثقوا بأنكم بهذه الوسيلة تحافظون على أولادكم سالمين من الجو الفاسد الملوث، من الأفكار الشريرة والعشرة الرديئة، وتساعدونهم ليجدوا لهم أصدقاء صالحين.
أنا لا أرضى أن نكون انعزاليين، بل يجب أن ننفتح على العالم لنعطي العالم المثال الطيب للمواطنين الصالحين. وفي الوقت ذاته يجب أن نحافظ على كياننا ككنيسة وكشعب له لغته وعقيدته الدينية، بهذا أيضاً نغني استراليا، التي تفتخر بتنوّع الحضارات فيها، ونكون قد ربّينا أولادنا واهتممنا بتثقيفهم الثقافة العالية. أسأل الله أن يبارككم ويحفظ أولادكم، ويفرحكم بهم بنعمته تعالى آمين ».
من عظات عام 1995
من عظات عام 1995
الربح فيما يظن أنه خسارة·
تحتفل كنيستنا المقدسة، في هذا اليوم المبارك، أيها الأحباء، بتذكار السيدة العذراء مريم لبركة الزرع، وهذا أحد الأعياد الثلاثة القديمة في كنيستنا التي فيها نتشفع بالسيدة العذراء مريم فنسألها لتبارك زروعنا وفي تذكارها لبركة السنابل وهو العيد الثاني لها بهذا المضمار ونحتفل به في الخامس عشر من شهر أيار كل سنة نسألها فيه لتبارك السنابل، والعيد الثالث يقع في الخامس عشر من شهر آب وفيه نتشفع بالعذراء مريم سائلين إياها لتبارك الكرمة. ففي العيدين الأولين نسألها لتبارك الزرع والسنبل أي الحنطة التي نصنع منها خبزنا، وهو قوتنا الجسدي اليومي وفي الوقت نفسه الخبز هو أحد عنصري القربان المقدس، أما العنصر الثاني للقربان، فهو عصير الكرمة أي الخمر، ولذلك نتشفع بالعذراء مريم في ا لعيد الثالث لتبارك الكرمة. فكما أن العذراء مريم ولدت لنا يسوع المسيح الإله المتجسد إذ حُبل به فيها من الروح القدس، كذلك تبارك عنصري القربان المقدس سر جسد المسيح ودمه الذي يقدس على مذابحنا ويُعطى للمؤمنين غذاء لنفوسهم. وبتناولنا القربان المقدس نتحد مع المسيح ومع أعضاء جسده المقدس الذي هو الكنيسة وننال النعم التي وعد بها الذين يشتركون بتناول القربان بقوله: «الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم، من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه» (يو 53:6 ـ 56).
وتحتفل الكنيسة بأعياد عديدة للعذراء مريم وفي كل أعيادها وتذكاراتها نتشفع بها فهي أُمّنا لأنّها استحقت أن تدعى والدة الإله لأنّها ولدت الرب يسوع الإله المتجسد وبذلك تعتبر أمّاً للمؤمنين به لأنها قد امتلأت نعمة بتواضعها وعفتها وقداستها وقد تنبأت عن نفسها «فقالت مريم: تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته فهوذا منذ الآن تطوبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه» (لو 46:1 ـ 50).
أجل إن العذراء مريم مثال صالح للأمهات لأنها ولدت الرب يسوع وربته بموجب ناموس العهد القديم. كما أنها المثال الأسمى للعذارى لأنها حافظت على عفتها وطهرها وقداستها فهي دائمة البتولية. وإنها لمناسبة روحية سعيدة، حيث قد احتفلنا اليوم بإلباس الاسكيم الرهباني لخمس عذارى تقيات اتخذن لهن العذراء مريم ربيبة الهيكل قدوة حسنة منذ نعومة أظفارهن، فقد أحببن بيت الرب، الكنيسة المقدسة، وخدمن كشماسات مرتلات، وكمعلمات مربيات في مراكز التربية الدينية، إنهن قد نشأن في دور سريانية كريمة عُرف أفرادها بتمسكهم بالفضائل المسيحية وتمسكهم بالإيمان القويم، كما نالت كل واحدة منهن قسطاً وافياً من العلوم والمعارف الدنيوية، منهن خريجات كليات جامعية، وبعضهن أستاذات في الكليات العلمية. هؤلاء الأوانس الفاضلات، أيها الأحباء، قد لبين دعوة خفية من الرب الإله ليكرسن أنفسهن للرب فاتشحن اليوم بالاسكيم الرهباني المقدس.
لا غرو من أن بعض المؤمنين والمؤمنات عندما يدعوهم الرب لتكريس أنفسهم لخدمته يتأملون بشقاء هذا العالم الفاني ويرونه على حقيقته ويقولون مع صاحب الجامعة «باطل الأباطيل قال الجامعة باطل الأباطيل الكل باطل، ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس…» (جا 2:1 و3) فحياة الدنيا مليئة بالبلاء والشقاء وهي قصيرة وزائلة، والحكيم من المؤمنين والمؤمنات من اتخذ العذراء مثالاً له، فالمتأملون بسيرة حياتها المجيدة يرونها وقد اختارت النصيب الصالح الذي لا ينزع منها لأنها لحكمتها اكتشفت أن الحاجة إلى واحد وهو يسوع المسيح (لو 43:10) هكذا سمعت كلام الله وحفظته في قلبها. وكانت تلهج بناموس الرب ليل نهار، وبها اقتدى القديسون والقديسات والرهبان والراهبات والعباد والعوابد منذ فجر المسيحية وعبر الأجيال، الذين رحلوا عنا إلى السماء وهؤلاء الأحباء من الرهبان والراهبات الذين شاركونا الصلاة في هذه المناسبة المباركة، هؤلاء الرهبان والراهبات قد تركوا الأهل والأقارب، وغادروا أوطانهم متغربين لإيمانهم بأن السماء هي الوطن الحقيقي لكل من أحب المسيح وفرز نفسه وكرسها في سبيل خدمة أخوة المسيح الصغار المعوزين والفقراء والمحتاجين والمرضى والمتخلفين والمشردين والأيتام الذين فقدوا عطف الآباء والأمهات فصار لهم الرهبان والراهبات آباء وأمهات.. لأن هؤلاء الرهبان والراهبات الذين بنكرانهم ذواتهم يعترفون بسلطان الله تعالى عليهم وعلى الشر كافة، كما يشعرون بوجوب التضحية في سبيل خدمة هؤلاء الناس وخلاص نفوسهم أي بحق هؤلاء الناس عليهم، لذلك يضحون حتى بالحلال من هناء هذه الحياة ليستحقوا أن يكونوا تلاميذ المسيح، حاملين صليبه، تابعين إياه في طريق الجلجلة جائلين مثله بين الناس يصنعون خيراً، ساعين لبلوغ الكمال الإنجيلي، وهذا الأمر يذكرنا بذلك الشاب الذي جاء إلى الرب يسوع سائلاً إياه عما يجب أن يفعله ليرث الحياة الأبدية «قال له يسوع: إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع كل أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني» (مت 21:19). هذا هو المفهوم الصحيح والسليم للتلمذة الحقيقية للرب يسوع، الأمر الذي لا يدركه أهل العالم، فالجاهل الذي يقول في قلبه «ليس إله» (مز 1:14) يستهزئ بالرهبان والراهبات الذين ينكرون ذواتهم ويضحون في كل شيء في الحياة الدنيا حاملين صليب الرب مقتفين أثره، فأهل العالم يظنونهم قد خرجوا عن طورهم، فما هي فائدتهم من تركهم العالم وتحملهم أعباء الرهبانية الثقيلة، وتضحيتهم براحتهم الجسدية في سبيل خدمة أناس لا يمتون إليهم بصلة القرابة الجسدية؟
نعم إن أهل العالم لا يفقهون فلسفة الرهبانية التي هي الحرية في المسيح يسوع والتجرد عن كل ما يمت إلى نير عبودية ويسيء إلى العلاقة بالرب. إن أهل العالم الذين يخبطون خبط عشواء في الليلة الظلماء لا يدركون أن السعي إلى الحصول على الحياة الأبدية إنما هو ربح عظيم. والحكيم هو الذي يشتري الأبدية السعيدة بالتضحية بهناء موقت وزائل في هذه الدنيا الفانية، فما يحسبه الناس، في مقاييسهم الدنيوية خسارة، هو بالحقيقة في مقياس السماء ربح عظيم لأن من يضحي بشيء في هذه الدنيا في سبيل محبة المسيح يسوع ربنا يأخذ مئة ضعف، كما أكد الرب يسوع للرسول بطرس وسائر التلاميذ والمؤمنين بالرب جواباً لسؤال بطرس القائل: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر، وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية» (مت 27:19 ـ 29). فما أسعد الإنسان الحكيم الذي يبني بيت إيمانه على الصخرة فيدخل من الباب الضيق، ويسلك في الطريق الصعبة، إيماناً منه بأن تلك الطريق ستوصله إلى ملكوت السموات حيث السعادة الأبدية، وما قيمة هذه الدنيا وأباطيلها بالمقارنة مع الحياة الأبدية؟ فطوبى للذين يحملون صليب الرب يسوع كالقيرواني، ويعترفون به كلص اليمين تائبين، ويرتفعون على صليبه صالبين ذواتهم معه، مترفعين عن العالم، الذين يرونه، وهم على الصليب، صغيراً جداً، ويشعرون بأنهم قد صاروا قريبين من السماء، وحقَّ لهم أن يرددوا مع الرسول بولس القائل: «مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غلا 20:2) «وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به صلب العالم لي وأنا صلبت للعالم» (غلا 14:6). هذه هي روح الرهبانية الحقيقية روح التوبة والعودة إلى الله، روح التضحية ونكران الذات، روح خدمة الإنسان في سبيل محبة المسيح والإنسان، والسعي لخلاص النفس وخلاص البشر.
إن الكنيسة أيها الأحباء بشخص خادم خدامها العبد الضعيف ـ البطريرك ـ الذي هو أبو الرهبان والراهبات السريان في العالم أجمع، هذه الكنيسة تفتخر برهبانها وراهباتها الذين هم قوة وراء الكنيسة بالصلوات التي يقدمونها لأجلها، وبالخدمات التي يقدمونها في سبيل تقدمها وازدهارها.
أيها الأحباء: يسرنا أن نشكر أصحاب النيافة المطارنة الأجلاء الذين اشتركوا معنا في القداس الإلهي والصلاة بهذه المناسبة المباركة كما نثني على أعزائنا الرهبان والراهبات الذين شاركوا أخواتهم الراهبات الجديدات فرحتهن في يوم تكريس ذواتهن لله، ونخص بالشكر الأخوات الراهبات الفاضلات من الكنائس الشقيقة اللواتي أشعرننا بأننا جميعاً واحد بالمسيح يسوع ربنا، ولابد أنكم لاحظتم جميعاً في ختام تلاوة طقس تلبيس الاسكيم الرهباني للراهبات الجديدات كيف أنهن سجدن أمام المذبح المقدس ثم أمام المؤمنين ثم أمام الراهبات القدامى وهن ينادين قائلات بالسريانية ما ترجمته «أيتها الأخوات نرجو أن تقبلننا في الدير» فإذا كنَّ قد طلبن ذلك من الراهبات الفاضلات السريانيات فإنهن يطلبن من الراهبات الفاضلات من الكنائس الشقيقة، بروح مسكونية أن يقبلنهن في صفوفهن أخوات جديدات، هذه هي روح الرهبانية الحقة المقترنة بروح المسكونية التي علمنا إياها آباؤنا الميامين. ففي القرن الثالث عشر يقدم القديس مار غريغوريوس يوحنا ابن العبري مفريان المشرق التوجيهات الروحية للرهبان والنساك والمتوحدين والزهاد المنتمين إلى جميع الطوائف المسيحية بأن يعبدوا الله بالروح والحق ساعين لنيل ملكوته السماوي وأن ينقوا قلوبهم من البغضاء غير متخذين الخلافات العقيدية ذريعة للنزاع بينهم وأن يعيشوا بسلام وبخوف الله طالما قد كرسوا ذواتهم له تعالى. وإذا ما اجتمعوا للصلاة معاً فليتلوا قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني الذي تقبله كل الكنائس الرسولية، ولا يكونوا سبب عثرة للمؤمنين.
أيها الأحباء: نرغب إلى أحبائنا الرهبان والراهبات من جميع الكنائس أن يتحلوا بالروح المسكونية الصادقة ويتعاونوا معاً لما فيه تمجيد اسم الله القدوس كما أوصانا الرب يسوع قائلاً: «فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات» (مت 16:5).
أجل، إنَّ للمرأة في المسيحية مكانة مرموقة، فهي مساوية للرجل كما يقول الرسول بولس: «ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع» (غلا 28:3)، وقد شرفت العذراء مريم المرأة إذ استحقت أن تلد الرب يسوع المسيح بالجسد. كما أقامت من نفسها مثالاً يحتذى بالطهر والنقاء والعفة والقداسة، وقد اقتدت بها في تكريس النفس لخدمة الرب، عذارى وسيدات مؤمنات لا يحصى لهن عدد عبر التاريخ المسيحي، وكانت المرأة وما تزال في كنيستنا تلعب دوراً فعالاً في ميادين شتَّى، فمنذ القرن الرابع ألّف مار أفرام السرياني جوقة ترتيل من العذارى تعدّ الأولى من نوعها في المسيحية. وقد فسحت كنيستنا المجال للمرأة للمشاركة في الشؤون الخيرية والاقتصادية والإدارية في الكنيسة، ففي عصرنا هذا نرى المرأة عضواً في المجالس الملية والجمعيات الخيرية والثقافية وعندنا لجنة السيدات الخيرية وجوقة الترتيل هنا في دمشق كما في بقية الأبرشيات. وإن أهم عمل تقوم به المرأة في المسيحية هو العمل الذي تقوم به الراهبات الفاضلات اللواتي بإمكاننا أن نطلق عليهن صفة الجندي المجهول في الكنيسة لتكريسهن أنفسهن في سبيل خدمة إخوة يسوع الصغار وتقديم الخدمات الجليلة في المدارس والمياتم والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الثقافية والخيرية والاجتماعية، وإليهن يعود الفضل في تربية الأجيال الصاعدة وتنشئتها خير نشأة وبهذا يقمن من أنفسهن خير شهود للمسيح.
نشكر الله تعالى على نعمه الجزيلة التي يسبغها على كنيسته فهو الذي يوجه الدعوات إلى عبيده من الذكور والإناث، الراغبين في تكريس أنفسهم لخدمته تعالى، ونشكره تعالى إذ ألهم بناتنا الفاضلات الراهبات الجديدات فلبين دعوته الإلهية واستحقت كل واحدة منهن أن تصير نعجة وديعة في حظيرة المسيح كما يصف آباؤنا السريان الراهبات في الطقس الكنسي وإذ نثني عليهن لمخافتهن الرب وتحليهن بالفضائل المسيحية كافة، نهنئهن لأنهن استحققن أن يلبين دعوة الرب متمنين لهنّ أن يقمن بما تتوجبه النذور الرهبانية الثلاثة من التضحية ونكران الذات، وأن يسعين بغيرة وقادة وإيمان ورجاء ومحبة إلى بلوغ الكمال المسيحي ليؤهلهن الرب ليكنَّ بعد العمر الطويل وسائر الراهبات العزيزات الفاضلات في عداد العذارى الخمس الحكيمات ليدخلن إلى ملكوته السماوي ويتنعمن معه بالسعادة الأبدية. وأن يبارك أهلهن وكل عائلة مسيحية تعطي الكنيسة رهباناً وراهبات آمين.
الرهبانية هي الشغف في محبة المسيح·
بنعمة الله، احتفلنا الآن ـ أيّها الأحباء ـ بإلباس الاسكيم الرهباني لأربعة من طلاب كليتنا، كلية مار أفرام الكهنوتية، ففيما نقدّم الشكر لله على إتاحته لنا هذه الفرصة الروحية، نهنئ أبناءنا الروحيين الرهبان الجدد على دعوة الرب الإله لهم ليكونوا في عداد تلاميذه، وعلى تلبيتهم هذه الدعوة الإلهية الخفية، وإعلانهم أمام الله وأمامنا جميعاً، أنهم وبإرادتهم التامّة قد قدّموا أنفسهم للمسيح يسوع ربنا، فنعمّا لهم. كما يطيب لنا أيضاً أن نهنئ سائر طلاب كليتنا الكهنوتية الذين، بحمد الله وعونه وعضده تعالى، نهتمّ بتنشئتهم نشأة روحية كهنوتية سريانية أرثوذكسية، وتوجيههم التوجيه الصالح والسليم ضمن حظيرة المسيح يسوع ربنا. ونهنئ ابننا الروحي الفاضل ناظر الكلية الربان عيسى كوربوز على غيرته الوقّادة ومحبته الخالصة وتعبه معهم جميعاً، كما أننا نشكر أخوينا الجليلين مار ايونيس بولس النائب البطريركي في دمشق ومار إقليميس أوجين المعاون البطريركي اللذين اشتركا معنا في القيام بالطقس الكنسي لهذه الحفلة الروحية. ونهنئ خاصة أهل الرهبان الجدد وذويهم خاصة الوالدين الذين ربوهم التربية الصالحة ووجهوهم منذ نعومة أظفارهم التوجيه الروحي الديني وقدّموهم إلى كنيسة الرب، وشجعوهم ليبذلوا الغالي والنفيس في سبيل محبة ربنا يسوع المسيح، آجرهم الرب، وليكونوا على يقين أنه في مقدمة الأعمال الصالحة العظيمة التي قاموا بها في حياتهم، كآباء وأمّهات، هو تقديم أبنائهم هؤلاء لخدمة الرب، فكل أسرة تقدم للرب راهباً أو راهبة أو كاهناً أو شماساً أو شماسة، تحصل تلك الأسرة على بركة ربنا كما تنال شرفاً رفيعاً بين الناس، لأنّ الذين يتقدمون لخدمة الرب ولئن تركوا الأهل والأقرباء وانضمّوا إلى الدير حيث قد أفرزوا ذواتهم لعبادة الرب وخدمة كنيسته المقدسة، ولكنّهم في الوقت نفسه، في كل خدمة دينية يقومون بها، يذكرون أمام الرب أهلهم وأقرباءهم مصلّين لأجلهم، فما أعظم هذه النعمة!.
هل تعلمون أيّها الأحباء أننا احتفلنا الآن بعرس روحي، يشاركنا البهجة فيه ملائكة السماء، فلو أنعم الله علينا لرأينا بعيوننا المجرّدة الملائكة القديسين حولنا، كما أبصر خادم النبي اليشع، استجابة لصلاة النبي، خيلاً ومركبات نار حول اليشع، فاطمأن قلبه بعد أن أبصر ما أبصر (2 مل 6). ونحن اليوم نؤمن بوجود الرب يسوع على رأس جمعنا، ولئن كنا لا نقوى على رؤيته بالعين المجردة، كما نؤمن بأن ملائكته القديسين يرافقونه، وهم فرحون مبتهجون لتقديم هؤلاء الشبان الأربعة أنفسهم للرب حيث لبسوا الاسكيم الرهباني، متشبّهين بالملائكة، وطقس إلباس الاسكيم الرهباني لدينا نحن السريان هو طقس تقديم التوبة لله، فعندما يتقدّم الإنسان إلى الرب ليعلن بأنّه بملء إرادته يفرز نفسه له تعالى، يفعل ذلك بتواضع ووداعة وخشوع، كالعشّار الذي ذكره الرب في مَثَل الفريسي والعشار كيف وقف في هيكل الرب من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلاً: «اللهم ارحمني أنا الخاطئ، فغفرت خطاياه، ويقول الرب يسوع إن هذا نزل إلى بيته مبرّراً» (لو13:18 و14) كما أن ربنا يسوع في ختام مَثَلي الخروف الضال والدرهم المفقود يقول: «هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب» (لو10:15)، فالملائكة تفرح معنا اليوم في هذا العرس الروحي لأنّ أربعة شبان أتقياء قد لبّوا دعوة الرب القائل «قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل» (مر15:1)، وهؤلاء الرهبان الأربعة الجدد قد قدّموا اليوم توبة صادقة بلبسهم الاسكيم الرهباني، فالرهبانية هي التوبة النصوح والعزم على ترك الخطية، وبدء حياة جديدة طاهرة نقيّة، حياة البرّ والقداسة والشغف بمحبة المسيح، ولذلك تجرأ بعض آبائنا السريان ليقولوا إن الرهبانية هي معمودية ثانية، فالراهب يترك أهواء الجسد وأباطيل العالم، وهو يتطلّع إلى أمام فيرى الصورة الحقيقية للحياة الأبدية السعيدة، ويؤمن بأنّه ليس بإمكانه أن يرث ملكوت السموات ما لم يحمل صليب الرب ويتبعه في طريق الجلجلة، عالماً أنّه لا ملكوت دون صليب، ولا قيامة بالرب دون موت عن العالم، ولا إكليل مجد دون إكليل الشوك، لذلك يدخل الراهب من الباب الضيّق ويسلك الطريق الصعبة، إنه بطل روحي وقد قيل إن كل من يتّقي الله فهو البطل.
نعم! إنه قد شغف بمحبة المسيح فترك كل شيء في العالم وتبعه وحده طائعاً إيّاه، فقد قال له المجد: «إن كان أحد يأتي إليَّ ولا يبغض أباه وأمّه وامرأته وأولاده وأخوته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً» (لو 26:14). وهذا كلام مجازي، يعني أنه إذا قسنا محبتنا للمسيح، المحبة العميقة، التي هي أقوى من الموت، بمحبتنا لأقربائنا، تظهر فيها المحبة لهؤلاء كأنّها بغضة، نسبياً، حيث يكون المسيح الكلّ في الكلّ لدينا، فنشغف بمحبته، ونكرّس له ذواتنا، ونصلب معه على الصليب أهواءنا، لنموت معه «فقد دفنّا معه بالمعمودية للموت ما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدّة الحياة» (رو 4:6)، وقد قال له المجد: «ليس لأحد حبّ أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه»
(يو13:15). فعندما نقيس عمق هذه المحبة للمسيح، الذي أحبّنا أولاً، نرى كلّ محبة للناس، تغدو وكأنّها بغضة، لكن الرب لا يوصينا أن نبغض الناس وخاصة آباءنا وأمهاتنا، بل بالأحرى هو يوصينا أن نحبّ جميع الناس حتى أعداءنا، وبذلك نظهر محبتنا له، فقد قال لتلاميذه «بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، إن كان لكم حبٌّ بعضاً لبعض» (يو 35:13)، وقال الرسول يوحنا: «إن قال أحدٌ إنّي أُحبُّ الله وأبغض أخاه فهو كاذب، لأنّ من لا يحبّ أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره، ولنا هذه الوصية أنّ من يحب الله يُحبّ أخاه أيضاً»
(1يو20:4 و21).
أيّها الأحباء: ما أسعد الرهبان والراهبات، الذين تتطهّر نفوسهم، وتسمو أفكارهم، ويعيشون السماء وهم على الأرض إذ يصيرون سفراء للمسيح لأنهم قد أحبّوه إلى درجة لا يمكن التعبير عنها بلغة البشر، وقد حاول الرسول بولس أن يترجم بالكلمات مبيّناً مدى قوّة هذه المحبة فقال: «من سيفصلنا عن محبة المسيح، أشدّةٌ أم ضيقٌ أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب أننا من أجلك نُمات كلَّ النهار، وقد حسبنا مثل غنم للذبح، ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبّنا» (رو 35:8 ـ 39).
أجل، إنّ الرهبانية الحقيقية هي فيض النفس بمحبة المسيح، وبدأت منذ فجر النصرانية عندما شغف بعض الأقوياء الأشداء من المؤمنين الأتقياء بمحبة الرب يسوع، وسمت أفكارهم وزاد شوقهم إلى الحياة معه وحده، فتركوا العالم، وهربوا إلى القفار وتوغّلوا في البراري وتوقلوا الجبال، وسكنوا الكهوف والمغاور، وعبدوا الله منفردين، متجنبين مواضع التهلكة الروحية، عائدين إليه تعالى بالتوبة الصادقة مواصلين الاتصال به في الصلاة المستمرة، فبلغوا درجة الانخطاف والانكشاف، فكانوا في علاقة روحية كاملة مع المسيح، وإذ سمت أرواحهم استحقّت أن تناجي الروح الإلهية، لأنّ الله روح محض، والساجدون له فبالروح والحقّ يجب أن يسجدوا، على حدّ تعبير الرب يسوع (يو 24:4).
هكذا تزكّت أرواحهم بالسعادة السماوية وهي ما تزال سجينة أجسادها، حتى أن بعض النسّاك عندما كانوا يُصلّون يَصِلون الليل بالنهار والنهار بالليل منتصبين أمام الله بالصلاة، بدون أكل أو شرب أو نوم أو راحة، وقد فاضت معهم المواهب الروحية، واختطفوا بأرواحهم إلى السماء، كان بعض زملائهم يشاهدونهم وكأنهم أعمدة من نار، فيحقّ لكلّ واحد من هؤلاء الأبرار أن يقول مع الرسول بولس: «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدّاً» (في 23:1)، وعندما يصلّون الصلاة الربانية ويناجون الرب قائلين: «ليأت ملكوتك» يتوقون إلى مجيء المسيح سريعاً فيقولون مع يوحنا الرائي: «آمين، تعال أيّها الرب يسوع» (رؤ 22:20). ولا غرو من ذلك، فإنّ الذين يعزمون على لبس الاسكيم الرهباني إنّما يفعلون ذلك سعياً إلى بلوغ الكمال المسيحي ليرثوا الحياة الأبدية، لذلك فبموجب الطقس السرياني عليهم أن يقفوا بخشوع أمام مذبح الرب كما ذكرنا آنفاً طالبين مغفرة خطاياهم، مصممين على عدم العودة إليها، ثمّ يحاولون أن يكونوا خير شهود للمسيح بحسن عبادتهم وتمسّكهم بفضائل الإيمان والرجاء والمحبة، وتحلّيهم بسائر الأعمال الصالحة، ليرضوا الله تعالى، وعندما يعلنون أمام الله والناس بأنّهم بملء أرادتهم يقربون أنفسهم للرب يعترفون ضمناً بأنّهم بقبولهم الاسكيم الرهباني، يقبلون نذور الرهبانية الثلاثة، وهي البتولية المقرونة بالعفة، والطاعة التامّة للرئاسة الروحية، والفقر الاختياري، مستندين بذلك إلى تعاليم الرب يسوع الذي أجاب الشاب الذي سأله عمّا يجب أن يعمله ليرث الحياة الأبدية، فقال له يسوع: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني» (مت 21:19)، فهذا هو الفقر الاختياري الذي مارسه الرب في تدبيره الإلهي بالجسد حيث عاش فقيراً وأعطى الطوبى «طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات» (مت 3:5)، فعندما يقترن الفقر الاختياري بطاعة المسيح من خلال طاعة الرهبان رئاستهم الروحية، والتزامهم بالبتولية المقترنة بالعفّة، تنجلي حينذاك التضحية بنكران الذات، ويتوّج كل ذلك بحمل صليب الرب يسوع، والسير وراءه في طريق الجلجلة، من هنا نعلم أن طريق الرهبانية ليس سهلاً، وأننا لم ندعُ هؤلاء الشبان إلى حياة الراحة والكسل، بل إلى الجهاد المستميت ضد إبليس وجنده، وإلى التمسك بالصوم والصلاة اتماماً لوصية الرب «إن هذا الجنس (أحد أجناس الشياطين) لا يخرج إلا بالصوم والصلاة». ففي ميدان الجهاد هذا ضد إبليس يغلب الراهب حيث أنه يؤمن بأنّ الرب يسوع هو معه دائماً، إتماماً لوعده الإلهي أنّه «يكون معنا حتى انقضاء الدهر» (مت 20:28). وأن الرب قد غلب العالم (يو 33:16) ودحر إبليس وجنده، ورآه ساقطاً من السماء، وأن الرب دحر إبليس في البرية، في التجارب الثلاث، كما غلبه خاصة عندما خلّص البشرية بموته على الصليب وقيامته من بين الأموات، كما صارت علامة الصليب علامة النصر والغلبة، علامة ابن الإنسان التي يفتخر بها المؤمنون به، وعلامة التلميذ الحقيقي الذي يحمل صليب المسيح ويتبعه، وبذلك يعترف بأنّه للمسيح، الذي نهج طريق الرهبانية بالبتولية والفقر الاختياري والطاعة التامة لأبيه السماوي حيث «وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب» (في 8:2) فإذا كانت التضحيات كبيرة في الحياة الرهبانية، فالمكافأة في السماء أعظم بكثير إذا قيست بالمشقّات التي يتحمّلها الراهب على الأرض. وهؤلاء الذين يختارون طريق الرهبانية يعلمون أن العالم زائل، وأنّ أيام الإنسان كلها شقاء بالمقارنة مع السعادة الأبدية، فالحكيم هو الذي يكنز له كنوزاً في السماء، ويسعى إلى نيل الحياة الأبدية.
قلتها قبل مرّة، وأقولها هذه المرة، إنني كأب عام للسريان في العالم، بالنعمة لا بالاستحقاق، أشكر الله الذي دعاني قبل أكثر من أربعين سنة، فلبّيت الدعوة ولبست الاسكيم الرهباني المقدس، وكان ذلك بدء المشوار، فإذ أشكر الله على نيلي موهبة الكهنوت والأسقفية وتنصيبي بطريركاً أذكر خاصة أمام الرب دائماً اليوم المبارك الذي قدّمت فيه نفسي للرب، وأشعر بأن سعادتي الروحية قد بدأت حينذاك، لأنني قد حملت صليب الرب وتبعته وتحررت من المادة، وأصبحت خادماً للمسيح، فأنا للرب يسوع حيثما كنت، وأقدّم إليه صلاتي ليُلهم الشعب المبارك ليقدّموا أولادهم، أبناءهم وبناتهم ليكرّسوا أنفسهم رهباناً وراهبات، ليكونوا سعداء في المسيح، ليحبّوا المسيح لكي ينالوا بعد العمر الطويل السعادة الأبدية.
إنّ الكنيسة المقدسة بحاجة ماسّة اليوم إلى الذين يسعون لخلاص نفوسهم، ليقدّموا ذواتهم للرب وليسعوا بعدئذ إلى خلاص نفوس الآخرين، فنعمّا لهؤلاء الشبان الأعزاء. نعمّا لكلّ من يلبي دعوة الرب الخفيّة محباً المسيح أكثر من كل أحد، ومن كل شيء في هذه الحياة الدنيا، فيكافأ بأن يرث الحياة الأبدية، بل حتى في هذه الحياة، فالراهب السرياني يحبّه الشعب السرياني ويكرمه، خاصة إذا شغف بمحبة المسيح واتّصف بالتمسّك بالإيمان والرجاء والمحبة وسائر الفضائل، وبالأخص إذا تحلّى بفضيلتي الوداعة والتواضع، اللتين يريدنا الرب أن نتزيّن بهما، إذ قال: «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم، وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم، لأنّ نيري هيّن وحملي خفيف» (مت 28:11 ـ 30).
نسأله له المجد، أن يؤهّل الرهبان الجدد ويؤهّلنا جميعاً أن نشغف بمحبته، ونقتدي بوداعته وتواضعه، لننتصر على إبليس وجنده، وننال إكليل المجد في السماء، آمين.
تقديس كنيسة مار بطرس وبولس في كولن·
نحمد الله حمداً جزيلاً إذ أهّلنا لنترأس احتفال تقديس مذبح هذه الكنيسة ومعموديتها، يعاوننا صاحبا النيافة الحبران الجليلان مار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى ومار إقليميس أوكين قبلان المعاون البطريركي الذي يرافقنا في رحلتنا وزيارتنا هذه الرسولية. ومما زاد بهجتنا وفرحنا وجود أعزائنا الكهنة الذين جاءوا من مناطق عديدة ليشاركوا أخوة لهم في الكنيسة فرحة تقديس مذبحها ومعموديتها. وكذلك الشمامسة الأعزاء وجوقة المرتلين الممتازة جداً، ففي الوقت الذي نهنئ فيه نيافة أخينا الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطران الأبرشية بهذا الحدث التاريخي، ونهنئ كاهن هذه الكنيسة الابن الروحي القس نعمان والمجلس الملّي لهذه الكنيسة وسائر المؤمنين، في الوقت الذي نهنئكم جميعاً، لابد أن نشكر الكنيسة الكاثوليكية الشقيقة على هذه البادرة المسكونية الممتازة بإهداء هذه الكنيسة الجميلة لكم.
أيها الأحباء:
نشكر نيافة الكردينال وسيادة المطران الذي يمثّله، ونهنئكم أيضاً على هذا العمل المسكوني المهم، لأنه ليس من الهيّن على مؤسسة أن تهب مؤسسة أخرى هبة نفيسة كهذه، فهذا الهام من الروح القدس، الذي هو مع الكنيسة، هذه المحبة المسيحية التي نحتاجها في أيامنا هذه، فنحن نسعى إلى الوحدة المسيحية، وهذه الكنيسة الجميلة المقدّسة التي رفعت فيها صلوات الكهنة والاكليروس والشعب الكاثوليكي ترفع فيها الآن هذه الصلوات والقرابين من الشعب السرياني الأرثوذكسي وكهنته. ليتمجّد اسم الله القدوس، وليبتهج مطران الأبرشية الذي بهمّته العالية تقوم الكنائس وتتجدّد وتتقدّس، وكذلك الكهنة الأحباء والشمامسة والشعب المبارك…
… لقد تركتم، أيها الأحباء، في الوطن الأم الأديرة والكنائس، ولكنكم أتيتم وقلوبكم مليئة بالإيمان والسيرة الفاضلة، واستقبلكم هذا الوطن الجميل الذي أحبّكم، وعليكم أن تحبوه وتخلصوا له. فكما كنتم مخلصين لوطنكم الأم، يجب أن تكونوا مخلصين لبلادكم الجديدة. إنكم لا تحسبون مؤمنين صالحين في الكنيسة وأعضاء أحياء فيها ما لم تكونوا مواطنين صالحين. وثقوا بأن الكنيسة ثابتة، وأنتم ثابتون. ولا تستطيع البدع والآراء المستحدثة أن تسيطر عليكم، والنظام الإلهي في تدبير الكنيسة وجد منذ يوم ولادتها، وقد نما معها وتبلور، زهو ثابت إلى اليوم، ثابت في المسيح وسيبقى ثابتاً، لأن المسيح في وسطها. فليست الكنيسة قوية بأموالها، ولا حتى برجالها، بل بالمسيح رأسها، الذي هو أيضاً مؤسسها وحجر الزاوية في بنائها.
ففي هذا اليوم، وقد قدّس المذبح والمعمودية المقدّسة بحسب طقسنا السرياني العريق، نسأل الله أن يستجيب كل الصلوات التي تقدّم من الإكليروس والشعب في هذه الكنيسة وأن يقبل القرابين التي تقدّم على مذبحها المقدس، ويبرر ويقدس الأطفال الذين يعتمدون في معموديتها المقدسة، ليولدوا من جرن المعمودية ميلاداً ثانياً من السماء، ويستحقوا أن يرثوا ملكوته السماوي.
كنيسة مار أفرام ـ بربانك·
لقد ذكرنا اليوم على المذبح المقدس المثلث الرحمة مار اثناسيوس يشوع صموئيل… والشمامسة وسائر المؤمنين موتاكم المرحومين. إننا أيها الأحباء، تضرّعنا إلى الرب أثناء تقديمنا الذبيحة الإلهية السماوية ليعضدنا ويرشدنا ويرسل إلينا روحه القدوس ليقودنا في مسالك الحقّ والسلام، وهذه نعتبرها رداً لكفاحكم وكفاح سائر المؤمنين أبناء كنيستنا، وجهادهم وتمسكهم بالإيمان القويم الرأي، وعلى سعيكم للحصول على الأبدية الصالحة، يرافقنا في هذه الزيارة نيافة أخينا الحبر الجليل المطران مار إقليميس أوجين المعاون البطريركي، ويشاركنا الإعجاب بنظام الكاهن والشمامسة والشماسات في هذه الكنيسة وما نراه من تمسك بتقاليدنا الرسولية الأبوية، ولغتنا السريانية، فبارك الله بهمة الكاهن المثالي الأب الدكتور جوزيف ترزي، وأكثر من أمثاله في كنائسنا في المهجر، لتكون هذه الكنائس متمسكة بإيمانها وتقاليدها ومهتمة بتربية أولادها التربية المسيحية السريانية الأرثوذكسية الحقّة.
أيّها الأحباء: في ميدان تفقدنا هذه الكنائس المباركة، وسعينا بعون الله في إيجاد مَن سيرعى هذه الكنائس بروح المسيح، مَن سيقودها إلى جداول مياه الإنجيل المقدس، مَن سيقيتها بكلمة الله وبجسد المسيح ودمه، بعد أن تكون قد تلقت وامتلأت من روح الله. بسعينا هذا، نسأل الله المؤمنين جميعاً أن يتعاونوا معنا ونحن نستخرج آراءهم لنعرف ماذا يرغبون أو ما هي تطلعاتهم للمستقبل بالنسبة إلى كنائسنا في المهجر الأميركي.
ولا ننسَ، ونحن في هذا الموقف، أن نوضّح روحياً، ما هي رئاسة الكهنوت لدينا. ونبدأ كلامنا الروحي كقول الرسول بولس: «ولا يأخذ هذه الوظيفة إلا المدعو من الله كما هارون أيضاً» (عب 7:5). فبعد أن يشرح الرسول بولس كيفية دعوة الله للإنسان الذي يختار وظيفة رئاسة الكهنوت، كيف أن الله يختاره ويأخذه من بين الناس ليتقدم الناس وليقدّم عن الناس وعن نفسه أيضاً، لأنه هو أيضاً ضعيف، القرابين لمغفرة الخطايا، يقودنا بعدئذ عن هذه الوظيفة التي هي رسالة سامية إلهية، التي يدعوها آباؤنا التشبّه بالإله، رسالة الكهنوت، لا يأخذها أحد من نفسه، لا يستطيع أن ينالها من نفسه ولا من الشعب، إنما من الله، يُدعى من الله، وإذا لبّى الدعوة، نال هذه الموهبة السامية والعطية الإلهية المجانية النازلة من فوق من عند أبي الأنوار. ويكتب لنا الرسول بولس مثلاً عن هارون. ونحن نعلم أن الكهنوت بحسب تعاليم آبائنا بدأ بآدم، فقيل عن آدم أنه ناجاه قائلاً: «جبلتني ووضعت عليَّ يدك»، ووضع اليد هو رسامة كهنوتية بحسب عقيدتنا، وكان رئيس العائلة دائماً بكرها، وكان هو أيضاً كاهناً. ولكن لما جاء الناموس المكتوب، ناموس موسى، اختار الله له هارون، وكان ذلك بأعجوبة. فقد جمع موسى عصا من كل سبط من الأسباط كاتباً اسم السبط عليها، ووضع هذه العصي أمام الرب، فأفرخت عصا هارون وأثمرت، وأعطت لوزاً، وكان ذلك علامة من عند الله. فصار هارون رئيس كهنة، لذلك فالرسول بولس يقول: «كما هارون أيضاً» إذ دعاه الرب. والدعوة هي الاختيار، فصار رئيس كهنة.
وكان كهنوت العهد القديم خاصاً بسبط لاوي. أما في العهد الجديد، فالدعوة الإلهية موجهة شخصياً من إلهنا المتجسد الرب يسوع، هو الذي دعا تلاميذه فلبّوا الدعوة، وكانوا مهيئين لذلك. ثمّ أمام الجمهور اختارهم، دعاهم ثانية وسمّاهم رسلاً، وبحسب تعاليم آبائنا، دعا التلاميذ السبعين وأرسلهم اثنين اثنين إلى القرى والدساكر، وأعطاهم سلطاناً على الأرواح الشريرة النجسة على الشياطين. وعندما عادوا إليه فرحين قائلين: «إن الشياطين أيضاً تخضع لنا باسمك، أجابهم قائلاً: لا تفرحوا لأن الشياطين تخضع لكم باسمي، افرحوا بالحري لأن أسمائكم مكتوبة في السموات». فأجر العامل في كنيسة الله في خدمة المسيح ليس أجراً عالمياً، إنما أجره أن اسمه يكتب في السماء.
هذه الدعوة بحسب تعاليم آبائنا هي رسامة أولئك شمامسة. وعندما قام من بين الأموات، ظهر لهم في العلية وأعطاهم السلام ونفخ في وجوههم وأعطاهم سلطان حلّ الخطايا وربطها ورسمهم كهنة. أما رسامته إياهم رؤساء كهنة. فهذه الرسامة جاءت قبيل صعوده إلى السماء، عندما رفع يديه وباركهم فجعلهم أساقفة رؤساء كهنة، وأرسلهم إلى العالم أجمع لينادوا بالإنجيل في الخليقة كلها، ويأتوا بالناس المؤمنين بالمسيح إلى الخلاص.
هذه رئاسة الكهنوت، وهذا سرّ الكهنوت في كنيستنا أيّها الأحباء، وكنيستنا رسولية تدرج فيها الكهنوت، وخاصة رئاسة الكهنوت، من الرسول بطرس هامة الرسل، حتى بلغنا إلى هذه الأيام، وسيبقى ثابتاً في هذه الكنيسة التي الله في وسطها، فلن تتزعزع، فيبقى ثابتاً طالما نحن ثابتون في المسيح، وطالما نحن متمسكون بالإيمان به. لذلك عندما نرى الكهنوت منذ بدء المسيحية كان يعطى بوضع اليد، بعد أن يُدعى الإنسان من الله. كانت الدعة علنية. فعندما كان التلاميذ يصلون ويصومون، يقول سفر الأعمال، قال الروح لهم: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. يقول لوقا في سفر الأعمال أنهم صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيدي. ووضع الأيدي يعني الرسامة. وأطلقوهما وأرسلوهما.
هكذا نرى أن الدعوة تأتي من الرب وإلى أيامنا هذه، ولئن كانت الدعوة تأتي خفية على لسان من له الحقّ أن يرشح الذين يدعون إلى هذه الرتبة السامية، ولكننا نؤمن أن الروح القدس هو مرشد الكنيسة ومعلمها، هو الذي يقودها إلى الحق، وهو الذي يدعو أولئك الناس لكي ينالوا هذه الرسالة السامية، رسالة الكهنوت، وبخاصة رسالة رئاسة الكهنوت. الله يدعو، والإنسان يلبّي. إذا لم يلبِّ، يعني أنّه لا يستحق تلك الدعوة. الله يدعو ولكن الإنسان يكون قد تهيأ لنيل هذه الرتبة السامية، جسدياً، اجتماعياً، روحياً، خاصة بالعلم والمعرفة والفضيلة، عندما يكون هذا الإنسان مهيئاً وذا رغبة شديدة مقيّدة بحكمة الكهنوت، حينذاك يُدعى ويلبّي. والرسول بولس يقول عن الأسقفية رئاسة الكهنوت: «ومن اشتهى الأسقفية، فقد اشتهى عملاً صالحاً»، ذلك أنه في تلك الأيام ودائماً، لم يأت آباؤنا ليجلسوا على كراسي مريحة، إنما يسلكون سلوك آبائهم، سلوك الرسل بالذات، بتحمّل المشقات كجنود صالحين.
الأسقفية دعم وتعب كبير، والأسقفية تحمل مسؤولية روحية خاصة بإدارة الشعب والإتيان به إلى المسيح، لتوبيخ الخطاة والمذنبين، لتفقد أبناء الرعية وبناتها لرعاية الحملان والخراف والنعاج والكباش كما أوصى الرب يسوع بطرس أن يرعى خرافه ونعاجه وكباشه، وأن يتبعه. فهي حمل الصليب، والسير وراء المسيح في طريق الجلجلة، ووضع إكليل من شوك على رأس هذا الإنسان، كما وضع على رأس المسيح، لأنه لا إكليل مجد بدون إكليل شوك. لا راحة في السماء بدون تعب وتحمّل مشقات وضيقات على هذه الأرض. ومسؤوليته الروحية كبيرة، لأنه كما قيل لحزقيال النبي أنه يرسل ليؤنب الخاطئ، فإذا لم يفعل ذلك ويدوم الخاطئ في خطيئته، فيكسب هلاك تلك النفس، يطلبها الرب من الراعي نفسه.
ورئاسة الكهنوت التي لها امتياز عظيم يناله الإنسان، هي أعظم من رسالة الملائكة، بل أيضاً أعظم من الملوكية، من كل أمجاد العالم، إذا كان هذا الإنسان الذي يأخذ هذه الرسالة مطيعاً متواضعاً كالمسيح يسوع، متمسكاً بإيمانه، داعياً لخلاص نفسه ثم لخلاص المؤمنين كافة. إذا كان هذا الإنسان مقتدياً بالمسيح، فعلى الشعب أن يقوم بأوده على الشعب أن يكرّمه، وأن يطيعه إطاعته للمسيح بالذات، لأن المسيح قد أعطاه سلطاناً أعطاه للرسل، «من سمع منكم سمع مني، من أكرمكم يكرمني، من أصابكم فقد أصاب حدقة عيني». المسيح يرعانا جميعاً، اكليروساً وشعباً. المسيح يرى أن المؤمنين الذين يضطهدون من أجل اسمه هم أبناء مخلصون له، يعترفون به على هذه الأرض أمام الناس ويعترف هو بهم أمام أبيهم السماوي.
هذه الرسالة لا تسير إلا بالتعاون ما بين الشعب والإكليروس، ونحن خاصة كما ورثنا من آبائنا، نؤمن أن الكنيسة هي إكليروس وشعب، ونحترم رأي الشعب، ولذلك نستمزج آراء أبنائنا في هذه الكنائس بما يخصّ رئاسة الكهنوت، بما يخصّ مستقبل هذه الكنائس بالولايات المتحدة وكندا. ونسأل الشعب المبارك، أن يصلي صلاة حارة أمام الله ليلهمه ويلهمنا لننطق بالحقّ، لأن هذا الأمر، يخصّ خلاص النفوس، يجب أن يكون بعدالة وبصدق وباستقامة، وخاوياً من كل غرض، ومن أفكار عشائرية قبلية وأغراض شخصية، يجب أن تكون الآراء مجرّدة تعطى فقط لمجد اسم المسيح وتقدّم كنيسته وازدهارها. نسأل الله أن يلهمنا وإياكم بما فيه خير الكنيسة، لتمجيد اسم ربنا تعالى، آمين.
أمسية في زحلة·
نشكر الله على هذه الأمسية الجميلة التاريخية السريانية، ونهنئ بناتنا ساكنات جارة الوادي اللواتي أنعم الله عليهن بملفان ومعلم ومرشد للشبان بأفرامنا الحبر الجليل الذي بمحبته كنيسته السريانية وتعلقه بتراثها وخاصة بلغتها المقدسة وألحانها الشجية العريقة، ضحّى بوقته وعلّم بناتنا العزيزات اللواتي يؤلفن هذه الجوقة المباركة، علمهن ألحاننا العريقة القديمة، ضحّى بوقته وعلّم بناتنا العزيزات اللواتي يؤلفن هذه الجوقة المباركة، علمهن ألحاننا العريقة القديمة، والحديثة الجديدة، ونقلنا من جارة الوادي إلى جبل الرها وكأننا نرى هناك فخر السريان ومرشد الشبّان مار أفرام. ونيافة المطران أفرام برصوم اقتدى بمار أفرام السرياني ولا غرو من ذلك فمنذ نعومة أظفاره، كان يرافق أباه الشماس البار المرحوم بولس منوفر برصوم إلى الكنيسة ليعبد الله في مذبح الله بخوف الله في القامشلي هذه المدينة السورية العريقة التي تعدّ نصيبين الجديدة مدينة أفرام السرياني هناك نشأ نيافته وتربّى ونما بالغيرة السريانية الوقادة ومحبة الألحان السريانية، وهو إنسان نادر، هو بلبل السريان الصّداح الذي وهبه الله صوتاً ملائكياً شجياً، فعندما يصلي ويرتل يرفع قلوب المصلين وأفكارهم إلى السماء، وصوته صوت كنسي نادر. لأناس عديدين أصوات شجية ولكن ندر من ملك صوتاً كنائسياً يتفاعل ويتناغم مع اللحن السرياني الذي يمتاز عن كل ألحان المسيحية لأنه لحن يبرهن على ما كان يتصف به آباؤنا من نفوس نقية طاهرة قديسة متواضعة ووديعة فإذا ما علّم أفرامنا بناتنا التراتيل السريانية لابد أنهن يُجدْنَ هذه الترانيم. وإننا شعرنا وهو ينتقل بنا في مراحل السنة الطقسية السريانية، كأنه يقطف من كل حديقة وردة يقدمها للسيد المسيح ويأتي بنا أخيراً إلى ما نظمه من أشعار وأناشيد حديثة تحثّ الإنسان على التمسك بالتراث أولاً ومحبة الكنيسة ومحبة اللغة والمدرسة وفي الوقت نفسه تذكره أن عليه أن يجتهد لكي يبلغ ذروة الفضيلة والعلم الذي اتصف به آباؤنا. فألف شكر لكم يا صاحب النيافة على أتعابكم الجمة، على الغاية السامية التي تقصدونها من تعليم هؤلاء الفتيات العزيزات، على الغرسة الطيبة التي غرستموها في هذه الرعية المباركة زحلة.
اليوبيل الماسي لكنيسة مار جرجس في زحلة·
إن كنيستنا كنيسة أنطاكية السريانية التي أسسها هامة الرسل بطرس على أساس الإيمان بالمسيح يسوع ابن الله الحي هذه الكنيسة عانت كثيراً من قسوة الدهر عليها، وقدمت عدداً لا يُحصى من الشهداء عبر الدهور والأجيال. ووعدها الرب أن يبقى ثابتاً في وسطها فلن تتزعزع وأبواب الجحيم لن تقوى عليها فليبقَ إيماننا متيناً بالرب، واعتزازنا بأمنا الكنيسة السريانية. ولا ننسى جهاد آبائنا القديسين. ونِعمَ ما فعل نيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة بإعلان الاحتفال بهذا اليوبيل الماسي لهذه الكنيسة فهو كعادته يريد أن يُنهض همم أبناء الكنيسة، يريد أن يوقد نار الغيرة في قلوبهم ونور الإيمان في أذهانهم يريدون أن يكونوا قريبين من السماء فينتهز فرصاً روحية كهذه الفرصة السعيدة ليحتفل المؤمنون مبتهجين بما فعله آباؤهم وليقتدوا بهم وينسجوا على منوالهم وهذه الكنيسة في يوبيلها الماسي تذكرنا بجهاد آبائنا، بثبات كنيستنا على الإيمان بأتعاب رعاتها، بإيمان أبنائها وبناتها، بتقديم أنفسهم على مذبح محبة المسيح شهداء منتصرين على إبليس، آباؤكم الذين جاؤوا هذه البلاد يوم كانت البلاد واحدة تحت حكم عثماني غير عادل عانوا كثيراً وتحمّلوا في سبيل اسم المسيح. استشهد منهم عدد لا يحصى في سبيل محبة المسيح والتمسك بإيمانهم به. آباؤكم هاجروا إلى زحلة في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن بعد أن خلت المناطق التي كانت مكتظة بالسريان في هذه البلاد المباركة لبنان، كما كان نيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم، قد ذكر في بحث نفيس كتبه عن السريان في لبنان، أنهم كانوا متواجدين بكثرة في مناطق عديدة وأن تلك المناطق ولئن خلت من السريان الأرثوذكس ولكنّها استمرت مدة طويلة تمجد المسيح يسوع بلغته السريانية المقدسة.
أجل أيها الأحباء: كان السريان في لبنان قبل الميلاد، فينيقيين وكنعانيين، وبعدما آمنوا بالرب يسوع صاروا كنائس مقدسة خاضعة للكرسي الرسولي الأنطاكي. كما جاء العديد منهم إلى لبنان على أثر اضطهادات أثيرت ضدهم في أماكن عديدة كما جاء آباؤكم إلى زحلة المباركة، جاؤوها في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن. وعرفنا أن بطريرك أنطاكية زار الرعية السريانية في زحلة سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشر، ولم يكن لهم حينذاك كنيسة وإنما كانوا يعبدون الله في دورهم. وبعد خمس سنوات اشتروا داراً ساهمت في شرائه البطريركية، وكان هناك كاهن فاضل يخدمهم هو المرحوم الراهب إبراهيم البشيري. وكان له شيء من المال، حصل عليه من مهنة شريفة كان يمارسها، استفاد المؤمنون منه في شراء تلك الدار التي تحولت بعدئذ إلى كنيسة. وكان هذا البناء المبارك الذي كرس في عهد المثلث الرحمة المطران مار سويريوس أفرام برصوم وعلى يد المثلث الرحمات البطريرك مار أغناطيوس الياس الثالث سنة ألف وتسعمائة وسبع وعشرين. بعد أن انتهوا من البناء سنة ألف وتسعمائة وخمس وعشرين. من هذا المكان المقدس رفع التسابيح إلى الله الأحبار والكهنة والشمامسة، والذين كانوا يصلون في أيام الآحاد والأعياد إلى الله تعالى ممجدين إياه لأنه ثابت في كنيسته، فشيّدوا هذه الكنيسة التي كرست لعبادة الله. والله يوجد في كل مكان، ولكنّه تعالى يوجد خاصة في الكنيسة. والكنيسة هي أم تلد أولادها ميلاداً ثانياً من السماء وتعلمهم الإيمان القويم الرأي فهي معلمة أيضاً وتنشئهم وتربيهم ليكونوا أولاداً صالحين لله الآب وُلدوا من فوق، وتمنحهم النعم العظيمة، والمواهب السماوية… أيها الأحباء في هذا اليوم المبارك، قد اجتمعتم جميعاً لتحتفلوا بذكرى يوبيلها الماسي. وإننا نؤمن بأننا لسنا وحدنا الآن في الكنيسة بل أن أرواح آبائنا معنا يشاهدوننا ولئن كنّا لا نستطيع أن نراهم، وهم يشاركوننا الصلاة ويبتهجون برؤيتهم أحفادهم متمسكين بالإيمان ويمجدون الله في هذا البناء، وقد تكاثر عددهم وخدموا وطنهم لبنان العزيز خدموه زراعياً وصناعياً واقتصادياً، خدموه بإخلاص، فدوه بالدم، كانوا صامدين وقت الشدائد إبان المحنة لأنهم أحبوا لبنان، لبنان الذي احتضنهم كأبناء وأحبهم أيضاً. آباؤكم يبتهجون الآن وهم يشاهدونكم تسيرون في خطاهم حاملين الصليب مثلهم تابعين المخلص ثابتين على إيمانكم. فألف تهنئة لكم أحبائي ولنيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة في هذه المناسبة السعيدة وللكهنة الأعزاء والشمامسة وللمجلس الملي في زحلة وجميع المؤسسات الثقافية والدينية والاجتماعية لأنكم ما تزالون تسيرون في خطى آبائكم، بالتمسك بالإيمان. وألف تهنئة لكم ولآبائكم الذين ثقفوكم ونهجوا أمامكم الطريق لتثقفوا أنفسكم، فإذا كانوا قد أسسوا كنيستهم وانتهوا من بنائها سنة ألف وتسعمائة وخمس وعشرين فقد أسسوا المدرسة أيضاً سنة ألف وتسعمائة وأربع وثلاثين وبذلك نهجوا أمامكم السبيل الواسع الواضح للعلم والمعرفة.
ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة·
أيها السامعون الكرام:
تحتفل سورية في هذه الأيام بعيد سعيد فريد، هو العيد الفضي للحركة التصحيحية المجيدة وبطلها الرئيس الحبيب حافظ الأسد.
ومن حق سورية أولاً أن تحتفل بهذا العيد لأنه يرمز إلى قيم كثيرة عزَّ مثالها. فالحركة التصحيحية التي فجّرها سيادة رئيسنا المبجّل حافظ الأسد، وقادها وطوّرها، أضحت ملك جماهير الشعب بما أعطته من إنجازات عظيمة جبارة في كل الأصعدة، إذ ارتقت سورية خلالها إلى مراقي الازدهار فبلغت قمة الأمجاد وواكبت أكثر الدول تقدماً.
ومن حق الأمة العربية أيضاً، أن تشارك سورية بهذا العيد لأنه ذكرى انطلاقة سورية إلى الريادة في القضايا القومية والمصيرية، بقيادة الرجل الذي اختاره الله لها، رئيساً وقائداً ورباناً لسفينة الأمة في خضم الأحداث الكبار، وهادياً إلى دروب النصر والعزّة والكرامة.
ومن حق شعوب العالم المتطلعة إلى الحرية والسعادة والمساواة والعدالة الاجتماعية، أن تحتفل مع سورية بعيدها إذ أضحت سورية قدوةً تُحتذى لجميع الشعوب المتطلعة إلى تحقيق أهدافها السامية، وصوت كرامتها، واحترام عقائدها وتاريخها. ونحن في سورية إذ نحتفل بهذا العيد، نحتفل به لأنه بخاصة عيد الشعب كله، عيد كل مواطن، وكل من يريد لسورية أن تكون واحة أمن واستقرار ومحبة ووحدة وطنية وعدالة اجتماعية، ورفاهية، وأن تكون قلعةً لمبادئ الحرية والمساواة، ومنارةً للنضال القومي والعمل الوحدوي التحرري.
وقائد الحركة التصحيحية، هو قائد لكل الشعب ورئيس للوطن كله، وحبيب لكل فرد من أفراد هذا الشعب، يبادلونه حباً بحب وتقديراً بتقدير ووفاءً بوفاء وعرفاناً بعرفان وولاءً بولاء، وهذا سرّ قوة الأسد وهذا سر قوة سورية التي تمرّدت على الطغيان، وتحدّت الظلم والهوان، وتحولت من دولة يتقاتل الأعداء للسيطرة عليها إلى دولة إقليمية تحمي نفسها وأمتها، وتنافح الأعداء، وتتصدّى للطامعين، وترسم في أفق المستقبل قوس قزح للنصر والعزّة والكرامة.
وإذا تحدثنا عن الحركة التصحيحية، فلابدّ لنا من أن نتحدّث عن الرجل الذي وحّد الشعب وربط أواصر الوحدة الوطنية، وأقام العدل بين المواطنين وساوى بينهم. فالأحب إليه، هو الأكثر حباً لوطنه، والأقرب إليه، هو الأكثر تضحيةً من أجل شعبه وأمته، والأكثر حظوة عنده، هو الأكثر نفعاً لبلده وشعبه، لا يفرّق بين مواطن ومواطن، ولا يرفع فئة على حساب فئة، فهل من الغريب أن يكون سيادة الرئيس حافظ الأسد في قلب كل مواطن؟.
ونحن السريان الذين يرتبط اسمنا باسم سورية وتاريخنا بتاريخ سورية، نحن شريحة من هذا الوطن العزيز، نفتخر ونعتزّ بالرجل الذي يعرف التاريخ حق المعرفة، ويملك الحاضر بيديه القويتين، ويرسم المستقبل اعتماداً على الحضارة المستمرة في سورية منذ ألوف السنين.
لقد منَّ الله على شعبنا وأمتنا بقائد وهبه تعالى كل مزايا القادة التاريخيين، الذين يظهرون في شعوبهم في مراحل تاريخية حاسمة، ليصنعوا التاريخ بالشعب ومن أجل الشعب، فكان الرئيس حافظ الأسد القائد الذي اجتمعت فيه كل صفات القيادة والريادة، وكل قيم الوطنية والقومية وكل الإخلاص للشعب والأمة.
إنه العظيم بين القادة،
والفذّ بين الرؤساء،
والأمل في الزمن الرديء،
والشامخ في زمن الخنوع،
والبدر الساطع في دياجير الظلمة،
والمتقدّم إلى البذل والعطاء، في زمن التقهقر والانكفاء.
لقد اختاره الله لنا، لأن الله يحب سورية ويحميها ويكلأها ويُعلي من شأنها. فهنيئاً لك أيها القائد برضا الله ومحبة الناس، وهنيئاً لنا بك أيها القائد المظفر.
إن أنظار الناس في كل مكان من سورية وبلاد العرب الواسعة تتجه إليك، ووراء أعلامك تسير الجماهير، ومن عزمك وقوتك وصلابتك تستقي الأمل وتستمدّ الثقة، بأن المستقبل خيرٌ من الحاضر والماضي، وبأن نصر الإنسان وسلام العدل آتيان، وأنَّ أكاليل الغار ستزيّن هامتك، وأن اسمك سيخلده التاريخ رمزاً للإخلاص والشجاعة والعدل والحكمة ومحبة الشعب.
ويروق لنا ونحن نحتفل بمناسبة العيد الفضي للتصحيح المجيد احتفالاً دينياً، أن نسأل الله تعالى من هذا المكان المقدّس، لكي يمدّك بالصحة التامة والعزم الشديد والعمر المديد، لتحتفل مع الشعب كافة بالعيد الذهبي لهذه الحركة التصحيحية المباركة، وأنت بخير والشعب والأمة بخير في ظلّك، أيها القائد الرمز حافظ الأسد، آمين.
من عظات عام 1996
من عظات عام 1996
رسامة سبعة كهنة·
أيها الأحباء:
يطيب لنا أن نهنئ أبناءنا الروحيين الرهبان السبعة بموهبة الكهنوت التي أنعم اللّه بها عليهم بوضع يميننا عليهم في هذا الصباح المبارك، سائلين اللّه تعالى أن يؤهلهم ليتاجروا بالوزنات الإنجيلية، ويكونوا من الرابحين. كما نهنئ والديهم وذويهم على عنايتهم بتربيتهم منذ نعومة أظفارهم، التربية المسيحية الصالحة واهتمامهم بتوجيههم التوجيه السرياني السليم، وتقديمهم للخدمة الروحية، فحملوا صليب الرب يسوع يوم اتشحوا بالاسكيم الرهباني مكرّسين أنفسهم للرب وتابعين إياه في طريق الجلجلة، صالبين ذواتهم معه على العود مقتدين بشفيع كليتنا الكهنوتية مار أفرام السرياني الذي نعيد له اليوم والذي نفاخر به العالم ونضعه في مرتبة توازي مراتب رسل الرب يسوع الأطهار وتلاميذه الأبرار. ولذلك فقد دعاه آباء الكنيسة الميامين كنارة الروح القدس، ومرشد الشبان، ونبي السريان.
أيها الأحباء: ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه ما طرأ على الكنيسة السريانية على عهد مار أفرام في وطنه الأول نصيبين، على ما أصابها في تلك الديار، وما جاورها من بلاد المشرق منذ أواسط هذا القرن. فقد كانت الكنيسة على عهد مار أفرام في القرن الرابع للميلاد قد تنفست الصعداء على أثر تنصر قسطنطين الملك وإعلانه الحرية الدينية واعتراف الدولة بالدين المسيحي، وعقد مجمع نيقية المسكوني الأول (325م) لحماية العقائد الإيمانية، وإعلان دستور الإيمان النيقاوي، فازدهرت مدارسنا السريانية وحمل آباؤنا السريان مشعل الإنجيل المقدس إلى أقطار المسكونة المعروفة، وفي الوقت ذاته تحمل بعض أبناء الكنيسة مرارة الهجرة من نصيبين إلى الرها مرغمين، ولكنهم تمكنوا من إحياء نهضة رهبانية مباركة مستعينين بعدد كبير من الرهبان المتنسكين في جبل الرها. واهتم هؤلاء بالحفاظ على التراث السرياني الثمين إلى جانب التمسك بالإيمان المستقيم، ومناهضة البدع والهرطقات الوخيمة، كل ذلك بقيادة القديس مار أفرام السرياني الذي أقام من نفسه مثالاً صالحاً في خدمة أبناء الكنيسة والمجتمع روحياً وثقافياً واجتماعياً.
نحن اليوم أيها الأحباء نجتاز مرحلة تاريخية مشابهة بنتائجها لما جرى لآبائنا السريان على عهد مار أفرام. فالعديد من أبناء شعبنا في غضون النصف الثاني من القرن الحالي، قد غادروا مواقعهم التاريخية حيث كان آباؤنا قد التجأوا إليها ليحموا أنفسهم وعقيدتهم الدينية وتراثهم الثمين من اضطهاد السلطة الحاكمة خاصة منذ أوائل القرن السادس للميلاد فالتجأوا إلى الجبال النائية والأماكن البعيدة التي لم يكن من السهل على السلطة الحاكمة أن تطالها، فأسسوا الكنائس وشيّدوا الأديرة والمعابد وتمكنوا من الاحتفاظ بتراثهم الثمين وبخاصة لغتهم السريانية الآرامية المقدسة.
أما اليوم، فقد غادر عشرات الآلاف من السريان وطنهم الأم في الشرق الأوسط وهاجروا إلى الغرب، وكانت الأغلبية الساحقة منهم بغنيى عن مغادرة تلك الديار المباركة، إنما حمى الهجرة أصابتهم، وقهرتهم، وصمّت آذانهم عن سماع صوت آباء الكنيسة وتحذيراتهم، ومرت عليهم المؤامرة الدنيئة المحاولة ضياع هويتهم الشريفة وتراثهم الثمين، ومحو آثارهم التاريخية المجيدة. فما أشبه الليلة بالبارحة، فنحن بحاجة إلى روح مار أفرام وإلى من يقتدي بمار أفرام من الرهبان الذين يكرّسون أنفسهم للّه وللحفاظ على الإيمان القويم والتراث الثمين. والذود عن حياض عقائد الكنيسة وأصالة شعبها المؤمن. فإذا كانت الهجرة قد قصمت ظهر الكنيسة فإن بإمكان أبنائها المخلصين أن يعالجوا جرحها ويجددوا أمجادها حتى في المهجر. ويطيب لنا أن نثني جزيل الثناء على الذين ثبتوا في أوطانهم ومهد كنيستهم المقدسة. وإننا بحاجة ماسة إلى رهبان شبان يسعون إلى الحفاظ على الإيمان، ولغة المسيح السريانية ويفاخرون العالم بتراثنا الثمين وطقوسنا المقدسة. في هذه المرحلة التاريخية التي نستعد خلالها لبدء الألف الثالثة للميلاد.
أيها الأحباء:
نحمد اللّه أن عدد أبنائنا الرهبان يتزايد في كنيستنا المقدسة، وأن المستوى العلمي لمدرسة مار أفرام الكهنوتية قد ارتقى على عهدنا، فصارت كلية لاهوتية معترفاً بها كسائر كليات اللاهوت في الشرق الأوسط. ونشكر اللّه على إقبال شبابنا إلى الانخراط في سلكها بل أيضاً إلى تكريس أنفسهم، وإننا فخورون بهم، وقد رقّينا اليوم سبعة رهبان منهم إلى درجة الكهنوت المقدس. كما كنا قد أوفدنا العديد منهم إلى كليات لاهوتية لكنائس شقيقة لمواصلة دراساتهم العليا. وإن بناية الكلية الجديدة في معرة صيدنايا على وشك الانتهاء وسينتقل إليها طلابها ورهبانها قريباً، وإننا ننتهزها فرصة ذهبية لنثني جزيل الثناء على اللجنة الاقتصادية البطريركية، التي تتعاون معنا في إنجاز مشروع بناء دير مار أفرام السرياني الذي هو الكلية الكهنوتية في معرة صيدنايا. حفظهم الرب وباركهم وعوّض لهم عن أتعابهم بالصحة التامة كما نبارك كل من اشترك ويشترك مادياً ومعنوياً لإنجاز هذا المشروع الحيوي. كافأهم الرب بالصحة التامة والعمر الطويل والتوفيق الجليل. وأخذ الرب بيدنا لتنشئة الجيل الكهنوتي القيادي الطالع، وندعو لحفظ وتوفيق المتعاونين معنا في هذا الميدان ونكرر تهنئتنا وبركتنا لذوي الرهبان الكهنة الجدد والنعمة معكم جميعاً.
ذكرى تأسيس مركز التربية الدينية بدمشق·
نشكر الله أيها الأحباء الذي أهّلنا أن نحتفل بالقداس الإلهي في هذا اليوم المبارك، لنشترك جميعاً بتمجيده تعالى وشكره على النِعَم العظيمة التي أسبغها على كنيسته المقدسة في ميدان التربية الدينيّة. فهذه السّنة الخامسة عشرة لتأسيس مراكز التربية الدينية في كنيستنا المقدسة في جميع الأبرشيّات في العالم. إننا على إثر تنصيبنا بطريركاً بالنعمة لا بالاستحقاق، وفي أوّل مجمع تنظيمي عقدناه سنة /1981/ درسنا مع أحبار الكنيسة الأجلاّء أعضاء المجمع المقدّس الوضع العام في الكنيسة، وكانت همّتنا وغايتنا الفُضلى أن نضع استراتيجيّة ناجحة لمستقبل التربية الدينيّة في كنيستنا المقدّسة، فأسّسنا مركز التربية الدينية، ونحمد الله الذي كان معنا ونصلّي إليه ليكون دائماً معنا في هذا الميدان التربوي وفي كل الميادين التي تؤول إلى نجاح الخدمة الإلهية في الكنيسة وإلى خلاص نفوسنا جميعاً ونفوس الجيل الطّالع، خاصةً في جيل ملتوٍ حاد أغلبه عن جادّة الروح وتاه في بيداء الدنيويّات في هذا العصر الذي قلّما نجد فيه من يتّكل على الله ويهتم بالروحيّات. نشكر الله أننا قد سرنا مشواراً شعرنا فيه بإيمان شعبنا النبيل وتمسّكه بالتقاليد الإلهية الرسولية الكنسيّة في آن واحد وتعاون الآباء والأمهات في مدىً نتفاءل فيه بمستقبل أبنائنا وبناتنا، بل أيضاً نشكر الله على شعور أحبار الكنيسة بمسؤوليتهم العظمى تجاه الجيل الطّالع، وها مركز دمشق للتربية الدينية يسبق سائر المراكز لإحياء هذه الذكرى الطيّبة، ذلك أن سيادة أخينا الحبر الجليل مار إياونيس بولس السّوقي النائب البطريركي في دمشق يهتم بالمركز وأبناء المركز بتوجيه رعوي سليم، ممّا يشجّع هؤلاء العاملين في المركز على مواصلة أتعابهم لإنجاح الرسالة السّامية التي وُجِد لأجلها المركز الديني في هذه الكنيسة. كما أن أحبار الكنيسة في كل مكان يهتمّون بمراكز التربية الدينية في الأبرشيّات، ومركزنا الديني في دمشق بروح جديدة عُيِّن له مرشد روحيّ هو الابن الروحي الربّان جان قوّاق، الذي يهتم كثيراً بتشجيع أولئك العاملين في المركز. ونذكر أيضاً الابن الروحي الفاضل الأستاذ نبيل يوسف رئيس المركز، ولا ننسى أبداً بناتنا العزيزات الأوانس وأبناءنا الأعزّاء الشباب الذين يضحّون بأوقات راحتهم ويهتمّون خاصةً بالأطفال، الذين نرى أن أمهاتهم وآباءهم أحياناً عديدة يملّون من رعايتهم، وإن بناتنا العزيزات وأبناءنا الأعزّاء بروحٍ مسيحية عالية يضحّون في سبيل تلقين هؤلاء الأولاد مبادئ الدين المسيحي ومبادئ اللغة السريانية، لغة المسيح العزيزة المقدّسة ومبادئ الطقوس الدينية بهمّة عالية وغيرة وقّادة وإيمان متين ثخين، ونحن لا نتمكّن أن نكافئ هؤلاء جميعاً على أعمالهم الجبّارة والمكافأة تأتي من السماء فالرب يسوع عندما تكلّم عن الأطفال، عن الأولاد سمعناه وهو يعطي مكانةً لهؤلاء الأولاد لم تكن موجودة سابقاً في أديان سبقت المسيحية، واعتبر هؤلاء الأولاد مثالاً للتواضع، مثالاً للوداعة، كما أنه نقل أفكارنا إلى السماء لنرى أن لكل طفل ملاكاً حارساً وأن ملائكة أولئك الأولاد تنظر وجه الله دائماً في السماء لتمثّل الأولاد أمام العرش الإلهي، انظروا قال لنا الرب يسوع: لا تحتقروا هؤلاء الصّغار لأن ملائكتهم في كل حين في السماوات تنظر وجه أبي الذي في السماوات، وعدم احتقارنا لأولئك الأولاد يعني تكريمنا إياهم، وإذا لم نكرّم أولئك الأولاد فالمسيح يرى فينا أناساً لا يكرمونه لأنه قد قال لنا أيضاً: من يقبل أحد هؤلاء الأولاد باسمي يقبلني، كما إنه اعتبرهم اخوته الصغار فيوم الدينونة سنسمعه عندما يدين العالمين سيطرد أولئك الذين لم يعتنوا بإخوته الصغار. لذلك فالكنيسة التي هي أم ومعلّمة ترى ان من واجبها الأوّل وقد أُرسلَت إلى العالم لخلاص العالم بشخص أولئك الرسل الأطهار الذين قال الرب لهم: اذهبوا إلى العالم كلّه واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها، من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدَن، وأرسلهم لكي يعلّموا ويبرروا ويقدّسوا الناس باسمه، والكنيسة التي هي أم ومعلّمة تخزّن جميع النِعَم لتوزّعها على الناس، فمن أوّل واجباتها أن تعتني بتربية أولادها الصّغار وتلبّي دعوة المسيح الذي قال: دعوا الأولاد يأتون إليَّ لأن لمثل هؤلاء ملكوت السّماء. هؤلاء المتواضعون، هؤلاء الودعاء، هؤلاء الذين لا يحقدون على إنسان حتّى إذا نالوا أذى أي إنسان نراهم يتسامحون ويغفرون حالاً، هؤلاء الذين هم مثال للإيمان باتكالهم على الله كاتكالهم على والدَيهم، مسؤوليتهم عظيمة جداً لأننا إن أعثرناهم كما يقول الرب، دينونتنا عظيمة، بل أيضاً شبّه هذه الدينونة والعقاب الصّارم كأصرم عقاب كان يناله المجرمون وهو أن توضع حجر الرّحى في عنق هذا المجرم ويُطرَح في البحر، فعقاب الأبدية صارم جداً على الذين يعثرون وأجر الأبدية عظيم جداً للذين يعتنون بتربية هؤلاء الأطفال التربية المسيحية السليمة الصالحة لكي يكونوا أولاد الملكوت، لذلك أحبائي من واجب الكنيسة أن تقوم بتربية أولاد الكنيسة وتلقينهم مبادئ الدين وتنشئتهم التنشئة الصالحة ولا يكون هذا كاملاً ما لم يتعاون أبناء الكنيسة الكبار، الآباء والأمّهات في هذا الميدان، ميدان التربية.
إننا نثني ثناءً جزيلاً على كل مؤسساتنا الكنسية الخيرية والتربوية والثقافيّة التي تتعاون مع رئاسة الأبرشيات في كل مكان في هذا الميدان، ونرى أن ميدان التربية من أهم ميادين الخدمة الكنسيّة، كما أننا نلزم كل الآباء والأمّهات بأن يكونوا عند مسؤوليّتهم بتربية الأولاد. تأمّلوا معي في يوحنا المعمدان عندما بشّر الملاك زكريا والد يوحنا بميلاد يوحنا قال له: خمراً ومسكراً لا يشرب ويمتلئ من الروح القدس وهو في بطن أمه، لا يعني ذلك أنه إن امتلأ بالروح القدس سيبقى سليماً من التجارب ولكن هناك الوصيّة لزكريا أن عليه أن يبعد عن ابنه الخمر والمسكر، لو امتلأ من الروح القدس وجُرِّب كما جُرِّب أبوانا الأولان آدم وحوّاء وسقطا في التجربة لتغيّر وجه التاريخ الروحي، ولكن زكريا كان عليه مع أليصابات أن يبعدا ابنهما عن الخمر والمسكر. كذلك على الآباء والأمّهات أن يجنبوا أولادهم أسباب التهلكة، خاصةً في جيلٍ ملتوٍ كجيلنا. ثم هذا لا يكفي بل أيضاً عليهم أن يقودوا أولادهم إلى الأمور الروحية، قلنا التربية الدينية، ومراكز التربية الدينية. لا تستطيع مراكز التربية الدينية أن تجذب هؤلاء الأولاد ما لم يتعاون الوالدون على ذلك، ما لم يشجّعوا أولادهم لينتسبوا لهذه المؤسّسات الروحيّة، والمعلّمون والمعلّمات الذين مجّاناً يخدمون أولادكم. هؤلاء الذين نثني دائماً على أتعابهم ونطلب لهم المكافأة من الرب، يقومون بهذه المهمة ويحملون هذه الرسالة السامية متعاونين مع رئاسة الكنيسة في هذا الميدان، لكي ينشأ أولادنا النشأة المسيحية الصالحة، فإذا ما كانوا في أعمالهم ووظائفهم عندما ينمون بالقامة والنعمة عند الله والناس حينذاك سيطوّب الناس الكنيسة التي نشأوا فيها والعائلة التي ربّتهم، بل أيضاً سيجدون فيهم مؤمنين صالحين وفي الوقت نفسه مواطنين صالحين مخلصين في أعمالهم، في كل تصرّفاتهم في خدمة وطنهم العزيز.
ففي هذه المناسبة نسأل الرب الإله أن يعين المسؤولين الروحيين في الكنيسة وأن يساعد أولئك الذين يتعاونون معهم من الآباء والأمّهات والمعلّمين والمعلّمات على تنشئة أولادنا الأعزّاء نشأة مسيحية صالحة لكي نقف نحن كآباء روحيين ويقف الوالدون أيضاً كآباء وأمهات جسديين أمام الرب الإله في اليوم الأخير لنقول للمسيح: ها نحن مع البنين الذين أعطيتنيهم. ليبارككم الرب الإله ويبارك أولادكم ولينجح الرب طريق المراكز الدينية الروحية في كنيستنا السريانية الأرثوذكسية ولا سيما في هذه الأبرشية، النيابة البطريركية في دمشق ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.
العرس الروحي المجيد·
«شكراً لله على عطيته التي لا يُعبَّر عنها»
(2كو 9: 15)
مع الرسول بولس نردد في هذا اليوم التاريخي الأغر الشكر لله على عطاياه الكثيرة والنفيسة التي لا يعبّر عنها، فهو تعالى كان وما يزال وسيبقى في وسط كنيسته فلن تتزعزع، على الرغم من معاناتها الآلام والمشقات عبر الدهور والأجيال. فقد صمدت وتحدت المصاعب والمصائب والاضطهادات العنيفة لأنها ثابتة على صخرة الإيمان القويم غير مبالية بما أصابها من صنوف العذاب، بل صلبت نفسها مع المسيح ولكنها قامت أيضاً معه من بين الأموات في اليوم الثالث، حمل آباؤها نور الإنجيل المقدس إلى أنحاء العالم وأناروا الكون بالعلم والمعرفة فقد انطلقوا من أنطاكية عاصمة سوريا، وحملوا مع بشارة الخلاص حضارة سوريا القديمة ولغتها الآرامية، فسُميّت كنيستهم كنيسة أنطاكية وكنيسة سوريا، هذه الكنيسة التي أسّسها المسيح على صخرة الإيمان الذي أعلنته السماء على لسان هامة الرسل بطرس. وبطرس أسّس كرسيه الرسولي في أنطاكية وهذه الكنيسة ما تزال محتفظة بالتراث الأنطاكي النفيس وبلغة مسيحنا السريانية لغة سوريا القديمة. كانت أديرتها منتشرة في طول البلاد وعرضها، ولم يكن رهبانها وراهباتها الذين لم يُحْصَ لهم عدد، نساكاً زهاداً فحسب، بل كانوا أيضاً علماء ومعلمين أصول الدين المبين في الوقت ذاته. فلا غرو من ذلك فقد أحبّ السريان العلم ولم يؤسسوا كنيسة حتى في القرى والدساكر، إلا وأسّسوا إلى جانبها مدرسة وكانت أديرتهم بمثابة جامعات تلقى فيها الدروس بالسريانية واليونانية والعربية ولم يقتصروا على علم اللاهوت بل اهتموا بتدريس صنوف العلوم أيضاً، وهكذا صارت الأديرة منارات تشعّ منها أنوار المسيح في كل مكان. ولئن قسا الدهر على هذه الكنيسة ولكن أبناءها سجّلوا في التاريخ بأحرف من نور صفحات مجيدة خالدة، هذه الأمجاد جعلت من هذه الكنيسة مفخرة لشقيقاتها كنائس المشرق. أجل إن بقاءنا حتى اليوم، كنيسة مقدسة تلعب دورها الروحي والثقافي في العالم بعد أن كافح آباؤنا وناضلوا وثبتوا على إيمانهم وحافظوا على لغتهم السريانية وحضارتهم المجيدة وتراثهم الثمين، يعدّ أعجوبة باهرة ويبرهن على رعاية الله لنا وعنايته بنا، واليوم ونحن نفتتح هذا الدير المقدس دير مار أفرام السرياني ببهجة وسرور بحضور أحبار الكنيسة الأجلاء الذين جاء العديد منهم من وراء البحار ليشاركونا ويشاركوكم الفرحة في هذا اليوم المحجل ومعهم الكهنة الأعزاء وممثلو المجالس الملية والمؤسسات الكنسية والثقافية والخيرية السريانية في أبرشياتنا في العالم إن دلّ هذا الأمر على شيء، فإنما يدل على ما يعمر قلب كل سرياني من محبة لكنيسته، وإيمان متين ثخين بالرب يسوع مؤسسها. لقد كانت الدعوة للمشاركة بافتتاح الدير عامة، فلبّاها السريان وجاءوا من كل فجّ عميق من الوطن والمهجر، جاءوا ليشاركوا أباهم الروحي بهذه المناسبة السعيدة، وفي مقدمتهم بعض أحبائنا ممن يتبوَّؤون مراكز سامقة في سوريا ولبنان. ويطيب لنا أن نشكرهم، ونشكر أيضاً مشاركة أصحاب النيافة أنبا بيشوى وأنبا بنيامين وأنبا بولا المرسلين من قداسة الحبر الأعظم أخينا في الجهاد الروحي البابا شنودة الثالث، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الشقيقة. كما نشكر الآباء الكهنة وعلماء اللاهوت أعضاء رابطة المعاهد الاكليريكية في المنطقة الذين يمثلون الكليات والمعاهد اللاهوتية الدينية في الشرق الأوسط وقد ضاعف حضورهم معنا فرحتنا الروحية.
أيها الأحباء: إن احتفالنا بهذا العرس الروحي السرياني المجيد إن دلَّ على شيء فهو يدلّ خاصة عمّا نتمتع به من حرية دينية في بلادنا العزيزة سورية الأسد سورية المجد والحضارة، طالبين إلى الله أن يحفظ حافظ العهد الرئيس المفدّى حافظ الأسد، وأن يرمقه بعين رعايته ويمتّعه بالصحة التامة، ليواصل جهاده في الحفاظ على ما أنجزه من وحدة وطنية لسورية العزيزة ويمد بعمره ذخراً للأمة العربية جمعاء، وأن يحقق النصر على يديه، وأن يوفقه تعالى بتحقيق سلام الشجعان الذي يحفظ الحقوق المشروعة لأمتنا العربية دون التفريط بذرة تراب من أرضنا المقدسة. أجل إن هذا العرس الروحي المجيد يدل أيضاً على ما يعمر قلوب السريان من محبة لوطنهم سورية العربية والثبات في أرض أجدادهم الميامين، فنحن إذ شيّدنا صرحاً كهذا لتثقيف أبنائنا الاكليريكيين ليكونوا على مستوى رفيع من العلم والمعرفة يوازي تقدم التكنولوجية في عصرنا هذا، ما فعلنا ذلك إلا لنبرهن على أننا ثابتون في أرضنا هذه إلى الأبد، فقد كنا منذ (فجر الإسلام) إخوة وأشقاء لإخوتنا المسلمين، حاربنا المستعمر معهم جنباً إلى جنب، وحررنا أرضنا. بل أيضاً تعاونّا معهم في تأسيس الدولة العربية أيام الراشدين والأمويين والعباسيين، ونقلنا الحضارة الغربية إلى لغتنا السريانية فاللغة العربية، ثم نقل العرب هذه الحضارة إلى الغرب عن طريق الأندلس. وسنبقى متعاونين مع إخوتنا المسلمين، أجل إننا بتشييدنا هذا الدير الذي هو كلية لاهوتية ومركز للدراسات السريانية العالمية ومركز للشباب السرياني المنتشر في العالم أجمع، إنما ننهج نهج آبائنا الميامين في محبة العلم وخدمة والحضارة. وإن تشييد هذا الدير أيضاً يدلّ على سخاء السريان فهذا الدير كسائر مؤسساتنا في أبرشياتنا السريانية في العالم من أديرة وكنائس، إنما شيّد من مال المؤمنين. فمن يتأمل بأقسام الدير، يشاهد أسماء المتبرعين، وقد كتبت في أعلى العتبة العليا من كل غرفة من غرفه، وأغلب المتبرعين لم تكتب أسماؤهم ولكنها نشرت على صفحات المجلة البطريركية، فالسريان في جميع أنحاء العالم شاركوا في تشييد هذا الدير لأنه دير بطريركي، والبطريركية هي الرئاسة العليا للسريان في كل أنحاء العالم. أجل، حتى الأرملة بفلسيها شاركت بإقامة هذا الدير المبارك وقد قبلنا مشاركتها بكل سرور وطيبة خاطر، لنشعرها بأنها حقاً عضو حي في كنيستها السريانية، لها ما للأغنياء من امتياز وحق كما عليها أيضاً الواجب الذي برهنت على ممارسته بتبرعها بفلسيها مساهمة منها في تشييد هذا الدير.
أيها الأحباء: إن تشييد هذا الدير برهان ساطع على المحبة الخالصة النقية التي يتبادلها أحبار الكنيسة الأجلاء مع خادم خدام الكنيسة البطريرك. أجل إن أغلب أحبار الكنيسة في مراكز أبرشياتهم كانوا يشجعونني على مواصلة البناء، ويشجعون المؤمنين على المشاركة بالتبرع لإقامة هذا الدير، كما أنه برهان ساطع على التعاون التام ما بين الإكليروس والعلمانيين الذين يبذلون الغالي والنفيس في سبيل إقامة المشاريع التي تنجز في الأبرشيات كافة. هل تعلمون أن السريان في المهجر قبل أن يشيدوا لأنفسهم دوراً يسكنونها، يبدؤون بتشييد الكنيسة والمدرسة؟ إن هذا العمل الجبار أيها السامعون الكرام يدلّ على روح التدين الذي ورثوه من آبائهم الميامين.
أجل! إننا نريد أن يكون هذا الدير منارة للثقافة لجميع المواطنين، والحفاظ على التراث السرياني، الذي هو جزء لا يتجزأ من التراث الوطني السوري، والحفاظ على لغة سورية القديمة الآرامية السريانية لغة العبادة في الكنيسة السريانية ولغتها الرسمية في العالم. وهي اللغة المقدسة التي تكلّمها السيد المسيح، وفيها سترفع الصلوات في هذا الدير ليلاً ونهاراً لأجل تثبيت أركان الكنيسة المقدسة في العالم أجمع، ولأجل المؤمنين بالله كافة وخاصة لأجل رئيس البلاد المفدّى قائد أمتنا الرئيس حافظ الأسد، ومن أجل أن يحفظه الله بالصحة التامة وأن يحفظ تعالى وطننا عزيزاً كريماً، ولأجل الذين يذودون عن حياضه المقدسة. ولأجل كل من شارك في إقامة هذا الصرح الحضاري من الإكليروس والعلمانيين. وإنني في موقفي هذا إذ أذكر العلمانيين، لا بدّ أن أذكر أعضاء الهيئة الاستشارية الاقتصادية للبطريركية، أولئك الذين كانوا يسعون جنباً إلى جنب معي في تحدي الصعوبات، وتخطي العقبات، التي صادفتني في سبيل تشييد هذا الدير، كافأهم الرب وجزاهم خيراً. وحيث أننا لا نملك فضة أو ذهباً نكافئ بهما العاملين معنا في خدمة الرب، على تضحياتهم في سبيل إنجاح المشروع، نقدّم الصلاة للّه لحفظهم وحفظ أفراد عائلاتهم وتوفيقهم جميعاً. كما أنني عرفاناً للجميل وتشجيعاً للآخرين، أنتهزها فرصة سانحة لأمارس صلاحياتي التي أستمدها من الامتيازات التي ورثتها من آباء الكنيسة الميامين، البطاركة الأنطاكيين العظام الذين بين الفينة والفينة عبر الدهور كانوا ينعمون بأوسمة رفيعة على العاملين المخلصين المحبين لكنيستهم، والساعين إلى المشاركة في سبيل تقدمها وازدهارها، فنسجاً على منوال السلف الصالح، سنقلّد كل عضو من أعضاء الهيئة الاستشارية، وسام مار أفرام السرياني من رتبة كومندور، أي (قائد) ليبقى هذا الوسام علامة بركة من الله وفخراً واعتزازاً لديهم ولدى أولادهم وأحفادهم إلى الأبد. وليقتديَ الأبناء والأحفاد بالآباء الميامين في تقديم خدمات روحية ومعنوية ومادية للكنيسة المقدسة. وسنقلّدهم الأوسمة بعد أن يتكلم نيافة أخينا المطران أوجين النائب البطريركي في أبرشية الولايات الغربية من الولايات المتحدة الأميركية، ملخصاً كلامنا بالسريانية العامية (الطورانية) ليفهم بعض أحبائنا القادمين من تركيا ومن أوربا وأمريكا الذين لغتهم الأم هي اللغة السريانية لغة ربنا يسوع المسيح، ثم يتكلم نيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة ممثلاً آباء المجمع المقدس، وبعدئذ نقلّد كل واحد من أعضاء الهيئة الاستشارية وسام مار أفرام. أما المهندسون الكرام الذين اهتموا بتخطيط وتنفيذ بناء هذا الدير المقدس فسيذكرهم سيادة الدكتور عيسى ابراهيم أحد أعضاء الهيئة الاستشارية للبطريركية. وإنني بدوري يطيب لي أن أشكرهم كثيراً داعياً لحفظهم بالصحة التامة والعمر الطويل والتوفيق الجليل.
أيها السامعون الكرام: إننا قد اخترنا بلدة معرة صيدنايا، فشيّدنا ديرنا المقدس في هذا الموقع الجميل، لا لننافس أحداً بل إننا قد أحببنا الجار قبل أن نشيّد الدار، وأردنا أن نتعاون مع أشقائنا وإخوتنا من الطوائف المسيحية الأخرى في تأسيس دير يكون شاهداً صادقاً ثابتاً على التعاون والمحبة الخالصة المتبادلة فيما بيننا، وعلى السعي إلى الوصول للوحدة المسيحية التي ينشدها كل مؤمن بالمسيح يسوع ربنا لكي عن طريقها تتوطّد سبل تعاوننا مع أشقائنا المسلمين أيضاً في التمسك بالوحدة الوطنية في بلادنا العزيزة سوريا العربية بعروة وثقى.
أكرر شكري للحضور جميعاً خاصة لأحبار الكنيسة الأجلاء والكهنة الأحباء والشخصيات البارزة وجميع القادمين من البلدان البعيدة متجشمين عناء السفر، والذين هم من بلادنا هذه وقد ذكرت على مذبح الرب جميعكم لأنكم تشاركوننا في هذه الفرحة الروحية كما ذكرت الذين تبرعوا بالمال والذين عملوا واجتهدوا وشاركوا في تشييد هذا الدير، سائلين الرب الإله أن يحفظكم جميعاً وأن يكثر من مناسبات الأفراح في دوركم العامرة ونعمته تشملكم دائماً وأبداً آمين.
رسامة نيافة المطران أفرام كريم·
«ولا يأخذ أحدٌ هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من اللّه كما هارون أيضاً»
(عب5: 4)
إن موهبة رئاسة الكهنوت، «العطية الصالحة والموهبة التامة الهابطة ـ من السماء ـ من عند أبي الأنوار» (يع1: 17) لا يأخذها شرعاً إلا من اختاره اللّه لها كما هارون أيضاً.
ونحن نعرف من الكتاب المقدس أن اللّه أعطى نعمة عندما اختار هارون رئيس كهنة إذ أفرخت عصاه وأزهرت زهراً وأنضجت لوزاً (عد17: 8) دون سائر عصي بقية الأسباط، وهكذا أعلن هارون رئيس كهنة. وفي العهد الجديد كان الرب يسوع الذي هو اللّه ظهر في الجسد قد اختار لرئاسة الكهنوت رسله الاثني عشر ودعاهم فلبّوا الدعوة وخرّجهم في مدرسته الإلهية ثم أرسلهم إلى العالم لذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم ويعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس «من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن» (مر16: 16) وقبيل صعود الرب يسوع إلى السماء رفع يديه وبارك رسله الأطهار وبحسب تقليدنا السرياني أنه برفع يديه إلى السماء ومباركة رسله، يكون قد رقّاهم إلى درجة رئاسة الكهنوت. وعندما صعد إلى أبيه السماوي أرسل الروح القدس ليكون معزياً للكنيسة ومرشداً. وإننا نقرأ في سفر أعمال الرسل إنه كان في الكنيسة في أنطاكية أنبياء ومعلمون.. وبينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما» (أع13: 1 ـ 3). وإذا كان المسيح قد اختار رسله ودعاهم ومن لبّى الدعوة استحق الرسامة، أي العطية الصالحة الهابطة من عند أبي الأنوار، ولكن العديد من الناس رغبوا في ذلك إنما الرب رفضهم، لأن هناك شروطاً عديدة لديه تعالى. إن أول شرط هو الرغبة العميقة النابعة من قلب هذا الإنسان ليخدم المسيح وشعب المسيح فلا غرو في ذلك ونحن نسمع الرسول بولس يقول: «إن ابتغى أحد الأسقفية فيشتهي عملاً صالحاً» (1تي3: 1). هذه الرغبة تظهر في الانسان منذ نعومة أظفاره ويكون أهلاً لرتبة كهذه جسدياً وروحياً وثقافياً، ويكون قد عبد اللّه بالروح والحق، ويكون قد سلّم إرادته بيد المسيح يسوع ربنا ويكون قد أعد نفسه أيضاً علمياً لرتبة سامية كهذه، وعندما يدعى يلبي لأنه يعرف حقاً أن الرب الذي دعاه يكون معه ولا يخاف أبداً طالما المسيح معه. وما عليه إلا أن يلتزم بشريعة الرب ويكمّل وصايا الرب وأن يسلك في رعاية الشعب رعاية صالحة. وأن يصلي من أجل الشعب. ويحاول أن ينشر المبادئ الصحيحة بين تلاميذه لأنه قد اختير من اللّه وأرسل ليخلص العالم. فهو يحمل كل استحقاقات المسيح التي تحتفظ بها الكنيسة المقدسة ويوزعها على المحتاجين لينالوا الخلاص بالمسيح يسوع ربنا. هذا الإنسان يكون مستعداً لتضحية نفسه في سبيل الخراف لأنه قد حمل صليب الرب وتبعه. يكون شجاعاً لا يهاب أحداً يوبخ ويعظ لأن رتبة رئاسة الكهنوت هي للتعليم، للتوبيخ، للتدبير، للتقديس والتبرير وكذلك لفتح أبواب السماء أمام التائبين لينالوا الخلاص في المسيح يسوع ربنا. في هذه اللحظات في هذه الكنيسة المقدسة قد اختار الرب عبده المؤمن الصالح الدكتور الراهب الكاهن أفرام كريم ورقاه الرب على أيدينا نحن الضعفاء، أنا عبد الرب وخادم خدّام المسيح في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية المقدسة، يعاونني أخوتي الأحبار الأجلاء ساكبين جميعاً نفوسنا أمام اللّه بانسحاق وتوبة وتضرع، سائلين إياه وقد انتخب واختار الذي أخذ هذه الوظيفة السامية أن يرسل روحه القدوس ليحل علينا وعليه، وأنا أؤمن أن الروح القدس قد حل عليه في هذه اللحظات، ليسنده ويقويه ويشجعه. وقد اختاره كما هارون أيضاً لرئاسة الكهنوت المقدس.
أحبائي لا بدّ من أن أشكر اللّه الذي أهلني لأحتفل بالقداس الإلهي وترقية العزيز الربان أفرام كريم إلى رئاسة الكهنوت في هذه الكنيسة المقدسة وأن أقوم بزيارة القامشلي البلدة الحبيبة على قلبي جداً. لا بدّ لي أن أتقدم بالشكر الجزيل، بعد حمد اللّه تعالى، إلى أخي صاحب النيافة الحبر الجليل مار أوسطاثيوس متى روهم مطران الجزيرة والفرات، ومعه أعضاء المجلس الملي وسائر مؤسسات الكنيسة بالقامشلي على الاستقبال الحافل، وعلى المحبة العميقة، وعلى الكلمات اللطيفة، والشعور الطيب الذي أظهره نيافته من أعمق أعماق قلبه لي أنا الضعيف، بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن إكليروس الأبرشية والمؤمنين. ولا بدّ لي أن أهنئ القامشلي التي عليها أن تبتهج في هذا اليوم وفي كل يوم فهي أمّ لأحبار عديدين في أيامنا هذه، حضر أغلبهم هذه المناسبة المباركة.
أيها الأحباء:
لا بدّ من أن أوجّه كلمة صغيرة فقط إلى الأخ الحبيب الحبر الجليل مار كيرلس أفرام في يوم رسامته رئيساً للكهنة: ليتذكر دائماً أنه قد صنع تاريخاً لهذه المدينة في هذا اليوم فهو أول رئيس كهنة يرسم فيها فحق لنا أن نبتهج. ولا بد من أن أذكّره بكل السنين والشهور والأيام التي قضاها بخدمة الرب وعاشها مع نيافة أخينا الحبر الجليل مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم مطران حلب وتوابعها، فعليه أن يقتدي به بمحبة الكنيسة وبمحبة الوطن. والكنيسة والوطن بالنسبة إلينا نحن السريان الذين ننتمي إلى كنيسة أنطاكية التي كانت عاصمة سورية، متلازمان. أقول أن يستمر مقتدياً به في محبة اللغة السريانية لغة مسيحنا المقدسة وبالسعي إلى تقدّم الكنيسة وازدهارها بنشاط، بديناميكية، بالعمران، بتثقف الشباب، بالشهادة التي تقدم في الخارج عن كنيستنا السريانية العريقة في المجد والسؤدد التي قد حملت الصليب بشخص أحبارها وكهنتها وشمامستها وشعبها وتبعت المسيح وقدمت على مذبح محبة المسيح عدداً لا يحصى من الشهداء. كما أحبت الوطن فنيافة المطران أفرام كريم عيّن ليكون مطراناً نائباً بطريركياً لأبرشية نيوجرسي وتوابعها. كما كان آباؤنا يحملون مشعل الإنجيل إلى العالم يحمله هو الآن. وكما كان آباؤنا أيضاً يهتمّون بنشر اللغة السريانية المقدسة ولغة مسيحنا ولغة سوريا القديمة في أنحاء العالم، ليحمل هو أيضاً كل هذه في قلبه وفكره ويحمل الوطن في قلبه أيضاً سورية الأسد ويجب ألا ننسى بل أن نذكّر العالم أيضاً بأننا نحيا فيها وفي ظل رئيسها المبجّل ممارسين شعائرنا الدينية بحرية تامة ونعلّم لغتنا السريانية، بل أيضاً كما ذكر نيافة أخي الحبر الجليل مار أوسطاثيوس متى روهم نقيم مهرجانات عديدة لإبراز ثقافتنا، ثقافة سورية القديمة، الثقافة السريانية المقترنة بالعقيدة الدينية الأرثوذكسية. ويطيب لي من هذا المكان المقدس وفي هذه المناسبة المباركة أن أسأل اللّه أن يحفظ الرئيس المبجّل حافظ الأسد بصحة تامة وتوفيق جليل وأن يحفظ الحبر الجليل مار كيرلس أفرام الذي اقتبل موهبة رئاسة الكهنوت في هذا اليوم المبارك وأن يكون معه كما كان مع يوسف وينجح الرب طريقه في حياته الحبرية وعلى يديه تنهض تلك المنطقة إذ يحمل معه إيماننا وتقوى آبائنا وغيرة شيبنا وشبّاننا إلى المهجر. وبهذه المناسبة يطيب لي أن أهنئ أهله وأقرباءه والدار المباركة التي تربى فيها، ونمها تفوح رائحة المسيح الزكية. وأهنئ خاصة والدته المؤمنة الفاضلة التي أرضعته اللبن الطاهر النقي في محبة اللّه والكنيسة والوطن، سائلاً الرب الإله أن يبارككم جميعاً أيها الأحباء ويؤهلكم لكي تمنحوا كنيسة اللّه أحباراً أجلاء وكهنة أفاضل وشمامسة أتقياء لخدمة اللّه تعالى ونعمته تشملكم دائماً أبداً… آمين.
عيد الميلاد المجيد·
أيها السامعون الكرام:
في هذا العيد المجيد، في ذكرى ميلاد سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح، ذكرى البشرى التي زفّتها السماء إلى الأرض «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة». تتجه أفكارنا إلى بيت لحم، إلى شعبنا الحزين المقهور، الممجد الآب والمستنجد بالابن والروح القدس، المتطلع إلى نهاية ليل الاحتلال والقهر والطغيان.
ونقول لهم: الفجر آتٍ بعد الليل، والحرية قادمة بعد الاحتلال، والسلام سيعمّ أرض الميلاد والمقدسات، وستندحر جحافل المتعصبين والعنصريين، وسينهزم قتلة الأنبياء وأعداء الأديان، ولن ترتفع في الأراضي المقدسة إلا أعلام الحرية والمساواة والسلام، وستسقط أسلحة العنصرية والتعصب والعدوان الموجّهة إلى الأماكن المقدسة وأهلها.
نقول هذا بثقة…
ونبشّر بالفجر القادم إلى الأرض المقدسة، لأن الله ليس مع الظلم والقهر والطغيان والتعصب والعدوان، ولأن في أمتنا قائداً عظيماً اسمه حافظ الأسد، اختاره الله ليرفع راية الأمل والتفاؤل والثقة بالمستقبل، وسلّحه تعالى بالعدل والحكمة والعلم وتقوى الله ومحبة البشر والشجاعة، وبُعد النظر، وبكل مقومات القادة التاريخيين الذين يضعون بصماتهم على التطورات واسمهم على كتب التاريخ، ويؤلّفون قلوب الناس حولهم فيجعلون من الضعف قوة ومن التفرق وحدة ويحوّلون اليأس أملاً والتشاؤم تفاؤلاً ويشعلون في نهاية النفق المظلم منارة تهدي النضال القومي إلى المستقبل وجماهير الأمة إلى طريق النصر الآتي دون ريب.
هؤلاء القادة التاريخيون لا يأتون كل يوم بل يظهرون عندما تشتد الخطوب وتتأزم الأوضاع وتتفرق الصفوف وتتدهور المعنويات، ونحمد الله تعالى أن هيّأ لسورية خاصة وللعرب كافة القائد التاريخي الرئيس حافظ الأسد الذي حوّل سورية إلى قوة إقليمية وقدوة للبلدان المتطلّعة إلى الحرية والتقدم وإسعاد الإنسان وتكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين.
هو ليس في حاجة إلى مديح بل نحن في حاجة إلى تقديم الشكر وتأكيد ولاء ومحبة أبنائنا السريان في جميع أنحاء العالم، فمحبته شملتنا كما شملت كل المواطنين، وعطاءاته وإنجازاته غمرتنا كما غمرت الجميع، وفي عهده وفي رعايته عادت كنيسة المسيح إلى بناء الأديرة في أرض المسيح، وإلى تجديد دور هذه الأديرة كمراكز علمية ومنارات إشعاع، ووسيلة تواصل بين الماضي والحاضر. والكل يعرف دورنا حن السريان، ودور مراكزنا العلمية في نقل العلوم إلى اللغة العربية، وفي بناء الدولة العربية وهذا ليس غريباً علينا وعلى كنيستنا التي أمّنت الترابط والتداخل العضوي بين الماضي والحاضر والاستمرار العربي الوارث للحضارات السابقة. ومنّا كانت تغلب وطي وبني بكر. نقول هذا لنشكر الرئيس القائد على الظروف التي سمحت لنا ببناء دير مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا ليكون مركزاً للعلم والبحث وحماية التراث ونشر التسامح والتعاضد والمحبة.
إن شكرنا لا حدود له، وعرفاننا بالجميل كبير.
ومن له رئيس فذّ مثل حافظ الأسد الذي شملت محبته وعطاءاته لبنان الشقيق وفلسطين الجريحة وكل بلد عربي لا يخاف الحاضر ولا المستقبل.
إن وقفته في وجه العدو الصهيوني هي التي طوقت اتجاهات الاستسلام والخنوع، وبعثت في الأمة الأمل والثقة والنصر، وأحيت التضامن العربي وقادت جماهير الأمة إلى طريق العزّة والكرامة وتحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق المغتصبة.
لقد اكتشفت جماهير الأمة أن طريق الرئيس القائد حافظ الأسد هو الطريق المؤدي إلى السلام العادل والشامل، وطريقه هي طريق النضال والصمود والعنفوان القومي ورفض الاستسلام.
فبورك لشعبنا بقائده البطل، وبورك للقائد بشعبه الوفي المعطاء.
والله نسأل أن يحفظه وأن يمده بالصحة والعافية والقوة وأن يجعل النصر على يديه وأن يكلّل راياته بالعز والفخار.
وفي عيد السلام ورسول السلام نتقدم من الساعي إلى السلام الحقيقي العادل والشامل بتهانينا القلبية.
وكل عام وأنتم بخير.
من عظات عام 1997
من عظات عام 1997
استقبال السيد الرئيس حافظ الأسد للمجمع المقدس·
فخامة الرئيس المبجّل حافظ الأسـد
يروق لي باسمي وباسم أخوتي أصحاب النيافة المطارنة واسم شعبنا السرياني في جميع أنحاء العالم، أن أتقدم إلى سيادتكم بآيات الشكر والامتنان، على إتاحتكم لنا هذه الفرصة الذهبية بالتشرّف بزيارتكم، على الرغم من مشاغلكم الكثيرة، وبهذا شملتنا محبتكم كما شملت كل المواطنين، وغمرتنا عطاءاتكم كما غمرت الجميع.
سيادة الرئيس المفدى، لنا الشرف أن نعقد مجمعنا المقدس في سوريا الحبيبة، فاسمنا يرتبط باسم سوريا وتاريخنا بتاريخ سوريا التي باركها السيد المسيح بزيارته إياها وبتكلمه بلغتها القديمة السريانية الآرامية. كما أن تلاميذه انطلقوا منها إلى العالم أجمع حاملين مشعل الإنجيل المقدس وحضارة سورية العريقة ولغتها القديمة فأناروا دياجير المسكونة.
وقد اشتهر السريان في كل زمان ومكان بالإخلاص لأوطانهم، وفي الوقت ذاته لم ينسوا سورية وطن كنيستهم، ويفتخرون باسمهم السرياني السوري الشريف. فهم أينما كانوا سوريين مذهباً.
كما يفتخر السريان بسيادتكم أيها الرئيس المبجل حافظ الأسد. فأنتم الرجل العظيم الذي يعرف التاريخ حق المعرفة ويملك الحاضر بيديه القويتين، ويرسم المستقبل اعتماداً على الحضارة المستمرة في سورية منذ آلاف السنين.
وفي عهدكم وفي رعايتكم عادت كنيستنا في سورية الحبيبة إلى بناء الأديرة كمراكز علمية ومنارات إشعاع روحي ووسيلة تواصل بين الماضي والحاضر.
والكل يعرف دورنا نحن السريان ودور مراكزنا العلمية في نقل العلوم إلى اللغة العربية وفي بناء الدولة العربية وهذا ليس غريباً علينا وعلى كنيستنا التي أمّنت الترابط والتداخل العضوي بين الماضي والحاضر والاستمرار العربي الوارث الحضارات السابقة ومنّا كانت تغلب وطي نقول هذا لنشكركم يا فخامة رئيسنا المفدى على الفرص التي سنحت لنا في سورية ببناء دير مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا ليكون مركزاً للعلم والبحث وحماية التراث ولنشر التسامح والتعاضد والمحبة. إن شكرنا لا حدود له وعرفاننا بالجميل كبير.
لقد اختاركم الله لنا ولهذا الوطن الحبيب وللأمة العربية أباً وقائداً ورئيساً عظيماً. إن الله يحب سوريا ويحميها ويكلأها بعين رعايته، ويعلي من شأنها فهنيئاً لك أيها القائد العظيم برضى الله ومحبة الناس، وهنيئاً لنا بك أيها العظيم بين القادة والفذّ بين الرؤساء والأمل في الزمن الرديء، والشّامخ في زمن الخنوع، والبدر الساطع في دياجير الظلمة، والمتقدّم إلى البذل والعطاء في زمن التقهقر والانكفاء…
أجل! لقد تحقّق حلم أخوتي هؤلاء السادة المطارنة الأجلاء بالتشرف بزيارتكم في مناسبة انعقاد مجمعنا الأنطاكي السرياني المقدس في دير مار أفرام بمعرة صيدنايا، وقد لمسوا أثناء إقامتهم في سوريا بعض إنجازاتكم الجبارة، وغبطونا بالعيش في سورية الأسد التي جعلتم منها واحة أمن واستقرار ومحبة ووحدة وطنية وعدالة اجتماعية، ورفاهية، وقلعة لمبادئ الحرية والمساواة. وشعروا بالتفاف أفراد الشعب حولكم يبادلونكم حباً بحب، وتقديراً بتقدير، ووفاءً بوفاء، وعرفاناً بعرفان وولاءً بولاء. وهذا سر قوّتكم يا قائد الأمة العظيم. وهذا سر قوّة سورية التي تمرّدت على الطّغيان وتحدّت الظلم والهوان وتحولت من دولة يتقاتل الأعداء للسيطرة عليها إلى قوة إقليمية تحمي نفسها وأمّتها وتنافح الأعداء، وتتصدّى للطامعين، وترسم في أفق المستقبل قوس قزح للنصر والعزّة والكرامة.
أجل رأى كل واحد من السادة المطارنة كلّ ذلك بأمّ عينه وسيعود إلى مركز عمله في الشرق والغرب والوطن والمهجر ليخبر بما شاهد وسمع فيشاركه أبناء الكنيسة السريانية أينما كانوا البهجة والسرور والدعاء لله ليجعل اسم سورية واسمكم الكريم يا سيادة الرئيس رمزاً للعزة والكرامة، وعنواناً للقوّة والمحبّة والمساواة وقريناً للانتصار وشعاراً للنضال.
نسأل الله أن يحفظكم يا سيادة رئيسنا المفدى وأن يمدّكم بالصحة التّامة والعافية والقوة، وأن يجعل النصر على يديكم، وأن يكلّل راياتكم بالعزّ والفخر وشكراً.
الترهب·
أيها الحضور الكرام:
يطيب لي أن أحيّيكم باسم الرب يسوع، رأس الكنيسة المسيحية الواحدة بكل فروعها وحضاراتها ولغاتها ومواقعها الجغرافية. فباسمه نجتمع اليوم في المؤتمر الخامس للتراث السرياني، وإياه نسأل أن يكون بيننا ليباركنا وليحل روحه القدوس علينا فيملأنا حكمة إلهية، وغيرة روحية وقّادة، وينجح سعينا في إحياء تراث آبائنا الميامين.
ويسرّني بكلمتي هذه الموجزة، بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن إخوتي أصحاب الغبطة البطاركة رؤساء الكنائس التي تتخذ اللغة السريانية الفصحى لغتها الطقسية أن أثني على منظمي هذا المؤتمر لسعيهم المشكور في مضمار خدمة التراث السرياني.
أجل! لم يعقد هذا المؤتمر برعاية البطاركة عبثاً، فتراثنا السرياني، بعد الميلاد، هو بخاصة تراث ديني مسيحي.
فنِعمَ ما أقدم عليه منظّمو هذا المؤتمر باختيارهم موضوع الترهب في التراث السرياني ذلك أن للرهبان فضلاً كبيراً في الذود عن حياض اللغة السريانية، وجهوداً جبارة في محاولة بقائها حية ونشرها في البلدان التي حملوا إليها مشعل الإنجيل المقدس فأناروها بنور المسيح يسوع، منذ فجر المسيحية. وهكذا صانوا اللغة السريانية سليمةً صحيحةً غنيةً متفاعلةً مع غيرها من اللغات الحية، قادرةً على التعبير الكامل في جميع ميادين العلوم والمعرفة. فللرهبان إذن طويلُ باعٍ في بقاء اللغة السريانية حية على الرغم من محاولات إذابتها في غيرها من اللغات وإبادتها في أماكن عديدة من مواطن ميلادها ونشأتها، حيث التجأت إلى أديرة الرهبان والراهبات فَحَمتها. ذلك أن الرهبانية لدينا نحن السريان ليست تصوفاً وزهداً وانقطاعاً عن العالم وصوماً وصلاة فحسب، بل هي أيضاً درس وتدريس وبحث وتمحيص ونشر الحكمة والمعرفة وخدمة الإنسانية، وقدوة الرهبان في كل ذلك ملفان الكنيسة الجامعة، وشمس السريان ونبيّهم مار أفرام السرياني. ولذلك غدت الأديرة مناراتٍ تشعّ بأنوار صنوف العلوم الدينية والفلسفية والتاريخية واللغوية وغيرها. وقد عكف الرهبان على البحث والتأليف والترجمة، وانصبّوا على نسخ المخطوطات النفيسة. فتركوا لنا آثاراً دينية ومدنية قيمة تعجُّ بها مكتباتُ العالم ومتاحفه وبذلك أسهموا في رقي بلادهم وازدهارها وتثقيف إكليروس الكنيسة وشعبها.
وكان الرهبان في الماضي قد تمكّنوا من التعايش معاً رغم انتمائهم إلى كنائس مختلفة ولغات شتّى. فبإمكان الرهبان اليوم في عصر ازدهار الحركة المسكونية، أن يلعبوا دوراً مهماً في جمع شمل الكنائس وتوحيد صفوفها، فلنسعَ إلى تقريب وجهات النظر اللاهوتية ودراسة الطقوس السريانية لكنائسنا كافة ومحاولة توحيدها.
كانت الرهبانية في فجر المسيحية وقرونها الأولى قوة وراء الكنيسة، ثم صارت قوة داخل الكنيسة بل تسلّمت زمام القيادة فيها، فظهر فضل الرهبان في ازدهار الكنيسة وتقدّمها روحياً، وهذا ما عناه القديس أثناسيوس الرسولي (373+) بقوله: «إنه منذ ضعفت الرهبانية ضعفت الكنيسة كلها».
فعلينا اليوم في سعينا إلى تقوية الكنيسة أن نبذل أقصى جهدنا في تقوية الحياة الرهبانية وإنعاشها، والإكثار من الدعوات الرهبانية الناجحة في جميع كنائسنا. وتشجيع الرهبان والراهبات على دراسة لغتنا السريانية المقدسة دراسة علمية عميقة والتخاطب والتكاتب بها وتدريسها في مدارسنا وترغيب الجيل الصاعد على محبتها والافتخار بها وأن نتخذ الماضي عبرة لنا في الحاضر والمستقبل، فقد كدنا نفقد تراثنا السرياني عندما انقسمنا على ذواتنا ـ والبيت المنقسم على ذاته يخرب ـ فلنحرص على البقية الباقية من تراثنا السرياني المشترك بتعاضدنا وتعاوننا بل بوحدتنا، ولنهتمّ بنموه وازدهاره. وأن نصمّم على إعادة دراسة تاريخنا وكتابته من جديد، في ضوء تقدم الحركة المسكونية، بالروح المسكونية الحقة، وبضمير طاهر نقي، وبأسلوب البحث العلمي الخالي من كل غرض، كي نتوصل إلى الحقائق المجرّدة. ولنواصل تدبيجَ الأبحاث النفيسة في ميدان التراث السرياني بأقلام العلماء الشرقيين والمستشرقين وفي مقدمتهم الرهبان الأعزاء، فينجلي دور الرهبانية الحضاريُّ والإنسانيُّ في كنائسنا اليوم لتمجيد اسم اللّه القدوس، أمين.
عيد الفصح المجيد·
أيها السامعون الكرام:
في عيدنا اليوم عيد الفصح المجيد، عيد انتصار الحق على الباطل، والخير على الشر، والبقاء على الفناء، والتضحية على الموت. عيد انتصار النور على الظلمة، والأمل على اليأس، والرجاء على القنوط. في هذا العيد المجيد نتوجّه إلى رئيسنا المحبوب حافظ الأسد، مهنئين بالعيد ومُكبِرين معاني العيد ورموزه، وقائلين:
كل عام وأنت وشعبك وأمتك بخير، وكما انتصر الحق على الباطل قبل ما يقرب من ألفي عام كذلك ستنتصر أنت أيها الرئيس المبجّل وينتصر شعبك، على الباطل، وسيعمي نور الحق أعين الصهاينة المجرمين المتجبّرين قتلة الأنبياء وراجمي المرسلين إليهم، أدعياء السيادة على البشر.
إن نور الحق سيبدد الظلام، ورايات العدل ستدحر ألوية الظلم، وستعود الأرض لمن ورثها وسكنها وعمّرها واستقر فيها ولم يتخلَّ عنها يوماً ولن يتخلى عنها إلى الأبد، وسترجع الحقوق إلى مالكيها.
وستظل راياتك ورايات شعبك وأمتك مرفوعة، أيها القائد المظفر، يا من اختارك الله لتحمي شعبك وأمتك وليرتفع بيمينك علم الحق والعدل والعزة والكرامة. ولترتفع أنت بأمتك ووطنك إلى مصاف الأمم العزيزة والكريمة والمتقدمة ولتعيد مسيرة أجدادك وأسلافك العظام في سالف الدهر، الذين بددوا الظلمات بنور العلم والمعرفة، والحكمة والشجاعة والقوة. وكتبوا صفحات خالدة في تاريخ البشرية لا تذهب بها الأيام ولا ينساها الناس. وما تحقق وسيتحقق على يديك بإذن الله وإرادته، سيخلد اسمك مع عظماء التاريخ.
وفي هذا العيد الذي قهر فيه سيدنا يسوع المسيح الموت وعلّمنا أن التضحية من أجل المثل العليا والقيم السامية سبيل يوصلنا إلى الانتصار، فنستمدّ الأمل في قهر الطغيان والطغاة والاحتلال والمحتلّين، والثقة بأن تضحياتنا في سبيل الحق والعدل والتحرير، ستقودنا إلى النصر على قتلة الأنبياء وأعداء الشعوب.
أجل! إن سيدنا يسوع المسيح جاء من أجل الرجاء في القيامة والأمل في الخلاص ولم يأتِ ليكرّس ظلماً أو ليبرر عدواناً أو ليقيم شعباً فوق الشعوب، وهو ليس لشعب دون الشعوب الأخرى، ولا لأمة دون بقية الأمم، ولا يربطه نسب بإنسان دون آخر أو شعب دون آخر، أو أمة دون أخرى. فهو ابن الآب السماوي ولن يستطيع أحد أن يحتكره له أو لغيره.
لقد ظهر في بلادنا وتكلّم لغتنا الآرامية السريانية لغة سورية القديمة ونحن به نعتز وإليه ننتمي، ولن ينجح أعداؤه في سرقته منا أو في أسره عندهم ولا في تشويه طبيعته ورسالته، ونحن ننتمي إليه وينتمي إلينا، وعلى طريقه سائرون وعلى تعاليمه حريصون وإلى ملكوته متطلعون.
ولرئيس بلادنا المفدى قائد الأمة الرئيس حافظ الأسد نقول: إن المسيح سوري ولغته سورية ولن يحتكره أحد أو كائن أو مجموعة إنسانية كائنة من كانت.
ومن هذا المكان المقدس أتقدم مرة أخرى بتهاني العيد إلى قائد البلاد سيادة رئيسنا حافظ الأسد، وعبره إلى جميع أبناء الشعب والأمة وأقرن التهنئة بجزيل الشكر على تكرّمه باستقبالي واستقبال إخوتي المطارنة أعضاء المجمع المقدس الأنطاكي السرياني الأرثوذكسي في العالم أجمع القادمين إلى سورية الوطن الأزلي للكنيسة السريانية.
كما أشكره باسمي وباسم جميع السريان في العالم على محبته ورعايته وكريم تقديره لدور السريان في تاريخ وطنهم ولدورهم في خدمة الوطن العزيز والإخلاص له ولرئيسه المبجّل وأقول له إن السريان كانوا وسيظلون مخلصين للوطن ورئيسه وسيظل ولاؤهم للوطن الذي ارتبط باسمهم وارتبطوا باسمه.
أنعم الله تعالى على رئيسنا المفدى حافظ الأسد بالعمر المديد، ومتّعه بالصحة التامة، والنصر المبين، وجعل أيامه كلها أعياداً.
وفي هذا العيد المجيد لابد أن نذكر لبنان الشقيق، لبنان بجنوبه الصامد وشهدائه الأبرار، ويطيب لنا أن نوجه التحية والتهنئة باسمنا واسم أبناء كنيستنا في لبنان والعالم إلى فخامة الرئيس الأستاذ الياس الهراوي رئيس جمهورية لبنان الذي نقل بالتعاون مع سيادة أخيه الرئيس حافظ الأسد لبنان العزيز من الدمار إلى البناء والوفاق الوطني ودولة الوحدة والقانون. هنيئاً له بما أنجز وهنيئاً للبنان بما تحقق على يديه فهو الحكيم الذي عرف أن ليس للبنان غير سورية وليس للبنانيين إلا القائد التاريخي الذي وَسَعَ حبّه سورية ولبنان وكل العرب سيادة الرئيس حافظ الأسد حفظه الله وحفظ أخاه الرئيس الياس الهراوي وحفظكم جميعاً وكل عام وأنتم بخير آمين.
تكريس الراهبة حنينة هابيل
رئيسة لدير مار يعقوب البرادعي·
في بهجة عارمة أيها الأحباء نحتفل في هذا اليوم بمناسبات شتّى، فالعيد عيد القديس إيليا النبي الذي نسمّيه النبي الناري والنبي الحي، وبهذه المناسبة نهنئ كل من جعل من هذا النبي العظيم شفيعاً له وسُمّي باسمه. والمناسبة الثانية هي افتتاح الحلقة الدراسية اللاهوتية السنوية لشبابنا وشاباتنا الأعزاء، أما المناسبة الثالثة فهي تكريس الراهبة الفاضلة حنينة هابيل رئيسة لدير مار يعقوب البرادعي وللراهبات التابعات لهذا الدير. وكنا قد عيّناها سابقاً لهذه الخدمة ولكن اليوم بحسب طقسنا السرياني المقدس نكرّسها ليضاعف اللّه لها النعمة ولتزداد تضحية ونكران ذات أمام اللّه والناس. كما أننا نُلبِّس الابنة الروحية الآنسة الدكتورة إنعام متي توما الطوري الإسكيم الرهباني باسم الراهبة فيبي، وهذا برهان قاطع على أن راهبات مار يعقوب البرادعي قد تهذبن في دورهن بالفضائل وحزن على درجات علمية جامعية عالية من ليسانس وماجستير ودكتوراه في العلوم والآداب، وقد اعتبرن كل حكمة العالم ورتبه المدنية والاجتماعية نفاية في سبيل ربح المسيح ومحبة المسيح، فهنَّ خريجات كليات وهذا لا نقوله للتباهي إنما نذكره لإعلان عمق التضحية التي تتجلى عندما يحلُّ الروح القدس في قلب الإنسان ويرشده ليكرّس نفسه للّه تعالى. ولكن بكل هذه المناسبات نقدّم الشكر للّه على النعم العظيمة التي يسبغها علينا بين حين وآخر. ويسرّني أن أقدم الشكر الجزيل لإخوتي الأجلاء أصحاب النيافة الأحبار الذين شاؤوا أن يشاركونا هذه الفرحة وهم منذ البدء يشاركوننا هذا العمل الرسولي بمحبة واندفاع وغيرة رسولية. أهنئ بناتي الروحيات الراهبات الفاضلات برئيستهن الوقورة واختهن الجديدة وأظهر بهجتي لأبنائي الروحيين الشباب والشابات الذين جاؤوا لدراسة اللاهوت واللغة السريانية المقدسة في دورة مكثّفة اندفاعاً منهم ومحبة لكنيستهم المقدسة، ولخدمتها وبخاصة لخدمة مراكزها، مراكز التربية الدينية المنتشرة في كل أبرشياتنا في العالم، لإعداد جيل صاعد يكون نواة لنهضة روحية.
نحتفل أيضاً بعيد مار إيليا، ومار إيليا هو المثال لنا في هذه الحلقة الدراسية اللاهوتية التي هي استمرار لحلقات مماثلة سابقة ابتدأنا بها سنة ألف وتسعمائة وإحدى وتسعين، يومذاك قلت للمشاركين سجّلوا عندكم لقد شرعنا، والحمد للّه في تدريس الفتاة السريانية مادة اللاهوت وستكون فتياتنا المصونات مدرّسات ناجحات لمادة اللاهوت في القريب العاجل إن شاء الله. هذا ما يدل على ما للمرأة من مكانة رفيعة في كنيستنا المقدسة، وعلى رغبتنا أيضاً في أن تشترك المرأة مع الرجل في خدمة الكنيسة لا كشمّاسة مرتلة كما هي عليه الآن في جيلنا هذا، بل أيضاً كمدرسة للاّهوت وكمرشدة للفتيان والفتيات لجذبهم إلى المسيح يسوع ربنا. ولا بد أنكم تلمسون لمس اليد تقدم شاباتنا المهذبات ولا سيما في دراسة العلوم الدينية وتاريخ الكنيسة واللغة السريانية، وراهباتنا العزيزات اللواتي يخدمن الكنيسة، وهنَّ مربيات تقيات. إننا ندرس اللاهوت، لأننا نريد أن نتوصل إلى الكمال المسيحي إتماماً لوصية الرب: «كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل» (مت 5: 48). عندما نكون مواطنين صالحين أيها الأحباء، علينا أن ندرس قوانين بلادنا لكي نعمل بهذه القوانين، وعندما نريد أن نكون مؤمنين صالحين علينا أن ندرس عقائدنا الدينية وشرائعنا الإلهية لكي نَعرِف بمن نؤمن ولمن نصلّي، من هو إلهنا ونعرف ماذا يريد إلهنا منَّا حتى نقوم به، كل هذا لا نعرفه ما لم ندرس اللاهوت بكل فروعه. ولذلك عندما ندرس تاريخ كنيستنا ولغتنا السريانية المقدسة، نتمكن من أن نفهم فكر آبائنا وشرحهم وتفسيرهم الإنجيل المقدس ووصايا إلهنا لكي نكون عارفين بما نؤمن وسالكين بحسب إرادته الإلهية.
إن شعارنا في دورتنا هذه هو ما قاله النبي إيليا لشعب بني إسرائيل الذين كانوا في أغلبهم قد تركوا الرب وعبدوا إبليس باسم إله لهم اسمه البعل. وما أشبه اليوم بالأمس ألم تسمعوا بأناس تركوا اللّه ليعبدوا الشيطان؟ إن الشيطان دائماً يتخفى، ودائماً يحاول أن يظهر للإنسان أنه غير موجود والعديد من الناس أيضاً لجهلهم يظنون أنه حقاً غير موجود. ولكن الشيطان موجود، وهو قوي و حاسد وهو هو الذي كان قد خدع أبوينا الأولين وما يزال إلى اليوم يجربنا. فإذا كنا نجامل هذا العدو الألد نكون قد ابتعدنا عن الرب وأصبحنا أعداءً للرب لأن الشيطان عدو للرب. ما أشبه اليوم بالأمس، نعود بالذهن إلى عهد إيليا، الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد، كان أغلب شعب النظام القديم قد عبدوا البعل، والناس أحياناً عديدة إذا لم يفتكروا بخلاص نفوسهم يكونون على دين ملوكهم والوثنيين، كان الملك آحاب قد خضع لأمرأته الوثنية ايزابيل الشريرة التي قتلت كهنة اللّه، ولذلك ظن إيليا أنه لم يبق نبي للرب غيره ولكن اللّه تعالى أعلن له بعدئذ أنه كان ما يزال سبعة آلاف رجل لم يسجدوا للبعل ولم يقبّلوا صنم البعل. ولكن إيليا ولئن كان وحده حسب ظنه كان مثالاً للصمود والتحدي، كان قوياً بالله، ولم تثبط عزيمته. وبهذا الأمر يكون ايليا قدوة صالحة لنا يشدد عزائمنا، فعندما يهمس الشيطان في آذاننا ليشعرنا بأننا وحدنا نعبد اللّه فنتوهم بأننا قد تُركنا لوحدنا نجاهد الجهاد الروحي في الميدان، قد تنهار قوانا ويقل إيماننا بالله وثقتنا بعنايته تعالى. كان آباؤنا مثالاً للصمود والتحدي بتمسكهم بالإيمان القويم الرأي وبكفاحهم وبجهادهم وباستشهادهم في سبيل هذا الإيمان. نرى إيليا وهو مثالنا في دورة اللاهوت هذه، برهن على قوة الصلاة التي يصلّيها البار وكيف أنه يستجاب من الله، فقد صلّى فلم تمطر السماء ثلاث سنين وستة أشهر، وصارت مجاعة عظيمة في الأرض ثم أمره اللّه فظهر لآحاب وساومه ايليا وطلب منه أن يسمح بإقامة مباراة بينه وهو النبي المرسل من الله وبين كهان البعل ليكشف ضعف البعل وقوة اللّه تعالى، هنا التحدي. قال لآحاب الشرير أن يجمع بني اسرائيل إلى جبل الكرمل وأن يأتي بكهّان البعل، الذي هو أبو الآلهة عند الفينيقيين ومصدر القوة والسيطرة، وكان عددهم أربعمائة وخمسين وكهّان السواري أو عشتاروت آلهة الخصب والشباب والجمال وعددهم أربعمائة، فوقف إيليا وحده في مواجهة ثمانمائة وخمسين من الكهّان الوثنيين ولم تكن الكثرة دليلاً على الصواب الذي يزعمون أنه بجانبهم. وكان الشرط أن يذبح كل من الفريقين ثوراً بعد أن تبني كل فرقة منهما هيكلاً والذي تنزل النار من السماء وتلتهم ذبيحته، يكون إلهه هو الإله الحي الحقيقي وحده. إنَّ آيته التي هي شعار حلقتنا الدراسية هي: «حتى متى تعرّجون بين الفرقتين إن كان اللّه هو اللّه فاعبدوه، وإن كان البعل إياه فاعبدوه». أحياناً عديدة يعرّج بعضٌ منا على الجانبين يدّعون أنهم مع اللّه ولكنهم يعملون أعمال إبليس. بهذا الصدد قال الرب لليهود: «لو كنتم من اللّه لكنتم تعملون عمل اللّه ولكن أنتم من أب هو إبليس وإرادة أبيكم تفعلون». فهذا درس روحي لنا فإما أن نكون مع اللّه وإما أن نكون مع إبليس، لقد سمعنا عن أناس يعبدون الشيطان في أيامنا هذه، يعرفون أن الشيطان شرير يُفضحُ شره حتى في عبادتهم، إبليس هذا يقودهم أحياناً إلى القتل ولكنهم ضالون ومضلّون، بعضهم يعرّجون بين الفريقين، لا يريدون أن يقولوا أنهم يعبدون إبليس ولكنهم فعلاً يعبدونه. فالذين يعبدون اللّه يحتاجون إلى شيء واحد هو الصمود في عبادة الله، وتحدي إبليس، نحن الذين قد افتدانا المسيح يسوع بدمه الكريم لا يستطيع إبليس أن يغلبنا لذلك إن كنا لا نعرّج على الجانبين وبين الفرقتين ونتمسك بالمسيح يسوع لا بد أن نغلب. إن إيليا قال آيته هذه وتركهم من الصباح وحتى الظهر وقد هيّؤوا مذبحهم وذبحوا ذبيحتهم وكانوا يضربون أنفسهم حتى بالسيوف لأن إبليس يلتذ برؤية الناس يتعذبون، فكان عبدة البعل يعذبون أنفسهم وهم يطلبون إليه ولكن لم يستجابوا، وكان إيليا يستهزئ بهم قائلاً: اصرخوا لعل إلهكم البعل نائم ولا يسمعكم، وعندما فشلوا أمر ايليا أن يلقى القبض عليهم، وبعد أن بنى مذبحه بل صلّح المذبح، وذبح الذبيحة وصب عليها ماءً، شرع يقول للحاضرين: صبّوا ماء أكثر وأكثر على الذبيحة وحول المذبح ثم وقف وصلّى، صلى إلى اللّه كان رجل صلاة، صلّى إلى اللّه ليتحدى الناس بقوة اللّه فنزلت نار من السماء والتهمت الذبيحة وما كان حولها فصرخ الشعب قائلين الرب هو اللّه أي هو الإله الحقيقي. قال إيليا القوا القبض على هؤلاء الكهان جميعاً وأمر فقُتلوا، وبعض الناس تلوم إيليا النبي لأنه قتل أولئك. هل نلوم القاضي الذي يحكم ـ في تلك الأيام ـ بإعدام مجرمٍ كبير؟ طبقاً لناموس موسى السن بالسن؟! إنها العدالة. لقد كان أولئك الكهّان قد قتلوا كل كهنة الرب، ألاّ يستحقون القتل؟ وبعدئذ نحن لا نستطيع أن نتحكم بإرادة اللّه وغاية اللّه من أي عمل، اللّه هو الأدرى. نعرف أن إيليا نبي ناري، نعرف أنه صعد إلى السماء بمركبة نارية، نعرف أن المسيح ذكر إيليا أيضاً وذكر أعجوبة أرملة صرفة صيدا ونعرف أن إيليا هو النبي الذي تنبّأ عنه ميخا وجاء يوحنا بروح إيليا وغيرته ليشهد للمسيح، كما ظهر ايليا مع الرب يسوع وموسى النبي عندما تجلى الرب على الجبل أمام ثلاثة من تلاميذه، كما نعرف أيضاً أن إيليا سيظهر ثانية عندما يأتي رجل الخطية أي المسيح الدجال، وسيكون أيضاً يومذاك قوياً صامداً هو وأخنوخ وسيتحديان رجل الخطية. نعرف كل ذلك ولهذا فالكنيسة تكرم النبي إيليا وتعيّد للنبي إيليا وتتشفع بالنبي إيليا. لنتشبّه بهذا الإنسان الغيور، نحن في عهد الكمال وعهد التسامح والغفران، نحن لن نقتل أحداً حتى كهان البعل حتى عبدة الشيطان لأن اللّه يعرف بهم وهو يدينهم ولكننا نتجنّب الشرير والأشرار ونطلب من الرب بالصلاة الربية أن لا يدخلنا في التجربة ولكن أن ينجّينا من الشرير.
أحبائي أتمنى لكم في هذه الحلقة الدراسية اللاهوتية التي تديرها دائماً رئيسة وراهبات دير مار يعقوب البرادعي، ويلقي الدروس فيها أبناؤنا الروحيون الأعزاء رهبان دير مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا في دمشق وهم منتشرون ايضاً في أنحاء العالم للدراسة والتدريس والشهادة للمسيح يسوع ربنا ولكنيستنا السريانية وللغتنا السريانية المقدسة أيضاً. كما أننا أوفدنا ونوفد بعض راهباتنا الفاضلات إلى كليات لاهوتية في اليونان لإتمام دروسهن في اللاهوت وغيره من العلوم. ليوفّق اللّه أولادنا الرهبان والراهبات جميعاً، الذين كرّسوا أنفسهم للرب، ويصون الكنيسة المقدسة في هذا العهد عهد اليقظة والنهضة، عهد الصمود والتحدي ولتمجيد اسمه القدوس وليوفّق أبناءنا وبناتنا الذين جاؤوا من الأبرشيات في سورية ولبنان، لكي يدرسوا معاً علوم اللاهوت واللغة السريانية وطقوسنا البيعية في هذه الحلقة الدراسية، بشفاعة مار إيليا وصلوات الأحبار الأجلاء وسائر الآباء والقديسين آمين.
مؤتمر أبرشيات أميركا وكندا·
أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء،
الآباء الكهنة،
أيها الأحباء ممثلو الأبرشيات الثلاث للولايات المتحدة وكندا:
بعد حمد اللّه تعالى أقول: أشكر نيافة أخي الحبر الجليل المطران مار إقليميس أوجين النائب البطريركي في أبرشية غربي الولايات المتحدة، الذي مثّل الأبرشية بدعوتي لحضور هذا المؤتمر العزيز، أشكر نيافة الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى لأنه رافقني إلى هذا المؤتمر، ومعنا أيضاً الأب الفاضل الربان إيليا باهي السكرتير البطريركي. وإنني لمسرور جداً أن ألتقيكم أيها الأحباء، إكليروساً وعلمانيين، وغايتنا جميعاً خدمة كنيستنا الواحدة التي تتألف ليس فقط من الإكليروس بل أيضاً من العلمانيين. إن هذه الفرصة الثمينة تتاح لنا لإيجاد الوسائل الصالحة والسبل اللائقة التي تجعلنا جميعاً أن نحافظ على تراثنا النفيس وعادات آبائنا وتقاليدنا الشريفة إلى جانب محافظتنا على عقائدنا الإيمانية المقدسة. وعندما نعقد مؤتمراً كهذا، نشعر بأننا بحاجة إلى تبادل الآراء والخبرات لما يؤول إلى تمجيد اسم اللّه القدوس. وعندما صارت الأبرشية الواحدة ثلاث أبرشيات، كان ذلك بسبب اتساع هذه الأبرشية الواحدة جغرافياً وعدداً وزيادة المسؤوليات على مطران الأبرشية أصبحت تخدم من ثلاثة مطارنة عرفوا بتمسكهم بكنيستهم إلى جانب ما وهبهم اللّه من مواهب عديدة نشكر اللّه أنهم يستغلّونها لتقدم الكنيسة وازدهارها.
والسؤال الأهم الذي نواجهه في مؤتمرنا هذا اليوم هو أين نحن الآن؟ وما هو موقفنا من العالم؟ وما هو واجبنا تجاه ما ورثناه من آبائنا؟ نحن على عتبة القرن الحادي والعشرين، والعالم يسير بسرعة هائلة، فهل نحن مستعدون أن نلحق بتقدم العالم وازدهاره؟ لا أريد أن نقتدي بالعالم، أن تطأ قدمنا على القمر أو المريخ وننسى أرضنا هذه، ننسى مشاكلنا، ننسى إنساننا. فنحن جزء لا يتجزّأ من العالم. بالنسبة إلى كنيستنا نحن نسعى لنرث الحياة الأبدية والحياة الأبدية حقيقة مجردة سامية لا غش فيها ولا شك، ومن لا يؤمن بحقيقتها ابتعد عن مسيحيته. ولكن في الوقت نفسه لا ننسى أرضنا، فقد وعدنا الرب يسوع في خطبته على الجبل قائلاً: «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض» (مت 5: 5) هذه مهمتنا وهذه رسالتنا خاصة نحن السريان. كان آباؤنا الخميرة الجيدة التي خمّرت العجين كله إيماناً وثقافة وحضارة، وعلينا أن نطبع على غرارهم لنكون في هذه البلاد مثل حبة الخردل الصغيرة التي تنمو وتصير شجرة باسقة تستظل بين أغصانها طيور السماء، ويستظل بها أيضاً الإنسان والحيوان في آن واحد. إن كنا نسعى لإسعاد بعضنا بعضاً على الأرض سعادة روحية لا حدَّ لها، وفي الصلاة الربية نسأل الرب أن يجعل هذه الأرض خاضعة لإرادة الرب «كما في السماء كذلك على اللأرض» فلا يكون ذلك إلا إذا ارتبطنا بعلاقة وثقى مع المسيح يسوع ربنا الذي هو وحده يملأ القلوب بهجة، والقلوب بدونه تكون فارغة روحياً. فعندما نعقد اجتماعاً كهذا نشعر بأننا واحد في المسيح، الكل واحد في مصير واحد ومستقبل واحد، ونشعر بمسؤولية واحدة كإكليروس وعلمانيين يخدمون مع الإكليروس هذا الشعب المبارك وهذه الكنيسة المقدسة. نحن جسد واحد وكنيسة بطريركية وهذه نعمة عظيمة ورثناها من آبائنا، نحن لسنا أسقفيين ولسنا مشيخيين، وإنما كهنوتنا كهنوت رسولي أخذناه ببركة الرب يسوع من هامة الرسل بطرس. وعندما نستمد هذه البركة لا تكون فقط للبطريركية بل لكل الأبرشيات، ولا يعني ذلك أن النيابة البطريركية هي أقل من الأبرشيات في أي أبرشية. فالمطران النائب البطريركي هو مطران رئيس أساقفة له كل حقوق المطران وامتيازاته وواجباته ومسؤولياته كما له صفة أخرى أيضاً فهو نائب البطريرك. وفي الوقت نفسه نرى في هذه الابرشيات الثلاث عنواناً لوحدة الكنيسة. وأنتم في المهجر إن كانت رسالتنا ككهنة أن نكون شهوداً للمسيح في الوطن الأم وقد ورثنا الخدمة ونقوم بها، فعليكم إلى جانب هذا الشيء عليكم أن تواكبوا تقدم العالم في منطقة من العالم ليست ثابتة لا عقلياً ولا فكرياً ولا عاطفياُ ولا روحياً فما هو موقفنا ككنيسة في هذه المنطقة من العالم، كيف نحافظ على أولادنا كيف نصونهم ضمن حظيرة المسيح كما تسلّمنا العقيدة من آبائنا والأخلاق والقيم السامية عن طريق أمنا ومعلمتنا الكنيسة المقدسة؟ هذه مسؤوليتكم، مجالكم واسع لتقدموا الشهادة أنكم شهود للرب يسوع فادينا ومخلصنا الذي صلب لأجلنا، ومات وقام وأمات الموت بموته وأقامنا معه في الحياة الجديدة، هذا هو فخر الكنيسة أن اللّه مات (بالجسد) على الصليب. أنتم في المهجر بإمكانكم أن تقدّموا الشهادة بالمسيح لهذا العالم المتقلب الذي نرى فيه حرية تامة الحرية التي تستغل من أعداء الإنسانية بمحاربة الدين المسيحي، وخاصة محاربة الكنائس العريقة بالمجد والسؤدد، والكنيسة السريانية بالذات التي تحتفظ حتى الآن وستبقى إلى الأبد محافظة على الإيمان بالمسيح يسوع الإيمان الذي ندعوه: الإيمان الأرثوذكسي، أي مستقيم الرأي، وعلى الفضائل السامية التي ورثناها من آبائنا الأنطاكيين، من آبائنا الذين بسبب تمسّكهم بالقيم السامية دعي أتباع الرب مسيحيين أولاً في أنطاكية كما يذكر سفر أعمال الرسل. هذه الشهادة تحملونها وأنا متأكد بأنكم قد حملتم في قلوبكم وأفكاركم، في رؤوسكم هذه القيم وهذا الإيمان قد يكون أغلبكم قد جاء من البلاد لا يملك شروى نقير ولكنه ملك أثمن ما في العالم آلا وهو حمل الإيمان المتين والفضائل المسيحية السامية، فاحتفظوا بهذه الجوهرة الثمينة ولا تضيعوها وسلّموها إلى أبنائكم لتحافظوا عليها ضمن حظيرة المسيح في الكنيسة السريانية المستقيمة الرأي، فالأمل أن نتجرّد من كل أنانية وكل غرض مادي، ونشعر بأن علينا أن نهتمّ بأرضنا وأرضنا على الأرض هي كنيستنا، أن نهتمّ بتنظيم أنفسنا، أن نهتمّ بإيجاد الوسائل والسبل لتنشئة أولادنا النشأة المسيحية السريانية الخالصة النقية السليمة، لأنني عندما أقول السريانية أعني المسيحية أيضاً إلى جانب ما ورثناه من آبائنا من تراث وما لنا من تاريخ وما عندنا من استقلالية وحرية بالمسيح ورحم اللّه آباءنا الذين في سبيل حريتنا وثباتنا على إيماننا سفكوا دماءهم طاهرة نقية وسلّمونا هذه الوديعة الثمينة، لنحافظ عليها ونسلّمها لأولادنا وأحفادنا خاصة في المهجر. فرصكم ثمينة وكثيرة أيضاً لكم الحرية أن تتكلّموا بأموركم الدينية والاجتماعية والحضارية، وتعلنوا أنكم أحفاد آبائنا السريان أولئك الأبطال العظام، وأقول ذلك إذ يعطّر هذا القول لساني ولسان كل إنسان يؤمن بالحقيقة ولا بالخيال. لا نريد أن نصعد إلى المريخ ونحجز لنا مكاناً منذ الآن، بل يجب أن نهتم بأرضنا وبكنيستنا بالذات ونسعد إنساننا والسعادة لا تكون سعادة حقيقية إن لم تكن بالمسيح يسوع ربنا، أتمنى لمؤتمركم التوفيق والنجاح ليستمر إلى الأبد، وأتمنى لكم الصحة والعافية وأنتم الذين ترافقوننا في الجهاد الروحي لتقدم الكنيسة وازدهارها أسأل اللّه أن يكافئكم عن كل عمل صالح تقومون فيه من أجل الكنيسة، وليعضد اللّه الأحبار الأجلاء والآباء الكهنة ليقوموا هم برسالتهم الكهنوتية والحبرية بأحسن ما يرام وليكافئهم اللّه ويكافئكم بأجر صالح ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.
مؤتمر أبرشيات أميركا وكندا·
أيها الحفل الكريم:
يروق لي في هذه اللحظات المباركة أن أشكر إخوتي أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء على كل ما بدر منهم من شعور طيب تجاه هذه الأبرشية ومطرانها وإكليروسها وشعبها بحضورهم ومشاركتهم في هذا المؤتمر الذي أعتبره مؤتمراً ناجحاً جداً، وثماره يانعة وطيبة وناضجة وسيبقى نموذجاً لمؤتمرات تتبعه. وإنني لمسرور لهذه المشاركة في هذه الأمسية بكلمات طيبة صدرت عن قلب كبير لنيافة أخينا مار إقليميس أوجين قبلان، ولعزيزنا الفاضل السيد بسام مشمل، ولشاعرنا المبدع والأديب الكبير الأستاذ موسى شهلا.
أيها الأحباء:
إني أرى فيكم أسرة واحدة أفرادها يتعاونون لما فيه خير الكنيسة وتقدمها وازدهارها، وقد حافظت على إيمان آبائها وعلى تقاليدهم الشريفة والقيم المسيحية السامية، جاءت إلى هذه البلاد لتكون مثالاً للعباد، إنها أسرة هي جسد المسيح السري بحسب تعليمنا اللاهوتي فنريدكم أن تبقوا كما أنتم متمسكين بإيمانكم وبتقاليدكم الدينية والأدبية والأخلاقية ومهتمين بتربية أولادكم التربية المسيحية الصالحة، بهذا تكتسبون اسماً جيداً يفوق ثمنه اللآلئ الثمينة. وبهذا الصدد أود أن أخبركم أنني سنة ألف وتسعمائة وإحدى وثمانين كنت في زيارة الأرجنتين وزرت رئيس جمهوريتها ودار بيننا حديث ذو شجون، ومما قاله لي: أنه بمناسبة زيارة قداستك هذه يومذاك، أمرت بالتفتيش بسجلات الدولة عن الشعب السرياني في بلادي، فلم أجد سريانياً دخل السجن في الأرجنتين. قلت له: هذا وسام رفيع قلدتني إياه سأعتز به طيلة حياتي وأفتخر بشعبي المبارك، كما أن كلام فخامتك هذا سيبقى خالداً في تاريخ هذا الشعب العظيم الشعب السرياني الكريم. أيها الأحباء إننا دائماً نصلي إلى اللّه أن يكون شعبنا المبارك سعيداً أينما كان ومتمسكاً بإيمانه ومحباً لوطنه ومخلصاً بل مثالاً طيباً للمواطنين الصالحين. فإن آباءنا كانوا أوفياء لأوطانهم مخلصين الود للأرض التي اقتبلتهم، في الوقت نفسه كانوا محبين لكنيستكم باذلين دمهم الثمين في سبيل الحفاظ على الإيمان بالمسيح يسوع ربنا. فنحن أبناء الشهداء، إذا ما درسنا تاريخنا وجدنا أن آباءنا كانوا أبطالاً واستشهدوا في سبيل المبادئ السماوية السامية، وفي سبيل الذود عن حياض الوطن العزيز. ونحن في أوطاننا ما نزال ننسج على منوال آبائنا، محبين إخوتنا المواطنين متعاونين معهم، هذا تاريخنا بصفحاته الناصعة الذهبية يبرهن على أن آباءنا تعاونوا مثلاً مع العرب المسلمين وما يزالون في ميادين شتى علمية وأدبية وحتى في تحرير أراضيهم من المستعمر، نريدكم أن تكونوا مخلصين لهذه الأرض ولكن لا تنسوا كنيستكم ووطنكم الأم. لا يتعارض إخلاصكم لوطنكم الجديد مع محبتكم لوطنكم القديم وتمسككم بإيمان آبائكم وسعيكم لازدهار كنيستكم في هذه البلاد وتقدمها ونجاحها بكل فعالياتها. وحضارة هذه البلاد كحضارة بلادنا، لا تتعارض أبداً بتمسكنا بحضارتنا السريانية، بلغتنا السريانية المقدسة، بطقوسنا السريانية المباركة، وبعقيدتنا وبإيماننا الديني. أنتم أسرة مسيحية واحدة، أسرة سريانية أرثوذكسية، هذه الأسرة يجب الحفاظ عليها بتماسكها بتعاضدها لتكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. هذه الأسرة أيها الأحباء رأسها المسيح يسوع ربنا، فإذا كان كذلك فعلينا أن نطيع الرأس عندما يأمر سائر الأعضاء أن تكون في محبة في انسجام، في تقوى، في مخافة الله. إن الرب يسوع أوصى تلاميذه وصيته الأخيرة أن يحب بعضهم بعضاً، فإذا كنا مؤمنين بتاريخ آبائنا وبإيماننا المسيحي الذي تسلّمناه من الرسل الأطهار علينا أن نحب بعضنا بعضاً وأن نسعى لتقدم كنيستنا وازدهارها. وهذا المؤتمر والمؤتمرات السابقة والمؤتمرات اللاحقة إن شاء اللّه بنجاحها تدل على أننا نتعاون معاً، لنترك الخلافات التي قد تحدث في الأسرة الواحدة، لنترك القبلية والشعبية والانعزالية، لنترك العقول الضيقة ونسعى للانفتاح ضمن العائلة الواحدة السريانية الأرثوذكسية وضمن المجتمع الذي يعاصرنا بهذا الانفتاح برفض الانعزالية والحقد والبغضة، بالمحبة نبني أنفسنا ونبني بلادنا الجديدة ونسعى أيضاً أن لا ننسى أوطاننا القديمة. بهذه المحبة نبني لنا مستقبلاً باهراً، نشتري السماء بمحبتنا للّه التي تظهر وتتجلّى بمحبتنا بعضنا لبعض. أسأل الرب الإله أن يبارككم أيها الأحباء ويفرحكم بأولادكم الأحباء الذين أتمنى أن ينشؤوا مثلكم على جداول مياه الإنجيل المقدس وتعاليمه بالتمسك بالإيمان بالله وبمحبة الإنسان وخدمته ومحبة هذه البلاد التي احتضنتكم والرب يبارككم آمين.
عيد الميلاد المجيد·
أيها السامعون الكرام:
في هذا العيد المجيد تتجه أفكارنا إلى أرض الميلاد، إلى بيت لحم، إلى البُقعة التي اختارها الله لتضمّ مهد السيد المسيح مخلّص العالم، وتُطلَق منها رسالة السلام والمحبة والرجاء إلى المسكونة جمعاء.
فالأرض التي استقبلت المسيح ملك السلام، تشكو إلى الله تعالى اليوم بغيَ العنصرية الإسرائيلية، وظلم التعصّب، وعسف المتعالي، وعنجهية القوة، وعدوانية الأطماع التوسعية، ودموية الطغيان.
والذين اضطهدوا المسيح يسوع مولود بيت لحم وطاردوه محاولين قتله وهو طفل، لِيَئِدُوا رسالته الإلهية في مهدها، ويُبيدوا دينه في بدئه، هؤلاء هم الذين صلبوه بعدئذ، وهم اليوم يحاولون أن يصلبوا شعباً بأكمله، ويدقّون المسامير في جسم السلام، ويقضون على أول فرصة تاريخية توفرت منذ نصف قرن لإقامة السلام العادل والشامل.
لقد زَفَّت الملائكة إلى العالم قبل ألفي عام بشرى ميلاد المسيح، رسول المحبة والسلام قائلين: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرّة» (لو 14:2).
وفي عيدنا اليوم بقي المجد لله في الأعالي، وذهب قتلة الأنبياء بالسلام على الأرض، ولم تعد المسرّة تعرف طريقها إلى الناس.
ولكن هل انتصر أعداء المسيح على رسالة المحبة والسلام والرجاء والخلاص؟
إن العالم كله سيحتفل بعد سنتين بذكرى مرور ألفي سنة على ميلاد المسيح المخلص، وستبقى رسالته السماوية إلى الأبد، وهي منتصرة ومنتشرة في كل أرجاء العالم، ولن يوقفها أبداً الإجرام والتعصب والظلم والأحلام الأسطورية لفئة قليلة ضالة ومضلّة أعماها الغرور العنصري والحقد على الآخرين. إنهم قتلة وسرّاق يحتلون الأرض، ويستعبدون الناس، ويصادرون المقدسات، ويغتصبون الحقوق، ويحاولون مصادرة مسيحنا المخلّص، وهم يزرعون بذور الصراعات في أحشاء المستقبل.
ولكن المسيح لنا.
لقد أرسله الله إلى أرضنا، وتكلّم لغتنا، وعاش بين شعبنا، وقبلناه وآمنا به، وسيظل لنا ومعنا إلى الأبد.
وإن أغرب ما عند قتلة الأنبياء، وراجمي المرسلين إليهم، أنهم يريدون منا الاعتذار عمّا لحق بهم نتيجة إنكارهم إياه وصلبه على العود. وإن ضغوطهم على المعابد، والشعوب، والحكومات، والأشخاص مستمرة دون توقف أو مهادنة، فهم يريدون من الضحية أن تعتذر للجلاد. أما هم فلا يجدون حاجة للاعتذار عن إنكار مجيء المسيح مشتهى الأجيال، ورفضهم إياه مجاناً، وصلبه والتنكر لتعاليمه السامية ورسالته الإلهية.
لقد طردهم السيد المسيح من الهيكل لأنهم حوّلوه إلى مغارة للصوص، ولن يعودوا إليه أبداً.
إننا لا نكره أحداً، ونحب حتى أعداءنا طبقاً لتعاليم سيدنا ومخلّصنا يسوع المسيح.
ولكن المحبة لا تعني المذلة والمهانة والخنوع والخضوع. وكما قضى مولود بيت لحم المسيح يسوع على الموت، كذلك سيقضي على الظلم والغدر الاغتصاب والاحتلال والتعصب والعدوان.
أجل إنّ شعباً يتقدم صفوفه قائد عظيم شجاع وحكيم، محبٌّ لأمته وشعبه، وللناس جميعاً، مثلُ رئيسنا المبجّل حافظ الأسد، هو شعب يتقدم على طريق النصر والحرية، طريق السلام العادل والشامل، الطريق الذي يحفظ لجميع البشر كرامتهم وحقوقهم وأمنهم وسلامهم ومستقبلهم الآمن والمستقر. ومع الرئيس المفدّى حافظ الأسد نتطلع بثقة إلى المستقبل، مستقبل شعبنا وأمتنا وأجيالنا القادمة. وبنضاله وحكمته سيأتي اليوم الذي تتحرّر فيه أرضنا المحتلّة وتعود إلينا حقوقنا ويتطهّر فيه ترابنا وترجع إلينا مقدّساتنا.
أيها الأعزاء: يطيب لنا أن نرفع إلى رئيسنا المحبوب حافظ الأسد أجمل التهاني وأسمى التمنيات بعيد الميلاد المجيد والعام الجديد، وأن نهنئ أبناءنا السريان، وإخوتنا من المسيحيين والمسلمين في الوطن والمهجر بهذه المناسبة السعيدة، متمنين لهم عاماً جديداً مليئاً بالخيرات والبركات. ونخصّ بالذكر منهم أشقاءنا اللبنانيين الذين نرجو لهم السلام والهدوء، والاستقرار والتلاحم، والوحدة الوطنية، ونقول لهم إنكم بالغون أمانيكم بالتعاون مع سورية كما بلغتم سلمكم الأهلي بمساعدة سورية. وثقوا أن سيادة الرئيس حافظ الأسد هو للبنان كما هو لسورية، وأنه يحبّ لبنان كما يحبّ سورية، وأنه يريد الخير للبنان كما يريده لسورية، وإن الذي حقق لكم السلام، وحفظ لكم وحدة لبنان، ومنع التشرذم والانقسام، وأعاد لكم الأمل في المستقبل، جدير بثقتكم ومحبتكم، فمن يحبّ لبنان لابدّ له أن يحبّ فخامة الرئيس حافظ الأسد.
أيها السامعون الكرام:
ومن هذا المنبر المقدس وفي هذه المناسبة السعيدة، يروق لنا أن نحيّي شعبنا الصامد في الأراضي المحتلّة، في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، وأن نحيي جيشنا الباسل الذي يحمي عرين الوطن الحبيب. وكل عام وأنتم بخير.
من عظات عام 1998
من عظات عام 1998
تقديس كنيسة مار يعقوب البرادعي ـ ملبورن·
أيها الأحباء، بفرحة عارمة افتتحنا في هذا الصباح المبارك وكرّسنا وقدّسنا هذه الكنيسة الجميلة بموجب طقسنا السرياني الأرثوذكسي الأنطاكي ويطيب لنا أن نثني جزيل الثناء ونهنئ الابن الروحي الفاضل القس أفرام أفرام ومن تعاون معه من رعية مار يعقوب البرادعي. هذه الكنيسة التي وضعنا حجر أساسها في شهر تشرين الأول سنة 1994 ولمسنا الآن الجهود الجبارة والأتعاب الجمّة التي تكبّدها كاهنها ورعيتها لكي ينالوا هذا الشرف الأثيل ويحوزوا على هذا الأجر الكثير من ربنا يسوع المسيح بإقامة هذا البيت لعبادة الله وتمجيده. إن الكنيسة المقدسة هي أنتم أيها الشعب المبارك والكنيسة المقدسة هي الكنيسة الرئيسة أي رعاة الكنيسة أيضاً الرعاة الذين ينتخبون من أبناء الشعب بوساطة الروح القدس لينالوا الوظيفة السامية ويتقدموا الشعب ويقربوا القرابين إلى الله الآب عن ذنوبهم وذنوب الشعب كما يعلّمنا الرسول بولس. أجل! إن الشعب السرياني النبيل في كل مكان متمسّك بإيمانه القويم الرأي وبتقاليده التي ورثها عن آبائه ويقدم بسخاء لتشييد الأديرة والكنائس والمؤسسات الروحية والسريان يحبون الله والقريب ويحبون بعضهم بعضاً أينما كانوا، وهذه الكنيسة علامة واضحة على ذلك فالسريان في استراليا وأوربا وأميركا وفي كل مكان ساعدوا رعية مار يعقوب البرادعي بتشييد هذه الكنيسة المقدسة، ومن المفيد أن نكرر الآن قولنا في مناسبات كهذه وهو «أن السريان في كل مكان يهتمّون بتشييد بيت لله قبل أن يهتموا بتشييد بيوتهم الخاصة»، لأنهم يسعون إلى تربية أولادهم التربية المسيحية السريانية الأرثوذكسية الصالحة فهم يلدون أولادهم بالجسد ولكن الكنيسة تلدهم بالروح من جرن المعمودية والوالدون يلدون أولادهم الولادة الجسدية ولكن الكنيسة بتعاونهم وهي أم وهي معلمة وهي مدرسة تلدهم من السماء وتنشئهم النشأة الروحية ليكونوا أولاد الله بالنعمة، لتتوفر لهم السعادة في الدارين في هذا العالم وفي الأبدية. وكذلك ليكونوا مواطنين صالحين. أجل أيها الأحباء: لا بدّ أن نوصيكم أن لا تنسوا أوطانكم الأولى وكنيستكم المقدسة وفي الوقت ذاته أن تكونوا مخلصين لوطنكم الجديد استراليا، فقد استقبلكم هذا الوطن بمحبة وجعلكم كأبنائه الذين ولدوا فيه ونشؤوا، فلا يمكن أن تدعوا سرياناً أرثوذكسيين ما لم تكونوا مخلصين لوطنكم لكي يفتخر الجميع فيكم ويقتدي بكم أولادكم أيضاً بمحبتهم لكنيستهم السريانية الأرثوذكسية وبمحبتهم لوطنهم الأم ولوطنهم هذا الجديد.
أيها الأحباء: أهنئكم من أعماق قلبي للنعمة التي نلتموها من السماء فقد استحق كاهنكم وأنتم معه جميعاً كرعية مار يعقوب البرادعي أن تشيدوا هذه الكنيسة الجميلة. إن داود النبي عندما أراد أن يعمر هيكلاً للرب، لم يأذن له الرب ولم يستحق أن يقوم بذلك لأن يديه ملطّختان بالدم. أما أنتم فقد أنعم عليكم أن تشيدوا هيكلاً للرب، هذا البيت هو للرب بعد أن كُرّس وقُدّس بحسب طقسنا السرياني الأرثوذكسي. إن الله موجود في كل مكان ولكنه موجود خاصة في البيت الذي يخصص ويكرّس ويقدّس لعبادته وتمجيد اسمه القدوس. وعندما نكرّس كنيسة باسم أحد القديسين أو السيدة العذراء مريم إنما نفعل ذلك لنقتدي بقديسينا وشهدائنا الميامين ونتشفع بهم ولكن الكنيسة هي كنيسة الله. وكما سأل سليمان اللّه تعالى عندما بنى الهيكل أن يستجيب صلوات الذين يقدمون صلواتهم في ذلك الهيكل، كذلك نحن نسأل الله وقد سألناه خلال القداس الإلهي وتلاوة طقس التكريس أن يستجيب صلواتكم وطلباتكم التي تقدمونها في هذه الكنيسة. وطلبنا من الرب على مذبحه المقدس أن يكافئ كل من اشترك مادياً ومعنوياً بتشييد هذه الكنيسة ليحفظكم الرب جميعاً أيها الأحباء، ويصون أبناءكم وبناتكم في حظيرة الكنيسة المقدسة كنيسة المسيح يسوع ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.
لقاء مع رعية مار يعقوب البرادعي ـ ملبورن·
أهلاً وسهلاً بكم، نحن مسرورون جداً أن نجتمع معكم لنبحث معاً المواضيع التي تساعدنا جميعاً لعمل ما فيه خير كنيستنا المقدسة. الكنيسة بحسب التعليم المسيحي هي جماعة المؤمنين، وأنّ هؤلاء المؤمنين يجب أن يكون إيمانهم مستقيماً بالإله الواحد ذي الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس وبخاصة الإيمان بتجسد الرب يسوع المسيح، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، وبفدائه إيّانا بدمه الكريم. والغاية من تجسد الرب ومن صلبه وموته وقيامته هي أن يعيدنا إلى الفردوس أولاً الذي كنا فيه قبل أن سقطنا في الخطية، ثم إلى الملكوت في مجيئه الثاني. وهذا الشيء ليس بسيطاً أبداً، لذلك فالكنيسة منذ بدئها وحتى الآن وإلى الأبد تجاهد ضد الشيطان وضد الخطية وضد الموت الأدبي الذي هو اليأس من التوبة، اليأس من الرحمة والتمرّغ بالخطية. وهذه الكنيسة نسمّيها أيضاً بعلم اللاهوت؛ الكنيسة المجاهدة، لأنها تجاهد لتكون في حالة النعمة، خاضعة لشرائع ربنا يسوع المسيح. ونحن أعضاؤها إذا كنا مؤمنين حقاً بالرب يسوع ومؤمنين بأننا ننال به الخلاص إذا كنا تابعين خطوات ربنا يسوع المسيح حاملين الصليب أيضاً صليب الآلام حتى نصل معه إلى القيامة. وكل واحد منا معرّض للموت في أي دقيقة مهما كان هذا الإنسان قوياً وسليم الجسم فلا بد من أن يموت. وهذا ما يقوله الرسول بولس أنه قد «وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة» (عب 9: 27) فنحن إذا كنا ضمن الكنيسة المجاهدة ضد إبليس ضد الخطية ومتنا عن هذا العالم، سوف نكون، إن كنا طبعاً أبراراً في عداد المؤمنين أعضاء الكنيسة التي نسمّيها المنتصرة التي انتصرت على إبليس وصارت مع المسيح. وبهذا الصدد يقول بولس الرسول أيضاً عن نفسه: «جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان وأخيراً قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً» (2تي 4: 7و8). فإن هذه الآية تعنينا جميعاً إن كنا نجاهد جهاد الرب ضد الخطية وضد إبليس، ضد كل شيء هو ضد المسيح، عند ذاك سوف نستحق مع الرسول بولس أن ننال إكليل المجد إكليل الظفر. ويعلمنا آباؤنا القديسون أن الكنيسة تتألف من الإكليروس والشعب، وهذا الشيء هو واضح أيضاً في الكتاب المقدس فعندما أسس الرب كنيسته وأعطى الطوبى لبطرس لأنه اعترف به أنه ابن اللّه وجعل أساس كنيسته الإيمان بأن المسيح هو ابن اللّه، ولم يكتف بهذا الشيء بل أسس سر الكهنوت حالاً لأنه لا يمكن أن تكون الكنيسة بدون كهنوت. ولذلك أعطى سلطان الربط والحلّ لبطرس لأنه مثّل الكهنوت كله، كما أعطى بعدئذ هذا السلطان للرسل كلهم مجموعين، فكل كنيسة تدّعي بأنها كنيسة المسيح وليس لديها كهنوت شرعي ولم يتسلسل هذا الكهنوت فيها بدءاً من الرسل، الذين أخذوا الكهنوت من الرب يسوع مباشرةً وتسلّمه منهم ـ بوضع اليد ـ الآباء الرسوليون وتلاميذ الرسل القديسون، ليست كنيسة حقيقية. إن مار إغناطيوس النوراني ثالث بطاركة أنطاكية يقول أنه لا يمكن أن توجد كنيسة من دون أسقف، أي من دون الكهنوت لا يمكن أن تدعى أية مؤسّسة كنيسة. ولذلك نعتبر الكنيسة مؤسسة إلهية والكهنوت يعطى من السماء وليس من الشعب. ويعلمنا الرسول بولس بهذا الخصوص ويقول: «ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من اللّه كما هارون أيضاً»(عب5: 4). وكما تعلمون أن الكهنوت في العهد القديم كان خاصاً بسبط لاوي أما في العهد الجديد فالكهنوت هو للشعب كله لذلك يسمّي الرسول بطرس هذا الشعب شعباً كهنوتياً لأنه يمكن أن يختار منه الكهنة وليس من سبط خاص. ونفهم من تعاليم مار بولس أن اللّه يختار الكاهن من الشعب حتى يتقدم الشعب ويقدّم القرابين عن نفسه وعن خطاياه لأنه هو أيضاً معرّض للتجارب والسقوط في الخطية. ويقدّم القرابين أيضاً عن خطايا الشعب، ومعنى ذلك أنه يمثّل نفسه ولأنه كاهن يمثّل الشعب أيضاً، وما يقدّمه عن نفسه وعن الشعب هو مقبول عند اللّه. إن ما نحتاجه لفهم المعاني السامية للكتاب المقدس وتفاسير آبائنا هو أن ندرس الكتاب المقدس، ومنه نتعلم أن أهم شيء لتأسيس الكنيسة وتقدمها وازدهارها هو أن يكون جميع الذين وهبوا نعمة الكهنوت المقدس أي البطريرك والمطارنة والرهبان الكهنة والخوارنة والقسس وجميع الذين قد أخذوا سلطة من السماء أن يمارسوا هذه السلطة بمخافة اللّه، وأن يكونوا أيضاً مطيعين وصايا اللّه وفي الوقت نفسه أن يكون الشعب مطيعاً للكهنة الأفاضل بما فيه خلاص نفوسهم وتمجيد اسم اللّه القدّوس وإن ما يوطّد السلام في الكنيسة أيها الأحباء هو التمسّك بأهداب الفضائل وخاصةً المحبة، محبة الإكليروس للشعب ومحبة الشعب للإكليروس ومحبة الشعب بعضه بعضاً لأنهم جميعاً أخوة بالمعمودية. ثقوا أن كل عمل نعمله، مهما عظم كما يعلّمنا بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس الإصحاح الثالث عشر فإنه حتى الاستشهاد في سبيل اللّه وفي سبيل إيماننا بيسوع المسيح، يعتبر باطلاً، ما لم نحب بعضنا بعضاً. حتى إن أعطينا جسدنا للنار ولم تكن لنا محبة فلا ننتفع شيئاً. حتى لو صرنا علماء كباراً أو تبوأنا مراكز مرموقة في هذه الأرض فلن نستفيد شيئاً ما لم تكن لنا محبة بعضنا بعضاً. فمن واجبنا كرعاة، مثلما يوصينا الرسول بولس: أن نعظ ونعلّم ونوبّخ، فواجبنا أن نقول هذا بكل وضوح حتى نتخلّص من الدينونة. إننا نقرأ في أسفار نبوات العهد القديم أن الرب يوصي أنبياءه ليعلّموا الشعب وصاياه ليتوبوا ويرجعوا إليه تعالى والنبي هو الذي يحمل رسالة اللّه إلى الشعب والكاهن هو الذي يحمل رسالة الشعب إلى اللّه أي يرفع صلوات الشعب إلى اللّه والكاهن لديه أيضاً وظيفة ثانية وهي وظيفة النبي وعليه أن ينبّه الشعب بما أوصى اللّه به للناس. قال اللّه تعالى للنبي حزقيال في العهد القديم: «إذا قلت للشرير يا شريرُ موتاً تموت فإن لم تتكلم لتحذّر الشرير من طريقه فذلك الشرير يموتُ بذنبه. أما دمه فمن يدك أطلبه»(حز33: 8).
إننا في هذه الأيام خاصة نرى العالم كله منجرفاً نحو المادة، وليس له إلا أن يسعى بكل وسيلة لكسب المال والتمرّغ بالشهوات، ولكن الحمد للّه نحن السريان قد ورثنا من آبائنا الفضائل السامية ورثنا منهم الجهاد في سبيل الحفاظ على الإيمان، وأيضاً أقول مكرراً ما قلته في موضعٍ آخر: أننا أولاد الشهداء، وعندما ندرس تاريخ آبائنا وأجدادنا نجد أن الكثير منهم قد استشهدوا في سبيل إيمانهم بالرب يسوع المسيح. وكان أهلنا يحبون أخوتهم الذين يشاركونهم الإيمان القويم الرأي لنتناول بالدرس السريع، مثلاً حادثة الحرب العالمية الأولى (سفر برلك) لنرى كيف أن آباءنا حاولوا حماية إخوة لهم بالإيمان هم الأرمن والدفاع عنهم فاستشهدوا معهم. وبلغ عدد شهدائنا نحو ربع مليون نسمة في تلك الفترة استشهد أغلبهم في سبيل حماية الآخرين، وطبعاً هذه خسارة كبيرة أن نخسر من أبناء شعبنا هذا العدد الكبير ولكن في الوقت نفسه هذا ربح للنفوس الطاهرة فقد كانوا ضمن الذين جاهدوا في الكنيسة المجاهدة الجهاد الحسن وحفظوا الإيمان ولمحبتهم المسيح استشهدوا ونالوا إكليل المجد في السماء. أيها الأحباء نشكر اللّه الذي أتاح لنا فرصة الحياة معاً في محبة. طبعاً نحن بشر وجميعنا نخطئ، وأحياناً بدون شعورنا أو بشعورنا قد يسيء بعضنا إلى بعض، ولكن يجب أن نعرف أنه إذا وجدت المحبة فالمحبة تغفر والمحبة تسامح والمحبة لا تحفظ سجلاً لأخطاء الإخوة والأخوات. مرةً تقدّم بطرس إلى يسوع وقال: «يا ربُّ كم مرة يُخطئ إليَّ أخي وأنا أغفر له. هل إلى سبع مرات. قال له يسوع لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات»(مت18: 21و22). والمسيح ربنا حتى يعلمنا التسامح، أولاً سامح أعداءه وهو على الصليب، وهذه المغفرة تشمل الذين عادوا وآمنوا به لأنه جاء من أجلهم. وعندما علّمنا الصلاة الربية وضع شرطاً بنيلنا المسامحة منه وعلّمنا أن نقول: «اغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا، فكل الطلبات ليست مشروطة ولكن هناك طلبة واحدة مشروطة عندما نقول له: اغفر لنا خطايانا، فالشرط هو كما نحن أيضاً نغفر لمن أخطأ إلينا. ثم شرح ذلك وقال: «فإنه إن غفرتم للناس زلاّتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي وإن لم تغفروا للناس زلاّتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاّتكم»(مت6: 14و15). ولكن إذا اقتدينا باليزيديين في طور عبدين ولا ننقي قلوبنا من الحقد وصمّمنا أن نقتل عدونا، تكمل فينا مقولة الرسول يوحنا الذي يقول: «كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس»(1يو3: 15).
إن الكنيسة كما قلت سابقاً قد أسّست على الإيمان، وفي الوقت نفسه لديها الشريعة الأدبية والتصرفات السليمة والتمسك بالفضائل السامية ومثلما نحذّركم من هؤلاء الهراطقة الذين يسمّونهم شهود يهوه وغيرهم الذين تركوا الإيمان الحقيقي بالمسيح، ويتمسكون بأفكار صهيونية وينكرون المسيح، يجب أن ننبهكم على شيء آخر هو أن تراقبوا أولادكم وترشدوهم وتنصحوهم لكي يبتعدوا عن المعاشرات الرديئة التي تفسد الضمائر الطاهرة.
أريد أن أختم كلامي بالصلاة إلى الرب يسوع ليلهمنا جميعاً أن نكون بمحبة وتعاون لبناء جسد المسيح كما يقول الرسول بولس الذي هو الكنيسة، وأتمنى إلى اللّه أن يكون هو أيضاً معنا دائماً حتى يقوينا بجهادنا ضد إبليس المغري المجرب وضد الخطية ونكون بعد العمر الطويل لجميعكم ضمن الذين يكونون في الكنيسة المنتصرة ويرثون ملكوته عند مجيء الرب يسوع المسيح ثانيةً آمين.
كنيسة مار أفرام السرياني ـ ملبورن·
نشكر اللّه الذي أهلنا أن نقوم بهذه الزيارة الرسولية. إنني لمبتهج جداً في هذه اللحظات المباركة وقد شنّفتم آذاننا بالأناشيد السريانية التي تذكرنا دائماً بآبائنا الميامين الذين نظموها والذين ترنّموا فيها عبر الدهور والأجيال. فبارك اللّه أبناءنا الروحيين وبناتنا الروحيات أعضاء جوقة الترتيل في هذه الكنيسة، وقد سررنا أيضاً بسماعنا الكلمات الطيبة التي فاه بها عزيزنا الروحي الفاضل القس اسكندر أفرام كاهن هذه الكنيسة، وهو يذكّرنا أيضاً بجهاد آبائنا بكلماته الطيبة نرى أننا في المهجر والحمد للّه ما زلنا نكافح ونكافح، ونجاهد ونجاهد، لتستمر كنيستنا المقدّسة رغم صغر حجمها في استراليا بتقديم شهادة صالحة عما كان عليه آباؤنا من قداسة وبر وتقوى وسيرة صالحة وتمسّك بالإيمان القويم الرأي. نشكر لكم هذا الاستقبال الحافل الذي يدلّ على فرحتكم برؤية آباء الكنيسة ونتمنى من أعماق قلبنا أن يحفظكم اللّه وأولادكم بالصحة والتوفيق ويلهمكم بإرشاد الروح القدس لتثبتوا على صخرة الإيمان المستقيم الرأي غير المتزعزع وأن تكونوا مثالاً طيباً لسائر المواطنين وللمؤمنين الأفاضل الذين بإيمانهم يشهدون أن الروح القدس يصون السريان أينما حلّوا وحيثما رحلوا في حظيرة الرب يسوع. الروح يدلّهم على أنهم ينتمون إلى كنيسة عريقة بالمجد والسؤدد. يرشدهم ليحافظوا على إيمانهم القويم الرأي. ويحافظوا على لغة مسيحهم السريانية المقدسة. ليبارككم الرب أيها الأحباء ويحفظ أولادكم ويجعلكم في كل آن مفتكرين بانتمائكم إلى كنيستكم السريانية المقدسة، وليواصل الوالدون الاهتمام بأولادهم بتربيتهم التربية الصالحة ليكونوا دوماً خير شهود للمسيح ونعمته تشملكم دائماً وأبداً آمين.
كنيسة مار ملكي ـ سيدني·
أيها الأحباء أود أن أشكر كل من نظم هذه الحفلة الجميلة ومدّ هذه المائدة السخية. جئنا من بلادنا العزيزة من وطننا الأم حاملين إليكم تحيات إخوة لكم بالعقيدة الإيمانية وباللغة السريانية والتراث ومحبة اللّه، كما نحمل إليكم البركات الرسولية والأدعية الخيرية لحفظكم وتوفيقكم في بلاد الغربة هذه. إن ما نرغب به إليكم ونوصيكم به كثيراً هو الحفاظ على العقائد الإيمانية التي تسلّمناها من الرسل الأطهار وتراثنا العريق وعلى لغتنا السريانية المقدسة. إننا وكل الناطقين بالسريانية شعب واحد ولغة واحدة، وإننا بتعاون تام في هذه الأيام لتوحيد صفوف هؤلاء الناس الذين ينتمون إلى كنائس عديدة مختلفة، أسأل اللّه أن يزيدكم حكمة لتفهموا تاريخكم وتفهموا أيضاً عقائدكم الإيمانية والشعبية. إن آباءنا السريان الأرثوذكس عبر الدهور والأجيال حافظوا على تراثهم العريق المقدس، أتخيل الآن أمامي أدوار التاريخ المدني والكنسي وأرى كيف أن العديد من الذين كانوا أعضاء في كنيستنا يشاركوننا عقائدنا الإيمانية ومحبتنا للغتنا السريانية قد تركونا وانتموا إلى كنائس أخرى وأضاعوا الكثير من تراثنا ومن عقائدنا وطقوسنا الدينية والشعبية. إن الانشقاقات التي جرت في صفوف هذه الأمة كانت المصيبة الأليمة فقد فرّقنا الغرباء وشتتونا وحاولوا أن يقسمونا على أنفسنا وقد نجحوا، ولكن آباءنا الميامين حدّدوا هويتنا وحافظوا على لغتنا التي صمدت أمام لغات أخرى غريبة مندحرة والتجأت إلى الأديرة لكي تبقى حية وستبقى إلى الأبد. هل من الإنصاف نحن الذين هربنا من الوطن الأم إلى المهجر ونتنعّم فيه أن نغمط حق أولئك الرهبان والآباء القديسين الذين حافظوا على اللغة وحافظوا على الكيان وحافظوا على تراثنا الشعبي؟ بدلاً من أن نبجّل هؤلاء الآباء ونقتدي بهم لأنهم تحمّلوا كثيراً في سبيل الحفاظ على تراثنا، ولغتنا، وعلى تاريخنا. نغمط حقهم ونتهور بإدانتهم. نحن في المهجر أصبحنا مشتتين وغافلين عن العوامل التي تذيبنا وكنائسنا ونوادينا في مجتمعات غريبة. إنني بعدما استمعت إلى هذه الترانيم والأناشيد الشعبية الممتازة ورأينا شاباتنا وشبابنا متحمسين جداً للحفاظ على لغتنا امتلأ قلبي رجاء بمستقبلنا بالمهجر. ليت الناس الذين يدَّعون انتماءهم إلى أمتنا العظيمة يقتدون بأولئك الذين يحاولون الحفاظ على تراثنا، ربما تستغربون أنني سررت جداً أيضاً بالفعاليات التي قام بها بعض شبابنا وشاباتنا، ولكن هناك شيء مهم جداً هو أنّ علينا أن نكون عقلانيين وأن نسلك بحكمة، حقاً إننا نحب لغتنا حتى أنني عندما أتكلّم عن الإيمان أعتبره الأول والأهم في حياتنا كمسيحيين ونحن كسريان يلي الإيمان عندنا بالمقام لسان آبائنا السريان اللغة السريانية المقدّسة. ولكن ليس من الحكمة أن نتعصّب ضدّ اللغات الأخرى، هذا جهل. فعلينا أن نتعلّم لغات عديدة وننصت إلى الناس يتكلّمون بها، علينا أن نؤمن أيضاً أننا كمنتمين إلى اللغة السريانية الطقسية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية نحن أقليات بين شعوب عديدة ولغات عديدة. يروق لي من هذا المكان المبارك أن أثني جزيل الثناء على نيافة أخينا الحبر الجليل مار طيمثاوس صموئيل أقطاش مطران طور عبدين وعلى أولادنا الرهبان والراهبات والكهنة والشعب الصامد المبارك في طورعبدين، الذين ثبتوا ولا يزالون يتحمّلون المشقات في سبيل الثبات على الإيمان والحفاظ على التراث والأماكن المقدسة. علينا أن نذكر المشقات التي مرّ بها آباؤنا حتى أنهم سفكوا دماءهم في سبيل الحفاظ على تراثنا وإنني لمتأسف جداً أن أسمع أحد المتهورين يقول بأن الآباء الروحيين هم الذين ظلمونا وهم الذين ضيّعوا تراثنا. فمثل هذا ضال ومضل. وعلينا أيها الأحباء أن نتبع خطوات آبائنا الميامين ومثلهم نثبت على مبادئنا الإيمانية وتراثنا الشعبي إن كنّا في الوطن أو كنا في المهجر، وتأكّدوا أن آباء الكنيسة يسعون إلى وحدة الناطقين بالسريانية، وإن اجتماعات عديدة تعقد لكل الناطقين بالسريانية من السريان والكلدان والآثوريين والموارنة أيضاً. لذلك نأمل أن يكون التعاون تاماً بين الكنيسة وبين هذه الشعوب الناطقة بالسريانية ليأتي اليوم الذي نشعر فيه أننا أولاد أولئك الأبطال الذين ثبتوا على الإيمان وحافظوا على التراث وسيبقون إلى الأبد محافظين عليه. نحن في الشرق الآن نتعاون حتى مع المنتمين إلى الأديان الأخرى لما فيه العيش المشترك والمحبة والوحدة الوطنية في أوطاننا. أكرر شكري لكم جميعاً على الكلمات الطيبة التي فاه بها بعضكم وعلى هذا الحفل المبارك في هذه الأمسية الجميلة، وليبارككم الرب لتواصلوا هذه النشاطات التي نحبها ونعتز بها. والنعمة معكم.
لقاء مع أبناء الكنائس السريانية في سيدني·
أيها الحفل الكريم:
باسمي واسم صاحبي النيافة مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي للدراسات السريانية العليا، والمطران مار ديونيسيوس عيسى كوربوز النائب البطريركي في ألمانيا، والابوين العزيزين الربان قرياقس السكرتير البطريركي الأول والربان إيليا السكرتير البطريركي الثاني، أقدم الشكر الجزيل لأبنائي كهنة كنائس سيدني وفي مقدمتهم الأب زكريا زيتون. يهمّني جداً أن أعلن لكم بشرى تقديمنا إياه بين الكهنة وتقليده الصليب المقدس غداً. ونقدم شكرنا لكل من شارك من المؤسسات والجمعيات في هذه المنطقة وفي وولنكون وملبورن الذين جاؤوا ليشاركوا بهذه المأدبة التكريمية الفاخرة.
لقد امتلأ قلبي بهجة وغمرني السرور برؤية وجوهكم الباشة الهاشة، وهذا الجمع العزيز الذي جاء باتفاق ومحبة لتكريمنا. المحبة هي كل شيء في ديننا المسيحي. فالمحبة هي علامة من يتبع المسيح ويعبده بالروح والحق، «بهذا يعرفكم الناس أنكم تلاميذي إن أحببتم بعضكم بعضاً»(يو13: 35). لقد جئتم إلى هذه البلاد خاليي الوفاض وجاهدتم جهاداً حسناً، ويوم جئتم كنتم جماعة قليلة العَدد والعُدَد وكوّنتم من أنفسكم جماعة من المؤمنين وكافحتم في سبيل البقاء والنجاح في الحياة، وما بين مد وجزر كانت العلاقات تتأرجح بين العائلات أولاً وبين الكنائس ثانياً ثم تقوّت حيث أن المحبة انتصرت وأصبحتم عائلة واحدة. وأتمنى من كل قلبي أن تكونوا كذلك، فإذا نشب أي خلاف بينكم لسبب اقتصادي أو اجتماعي أو غير ذلك نأمل أن يزول بسرعة ليبقى جسد المسيح المبارك المقدس في استراليا الذي هو أنتم سليماً وقوياً. أجل إننا عندما نقوم بزيارة رسولية لأبنائنا الروحيين في المهجر، نتذكر عادة آباءنا القديسين في العصور المسيحية الأولى الذين حملوا مشعل الإنجيل المقدس إلى العالم أجمع.
إن للروح القدس طرقاً عديدة وأساليب شتى في إرشادنا للحق وتفكيرنا بتعاليم الرب يسوع المسيح ونشر هذه التعاليم والكرازة بالإنجيل المقدّس إتماماً لأمره إلى رسله الأطهار وتلاميذه الأبرار ولنا جميعاً أن «اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها»(مر16: 15). وأرى أن هجرة أبنائنا السريان في هذا الجيل إلى أماكن عديدة هي رسالة من الروح القدس. الروح القدس يريدنا أن نكون كآبائنا أن نحمل الإنجيل إلى العالم كله. يريدنا في هذه الأيام وقد كاد نور الإيمان أن يخبو في قلوب العديد من الشعوب التي كانت تدعى مسيحية، فعلينا أن نكون شهوداً للمسيح، وهذه مسؤولية كبيرة علينا جميعاً، أن ننشر الإيمان السرياني الأرثوذكسي القويم الرأي الذي ورثناه من آبائنا الميامين. أن ننشر لغة مسيحنا المقدسة اللغة السريانية بين شعوب لا يعرف أكثرها أن الرب يسوع تكلّم باللغة السريانية الآرامية خلال تدبيره الإلهي بالجسد. أن نعلّم أولادنا أصول ديننا السرياني المسيحي، وأن نربيهم التربية المسيحية الصالحة ليكونوا مؤمنين صالحين في كنيستهم السريانية ومواطنين صالحين لبلدهم الجديد استراليا.
إن الروح القدس يرشدنا إلى ذلك، ويذكّرنا أن آباءنا بحماس وغيرة رسولية استطاعوا أن يخضعوا العالم الوثني واليهودي للدين المسيحي. آباؤنا كانوا مؤمنين بالحياة الأبدية واستطاعوا أن يقنعوا آلافاً مؤلّفة من الناس أن يؤمنوا بذلك أيضاً. آباؤنا كانوا ذوي سيرة مسيحية صالحة فهم أبناء أنطاكية. الذين لصدقهم ونقاء سيرتهم سمّوا مسيحيين أولاً في أنطاكية. آباؤنا برهنوا على ثمرة إيمانهم بترفّعهم عن أباطيل العالم وتقديمهم أعناقهم في سبيل الحفاظ على الإيمان بالمسيح يسوع ابن الله.
كم قسا الدهر على هذه الكنيسة المقدسة، ولكنها وقد تأسّست على صخرة الإيمان بالمسيح ابن اللّه الوحيد بقيت صامدة وستبقى ثابتة إلى الأبد. نحمد اللّه أننا نجد شباباً مؤمنين مهذّبين يفتخرون بكنيستهم السريانية الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم، وتحقق وعد الرب للكنيسة بآن أبواب الجحيم لن تقوى عليها. فإذا كنا مؤمنين بأن المسيح ربنا في وسطها فلن تتزعزع أبداً. علينا أن نتمسّك به ليكون معنا كما يقول الكتاب المقدس عن يوسف الصديق أن اللّه كان معه وكل ما كان يصنعه أي يوسف كان اللّه معه.
إن الخطر الفظيع الذي يكتنفنا هو أننا نجهل معنى الحرية، فإن كنا نؤمن بالمسيح إيماناً متيناً ونحفظ وصاياه نفهم أن الحرية هي حفظ القانون، فنحن أحرار بالمسيح. فقد حررنا المسيح من أعدائنا إبليس والموت والخطية، وأصبحنا أبناء للّه حسب وصيته. لتكن شريعة اللّه حصناً حصيناً لنا ولأبنائنا لكي تبقى بركة المسيح في دورنا وأماكن خدمتنا وعبادتنا حتى نبقى أبناء له بالنعمة. أكرر شكري لكم على هذه المأدبة الفاخرة التي أقمتموها تكريماً لنا، وأتمنى أن تمتلئ قلوبنا بالمحبة والنعمة معكم.
كنيسة مار توما ـ وولنكون·
نشكر اللّه شكراً جزيلاً على هذه الفرصة التي أتاحها لنا بتقديس هذه الكنيسة المباركة والاحتفال بالقداس الإلهي في هذا الصباح المبارك، يعاوننا في ذلك صاحبا النيافة الحبران الجليلان مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي لشؤون الدراسات السريانية العليا ومار ديونيسيوس عيسى كوربوز النائب البطريركي في ألمانيا ومعنا أيضاً كاتبا البطريركية الأب الربان قرياقس السكرتير الأول والأب الربان إيليا باهي السكرتير الثاني. فباسمهم جميعاً وباسم الآباء أحبائنا وأبنائنا الروحيين الكهنة والشمامسة واسم أولئك الذين جاءوا إلى ولونكونغ من أماكن عديدة في استراليا أهنّئ إخوتهم الذين اهتموا أن تكون لنا كنيسة في ولونكونغ. وبذلك تحقق الحلم الجميل الذي راودنا منذ أمد بعيد، وقدّسنا كنيسة سريانية أرثوذكسية في هذه البلدة. عندما أسس الرب كنيسته وكانت تتألف فقط من اثني عشر رسولاً وبعض التلاميذ أسسها على صخرة الإيمان المبدأ السامي الذي أوحته السماء إلى الرسول بطرس إذ قال الرب لبطرس: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. فإيمان بطرس بالمسيح يسوع أنه ابن اللّه الحي، هذا هو أساس الكنيسة. كلنا أولاد اللّه وقد ظهر أولاد اللّه أيضاً في العهد القديم ولكن المسيح هو ابن اللّه الوحيد هو الكلمة الذي تجسّد هو اللّه ظهر في الجسد. وهو مساوٍ في الجوهر للآب السماوي والروح القدس، أقول ذلك لأن العديد من الناس في أماكن عديدة في عالمنا اليوم ينكرون بنوة المسيح الطبيعية للّه الآب ومساواته له بالجوهر. ويعتبرونه كأحد الأنبياء أو كأحد أولاد اللّه بالنعمة. وإن العديد من الناس لا يدركون جيداً المعنى الروحي العميق من عبارة الرسول بطرس للمسيح: أنت هو المسيح ابن اللّه الحي، فلو قصد بطرس أنه أحد أولاد اللّه بالنعمة لما استحق أن يقول له الرب: «طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»(مت16: 17و18). على هذا المبدأ الإلهي والعقيدة الإيمانية أسست الكنيسة، وتتمسك الكنيسة بإيمانها لأنها ترى بالمسيح الذي هو ابن اللّه الوحيد قد تجسّد من الروح القدس والعذراء مريم وولد بالجسد أما ميلاده الأزلي فهو من الآب السماوي. وبتجسّده وآلامه وصلبه وموته وقيامته قد فدانا حيث صار كفارة عن خطايانا وبرّرنا وقدّسنا وجعلنا أولاداً للّه بالنعمة. ومن لا يؤمن ويتمسّك بهذه العقيدة، فهو ليس عضواً في هذه الكنيسة المقدسة. والكنيسة ليست مؤسسة اجتماعية دنيوية، وإنما هي مؤسسة إلهية ولذلك أعطى السيد المسيح السلطان لبطرس لحلّ الخطايا وربطها، وأعطاه مفاتيح أبواب السماء وهذه المفاتيح تعني القوة والسلطة العليا للإنسان الذي يستحق أن ينالها من اللّه. إنّ بطرس هامة الرسل، وقد منح الرب الرسل أيضاً مجتمعين سلطان الحل والربط في الأرض والسماء، وقد مارس بطرس وسائر الرسل هذا السلطان عبر الدهور والأجيال بشخص خلفائهم الشرعيين وأعطى المسيح قوة للكنيسة الثابتة على الإيمان به وأن أبواب الهاوية لن تقوى عليها أبداً، والأبواب تعني أيضاً السلطة، والعديد منكم كان قد سمع عن الباب العالي أي السلطة العليا في حكومة ما، كذلك هذه الأبواب الروحية التي نالها الرسل الأطهار وخلفاؤهم لا تستطيع قوة الأبالسة مهما ظهرت للناس شديدة لا تستطيع أن تقهر الكنيسة. إن الممالك والأمم وأعداء المسيح حاولوا منذ بدء تأسيس الكنيسة ويحاولون إلى اليوم إبادتها وخداع أبنائها وجذبهم إلى الضلالة ولكنهم فاشلون لأن المسيح وسط كنيسته وهو رأسها وصخرتها وستبقى ثابتة إلى الأبد. وكل عضو في الكنيسة هو خلية حية طالما هو مرتبط في جسم المسيح السري التي هي الكنيسة ويرأس هذا الجسم المسيح يسوع ربنا. ولكن إذا أنكر الإيمان بالمسيح ولم يعترف أن المسيح هو ابن اللّه الحي ولم يعترف أنّ المسيح مات لأجلنا، فدانا بدمه وقام في اليوم الثالث وأقامنا معه وانتصرنا معه على أعداء البشرية. أصبح ذلك العضو كالغصن الذي انفصل عن جذع الكرمة فييبس ثم يطرح للنار. لقد تألّمت جداً عندما بلغني أن المضلّين خدعوا أقليّة ضئيلة منكم فتمسّكوا بالسبت اليهودي وتركوا حفظ يوم الأحد المسيحي ولهؤلاء أقول إن من لم يعترف أن الرسل بسلطانهم الإلهي قد ألغوا حفظ السبت اليهودي البائد الزائل وأمروا بحفظ يوم الأحد اليوم الذي قام فيه الرب يسوع من بين الأموات وكتب لنا ـ نحن المؤمنين به ـ عهداً أبدياً أن نصير أولاد اللّه بالنعمة. فمن لا يعترف بذلك هو غريب عن الكنيسة المسيحية بل غريب عن المسيح. فيوم الأحد المقدس علامة العهد بيننا وبين المسيح الفادي الذي أعطانا النصر على أعداء البشرية، فمن لا يحفظ يوم الأحد ويحفظ السبت هو غريب عن المسيح ربنا وعن كنيسته المقدسة. إن السلطة التي أعطاها الرب للرسل هي سلطة إلهية، وبهذه السلطة استحق الرسل أن يحلّوا ويربطوا، وقد مارسوها في تحديد قوانين الإيمان، نرى مثلاً الختان الذي كان عهداً بين ابراهيم أبي الآباء وبين اللّه وبين الشعب الذي له ناموس موسى وبين اللّه أيضاً، هذا الختان قد ألغاه الرسل الأطهار وتمسّكوا بالمعمودية التي سنّها الرب يسوع بعماده، وأمر الرسل أن يعمدوا المؤمنين به بقوله: من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن. فيجب على كل من ينتمي إليه أن يؤمن ويعتمد وإلا يكون هالكاً. فبسلطان الرسل الأطهار قد ألغي الختان وأخذت المعمودية دورها كباب للمسيحية. ولذلك استطاع الرسول بولس أن يقول بكل ثقة: «لئن اختتنتم فالمسيح لا ينفعكم شيئاً»(غلا5: 2). وهكذا أُلغي السبت وكان عدم حفظ الرب يسوع للسبت أحد الأسباب التي جعلها اليهود كإخماد لضمائرهم لتقديمه للصلب والموت، قال الرب إن السبت وُجِد لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت وأن الرب هو رب السبت. والرسل وتلاميذ الرسل الآباء الرسوليون، إغناطيوس الذي استشهد سنة 103 وهو ثالث بطاركة أنطاكية يكتب إلى الكنائس أن تحفظ يوم الأحد. إذا كنا أعضاء حية في جسم المسيح وأغصاناً في الكرمة التي هي المسيح يجب أن نبقى مرتبطين كلياً بهذه الكرمة في الرب يسوع المسيح متمسكين بعقائده السامية. نحن كنيسة أنطاكية، التي أسسها الرسول بطرس هامة الرسل الذي اعترف أن المسيح هو ابن اللّه، وسنبقى إلى الأبد متمسّكين بالإيمان بالمسيح كما فاه به الرسول بطرس لأنها العقيدة التي أعلنت له من السماء ونبقى مثل آبائنا الأنطاكيين كما يذكر سفر أعمال الرسل متمسّكين أيضاً بالسيرة الفاضلة بالاستقامة، بالمحبة خاصة، للناس جميعاً، للّه أولاً وللناس جميعاً. إن هامة الرسل بطرس وخلفاءه وسائر الآباء القديسين قد سلّمونا الأسرار المقدسة كافة والنعم التي استحقها كل من يؤمن بالمسيح وهي ثابتة في الكنيسة. نحن في كنيسة أنطاكية، كلنا إخوة في المسيح، ولدنا جميعاً من جرن المعمودية المقدسة ونلنا موهبة الروح القدس بوساطة الميرون المقدس الذي يقدّسه أبو الكنيسة العام البطريرك ويعاونه بذلك الأساقفة والمطارنة. نحن الذين نلنا المواهب السامية من اللّه من خلال الأسرار المقدسة يجب أن نثبت على إيمان آبائنا، كل المؤمنين هم كنيسة والبنيان أيضاً كنيسة، هذا المبنى نسمّيه كنيسة، كما أن كل عضو فيه هو كنيسة بحسب تعاليم مار أفرام الذي يقول لنا: ليكن جسمك كنيسة أما ذهنك وعقلك فهو مذبح. فبمناسبة تقديس هذا المبنى ليكون كنيسة للّه لتمجيده تعالى وليكون أيضاً مصنعاً لصنع المؤمنين، المؤمنين الصالحين في هذه المناسبة لنتذكر قول الرسول بولس أننا هياكل اللّه وروح اللّه حالّ فينا. فلننق أجسامنا وأذهاننا وأرواحنا من كل شر، ولنتب إلى اللّه في هذه المناسبة المقدسة ليبقى روح اللّه فينا ولنجدّد عهدنا معه تعالى متمسّكين بالإيمان السرياني الأرثوذكسي الذي تسلّمناه من آبائنا القديسين غير حائدين عنه قيد أنملة ليكون كل واحد منا كنيسة مقدسة تمجد اسم اللّه القدوس. أكرر تهنئتي لكل من تعب واهتم بشراء هذا المبنى المبارك فصار كنيسة للرب في هذا الصباح المبارك. نسأل الرب أن يستجيب صلوات كل من يصلّي بإيمان في هذه الكنيسة المقدسة، وأن يتقبّل الرب القرابين التي يقدّمها الكهنة على مذبح هذه الكنيسة، ليعوّض اللّه لكل من قدّم ويقدّم واشترك ويشترك في إقامة هذه الكنيسة المقدسة مادياً ومعنوياً وروحياً. ليحفظ الرب أولادكم ليكونوا هم أيضاً مثلكم كنائس للرب طاهرة ونقية وليرحم أمواتكم المؤمنين بنعمته.
أيّها الأحباء: تقدّم إلينا اليوم أحد فتيان هذه الكنيسة ملتمساً أن يرسم شماساً قارئاً. ربما تستغربون أنه لأجل فتى واحد نقوم بمراسم طقس رسامة القارئ. إنني كأب عام للسريان في العالم أجمع، يبتهج قلبي بلقائي بأبناء شعبنا المبارك وخاصة الفتيان، والفتيات، فهم في قلبي وفي فكري، وموضع اهتمامي في صلاتي دائماً، دائماً أوصي الوالدين بأن يهتموا بأبنائهم ويربّوهم التربية المسيحية السريانية الأرثوذكسية الصالحة. وطالما تقدم هذا الفتى الذي لا أعرف اسمه ولا أعرف أهله، أعرف أنه فتى سرياني أرثوذكسي يرغب في خدمة هيكل الرب، وأشعر أنّه مدفوع من الروح القدس، وتلبيةً لرغبته أقوم برسامته الآن شماساً قارئاً على الرغم من شدة الحر وضيق الوقت مهنّئاً إيّاه وأهله طالباً من الرب أن يجعل منه ثمرة صالحة لخدمة الكنيسة. ليلهمكم الرب لتربوا أولادكم التربية الصالحة وترغّبوهم في خدمة مذابح الرب لتنالوا أجراً عظيماً من اللّه آمين.
كنيسة مار أفرام السرياني ـ ملبورن
نشكر اللّه الذي أهلنا أن نقوم بهذه الزيارة الرسولية ومعنا صاحبا النيافة الحبران الجليلان الأخوان العزيزان مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي للثقافة السريانية العليا والتاريخية للكنيسة السريانية ونيافة الحبر الجليل الأخ العزيز مار ديونيسيوس عيسى كوربوز النائب البطريركي في ألمانيا وكذلك يرافقنا الابنان الروحيان الفاضلان الربان قرياقس السكرتير البطريركي الأول والربان إيليا باهي السكرتير البطريركي الثاني. مشقة السفر معروفة لدى العديد منكم ولكن بالحقيقة ننسى الأتعاب عندما نتطلع إلى وجوهكم الباشة التي تدل على ما يعمر قلوبكم الكبيرة السريانية الطاهرة النقية من محبة للكنيسة وأحبارها وخدامها. إنني لمبتهج جداً في هذه اللحظات المباركة وقد شنّفتم آذاننا بالأناشيد السريانية التي تذكرنا دائماً بآبائنا الميامين الذين نظموها والذين ترنّموا فيها عبر الدهور والأجيال. وبسماعنا الكلمات الطيبة التي فاه بها عزيزنا الروحي الفاضل القس اسكندر أفرام راعي هذه الكنيسة، وإننا في هذه اللحظات وهو يذكّرنا أيضاً بجهاد آبائنا بكلماته الطيبة نرى أننا في المهجر والحمد للّه ما زلنا نكافح ونكافح، ونجاهد ونجاهد، باستمرارية لا البقاء فقط بل الحياة ونرى أن الكنيسة المقدسة رغم صغر حجمها في المهجر ولكنها تقدم شهادة صالحة عما كان عليه آباؤنا من قداسة وبر وتقوى وسيرة صالحة إلى جانب تمسّكهم بالإيمان القويم الرأي. إنني وصحبي الكرام الأحبار والآباء نشكر لكم هذا الاستقبال الحافل الذي إن دلّ إنما يدلّ على فرحتكم برؤية آباء الكنيسة ونتمنى من أعماق قلبنا أن يديم اللّه عليكم وعلى أولادكم الصحة والتوفيق ويلهمكم بإرشاد الروح القدس لتثبتوا على صخرة الإيمان المستقيم الرأي غير المتزعزع وأن تكونوا مثالاً طيباً في هذه البلاد لسائر المواطنين وللمؤمنين الأفاضل الذين بإيمانهم يشهدون أن المسيحية ستبقى حية إلى الأبد وأن المسيحي بكنيسته المسيحية وأن الروح القدس مع السريان أينما حلّوا وحيثما رحلوا حقاً أينما رحلوا وحيثما حلّوا فهم خاضعون للروح القدس وإرشادات الروح القدس. الروح يدلّهم على أنهم ينتمون إلى كنيسة عريقة بالمجد والسؤدد. الروح يدلهم على أنهم يجب أن يحافظوا على إيمانهم المستقيم الرأي. والروح يدلّهم على أن من واجبهم الأهم أن يحافظوا على لغة مسيحهم السريانية المقدسة لأن مسؤوليتهم عظيمة في هذا الميدان. ليبارككم الرب أيها الأحباء ويحفظ أولادكم ويجعلكم في كل آن مفتكرين بانتمائكم إلى كنيستكم السريانية المقدسة، وليواصل الآباء الاهتمام بأولادهم بتربيتهم التربية الصالحة ليكونوا دوماً خير شهود للمسيح في الكنيسة السريانية المقدسة ونعمته تشملكم دائماً وأبداً آمين.
كنيسة مار أفرام السرياني في ملبورن·
أيها الأحباء لشدة الحر والإزعاج أختصر كلمتي على شكركم جميعاً لمشاركتكم إيانا في هذا الحفل الروحي وأدعو إلى الرب الإله الذي تواضع جداً إذ لبس جسدنا وصار واحداً منا وجرب في كل شيء عدا الخطية الذي تقدّم في مثل هذا اليوم ليعتمد من عبده يوحنا ليكمّل كل برّ كما قال ليوحنا بر التواضع أسأل هذا الإله العظيم ربنا يسوع المسيح الذي أعلن لنا على الأردن عقيدة الثالوث الأقدس وشرّع فريضة المعمودية الذي افتتح رسالته الإلهية العلنية بالجسد بنيل العماد المقدس وجعل المعمودية باباً لندخل منه إلى ديننا المسيحي المبين لنكون أولاداً للّه وإخوة للرب يسوع المسيح. أسأله أن يبارككم جميعاً في هذه اللحظات. يبارك الذين اشتركوا بحسب تقاليدنا السريانية العريقة بنيل النعمة الإلهية وحمل القنينة ممثلين بذلك يوحنا المعمدان عرّاب السيد المسيح وإشبينه ليبارك الرب الطفل المحبوب الشماس يعقوب بن سمير ماسه الذي مثّل يوحنا المعمدان في هذا الطقس المقدس ليعطه الرب أن يكون شاهداً للمسيح كما شهد يوحنا المعمدان وليبارك والديه وأخاه وأخته وكل من له غيرة وشهامة ومحبة لكنيسة اللّه وعضدها بسخاء. كما إنني يروق لي أن أهنئ الذين تقدموا ونالوا رتبة الشماسية الصغيرة الرتبة الأصغر وهي المرتل ثم القارئ وقد فوجئت أنني رسمتهم جميعاً قراء إذ قدّموا إليّ وكل حامل هراره بغيرة ومحبة واندفاع على الرغم من صغر سنهم. فليكن اللّه الإله الذي تجسّد الإله الذي أحب الأطفال وقال دعوا الأطفال يأتون إليّ لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات. ليكن إلهنا حارساً لهم وليرسل روحه القدوس ليرشدهم إلى تعاليمه المقدسة. وكما أننا نكون مسؤولين على تربية أولادنا التربية المسيحية الصالحة إذ نحن نقدّمهم وهم صغار لنيل المعمودية المقدسة وكذلك فالكاهن والآباء والأمهات مسؤولون عن تدريب وتعليم هؤلاء الشمامسة الصغار لكي يخدموا هيكل الرب بطهر ونقاء وحكمة ومعرفة، وليبارككم الرب جميعاً ونعمته تشملكم دائماً وأبداً وكل عام وأنتم بخير.
كنيسة مار ملكي ـ سيدني·
من دواعي بهجتنا وسرورنا أن نحتفل بالقداس الإلهي في هذه الكنيسة خلال زيارتنا الرسولية لهذه البلاد التي يرافقنا فيها صاحبا النيافة الحبران الجليلان المطرانان مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي لشؤون الثقافة السريانية العليا والدراسات اللاهوتية السامية في الكنيسة ومار ديونيسيوس عيسى كوربوز النائب البطريركي في ألمانيا والراهبان الفاضلان الربان قرياقس السكرتير الأول للبطريركية والربان الربان إيليا السكرتير الثاني. وإننا مبتهجون جداً أن نراكم بصحة وعافية وتوفيق ونثني جزيل الثناء على ابننا الروحي الفاضل الربان ملكي الذي يخدمكم روحياً بتواضع وعفة ونشاط. كما نشكر أعضاء المجلس الملي ونشكر الشمامسة وسائر أبناء هذه الكنيسة كنيسة مار كبرئيل العزيزة على قلبنا الأبوي.
نعيّد في هذا المساء بدء عيد السيدة العذراء لبركة الزروع وعادة نبدأ نحن اليوم من مساء اليوم، ونحن نعيّد دائماً بحسب طقسنا من مساء أو ليلة ذلك اليوم. والفصل الذي تلي على مسامعكم في بدء القداس هو الإنجيل بحسب متى، فيه يذكر الرب يسوع مثل الزرع والزارع بل مثل البقاع أي قطع الأرض الأربع. قال الرب وهو راكب في السفينة وجمهور الناس واقفون على ضفاف البحيرة، قال: خرج الزارع ليزرع. لعله رأى زارعاً يبذر البذور فأشار إليه، وحسب ما يقول آباء الكنيسة إنه للمرة الأولى يضرب الرب مثلاً بعد خدمة عشرين شهراً لتدبيره الإلهي العلني بالجسد. خرج الزارع ليزرع سقط البعض على الطريق فجاءت طيور السماء وأكلته، وسقط البعض الآخر على الصخر وإذ لم يكن له عمق أرض نبت حالاً وعندما أشرقت الشمس احترق. وسقط البعض الآخر بين الشوك فنبت الشوك وخنقه، أما البعض الأخير فقد سقط في الأرض الصالحة فنبت وأعطى ثماراً الواحد ثلاثين والآخر ستين والآخر مائة. نلخّص تفسير المثل أن البذار هي كلمة اللّه، والزارع هو كل من يرسل من اللّه ليبذر كلمة اللّه في مسامع الناس، وقد كلّم اللّه كما يقول الرسول بولس الناس والعالم بطرق وأساليب عديدة وقد أرسل أنبياء كثيرين أيضاً بالعهد القديم وأخيراً تكلّم بابنه وأرسله لخلاصنا، والابن أعطى سلطاناً لتلاميذه الرسل الاثني عشر ولتلاميذه السبعين وخرجوا إلى العالم يبذرون بذور الإنجيل المقدس. وصادفهم من الفشل والنجاح ما توقّعه الرب عندما كان يبذر بذار الإنجيل في آذان سامعيه في جيله ذلك. كانت البذور صالحة، وكان الزارع ناجحاً، والبذور التي سقطت على الطريق لم يكن فيها شيء غير صالح ولكن الطريق لم يكن صالحاً لتنبت البذور فيه. وهذا الطريق ليس الطريق العام الذي نعرفه بل الطريق الذي يكون بين الحقول كما تعرفون، وهذه الطرق يدوسها الإنسان وتدوسها البهائم أيضاً، وقلوب الناس التي تداس من غير الروحيين والروحيات بل من الجسديين والجسديات تشبه تلك الطرق. إن التي تمتلئ بهذه الأفكار السيئة لا يمكن أن ينبت فيها بذرة الإيمان، فإذا ما سقط ذلك الزرع نتيجة موعظة، نتيجة تعليم، نتيجة حضور القداس الإلهي يأتي إبليس ويخطفها، والطيور التي قال عنها الرب تمثّل إبليس كما شرح لنا الرب ذلك المثل. بأيام التدبير الإلهي العلني للرب يسوع بالجسد، كان الكهنة والفريسيون والعديد من اليهود قد ملأوا قلوبهم بالحقد ملأوها بآراء فاسدة عن الرب يسوع لذلك بذار الإيمان التي بذرها الرب يسوع لم تكن لها أية فرصة لتنمو في قلوب أولئك. أما البذور التي سقطت على الأرض الصخرية، هذه الأرض كانت مليئة بالأحجار بالصخر فنبتت حالاً، ولكن عندما أشرقت الشمس أحرقتها. هكذا إن كنا عاطفيين إن كنا نصفّق لكل أمر جديد. نرى مثلاً أناساً ابتعدوا عن المسيح كشهود يهوه وغيرهم من البدع التي هي بعيدة عن الرب يسوع. إن كنا عاطفيين نقبل هذه التعاليم، وننسى البذور الصالحة التي جاءتنا من الكتاب المقدس والكنيسة الرسولية، والزرع الصالح ينمو عند العاطفيين ثم يحترق. أما الأرض التي كانت مليئة بالشوك، زرع بها وبذر بها بذور الإيمان بكلمة اللّه ولكن لا يمكن أن تنمو هذه الكلمة مع الشوك الذي يمثّل الشرّ ونما الشوك وخنق هذا الزرع الصالح. الأشواك شبهها الرب بالغنى والفقر، بهموم الغنى وهموم الفقر بآن واحد وهي أيضاً هموم الحسد والبغضة الخلافات العائلية التي تخرّب الكنيسة، فإذا أردنا أن ينمو زرع اللّه في قلبنا فعلينا أن نتجنّب هذه البذور، بذور الأشواك. أما الأرض الجيدة فعندما سقطت فيها البذور أعطت ثماراً يقول الرب ثلاثين وستين ومائة، والرب قال من له أذنان للسمع فليسمع. لا نيأس أيها الأحباء حتى لو كانت قلوبنا مثل الطريق أو كانت مثل الأرض الحجرية أو كانت مليئة أيضاً ببذور الشوك نحتاج لشيء واحد إلى أمر واحد أن نتوب إلى اللّه، ننقي نحفر بالتوبة ببذور التوبة هذه الطريق ونجعلها كسائر طرق الحقل، وننظّف أيضاً الأرض الحجرية ونجعلها صالحة لنمو البذر، كما ننظّف أيضاً الأرض المليئة بالأشواك فينمو الإيمان وكلمة اللّه تنمو في قلوبنا ونعطي الثمار الجيدة. نحن نعيّد للعذراء مريم لبركة الزروع لأنها هي الشفيعة التي تشفع فينا وتحافظ على زروعنا وتباركها، وهذا العيد عيد قديم، يقول آباؤنا: إن مار يوحنا الإنجيلي الذي سلّم الرب يسوع أمه إليه إلى يوحنا هو الذي وضع هذا العيد وعيد بركة السنابل وعيد بركة الكروم. وعندما نعيّد هذا العيد علينا أن نقتدي بالسيدة العذراء مريم، وإذا كان الرمز الزرع الذي نطلب منها أن تباركه نرى أن زرع الكلمة بمثل الرب يسوع الذي يتلى على أسماع المؤمنين في هذا العيد هو الأهم جداً. كيف تنمو هذه البذور في قلوبنا؟ علينا أن نقتدي بالعذراء مريم التي كتب عنها الإنجيل أنها كانت تحفظ هذا الكلام في قلبها بل أيضاً كانت تلهج به في قلبها، ونحن أيضاً علينا أن نقرأ الإنجيل المقدس، أن نقرأ تعاليم آبائنا القديسين بتفسير الإنجيل المقدس وأن نفتكر به لتكون بذور الإيمان نامية في قلوبنا وتعطينا ثماراً روحية. ليبارككم الرب الإله بشفاعة السيدة العذراء ويحفظكم ويحفظ أولادكم جميعاً ونعمته تشملكم دائماً وأبداً آمين.
زيارة لأبرشية الجزيرة والفرات·
أصحاب النيافة والسيادة الأحبار الأجلاء،
الكهنة الأحباء،
أيها المؤمنون:
نحمد الله حمداً جزيلاً على النعم الغزيرة التي يسكبها علينا دائماً، نحمده تعالى على هذه الفرصة الثمينة، فرصة لقياكم جميعاً. نشكره شكراً جزيلاً إذ أوصلنا بالسلامة إليكم، يرافقنا نيافة الحبر الجليل الأخ المطران مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي للدراسات السريانية العليا والربان إيليا باهي السكرتير البطريركي الثاني والربان موسى الشماني معاون ناظر كلية مار أفرام الكهنوتية في معرة صيدنايا. إننا لمسرورون جداً أن نكون بينكم، وزاد سرورنا الفوضى التي سببها ازدحام الجمهور الغفير الذي لم تستوعبه الطرقات على وسعها، والتي إنما تدلّ على محبتكم العميقة جداً لآباء الكنيسة، فنحن شعب نسير على رسلنا بلا تصنّع، يعوزنا النظام ولكن لتكن فوضى طالما المحبة العميقة موجودة.
أشكر لأخي النبيل الجليل مار أوسطاثيوس متى روهم مطران الجزيرة والفرات تنظيمه هذا الاستقبال الحافل نشكره أيضاً على الكلمات اللطيفة التي فاه بها بهذه المناسبة السعيدة. إننا لسعيدون ومغبوطون جداً أن يكون لنا مطران شاب ذو همة عالية وغيرة وقّادة وفي الوقت نفسه يتمتع بالحكمة والعلم الغزير وقد تدرّب على الإدارة الكنسية في أماكن عديدة وهو يخدم الكنيسة، وتمرّس في العلوم الدينية والمدنية وجاء مستعداً ليتسلّم دفة سفينة هذه الأبرشية العامرة تاج أبرشيات السريان في العالم أجمع. خلال مدة قصيرة فقط نهض بالأبرشية عمرانياً وعلمياً وثقافياً وعرفه الجميع وأحبه كل من عرف فضله وفضيلته على مختلف الملل والنحل. نشكر الله على هذه النعمة إذ أننا مطمئنون على أن أبرشية الجزيرة والفرات بيد أمينة مؤمنة بالله تعالى والكنيسة المقدّسة والوطن العزيز، وأن مطران الجزيرة والفرات على مستوى المسؤولية فهو يعرف أنه يقود شعباً مؤمناً إلى مروج العزة والراحة ويقوده إلى ينابيع تعاليم الإنجيل المقدس، الإنجيل الذي يعلّمنا أن علينا أن نحب وطننا كما نحب أنفسنا ونيافة المطران المثال في كل ذلك.
توقفنا لحظات في دير السيدة العذراء لنرى هذا المجد الذي بناه نيافته بعرق جبينه ودم قلبه، فقد تعب كثيراً ولكنه بهذا التعب أعطى للكنيسة عزاً وأراد أن يعيد إليها أمجادها القديمة التليدة مضيفاً إليها أمجاداً حديثة وجديدة. فأديرتنا التي كانت قد شيّدت في عهد آبائنا القدامى الميامين في هذه الأماكن تجدد في هذه الأيام في عهد رئيسنا المحبوب، الرئيس المفدى المبجل حافظ الأسد. إني لسعيد أن أراكم أحبائي ولئن كان لساعات قليلة ولكن سعادتي هذه تزداد عندما أشعر أنني بين أبنائي الروحيين الأعزاء، وهم يعتزون بكنيستهم ورؤسائها ووطنهم ورئيسه المبجّل. وإن زيارتي هذه القصيرة لكم في شهر نيسان المبارك لها دلالات عديدة، فأعيادنا الوطنية والدينية المسيحية والإسلامية في هذا الشهر المبارك. فألف تهنئة وتهنئة لكم ولرئيسنا المفدى حافظ الأسد ولأبناء الوطن على مختلف الملل والنحل بعيد ميلاد الحزب العظيم حزب البعث العربي الاشتراكي وعيد الأضحى المبارك وعيد القيامة المجيد. ونحن بفضل حكمة وسياسة ودراية رئيسنا المحبوب حافظ الأسد نشكل وحدة وطنية لا تنفصم أبداً. فالدين دائماً لله والوطن للجميع. وعيد الوطن لنا جميعاً وعيد المسلمين لنا جميعاً وعيدنا للجميع أيضاً. أتمنى لكم وللوطن العزيز أعياداً سعيدة أعادها الرب عليكم باليمن والبركة والصحة والعافية والتوفيق الجليل.
كما يروق لي أن أشكر أصحاب السيادة مطارنة الطوائف وأشكر كل من شاركهم هذا الاستقبال الحافل من إخوتنا المسلمين وكل المؤسسات من المجالس الملية والجمعيات ومراكز التربية الدينية والكشاف وكل المؤسسات السريانية في هذه المحافظة العامرة والكهنة الأحباء الذين جاؤوا أيضاً ليشاركوكم هذا الاستقبال المهيب. أشكركم أحبائي وأؤكد لكم أن ما قاله نيافة أخي الجليل مار أوسطاثيوس متى روهم وما عبّرتم عنه أيضاً أنتم عملياً من عواطف نبيلة وشعور طيب تجاه أبي الآباء وخادم خدّام المسيح إنما هذا يتعدى شخصي الضعيف إلى الشعب السرياني النبيل في كل مكان. هذا الشعب الذي يتمسّك بعقائده الدينية ويخلص لأوطانه أينما كان. هذا الشعب النبيل الذي يتمسك أيضاً بتقاليده الأبوية والرسولية ويتحلى بالفضائل المسيحية، فهو المثال الطيب لكل الناس في كل مكان. حفظكم الله وحفظهم وجعلكم أحبائي دائماً قدوة صالحة ومثالاً طيباً للمواطنين أينما كنتم وحيثما حللتم وخاصة في بلادنا العزيزة موطن كنيستنا المقدسة سورية العربية الحبيبة. أشكركم ثانية على تجشمكم عناء هذا الاستقبال الحافل الجميل ولتكن أيامكم كلها أعياداً وأفراحاً بنعمته تعالى آمين.
كنيسة الطاهرة الخارجية في الموصل·
أشكر الله دائماً أبداً، الذي يرمقنا بعين عنايته ويشملنا برعايته وحمايته في كل حين ويرسل روحه القدوس ليذكرنا بتعاليمه الإلهية وبكل ما عمله الرب وما يزال وسيبقى يعمله على هذه البسيطة ومن أجلنا نحن الذين نؤمن به ونلتجئ إليه دائماً. أشكره تعالى لأنه أهلني لأحتفل بالقداس الإلهي في هذا اليوم المبارك في هذه الكنيسة العجائبية كنيسة ذخائر القديسين كنيسة الطاهرة أمنا مريم العذراء. فإن الروح القدس في هذه اللحظات يذكّرني بأمور روحية سامية ذلك أن لهذه الكنيسة مكانة سامقة في قلبي وفكري فيها كنا مع إخوتنا تلاميذ إكليريكية مار أفرام نرفع الصلاة صباح مساء يومياً وفي أيّام صوم نينوى والصوم الأربعيني المقدّس صباحاً وظهراً ومساءً. وفيها اقتبلت الإسكيم الرهباني مع أخي صاحب النيافة مار غريغوريوس صليبا مطرانكم الجليل على يد المثلث الرحمات المطران الملفان مار غريغوريوس بولس بهنام وعندما لبست الإسكيم الرهباني قدمت نفسي للرب وعاهدته أن أكون له بكليتي وأحبه من كل قلبي وكل نفسي وكل إرادتي وأن أكرّس كل لحظة من حياتي لخدمته وتمجيد اسمه القدوس وهكذا صلبت ذاتي مع المسيح لأموت معه وأحيا معه وأكون حاملاً رسالته الإلهية. هذه الكنيسة العتيقة العريقة قد جددت فيها معالم كثيرة فبوركت همة مطرانكم الجليل فقد ربط الماضي في الحاضر وجعل من هذه الآثار القديمة المقدسة آثاراً يراها كل إنسان فيمجد الله لان في هذه الكنيسة قد رفعت صلوات لآبائنا القديسين وهذا المذبح القديم العتيق فيه قدمت قرابينه للّه الآب عن أنفس أرواح المؤمنين الراقدين كما قدمت اليوم الذبيحة عليه عن أنفس موتاكم جميعاً وسألت اللّه أن يحفظكم لكي تسلكوا كما كان آباؤكم يسلكون في عبادة الله تعالى والتمسك في الإيمان المتين الثخين الإيمان السرياني الأرثوذكسي إن ربط الحديث مع القديم ضروري جداً ويدلّ على انفتاح الكنيسة على العالم كما يدل على أن الروح القدس ماكث معنا يرشدنا إلى الصواب وهو الذي يلهم مطرانكم ليقودكم إلى مياه الحياة لكي يجدد في قلوبكم العهد مع اللّه الآب الذي عاهدناه يوم اعتمدنا ويوم سار كل واحدٍ منا وراء مسيحنا يجب علينا أن نتمسك بإيماننا كما تسلّمناه من آبائنا الذين تسلّموه من الرسل الأطهار وهو ثابت لا يتغير أبداً، وعندما نتكلّم عن التجديد والتحديث إنما نقصد أن نكلم العالم بلغة عالمنا اليوم، فالترانيم الروحية مثلاً كما سلّمنا إياها آباؤنا القديسون جميلة جداً جداً والألحان القديمة التي ورثناها من آبائنا ترفع أفكارنا وقلوبنا الى العلاء عندما نرفع صلواتنا الى الله ولكن في الوقت نفسه إن الألحان الجديدة تعطينا دفعاً خاصاً في لغة هذا العصر وتجذب شبابنا الى كنيستهم كما أننا بين القديم والحديث نرى أن الكنيسة وهي تتجدد أكثر تعلقاً وتمسكاً بعقائدها الإيمانية وتقاليد آبائها المقدسة.
أيها الأحباء: ما أجمل وأطيب أن نتمسّك بالصوم الأربعيني هذا الصوم المقدس الذي هو خير فرصة لنا لنتوب الى الله ونتأمل بحوادث الإنجيل المقدس وتعاليم ربنا يسوع المسيح. إن هذا اليوم هو الأحد السادس من الصيام والفصل الذي تلي على مسامعكم في بدء القداس كان الإصحاح التاسع من الإنجيل المقدس بحسب القديس يوحنا فيه رأينا كيف اجترح السيد المسيح أعجوبة باهرة هي إعطاء البصر للمولود أعمى وبذلك برهن على أنه حقاً الإله الذي خلقنا يوم خلق آدم أبا البشرية فقد جبله أولاً من التراب ونفخ في أنفه نسمة الحياة وإن الرب يسوع الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس هو إله حق من إله حق وقد أرسله الآب السماوي إلى العالم لخلاصنا كان قد أعلن أنه ماسيا المنتظر في الهيكل قال لليهود أنه هو الإله الحق أعلن لهم أنه جاء لخلاص العالمين فحاولوا قتله ولكي يبرهن على قدرته الإلهية وعلى صدق مطلبه بأنه ابن الله حقاً بالطبيعة هيّأ أن يلتقي به إنسان قد ولد أعمى، لم يكن هذا الأمر صدفة، كل شيء في تدابير المسيح يسوع بالجسد كان قد هيّأه له المجد لأجل خلاصنا يقول الإنجيل بأنه كان مجتازاً ورأى إنساناً قد ولد أعمى، أعمى منذ ميلاده، ولد هذا الإنسان أعمى لم يكن في وجهه موضع لعينين. بدأت هناك الدينونة وما أكثر أن يدين الإنسان أخاه الإنسان سهلٌ جداً على الإنسان أن يدين الآخرين أن يرى فيهم عيوباً في تلك الأيام وحتى أيامنا هذه نرى الإنسان يحكم على أخيه الإنسان بلا حق، التلاميذ يقولون للرب: يا سيد من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى كثيراً ما نرى الناس في مصائبهم في آلامهم في الشدائد التي تتعرض لها الجماعات والأفراد ونعتبر ذلك نتيجة خطيئة أو خطايا ارتكبوها وهي ليست كذلك. إنّ عقائد وآراء وثنية قد دخلت اليهودية منها عقيدة التناسخ، فكان العديد من اليهود يظنون أن روح الإنسان عندما تنتقل من الجسد فيموت الإنسان تنتقل الى جسدٍ أخر لتولد ثانية في هذه الحياة الدنيا لذلك سأل التلاميذ عن المولود أعمى أهذا أخطأ أم والداه حتى ولد أعمى وهم يعنون هل كانت روح هذا الأعمى في حياة ماضية قد أخطأت قبل أن تأتي الى جسد هذا الإنسان؟! هذه العقيدة السخيفة الباطلة الفانية كانت من جملة أعمال اليهود ومن جملة اليهود التلاميذ الرب يوضح لنا أن لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لكي تظهر أعمال الله فيه. ويوضح لليهود أنه ينبغي أن يعمل وأن أباه يعمل وهو يعمل أيضاً فبلَّ الطين الذي أخذه من الأرض ووضعه مكان عينيه وقال لذلك الإنسان أن يذهب الى بركة سالومة أو شالوحة التي تفسيرها مرسل ويغتسل. فذهب واغتسل وعاد بصيراً. كان بإمكان الرب يسوع المسيح بمجرد كلمة أن يخلق عينين لذلك الإنسان ولكن ذلك الإنسان لم يطلب من المسيح ان يمنحه نعمة البصر إذاً لمجد الله صنع الرب ذلك ليظهر حقاً أنه مساوٍ للآب الخالق بالجوهر، أبوه يعمل وهو يعمل وسيبقى عاملاً فينا. ذهب الأعمى واغتسل وعاد بصيراً بطاعته المسيح برهن على إيمانه بقدرة المسيح إن لم نطع وصايا الرب عبثاً نرتل عبثاً ننشد وعبثاً نصوم ونصلي إن كنا غائبين عن شريعة إلهنا كثيراً ما نكنّ لأنفسنا الشرائع ونختلق الأعذار بما نقوم به من شر أو خطيئة ونحكم على الآخرين وندينهم أهذا أخطأ أم أبواه. هكذا نفعل نحن أيضاً كالرسل أيها الأحباء ولكن المسيح ينشط إيمان الذين يعرف أنّ لهم استعداداً للإيمان فيه هكذا فعل مع الأعمى وبرهن الأعمى عن إيمانه بإطاعته أمر الرب يسوع وذهب واغتسل في بركة سلوان فعاد الأعمى بصيراً وشك فيه الناس الذين كانوا يرونه وهو أعمى يستجدي فوجئوا أن رأوه يبصر. حتى أن أبويه اللذين ولداه أعمى شكا بأمر الأعجوبة ولكنهما أكدا أنه هو هو أبنهما الذي ولد أعمى. كان اليهود بأشخاص كتبتهم وفريسيهم قد حكموا على يسوع أنه هو خاطئ لأنه يجترح معجزات يوم السبت والمسيح قد قال لهم: إن السبت قد وجد لأجل الإنسان لا الإنسان من أجل السبت وبهذا نعلم أيضاً أن كل الشرائع والسنن وجدت لأجلنا لأجل خلاصنا لأجل ترويضنا لكي نطيع شريعة الله لا أن نعبد تلك الشرائع بل أن نعمل بها من أجل تمجيد الله اعتبر المسيح خاطئاً لأنه وهو رب السبت بل رب العالم ومكونه ومبدعه وخالقه ومدبره اعتبر خاطئاً لأنه شفى ذلك الإنسان وأشفق عليه مانحاً إيّاه نعمة البصر يوم السبت. وقد حكم اليهود على كل من يؤمن بالمسيح أن يحرم من الجماعة ويطرد خارج المحلة. طرد الأعمى خارج المحلة لأنه اعترف بأن إنساناً قد جبل طيناً ووضع مكان العينين وأرسله الى بركة شالوحة فاغتسل وعاد بصيراً قالوا أن شالوحة قد منحته البصر. ويتناول آباء الكنيسة في الطقس الكنسي شرح هذه الأعجوبة الباهرة التي فصلها الإنجيل المقدس لأهميتها لأنها تختلف عن باقي المعجزات حيث أن المسيح أعطى شيئاً لإنسان لم يكن عنده من قبل أي خلق له عينين لم يكن له تلك العينان الميت الذي يقيمه الرب كانت روحه موجودة وغادرت جسده فمات ثم بقوة الرب يسوع رجعت إليه أما منح الرب يسوع للمولود أعمى نعمة البصر فقد خلق فيه شيئاً جديداً لذلك نراه يعترف بأنه نبيٌ. ويقول للفريسيين خلال حواره معهم لوكان هذا كما تقولون خاطئاً لما استطاع أن يمنحني نعمة البصر لأننا نعلم أن الله لا يسمع للخطاة حقاً الله لا يسمع للخاطئ احياناً بعض الناس بشرهم أيضاً يبدأون بالدعاء الشرير على غيرهم ويتشكك الناس لأن فلان قد دعا عليه بالشر ولكن الله لا يسمع للشرير أبداً لا يسمع للخاطئ إلا بحالة واحدة عندما يطلب الخاطئ بتوبة نصوح العودة إلى الله وبندامة كاملة يبرهن لهم الأعمى عن أن المسيح يسوع قدوسٌ وإله قدير لأنه قد أعطاه نعمة البصر دعاه أيضاً نبياً عندما طرد ذلك الأعمى من المحلة حرم وبحرمانه نال نعمة عظيمة يظهر لهم المسيح كما يقول الإنجيل المقدس وينشط عوامل إيمانه فيعترف وهو يسجد للمسيح أنه المسيح أنه هو الله ويؤمن ويعلن هذا الإيمان العزاء لنا على الأرض أيها الأحباء فإننا عندما نجاهد معترفين بالمسيح الإله، ونضطهد من أجل ذلك نرى أن المسيح يظهر لنا يكون معنا يشجعنا يقوينا إن الذي يضطهد أبناء الله يضطهد المسيح لذلك فالمسيح يظهر للمضطهد تأملوا بحادثة بولس الرسول شاول الطرسوسي عندما كان يضطهد أبناء الله المؤمنين بالمسيح يسوع كيف ظهر له الرب بطريقه من أورشليم الى دمشق لكي يعذّب المؤمنين بيسوع المسيح يقول له لماذا تضطهدني لم يكن شاول يضطهد المسيح ولم ير شاول المسيح بالجسد كما يقول التقليد ولكنه كان يضطهد أتباع المسيح طبعاً الذي يضطهد أتباع المسيح يضطهد المسيح بالذات ولذلك لا يخاف الإنسان المؤمن الذي يعترف بالمسيح يسوع إلهنا لا يخاف أبداً فهو لا يكافح ويناضل ويجاهد في إعلان المسيح ليس وحده فالمسيح معه يقويه ويعتبر اعترافه بالمسيح اعترافا بالله الأب والروح المقدس وسيعترف به المسيح أيضاً في يوم الدين.
أحبائي في هذا الأحد ونحن نقدم الصيام لله هذا الأحد السادس نستعد لاستقبال أسبوع الشعانين ثم أسبوع الآلام وجمعة الآلام ثم القيامة لنرجع إلى الرب يسوع بالتوبة ونتأمل عجائبه التي صنعها لتثبيت الناس على الإيمان لنعترف كالأعمى بيسوع المسيح ربنا لنبني أنفسنا إن كنا قد أخطأنا كما فعل إخوة يوسف وهم في شدتهم قائلين عن أنفسهم إنهم لم يرحموا أخاهم لذلك سقطوا في هذه الشدة. لا أن ندين أنفسنا مثل هؤلاء أمر جيد ولكن علينا ألاّ نسمح لأنفسنا أن ندين الآخرين فالرب أوصانا قائلاً: «لا تدينوا لكي لا تدانوا» لِنُدِن أنفسنا وبذلك نعرف أننا قد أخطأنا الى الله لنتب إليه يا أحبائي لكي ينير أعين بصائرنا وأرواحنا لنراه أمامنا ونسجد له حينذاك سنكون في ملكوت الله مع الذي ولد أعمى وأبصر واستحق أن يكون في عداد القديسين.
ليبارككم الرب الإله أيها الأحباء ويؤهلكم لتسيروا بموجب شرائعه الإلهية معترفين به دائماً أبداً إلهاً ومخلصاً ونعمته تشملكم دائماً آمين.
في الدير الكهنوتي في الموصل·
من دواعي سرورنا أن نلتقي أبناءنا الروحيين الطلاّب الإكليريكيين في الدير الكهنوتي بالموصل، ويطيب لنا أن نثني على أهلهم وعليهم لانتمائهم إلى الدير مهما كان الدافع لذلك آملين أن يسعوا لخلاص نفوسهم وبعدئذ لخلاص الأخرين. إنّ ما نهدف إليه من كل عمل تربوي نقوم به لتهيئة قيادات الكنيسة في المستقبل هو لا العلم فقط ولئن كان العلم ضرورياً ولكن العلم ليس شيئاً أساسياً لأنه أحياناً عديدة حتى العلم يغري الإنسان ويجعله أن يتكبر ويتعجرف وبدلاً من أن يكون سبب خلاصه يهلكه لأنه نحن نطمح أن نكلّم العالم بحكمة العالم بل نتكلم مع العالم كأناس أرسلوا من الله لخلاص العالم الذي تكلم عن الرسول بولس بقوة الروح القدس وباستدعاء الروح القدس وبإلهام الروح القدس الشيء الذي نحتاجه بعصرنا هذا خاصةً عصر يسمونه عصر المسكونيات وأكثرها كما نرى أنها عبارة عن ظواهر وغايات لأناس يعتبرون أنفسهم سادة على كل المسيحية ويظنون بأنّهم في هذا الأسلوب الجديد يخضعون المسيحيين لسلطتهم كل ما نحتاج إليه نحن كأناس وكّل إلينا أن نخدم كنيستنا العريقة بالمجد كنيستنا الرسولية المتمسكة بالإيمان المستقيم الرأي كنيستنا بكل تقاليدها الشريفة التي تبني النفوس ما نحتاج إليه هي الرغبة الجامحة والمحبة الصادقة بتقدم الكنيسة وإزدهارها وتهيئة نفوسنا بقوة الإنتماء الى هذه الكنيسة إذا فقدنا شعور الإنتماء الى كنيستنا فقدنا مسيحيتنا وإذا ضحّينا بأي شيء من عقائدنا نكون قد ابتعدنا عن ينابيع تعاليم المسيح. يحاولون خدع البسطاء أحياناً بلاهوت يسمونه العصري وأحياناً باسم وحدة مسيحية ويقدّمون تفاسير للكتاب المقدّس هي تعاليم جديدة يبرزونها وكأنّها موحى بها من الله والحقيقة هي تعاليم إبليس بالذات كبدع شهود يهوه، إنّهم مكشوفون ومعروفون أنهم بعيدون عن المسيحية ولئن كانوا ينتمون إلى كنائس رسولية ولكنّهم يتكلمون بأمور ليست هي من الروح القدس بل من روح إبليس أنتم كشباب تصادفون كثيرين من هؤلاء الناس قد يكونون في عداد الكهنة والمسؤولين الروحيين في كنائس شتّى تصادفوهم ولكن في الوقت نفسه تظنون أنهم متعلمون لأنهم قد حملوا شهادات، الشهادة أحياناً عديدة تكون السبب في كبرياء حاملها ووسيلة لهلاك الناس لأنه الكثير ممّن يحملون شهادتهم علم اللاهوت وهم بعيدون عن معرفة علم اللاهوت الحقيقي يحملون شهادتهم في التاريخ وهم لا يعرفون من التاريخ سوى الدجل والكذب والأمور الزائفة التي تعنيهم فقط فنحن باهتمامنا بمن سيكونون قادة في الكنيسة في المستقبل وأن يحافظوا على جوهرة الإيمان بحرص حتى لو كانت أجرة الأمانة الموت عندما أكون أميناً كما قال الرب كن أميناً الى الموت فسأعطيك إكليل الحياة إذاً إذا كنت أميناً على جوهرة إيماني أكون مستعداً حتى أن أفدي هذه الجوهرة بدمي لا نقول هذه أحياناً أمور اجتماعية غير دينية يقول الناس نفديك يا فلان بدمنا وشيء وهذه تعود الى الناس قد يقولونها بالفم قد يقولونها بالقلب لكن نحن إذا قلناها بالنسبة الى إيماننا وسلامة هذه الجوهرة التي تسلمناها من آبائنا يجب أن نقولها من أعمق أعماق قلبنا هكذا فعل آباؤنا ونحن أولاد الشهداء لو نبحث في تاريخ أسرنا نرى كيف أنّ آباءنا استشهدوا في سبيل التمسك بهذا الإيمان فإذا كنّا نفرّط بهذا الإيمان باسم وحدة مسيحية باسم محبة باسم أنّ كلنا مسيحيون الأمر الذي لا يفعله الطرف الثاني، نكون قد ابتعدنا عن ديننا. نحن نحب الجميع ونرغب أيضاً بأن يتوحد المسيحيون في سبيل تمجيد اسم المسيح لا الوحدة في أمور باطلة نحن نحب الكل وإذا ما أحببنا الكل قريبنا كنفسنا فنحن إذا ابتعدنا أيضاً عن محبة إلهنا. لكن لا يعني أن هذه المحبة سوف تجذبنا نحو الضلالة وننساق وراء أباطيل غريبة جداً عن إيماننا إذا كنا حائزين على الثقة بأنفسنا وثقة بربنا وبآبائنا والثقة بسلامة عقائدنا الإيمانية التي تسلمناها من آبائنا يجب علينا أن نكون أقوياء بالروح فخورين بالانتماء الى هذه الكنيسة كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية المقدسة والتمسك بهذا الإيمان الأرثوذكسي القويم الرأي وعدم التساهل أبداً بما يخص حقائق الإنجيل المقدس الذي تسلمناه من الآباء الميامين والذي نقول فيه أنّه الناموس والأنبياء معترفين بأسفار العهدين القديم والجديد وما تم من النبوات في المسيح يسوع مشتهى الأمم والأجيال. فإن العهد القديم يشهد للعهد الجديد بهذا فقط نكون قد بلغنا الهدف من انتمائنا إلى مؤسسة دينية كالدير الكهنوتي الذي هو مصنع للرجال الذين يخدمون الكنيسة ويكونون خدام المسيح.
نشكر نيافة أخينا المطران صليبا المشرف المباشر على الدير الكهنوتي في الموصل ونشكر صاحبي النيافة المطران لوقا والمطران سويريوس لحضورهما معنا ونشكر أعضاء اللجنة وكل من يهتم ويسعى إلى تشجيع هذه المؤسسات والرب يبارككم. والنعمة معكم.
كنيسة مار كوركيس في بحزاني·
أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء الكهنة الأحباء الشمامسة والشماسات سمو وسماحة تحسين بك وسعيد بك أمير اليزيدية في العالم أجمع أيها الحضور الكرام باسمي وباسم أصحاب النيافة مار غريغوريوس صليبا مطران الموصل وتوابعها ومار سويريوس ساكا المطران النائب البطريركي للكرازات السريانية كلها في كنيستنا السريانية في العالم ومرافقي أيضاً الأب الربان السكرتير البطريركي والأب الربان موسى الشماني المعاون والمرشد الروحي لكلية مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا أود أن أشكر من أعمق أعماق قلبي الكلمات الطيبة والبليغة التي فاه بها نيافة الحبر الجليل مار ديوسقورس لوقا شعيا مطران أبرشية دير مار متى كذلك الأب أفرام كاهن هذه الكنيسة والكلمة التي ألقيت بالنيابة عن سماحة تحسين بك أمير اليزيدية وقبل أن أوجه كلمتي أود أن أحيي رئيس البلاد وحبيب العباد سيادة الرئيس صدام حسين وأنا ألمس ثمرة محبته لهذا الشعب وتشجيعه على وحدته الوطنية إن المحبة لدينا هي كل شيء في ناموس الرب محبة الله ومحبة القريب ترجم ذلك عملياً أبناء بحزاني المباركة بدأت منذ أجيال عديدة وحتى اليوم وستبقى هذه المحبة إكليلاً يتوج رؤوسهم جميعاً وراية تخفق على كل بيت وكل دار من دورهم العامرة اليزيدية والمسيحية معاً.
ونحن نفخر ببيت القس الذين قادوا الكنيسة والشعب المبارك سنين وسنين طويلة بتوجيههم الشعب الى محبة إخوتهم اليزيدية ومحبة بعضهم بعضاً إننا نبارك هذه الدار لأنها دار كهنوتية مقدسة ونحث على الاستمرار بالمحبة ودون المحبة لا نستحق أن ندعى تلاميذ للمسيح يسوع ربنا الذي قال بكل وضوح بهذا يعرفكم الناس أنكم تلاميذي إن أحببتم بعضكم بعضاً. أيها الأحباء: أشكر لكم هذا الاستقبال الحافل وأرى الوجوه الباشة والثغور الباسمة، أرى العيون المتألقة تعبر عن صدق محبتكم للكنيسة ورجالاتها ومحبتكم للغريب كيزيدية ومسيحية وإنني لمبتهج أن أقوم بهذه الزيارة الرسولية بهذه الأيام المباركة بشهر نيسان وفي أعياد نيسان التي ذكرت وأذكرها ثانيةً لأقدم التهاني القلبية للسلطة وللشعب جميعاً بعيد ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي نقدم التهاني القلبية لإخوتنا المسلمين بعيد الأضحى المبارك نقدم التهاني القلبية لإخوتنا اليزيدية بعيد رأس السنة وأقدم التهاني القلبية للمسيحين كافة بعيد الفصح المجيد اعاد الله عليكم جميعاً وعلى وطننا العراق الحبيب رئيساً وجيشاً باسلاً وحكومة رشيدة وشعباً بطلاً مباركاً أعاده عليكم الرب الإله هذه الأعياد وأنتم رافلون بثياب العافية والصحة والتوفيق الجليل والنصر لعراقنا الحبيب لكم شكري جميعاً متمنياً لكم أياماً طيبة سائلاً الله ان يجعل زيارة ضعفي لهذه القرية المباركة سبب بركة باقية ثابتة لا تزول ونعمة الرب تشملكم أجمعين.
كنيسة مارت شموني في بعشيقة·
«من لم يأكل جسد ابن الإنسان ويشرب دمه ليس له حياة فيه»
جسد الرب ودمه سر القربان المقدس نعمة إلهية أعطانا إياها الرب يسوع تحمل استمرارية ذبيحة الصليب ذبيحة الفداء ذبيحة الخلاص ولها قوتها لأن الرب يريدنا أن نجدد كل حين العهد الذي قطعه مع الآب بسفك دمه الثمين عن البشرية الرب يسوع مهّد عقول الذين عاصروه من اليهود خاصة التلاميذ الأبرار والرسل الأطهار لتقبل حقيقة القربان المقدس كان قد اجترح أعجوبة باهرة أشبع خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال بخمسة أرغفة وسمكتين بعدئذٍ بدأ يتكلم عن الخبز السماوي وإنه الخبز الذي نزل من السماء قوتاً للبشر اليهود تذمروا والتلاميذ أيضاً تعجبوا كيف يعطينا جسده لنأكل ودمه لنشرب كيف نزل هذا من السماء قال اليهود وحاوروه بأن موسى أعطاهم المن من السماء أبي هو الذي أعطاهم المن قال لهم وليس موسى بل أيضاً أكد لهم أنه هو الخبز الذي نزل من السماء الخبز الإلهي الخبز الأبدي الذين أخذوا المن ماتوا أما الذين يأخذون من هذا الخبز فينالون الحياة الأبدية. الرب يسوع أكد لنا ضرورة التناول من هذا الخبز من جسده المقدس وضرورة الشرب من دمه المقدس لنيل الحياة الأبدية من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه له الحياة الأبدية وانا أقيمه في اليوم الأخير من لا يأكل جسد ابن الأنسان ويشرب دمه ليس له حياة فيه آيات مقدسة نطق بها الرب يسوع أمام أولئك الناس الذين لم يدركوا هذا السر العميق سر القربان المقدس ولكنهم بعدئذٍ أدركوه فقد مهّد عقولهم وقلوبهم لتقبل هذه الحقيقة الإلهية ليلة آلامه أخذ خبزاً وبارك وكسّر بعد أن أنهى الفصح اليهودي وأعطى تلاميذه وقال لهم خذوا كلوا هذا هو جسدي وأخذ الكأس وشكر وقال لهم اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي كان بينهم أناس من تلاميذ يوحنا الذين لا يشربون الخمر ولكن بعد تقديس الكأس لم تبقَ الخمر خمراً إنما قد تحولت الى دم المسيح فيحق للنذير أيضاً الذي لا يشرب الخمر أن يتناولها لأنها قد صارت دم المسيح يسوع ربنا هكذا أعطى الرب يسوع سر دمه وجسده الأقدسين لتلاميذه الأطهار وأعطاهم سلطاناً بأن يحتفلوا بتقديسهما بقوله لهم اصنعوا هذا لذكري الكنيسة الأولى أحبائي كانت تجتمع كما يقول لنا سفر أعمال الرسل لكسر الخبز والصلاة كانت تجتمع حول القربان المقدس حول الشركة الإلهية بوساطة دم الرب وجسده الأقدسين هكذا أوصى الرسول بولس معطياً لهذا السر ما يستحقه من مقام وقدسية أن علينا أن نستعد لتناوله إن لم نكن مستعدين فإننا نتناول دينونة لأنفسنا الكنيسة المقدسة أوصت أن يكون الإنسان المؤمن الذي يتقدم لتناول القربان المقدس نقياً طاهراً روحاً وجسداً أما الروح فتتنقى بالتوبة والندامة وباعتراف قانوني أمام الكاهن الشرعي أما الجسد فيجب أن يتنقى من جميع أوساخه حتى يستحق الإنسان أن يتناول القربان وهناك الصوم القرباني نصومه من الساعة الثانية عشر ليلاً وحتى تناول القربان صباحاً والكنيسة في أيامنا هذه وهي أم وهي معلمة وهي ترى أن الناس قد كثرت أمراضهم وخاصة الشيوخ فيهم وأن الأدوية التي يتناولونها صباحاً لذلك سمحت أن يكون الصوم القرباني ثلاث ساعات فقط للذين لا يستطيعون الصوم من الساعة الثانية عشرة ليلاً وحتى تناول القربان صباحاً كذلك عندما يحتفل بالقربان القداس الإلهي بعد الظهر تكون مدة الصيام القرباني ثلاثة ساعات ايضاً. كل ذلك لكي تسهّل الكنيسة على أبنائها وبناتها تناول القربان المقدس مظهرة لهم أن القربان المقدس ضروري للخلاص فإن كنا نؤمن بذبيحة الصليب المقدس الذبيحة الإلهية التي فيها فدانا الرب يسوع من خطايانا فعلينا أن نؤمن بقوة القربان المقدس التي تعتبر استمرارية لذبيحة الصليب وإذا كان المسيح يسوع ربنا هو الحبر الأعظم الذي جاء على رتبة ملكي صادق علينا أن نؤمن أيضاً أن ملكي صادق ملك شاليم أورشليم كان يقدم الخبز والخمر الذبيحة غير الدموية وهو لا يعلم لماذا كان يفعل ذلك ولكننا نحن نعلم الآن إنما كان يقدم تلك الذبيحة لتشير الى ذبيحة القربان المقدس غير الدموية.
أيها الأحباء: خاصة في أيامنا هذه قد أهملنا تناول القربان المقدس عندما نشترك بالقداس الإلهي الذي نظمه آباء الكنيسة خاصة مار يعقوب اسقف اورشليم بأول قداس قدمه بلغة مسيحنا ولغتنا السريانية المقدسة وتناول فيه القربان المقدس وناول الآخرين، إن كنا نشعر بأن هذا كان بإرادة الله فعلينا وقد تسلمنا هذه الأمانة من آبائنا بدءاً من الرسل أن نحضر القداس الإلهي أن نشارك فيه الصلاة التي تقدم لله الآب والابن والروح القدس وأن نشكر بخشوع عندما يتلو الكاهن الآيات المقدسة ولئن كانت بحكم الحدث التاريخي ولكنها تذكرنا كيف أن مسيحها أخذ خبزاً وكسر وبارك، وبارك الخمر أيضاً آمراً إياهم أن يشربوا منها كلهم لأنها دمه الأقدس ولأن الخبز قد صار جسده الأقدس أن نشرب بخشوع بعدئذٍ عندما يدعوا الكاهن الروح القدس ليحل على هذا الخبز وعلى هذه الخمرة فيحولهما الى جسد المسيح ودمه يشعر بخشوع بل بشوق عارم على تناول القربان المقدس لأنه هو العلامة لشركتنا مع الله ومع آبائنا القديسين في السماء وعلامة شركتنا بالإيمان مع إخوتنا الذين يتناولون هذا القربان يوزع على مذابح الرب مجاناً لماذا لا نتقدم بإيمان ونتناول منه من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه، هذا هو الغذاء الروحي الذي فيه ننمو روحياً كما نحتاج إلى الغذاء الجسدي ننمو جسدياً كذلك نحتاج الى القربان المقدس لننمو روحياً هذا هو الغذاء الروحي الذي أيضاً يؤهلنا أن نرث ملكوت الله بحسب وعد الرب يسوع أنه إن كنا نتناول سر جسده ودمه الأقدسين يقيمنا في اليوم الأخير وننال الحياة الابدية وإذا امتنعنا عن ذلك والكنيسة تمنع المبتدعين الذين حادوا عن الإيمان تمنع الهراطقة وتمنع جميع الذين لهم خطايا مشبوهة ومعروفة لأن الرسول بولس يقول لنا اعزلوا الخبيث من بينكم تمنعهم عن تناول القربان هذا عقابٌ صارم هل نرضى عن أنفسنا أن نمنع أنفسنا عن القربان كأننا أصبحنا بعيدين عن المسيح يسوع وكنيسته وشركة الإيمان مع الآخرين مع القديسين في السماء ومع إخوتنا على الأرض؟ لذلك أحبائي إن كنا نشعر باننا من أتباع الرب يسوع إن كنا نتوق أن ننمو بالروح وأن نثبت بالمسيح كالغصن في الكرمة لننال حياة مستمرة منه إن كنا نرغب في أن نرث الحياة الأبدية فلنتقدم دائماً بدون انتظار الى منبر الاعتراف لننقي نفوسنا من كل شائبة وخطيئة وزلّة أيضاً وأن ننقي أجسادنا وأن نصوم الصوم القرباني ونتقدم بإيمان لتناول القربان المقدس من يد الكاهن وكأننا نتناوله من المسيح لأن الذي يقدس القربان هو المسيح بالذات وروحه القدوس يكون فعّالا في هذا السر والكاهن هو الواسطة الذي يمثل المسيح وهو يقدم لنا سر المسيح ودمه لنثبت في المسيح وننمو في المسيح ونستحق الحياة الأبدية الحالة التي أتمناها لي ولكم بنعمته أمين.
في دير مار يوحنا الديلمي·
أصحاب النيافة والسيادة الأحبار المطارنة الأجلاء،
أحباءنا الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة والشماسات،
أيها المؤمنون:
بعد حمد الله الذي أتاح لنا أن نحتفل بالقداس الإلهي في هذا الدير المقدس دير مار يوحنا الديلمي بعد حمد الله وتوفيقه يطيب لنا أن نثني جزيل الثناء على الهمة العالية والغيرة الوقادة لصاحب النيافة أخينا الحبر الجليل مار غريغوريوس صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها لسعيه لتجديد هذا الدير التاريخي المقدس ولا بد لنا ونحن في هذا الموقف ان نقول أن ما يدل على تجديد الأديرة في كل مكان والكنائس أيضاً الحرية التامة الدينية التي يتمتع فيها الشعب المسيحي المبارك في هذا العهد المبارك برئاسة المبجل صدام حسين وندعو الله أن يحفظ سيادته وأن يبارك الشعب العراقي وجيشه الباسل وحكومته الرشيدة.
أيها الأحباء: إن الأديرة ومنذ القرن الرابع ارتفعت في كل مكان كمنارات تشع كنور الإيمان نور المسيح ربنا شمس البر والشفاء بأجنحته هذه الأديرة كانت مراكز مهمة للعلوم والمعرفة التجأ إليها رهبان وراهبات يسعون جميعاً لخلاص نفوسهم وخلاص الشعب المبارك والرهبنة عندنا نحن السريان ليست فقط قوة وراء الكنيسة بالصلوات التي يرفعها الرهبان والراهبات إلى الله عن أنفسهم وعن الشعب المبارك بل أيضاً هي مراكز تعليم وتبشير ونشر البشارة الإنجيلية فنحن نرى أن الرهبان مثلاً في مثل هذه الأيام أيام الصيام المبارك كانوا يلتجئون الى الكنائس وقلايات الكنائس ليقوموا بالوعظ والإرشاد والرياضات الروحية بجذب الناس المؤمنين الى التوبة والعودة الى الله ليبارك الله هذا الشعب الذي يؤمن بابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح إن الرهبانية المسيحية التي أخذت مبدأها من جواب الرب يسوع لذلك الشاب الذي سأله ماذا يفعل ليرث الحياة الأبدية يقول له إن أردت أن تكون كاملاً فبع ما هو لك ووزعه على المساكين وتعال اتبعني وزعه على المساكين يكون لك كنز في السماء واحمل صليبك واتبعني.
الرهبانية عندما بدأت كانت انفرادية ولكنها نظمت في أديرة وأعطت نتائج وثماراً ناضجة للكنيسة المقدسة وإذ كان الرهبان يترجمون ما يقولونه ويكملون وصايا الرب يسوع نالوا حظوة كبيرة لدى الشعب المبارك لذلك هيمن الرهبان أقول هيمن لأنهم أصبحوا في موقع القيادة في الكنيسة بل منهم أُخذ المطارنة ومن المطارنة البطريرك وهكذا ازدهرت الرهبانية خاصة في مناطقنا هذه منذ القرن الثاني والثالث وفي القرن الرابع شيدت الأديرة عندما اعترف بالدين المسيحي كدين معترف عليه من الدولة بل أصبح بعدئذٍ دين الدولة والرهبانية بكل نذورها المقدسة تجعل هذا الراهب حتى ولئن بلغ مركزاً مرموقاً في الكنيسة مطراناً أو بطريركاً يبقى راهباً بإسكيمه الرهباني المقدس وبحياته الرهبانية في قلايته كما ندعو دار المطرانيات والبطريركية لأن الذي يسكن فيها هو راهب وإن كان في سمو مركزه يكون رئيس الرؤساء أو رئيساً للأساقفة أو يكون رئيس الكهنة فالرهبانية توجب على هذا الإنسان الفقر الاختياري بع كل مالك ووزعه على المساكين تكنز لك كنزاً في السماء واحمل الصليب واتبعني نكران الذات والتضحية والتجرّد عن كل أمور العالم كما أن هذا الراهب أيضاً في كل المراكز والرتب يكون بتولاً يقرن البتولية بالعفّة ليكون مثالاً للناس بتجرده عن العالم بنكرانه الذات وكذلك بالتضحية بما يظنه العالم أمراً طبيعياً وجوهرياً بالنسبة لهم فهو يضحي فيه لأنه يصلب ذاته ورغباته على الصليب مع المسيح يسوع ولذلك حق للرسول بولس أن يقول مع المسيح صلبت لأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فمهما كانت تلك الحياة فعبثاً فهي بالنسبة لمن يحمل نير المسيح فيرى نيره هيّناً وحمله خفيفاً، لأنه يفعل ذلك باسم المسيح ولأجل المسيح ولأجل رعاية كنيسة المسيح والطاعة للرؤساء الطاعة لشريعة الله الطاعة لرئيس الرهبانية ورئيس الكنيسة هي التي يتبعها الراهب اقتداء بالمسيح الذي أخذ كل شيء منا الذي أطاع حتى الموت أطاع أباه حتى الموت موت الصليب فالراهب والراهبة يطيع الراهب والراهبة المسيح يسوع بشخص الرئيس أو الرئيسة ويطيع الراهب أيضاً وهو في رتبة الأسقفية وحتى في رتبة البطريركية المسيح يسوع وشرائعه الإلهية لذلك استطاع آباؤنا عبر الدهور والأجيال أن يقيموا من أنفسهم شهوداً ليسوع وأن يجذبوا العالم الى المسيح فإقامة وتجديد عهد هذا الدير للعلم والمعرفة الذي اشتهر أيضاً بمكتبته يعدّ أمراً جوهرياً في عهدنا هذا بازدهار الكنيسة وتقدمها وخاصة لتمجيد اسم الله القدوس بوركت همتك أيها الأخ الجليل مار غريغوريوس صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها وبوركت همة الكهنة والشعب المبارك الذي يشجعك ويتعاضد معك ويقوم بما توجهه لخير هذه الكنيسة ونصلي إلى الله أن نأتي يوماً ما ولا نرى الكنيسة فقط قد شيدت كما فعلتم بهمة عالية بل أيضاً نرى الدير وقد أعيد الى مجده أشكر كل هؤلاء الناس الحاضرين هاهنا أشكر الشعب المبارك في قرقوش المباركة الصامدة البلدة التي أعطت لنا آباءً عظاماً نذكر منهم معلمنا ومرشدنا ومدير إكلريكيتنا مطران الموصل أولاً ثم بغداد المثلث الرحمات العلامة الملفان مار غريغوريوس بولس بهنام ونحث أهل قرقوش الأحباء السريان جميعاً وفي مقدمتهم ابننا الروحي الفاضل القس إسحق أن يواصلوا بمحبة التعاون مع سائر السريان في قرقوش فنحن جميعاً كنيسة واحدة وطقس واحد وتراث واحد وعلينا أن نتعاون وخاصةً ونحن على وشك أن نضع أقدامنا إن شاء الله على عتبة القرن الواحد والعشرين. ليبارككم الرب الإله أحبائي ليبارك كل من شترك معنا هذا الجمهور الغفير الذي يتبع المسيح يسوع إلهنا بحضوره هاهنا بمشاركة القداس الإلهي والترانيم الروحية وسماعه كلمة الله وليعيد إلهنا هذه المناسبة عليكم بالخير واليمن والبركة ونعمته تشملكم دائماً أبدا أمين.
زيارة قداسته إلى برطلة·
باسمي وباسم صاحب النيافة الحبر الجليل مار سويريوس اسحق ساكا البرطلي النائب البطريركي للدراسات السريانية العليا في كنيستنا في العالم أجمع وباسم سكرتيرنا العزيز الربان إيليا باهي أود وأثني الشكر الجزيل لراعي الأبرشية الحبر الجليل مار ديوسقوروس لوقا شعيا الفاضل على الكلمات الطيبة التي فاه فيها في استقبالنا النابعة من قلبه الكبير وكذلك أشكر كاهن هذه الكنيسة الأبن الروحي القس الياس ولابد أن أشكر المسؤولين كافة بأسمائهم الكريمة ومراكزهم المرموقة الذين يمثلون الحكومة والحزب والشعب في آن واحد في هذا الاستقبال وقد تكبدوا ظروفاً جمة لتجشم السفر من أماكن عديدة ومن هنا من برطلة أيضاً لكي يشاركوا الشعب فرحته، وأهنئ إخوتنا المسلمين بعيد الأضحى المجيد والمسيحيين في عيد القيامة المجيد كما اكتحلت عيني برؤية هذه الوجوه الباشة برؤية أهل برطلة الأحباء بجميع الملل والنحل شعرت حقاً أن الله قد بارك هذه البلدة لأن فيها نلمس الوحدة الوطنية ونرى المحبة الخالصة المتبادلة بين شعبها العظيم ولكم الفضل لدينا نحن السريان الأرثوذكس تعطر أفواه شعبنا في كل أنحاء العالم فهي قوم العلماء والأحبار العظام هي والدة الكهنة ومثقفة الشمامسة هي رمز البلدة التي ما تزال تحافظ على لغة مسيحنا السريانية لغتنا الطقسية والرسمية التي نعتبرها مقدسة لأن السيد المسيح ووالدته الطاهرة مريم قد تكلما بها وإننا نرى علماء السريان يرنمون هذه القرية عبر الدهور والأجيال لأنها قد تروضت عبر الدهور في تاريخنا العريق وأعطت الكنيسة رجالاً عظاماً المطران العلامة سويريوس يعقوب البرطلي والبطريرك الحكيم محب السلام الذي جمع شمل الكنيسة يوماً بهنام البرطلي. وفي عصرنا هذا معلمي ومرشدي وصاحب الفضل العميم علي الذي اتخذني سكرتيراً له فدرت في خدمته العالم السرياني كله وعلى يديه تدربت ومنه أخذت علماً ومعرفة المثلث الرحمة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث ولا ننسى الشاعر المبدع الذي ذاد عن حياض الكنيسة بقلمه السيال وفكره الناضج المرحوم كاهن هذه الكنيسة يعقوب ساكا البرطلي ويليق بنا ونحن ننصت إلى جوقة الترتيل في هذه الأناشيد العذبة التي ترفع النفس الى السماء أن نذكر الكاهن المعلم وناظم الأناشيد ومدرب الجوقات المرحوم الخوري الياس شعيا البرطلي. أما زملائي الأحباء وإخوتي بالوظيفة والخدمة والجهاد الروحي المطارنة الأجلاء مار غريغوريوس صليبا شمعون البرطلي مطران الموصل وتوابعها ومطرانكم الجليل مار ديوسقوروس لوقا شعيا والمطران مار فيلكسينوس متى شمعون البرطلي وإني لفخور أن أذكر رفيقي في الجهاد الروحي منذ أن تبوأت الكرسي الرسولي الأنطاكي بالنعمة لا بالاستحقاق أخي الحبر الجليل المطران مار سويريوس اسحق ساكا البرطلي الذي خدم الكنيسة كنائب بطريركي عام في مجالات شتى والذي يخدم الكنيسة اليوم كمدرس ومدرب في الكليات اللاهوتية وهو نائب بطريركي لشؤون الدراسات السريانية العليا في الكنيسة كلها، رفع رأسنا في المؤتمرات حيثما أرسلناه وقدم للعالم تاريخ كنيستنا المجيد كما أنه دبّج البدائع والروائع من قصائد سريانية وعربية وكتب بالتاريخ واللاهوت وتفسير الكتاب المقدس وتفسير القداس وغيرها وغيرها من تلك المؤلفات التي تجعله حقاً في مصاف العلماء في أيامنا هذه ويضاهي سويريوس يعقوب البرطلي.
أحبائي كل هؤلاء العلماء كل هؤلاء الرعاة الذين خدموا كنيستهم وذاع بوساطتهم سيرة هذه البلدة في الآفاق هؤلاء خدموا الوطن العزيز أيضاً لأن برطلة جزء من بلادنا العراقية عبر التاريخ والأجيال وكما ذكر نيافة أخينا المطران مار ديوسقوروس لوقا أنها ذكرت في القديم كبلدة من البلاد التي كانت من الممالك السحيقة في التاريخ.
أيها الأحباء إذ أشكر لكم هذا الاحتفال الذي أعجبت به حقاً، بالنظام بالمحبة والغيرة بالأناشيد بالكلمات الحلوة بالقصيدة السريانية التي فاه بها ابننا الروحي الشماس سليمان أرى أن ذلك يتعدى شخصي الضعيف إليكم أيضاً أيها الشعب العظيم أسأل الله أن يجازيكم خيراً أن يجعل الله أيامكم كلها أفراحاً أن يجعل المجد الجديد لهذه البلدة العريقة في المجد عنواناً لكم لتسعوا الى تجديد المجد دائماً لمحبة الله لمحبة القريب لمحبة الوطن لمحبة الكنيسة وعنايته تشملكم دائماً أبداً أمين.
أحد الشعانين في برطلة·
يسرنا جداً أيها الأحباء لدخول الرب يسوع الى الهيكل وتنظيفه إياه بعد دخوله الى أورشليم بمجدٍ عظيم أن أهنئكم بهذا العيد السعيد سائلين الرب الإله أن يعيده الرب عليكم باليمن والبركة وأن يحفظ أولادكم ويؤهلكم لتربوهم التربية المسيحة الصالحة وتنشئونهم نشأة إنجيلية يطبقون فيها تعاليم الرب ويقدمون الشعانين بالأعمال قبل الأقوال لربنا يسوع المسيح أحبائي عندما نحتفل بعيد دخول الرب يسوع الى اورشليم بمجدٍ عظيم لا بد أن نتوقف عند محطات عديدة فالرب يسوع مدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر كان يجول ويصنع خيراً ويشفي الذين سيطر عليهم إبليس حتى أنه صنع آخر آية عظيمة بإقامته لعازر من بين الأموات بعد أربعة أيام من موته ودفنته الناس كانوا يتحدثون ويتساءلون هل ترى هذا هو المسيح تقاليدهم وتعاليم آبائهم أربكتهم كثيراً النبوءات الكثيرة التي قيلت عن الرب قبل أجيال عديدة من زمن التجدد لم يفهمها اليهود ورؤساؤهم ولذلك كانوا يتوقعون أن يروا ملكاً بشخص ماسيا يخلصهم من نير استعمار الرومان ويحررهم من عبودية جسدية ولكنهم رأوا بشخص المسيح الإله المتجسد إنساناً وديعاً ومتواضعاً ينادي بتعاليم سامية سماوية هي تعاليم المحبة والتسامح والرحمة وعمل الخير لذلك اضطربت قلوبهم وأفكارهم كانوا يتوقعون مجيء ملك وبذلك أراد الرب يسوع قبل أن يقدم نفسه فدية عن خرافه قبل أن يصلب ويموت وبعدئذٍ يقوم من الأموات أن يعلن نفسه ملكاً لقد صرح لهم قبل ذلك بأنه هو الماسيا الذي جاء لخلاص العالم واعترف به بطرس والتلاميذ وغيرهم أنه هو المسيح ابن الله الحي ولكن لا بد أن يظهر أيضاً كملك ليعلن لأولئك الناس أن ملك ماسيا المسيح المنتظر ليس ملكاً أرضياً إنما ملكوته من السماء لذلك نتوقف عند أمر الرب يسوع لتلميذين من تلاميذه ليذهبا الى القرية المقابلة ويريا آتاناً وجحشاً بن آتان فيحللانهما ويأتيان بهما الى الرب يسوع يقول لهما إذا سألكم أحد أو صاحب ذلك الجحش أو الأتان قولوا أن الرب يحتاج إليه الرب احتاج الى جحش أيها الأحباء وهو خالق العالم ومبدعه ومنظمه ومدبره ألا يحتاج الى إنسانٍ إلى كل من يؤمن به ليكمل إرادته جلب التلميذان الآتان وجحش ابن آتان وركب الرب أولاً الأتان التي تمثل الأم اليهودية التي تدربت على الناموس وأعطي لها الوصايا والشرائع ثم بعدئذ تركها وركب على الجحش والجحش مثل الأمم التي لم تكن لها شريعة كتابية سماوية وإنما كانت على الطبيعة بشريعة الضمير دخل أورشليم التلاميذ فرشوا أمامه ثيابهم وكذلك فعل الآخرون كان الشعب بانتظاره وخاصة أنهم سمعوا أنه أقام لعازر من بين الأموات بعد موته ودفنته بأربعة أيام أخذوا سعف النخل وأغصان الزيتون النخل المستقيم كشجرة حلوة الثمر أخذوها ليهتفوا أوصنا والزيتون الجميل جداً التي ثمرته الزيت النقي الطاهر ملين الجروح الذي يرمز الى الرحمة رحمة إلهنا هتفوا أوشعنا مبارك الآتي باسم الرب إنهم يريدون الخلاص لكنهم لم يفهموا نوع الخلاص أوشعنا يا رب خلص مبارك الآتي باسم الرب الأطفال والرضع أيضاً أنطقهم الرب هم أيضاً شاركوا بالأوشعنا هاتفين أوشعنا مبارك الآتي باسم الرب نرى من الناحية الثانية هناك الكتبة والفريسيين وقد أكل ونهب الحسد قلوبهم واكبدتهم يتطلع الواحد الى الآخر إن الشعب قد تبعه لم نعد نتبع شيئاً ويأتون إليه أيها المعلم يقولون له أسكت تلاميذك أما هو فتحداهم لئن سكت هؤلاء فالحجارة تنطق أحبائي إن سكتنا عن تمجيد الله وتسبيحه لنعلم أن الله يستطيع أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم كما قال وأن يقيم من هذه الحجارة شاعراً يتبع المسيح يسوع إذ كنا نتبعه بالاسم فقط لا بأعمال صالحة والتمسك بالإيمان حتى الدم يدخل الهيكل هنا توقفوا قليلاً ذلك الحليم الوديع يد خل الهيكل ماذا يرى هيكل الله قد تحول الى كوخ للتجارة الى مغارة للصوص هيكل الله الذي كما وجد ليتمجد الله فيه وليتعلم الناس الشريعة أيضاً في أطرافه قد تحول الى مغارة للصوص الصيارفة يقدمون العملة من عملة أجنبية الى عملة خاصة بالهيكل لينهبوا الناس باعة الحمام أيضاً يفعلون أيضاً كذلك والكهنة مشاركون في كل هذه الجرائم والكتبة والفريسييون هم الذين يديرون هذه الأمور التي قلبوا فيها الصدقات الى سروقات والذين جعلوا الذبائح مغشوشة للأرباح القبيحة قلب موائد الصيارفة أطلق الحمام نادى والسوط في يده بيتي بيت صلاة يدعى كما قال النبي سابقاً أما البيت فالله قد دعي بيت صلاة لجميع الشعوب بيتي بيت صلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص طردهم من بيته أعلن نفسه أنه هو الله أن الهيكل بيته كما إن هذه الكنائس كلها التي يسمى بها أسامي القديسين هي بيوت للمسيح يسوع ربنا وأكثر من هذا كل واحدٍ منا كما يقول الرسول بولس كل واحدٍ منا هو هيكل لله وروح الله حالٌّ فيه فإذا حولنا نفوسنا وقلوبنا الى أماكن يسكنها إبليس والأعمال الشريرة والأمور التي لا تمت الى الدين بصلة بل هي ضد الله وروح المسيح ثقوا بأن المسيح سيأتي ويدعو أولئك الناس الذين هيمنوا على قلوبنا الأشياء التي جعلنا منها أصنام نسجد لها ويقول لنا إن بيتي بيت صلاة يدعى وقد جعلتموه أنت مغارة للصوص خرج الرب من أورشليم ليبيت في بيت عنيا كان هناك الكتبة والفريسيون الباقون في أورشليم يجتمعون حالاً يقررون أنه خيرٌ أن يموت إنسانٌ من أن تهلك الأمة كلها ما هو هذا التفكير إنهم يظنون أن المسيح يأتي بحملة وثورة سياسية ضد المستعمر وقد تجمهر الناس وأعلنوه ملكاً ملك اليهود هتفوا أوشعنا كما كان قد تنبأ زكريا مبشراً أورشليم بأن ملكها يأتيها عادلاً منتصراً ووديعاً وراكباً على آتان وجحش بن آتان في آن واحد. اجتمعوا كان لابد أن يجتمعوا ورئيس الكهنة قرر بأنه لابد أن يموت يسوع لم يكونوا يدرون أنهم كانوا في العاشر من نيسان يقدمون الحملان لكي يقرر الكاهن إن كانت تصلح للذبح أم لا لتقدم ذبيحة الفصح في الرابع عشر من نيسان فكان لابد أن يقدم حمل الله المسيح يسوع الرافع خطايا العالم كما وصفه يوحنا المعمدان ان يقدم الى أولئك الكهنة وبدون أن يعرفوا أعلنوا أنه يستحق للذبح إنه صالح ليكون ذبيحة فصح بل ذبيحة فداء بشرية خرج الرب يسوع من اورشيلم وهو يعلم ما يجري جاء وصادف التينة التي كانت أوراقها خضراء نضرة توقع أن يرى ثمراً يقول الإنجيل لم يكن موعد الثمر وكان يعلم حمل ثمراً ولكن لكي يقدم لنا درساً خالداً في ما يجري أن نكون عليه كمؤمنين به طالب بالثمر ولعن تلك التينة كانت تلك التينة تمثل الأمة اليهودية التي أنشأها التي أخرجها من أرض العبودية التي سلمها الشريعة والناموس والفروض والطقوس التي ترمز إليه وجاء ليطلب ثمراً وجدها كالتينة أوراقها خضراء أشياء تظهر للناس وكأنها جيدة ولكن طلب ثمراً فلم يجد ثمراً لعنها وفي اليوم الثاني وجدها وقد يبست هكذا وجد التلاميذ التينة وأخبروا احبائي بولس الرسول يقول عن الامة اليهودية أنها قد غرست بيد الرب وسقاها زيتونة ورأى أن الرب لم يشفق عليها وإنها زيتونة أصلية لأنها لم تعطِ ثمراً فلعنها وتركها ويعتبر بولس الرسول أن الأمم استحقت بعدئذ إن لم تكن الزيتونة الأصلية أن تنال نعمة الرب لتعطي الثمار الدرس الذي نأخذه من هذه المحطات التي توقفنا عندها في عيد الشعانين أن الرب يسوع جاء ليمكث على القلوب لا على الرقاب وركب جحشاً ولم يركب بقراً دلالة الحرب ولا حصاناً مطهراً للكبرياء والعجرفة ولكنه جاء متواضعاً وديعاً وإن الرب يسوع يريدنا أن ننقي قلوبنا لتكون حقاً هيكل الله الطاهر وأن الرب يسوع يريدنا خاصة لا نظهر بالاسم كمسحيين ولا نظهر لنفوسنا أيضاً وكأننا نكمل أمراً إلهياً عظيماً ما أجمل طقوسنا ما أحلاها ما أسماها وقد سلمها إلينا آباؤنا ولكن علينا أن نقوم بتطبيقها بتلاوتها بخشوع ومخافة الله ونشعر أننا أمام المسيح ما أسمى أن ندعى مسيحيين كالتينة التي كانت أوراقها خضراء ولكن علينا أيضاً أن نعطي ثماراً تليق بالتوبة أعاد الله عليكم هذا العيد وأهلكم وإيانا أن نحتفل بالفصح المجيد فالمسيح الذي قرر أن لابد أن يموت لقد مات صلب أهين من أجل خطايانا ولكنه أيضاً قام من بين الأموات واقامنا فلنعتبره مخلصاً شخصياً لنا ذبح وهو فصحنا فعلينا أن نتناول سر جسده ودمه لا في عيد الفصح بل في كل آن لكي نثبت فيه ويثبت فينا علينا أن نؤهل أولادنا لكي نجعل كل يوم من أيام حياتنا عيد أوشعنا نمجد فيه المسيح يسوع ربنا لكي كما دخل الى أورشليم بمجد عظيم نكون معه في دخوله الى أورشليم السماوية ونملك معه الى الأبد الحالة التي أتمناها لي ولكم بنعمته آمين.
استقبال قداسته في بغداد·
أصحاب الغبطة والسيادة الأحبار الاجلاء،
الآباء الكهنة الأعزاء، السيد ممثل مدير الأوقاف المحترم،
أيها المؤمنون: أشكر الله شكراً جزيلاً على ما أنعمه علينا من البركات في هذه اللحظات، برؤية وجوهكم الكريمة الباشة ويروق لي باسمي وباسم أخي نيافة الحبر الجليل المطران مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي للدراسات السريانية العليا ومرافقي الابن الروحي السكرتير البطريركي الأب إيليا باهي ومعاون كلية مار أفرام في معرة صيدنايا الربان موسى الشماني أن أقدم جزيل الشكر لنيافة أخي الحبيب الحبر الجليل مار سويريوس حاوا مطران بغداد والبصرة وتوابعها على محبته الخالصة. متمنياً له دوام الصحة والعافية والهمة العالية التي تنجلي بوضوح في كل المواقف التاريخية وقد تجلّت اليوم في إعداد هذا الاستقبال الحافل تقديراً لضعفي أنا العبد الضعيف وبهذا فتح المجال لكم أيها الشعب الطيب المؤمن لتعبروا عن شعوركم البنوي الصادق نحو آباء الكنيسة الروحيين. فألف شكر لنيافته ولكل من تعاون ويتعاون معه من الإكليروس والشعب المبارك وإنني أشكر أصحاب الغبطة والسيادة الأحبار الأجلاء رؤساء الطوائف المسيحية وسيادة السفير البابوي والمطارنة والآباء الكهنة الأحباء الذين يمتّون إليّ بصلة المحبة والصداقة والزمالة والأخوة منذ كنت مطراناً لهذه الأبرشية، وكنت أتعاون معهم بمحبة وإخلاص وهدف سامٍ لترجمة وصية الرب بمحبة بعضنا بعضاً عملياً لنكون نحن الإكليروس قدوة صالحة للمؤمنين جميعاً وللغرباء أيضاً «ليروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات» على حد وصية الرب يسوع. أيها الأحباء يطيب لي أن أبدأ كلامي أيضاً بتقديم تحية خالصة الى رئيس البلاد سيادة الرئيس صدام حسين، كما إنني أكبر في هذا الشعب العراقي الباسل الصامد تعاونه مع رئيسه وحكومته الرشيدة لأنه شعب مجيد طيب وإنني ناشدت في مؤتمرات عالمية وبلقاءاتي مع ملوك ورؤساء بحكم موقعي كأب للسريان في كل العالم، ناشدت ضمير العالم وقادته السعي إلى رفع الحصار الظالم عن وطننا العزيز العراق. وأهيب بكم كمواطنين صالحين أن تتناغموا وتتفاعلوا مع وطنكم العزيز في السراء والضراء وعليكم ألاّ تسألوا ماذا أعطانا الوطن ولكن ماذا نعطي نحن لعراقنا الحبيب إبّان شدته هذه فبوركت همة رؤسائكم الروحيين. أيها الأحباء أقدم شكري للّه تعالى الذي أهّلني للقيام بهذه الزيارة الرسولية وإن فرحتي عارمة برؤيتكم أحبّائي أبناء أبرشية بغداد والبصرة الأبرشية التي خدمتها 11 سنة كنت فيها خادم خدامها روحياً بالتضحية ونكران الذات. إنكم شعب نبيل أصيل فقد تعاونتم معي جميعاً فسارت الأبرشية بخطى واسعة في دروب التقدّم والازدهار وكنت أنا مقتفياً أثار آبائنا العظماء أذكر منهم المثلث الرحمة الملفان العلامة المطران مار غريغوريوس بولس بهنام الذي لن أنسى فضله علي وعلى زملائي طلاب الإكليريكية في الموصل فعلى إثر انتقاله إلى الخدور العلوية تسلّمت بنعمة الله زمام هذه الأبرشية وبتعاونكم تقدمت الأبرشية روحياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعيا وعندما اختارني الله أنا الضعيف لأجلس علي الكرسي الرسولي البطرسي الأنطاكي بالنعمة لا بالاستحقاق بقوة الله وبإلهام الروح القدس سلمت الأبرشية إلى يد أمينة مخلصة إلى مطرانٍ غيور همته عالية وعلمه وافر وإدارته مشهود لها من الجميع، هو نيافة الحبر الجليل الأخ المطران مار سويريوس حاوا. إنني كنت أتسقّط أخباركم دائماً وأسأل عن كل واحد منكم فإنني قد أحببتكم جميعاً من أعمق أعماق قلبي وإذا خرج الشعب للقائي اليوم بهذا الحماس العارم وهذه الغيرة الوقّادة والشعور الطيب والمحبة الصادقة ذلك أنّ من تسلم زمام الأبرشية هو مرشد حكيم أمين ولذلك فالمحبة دامت وإنجازات الأبرشية في جميع الميادين صارت واضحة وجبارة بهمة مطرانها الجليل مار سويريوس حاوا.
أحبائي لا أطيل عليكم الكلام، ولكنني أريد أن أؤكّد لكم بأن الكنيسة في كل أنحاء العالم بخير وإنني عندما كنت في موقعي كمطرانٍ هنا في أبرشيتي في عراقنا الحبيب كنت أتعاون مع رؤساء الكنائس الأعزاء الأجلاء واليوم في موقعي كأب للسريان في كل مكان أتعاون مع رؤساء الكنائس في العالم أجمع أريد أن تثبت المسيحية ولا تتزعزع بالروح بالعقيدة بالمحبة التي جعلها الرب يسوع علامة لتلاميذه الحقيقيين، إن بيانات مسكونية عديدة مشتركة وقّعناها مع رؤساء كنائس شتّى كلها تؤول إلى تفاهم أفضل وتعاون أفضل بين كنائس المسيح التي هي جسد المسيح السري الذي هو الكنيسة الواحدة. وما أوصيكم به هو المحبة… ولئن كنت أول من يتوق أن نُعَيِّد عيد الفصح المجيد في موعد واحد وإن شاء اللّه تعالى نبلغ هذا الهدف السامي والمطلب الشعبي وإلى ان تتم إرادة الله ويحين الوقت لذلك اليوم السعيد علينا أن نشارك بعضنا بعضاً أفراح الأعياد فأعياد إخوتنا على الحساب الغربي هي أعيادنا أيضاً، وأعيادنا هي أعيادهم أيضاً. إن كنا نحب بعضنا بعضاً وإن كنا نشعر إننا إخوة في المسيح يسوع ربنا وفي هذه المناسبة أقدم التهاني لمن يعيد على الحساب الغربي وعلى الحساب الشرقي بعيد الفصح والقيامة المجيدين كما أقدم التهاني لإخوتنا المسلمين الذين احتفلوا بعيد الأضحى المبارك وأجمل تهنئة لميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي وتهاني قلبية لرئيس البلاد بعيد ميلاده. وأكرر شكري لكم جميعاً متمنياً على الله أن يرفع عن بلادنا العزيزة العراق الحبيب الحصار الظالم لينعم الشعب بما منحه الله من نعم وعطايا بصلاة السيدة العذراء مريم وسائر القديسين ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.
كنيسة مار بهنام والشيخ متى في بغداد·
أصحاب النيافة والسيادة السفير البابوي والإخوة والمطارنة الأجلاء،
الآباء الكهنة، السيد ممثل سيادة وزير الأوقاف والشؤون الدينية،
السيد الحبيب العزيز الأستاذ متى يوسف بلوله وعقيلته الفاضلة السيدة أم زياد وأفراد العائلة الكريمة،
أيها الحضور الكرام.
أشكر الله الذي أهلني ان تكتحل عيني برؤية هذا المبنى الجميل الذي يشيده السيد متى بلوله متبرّعاً به لكنيستنا المقدّسة نسأل اللّه أن يؤهّله لينجزه بأقرب فرصة ليُكرَّس كنيسة للّه يمجد فيها اسمه القدوس وتبنى فيها النفوس. باسمي وباسم نيافة الحبر الجليل مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي للدراسات السريانية العليا وباسم جميع الذين يخدمون الرب في البطريركية الأنطاكية الأرثوذكسية ممثلين بالابن الروحي الفاضل السكرتير البطريركي الأب الربّان إيليا باهي أود من أعمق أعماق قلبي أن أهنئ أخي صاحب النيافة الحبر الجليل مار سويريوس حاوا مطران بغداد والبصرة الهمام، أهنئه بهذا الشعب المبارك، شعبنا الأصيل النبيل، الشعب المؤمن الذي ورث عن آبائه محبة الله والوطن والقريب هذا الشعب يعطي بين حين وآخر بنعمة الله رجالاً صالحين وغيارى مثل الأستاذ متي يوسف بلولة هذا الشعب نفتخر به في كل أنحاء العالم لأنّ أفراده قبل أن يشيدوا لهم دوراً يشيدون لهم كنيسة. هذا الشعب الذي ظهر فيه في عراقنا الحبيب رجالات في القرن العشرين شيّد كلّ واحد منهم كنيسة والأستاذ متي بلولة هو الخامس في عداد هؤلاء ويحق لنا أن نطلق على كل واحد منهم أنّه واحد بمقام ألف هذا ما نصف به الإنسان الذي يقيمه اللّه ليعضد كنيسته ويسدّ حاجاتها لأنه يؤمن بالله الواحد الأحد ويؤمن بالأبدية ويكنز له كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا ينقب سارقون ويسرقون ويهيئ له منزلاً لدى الآب السماوي ويعلم أن الحياة الدنيا فانية، وأن الإنسان في مدة حياته على الأرض طالت أو قصرت تلك المدة كانت شقية أو بدت للناس وكأنّها هنيئة لابد أن تنتهي وإن الإنسان على الأرض غريب كما قال الآباء في العهد القديم واصفين حياتهم على الأرض وأكد ذلك العهد الجديد وأنه لابد أن يعود إلى السماء وطنه الأول ولذلك يضحي في الغالي والنفيس في سبيل الحصول على الأنفس والأثمن يضحي في الأرض في سبيل الحصول على السماء هذا هو الإنسان الحكيم الذي بنى بيت إيمانه على صخرة فلن يتزعزع أبداً إنني بموقفي هذا أريد أن أوضح حقيقة ناصعة حقيقة الوحدة الوطنية وحقيقة الحرية الدينية التي نمارسها كمواطنين صالحين في وطننا العزيز العراق.
أيها الأحباء: إنّ اللّه تعالى يقيّض بعض الرجال مع عائلاتهم ليعضدوا مشاريع الكنيسة المقدسة ويتبرّعوا خاصة بتشييد دور العبادة مثل العزيز متي بلّولة ولا يأذن اللّه لكل إنسان أن يشيد بيتاً له تعالى، تأمّلوا داود الذي ندعوه قلب الله ونبيه وكنارة الروح، إنّ داود هذا الذي كتب لنا أغلب المزامير وجعلها لنا صلوات نقدمها لله عندما أراد أن يشيد بيتاً لله رفض الله هذا الطلب لأن يدي داود كانتا ملطّختين بالدماء وعندما يأتي إنسان رضع من أمه الفاضلة لبن التقوى ومخافة الله يلهمه الله ان يشيد كنيسة فهنيئاً له هنيئاً لعقيلته الفاضلة أم زياد هنيئاً لأمه وهنيئاً لأهله وأقربائه وأولاده وكل من يمت إليه بصلة القرابة. إنه قد اختير من الله ليتقدم صفوف المؤمنين وليكون مثالاً لهم بالتضحية ونكران الذات فهو واحد بمقام ألف أسأل الله أن يعضده لكي ينجز هذا المبنى بأسرع وقت ليكرس كنيسة للّه، أسأل الله ان يرفع عن عراقنا الحبيب الحصار الظالم اللاأخلاقي لكي يهنأ الشعب ويتمتع بسعادة بلده وخيراته كما أن يتمتع بتشييد الكنائس والمساجد والمعابد لتقديم الشكر الله على كل ما ينعمه عليه من خيرات وبركات.
إن كرسينا الرسولي أيها الأحباء منذ العصور الغابرة يقدر العاملين ويكافئ أولئك المحسنين الذين لوجه الله يقومون بعمل الخير ولذلك وبحسب دستورنا المقدس وبالسلطة المعطاة لنا كرئيس بل أب للسريان في كل العالم والبطريرك الشرعي للكرسي الرسولي الأنطاكي السرياني الأرثوذكسي قررنا أن ننعم على الابن الروحي السيد متى يوسف بلوله بوسام مار أفرام السرياني برتبة كومندور ونقلّده إيّاه في هذه اللحظات أما يوم الافتتاح إن شاء الله أن يكون قريباً فسنقلّد أم زياد وساماً مماثلاً لأن المرأة الفاضلة التي تتجاوب وتتناغم مع كل رغبات زوجها الروحية لتسعى ان تنال الأجر العظيم هي وأفراد العائلة كافة تستحق التقدير والتكريم فهنيئاً لهما بهذا الوسام والوسام الثاني وليكن ذلك سبب بركة لهما ولأفراد الأسرة الكريمة كافةً ونعمة الرب تشملكم دائماً أبداً. آمين.
كنيسة الرسولين في بغداد·
أيها المؤمنون تغمرني البهجة وأنا استعيد في ذهني هذه الأيام القليلة الماضية والسعيدة جداً التي قضيتها بين ظهرانيكم إنني حقاً كنت في شوق لاهب لرؤيتكم وقضاء العيد معكم وقد استجاب الرب صلاتي والحمد للّه وأنعم علينا لنقضي معاً أيّاماً مليئة بالأفراح والمسرّات الروحية توجتها عبادة اللّه بالروح والحق وبالقيام بفروض الصلاة والقداديس الإلهية والمواعظ البنّاءة والاجتماعات الروحية العامة والخاصة وستبقى ذكراها راسخة في قلبي ولن أنساها طيلة أيام حياتي وكنت وسأبقى دائماً مؤمناً بأن الشعب السرياني المبارك في العراق الحبيب هو رمزٌ للإيمان والتقوى ومخافة الله وتأكدت من ذلك في هذه الأيام وأنتم تجتازون وادي الدموع والمحن وأنا بينكم أفتخر بإيمانكم بالله وثقتكم بوطنكم الحبيب العراق فأنتم شعب مؤمن شعب صبور وبطل بكل تصدٍّ وتحدٍّ وصبر تحملتم العذاب بكل إيمان لأنكم تؤمنون باللّه وبكنيستكم وبوطنكم العزيز إنني أشكر نيافة الحبر الجليل مار سويريوس حاوا مطران أبرشية بغداد والبصرة على كل ما تجشّمه من أتعاب لإنجاح هذه الزيارة الرسولية. أما الهدية الجميلة التي قدّمها لي نيافته بالنيابة عن الأبرشية وهي عبارة عن صليب صدر ذهب فألف شكر له وللأبرشية. فقد شرح لكم نيافته معنى الصليب المقدس الذي حملناه منذ صبانا وأضيف أنا قائلاً بأننا في سبيل ذلك تحمّلنا الكثير من المعاناة والصعوبات وصادفتنا العقبات الكأداء لأن حمل الصليب ليس سهلاً أبداً إنما حملناه بإرادتنا وإذ التجأنا الى المسيح يسوع ربنا رأينا أن حمله خفيف جداً لأن نير المسيح هيّن وحمله خفيف كما وعدنا له المجد إننا إن لبينا دعوته واقتدينا به وبتواضعه ووداعته نلنا راحة سامية إن هذا الصليب الذهب هو رمز لصفائكم أنتم أيها الشعب المبارك ونقاء راعيكم الجليل وكهنتكم الأحباء وشمامستكم وشماساتكم إنني حقاً أتقبل هذه الهدية بسرور ومحبة ولكن أعظم من هذه الهدية التي نلتها من هذه الزيارة هي رؤيتي بأم عيني وسماعي بأذني بما رأيت من إيمانكم المتين الثخين والرعاية الصالحة التي يرعاكم بها نيافة أخينا الحبر الجليل مار سويريوس حاوا بل أيضاً هذه النهضة الروحية التي تتجلّى في الكهنة الأعزاء والشمامسة الأفاضل والشماسات المصونات بإدارة نيافته ورعايته وتوجيهاته الأمر الذي جعل ثمار النهضة واليقظة ظاهرتين أمام الغريب والقريب في هذه الأبرشية العامرة الى جانب العمران عمران الحجر والبشر في آن واحد. هذه أفضل هدية تقبلتها من نيافته ومن الشعب المبارك في الأبرشية. إنّنا إن شاء اللّه سنودّعكم بعد ظهر اليوم بعد أن نحتفل بإقامة القداس الإلهي إن شاء الله في كنيسة مار توما في المنصور وبها تختم زيارتنا الرسولية وغداً صباحاً نغادر إلى كركوك ثم إلى الموصل ثم الى مقر كرسينا الرسولي. وإننا سنترك في هذه المدينة الطيبة وكنائسنا المقدسة ولنيافته والإكليروس والشعب المبارك فكرنا وقلبنا واهتماماتنا نحن دائماً كنا نفتكر فيكم كنا نعيش الشدّة معكم وما نزال أما الأن وقد لمسنا صبراً فتعزّينا لأن الرب يمنحنا قوة في الشدة وتزكية لتحمل الشدائد والمشقات والآلام لنظهر أمام الناس خير شهود للمسيح بقيامته من بين الأموات لوجوده حياً بيننا الى الابد فليكن المسيح معكم وبينكم وليكن الروح القدس ملهماً إياكم لتثبتوا على إيمانكم بالرب الذي تسلّمتموه من آبائكم القديسين وتقاليدكم الرسولية والأبوية ولتستمر هذه النهضة الروحية في الأبرشية وليكافئكم الرب على ذلك بنعمته تعالى آمين.
كنيسة مار أفرام ـ كركوك·
نشكر الله الذي أهلنا أن نقوم بهذه الزيارة الرسولية لكنيستنا المقدسة كنيسة مار أفرام في كركوك ولأبنائنا المؤمنين في هذه البلدة ونشكر خاصة نيافة الحبر الجليل أخينا مار غريغوريوس صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها على دعوته الكريمة بالقيام بهذه الزيارة كما نشكر هذا الاستقبال الحافل الذي يبرهن على محبتكم وإكرام لرعاة الكنيسة فقد برهنتم على ذلك بالكلمات الطيبة اللطيفة التي فاه بها كاهنكم الفاضل الأب كوركيس في هذه الكنيسة فألف شكرٍ لكم يشاركني بهذا الشعور أصحاب النيافة الاحبار الأجلاء الذين يشاركوننا هذه الزيارة لكم مار ديوسقوروس لوقا شعيا مطران دير مار متى ومار سويريوس حاوا مطران بغداد والبصرة ومار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي للدراسات السريانية العليا كما أن سكرتيرنا البطريركي الربان إيليا باهي يرافقنا أيضاً في هذه الزيارة أيها الأحباء إن المحبة دعت إخوتنا أصحاب السيادة المطارنة الأجلاء والكهنة الأعزاء لمشاركتكم بهذا الاستقبال الحافل فألف شكرٍ وشكرٍ لهم ولتدم المحبة بين جميع المواطنين في ديارنا العراقية في وحدة وطنية تعود الى جهود جبارة لسيادة المنصور بالله سيادة الرئيس صدام حسين وقد ذكرناه بالصلوات وطلبنا من الله القدير العلي أن يمتعه بالصحة والعافية والتوفيق ليرفع رايات النصر لبلادنا العزيزة العراق وليزيح كابوس ما وضع عليها من أثقال جمّة لكي تتمتع بل ما عندها من خيرات ويسعد شعبها.
أيها الأحباء في هذه الأيام نحتفل بعيد قيامة الرب من بين الاموات وأمس احتفلنا بالأحد الجديد وبعيد قيامة الرب وعيد مار توما دائماً نذكر تعاليم الرسل الأطهار لأننا نرى فيهم معلمين ومرشدين لنا في هذا الميدان وفي كل الميادين الرسول بولس يقول لنا إن لم يقم المسيح فباطلٌ إيمانكم وباطلة هي كرازتنا أنتم بعد في خطاياكم، لكن المسيح قام وصار باكورة الراقدين الرسالة الى كورنثوس الإصحاح الخامس عشر. يرى الرسول بولس حقيقة قيامة المسيح ويعتبرها أساساً للقيامة العامة وكان أيضاً يجعل الكرازة التي هام بها الرسل كشهود للقيامة باطلة والإيمان الذي تمسك به أتباع يسوع باطلاً إن لم يكن المسيح قد قام لكن بولس يؤكد أن المسيح قام ويربط قيامته أيضاً بالقيامة العامة فيقول صار باكورة الراقدين كان من الضروري أن يقوم المسيح من بين الأموات بعد موته على الصليب وقد تنبأ على ذلك وسبق وأخبر تلاميذه في ذلك كما كان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ ولكنه بعدئذ يخرج وطرح على الساحل كان يونان حياً في جوف الحوت وكان المسيح حياً المسيح يسوع الذي مات على الصليب، لم يفارق لاهوته عن جسده ونفسه لحظة واحدة فهو بلاهوته كان حياً بالرب ولئن كان ميتاً بالجسد ولقد عمل الفداء وأقام آدم وحواء وأعاد أرواح جميع الأبرار والصديقين الذين كانوا في العهد القديم على رجاء القيامة وعمل الخلاص والكفارة الذين قام بهم لذلك كان المسيح يعمل في الهاوية وكما دعا اللص التائب الى الفردوس أخذ تلك الأرواح أيضاً الى الفردوس لتتنعم هناك منتظرة القيامة العامة لتقوم مع أجسادها وتقف أمام الديان العادل ولترث ملكوت الله فلو لم يكن المسيح قد قام لكان باطلاً إيماننا وكل ما عمله المسيح يكون باطلاً وإن لم يكن قد قام لم يكن بمقدوره أن يعمل شيئاً ولو استطاع القبر الصغير أن يضمه الى الأبد لما كان مسيحنا ولو استطاع القبر أن يئد رسالته لكانت أقوال الرسل باطلة وكاذبة ولكن المسيح قد قام وكان من الضروري أن يقوم من بين الأموات لنعرف أن الآب قد قبل ذبيحته الكفارية وأنه قد طهر وبرر وقدس جميع الذين انتظروه منذ البدء ورقدوا واعتبروا أنفسهم غرباء على حد قول الرسول بولس كما جميع الذين سيؤمنون به بعد قيامته ويتمسكون بإيمانه حتى الدم المسيح قد قام حقاً قام شهود القيامة لا عدد لهم شهادة الرسل الذين رأوه بعيونهم واستمعوا إليه أكلوا وشربوا معه وعندما نذكر توما أحدهم نطوبه لان شكوكه كانت الطريق إلى إنارة الملايين منا عبر الدهور والأجيال أراد وألح أن يرى المسيح بأم عينه قائماً من بين الأموات كما رآه رفقاؤه لكي يحمل هذه البشارة بثقة بالله تعالى وبنفسه الى العالم أجمع أن المسيح حقاً قد قام من بين الأموات وإن يسوع الذي قام من بين الأموات هو هو الذي قام من بين الأموات والجروحات التي في يديه وجنبه ورجليه واضحةً وهو الخاروف المذبوح الذي رآه بعدئذٍ صاحب الرؤيا وقد استوى على العرش في السماء وخضعت له كل الأمم فالمسيح قد قام من بين الأموات شهد بذلك الرسل كافة قالوا إننا قد رأيناه بعيوننا ولمسته أيدينا أكل وشرب معهم ظهر للعديد منهم منفردين بأوقات مختلفة صباحاً ومساءً وظهراً بأماكن عديدة ليلاً ونهاراً في الجبال والوديان في البحيرات ظهر لأولئك جميعاً ليبرهن على أنه حقاً قام من بين الأموات وقيامته تعطينا رجاءً لا يخيب بالقيامة العامة فإذا كان قد أقام الموتى قبل مجيئه بالجسد بوساطة أنبيائه. وكذلك جثة الشاب الذي وضع على عظام اليشع نهض حياً، ولكن الذين قاموا ماتوا ثانية، أما المسيح يسوع فبعدما قام وهو حي الى الأبد طوبى لنا كما قال للرسول توما طوبى للذين آمنوا ولم يروا طوبى لنا إذا آمنا بالمسيح الحي الذي قال عن نفسه في سفر الرؤيا الذي كان ميتاً وهو حي الى الأبد وبيده مفاتيح الهاوية طوبى لنا إذا آمنا أن مسيحنا معنا فقد وعد إذا اجتمع إتنان أو ثلاثة منا باسمه يكون هو بينهم إذا كانت الاصنام العديدة قد وقع لها صانعوها وعابدوها أيدي كثيرة لتمتد كل يد لأمر هام لمساعدة البشر وإن إلهنا المتجسد ونحن نكفر تلك الأصنام ولا نعبدها لأن عبادتها كفر لأن إلهنا حي وهو معنا يسمعنا ويستمع الى صلواتنا ويعيننا قد نشعر ونحن في ضيق وفي شدة أن المسيح قد غاب عنا كما شعر التلاميذ وهم في السفينة وكانت السفينة تغرق من شدة العاصفة أيقظوه ظانين أنه كان نائماً فوبخهم يا قليلي الإيمان وأسكن البحر والعاصفة وهكذا هو معنا وبيننا إن كنا نؤمن أنه قام حقاً ولن يموت أبداً وصعد الى السماء وقد استوى على العرش عن يمين الإله الأب وهو يشفع فينا وفي كنيسته.
فإيمان الرسل هو حقيقي ونبوات الأنبياء التي تمت في المسيح هي صحيحة وسليمة وإيماننا بالمسيح ليس خاطئاً إذا كنا قد متنا مع المسيح وقد دفنا معه في المعمودية كما يقول الرسول بولس فعلينا كأناس أحياء بالمسيح يسوع قد تخلصوا من الموت الأبدي والموت الطبيعي علينا أن نشكر الله بسيرة صالحة ليرى الناس أعمالنا الحسنة ويمجدوا الأب السماوي ونعمته تشملكم دائماً أبداً. آمين.
كنيسة السيدة العذراء ـ سنجار·
أشكر الله الذي أهلني أن أقوم بهذه الزيارة الرسولية لهذه البلدة المباركة سنجار تلبية لدعوة الأخ نيافة الحبر الجليل مار غريغوريوس صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها الذي تكرم وألح أن نزور سنجار ومعي الإخوة الأجلاء مار ديوسقورس لوقا شعيا مطران دير مار متى، ومار سويريوس حاوا مطران بغداد والبصرة، والمطران مار سويريوس اسحق ساكا النائب البطريركي للدراسات السريانية العليا والابن الروحي الفاضل الأب الربان إيليا باهي السكرتير البطريركي وبعض الوجوه من أبناء الكنيسة في أبرشيات العراق.
أشكركم جميعاً على هذه الحفاوة أشكر جميع الأصدقاء من المسلمين واليزيدية ونحن جميعاً في وحدة وطنية في عراقنا الحبيب. إننا نثني جزيل الثناء على ابننا الروحي الفاضل القس شمعون على الكلمات الطيبة التي فاه بها ونهنئه على شجاعته وعلى فهمه. ونشكر الشعب المبارك بكل انتماءاته الدينية والطائفيّة لأنّهم يعيشون بمحبّة.
أيّها الأحباء عندما دخلت هذه البلدة عادت بي الذكرى إلى الأيام السالفة فسنجار عزيزة على قلبي جداً يوم كنت طالباً إكليريكياً في الرابعة عشرة من عمري وأنا أتحلى بالزي الإكليريكي أحل في دار شقيقتي الكبرى المرحومة جنبد وزوجها المرحوم عبد الرحيم عيواص الذي كان مأموراً لدائرة البرق والبريد في ذلك الحين وكنت في الصباح الباكر وأنا بطريق مجيئي الى هذه الكنيسة لأصلي مع المرحوم القس أفرام جونا أشعر بسعادة تامة وكذلك لما كنت أصادف الإخوة الأعزاء اليزيدية وقد رجعوا من بساتينهم باكراً حاملين التين والعديد منهم يتقدم إلي ليضيفني ولو تينة واحدة ويُعَدُّ ذلك علامة الكرم والمحبة وفي مثل هذه الأيام قضيت مرة احتفال عيد القيامة المقدس هنا ولأول مرة وكان عمري خمسة عشر عاماً، من هذا المكان المقدس ارتجلت موعظة بموضوع قيامة الرب من بين الأموات. أصلي الى الرب أن يثبتنا على وحدتنا الوطنية وأن يرفع الحصار الظّالم عنا. ليبارككم الرب أحبائي ويجعل هذه الزيارة الرسولية سبب نعمة وخير لكم ولأولادكم وأحفادكم ويحفظكم بنعمته تعالى آمين.
رسامة رهبان في دير مار أفرام·
نشأ هؤلاء الرهبان الأربعة الجدد في دورهم العامرة نشأة روحية سريانية أرثوذكسية صالحة وقدمهم أهلهم لخدمة الرب ليسكنوا هيكل الرب مثل صموئيل في العهد القديم، وليكونوا خدّاماً لإلهنا ورهباناً يعبدونه بالروح والحق. كما عبده آباؤنا السريان الرهبان الأفاضل والأخوات الراهبات الفاضلات، الذين عبر الأجيال ملؤوا جبال الرها والفاف وطورعبدين والأزل وسائر الأماكن التي في ما بين النهرين العليا والسفلى وسوريا الداخلة، فالرهبنة عند السريان ابتدأت في القرن الثالث بتوحّد العبّاد وانفراد كل واحد منهم في مكان منعزل ثمّ صارت جماعية، فأسست الأديرة فسميت أيضاً الرهبنة الديرية وامتلأت المناطق المذكورة بالأديرة التي كانت منارات تشع بنور الإيمان. والرهبنة لدينا ليست فقط قوة وراء الكنيسة بالصلوات الحارة المستجابة التي يرفعها الرهبان والراهبات لأجل أبناء الكنيسة بل هي أيضاً قوة في الكنيسة ومع الكنيسة فكم حارب الرهبان والراهبات الهرطقات والبدع الوخيمة، وكم اعتنوا بالمرضى وسدّوا عوز الفقراء والمحتاجين، ومثالهم في ذلك القديس مار أفرام السرياني الذي علاوة على حمله رسالة التعليم والتهذيب وإرشاد الشبّان، ورعاية الرهبان ونشر البشارة الإنجيلية، يُعتَبر في مقدّمة الروّاد الذين طبقوا التعاليم المسيحية السمحة في نُصرة المرأة فقد ألّف أول جوقة ترتيل للفتيات وتحدى بذلك العالم كله إذ أدخل الفتاة في خدمة الكنيسة كما أنه إبّان المجاعة في الرّها كان يجمع الصدقات من الأغنياء ويوزّعها على الفقراء وفتح داراً يأوي إليها المرضى لشفائهم وللاعتناء بهم وأصيب هو في الطاعون في غمرة اعتنائه بمن أصيبوا بهذا المرض العضال يوم ذاك، هذه هي رهبنتنا.
واليوم رهباننا وراهباتنا يتنسكون ويتزهدون ويعبدون الله في الأديرة في كل مكان وفي الوقت نفسه يخدمون الشعب بالوعظ والتعليم وإذا احتاج الأمر يحملون مشعل الإنجيل المقدّس إلى بلاد نائية ويقدّمون الخدمات الكهنوتية للمغتربين السريان وغيرهم. وتهتمّ راهباتنا في التربية الدينية والرياضات الروحية ولذلك تقطف الكنيسة المقدسة ثمار أتعابكم بنيل بركة الرب ونعمته.
أيّها الأحباء، إننا في هذه المناسبة الروحية لا بدّ من أن نتأمل بموضوع الرهبانية وقد سمعنا الرب يقول لنا في فصل الإنجيل الذي تلي على مسامعكم: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. فإنّ من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها»(مت 16: 24و25). قال الرب هذه الكلمات بعد أن كان قد أعلن على لسان بطرس هامة الرسل هويته الحقيقية فهو «ابن الله الحي» كما أزاح الستار عن رسالته الإلهية وأوضح لتلاميذه أنه لا بد أن يتألم بيد الشيوخ ورؤساء الكهنة وعندما أخذه بطرس جانباً وقال له: «حاشا لك يا رب لا يكون لك هذا» يقول الإنجيل؛ انتهر الرب بطرس وقال له: «اذهب عنّي يا شيطان، أنت معثرة لي لأنك لا تهتمّ بما لله لكن بما للناس»(مت 16: 23). إنّنا أيّها الأحبّاء عندما نفتكر في ما لله نرى أمامنا الصليب والجلجلة ونؤمن بأنّنا لم ننل الفداء قبل أن علّق المسيح على الصليب ومات من أجلنا وصار كفّارة عن خطايانا. ولا يمكن أن نكون تلاميذ حقيقيين للرب يسوع ما لم نتبعه في طريق الجلجلة ونصلب ذواتنا معه على العود. أجل! عندما دعا الرب تلاميذه لأول مرّة فتبعوه، كان في أوج شهرته وقد اكتشفه الناس معلّماً صالحاً تكلّم كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين، كما كانوا مندهشين ممّا كان يجري على يديه من المعجزات الباهرات التي أظهرت سلطته على الأبالسة والبشر. بل على عناصر كونه كافة فإنّه يصرخ بالبحر الهائج فيهدأ. ولكن عندما اكتشف تلاميذه هويّته وعرفوا أنّه ابن اللّه الحي كما أنه هو الفادي الإلهي وإنّه سيُعذّب ويُصلَب ويموت لم يكن من الهيّن تلبية دعوته إيّاهم بأن يضحّوا بكل شيء في العالم ويحملوا صليبه ويتبعوه في طريق الآلام. فهو يقول ما معناه: مَن أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه أي أن يعترف بمجد الله ويتلاشى أمام العزة الإلهية ويضحي بكل شيء ويعترف بحق الإنسان عليه ويحمل صليبه ويتبعني. والصليب عندما يحمله الراهب أو من يريد أن يتبع المسيح يتبعه في آلامه في طريق الجلجلة وبإرادته التّامة وبرضى يقبل أن يتحمّل ما تحمّله الرب يسوع وهو يعرف كيف أن المسيح تذلل كما تنبّأ عنه إشعياء: كشاة سيق للذبح كنعجة أمام جازِّيها، وقد تألم وحكم عليه اليهود بالموت وكان من المفروض أن يقتلوه رجماً ولكنهم لكي يزيدوا ذلك الموت مرارة وشدة أرادوا أن يحكم عليه بالموت من الرومان أيضاً، والحكم بالموت لدى الرومان هو الحكم بالصلب لأن الصليب كان علامة لعنة لدى اليهود. ولم يعلموا بأنّه بقي علامة لعنة أبديّة عليهم ولكنّه تحوّل بصلب المسيح عليه بركة وفداء للمؤمنين به وراية المسيحية المقدّسة.
كم أبغض اليهود مسيحنا أيها الأحباء، ولذلك قيل إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله أما الذين قبلوه فأعطاهم أن يصيروا أولاد الله الذين ولدوا لا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من اللّه، أولئك الذين يستحقون أن يحملوا صليبه. ويتبعوه في طريق الجلجلة. وصليبه هو صليب آثامنا نحن البشر فعندما سقط الرب تحت وطأة الصليب وهو في طريقه إلى الجلجلة سُخر إنسان اسمه سمعان القيرواني ليحمل صليب الرب. واستحق سمعان هذا أن ينال نعمة من الرب ليُعد أول من حمل صليب المسيح وسار وراءه متقدّماً موكب الذين يحملون صليب الرب ويتبعونه، في ذلٍّ في تواضع وهذا التواضع كان يدعوه المسيح مجداً. كثيراً ما سمعناه يقول: عندما يتمجد ابن الإنسان ومجد ابن الإنسان هو في قمة التضحية ونكران الذات، ظهر عندما حمل صليبه بل صليب خطايانا وسقط على الأرض، إذ أثقل عبء آثامنا كاهله. وعندما سار بذلٍّ إلى الجلجلة وعلق على الصليب. وشكل الصليب هو عموديّ وأفقي، فهو عمودي يرمز إلى علاقة حامله بالسماء، وهو أفقي يرمز إلى علاقته بالبشر، وهذا يعني اتّصال الراهب بالسماء بالصلاة المستمرّة وتوزيع بركاتها على البشر وبعبارة أخرى، أن نأخذ النعمة التي أعطيت لنا مجاناً من الله ونوزّعها على الأرض كلها. هذا هو الصليب الذي حمله الرهبان الأربعة اليوم أيها الأحباء ليتمجدوا مع المسيح عندما يصلبون أنفسهم مع المسيح اقتداءً بالرسول بولس القائل مع المسيح صلبت لأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ. أجل إننا عندما نسير وراء المسيح إلى الجلجلة عندما نصلب ذواتنا وأهواءنا وكل شهوات الجسد ومغرياته حينذاك يحيا المسيح فينا لأننا نموت معه لنحيا معه ولنقوم معه في اليوم الثالث بمجد عظيم بل أيضاً لنرث الحياة الأبدية، فلا إكليل مجدٍ في السماء دون إكليل شوك على الأرض، ولا حياة أبدية هنيئة في السماء دون آلام على الأرض ولذلك فالرسول بولس يقول: «لأنّه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله»(في 1: 29).
ما أعظم النعمة التي يسبغها الله على شباب وشابات يعطون قلوبهم للمسيح يسوع ربّنا إتماماً لوصية الرب القائل: «يا بنيّ أعطني قلبك ولتُلاحظ عيناك طُرُقي»(أم 23: 26). فليُعطِ الرهبان والراهبات قلوبهم للمسيح يسوع وحده، وعندما يقول الرب: «مَن أحبّ أباً أو أماً أكثر منّي فلا يستحقّني ومن أحبّ ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقّني»(مت 10: 37)، وقوله: «من يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً»(لو 14: 26)، يعني الرب بذلك أن محبتنا له تقدّس اسمه، يجب أن تكون إلى درجة أن محبتنا الناس وحتى محبّتنا أقرب الأقارب والمقرّبين إلينا تعتبر وكأنّها بغضة بالنسبة الى عمق محبتنا للمسيح يسوع. فطوبى لمن أحب المسيح لأن المسيح قد أحبنا أولاً وفدانا بل إن الآب السماوي أيضاً، هكذا قد أحب العالم كما يقول الإنجيل المقدس حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو 3: 16).
أعزائي: ما أسعد الدار التي تمنح الكنيسة راهباً أو راهبة! إنّ البركة الإلهية تحل في تلك الدار، وإن المسيح يسوع يسكب كل نعمه على تلك الدار، كما إن الذي يقدم نفسه لله يذكر في صلواته دائماً أبويه إن كانوا أحياء ليعطيهما الرب حياة طويلة وسعيدة وهنيئة، وإذا انتقل الإنسان إلى الحياة الثانية فالراهب والراهبة بصلواتهما يذكران آباءَهما وأجدادهما جميعاً ليعطيهم الرب راحة في السماء. فما أسعد تلك الدار التي تقدم للكنيسة راهباً أو راهبة! بذلك أحبائي تكون تلك الدار مثالاً لدور السريان القدماء آبائنا الميامين الذين كانوا يحبون الأديرة ويعتزون برهبانهم وراهباتهم، الذين كانوا يلتفون حول إكليروسهم بمحبتهم العميقة لإيمانهم المتين الثخين. يطيب لنا الآن أيّها الأعزاء أن نهنّئ ذوي أبنائنا الرهبان الأربعة الجدد ونبارك لهم بهذه المناسبة الروحية ونصلي ليمنح الرب أبناءنا الرهبان الجدد نعمة عظيمة وقوة في القيام بما تستوجبه عليهم النذور الرهبانية التي إنما قدموها أمام المسيح يسوع ربّنا وأمامنا جميعاً وهي البتولية المقترنة بالعفة التامة والفقر الاختياري مع غنى في المسيح يسوع، وكذلك الطاعة التامة للرب يسوع ولرئيسهم العام ورؤسائهم المكانيين كأنهم يقدّمون الطاعة للمسيح ذاته. لتشملهم نعمة الله وتشملكم دائماً بنعمته أحبائي آمين.
مؤتمر الأبرشيات السريانية في أميركا وكندا·
أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء،
أحبائي الكهنة الأفاضل،
الأعزاء ممثلي كنائسنا المقدسة لأبرشيات النيابات البطريركية في الولايات المتحدة وكندا.
يسرني جداً أن أكون بينكم في هذا الصباح المبارك في اجتماع يضمّ الأحبار الأجلاء والكهنة الأفاضل وسائر أبنائنا وبناتنا الذين يمثّلون تلك الكنائس التي نعتزّ بها في المهجر، ويسرني أيضاً أن أوضّح الغاية الفضلى من اجتماعنا دائماً كإكليروس وعلمانيين في أي مكان كان في العالم، لأن الكنيسة تتألف من الإكليروس ومن العلمانيين. والكنيسة هي مؤسسة إلهية، مؤسسة إلهية شعارها الصليب المقدس، دستورها الإنجيل المقدس الذي سلّمه إلينا الرسل الأطهار وأثبتوا أنه هو الشهادة الصادقة عما عمله وقاله ودبّره الرب يسوع في تدبيره الإلهي بالجسد. هدفها أن تأتي بالناس إلى الخلاص بالمسيح يسوع ربنا، ولذلك تدعوهم كما دعاهم الرب إلى التوبة «توبوا فقد اقترب منكم ملكوت الله»(مت 4: 17). ليست الكنيسة مؤسسة علمانية. ليست الكنيسة شركة دنيوية مادية، اقتصادية أو اجتماعية. الكنيسة مؤسسة إلهية. عندما أراد المسيح يسوع أن يؤسس كنيسته أسسها على صخرة الإيمان لأنها إلهية، وإن لم يكن هذا الإيمان قائماً في الكنيسة وصحيحاً وسليماً وأرثوذكسياً فتلك المؤسسة حتى لو دعت اسمها كنيسة ليست بكنيسة. ما لم نؤمن أن المسيح يسوع هو ابن اللّه الحي ونقبل سائر العقائد التي تسلّمناها من الرسل الأطهار والآباء القديسين لا تكون كنيسة للمسيح. الكنيسة إذاً إيمان وفي الوقت نفسه الكنيسة نظام. النظام هو نظام إدارة الكنيسة كما سلّمها (الإدارة) المسيح يسوع لبطرس منفرداً أن يحلّ ويربط وسلّمها بعدئذٍ لبقية الرسل مجتمعين، فمن هنا تأتي الحياة المجمعية. فالإيمان والنظام ضروريان جداً للكنيسة حتى أن ثالث بطاركة أنطاكية القديس الشهيد مار إغناطيوس النوراني عندما تطلّع إلى سلطة الرسل وخلفاء الرسل من أحبار الكنيسة قال لا كنيسة بدون أسقف. لا يمكن أن تأتي مؤسسة وتدعي أنها كنيسة ما لم يكن لها سلسلة رسولية إلى الرسل وهذه السلسلة عن طريق الرسامة. عندما قال ذلك لم يكن هناك سوى أسقف واحد هو أسقف أنطاكية بالنسبة إليه هو كثالث أساقفة أنطاكية. والأسقف الذي هو رسول له سلطةٌ، سلطة التعليم والتأديب والقضاء، سلطة الحل والربط والإدارة، من خلال هذه السلطة وممارستها يستطيع أن يدير الكنيسة. كيف دخلت العلمانية في إدارة الكنيسة فهذا شيء يجب أن نفهمه كلنا، قد يزاود بعضنا ويتكلّم بالشعب فلا تصدقوهم لأنه لا يمكن أن تكون الكنيسة من الشارع. الكنيسة من فوق والسلطة من اللّه. كل رئيس كهنة مثلما يقول الرسول بولس ينتخب من الشعب ليتقدم الشعب ـ هذا قول الرسول بولس لا قولي ـ ينتخب من الشعب ليتقدم الشعب ويقدم القرابين عن ذنوبه عن خطاياه، هو أيضاً خاطئ، وعن خطايا الشعب. فالسلطة روحية صرفة ولكن من هذه السلطة انبثقت سلطة أخرى بدأت بالرسل. عندما كان الرسل يخدمون الكلمة وصار خلاف ما بين الذين تنصروا من اليهود والذين تنصّروا من اليونانيين، وإلى هذا اليوم العنصرية موجودة فإذا كان من أهل هذه البلد يراعي أهل هذه البلد وإذا كان من القرية الفلانية سيراعيها، ومن العشيرة الفلانية، وخاصة عندنا نحن السريان فهي موجودة كثيراً. ورأى الرسل أن الأرامل إذا كنَّ من الجهة الأخرى فلا يخدموهنَّ لذلك قالوا: ليس جميلاً ليس حسناً أن نترك الكلمة، نحن رسل أعطينا أن نبشر أن نعلم ونخدم الموائد، فقاموا واختبأوا وقالوا على موضوع الشماسية وانتخبوا سبعة شمامسة حتى يخدموا الأمور المادية. من هنا دخل العلماني إلى السلك الكهنوتي حتى يساعد الرسل في الخدمة وكانوا شمامسة وقد ذكرت هذا قبل الآن أيضاً. وهذا ليس غريباً عن الدين لنتطلع إلى العهد القديم مثلاً، موسى وهو كبير الأنبياء وعظيمهم ونال نعمة عظيمة من اللّه أن يقود الشعب من العبودية وإن كانت المادية والدنيوية إلى الحرية وعلى يديه أنزل اللّه الشريعة موسى هذا كان يجلس للقضاء أيضاً، تعب كثيراً فقال له اللّه أن ينتخب سبعين شيخاً ويأخذهم خارج المحلة وأن اللّه سبحانه وتعالى يأخذ من الروح التي على موسى ويوزّعها ويعطيها لأولئك الشيوخ ليكون لهم صلاحية روحية أيضاً إلى جانب الصلاحية الدنيوية ليساعدوا موسى في الخدمة. ونقرأ في الكتاب أن اثنين من الذين انتخبوا كانا في المحلة ولم يأتيا خارج المحلة ومع ذلك حل عليهما الروح القدس وجاء يشوع بن نون الذي كان يخدم موسى وقال له أن هؤلاء الاثنين يتنبأان، فقال له موسى: ليس الشعب كله يتنبأ.
فهنا نرى أن السلطة التي أعطيت لأولئك العلمانيين حتى في زمن موسى كانت مستمدة من السلطة التي أعطيت بالروح القدس لموسى بالذات. هكذا سارت الكنيسة بتعاون العلمانيين والإكليروس في خدمة مؤسسة إلهية ليست دنيوية أبداً أبداً، وإذا اعتبر مثلما سألني أحدهم أمس: نحن نريد أن ندير الكنيسة والمطارنة رؤساء فخريون، فما هذه السخافة، المطران رئيس فخري وأنت (العلماني) تدير الكنيسة؟ فمن أنت؟ فغداً تبيع الكنيسة وتذهب.
هذا شيء يجب أن يغيب عن ذهن كل إنسان مؤمن بالمسيح وكل إنسان يريد أن يخدم المسيح عن طريق الكنيسة أن السلطة العلمانية في خدمة الكنيسة تستمد من السلطة الروحية. الحقيقة نحن نحتاج إلى شيء، قد نكون علماء، قد نكون أناساً إداريين جداً في الأمور المالية والاقتصادية والدنيوية ولكن عندما نأتي إلى خدمة الكنيسة نحتاج أن نتعلّم لا القانون المدني فقط بل القانون الكنسي أي ما نسمّيه الحق القانوني لنعرف كيف تسير الكنيسة، ما هي إدارة الكنيسة، ما هي إرادة اللّه في إدارة الكنيسة، لنعرف الهرمية الموجودة في الكنيسة والخدمة التي يجب أن تكون خدمة إلهية صرفة. لكن عندما نحتاج إلى خدمة الموائد يأتي العلماني ويخدم مثلما اختير الشمامسة السبعة لخدمة هذه الموائد. ليتنا نؤسّس شبه مؤسسات تربوية تهذيبية للكبار ولمن يريد أن يخدم الكنيسة ليفهم ما معنى الكنيسة وما هي أهدافها وما نوع الخدمة فيها وما هي قوانينها ودساتيرها حتى تكون خدمته ناجحة صالحة. أنا متأكّد أنكم خاصة أولئك الذين يخدمون اليوم الكنيسة في المهجر على الأخص بالغيرة والشهامة والإيمان والتضحية ونكران الذات وهذا ليس بسهل أبداً في المهجر، ليس سهلاً عندنا في الوطن فكم بالحري هنا والمسافات بعيدة وأشغالكم كثيرة لكن ليتكم تأخذون دورات بموضوع الإدارة الكنسية. نحن اليوم بدأنا من سنة التسعين بدورات في دراسة اللاهوت للعلمانيين للذين يخدمون مراكز التربية الدينية، وكلهم شباب وبنات، ويومها قلت ستكون الفتاة يوماً ما مدرسة للاهوت عندنا، واليوم حدث فبعض الفتيات أخذن دبلوماً في اللاهوت ويدرّسن ويلقين محاضرات في اللاهوت. هؤلاء يتهيؤون لإدارة الكنيسة في المستقبل سيكونون في المجالس الملية والمجمعيات وغيرها، يكونون قد تدرّبوا وتعلّموا وعلموا ما هو موقعهم في الكنيسة ما هي حدودهم ما هي أصول خدمتهم، وبهذا الأسلوب أيها الأحباء نكون قد خدمنا خدمة صالحة وناجحة لكنائسنا في العالم أجمع.
ما أرغب إليكم فيه في هذا الاجتماع وكل اجتماع ما لاحظته سابقاً وألاحظه أولاً فهمكم وشعوركم بالمسؤولية تجاه ما أنتم عليه من مركز في خدمة الكنيسة ونعمة عظيمة جداً أننا نجتمع معاً إكليروساً وأبناء الشعب الإداريين في خدمة الكنيسة ونتبادل الآراء بمحبة وتضحية بالشعور بأننا واحد ليس فقط في هذه الأبرشيات العزيزة في المهجر بل في كل مكان. ويجب أن نكون واحداً في هذه الأبرشيات خاصة كل واحد بموقعه وبمسؤوليته وبمستوى مركزه إن كان من الإكليروس أو الشعب يجب أن نكون واحداً ونشعر شعور الآخرين. نحن جسد واحد هو جسد المسيح وأعضاء الجسد تتعاون بانسجام إذا كانت مؤمنة أن رأس هذا الجسد هو المسيح بالذات اجتمعنا باسم المسيح لندعو المسيح ليكون في اجتماعنا يرأسه ويرسل روحه القدوس إلينا ليلهمنا إلى ما فيه خير كنيستنا وخير عائلاتنا وأولادنا وأحفادنا لكي ينشؤوا في هذه البلاد نشأة صالحة ولتتقوى الكنيسة وتزدهر بالإكليروس والعلمانيين ونعمة الرب تشملكم آمين.
الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
في القرن الحادي والعشرين·
أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء، الآباء الكهنة الأحباء، أيها الأعزاء:
بحسب البرنامج من المفروض أن أتكلّم عن الكنيسة في القرن الحادي والعشرين، وبالحقيقة افتكرت بهذا الحديث وحاولت أن استلهم ربي فرأيت أن ليس بإمكاني أن أتنبّأ، إشعياء فقط من الأنبياء الكبار استطاع في القرن الثامن قبل الميلاد أن يتنبأ عن الرب يسوع، ميلاد من العذراء وعن مراحل آلامه وكأنه شاهد عيان. وليس بقوة بشرية بل بقوة إلهية وإلهام ولكن عندما نقول أننا نتكلم عن مستقبل الكنيسة كما هو الموضوع يعني ذلك أن نستنتج من ماضيها وحاضرها ما ستكون عليه هذه الكنيسة المقدسة. أنتم تعلمون أن الكنيسة هي مؤسسة إلهية وأن سلطتها هي من اللّه، وأن الكنيسة عندما أسّسها الرب يسوع بعد اعتراف بطرس بإلهام السماء بأنه ابن اللّه، حالاً وضع فيها سلطة كهنوتية. أعطى بطرس هامة الرسل سلطان الحلّ والربط. بهذا تكون الكنيسة قد ربطت نفسها بالسماء عن طريق أناس تختارهم السماء ليقوموا بخدمة هذه الكنيسة. كنيستنا المقدسة ماضيها عبر الدهور والأجيال مشرّف جداً، آباؤها كانوا قديسين، تمسّكوا بالإيمان القويم، أخذوا عن الرسل ما أخذه الرسل عن الرب من عقائد سمحة وطقوس وأسرار إلهية وسلموا ذلك إلى تلاميذهم حتى وصل ذلك إلينا. آدابها وأخلاقها تبرز من ما كان عليه وما هم عليه أبناؤها الإكليروس والشعب في آن واحد. هدفها خلاص البشرية لأنها أصبحت مخزن النعم والمواهب التي أعطاها لقوة استمرار ذبيحة الصليب المقدس. هذه هي الكنيسة قدّمت شهداء لا يحصى لهم عدد في سبيل التمسك بالإيمان والعقيدة السمحة. جاهدت جهاداً حسناً وانتصرت، وهي الكنيسة المجاهدة إذا ما انتصرت يُضمّ أولادها إلى الكنيسة المنتصرة في السماء. كنيستنا تمتاز عن غيرها بما أنعم اللّه عليها من تراث ثمين فهي تحافظ على لغة المسيح السريانية المقدسة، اللغة التي فاه بها ربنا والرسل والعذراء مريم، وقدم فيها مار يعقوب أسقف أورشليم أول قداس احتفلت به المسيحية، وما نزال نعتبرها لغتنا الرسمية والطقسية في آن واحد. في جهادها عبر الدهور قامت ممالك ضدها أراد أباطرة وملوك ورؤساء تلاشيها، ملاشاتها، ذوبانها في مجتمعات كثيرة. بيزنطية الظالمة، اللغة اليونانية التي كانت مهيمنة على منطقتنا حاولت أن تذوب السريانية فيها فلم يستطع أحد أن يلاشي لغتنا التي هي علامة بيّنة تميّز كنيستنا عن غيرها. حتى أيام الاضطهادات في القرون الأربعة تقريباً الأولى، أو قل حتى القرن الرابع، كم قدمت من شهداء ولكنها بقيت ثابتة؟ كم دحرت من هرطقات وبدع وهي متمسكة بعقائدها الدينية؟ كم دحرت من أناس أرادوا أن يبلبلوا أفكار أولادها ويبعدوهم عن شريعتهم المسيحية السمحة ولكن بقي السريان أنقياء طاهرين قديسين. منذ القرن الرابع ظهر التراث السرياني مميّزاً عن بقية اللغات اليونانية واللاتينية وغيرها وتقوّت الرهبانية السريانية حتى فاقت جميع الطرق الرهبانية هنا وهناك. وعندما جاء القرن الخامس وفي مجمع خلقيدون سنة 451 عندما انقسمت المسيحية إلى شطرين، كان السريان والأقباط وبعدئذ الأرمن، معاً جبهة واحدة متمسكين بالإيمان مجاهدين الجهاد الحسن. لم تكن اللغة السريانية ضعيفة يومذاك بل كانت قوية جداً ولئن هربت إلى الجبال خوفاً من اليونانية لغة الثقافة في منطقتنا السورية ولكنها في الوقت نفسه كانت بين أيدي الرهبان الأتقياء العلماء الأفذاذ يدرسونها مع لغات أخرى ويدرّسونها وحافظوا عليها. باضطهادات بيزنطية لنا تقوّت الكنيسة، عندما قام بطلنا يعقوب البرادعي الذي رسم مطراناً بهمة ملكتنا إلى الأبد تيودورة وحارث بن الجبلة العربي، فعندما نقول سريان لا نقصد فقط آراميين أو أثوريين أو بابليين، نحن بقايا شعوب. العرب أيضاً هم السريان، الغساسنة الذين كانوا موالين للدولة البيزنطية سعوا إلى تثبيت أقدام السريان في بلادهم، تغلب القبيلة العربية العظيمة التي قيل عنها «لولا الإسلام لأكلت تغلب العرب» كانت على مذهب السريان، كان أساقفتها معها يرحلون هنا وهناك ويتعلمون أيضاً اللغة السريانية ولكنهم أيضاً يحتفلون بالقداس الإلهي باللغة العربية وكان الإنجيل المقدس قد نقل إلى العربية الفصحى. هؤلاء سعوا لتثبيت السريان إلى إيمانهم وتقاليدهم وعادات آبائهم وأخلاقهم وآدابهم السامية. يعقوب البرادعي دار وجال، كان رجلاً أعجوبة وثبت الكنيسة السريانية والقبطية والأرمنية أيضاً في آن واحد. حينذاك عرف السريان أن لا بد لهم أن يهتموا بلغتهم وتراثهم ولا بد لهم أن يتجنّبوا الآخرين فظهرت هويتنا واضحة وظهرت أيضاً عقائدنا للعالم كله أنها العقائد السمحة التي تسلّمتها الكنيسة من الرسل الأطهار. حينذاك لم يكن لنا بطريرك بعد مار سويريوس الأنطاكي إلا سريانياً، قبل ذلك كان البطاركة من اليونان والسريان أو غيرهم. هكذا ثبتت هوية كنيستنا أيها الأحباء والفضل في ذلك لأعداء للكنيسة والعقيدة السمحة من البيزنطيين خاصة. ولم تنتهِ اضطهادات البيزنطيين لنا حتى مجيء العرب المسلمين الذين حمونا ودافعوا عنا وكرّمونا، الذين رأينا فيهم إخوة فتعاونّا معهم في تحرير بلادنا ولكن مع هذا كانت لغتنا ضعيفة تجاه باقي اللغات في المنطقة. ونشكر اللّه أن الأديرة حافظت عليها وبقيت سليمة حتى اليوم مع العقيدة السمحة ومع كل ما ورثناه من آبائنا.
في الألف الثانية أيام هولاكو وتيمورلنك. قد تستغربون ما أقوله. يثبت التاريخ أن خمسة وتسعين بالمئة من المسيحيين إن كانوا سرياناً أو بيزنطيين إما أسلموا أو استشهدوا. أصبحنا أقلية، ولكن أقلية تمثّل تراثاً ثميناً وعقائد سمحة. العثمانيون اضطهدونا. حتى أواخر هذا القرن وأواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن والكنيسة تعاني وتعاني، بتاريخها وجهاد آبائها نرى أن في هذا القرن قام لنا رجال انتهزوا فرصاً خاصة في أواسط هذا القرن، فرصاً سانحة ليعيد أمجاد هذه الكنيسة من ناحية الإكليروس ومن ناحية الشعب. أما الإكليروس فكنا بحاجة ماسة إلى إكليروس مثقّف، والثقافة في لغتنا الدينية ليست العلوم والشهادات العلمية والأدبية، الثقافة هي السمو الروحي. عندما نذكر في كتب آبائنا أن فلان علامة، لا نقصد أنه علامة في اللغات أو في العلوم أو في الآداب، علامة في الروح. قد يكون هذا العلاّمة حتى لا يكتب ولا يقرأ إنما هو ملهم ولذلك ندعوه علامة. في أواسط هذا القرن، القرن العشرين، شعرنا بنهضة روحية كانت نتيجة لجهاد الآباء. أواخر القرن الماضي كان البطريرك بطرس الرابع قد زار بريطانيا العظمى وبعدئذ الهند لتثبيت الكنيسة هناك، ثم جاءنا ديونيسيوس بهنام سمرجي فأسس كنيسة في دير الزعفران أيام قائمقاميته فقد كان قائمقاماً بطريركياً، أسس مدرسة هناك وقوله مشهور جداً في وصيته أن يباع الفرو الذي كان يستعمله ويوزّع ثمنه على مدرستي التهذيب ومار توما في الموصل. طبعاً هذا الشيء ورثناه من آبائنا، والتاريخ يقول إن السريان لم يؤسسوا كنيسة إلا وإلى جانب هذه الكنيسة مدرسة، وجاء البطريرك أفرام أبو الإصلاح في الكنيسة ورأى أن لا بد أن يثقّف الإكليروس فأسس المدرسة الإكليريكية في زحلة وانتقلت إلى الموصل، ثم جاء البطريرك يعقوب المثلث الرحمة وبنى لها مبنى خاصاً في العطشانة بقرب بكفيا ثم توقّفت المدرسة للحوادث التي جرت في لبنان كما تعلمون، وبعد أن جلسنا على الكرسي الرسولي الأنطاكي بالنعمة لا بالاستحقاق، انتخبنا في الحادي عشر من تموز سنة 1980 وكانت حفلة التجليس في الرابع عشر من أيلول سنة 1980 كنا قد ذكرنا في خطاب تلك المناسبة أن الإكليريكية تلفظ أنفاسها الأخيرة. في المجمع المقدس نقلنا الإكليريكية بل افتتحناها من جديد بدمشق في بناية قديمة جداً. هذا مما شجعنا على القيام بمشروعنا المهم الصرح البطريركي الذي هو كلية مار أفرام الكهنوتية في معرة صيدنايا، وصار مستواها العلمي من مستوى أفضل الكليات اللاهوتية في الشرق الأوسط والحمد للّه ونرى شبابنا من الكهنة خريجي هذه الكلية في كل أدوارها يخدمون الكنيسة في تضحية ونكران ذات. وعندنا اليوم أكثر من ثلاثة وثلاثين راهباً أكثرهم نالوا شهادات عالية جداً ليس فقط من كليتنا اللاهوتية بل أيضاً من كليات في أنحاء العالم وخاصة بتعاوننا مع اليونان في أثينا وتسالونيكي حتى عندنا راهبات بعد أن أسسنا رهبانية للبنات رهبانية مار يعقوب البرادعي للعذارى يدرسن الآن في تسالونيكي دراسات لاهوتية عليا لأن الراهبات مسؤولات عن التربية الدينية ولذلك لا بد أن يتثقّفن أيضاً ولئن كنّ مثقّفات ثقافات عالية بينهن الدكتورة في التكنولوجيا والماجستير في الهندسة المدنية وكلهن خريجات كليات علمية وأدبية، ولكن أيضاً يدرسن اللاهوت والفلسفة واللغة السريانية خاصة ويتقنّ الألحان السريانية والصلوات والإشحيم صباح مساء وظهراً وأيضاً ليلاً. ويقمن بالرياضات الروحية لجمعيات السيدات اللواتي يقضين معهن أياماً بحسب ما تنظم هذه الأيام لأجل الرياضات الروحية. كما أنهن يشرفن على الدورات اللاهوتية لخدام المراكز الدينية فهنا من الناحية الإكليريكية نحن متفائلون جداً بمستقبل كنيستنا ومن الناحية العلمانية بتأسيس مراكز التربية الدينية في كل أبرشية من أبرشياتنا في العالم في سوريا ولبنان بحسب التسميات التي وضعت في المجمع وفي غير أماكن ولئن كان الهدف واحداً ولكن التسميات تختلف أيضاً. إننا لمتفائلون إذاً، هذه الغرسة الطيبة التي غرسها الرب في هذه الدنيا في هذا العالم وهذا النور الذي يشعّ من منارة هي الكنيسة بالذات يدلنا على مستقبل باهر. العلمانيون غيورون جداً على خدمة كنيستهم والكهنة يستغلون كل إمكاناتهم بتضحية ونكران ذات في خدمة كنيستهم وكذلك الأحبار الأجلاء الذين أوكل إليهم الرب رعاية هذه الخراف الناطقة في كل مكان. إذاً الكنيسة تستعد للقرن الحادي والعشرين. كيف ستكون، اللّه أعلم، ولكننا متفائلون وقد استعدّ كل واحد منا لينزل إلى سوح الجهاد، الجهاد الروحي مزوّداً بالإيمان والمحبة والرجاء الذي لا يخيب لأن هذه الغرسة التي غرسها الرب أعطت ثمارها وبقيت ثابتة وستبقى ثابتة إلى الأبد لأن اللّه في وسطها فلن تتزعزع كما يقول الكتاب. نحن متفائلون جداً أيها الأحباء، نحن نعلم ما يجري في العالم، عصرنا هذا يتقدم بسرعة التكنولوجيا تتقدم والكنيسة تحاول أن تواكب هذه المستويات العلمية السامية العالية وتحاول أن تجيب على أسئلة الناس بهذه المواضيع السامية وفي الوقت نفسه تعلم أن المسيح معها. أذكر حوار موسى النبي مع الرب عندما أراد أن يخرج بني اسرائيل من مصر طلب منه أنه لا يسير ما لم يسر الرب أمامه. نحن أيضاً صلاتنا إلى اللّه أن يكون اللّه معنا كأفراد كأعضاء حية في الكنيسة وأن يكون مع الكنيسة ككل لأنها جسد المسيح. أن ينير الدرب أمامها لتسير لتبقى مزدهرة متقدمة وإننا بحسب المناهج العلمية والطرق السليمة نسعى لتطوير نظمنا أيضاً، دستور كنيستنا نظام الأحوال الشخصية والمجالس الملية محاولين أن نعطي دوراً أهم للعلمانيين ليلعبوه بخدمة كنيستهم المقدس. وسيعقد المجمع المقدس لهذه الغاية في الثاني والعشرين من أيلول القادم.
نسأل الرب الإله الذي أسس الكنيسة على صخرة الإيمان به أن يثبتنا جميعاً على هذا الإيمان. نسأله وقد أعطانا شريعة الكمال أن يثبتنا سالكين بموجب هذه الشريعة نسأله ونحن نتقدم بعضنا وإن شاء اللّه الكل يضعون أقدامهم على عتبة القرن القادم أن يكونوا في ذلك القرن فرحين ناجحين. إنه مستقبل ومستقبل مجهول ومستقبل يخافه العديد من الناس ولكننا لا نخاف المستقبل طالما نؤمن أن المستقبل بيد الرب يسوع. ليثبت الرب معنا وليجعل كنيسته منتصرة دائماً الآن وإلى الأبد آمين.
اختتام مؤتمر الأبرشيات السريانية في أميركا وكندا·
أيها الأحباء:
في هذه الأمسية الجميلة التي جمعتنا بشعار المحبة وود صاف كجسد المسيح الحي ممثلين كنيستنا في المهجر أود باسمي واسم صاحبي النيافة الحبرين الجليلين والأخوين العزيزين المطران مار إقليميس أوجين والمطران مار كيرلس أفرام وكذلك السكرتير البطريركي الربان إيليا باهي أود أن أشكر أخانا الحبيب العزيز الحبر الجليل المطران مار طيمثاوس أفرام عبودي على كلمات الترحيب، على الأتعاب الجمة التي تجشمها، على غيرته الرسولية ومحبته العريقة بتنظيم هذا المؤتمر وتعاون بذلك مع كاهن هذه الكنيسة وكهنة أبرشية كندا مع المجلس الملي مع لجنة التنظيم مع كل المؤسسات من سيدات ومرتلات وكشاف وجميع المؤسسات في هذه الأبرشية العامرة ومع المودوريتر لهذا المؤتمر الذي تعب كثيراً في إدارة الجلسات والذي اصطبر أيضاً كثيراً فكان المؤتمر ناجحاً فهذا النجاح برهان على نجاح الأبرشية في كندا.
ايها الأحباء:
إنني لفخور بكل من يعمل في المهجر في خدمة أبرشياتنا وكنائسنا كافة. إنكم أتيتم من الوطن الأم حاملين معكم الإيمان المتين الثخين والأخلاق السامية والتمسك بشريعة اللّه، جئتم غالباً خاليي الوفاض فوفقكم اللّه كما وفّق آباءنا في القديم عندما حملوا مشعل الإنجيل إلى أطراف المسكونة منيرين إياها بحضارتنا السريانية مقدمين ذلك بلغتنا السريانية المقدسة وكذلك ناشرين سبل الخلاص بالإنجيل المقدس. جئتم ولكم عادات وتقاليد وطقوس دينية إلى جانب العقائد الإيمانية السمحة فليتكم تكونون مثالاً طيباً كما كان آباؤنا بمحبة اللّه بمحبة القريب وبمحبة الوطن. وطنكم اليوم هو كندا يجب أن تكونوا مخلصين لهذا الوطن الذي احتضنكم وأحبكم ورعاكم كما كنتم مخلصين للوطن الأم وعلينا ونحن في المهجر وأينما كنا في العالم أن لا ننسى أبداً كنيستنا الأم ووطننا الأم لأن إذا نسينا ذلك نكون قد فقدنا كل القيم السامية التي تسلّمناها من أمنا الكنيسة في الوقت ذاته وأنتم تربّون أولادكم التربية السريانية المسيحية الأرثوذكسية الصالحة لا بد أن تقتبسوا من هذه البلاد حضارة جديدة وتقدم وازدهار تكنولوجي، لا بد أن تثقّفوا أولادكم الثقافة العالية، لا بد أيضاً أن تتفاعلوا مع مجتمعكم. وأصحاب النيافة الأحبار الأجلاء في المهجر كلهم ذوو ثقافة عالية دينية ومدنية وأدبية، والآباء الكهنة كل في رعيته يسعى إلى رعاية رعيته رعاية صالحة وتلقين أبناء تلك الرعية وبناتها العلوم الدينية السريانية المقدسة وفي ذات الوقت حث هؤلاء الناس على الاقتداء بالصالح من المواطنين وعلى اقتباس الأمور الحضارية وقد اعتاد آباؤنا السريان أن تتزاوج حضارتهم مع حضارات أخرى. اليونانية أولاً في العهد الروماني والبيزنطي ثم العربية واعتاد آباؤنا لمحبتهم للعلوم أن يجعلوا العلم الديني بوساطة الفلسفة مفهوماً لدى القريب والغريب. هذه رسالتكم في المهجر كما أنكم وقد ولدتم سرياناً أرثوذكسيين عليكم أن تتمسكوا بهذا الإيمان لا يخدعكم من جاء باسم المسيح وهو غريب عن المسيح، لا يخدعكم من يقول بالحرية والحرية بلغتنا هي حفظ القانون فإذا أردت أن تكون حراً فاحفظ القانون، تكون حراً في هذه البلاد وفي كل مكان إذ قد حررنا المسيح من عبودية إبليس من الخطية من الموت الأدبي والأبدي ولئن كنا جميعاً قد كتب علينا الموت الطبيعي.
أحبائي ونحن نتنعم في بلاد كهذه لا ننسى ربنا لنعبده بالروح والحق كل واحد منا بأسرته ينادي: أما أنا وبيتي فنعبد الرب. إذا كان العديد من الناس الذين يحيون معكم ويعيشون في هذا الوطن قد صاروا غرباء عن اللّه فكراً وقولاً وعملاً فيجب أن نعزل الخبيث من بيننا ونترك المعاشرات السيئة الرديئة التي تفسد الأخلاق الحسنة ونظهر أننا أناس نعبد اللّه بالروح والحق، بهذا فقط أرواح آبائنا تبتهج أينما كنا، فلئن خسرنا بركة أوطاننا المقدسة فنحن في وطن رحّب بنا نخلص له الود ونكون عاملين بجد واجتهاد لتقدمه وازدهاره وفي الوقت نفسه نكون مثالاً للناس في عبادة اللّه تعالى، بهذا أحبائي ينشأ أولادنا نشأة مسيحية سريانية أرثوذكسية صالحة فتبتهج قلوبنا بهم عندما نراهم وهم يخلصون الود والمحبة للّه وللقريب وللوطن. أكرر شكري لنيافة أخينا المطران أفرام عبودي باسمي واسم صاحبي النيافة الحبرين الجليلين المطران مار إقليميس أوجين والمطران مار كيرلس أفرام والسكرتير البطريركي الأب إيليا أشكركم جميعاً وأشكر كل من جاء من أطراف الولايات المتحدة وكندا ليشاركنا هذا المؤتمر وهذه اللقاءات المباركة جداً يجب أن تتكرر وأتمنى أن تكون كل مؤتمراتكم في أبرشيات الولايات المتحدة وكندا ناجحة صالحة وأتمنى أن تكون لقاءات أحبائنا من الرجال والنساء والشباب خاصة من الجنسين لقاءات محبة وود ليكونوا ذوي معرفة تامة بعقيدتهم وتقاليدهم ولنفرح بالعديد منهم فمن اختار زوجته من بين بنات الكنيسة يكون قد فعل نعم الاختيار. وكذلك من اختارت زوجها من أبناء الكنيسة تكون قد ضمنت مستقبلاً فاضلاً مستقبلاً لتأسيس عائلة سريانية أرثوذكسية صالحة، مستقبلاً لأولاد هم أولاد اللّه بالنعمة بهذا تفرح قلوبنا وتبتهج أحبائي فما أحلى اللقاء في مؤتمرات كهذه خاصة لقاء الشباب. بارككم الرب وفرّحكم بأولادكم وأحفادكم وجعلكم ممن يتّقون اللّه ويخافونه ويعبدونه بالروح والحق ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.
أعطوهم أنتم ليأكلوا·
كان الرسل قد رجعوا من جولة تبشيرية، وبحسب برنامج يسوع اليومي كان باكراً يصلي، يصلي إلى أبيه السماوي يناجي ذاته بذاته. وبعدئذ ينفرد بتلاميذه يلقّنهم كيفية جذب الناس إلى طريق الحياة يعلّمهم محبته ومحبة الناس وخدمة أولئك الذين يحتاجون إلى خدمة. كان قد أرسلهم إلى القرى والدساكر وعادوا فرحين قائلين: حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم: لا تفرحوا أن الشياطين تخضع لكم باسمي بل افرحوا بالحري لأن أسماءَكم كتبت بالسموات. في تلك الأثناء أراد أن ينفرد بهم بعد عودتهم من جولتهم التبشيرية فجاء إلى مدينة تدعى بيت صيدا جوليا، هناك على رابية جلس منفرداً بأولئك التلاميذ يسمعهم ويعلّمهم ولكن الجمهور تبعه أيضاً، بعضه يريد أن يشاهد الآيات الباهرات، غيرهم يريد أن يستمع إلى تعاليمه التي كان يلقيها كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين وغيرهم جاءوا عن طريق الفضول ليسمعوا ويروا ويتركوا ويمشوا. المسيح جذب أولئك الناس، الإنجيل المقدس بل كتبة الإنجيل الأربعة يفصّلون لنا آية تكثير الخبزات. الشعب كان قد تبع المسيح وبقي معه، مكث ثلاثة أيام، التلاميذ يقولون له اصرف الجموع ليذهبوا ويبيتوا في القرى ويأكلوا خبزاً، فقال الرب أعطوهم أنتم ليأكلوا وجرى حديث بين الرب وفيلبس وبين الرب واندراوس منه نفهم أن عدد أولئك الناس كما كتب الإنجيليون كان خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال. ومن الحديث نفهم أيضاً أنه من أين لنا أن نأتي بطعام لهذا الجمهور الغفير، لا يمكن لا من ناحية الوقت ولا من ناحية الكمية فهم بعيدون عن القرى وقد جاء المغيب إذاً المسيح عندما قال لهم أعطوهم ليأكلوا يعلم ماذا سيفعل. يقولون له عندما سألهم كم عندكم من الخبز: خمسة أرغفة، خمسة أرغفة شعير وسمكتان. عندهم هذا فقط وليس عندهم، عند ولد يظهر أنه كان يبيع ذلك وهذا ما تبقى لديه. كما نحن مسرورون عندما نرى حتى الغلام الصغير يتبع الرب يسوع قد يكون للتجارة وقد يكون أيضاً ليتعلم شيئاً، المهم أنه اشترك أيضاً في هذه المعجزة. الرب قال: ائتوني بها، بالأرغفة الخمسة والسمكتين، ثم أمرهم أن يتكئوا الجموع، أن يجلسوهم خمسين خمسين على العشب. هذا هو النظام الذي نحتاجه دائماً في كنائسنا أن نكون دائماً بانتظام إن كان أثناء الصلاة والعبادة وخاصة أثناء تقديم القداس الإلهي. أجلسوهم خمسين خمسين، ففعلوا وأخذ الرب الأرغفة والسمكتين، تطلع إلى السماء، ناجى أباه وبارك وكسّر وأعطى التلاميذ، والتلاميذ وزّعوا ذلك على الجموع وأكلوا كلهم وشبعوا. قال الرب ارفعوا الكسر، فرفعوها فكانت بقدر اثنتي عشر قفة يظهر أن كل رسول كان بيده قفة امتلأت هذه من الكسر. هنا نرى كيف أن الرب الذي كان بإمكانه أن يخلق حالاً كافياً لذلك الجمهور ولكن طالما هناك خمسة أرغفة فلتكن الآية واضحة للجميع أنه يكثّر هذه الأرغفة. ليس ذلك عجيباً على الرب يسوع أيها الأحباء، فالرب يسوع هو مسيا ماشيحا المنتظر واليهود كانوا ينتظرون من يكون شبه موسى لأن موسى قال لهم إن الرب الإله يقيم لكم نبياً مثلي، وبحسب تقاليدهم كانوا يتوقعون من هذا النبي أن يطعمهم خبزاً كما قالوا إن موسى أطعم آباءهم في البرية والمسيح قال لهم لم يعطكم موسى المن في البرية بل أبي الذي يعطيكم الخبز السماوي وحينذاك نوّه عن تأسيس سر مقدس هو سر القربان المقدس فأعلن عن نفسه قائلاً: أنا هو الخبز الذي نزل من السماء من يأكل من هذا الخبر لا يجوع أبداً.
تكثير الخبز بيد الرب. بعد أن بارك كسّره فتكاثر. هل تكاثر بيد الرب أم بيد الرسل؟ ليس هذا أمراً ضرورياً أن نعرفه، نعرف شيئاً واحداً أن ما نملكه من أموال طائلة أو قليلة إذا بقيت بدون توزيع ستبقى كما هي ولكن توزّع ستكثر. نعرف شيئاً واحداً أن الرب يسوع أشبع أولئك الناس وتكاثر الخبز بيديه، وعندما أعطي للتلاميذ نالوا نعمة عظيمة فكمّلوا أمره: أعطوهم أنتم ليأكلوا، فأعطى التلاميذ أعطوا أولئك المؤمنين ليأكلوا ويشبعوا لأن الرب يقيتنا جميعاً. ونعلم شيئاً واحداً، ففي العهد القديم مثلاً عندما صلى إيليا فلم ينزل المطر على الأرض لثلاث سنين بسبب آخاب الملك الشرير وزوجته إزابيل أمر الرب إيليا أن يذهب إلى نهر هناك يشرب ماء وهناك كان الغراب يأتيه بخبز صباحاً ومساء وبلحم. وعندما جفّ النهر أمره الرب أن يذهب إلى صرفة صيدا، قال له: إني قد أمرت أرملة لكي تقيتك فرآها عندما وصل إلى هناك تقش حطباً. قال لها: ماذا تفعلين؟ قالت له: أقش خطباً لأخبز كعكة لي ولابني نأكل ثم نموت جوعاً بعدئذ. قال لها: اعطني أولاً أن آكل وبعدئذ كلي أنت وابنك وذهب معها وقال: إن إناء الزيت لا ينضب وكيس الطحين لا ينفد حتى يرسل اللّه المطر على تلك الأرض. وهكذا كان وعاش معها أيضاً هذه الفترة، فقد حدث شبه هذه الأعجوبة في القديم عندما يريد اللّه أن يقيت الناس بإمكانه أن ينزل المن على جماهير بني اسرائيل ويطعمهم خبز الملائكة في البرية. وعندما جاء متجسّداً لفدائنا أطعمنا الخبز وشبع الجموع بل أيضاً رفعوا الكسر لتبقى علامة واضحة على أن هذه الآية كانت حقيقية. فأولئك الناس أكلوا خبزاً وشبعوا ولا بد أنهم أكلوا السمك أيضاً ولا بد أن السمك أيضاً تكاثر بيد المسيح وتلاميذه. ولا أعجب من هذا أيها الأحباء، فالرب قد قال لنا: اطلبوا أولاً ملكوت اللّه وبره وكل ذلك يزاد لكم فنحن إن تبعنا الرب، فالرب لا يهتم بشؤوننا الروحية فحسب، بل أيضاً الجسدية وعندما نصلي الصلاة التي علّمنا إياها لا نطلب الحاجات الروحية وحسب بل أيضاً الجسدية، نقول له: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، مؤمنين أنه يعتني بأرواحنا وأجسادنا معاً، متكلين عليه مؤمنين أنه بإمكانه وإن تبعناه أياماً عديدة أن يشبعنا فقد أطعم الجموع خبز الملائكة وأطعم ذلك الجمهور بعد تجسده خبزاً في البرية وهو خالقنا وهو يرعانا وهو يعتني بنا، ولكن لا يريدنا أن نبذر. اجمعوا الكسر! إذا اللّه أغنانا علينا أن لا نبذر أن نفكر بالآخرين، نحن اليوم في هذه البلاد، ثقوا أن ما يفضل في المطاعم بهذه البلاد لو جمع واستغل لسد رمق وجوع أولئك الناس الذين يموتون جوعاً في العالم كله ولكن البطر جعل الناس بدون رحمة. اجمعوا الكسر! دائماً يجب أن نكون مقتصدين لا بخلاء، البخلاء لا يدخلون ملكوت اللّه هكذا يقول الكتاب، نكون مقتصدين لا مبذرين نقبل نعمة اللّه ونشكر ونفتكر دائماً بهذه الآية أن الخبز تكاثر عندما وُزّع لو بقي بدون توزيع لبقي خمسة أرغفة وسمكتين بيد ذلك الغلام.
أعطوهم أنتم ليأكلوا! آباؤنا عندما يتناولون هذه الآية هذه الأعجوبة بالدرس يذكّرون بالقربان المقدس ولا غرو من ذلك فالمسيح بعد أن اجترح هذه الآية نوّه عن القربان المقدس ووضّح وصرّح وأعلن أنه هو الخبز الذي نزل من السماء. أراد اليهود بعد أن رأوا تلك الأعجوبة أن يقيموه ملكاً عليهم لأن العديد منهم آمنوا أنه هو حقاً مشتهى الأمم الذي أرسل لخلاص العالمين لأنهم أكلوا الخبز كما قال لهم بعدئذ أكلوا الخبز وشبعوا وتبعوه، لا لرؤية الآيات بل لأنهم أكلوا الخبز وشبعوا.
أسأله تعالى أيها الأحباء، الذي صار لنا خبزاً سماوياً الذي يقدّس القربان بيديه بوساطة كهنته، فالقربان المقدس هو سر جسد المسيح ودمه، هو الذي يعطى لحياة العالم، أسأله أن يؤهلنا جميعاً لنشعر بضرورة تناولنا القربان المقدس لأن الرب أعلن أن من لا يأكل جسده ويشرب دمه ليس له حياة فيه حتى أن هذه القضية المهمة والعقيدة المسيحية السمحة تجعلنا نتذكر أن من يقترف آثاماً وجرائم كبرى يمنع من تناول القربان المقدس وبذلك يقطع من شركة الكنيسة المجاهدة على الأرض والكنيسة المنتصرة في السماء. ما أعظم هذا القول أيها الأحباء، فكيف والقربان يقدّم لنا مجاناً نمنع أنفسنا منه ونحن نعلم أن من يأكل جسد المسيح بحسب قول المسيح وهو صادق بقوله ويشرب دمه يرث أيضاً الحياة الأبدية إننا في هذه المناسبة سنقدم القربان المقدس لمن يشعر بنفسه أنه يستحق تناول القربان. فلعظمة القربان هذا السر المقدس علينا أن نكون مستعدين لتناوله جسداً وروحاً. أما الجسد أن يكون نظيفاً ونقياً وأن نكون قد استعد كل واحد منا بالصوم القرباني الذي كان قديماً منذ نصف الليل وحتى التناول أما الآن بحسب تعليم الكنيسة التي هي أم ومعلمة ورحومة فيحق لمن كان صائماً ثلاث ساعات منقطعاً عن الطعام والشراب أن يتقدم لتناول القربان المقدس، أما روحياً فيجب أن يكون القلب نقياً وأن يكون قد سامح أعداءه وأحبهم والمسامحة شرط ضروري للإنسان المتقدم لتناول القربان وأنتم تعلمون أننا في بدء القداس نقوم بطقس المسامحة دائماً لنغفر للآخرين كما نقول في الصلاة الربية أيضاً طالبين من الرب أن يغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر ليس فقط من قلبنا بل لمن أخطأ إلينا. وأن نكون في حالة البر وحالة البر هذه هي حالة التوبة وانسحاق القلب والندامة على ما اقترفناه من آثام والعزم على أن نقبل الموت ولا نقدم على فعل الخطية. فمن كان منكم أيها الأحباء يشعر بنفسه أنه يستحق أن يتناول القربان المقدس يتقدم إلى ذلك عندما يقدم له القربان. والآن كاهن الكنيسة سيتلو عليكم الصلاة التي يصليها دائماً التائب أمام الكاهن عندما يتقدم إلى الرب تائباً. ليتقبل الرب توبتكم ويؤهّلكم لتتحدوا به بوساطة القربان المقدس الذي هو استمرار ذبيحة المسيح والنعم والمواهب التي نلناها ونعمته تشملكم دائماً أبداً أمين.
كنيسة مار بطرس وبولس ـ ديترويت·
أيها الحضور الكرام:
يتلجلج اللسان ويضطرب الجنان ويرتجّ على الإنسان في موقف المحبة هذا. فإن وصفنا هذه المأدبة الفاخرة وهذه الأمسية الجميلة نقول إننا جماعة تؤمن بالمسيح يسوع وتتمسك بإيمان آبائها وتقاليدهم السامية وتعاليمهم السماوية وقد اجتمعت على مائدة الأغابيا التي هي المحبة. بعد أن قدمت بلغة المسيح السريانية لغة السماء الشكر للسماء أود أن أقدّم الشكر الجزيل باسمي واسم صاحب النيافة أخي الحبيب مار طيمثاوس أفرام عبودي النائب البطريركي في كندا واسم الابن الروحي الربان إيليا باهي السكرتير البطريركي أن نقدم الشكر الجزيل من أعمق أعماق قلبي إلى أخي الحبيب المطران مار كيرلس أفرام كريم النائب البطريركي في الولايات الشرقية من الولايات المتحدة ونقدم له التهنئة بكم، وأقول له: طوبى لمن له شعب كهذا وأهنئكم به فهو المطران الهمام الشاب ذو النشاط العظيم وحكمة الشيوخ، العالم الذي سبق الجميع بنيل شهادة دكتوراه بالعلوم الدينية والفلسفية بين جميع أترابه من أبناء ورعاة كنيستنا السريانية الأرثوذكسية. كلماته فاه بها عن محبة صادقة وود صاف وتعلق بالكنيسة وعن نظرة مستقبلية لهذه الكنيسة العريقة أم الشهداء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. ألف شكر وشكر له والتمنيات والصلوات لحفظه ولنجاح هذه الأبرشية على يديه ولازدهارها بتعاون الآباء الكهنة جميعاً والشعب المبارك كما أقدّم شكري أيضاً لكاهن هذه الكنيسة الأب القس أدور حنا على همته العالية في خدمة الكنيسة التي يحبها كثيراً كنيسة الرسول بولس وأيضاً أثني على الابن الروحي الشماس متي صليبا على تنظيم الترانيم الروحية التي تبعث في النفس خشوعاً وعبادة حقة للّه الآب واهتمامه بالتعليم الديني في هذه الكنيسة وأقدّم شكري للمجلس الملي الموقّر الذي مثّله رئيسه الأستاذ بشّار حنا الذي عبّر في كلماته الطيبة عن أصالة سريانية ورثها عن أبيه وأجداده الطيبين الذين خدموا الكنيسة بتقوى اللّه ومخافته وما يزالون كذلك أشكر الأستاذ باسم دنّو نائب الرئيس الذي تلا على مسامعكم رسالة والي ميشيغن وأحمّله رسالة أن يشكر هذا الوالي وأن يهنئه أن يكون في ولايته سريان أتقياء يحبون كنيستهم ويحبون اللّه والقريب وإنهم مخلصون لهذه البلاد العزيزة الولايات المتحدة.
أشكر القس فيلبس الهندي على كلماته التي لم يعرفها مؤكّداً لكم بأن الكنيسة في الهند هي جزء لا يتجزّأ من الكنيسة السريانية حتى أن بعد الدعاوى الكثيرة التي أقيمت هناك أعلنت المحكمة العليا الهندية أن البطريرك هو رئيس الكنيسة الأعلى وغداً سألتقي به وبجماعته. أشكر عزيزنا الروحي القس مينا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية الشقيقة وكذلك الأب منوليان للكنيسة الأرمنية الشقيقة، أنتم تعرفون أن الكنيسة الأرمنية والكنيسة القبطية الشقيقتان واحدة معنا في الإيمان وأيضاً في تناول القربان أي الشركة التامة بين هذه الكنائس، أشكر من أعماق قلبي الأب جوزيف للروم الأرثوذكس أشكره وأشكره أيضاً بالنسبة إلى القاعة التي نحن مجتمعون فيها مؤكّداً لكم أننا قد وقّعنا بياناً مع كنيسة الروم الأرثوذكس بأننا واحد بالإيمان وهذا حق وأننا نخدم الروم الأرثوذكس في منطقة الجزيرة في سوريا مثلاً كما نخدم أولادنا روحياً وهم يخدمون أولادنا في منطقة الساحل في اللاذقية وغيرها كما يخدمون أولادهم، وأن البيان المشترك الذي وُقّع بين ضعفي وبين صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم كان مثالاً للمحبة والتعاون ونأمل أن جميع الكنائس الأرثوذكسية تنهج هذا المنهج لتكون الوحدة الأرثوذكسية مثالاً بل مقدمة للوحدة المسيحية عامة. ولا بد أيها الأحباء أن أشكر جميع المؤسسات لهذه الكنيسة المباركة وجميع الذين شاركوكم بهذه المأدبة التكريمية بحضورهم معكم في هذه الأمسية الجميلة، ليبارككم الرب جميعاً وآمل أن أسمع دائماً أخباركم أخبار التقدم والازدهار والحفاظ على نظام الكنيسة والتمسك بدستورها إن شاء الله. أثناء مجيئنا إلى هنا ونحن في السيارة شخصي الضعيف وصاحبا النيافة الحبران الجليلان كنا نتكلم عن موضوع الانتماء وأريد أن أوضّح لكم أن أهم عمل يقوم به الإنسان السرياني الأرثوذكسي في كنيسته قوة الانتماء إلى هذه الكنيسة، إننا نفتخر بكنيستنا وبافتخارنا بكنيستنا نكون قد افتخرنا بمسيحنا لأن المسيح هو رأس الكنيسة والكنيسة هي جسد المسيح السري. نفتخر بكنيستنا ولنا الحق أن نفعل ذلك أولاً لأننا كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية أول كنيسة بعد كنيسة أورشليم اجتمع فيها رسل الرب خاصة الرسولان بطرس وبولس وكذلك برنابا، أول كنيسة خرج منها الرسل والتلاميذ إلى العالم لينشروا بشارة الإنجيل، الكنيسة التي استعملت وما تزال لغة المسيح السريانية، هذه علامة فارقة، الكنيسة التي جمعت الصدقات لفقراء أورشليم وغيرها والكنيسة التي كان أبناؤها مقتدين بالمسيح ولذلك كما يقول سفر أعمال الرسل إن أتباع المسيح دعوا أولاً مسيحيين في أنطاكية نحن سريان لأننا كنيسة أنطاكية التي كانت عاصمة سورية أي نحن كنيسة سورية بل إن كلمة سورية أتت من سريان فنحن أصل البلاد لذلك أحبائي يحق لنا أن نفتخر بآبائنا، آباؤنا ثقّفوا العالم آباؤنا نقلوا الحضارة اليونانية أولاً إلى السريانية ثم إلى العربية، آباؤنا حملوا الإنجيل المقدس مشعلاً وضاء إلى العالم كله، آباؤنا تحمّلوا كثيراً في سبيل الحفاظ على الإيمان والآداب والأخلاق السامية المسيحية.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
ونحن أيها الأحباء إن كنا في الوطن وإن كنا في المهجر نكبر كثيراً عندما نذكر آباءنا وكنيستنا السريانية الأرثوذكسية، بهذا الانتماء فقد نستطيع أن نستمر أولاداً مخلصين للآب السماوي، أولاداً بالنعمة، أناساً يخافون اللّه ويعبدونه بالروح والحق بهذا فقط ونحن بالمهجر نستطيع أن نثقّف أولادنا وأن نحافظ عليهم ضمن حظيرة ربنا يسوع المسيح. أما إذا كنا بعيدين عما ورثناها من آبائنا من لغة سريانية وعقيدة أرثوذكسية سمحة وإيمان متين ثخين نكون قد تشرّدنا ونكون قد ذبنا في حضارة أخرى، إذا حافظنا على حضارتنا، إذا حافظنا على ديننا، إذا حافظنا على عقائدنا السريانية الأرثوذكسية نقدر أن نفيد غيرنا نقدر أن نعمل تزاوجاً بين حضارتنا السريانية وحضارات أخرى في هذه البلاد، نقدر أن نكون أيضاً خير شهود لمسيحنا بنشر إنجيل ربنا يسوع المسيح كما فعل آباؤنا، نقدر أن نكون سعداء مع أولادنا مع أبنائنا الذين بحفظهم ما ورثناه من آبائنا سيكونون مثالاً طيباً للمواطنين في هذه البلاد. أميركا احتضنتكم، نحن لا نتكلّم بالسياسة، نحن لا نريد أيضاً أن نتدخّل بالسياسة. الكنيسة فوق كل الاتجاهات السياسية أينما كانت، أنتم كأفراد يجب أن تتفاعلوا مع مجتمعكم بكل الميادين وكل النواحي وكل الاتجاهات نريد أن يكون منكم من يسمو في المراكز والمراتب السامية السياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية في هذه البلاد كأفراد كأبناء للكنيسة السريانية الأرثوذكسية التي أحبت العلم منذ البدء وتحبه ولكن الكنيسة ليس لها اتجاه سياسي خاص أبداً. نريدكم أن تتفاعلوا مع مجتمعكم وأن تحبوا هذه البلاد، احتضنتكم فيجب أن تفيدوها أن تنفعوها أن تكونوا مثالاً طيباً للمواطنين الصالحين فيها، إن مبدأي مبدأ آبائي أنه لا يمكن لواحد منا أن يكون مؤمناً صالحاً ما لم يكن مواطناً صالحاً لوطنه. أكرر شكري لنيافة أخي الحبر الجليل المطران مار كيرلس أفرام كريم على دعوته الكريمة لي لزيارتكم وشكري لكاهنكم ومؤسساتكم، مجلسكم الملي وسائر المؤسسات للنساء والرجال، للأطفال والكبار، متمنياً من اللّه ومصلّياً إليه تعالى أن تكون زيارتي هذه القصيرة لكم سبب بركة لجميعكم ونعمة الرب تشملكم دائماً أبداً أمين.
كنيسة السيدة العذراء أم الزنار ـ جاكسنفيل·
أيها الأحباء أسكب نفسي أمام العزة الإلهية في هذه اللحظات وأنا أدخل هذا المبنى الذي سيقدس غداً كنيسة سريانية أرثوذكسية باسم السيدة العذراء أم الزنار، وإنني لمبتهج جداً أن آتي إلى هذه المدينة ومعي نيافة أخي الحبر الجليل مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم مطران حلب وتوابعها وممثل الكنيسة في الاجتماعات المسكونية والعلاقات الخارجية بهمة عالية على الرغم من الوعكة الصحية التي أصابته نحمد اللّه على سلامته فمحبة بمطرانكم الجليل وبكم جميعاً شاء أن يأتي ويشاركنا جميعاً فرحتنا بهذه الكنيسة، يرافقني أيضاً الابن الروحي العزيز الربان إيليا باهي السكرتير البطريركي. وإنني باسمي واسم جميعكم وفي المقدمة أخينا المطران مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم أشكر شكراً جزيلاً الأخ العزيز والحبيب والحبر الجليل المطران مار كيرلس أفرام كريم النائب البطريركي في الولايات الشرقية من الولايات المتحدة الأميركية الذي بهمة عالية وإيمان متين ثخين وبغيرة وقّادة تمكّن بفترة قصيرة أن يحقق حلماً كان يراودني من سنة 1960 عندما زرت جاكسنفيل بخدمة سلفي الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث. كما كنت أتوق أن أرى ولو كنيسة صغيرة للسريان في هذه البلدة واليوم أنا سعيد جداً لأن حلمي قد تحقق فبوركت همّتك أيها الحبر الجليل، إنك الراعي الصالح الذي نادى فسمعت الخراف صوته وعرفته واشتاقت أن تجتمع إليه ليقودها إلى المرعى الخصب إلى الأراضي المخضوضرة إلى جداول مياه الإنجيل إلى الكنيسة السريانية العريقة بالمجد والسؤدد، أخذ اللّه بيدك لرعاية هذه الأبرشية العزيزة الفتية.
أحبائي إنني أشكر كل من طلب إلى اللّه أن يخدم اللّه فأعانه اللّه من الإكليروس والعلمانيين، خدم هذه الرعية سابقاً المرحوم الخوري اسطيفان درغلي خدمة طيبة جداً جاء هذا الجيل فرأينا راهباً شاباً يطيع مطرانه ويتوجّه بتوجيهاته ويعمل بنصائحه فكان يرعاكم ليهيئ للجميع هذه الكنيسة إنه الابن الروحي خريج إكليريكيتنا وابننا الحبيب الراهب موريس. وإنني لمسرور اليوم أن أرى تلميذاً آخر لي وخرّيج كليتنا الإكليريكية كاهنكم الجليل العزيز الجديد الأب فادي وفّقه اللّه في خدمتكم. ونعم ما فعل نيافة أخينا الحبر الجليل المطران مار كيرلس أفرام إذا لهذه الرعية الجديدة والكنيسة الجديدة اختار كاهناً جديداً حبيباً عزيزاً نتمنى له التوفيق في خدمتكم.
أحبائي سيكون لنا كلام كثير ونتمنى أن تكون زيارتنا هذه الرسولية لكم سبب خير وبركة ولكن لا أنسى أبداً هذا الشعب المبارك، الرب يعرف واحداً واحداً منكم، الرب يعرف المجلس الملي ورئيس المجلس الملي، والرب يعرف السيدة وجمعيتهن، والرب يعرف الفتيان والفتيات الأعزاء الذين سينشؤون وهم كنيسة اليوم وكنيسة الغد، وما أطلبه من الرب أن الجميع يتعاونون بمحبة لما فيه مجد الرب القدوس ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين، كما لا أنسى كل من كان جندياً مجهولاً في إعداد هذا المشروع، والآباء الكهنة الذين جاؤوا من كنائسهم وجميع المؤمنين والمؤمنات الذين أحبوكم وجاؤوا يشاركوكم هذه الفرحة العظيمة هم أيضاً تشملهم نعمة اللّه دائماً أبداً آمين.
تقديس كنيسة أم الزنار ـ جاكسنفيل·
نشكر اللّه أيها المؤمنون على النعمة التي أسبغها علينا في هذا اليوم المبارك حيث قد أهلنا لنحتفل بتقديس هذه الكنيسة المباركة على اسم السيدة العذراء مريم أم الزنار. يشاركنا في ذلك أصحاب النيافة المطران الجليل مطران هذه الأبرشية مار كيرلس أفرام كريم الذي تلبية لرغبته قمنا بزيارتنا الرسولية لكم وللاحتفال بتكريس هذه الكنيسة، كذلك صاحبا النيافة الحبران الجليلان مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم مطران حلب وتوابعها والمطران مار إقليميس أوجين قبلان النائب البطريركي في الولايات الغربية من الولايات المتحدة الأميركية وكذلك الكهنة الأحباء السريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والشمامسة والشماسات وهذا الشعب المبارك. إنني في هذه المناسبة أحبائي أهنئكم بهذه الكنيسة الجديدة وأهنئ إخوة لكم جاؤوكم من جميع أطراف هذه البلاد ليشاركوا إخوة لهم بفرحة عارمة بشراء كنيسة جديدة وتكريسها وتقديسها، فألف شكر لهؤلاء المؤمنين على عواطفهم الطيبة وشعورهم النبيل وأشكر كل من تعاون مع نيافة مطرانكم الجليل الهمام بشراء هذه الكنيسة خاصة المجلس الملي والسيدات وحتى الأطفال وكل من اشترك بالتبرعات حتى بفلسي الأرملة ويشتركوا أيضاً، ليعطهم الرب عن ذلك الصحة والعافية والتوفيق الجليل في أعمالهم كلها وأخيراً ملكوت السموات.
أيها الأحباء أنتم الكنيسة. عندما قال المسيح لبطرس: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة الصخرة التي هي الإيمان بالمسيح ابن اللّه الحي، على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها إنما قصد المؤمنين به، فالكنيسة أنتم ولكن أيضاً أطلق على المبنى الذي يكرّس لعبادة اللّه لتمجيد اسم اللّه القدوس وليكون مستودعاً للنعم الإلهية أطلق عليه اسم كنيسة. فالكنيسة إن لم يكن بها المؤمنون غيارى مؤمنين حقاً يتمسكون بالإيمان بالمسيح يسوع ابن اللّه الحي العقيدة التي أعلنتها السماء على لسان هامة الرسل بطرس لا تكون تلك الكنيسة كنيسة حقيقية كنيسة للمسيح. والكنيسة عبر الدهور والأجيال لدينا نحن السريان هي أم ومعلمة، تلدنا من جرن المعمودية ولكن لا تكتفي بهذا بل تعلّمنا مبادئ الدين المسيحي المستقيم الرأي وتنشئنا مسيحيين صالحين ومواطنين صالحين أيضاً في أوطاننا إن لم نكن مواطنين صالحين لا يمكن أن نكون مؤمنين صالحين. والكنيسة هي كنيسة اللّه بعد أن تُقدَّس اللّه في الكنيسة دائماً، اللّه في كل مكان ولكنه خاصة في المكان الذي يُكرَّس ويُقدَّس لتقديس اسمه القدوس فالكنيسة كنيسة اللّه ولكن ندعو الكنيسة باسم القديسة مريم والدة الإله والقديسين لنتشفّع بهم. فما أسعدكم أن تُدعى كنيستكم هذه باسم القديسة مريم السيدة العذراء أم الزنار ويحق لكم ذلك أيها الأحباء فأنتم تعلمون أن كنيسة أم الزنار التاريخية العريقة في المجد الموجودة في حمص كانت تدعى كنيسة أم الزنار في العصور الأولى للمسيحية واكتشف الزنار فيها سنة 1852 على عهد مطرانها حينذاك المثلث الرحمة مار يوليوس بطرس الذي صار بعدئذ المثلث الرحمة البطريرك بطرس الرابع واكتشف بعدئذ أيضاً على عهد وبيد سلفنا الأسبق العلامة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأول سنة 1953، كان حينذاك المثلث الرحمة المطران مار ديونيسيوس جرجس مطران حلب السابق موجوداً حينما اكتشف الزنار وأهداه المثلث الرحمة البطريرك أفرام جزءاً بسيطاً منه، هذا الجزء سلّمه المثلث الرحمة المطران جرجس إليّ قبل وفاته، وعندما طلب مني نيافة مطرانكم الجليل الهمام الغيور مار كيرلس أفرام كريم أن نقدم له جزءاً من هذا الزنار لهذه الكنيسة ويحق لكم فأغلبكم من حمص وأطراف حمص وأنتم أولاد العذراء أم الزنار وبكل سرور قدّمت هذا الجزء الذي أخذته من نيافة المطران جرجس ليكون هدية لكم وسبب بركة لجميعكم لكي تتشفعوا بالعذراء مريم أم الزنار. ولا غرو أيها الأحباء ونحن في هذا اليوم العظيم نحتفل بانتقال العذراء إلى السماء ونعلم من هي العذراء مريم، هذه التي اختارها الرب من بين نساء العالمين لتكون أماً لابنه الحبيب يسوع المسيح، كانت فقيرة كانت يتيمة ولكن كانت سليلة الملوك والأنبياء كانت تقية عفيفة قديسة، هكذا ينظر الرب إلى القلوب، اختارها لتكون أماً له. هذه العذراء مريم كانت أول من احتمل العذاب والمشقّات والاضطهاد في سبيل المسيح يسوع، أول من بشّر به أيضاً هذه العذراء مريم استحقت أن تقف أمام صليبه لتتألم معه واستحقت أن تراه قائماً من بين الأموات هذه العذراء مريم أحبائي تنبأت عن نفسها قائلة: هوذا من الآن تعطيني الطوبى جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتّقونه. فنعيّد لها نحن السريان أعياداً عديدة، وأهم تلك الأعياد عيد انتقالها إلى السماء نفساً وجسداً، هكذا تقول لنا قصة مار توما الرسول أن العذراء عندما حان الوقت لتنتقل من هذه الأرض وكانت تتوق إلى أن تكون مع ابنها الحبيب، ابنها بذاته أتى وتسلّم روحها الطاهرة وتقول حادثة القديس توما أن الرسل جميعاً جمعهم الرب ليقوموا بتجنيز العذراء مريم، وتوما تأخّر لغاية ربانية سامية لا ندركها وفي طريقه وهو في الهواء وقد اختطف من الروح وهذا أمر كتابي، اختطف فيلبس ووُجد في أشدود، هذا ليس غريباً عن روح الكتاب المقدس أبداً. توما رأى موكب العذراء صاعداً إلى السماء، كلّمها وكلّمته وأراد برهاناً ليثبت لإخوته بأنه قد شاهدها حقاً فسلّمته زناراً هذا الزنار وصل إلى حمص بوساطة راهب اسمه داود وهناك بقي ذلك الزنار. كان الراهب في طريقه إلى القدس وبقي الزنار محفوظاً في كنيسة سمّيت بعدئذ أم الزنار منذ القرون الأولى، هذا الزنار أصبح بركة لتلك المدينة، عجائب كثيرة ومعجزات جرت في كنيسة أم الزنار، خلّصت المدينة مرات عديدة من تهلكات عديدة.
هذا الزنار بركتنا أيها الأحباء قد نلتم أنتم أيضاً جزءاً منه ليكون بركة لكم. هل صعدت العذراء مريم روحاً وجسداً إلى السماء؟ هل نستغرب ذلك؟ هذا ليس غريباً عن الكتاب المقدس. إيليا! من هو إيليا بالنسبة إلى العذراء التي حل في أحشائها نار اللاهوت وجبل من دمها جسداً كاملاً، إيليا صعد إلى السماء بمركبة. أخنوخ لم يوجد، سار مع اللّه ولم يوجد لأن اللّه أخذه إلى عنده. فهل كثير على العذراء مريم التي منها أخذ الجسد ابن اللّه الحبيب أن تصعد إلى السماء نفساً وجسداً بعد أن يتحول الجسد إلى جسد روحاني؟ لا أبداً. نحن نؤمن بذلك ولئن كان ذلك تقليداً لا عقيدة. كذلك أيها الأحباء إن كان أهل أفسس كما يذكر سفر أعمال الرسل يأخذون مآزر عن جسد بولس ومناديل ويضعونها على المرضى فينالون الشفاء، هل غريب أن نتشفّع بالعذراء ونعتبر زنارها الذي لامس جسدها وكما يقول التقليد عن أمثالها أنها هي بيدها قد صنعته، هل غريب أن ننال بركة عظيمة من هذا الزنار وشفاء للمرضى وتعزية للحزانى وتشجيعاً لنا نحن الضعفاء؟ فهنيئاً لكم أحبائي بهذه الذخيرة الثمينة المقدسة، هنيئاً لكم بكنيستكم الجديدة، هنيئاً لكم بمطرانكم الجديد الهمام، هنيئاً لكم باختيار مطرانكم كاهناً فاضلاً هو خرّيج كليتنا اللاهوتية ورسمه وجاءكم أيضاً فزادت فرحتكم بالأب فادي وبزوجته الفاضلة. وإنني في هذه اللحظات وأنا أرى فيكم رعية كقطيع صغير سُرَّ الآب السماوي أن يعطيكم الملكوت، نتمنى أن تكونوا رعية صالحة دائماً وقدوة للآخرين، فقد خدمكم أيضاً كاهن فاضل هو الأب الربان موريس خرّيج كليتنا الإكليريكية أيضاً وأرى ثمار هذه الخدمة بطاعته لمطرانه الجليل وإتمامه توجيهاته الصائبة الصالحة فأرى فيكم أناساً استطاعوا أن يجعلوا من أنفسهم شمامسة وشماسات لخدمة كاهنهم ولئن كنتم رعية صغيرة ولكن حقاً أعمالكم كبيرة جداً، استطعتم بفترة قصيرة أن تكوّنوا أنفسكم فداوموا على طاعتكم لمطرانكم وتعاونوا مع كاهنكم أيها الأحباء ليبقى اللّه دائماً في كنيستكم وروحه القدوس يرشدكم ويهديكم ويذكّركم بما قاله المسيح لرسله وقاله لنا جميعاً فاثبتوا إذاً على صخرة الإيمان بالمسيح يسوع ابن اللّه واجعلوا هذه الكنيسة سبب بركة لكم ولأولادكم ولأحفادكم. ولدتكم من جرن المعمودية كنيستكم المقدسة فأنشئوا أيضاً أولادكم على محبة هذه الكنيسة والتمسك بإيمانها وتقاليدها ولغتها المقدسة السريانية وعلّموا أولادكم أحبائي أن يكونوا محبين لهذا الوطن ثابتين على إيمانهم مثالاً طيباً بالتمسّك بالفضائل لذلك تستحقون أن تكونوا في عداد أولئك الذين يسمعون كلمة اللّه ويعلمون بها الذين قال عنهم المسيح يسوع أنهم إخوة له وهم أيضاً بمقام أمه. ليحفظكم الرب ويبارككم ويسمع دعاءكم في هذه الكنيسة المقدسة كما سمع أدعية القديسين عبر الدهور والأجيال بنعمته تعالى آمين. والآن أحبائي نحتفل بوضع ذخيرة زنار السيدة العذراء في المقام الذي خصص لها.
بدء العام الدراسي في كلية مار أفرام اللاهوتية·
يوصي الرسول بولس تلميذه تيموثاوس قائلاً: «لاحظ نفسك والتعليم»(1تي 4: 16) فعلينا أن نراقب أنفسنا وكل ما ندرّسه الطلاّب من تعليم أو نتعلّمه كطلاّب، نحن الأساتذة والطلبة في كلية مار أفرام اللاهوتية التي تقتفي أثر المدرسة الإلهية لربنا يسوع المسيح ومدارسنا اللاهوتية السريانية الأرثوذكسية عبر الدهور والأجيال. وإذا كان الأنبياء في السابق يُلهمون ليبلّغوا الشعب رسالة اللّه وكان الكهنة الذين أيضاً كانت لهم رسالة سامية أن يرفعوا صلوات هذا الشعب وأدعيته إلى اللّه، وكهنة الرب يسوع يحملون الرسالتين. إننا عندما ننخرط في سلك الإكليريكية نتعلم أولاً عقائدنا كما في الترتيلة التي رتلتموها وهي من أسمى ما يكون ܒܝܬ ܣܦܪܐ ܐܦܪܝܡܝܐ (بيث سفرو أفريمويو) وهو النشيد الرسمي لإكليريكيتنا وعلينا أن نتعلّمه جميعاً عن ظهر قلب، وقد جاء فيه ما معناه: «أننا في هذه الكلية نتلقّى صنوف العلوم الدينية ونتحلّى بالفضائل المسيحية وبالأخص بمخافة اللّه»، فالعالم كله يزول ولا يبقى إلاّ مخافة اللّه والحكمة، وهذا ما عناه الرب يسوع بالمثل الذي ضربه في ختام خطبته على الجبل بقوله: «فكل من يسمع أقوالي هذه و يعمل بها أشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر فنزل المطر و جاءت الأنهار و هبّت الرياح و وقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسسا على الصخر»(مت 7: 24و25). فالحكمة هي أن نكمّل شريعة اللّه عملياً أي أن نعمل بوصايا ربنا، أما مخافة الرب فهي ضرورية جداً جداً لكل من ينخرط في السلك الإكليريكي. مخافة الرب تدلّ على أن هذا الإنسان الذي يخاف اللّه يؤمن بوجود اللّه ذلك أن من لا يؤمن بوجود اللّه يحكم على نفسه بأنه جاهل وهذا ما عناه صاحب المزامير بقوله: «قال الجاهل في قلبه ليس إله»(مز 14: 1) ومن لا يؤمن بوجود اللّه لا يؤمن بأي قيم أخلاقية ومبادئ إنسانية ويصبح غريباً عن اللّه فمخافة اللّه تعتبر في مقدمة كل الصفات الحميدة التي على الطالب الإكليريكي أن يتحلّى بها ومثلما ذكرنا سابقاً إن مدارس الأنبياء في العهد القديم كانت ضرورية لتهيئة من يبلّغ رسالة اللّه إلى الشعب كما هي ضرورية جداً خاصة لنا في العهد الجديد نحن الذين اختارنا اللّه لنبلّغ رسالته تعالى إلى الشعب ونرفع إليه تعالى صلوات الشعب. عندما الرب يختارنا لنكون كهنة نرفع هذه الصلوات إلى اللّه فعلينا أن نزيّن أنفسنا بالعلوم الدينية والمدنية. وعندما نخاف اللّه تتقوى علاقتنا معه تعالى بوساطة المواظبة على الصلاة وبذلك نحوز على دالة البنين بتلاوة الإنجيل المقدس والتأمل بتعاليمه السامية لنعرف جيداً إرادة اللّه ونستلهمه تعالى ليلهمنا بما يجب أن نقدمه للشعب من تعليم، وبحسب طقوسنا قبل أن يقرأ الكاهن الإنجيل المقدس أثناء القداس الإلهي يطلب من اللّه أن ينير ذهنه ليفهم معاني الإنجيل ويلهمه تفسير هذه المعاني للشعب لبنيان جسد المسيح السري أي نفوس هؤلاء المؤمنين الذين قدموا للصلاة إلى اللّه. فمخافة اللّه تدل على أننا على علاقة جيدة معه تعالى وتنتج السيرة الصالحة. إن تقدم التكنولوجيا السريع جداً يعتبر حافزاً لنا أن نهتم بإيجاد كوادر روحية قيادية للكنيسة لنواكب هذا التقدم العلمي المدني بتقدم ديني ولا يكون ذلك إلا عن طريق اهتمامنا بدراساتنا في كليتنا الإكليريكية وعدم التفريط بلحظة من لحظات حياتنا بالانهماك بأباطيل هذا العالم الزائل بل السعي لاكتساب صنوف العلوم بمخافة اللّه.
أيّها الأحباء:
من دواعي فخرنا أن مدرستنا الإكليريكية قد ارتقت، والحمد لله، إلى درجة كلية لاهوتية تضاهي أهم الكليّات اللاهوتية في الشرق الأوسط في مضمار العلوم الدينية واللغات (العربية والسريانية والإنكليزية واليونانية). وإن طلابنا يهيئون أنفسهم في هذه الكلية ليكونوا في المستقبل قادة صالحين لكنيستنا السريانية الأرثوذكسية والقائد في الكنيسة هو خادم روحي يقتدي بالرب يسوع الذي قال: «كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدَم بل ليَخدُم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين»(متى 20: 28). والقائد في الكنيسة هو الراعي الذي يبذل نفسه عن الخراف فهو خادم وهو راعٍ وهو في الوقت نفسه المرشد وهو النور الذي ينير ظلمة المؤمنين ولا يصبح كذلك ما لم يمتلئ من الروح القدس. نحن ندرس العلوم المدنية، واللغات، والفلسفة. كل هذه العلوم وغيرها ندرسها لتكون وسيلة لنا لفهم الأمور الروحية وممارستها وعندما نقتني العلوم الروحية نصير علماء والعالم الروحي يتخرّج في كلية روح الرب، أي مدرسة الأنبياء والرسل والكتاب المقدس وتعاليم الآباء القديسين، درس في المدرسة التي تُعِد الكوادر القيادية الروحية التي تعطي أبناء اللّه طعامهم الروحي في حينه. هذا يكون عالماً وعليه أيضاً أن يقرن هذا العلم بمخافة اللّه وإلاّ فدينونته صارمة جداً وبهذا الصدد يقول ابن العبري: «إن خطية العالِم كبيرة وإن صغرت»، يعني أن الإكليريكي لدينا يعد نفسه بالصلاة والصوم وبالتحلّي بمخافة اللّه والإيمان والرجاء والمحبة ليكون مستعداً بل مستحقاً أن يدعى من اللّه كما هرون أيضاً لينال موهبة الكهنوت الهابطة عليه من السماء ويلهمه اللّه أن يكرّس نفسه تكريساً تاماً ويفرز نفسه من العالم فتظهر علامات التوبة ويصير إنساناً جديداً، ويلهمه اللّه أن يستعد للخدمة لحمل الرسالة السامية إلى العالم فإذا حملتم هذه الرسالة يجب ان تعرفوا أن تكونوا حذرين كثيراً في سيرتكم وإن كنتم بعد طلاباً إكليريكيين، ويجب أن يشعر الناس جميعاً بأنكم تختلفون عما كنتم عليه قبل انخراطكم في سلك الإكليريكية وانضمامكم إلى عضوية كلية تلاميذ الرب يسوع التي أسسها له المجد عندما اختار الاثني عشر رسولاً والسبعين تلميذاً فتعرفون إرادته ولذلك لا يدعوكم عبيداً بل أبناء وأحباء بحسب سابق وعده، وعندما تكونون كذلك أصبحتم إذاً ممن يعرف الشريعة ويعمل بها متجنباً النواهي. فأنت أصبحت في عداد أبناء اللّه بالنعمة بل أيضاً ضمن سكان الدير ولئن لم تلبس الإسكيم الرهباني أي لست راهباً بعد لكن يجب أن يكون سلوكك اليوم وغداً وإلى الأبد كأحد الرهبان الأتقياء الذين يخافون اللّه وكهنة الرب الأبرار، لأنك أصبحت في عداد العارفين المحبين اللّه والقريب والناكرين ذواتهم الخائفين اللّه. إن مخافة اللّه تجعلنا أن نفكّر في الأبدية ونحفظ شريعة اللّه السامية جداً وخاصة وصيته الإلهية بقوله لنا: «كونوا قديسين لأن أباكم الذي في السموات هو قدوس، كونوا كاملين لأن أباكم الذي في السموات هو كامل»، وطالما انخرطنا في كلية مار أفرام وعلينا أن نتّخذ القديس مار أفرام السرياني الزاهد والناسك والعلامة الكبير والشاعر الروحاني المفلّق قدوة صالحة لنا فنقرن محبة العلم الروحاني بمخافة اللّه ونقتفي أثر ربنا يسوع ونخدم شعبه المبارك بكامل إرادتنا فقد تجاوبنا بذلك مع إرادة اللّه وإلهام الروح القدس.
إن كانت دعوة كل واحد منكم نقية وطاهرة فهو مدفوع من الروح القدس لينخرط في المدرسة التي تعدّه لتضطرم نار الشوق الروحي في قلبه لخدمة بني اللّه ولتعدّه للخدمة نفساً وجسداً أيضاً بالصلوات والأصوام والتضرعات بالأعمال الصالحة التي تبرهن على ما تتحلى به نفوسنا من فضائل سامية، هذه كل الأمور التي تجعلنا أن نؤمن أن اللّه هو الذي دعاكم وألهم أهلكم وذويكم ليساعدوكم على ترك العالم ومغرياته وتنخرطون في هذه الكلية اللاهوتية. كما أن اللّه تقدّس اسمه يلهمنا أيضاً كمسؤولين عندما نقبل هذا الطالب أو ذاك وقد نرفض هذا أو ذاك حسب إرادته تعالى لأننا نؤمن أن الدعوة هي من اللّه تُهيَّأ من جميع الجهات متى يأتي هذا الإنسان لكي يهيّئ نفسه لخدمة ربنا. نحن هنا في خدمتكم أولادي طبعاً عندكم الناظر ومعاون الناظر الذي هو المرشد الروحي فإذا كان لديكم أية مشكلة روحية صعبة تقدموا إلى منبر الاعتراف والمرشد الروحي سيرشدكم وإذا كان لديكم أمور إدارية صعبة لديكم الناظر أيضاً ولديكم المدرّسون والرهبان الذين سبقوكم في هذه التجربة تقدرون أن تسألوا وتستفسروا وتستفيدوا. ولا بد أن تعترض مسيرتكم عقبات كأداء لأن الطريق ليست سهلة والباب المؤدي إلى حظيرة المسيح ضيق وإذا لم تكن الطريق صعبة فليست الطريق التي تقودنا إلى المسيح فإن طريق عمل الفداء التي سلكها الرب وهو حامل صليبه هي طريق الآلام، طريق الصلب وقد دعانا لنحمل الصليب ونتبعه. ولا تعتقدوا أيضاً عندما تهيّئون أنفسكم حتى في عبادة اللّه أنه سوف يكون لكم راحة في هذه الحياة، هذا لا يعني أن أهل الدنيا لديهم راحة، أهل الدنيا حتى في اقترافهم خطاياهم يتعذّبون، حتى فيما تراه فيهم أنهم مرتاحون الحقيقة هم معذبون جداً. لو تنزل إلى أعمق أعماق قلوبهم لاكتشفت صنوف العذاب التي تملأ هذه القلوب من عذاب الضمير والقلق. ولكن على الأقل نحن الذين ننخرط في مدرسة الرب يسوع، نحن الذين نهيّئ أنفسنا لنكون خدمة للرب يسوع نؤمن بأننا ولئن تحمّلنا صنوف العذاب في هذه الحياة حتى أننا نكون على استعداد تام في سبيل تقديم الشهادة للمسيح، أن نستشهد في سبيل المسيح. هذه نعرفها ويجب أن نعرف شيئاً آخر أن هناك أخيرا مكافأة من اللّه في هذا الشيء، ونعرف شيئاً ثانياً أننا نحن المضطهدين أيضاً في سبيل المسيح، المسيح معنا وكأنه هو يُضطهد من أجلنا، وما يثبت هذه الحقيقة الإيمانية قول الرب لشاول الطرسوسي الذي صار اسمه بعدئذ بولس عندما ظهر له السيد المسيح وقال له: شاول شاول لماذا تضطهدني ويسأله شاول: من أنت يا رب حتى أضطهدك، أجابه الرب: أنا يسوع المسيح. شاول لم يرَ يسوع المسيح في حياته لكن يسوع المسيح رآه، يسوع المسيح اختاره ليكون إناءً مختاراً. إن الرب يسوع المسيح يعرف عنه كل شيء ويعرف أن شاول هذا يضطهد أتباع المسيح، لم يضطهد المسيح لكن من يضطهد أتباع المسيح يضطهد المسيح، فنحن إذا تألمنا وإذا تحمّلنا الشدائد والضيقات في سبيل المسيح يكون المسيح معنا ويعتبر مضطهدونا كأنهم يضطهدون الرب. فإذا لم نكن أبراراً فليس لنا أجر، بطرس الرسول يعلمنا هذا الشيء لكن إذا كنا أبراراً فأجرنا عظيم لدى ربنا، أما إذا كنا خطاة ونتألم من جراء ذلك فهذا يعني أننا نأخذ جزاء خطايانا. فإذا الإنسان ظلم الآخرين أو سرقهم ونال جزاء ما فعل فأي فضل له من معاقبته ذلك أنه نال عقاب ما اقترفه من خطايا. لكن الإنسان المؤمن البار الذي لبّى نداء الرب يسوع في خدمة رعية الرب ويُضطهد من أجل اسم المسيح من أهل الإيمان والغرباء في آن وفي سبيل خدمة المسيح ورعاية شعب المسيح فهذا أجره عظيم، فقد نضطهد حتى من الذين نرعاهم لكن علينا أن نصطبر ونتحمّل هذا الشيء فنحن الذين انخرطنا في سلك الإكليريكية علينا أن نُعد أنفسنا لمجابهة أمور مهمة وأوقات صعبة، أصعب من الدراسة، أصعب من كل شيء في حياتنا أثناء خدمتنا ربما نكون حسب ظننا مضطهدين من رؤسائنا ومن مرؤوسينا أيضاً لكن علينا أن نسلك كتلاميذ للمسيح بمحبة، أن نحب رؤساءنا ومدبرينا كما وأن نحب مرؤوسينا، ونحب زملاءنا. إنكم كبشر ممكن أن تدخلوا في تجربة الحسد ولكن إن كنا نحب الآخرين لا نحسدهم على ما أنعم اللّه عليهم من مواهب بل نغبطهم ونشكر اللّه الذي يوزّع مواهبه على جميعنا وكل واحد منا أعطاه موهبة تختلف عن مواهب الآخرين ويجب أن أفرح لنجاح رفيقي بالموهبة التي أعطاه اللّه إياها وأمجّد اللّه على هذه الموهبة وأنا أعلم أن هذه الموهبة هي لنا جميعاً ولكنيستنا ويجب أيضاً أن لا أحسده بل أغبطه. إن الحسد هو غير الغبطة، أغبطه أي أن أتوق أن أنال موهبة سامية مثلما نالها زميلي لكن إذا حسدته أتمنى أن ترفع هذه الموهبة منه وتعطى لي، هذا هو الحسد، أما إذا أحببت صديقي فالمحبة تغفر والمحبة لا تفرح بالشر بالعكس تفرح بالخير، المحبة لا تحسد أبداً لذلك إذا أردنا أن نكون خائفي اللّه وإذا أردنا أن نمتلئ من الروح القدس والروح القدس هو الذي يلهمنا ويعلمنا وهو الذي يزيد المعرفة في عقولنا والعواطف الطيبة النبيلة في قلوبنا، الروح سوف يفرح عندما يرانا أننا نحب بعضنا البعض والمحبة هي التي تثمر المسامحة والمغفرة لأننا كلنا نخطئ. الشيء الذي أريده منكم أنه يجب في مضمار المحبة في ميدان المغفرة أثناء دراستنا يجب أن نواظب على صلواتنا ونجمع أفكارنا بصلواتنا، أن نضع همومنا على اللّه وهو الذي يزيلها، وأن لا نقلق للمستقبل مهما كان المستقبل جيداً أو سيئاً فهو بيد اللّه.
إننا على وشك أن نضع أقدامنا على أول عتبة من عتبات القرن القادم ويجب أن نهيّئ أنفسنا حتى نواكب هذا التقدم التكنولوجي الموجود حتى نواكبه ونحن ممتلئون من الروح القدس قبل كل شيء والروح القدس هو «روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب»(اش 11: 2) وبإرشاد الروح القدس نقود شعبنا إلى المسيح يسوع ربنا في هذا العصر المتقلب عصر التكنولوجيا. إننا وجدنا لخدمتكم أحبائي ومستعدون لمساعدتكم لمجابهة أية صعوبة وأية عقبة كأداء تعترض طريقكم في حياتكم الإكليريكية الروحية والجسدية والعلمية. إن همي الأول في الخدمة أن يكون لدينا كادر قيادي روحي قوي جداً ملتزم ومحب لكنيسته أكثر من محبته لذاته لذلك نأمل أن يكون كل واحد منكم واضحاً وصريحاً معنا لنتمكن من أن نساعده بقدر إمكاننا. أتمنى لكم جميعاً سنة دراسية ناجحة وصالحة مكللة بمخافة اللّه بمحبته تعالى ومحبة القريب ومحبة كنيستنا ومحبة وطننا أيضاً حتى نكون قدوة للناس وهذا الشيء يظهر من كلامنا ومن تصرفاتنا حتى نعد أنفسنا في المستقبل لخدمة كنيستنا خدمة صالحة نكافأ عليها من الرب والرب يحفظكم.
مشفى الشهيد باسل الأسد ـ صدد·
أمجّد اللّه وأشكره تعالى حيث قد عضدكم لتنجزوا بناء مستشفى الشهيد باسل الأسد. ويطيب لي من هذا المكان المبارك أن أحيي رئيسنا المبجل حافظ الأسد خاصة ونحن نحيا فرحة التشرينين، تشرين التحرير وتشرين التصحيح ورئيسنا الأسد هو البطل هو الذي بنى لنا هذه الدولة العظيمة فإذا كنا نذكره بالطوبى له وللشعب الذي تحت رئاسته.
صاحبي النيافة والسيادة الحبرين الجليلين، أحبائي الكهنة، الأخ العزيز القس الدكتور رياض جرجور أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط، الضيوف الكرام القس روني بينج وزوجته السيدة الفاضلة ساندي، والسيد ديفيد ويغر السكرتير المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط في قسم خدمة الكنائس العالمي، القس نهاد طعمة من سنودس الكنيسة الإنجيلية في سورية ولبنان، السيدة مهاة فرح الخوري ممثلة مكتب مجلس كنائس الشرق الأوسط وأتعابها كثيرة جداً في الأوساط المسكونية تذكر بالشكر والامتنان.
أحييكم أيها الضيوف الكرام وأرحّب بكم في هذه البلدة العريقة بالمجد والسؤدد والإيمان في صدد والحفر التي هي شقيقة صدد والشعب واحد وكلنا واحد، نحن عائلة سورية عربية واحدة رئيسها الرئيس المبجّل حافظ الأسد، نحن عائلة تتألف من شرائح عديدة والوحدة الوطنية التي وطد أركانها الرئيس الأسد ستبقى إلى الأبد. والآن ألتفت إلى أحبائنا وأعزائنا أمين شعبة القريتين الرفيق باسم حرب ومدير الناحية وممثل قيادة فرع حمص وكل المسؤولين وكلهم يشاركون هذه الفرحة العارمة ببناء مستشفى في صدد لكل الشرائح وكل الفئات ولكل من يحيط الصدد من قرى.
أيها الأحباء: مما يزيد افتخارنا أن نرى من أبناء هذه المنطقة الأخ العزيز القس رياض جرجور يتبوّأ مركزاً عالمياً مسكونياً مرموقاً فهو السكرتير العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط وفي هذا المركز تنجلي مواهبه السامية وفضائله وسجاياه الحميدة وأصالته العربية ومحبته لكل الكنائس وجهاده لنصرة القضايا العربية من خلال المجلس. إننا نفتخر بابن الحفر وإذ نحيّي صدد مع سلفنا الأسبق البطريرك أفرام القائل بقصيدة نظمها في مضمار التغنّي بشجاعة أهل هذه المنطقة: يا رايحين لصدد اهدولي التحية على المشايخ والزمرة الكهنوتية. ويردف قائلاً وأقول معه: نادوا رجال الحفر أهل المروة. من أهل الحفر اليوم في هذا الاجتماع الأخ الدكتور رياض المعروف بالمروة، بالشهامة، بالغيرة الوقّادة، بالمحبة العميقة لكل الكنائس لكل الجوامع لكل المساجد لكل إنسان مخلص لوطنه العزيز سورية العربية ورئيسها حافظ الأسد. ما أسعد الحفر أن يكون القسيس رياض ابناً باراً لها.
أيها الحضور الكرام: إن مشروعنا مستشفى الشهيد باسل الأسد إن دلّ على شيء فإنما يدل على إيمان متين ثخين يعمر قلوبكم جميعاً، فهذه بادرة مسيحية، والمسيحية عرفت قيمة الإنسان، والمسيحية رحمة كما عبّر عنها الرب يسوع أريد رحمة لا ذبيحة، والمسيحية دين السامري الصالح الذي رأى الجريح الساقط بين اللصوص فنزل عن دابته وضمّد جروحاته بزيت هو زيت الرحمة وخمر هو خمر المحبة وحمله وأتى به إلى فندق ودفع عنه. من هنا تعلّمنا المسيحية أن نعتني بالمريض والجريح والمعوز والمحتاج دون أن نفتكر من أي دين هو وإلى أي شعب ينتمي فكل إنسان في هذه الحياة يحتاجنا هو قريب لنا، وعلينا أن نحب قريبنا كنفسنا كما أوصانا الرب يسوع المسيح. فلا عجب أن نرى مجلس كنائس الشرق الأوسط بشخص الأمين العام الأخ القس رياض ونرى أيضاً رئيس قسم خدمات الكنائس العالمي القس روني بينج يتعاونان وسائر الإخوة السكرتير المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط السيد ديفيد، نرى أيضاً التعاون هذا يعطي لمجلس كنائس الشرق الأوسط صفة يستحقها وهو أنه لجميع الكنائس كما نرى التعاون ما بين المجلس وبين الشعب بواسطة التعاونية مع صدد والتعاون ما بين صدد والمنطقة، ما بين الوطن والمهجر كما ذكر ذلك عزيزنا الروحي الفاضل عريف الحفلة السيد توما سكر. ونرى تعاون هذه المؤسسات في الحكومة السورية العربية إذ نعيش اليوم عصراً ذهبياً بقيادة رئيسنا حافظ الأسد بالاعتناء بالإنسان السوري العربي أينما كان حتى في المهجر لمست ذلك بنفسي عندما زرت إخواناً لكم هناك، خاصة في شهر آب المنصرم عندما افتتحنا وقدّسنا في جاكسنفيل أول كنيسة لنا هناك باسم السيدة العذراء أم الزنار. هناك ذكرت أن أولئك الأحباء ينتمون إلى محافظة حمص وبعدئذ اعترض مؤمن وجاء إليّ أحد المؤمنين وكلّمني سراً قائلاً: إننا من صدد. قلت له: نحن لا ننسى صدد أبداً فهي البلدة الصامدة المتمسّكة بعروبتها، والثابتة على إيمانها وعقائدها الدينية، وعلى المبادئ الأخلاقية السامية والسيرة الصالحة، إن صدد هي أم السريان في هذه المنطقة. فهذه الغيرة الصدية يحملها الصدديون والحفريون وأبناء القرى في هذه المنطقة المباركة جميعاً حتى إلى المهجر ليبقوا دائماً على صلة تامة بالمحبة والمودة والوفاء لسورية العربية الحبيبة هذا الوطن العزيز وهذه الكنيسة المقدسة، وهم يفتخرون دائماً برئيسنا المبجل حافظ الأسد. إذاً إن دلّ بناء وتشييد مبنى المستشفى على شيء فهو يدل على غيرتكم الوقادة، يدلّ على تمسككم بالفضائل السامية، يدلّ أيضاً على تعاوننا جميعاً كإخوة وأحباء مسلمين كنا أو مسيحيين، كما يدلّ على انفتاح حكومتنا على شعبها وعندما ترانا هذه الحكومةالرشيدة نهتم بالإنسان خاصة بالمريض والمعوز والمحتاج تمدّ إلينا يد المساعدة وتشجعنا كثيراً، وإن مشاركة الدولة بمائة وخمسين مليون ليرة سورية لشراء آلات ومعدات للمستشفى يدلّ على محبة المسؤولين لأبناء الشعب. لا أريد أن أطيل عليكم الكلام أيها الأحباء، لا بد أن نشكركم جميعاً على شعوركم النبيل الطيب وأرجو بعد أن يتم ويُنجَز العمل في المستشفى أرجو ألاّ تنسوا من تعبوا معكم جميعاً في هذا المشروع العظيم والإنجاز الجبار كما أرجو أن تشعروا بمسؤوليتكم تجاه هذا المشروع، فعليكم أن تواصلوا عضدكم ومساندتكم وتعاونكم لإنجاح المستشفى وعليكم أيضاً أن تمثّلوا القيم الدينية والوطنية دائماً أبداً عن طريق خدمة الإنسان المريض والمعوز والمحتاج. بارككم اللّه وكمّل معكم في مشاريع أخرى مستقبلية كلها تؤول إلى خدمة الإنسان وتؤول إلى تمجيد اسم اللّه القدوس ونعمته تشملكم دائماً أبداً آمين.
كنيسة العذراء في أوغسبورغ ـ المانيا·
أيها الأحباء:
إنها لمناسبة بهيجة جداً أننا قمنا بنعمة الله بطقس تقديس هذا البيت ليكون كنيسة للرب. أمس كانت هذه الكنيسة بيتاً خصص لعبادة اللّه أما اليوم فهذا بيت اللّه، الروح القدس حلّ فيه والروح القدس الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس موجود في كل مكان ولكنه موجود خاصة في دور العبادة التي تكرّس لعبادة الله تعالى فهو في ملء هذه الكنيسة، يساعدني في ذلك بالطقس الكنسي الإخوة الأحبار الأجلاء النائب البطريركي في أبرشية ألمانيا مار ديونيسيوس عيسى كوربوز ومار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى ومار فيلكسينوس يوسف جتين النائب البطريركي في استنبول ومار ديوسقوروس بنيامين النائب البطريركي في السويد والآباء الكهنة الأحباء والرهبان الأعزاء والشمامسة والشماسات والمرتلات وهذا الشعب المبارك الذي جاء من مدن عديدة في هذه البلاد أوربا. عندما نكرّس كنيسة جميلة كهذه نذكر الأتعاب الكثيرة الفكرية والعملية للإكليروس والشعب كافة ويطيب لي أن أثني جزيل الثناء على نيافة أخي الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطرانكم السابق الذي كان يحثّكم جميعاً على تشييد الكنائس والمعابد والمدارس كما أثني جزيل الثناء على أخي الحبر الجليل مار ديونيسيوس عيسى كوربوز مطرانكم الحالي الذي يحثّكم أيضاً ويشجعكم على الاستمرار بمحبة الكنيسة وتشييد المعابد. وأثني جزيل الثناء على الآباء الكهنة في كل مكان لنشاطهم، وأحد كهنة هذه الكنيسة الأب القس لحدو مع بقية إخوته الكهنة والشمامسة ورؤساء المجلس خاصة المؤمن العزيز السيد دانيال لأنهم قد اهتموا كثيراً. وإننا تكريماً للكهنة، وهذا الشعب المبارك سنقلّد الأب لحدو بعد الانتهاء من كلامنا الصليب المقدس لجهوده الجبّارة في جمع التبرّعات وتبرّعه هو الشخصي السخي.
أيها الأحباء: أنعم اللّه علينا وعليكم أن يكون لنا في أوغسبورغ كنيسة جميلة كهذه لكننا ونحن نشكر اللّه ونشكر إخوة لنا من سائر الطوائف الذين قد ساعدونا باستعمال كنائسهم كما ساعدونا أيضاً مادياً ومعنوياً في تشييد هذه الكنيسة الجميلة، وهذه هي الروح المسيحية الحقيقية يجب أن تتقوى في قلوبنا جميعاً نحن وهم. ونؤكّد لكم أن الكنيسة هي التي تعتبر أماً لنا ومربية في الوقت نفسه ومعلّمة وتعلّمنا أن نحب اللّه أن نحب كنيستنا السريانية، أن نحب سائر إخوتنا من جميع الأديان والمذاهب، والكنيسة تعلّمنا أن نكون مواطنين صالحين لأوطاننا وأن نخدمها بمخافة الرب واجتهاد وأن نكون مثالاً طيباً للناس جميعاً بالتمسك بإيماننا السرياني الأرثوذكسي والفضائل والأخلاق والسيرة الصالحة التي ورثناها من آبائنا القديسين. أهنئكم جميعاً بهذه الكنيسة وأسأل الرب أن يبارككم، وأن يقبل الرب القرابين التي يقدّمها الأحبار والكهنة على مذابح هذه الكنيسة المقدسة وأن يقبل صلواتكم ويمنحكم وأولادكم الصحة والعافية والتوفيق وأن ينموا أولادكم بالقامة والنعمة أمام اللّه والناس ليستمروا أولاداً للّه بالنعمة وأولاداً للكنيسة المقدسة والنعمة تشملكم دائماً أبداً آمين.
لقاء قداسته بطلاب دير مار يعقوب السروجي ـ المانيا·
إنني مسرور جداً أن ألتقيكم اليوم بحضور الأحبار الأجلاء الذين عملوا كثيراً وتعبوا ويعملون أيضاً معاً ويعاون بعضهم بعضاً ليرعوا خراف المسيح الناطقة أبناءنا السريان الأرثوذكس في أوربا، كلاًّ بحسب المواهب والقوة التي منحه إياها ربنا يسوع المسيح ليخدم كنيستنا المقدسة. قلت إنني لمسرور أن ألتقيكم، وعندما ألتقي أبنائي الروحيين الطلاب الإكليريكيين في كل مكان أشعر بعناية اللّه ومحبته لكنيستنا السريانية الأرثوذكسية المقدسة المتمسكة بإيمانها المستقيم الرأي وطقسها الكنسي ولغتها السريانية لغة ربنا يسوع المسيح.
وأتذكر نفسي عندما كنت طالباً صغيراً مثلكم في الإكليريكية وشاء الرب واختارني لأكون خادم خدام كنيسته السريانية الأرثوذكسية المقدسة، وأعدّني ومنحني هذه الموهبة المقدسة العظيمة وكما قلت لأصحاب النيافة عندما انتخبت بطريركاً سنة 1980: أشكر اللّه الذي شاء واختارني أنا العبد الضعيف وأقول مع العذراء مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي الذي نظر إلى تواضع عبده أنا العبد الخاطئ الضعيف البسيط. وعندما كنت تلميذاً صغيراً لم أفكر يوماً أن أكون كاهناً وإنما راهباً فقط، ولكن اللّه سبحانه وتعالى شاء ونظر إلى تواضع عبده ورقاني وجعلني أبا الكنيسة المقدسة.
لا نعلم، ربما واحد منكم، لست أعلم متى وإنما في المستقبل يمنحه الرب قوة وموهبة ووظيفة ليكون كاهناً أو مطراناً أو بطريركاً، فالله يختار من يشاء للعمل السامي الذي يعده له. أقول هذا لأنني أريد منكم أن تفتكروا كطلاب إكليريكيين أنكم قد تصبحون رعاة وقادة لكنيستنا المقدسة في المستقبل في هذه البلاد أو أي مكان آخر يتواجد فيه شعبنا السرياني. الكنيسة بحاجة إلى كل واحد منكم، والكنيسة تتأمل منكم أن تتعلموا التعليم الصحيح وتحبوا خدمة شعبنا المبارك هنا وفي أي مكان يختاره لكم الرب لتخدموا بطهر ونقاء. بهذا فقط يباركنا الرب ويفرح بنا وبشعبنا المبارك.
لقد سررت بكم كثيراً وسأصلي لأجلكم لتقتنوا العلوم وأملنا بكم أن تكونوا مستعدين دائماً لخدمة كنيستنا السريانية الأرثوذكسية المقدسة. وأقدم الشكر الجزيل للأحبار الأجلاء والكهنة والرهبان وأساتذتكم وهؤلاء الذين يهتمون بكم من حيث الطعام والشراب والتربية الروحية.
إن الرب قد وعدنا أن يكون معنا ولا يكون معنا إن لم نكن نحن معه لهذا يجب أن نحفظ أنفسنا بقداسة. وعلينا دوماً أن نذكر رؤساءنا ونصلّي لأجلهم ولأجل كل من يهتم ويقدم لنا العون كما يجب أن نصلي لأبوينا وإخوتنا وكل من تربطنا به قرابة جسدية أو روحية. أسأل الرب الإله أن يبارككم وأشكر الربان يوحنا أيدين رئيس الدير على كلماته اللطيفة وأشكر لكم التراتيل الجميلة الشجية التي قدمتموها في هذا اللقاء المبارك.
من عظات عام 1999
من عظات عام 1999
عيد مار أفرام السرياني ولقاء مع طلاب الكلية·
أيها الأحباء:
ما أبهج هذا اليوم الذي فيه نذكر بإيمان أكثر من صدّيق لننال بذلك بركات سماوية سامية. إن كنيستنا المقدسة بحسب الطقس البيعي الذي نظّمه الآباء القديسون تذكر اليوم أولاً أعجوبة تطهير الأبرص وبذلك تريدنا أن نقتدي بذلك الإنسان الذي كان يتعذّب من داء البرص الوبيل الذي تلبسه فتناثرت أعضاء من وجهه وبقية جسمه فاضطر أن ينعزل عن العالم لأن شريعة موسى الطقسية لا تسمح له مخالطة أقرب أقربائه ولا السكنى مع الناس وإلاّ يسام أشد صنوف العقاب فكان يبتعد عن معاشرة الناس رغماً عنه. ولكن ذلك الأبرص آمن بالرب يسوع وجاء إليه معلناً له هذا الإيمان بقوله: «يا سيد إن أردت تقدر أن تُطهّرني فمدّ يسوع يده ولمسه قائلاً: أريد فاطهر. وللوقت طهر برصه» (مت 8: 1 ـ 3). ونحن قد تلبّستنا الخطايا والآثام التي هي أكثر سوءاً من البرص. إن أعضاء الإنسان تتآكل إذا أصيب بالبرص أما الخطايا فتُميت قوى أرواحنا وتلاشي إيماننا وتبعدنا عن اللّه الذي هو حياتنا، ولا تعود إلينا نعمة الشفاء ما لم نؤمن بقوة الرب يسوع الذي له سلطان على مغفرة الخطايا. لنأتي إليه إذن الآن وننتهز فرصة الصوم الأربعيني المقدس ونتوب ونطلب إليه أن يغفر خطايانا لنسمعه يقول لنا: أريد فاطهروا، فنطهر من خطايانا.
أجل إن الكنيسة المقدسة في هذا اليوم تعيّد أيضاً للقديس الشهيد ثيودورس الذي كان ضابطاً في الجيش الروماني على عهد يوليانس الجاحد الذي ارتدّ عن المسيحية وحاول أن يعيد نشر الوثنية وأن يلاشي الإيمان بالمسيح يسوع واضطهد المؤمنين بالمسيح. وحيث أن ثيودوروس الضابط اعترف بإيمانه بالمسيح يسوع علناً، استشهد في سبيل التمسّك بهذا الإيمان فهو إذن مثال للمؤمنين الحقيقيين الصالحين في هذه الأيام، التي كثر فيها حياد الناس عن الإيمان القويم الرأي، وعبادة الأوثان الحجرية والبشرية والتمرّغ بالآثام، والتنكر لحياة الفضيلة. فلنقتدِ بهذا القديس الشهيد فإن ذكر الصدّيق للبركة. نذكر أيضاً في هذا اليوم القديس مار أفرام السرياني ملفان الكنيسة الجامعة شفيع هذا الدير، وشفيع كلية مار أفرام وشفيع هيئة السيدات الخيرية السريانية في أبرشية دمشق النيابة البطريركية وشفيع الفرقة الكشفية وجوقة الترتيل والعديد من المؤسسات الكنسية. ففي هذه المناسبة وقبل أن نتكلّم عن مار أفرام نهنّئ أبناءنا الأعزاء ناظر كلية مار أفرام اللاهوتية ومرشدها الروحي وأساتذتها الرهبان الأفاضل وطلبتها كافة، كما نهنئ بناتنا الفاضلات الراهبات والمؤمنين والمؤمنات كافة ليباركهم الرب ويمنحهم القوة الروحية ليواصلوا حمل الرسالة الرهبانية والعلم والمعرفة الدينيين ويقيموا من أنفسهم قدوة صالحة للشبيبة السريانية في العالم أجمع أسوة بمار أفرام.
وبمناسبة عيد مار أفرام السرياني ذكرنا على مذبح الرب مؤسس مدرسة مار أفرام الإكليريكية المثلث الرحمة العلامة البطريرك أفرام الأول برصوم، وذكرنا الذين عملوا واجتهدوا في سبيل ازدهار هذه المؤسسة الحيوية من إكليروس وعلمانيين. ونذكر جميع الذين لا يزالون يبذلون قصارى جهدهم في تثقيف طلاب هذه الكلية الثقافة الروحية وتلقينهم العلوم المدنية والدينية وتربيتهم التربية المسيحية الصالحة ليحملوا رسالة الإيمان القويم الرأي ليس إلى شرقنا فحسب بل إلى كل أنحاء العالم أيضاً. إننا ذكرناكم جميعاً على مذبح الرب أيها الأحباء يا من حضرتم واشتركتم معنا في تقديم هذه الذبيحة الإلهية غير الدموية في ذكرى القديس مار أفرام لتنالوا معنا البركة فذكر الصدّيق للبركة كما يقول كاتب سفر الأمثال.
أجل إننا عندما نذكر مار أفرام السرياني الناسك الزاهد والملفان العظيم والشاعر المفلّق، نتخيّل الجهاد الذي سعى آباؤنا القديسون منذ بدء المسيحية باجتهاد مستميت ثابتين بذلك في وصايا الرب، الرب الذي اختار له رسلاً وتلاميذ ليحملوا رسالته الإلهية إلى العالم أجمع. كل هؤلاء نرى فيهم مثالاً لمن يسعى إلى الحصول على ملكوت اللّه.
أيها الأحباء: بعد أن ابتدأت كنيسة المسيح في القرن الرابع للميلاد تداوي جرحها وتلمّ شعثها بدأت حركة رهبانية مباركة في الكنيسة، فلئن ظهر كما يقول المؤرّخون منذ القرن الثاني رهبان وراهبات في البلاد السورية ولكن في بداية القرن الرابع انتعشت الرهبانية وكان هناك قناة سرية، إلهية، سماوية ما بين مصر وسوريا. فقد ظهر أنطونيوس أبو الرهبان في مصر وانتعشت الرهبانية هناك وكان أنطونيوس شاباً غنياً وزّع على الفقراء ما ورثه من مال واعتنى بشقيقته حيث أودعها نسوة عفيفات قديسات يعبدن اللّه بالروح والحق. وترك العالم، وتنسّك في البراري والقفار وهكذا أضحى بعدئذ أبا الرهبان لأنه ابتدأ بالرهبنة الديرية إلى جانب نيل بركة النسك. وما أجمل أن نعيّد اليوم لراهب ناسك وعالم روحاني شهير ورئيس رهبان في البلاد السورية هو مار أفرام السرياني ومعه أيضاً نعيّد للشهيد ثيودوروس، فالرهبنة بحد ذاتها شهادة واستشهاد، شهادة للمسيح يسوع وحمل صليبه واتباعه لنيل الحياة الأبدية طبقاً لتعاليم الرب يسوع الذي أجاب على سؤال شاب سأله عن كيفية الحصول على الحياة الأبدية قائلاً له: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعطِ الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني »(مت 19: 21). هذا هو التجرد عن كل شيء، هذه شهادة واستشهاد في آن واحد معاً. وهذا ليس بالأمر الهيّن أن ينكر الإنسان ذاته ويعترف بسلطان اللّه، وأن يضحّي بالحلال من اللذات في سبيل التخصص لعبادة الرب. هذه هي الرهبانية السليمة، كانت موجودة في سورية وكانت موجودة في مصر. أنطونيوس أبو الرهبان اكتشف أن الأنبا بولا تنسّك قبله وهنا في سورية أيضاً كان العديد من النسّاك قبل عهد مار أفرام السرياني، ولكننا نعتبر مار أفرام الرائد في تنظيم الرهبانية. ومما هو جدير بالذكر أن مار أفرام بإرادة إلهية زار مصر وذهب إلى راهب ناسك زاهد هو الأنبا بيشوي، زاره هناك وغرس كما تقول القصة، عصاه عند مدخل قلاية الأنبا بيشوي قبل دخوله إليها فنمت تلك العصا وارتفعت وأزهرت وصارت شجرة باسقة. وإلى اليوم تحتفظ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بهذه الشجرة كعلامة للعلاقة الروحية والعقيدية بين آباء كنيستنا السريانية وشقيقتها الكنيسة القبطية، إنها علامة الشهادة والاستشهاد القائمة بين هاتين الكنيستين اللتين اشتهرتا بمحبة الرهبانية وأعطتا العالم ألوفاً مؤلفة من الرهبان والراهبات الأتقياء فصارت الرهبانية قوة وراء الكنيسة.
ونحن نفتخر أننا نعيّد لمار أفرام ويصلي معنا رهباننا الأعزاء خريجو كلية مار أفرام وراهباتنا الفاضلات أيضاً يشاركننا الصلاة وهنا أيضاً معنا بناتنا العزيزات الراهبات القبطيات بنات القديسة الشهيدة دميانة يشاركن أخواتهن الراهبات السريانيات الفرحة بهذه المناسبة المباركة.
أيها الأحباء عندما نتأمل بسيرة مار أفرام نقول مع صاحب الأمثال: «ذكر الصديق للبركة» إن البركة التي نلناها من الرب بشفاعة هذا القديس العظيم عظيمة جداً فقد اشترك في مجمع نيقية مع أستاذه القديس مار يعقوب أسقف نصيبين وأخذ من آباء المجمع المقدس دروساً نفيسة ضمّنها الأناشيد والميامر والأشعار التي لا يحصى لها عدد والتي نظمها فساعدت المؤمنين على تثبيت الإيمان والثبات عليه وفي تأسيس مدرسة نصيبين ثم بعدئذ في تجديد الحياة في مدرسة الرها، وازدهار الرهبنة التي كانت لديه ليست زهداً ونسكاً وتضحية بملذات العالم وحسب، بل هي علم وتقوى، هي تمسك بتعاليم آبائنا الشرقيين الذين كانوا منذ البدء معلمين إياها وناشريها في العالم. مار أفرام برهبنته علّمنا أنه لا يكفي لنتنسّك بل أن نتعلم ونعلّم أيضاً، أن تكون عقولنا منفتحة على العالم لكسب العالم. لقد علّم أفرام الفتيات السريانيات الأناشيد التي كان ينظمها ليمجّدن اللّه مع بقية المؤمنين وبذلك تبيّن أن القديس مار أفرام عرف ما كان يقصده الرسول بولس من قوله لتصمت نساؤكم في الكنيسة. وسعى أيضاً في تثبيت الإيمان. إن أنطونيوس أبا الرهبان في مصر لم يغادر قلايته وصومعته إلا عندما شعر بأن الإيمان بخطر التزعزع، وأن المؤمنين قد أتعبتهم الشكوك والمشككون. كما قصد مدينة الإسكندرية ليثبّت المؤمنين أثناء الشدة التي أصابتهم من جراء الاضطهاد الذي أثير ضدهم، وقصد تلك المدينة ثانية ليساعد القديس أثناسيوس الرسولي في تثبيت المؤمنين على التمسّك بدستور الإيمان النيقاوي الذي حدّد أن «المسيح مساوٍ للآب في الجوهر». كذلك فعل مار أفرام، فعندما استولى الأعداء على نصيبين وأغلقت مدرستها غادرها هو وأساتذتها وجاؤوا إلى الرها وسعى في تثبيت مدرستها العريقة التي كانت قد أسسها الأباجرة السريان في بدء المسيحية وكان ينزل مار أفرام من جبل الرها الذي تنسّك فيه آلاف من الرهبان إلى المدينة ليعلّم الناس مبادئ الدين المسيحي ويحثهم على الثبات على الإيمان المستقيم الرأي وعدم الانصياع لما كان في العالم من مغريات. وعندما أصاب الرها مرض الطاعون الوبيل، كان مار أفرام بنفسه يعتني بالمرضى كما أنه الرائد بين آباء الكنيسة في تشييده مستشفى وملجأ للمرضى. فكان يجمع هؤلاء المرضى ليعتني بهم فأصيب هو في الطاعون وانتقل إلى كنيسة الأبكار المكتوبة أسماؤهم في السماء مغادراً الكنيسة المجاهدة. نذكره ونذكر بقية القديسين في صلواتنا على مذبح الرب ونتشفّع بهم لكي يصلّوا هم أيضاً لأجلنا في السماء ذاكرين إيانا أمام الرب.
لنسر جميعاً في خطى مار أفرام الراهب الشماس الذي يسير وراءه البطاركة والمطارنة والأساقفة أحبار الكنيسة والكهنة والشمامسة وأبناء الكنيسة وبناتها كافة علماً بأنه لم يكن سوى راهب شماس. هذه النعمة العظيمة التي ينالها الإنسان من اللّه لا تأتي نتيجة تبوؤ هذا الإنسان المراكز الدينية أو الدنيوية السامقة بل بالاقتراب من اللّه والسعي ليكون الإنسان مرضياً لديه تعالى مثل مار أفرام السرياني. ليعطنا الرب أحبائي أن نكون متمثلين بمار أفرام في تثقيف شبابنا وشاباتنا الثقافة الروحية والتحلّي بمخافة اللّه والتقوى. ليكن مار أفرام قدوة لنا جميعاً، ولا ننسى أن نهنئ كل من دعي اسمه أفرام وكل رهبان وطلاب كلية مار أفرام السرياني هذه ونعمة الرب تشملكم جميعاً آمين.
زيارة أبرشية بيروت·
أيها الحضور الكرام:
نحمد الله تعالى ونشكره ونثني على نيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة على دعوته إيانا للاحتفال بالقداس الإلهي في هذه الكاتدرائية المقدسة، وتدشين البناية الجديدة الملحقة بثانوية مار سويريوس حيث المختبر وغرفة الكمبيوتر وقاعة الاجتماعات والمكاتب المالية والسكرتارية، في حضور أصحاب النيافة والسيادة أخينا الحبر الجليل مار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان وأخينا الحبر الجليل مار فيلكسينوس متى شمعون مطران المؤسسات البطريركية الخيرية في العطشانة، وأبنائنا الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة والشماسات والسادة النائب العزيز الأستاذ جميل شماس ورؤساء وأعضاء المجالس الملية والجمعيات والفعاليات الكنسية والثقافية والخيرية والاجتماعية والكشفية في لبنان. وبهذه المناسبة نجزل الثناء على همة نيافة أخينا الحبر الجليل مار أثناسيوس أفرام برصوم مطران بيروت وزحلة على هذه الإنجازات العمرانية والثقافية لمواكبة تقدم العلم والتكنولوجيا أسوة بالسلف الصالح، فآباؤنا السريان حملوا مشعل الإنجيل المقدس والعلم والحضارة إلى العالم أجمع فلا غرو من أن يشارك نيافته ومن يتعاون معه في هذه الأبرشية العامرة في ميدان التقدم العلمي والتكنولوجي في لبنان. حفظ الله نيافته بالصحة التامة واطراد النجاح والازدهار لأبرشيته العامرة في كل المجالات برعايته الصالحة.
أيها الأحباء:
من دواعي بهجتنا وسرورنا أن نقوم بهذه الزيارة الرسولية الخاطفة لكنيستنا المقدسة في لبنان لأول مرة بعد تسلّم فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية المبجّل العماد إميل لحود زمام الحكم فيه. وكان لنا شرف تهنئته على أثر انتخابه، ونكرر الآن تقديم التهاني القلبية له. كما يطيب لنا بهذه المناسبة أن نكرر تهنئتنا للبنان برئيسه العظيم الذي بمدة قصيرة برهن على أنه رئيس عادل ونزيه، اتصف بالاستقامة والشجاعة والصلاح، فقد نزل إلى ساحة الجهاد وهو البطل المغوار ليحارب في هذه المرة الفساد المتفشي في بعض دوائر الدولة، والفساد عدو شرس يعمل على تقويض أركان الدول. وكأني بفخامة الرئيس إميل لحود قد أخذ بيده رفشه كحصّاد ماهر لينقي بيدره، ويعزل الزؤان عن الحنطة الجيدة، وبذلك سيسجل التاريخ اسمه الكريم على صفحاته الذهبية إلى جانب أسماء عظماء العالم المصلحين الصالحين القريبين من الأنبياء الأتقياء، فإن الحق دائماً يعلو ولا يعلى عليه.
لقد أنعم الله على الرئيس إميل لحود بالحكمة والحنكة فهو حريص على الحفاظ على وحدة لبنان الوطنية ولحمة أبنائه وتماسك كيانه. كما أنه حريص على العلاقات المميزة مع الشقيقة سورية وهو يعرف وكل اللبنانيين الغيارى معه يعرفون أن سورية ولبنان قطران توأمان لا يستغني أحدهما عن الآخر، وأن سورية الأسد للبنانيين الأخ والعضد والسند. ومن حسن حظنا جميعاً أن في سورية قائداً فذاً هو الرئيس المفدّى حافظ الأسد الذي يكنّ للبنان واللبنانيين المحبة والتقدير والذي بادر إلى مساعدة لبنان في الملمات، كلما وجّهت إليه الدعوة. فقد صان له وحدته وشرعيته. فنعم ما فعل فخامة الرئيس العماد إميل لحود بوضع يده بيد فخامة أخيه الرئيس حافظ الأسد، ليسعيا معاً بعون الله تعالى إلى توحيد المسارين السوري واللبناني لتعزيز مكانة الدولتين المباركتين. فبورك لنا جميعاً بهذين القائدين الفذين العظيمين في بُعد نظرهما ومبدئية مواقفهما وإخلاصهما للشعب الواحد الأبي اللبناني السوري، والسوري اللبناني والأمة العربية جمعاء.
أجل إن الأحداث الأليمة الجسيمة التي تمر بها منطقتنا تحتاج إلى أن يكون في مركز القيادة في سورية ولبنان رئيسان عظيمان كحافظ الأسد وإميل لحود. فإن إسرائيل مازالت تواصل أعمالها الوحشية ضد لبنان أرضاً وشعباً، متذرعة بحجة واهية هي الدفاع عن النفس، ولم تتورع عن ارتكاب أبشع المجازر الإنسانية بحق الأطفال والنساء والشيوخ، فدمّرت المساكن ودكّت الملاجئ، وهجّرت عدداً كبيراً من المواطنين من جنوب لبنان وهي تهدف من وراء ذلك إلى تدمير البنية الاقتصادية والسياحية والوطنية اللبنانية، وإلى زعزعة أمن لبنان واستقراره، وإلى نسف العملية السلمية من أساسها. وإننا نناشد المجتمع الدولي كله أن يضع حداً لطموحات إسرائيل التوسعية وتبجّحاتها العسكرية وخرقها الدائم للقوانين الدولية ولقرارات الأمم المتحدة لكي تتواصل عملية السلام الشامل والعادل بما يحقق الأمن لشعوب المنطقة كافة.
ويسرنا من على هذا المنبر المقدس أن نرسل إلى الجيش اللبناني الباسل تحية وألف تحية كما نرسل تحياتنا إلى أعزائنا المجموعة المباركة من شباب لبنان الأبطال الأشاوس، الطلاب الذين قاموا بعملية بطولية فورية واستطاعوا أن يحرروا بلدة أرنون في الجنوب، فقد برهنوا على محبتهم لوطنهم العزيز لبنان واستعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس وحتى بالنفس في سبيل الدفاع عن حياضه وتحرير كل شبر من ترابه المقدس. فليعطِ الرب الإله لجيش لبنان الباسل ولشبابه الأبطال كافة، القوة والعزم، ليواصلوا حمل رسالتهم القومية بتحرير الجنوب المغتصب من العدو الصهيوني الغاشم. فقد أحيى شباب لبنان آمال هذه الأمة وبرهنوا على أنهم شعب حيّ وحرّ لن يستسلم إلى العدو المعتدي أبداً مهما طال زمن الاحتلال واشتدت قيوده.
ليأخذ الله تعالى بيد فخامة الرئيس العماد إميل لحود ورجال الحكومة اللبنانية كافة، لإتمام مسيرة الإصلاح التي ابتدأها فخامته، وتحرير الجنوب وكل الأراضي المحتلة، ويؤهله لبلوغ الهدف السامي لإضافة أمجاد جديدة على أمجاد لبنان التليدة آمين.
رسامة الخوري عبد الأحد الخوري ـ المانيا·
نشكر اللّه تعالى أيها الأحباء على هذه الفرصة المباركة التي منحنا إياها في هذا الصباح المقدس، فقد جئنا لنكرم كاهنكم الفاضل الأب عبدالأحد أفرام الخوري، يشاركنا أصحاب النيافة والآباء جميعاً هذه الفرحة. أشكر نيافة مار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى الذي يشاركنا هذه الفرحة، وأشكر نيافة مار ديونيسيوس عيسى كوربوز النائب البطريركي في ألمانيا الذي دعاني لأترأس هذه الحفلة المباركة. ويرافقني في هذه الزيارة الرسولية نيافة المطران مار يوليوس قرياقس السكرتير البطريركي الأول والنائب البطريركي لشؤون الكنيسة في الهند وكذلك الابن الروحي الفاضل الربان إيليا باهي السكرتير البطريركي الثاني. وإنني لمسرور جداً أن أرى معنا على مذبح الرب كهنة موقرين وشمامسة أفاضل يمثلون هذا الشعب المؤمن، وجميعهم مبتهجون بالعرس الروحي للأب الفاضل الخوري عبدالأحد. إن شعبنا المبارك مؤمن جداً ويسلك بموجب تعاليم ناموس الرب وتعاليم الآباء القديسين وفي مقدمتهم الرسل الأطهار وإن الرسول بولس يوصينا أن نكرّم الذين يتعبون معنا كثيراً بنشر كلمة اللّه وإطاعة لوصيته تكرمون كاهنكم الفاضل الأب عبدالأحد.
إن الكهنوت المقدس موهبة عظيمة جداً نازلة من السماء من عند أبي الأنوار وتهبط على أناس يختارهم الرب. اللّه يختار الودعاء المتواضعين الأنقياء القلب المهيئين لتقبل هذه الموهبة الإلهية، يدعوهم فيلبون الدعوة. يقبلون هذه الوكالة التي هي مسؤولية كبيرة في الأرض والسماء. يتسلمون منه هذه الوزنات الإنجيلية التي لا بد أن يتاجروا بها ليربحوا للمسيح نفوساً عديدة. أعطاهم السلطان ليغفروا خطايا الناس أو يمسكوها. عندما نظر مار أفرام إلى كل الامتيازات التي ينالها الكاهن من اللّه، تجرّأ وقال كلمة ليست بسهلة وهي: الكاهن أعظم من الملائكة لذلك أيها الأحباء يخاف الكاهن اللّه ويقوم بواجبه تجاه الشعب، وشعبنا السرياني المبارك يكرّم كهنته. نحن عائلة واحدة سريانية أي مسيحية أرثوذكسية، وكل كاهن مسؤول عن رعية سريانية يصير أباً لها ولذلك ندعوه أبانا ونقول له: ܒܪܟܡܪܝ، أي بارك يا سيد. لذلك إذ نكرّم كاهننا نكرم أنفسنا ونكرّم كنيستنا. هذا موضوع روحي يطول شرحه وقد ذكرته عرضاً لأعلن أصالة الشعب السرياني ومحبته لآبائه الروحيين فهذا الابن الروحي الفاضل الخوري عبدالأحد أفرام الخوري ملكي كاهن سرياني عريق، لغته الأم اللغة السريانية المقدسة. إن جدّه المرحوم الخوري ملكي مشهور في القامشلي وسورية وطورعبدين وفي كل مكان معروف بتمسكه بالإيمان وجهاده المستميت في سبيل الحفاظ على كرامة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، فلا نستغرب أن يقتدي به أحد أحفاده ويزيد على ذلك العلم والمعرفة والحكمة. الكل يشهد أن الطالب عبدالأحد في الكلية الإكليريكية كان مثالاً في التقوى والمحبة وطاعة الرؤساء والاجتهاد في دروسه، وعندما خدم في ديوان الكتابة في دار البطريركية لدى المثلث الرحمات سلفنا البطريرك يعقوب الثالث كان محبوباً جداً ومرضيا عليه من رئيسه الروحي ومن الشعب أيضاً، لذلك رشّحه رئيسه سلفنا المثلث الرحمة البطريرك يعقوب الثالث فتهيأ لخدمة الكنيسة في أوربا فاهتم بدراسة اللغة الألمانية والتعرف على هذا المجتمع الذي يختلف بحضارته عن مجتمعنا السرياني الأرثوذكسي. وسنة 1976 أمرني سلفي المثلث الرحمة البطريرك يعقوب، وكنت حينذاك مطراناً لبغداد والبصرة، أن أخدم في أوربا أيضاً بالإضافة إلى خدمتي لأبرشيتي. وأمرني أن أرسم الشماس عبدالأحد كاهناً وكانت بهجتي عظيمة في تلك الرسامة المقدسة لأني رأيت في الكاهن الجديد أملاً باسماً ورجاءً لا يخيب في مستقبل كنيستنا في هذه الديار وكان العدد آنذاك قليلاً بالنسبة إلى عدد أبنائنا اليوم في أوربا. أيها الأحباء العديد منكم يعرف أكثر مني ما هو عليه هذا الكاهن الفاضل من محبة للّه والقيام بالفروض الدينية وخدمة الشعب بإيمان متين ورجاء لا يخيب، وهو المثال الطيب للكهنة جميعاً. هكذا نشعر بأننا اليوم بنعمة اللّه قد حققنا حلماً جميلاً لأننا وهو أول كاهن سرياني يُرسم في أوربا، صار أول كاهن في ألمانيا يرسم خورياً. وإننا على يقين أنه سيضاعف جهاده وأتعابه في خدمة الشعب المبارك وفي طاعة الرؤساء الروحيين وفي محبة إخوته الكهنة والتعاون معهم، وإذ نهنئه ونهنئ والده الفاضل وعقيلته الفاضلة الخورية وأبناءه وأبناء الشعب المبارك الذي خدمه ويخدمه، نهنئ خاصة نيافة الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى الذي كان الأب الروحي له وخدم المرتسم تحت رئاسته مدة طويلة ثم نهنئ نيافة الحبر الجليل مار ديونيسيوس عيسى كوربوز مطرانه الحالي الذي رشّحه لرتبة الخورنة وطلب منا أن نقوم برسامته خورياً، متمنين له العمر الطويل والمتاجرة الناجحة في وزنات الرب والربح الكثير الذي يجعله بعد العمر الطويل في عداد الوكلاء الأمناء الصالحين في ملكوت السماء، الحالة التي أتمناها لي ولكم أيها الأحباء ونعمة الرب تشملكم دائماً وأبداً آمين.
رسامة الخوري يعقوب دوغاني ـ بيبرا·
أحباءنا الروحيين:
إننا لمسرورون جداً في هذا اليوم المقدس أن نزور أبرشية النيابة البطريركية في ألمانيا، ونشكر اللّه تعالى الذي أتاح لنا هذه الفرصة الذهبية، ونشكر أيضاً نيافة الحبر الجليل أخانا المطران مار ديونيسيوس عيسى كوربوز النائب البطريركي في أبرشية ألمانيا الذي دعانا لنقوم برسامة الابن الروحي الخوري يعقوب دحو. يرافقنا في هذه الزيارة الرسولية نيافة الحبر الجليل أخينا المطران مار يوليوس قرياقس السكرتير البطريركي الأول والنائب البطريركي لشؤون الكنيسة في الهند، والابن الروحي الربان إيليا باهي السكرتير البطريركي الثاني.
عندما وصلنا إليكم اليوم صباحاً، امتلأ قلبنا الأبوي بهجة عندما رأينا أحباءنا الروحيين الكهنة والشمامسة والشماسات وهذا الشعب المؤمن. وعندما سمعنا بناتنا الروحيات عضوات جوقة ترتيل كنيسة السيدة العذراء والشمامسة أيضاً يؤدون الترانيم السريانية بصورة جيدة، أثنينا عليهم وأكبرنا في المعلمين والآباء والأمهات جميعاً اهتمامهم بتعليم أبنائهم وبناتهم اللغة السريانية المقدسة والألحان البيعية ليكونوا قريبين من الرب الإله في هذا المهجر.
عندما نجد كنيسة ما مزدهرة نقول إن كاهن الكنيسة مجتهد.
أيها الأحباء: عندما نكرّم كاهن الرعية فإننا بذلك نكرّم كل فرد من الرعية. وتكريمنا الأب يعقوب اليوم برسامته خورياً هو ليس تكريماً لشخصه فحسب بل لزوجته وأولاده ولكل فرد منكم. في هذه الحفلة الروحية أحبائي لمسنا إيمانكم الراسخ، ونسأل الرب الإله بقلب خاشع وصلوات وأصوام وطلبات أن نرى شعبنا هذا متمسكاً بإيمان آبائنا وبالوصايا الإلهية ليكون قدوة صالحة للشعوب الأخرى. نسأل الرب الإله أن تكون هذه الرسامة سبب بركة للرعية كافة ونعمة الرب تشملكم دائماً أبداً آمين.
رسامة الخوري يوحنا تبر ـ برلين·
نشكر اللّه الذي أهلنا لنحتفل بالقداس الإلهي وبرسامة عزيزنا الروحي الفاضل الأب يوحانون تبر خورياً. نشكر نيافة أخينا المطران مار ديونيسيوس عيسى كوربوز النائب البطريركي في ألمانيا لأنه دعانا للقيام بهذه الرسامة لأننا نحب عزيزنا الروحي الخوري يوحانون تبر.
نشكر نيافة أخينا الحبر الجليل مار يوليوس عيسى جيجك مطران أوربا الوسطى الذي لمحبته شاركنا في هذه الحفلة المباركة. جئنا إليكم أيها الأحباء يرافقنا نيافة الحبر الجليل مار يوليوس قرياقس السكرتير البطريركي الأول والنائب البطريركي لشؤون الكنيسة في الهند وكذلك الابن الروحي العزيز الربان إيليا باهي سكرتير البطريركية الثاني. وسررنا جداً برؤية وجوهكم الباشة التي تدل على الفرحة العارمة التي تعمر قلوبكم الكبيرة بمناسبة تكريم كاهنكم الفاضل الخوري يوحانون تبر. ما أجمل وجود الكهنة الأفاضل وهم يحتاطون بنا، إننا إذ نكرّم الأب الخوري يوحنا تبر نكرّم أيضاً الأب نعمان والأب الياس اللذين يشاركانه خدمة الرب في برلين ونكرم سائر الآباء الكهنة ومن جملتهم الأب ملكي الخوري يوحانون تبر، ونكرّم أيضاً الآباء الرهبان الذين يفرحون جداً معنا بهذه المناسبة. وكما سررنا بتراتيل الشمامسة الأعزاء جميعاً والشماسات العزيزات جوقة الترتيل بانتظام جعلنا أن نبتهج كثيراً وكثيراً جداً لأننا نرى الكنيسة منظمة في طقوسها وفي خدمتها للرب. إننا بحاجة ماسة أيها الأحباء إلى تشجيع أبنائنا وبناتنا ليكونوا قريبين من الكنيسة ونربيهم التربية المسيحية السريانية الأرثوذكسية الصالحة لنبعدهم عن مواضع التهلكة والعشرة الرديئة التي تفسد الضمائر الصالحة كما يقول الكتاب المقدس، وليتعرّف بعضهم على بعض كشباب وشابات، كأبناء كنيسة واحدة، كأولاد اللّه بالنعمة لينموا أيضاً بالقامة والنعمة عند اللّه والناس. وفي هذا اليوم وقد اشتركوا معنا في الصلاة لأجل الأب الفاضل الخوري يوحانون ليعطيه الرب قوة وصحة تامة لكي يقوم برسالة الخورنة،كما يريده الرب وبرضا الآباء القديسين، وإننا نحثّ شبابنا الأعزاء أن يتأكّدوا من أن الكنيسة تكرم كل إنسان يخدمها بمخافة اللّه. وكلكم تعرفون جيداً الجهاد المستميت الذي قام به عزيزنا الروحي الخوري يوحانون منذ شرخ شبابه وهو في خدمة كنيسة اللّه بالدفاع عن الإيمان والحفاظ على التقاليد المقدسة والقيام بفروض الصوم والصلاة، لذلك فالعامل يستحق أجرته، والذي يخدم كنيسة اللّه يباركه اللّه وتكرّمه كنيسة اللّه.
إن الرب هو الذي يختار من بين الشعب من يقيمهم كهنة له ويمثلونه في خدمة الشعب ويقدمون لله الذبائح غير الدموية عن خطاياهم وخطايا الشعب، هذا تعليم الرسول بولس، ولذلك نحن نشعر بأن وجود أمثال الأب الفاضل الخوري يوحانون في المهجر بركة عظيمة وكذلك وجود بقية الآباء الكهنة من الرهبان ومن الخوارنة، والقسس، ليقودوا الشعب إلى جداول المياه الحيّة والتعاليم المسيحية السريانية الأرثوذكسية إلى الخلاص وإلى نعمة الرب. إذ نحثّ الكهنة للقيام بواجباتهم في التعليم والتهذيب والتقديس لنيل الخلاص نحثّ المؤمنين أن يستمروا في تكريم كهنتهم. نهنئكم أحبائي بهذه الرسامة المباركة وليجعل الرب هذا اليوم وكل أيامكم مصدر السرور الروحي ويحفظ أولادكم ضمن حظيرة المسيح ربنا، قريبين من الكنيسة، مشاركين الآباء الكهنة في الصلوات والطقوس المقدسة، وكما أوصيناكم في زيارتنا الأولى لكم قبل أربع سنوات نوصيكم اليوم أيضاً أن تكونوا مثالاً حياً لجميع المواطنين في بلدكم هذا الجديد ألمانيا، وليبارككم الرب الإله بنعمته آمين.
لقاء شعبي في برلين·
إنه ليوم تاريخي بالنسبة لي، لأنني في مثل هذا اليوم من عام 1954 أي قبل خمس وأربعين سنة رُسمت راهباً، وأنا مسرورٌ لرسامة الأب يوحانون خورياً في هذا اليوم المبارك. أنتم تعلمون أن كنيستنا تحبّ الرهبنة وتحب الأديرة. وأنا أعتبر يوم رسامتي راهباً أول خطوة في حياتي في طريق تكريس نفسي للمسيح. ونشعر بأن استمرارية الرهبنة عندنا في أديرتنا ضرورية جداً، وقد قال آباؤنا إذا انتعشت الرهبنة ازدهرت الكنيسة وأصبحت يقظة ومستعدة للعمل الجدي في خدمة المسيح. نشكر اللّه الذي يلهم شبابنا وشاباتنا السريان المثقفين الأتقياء ليكرسوا أنفسهم للرب رهباناً وراهبات فهم رغم الفساد الذي عمّ العالم كله يشعرون بضرورة تكريس أنفسهم للمسيح ولخدمة الكنيسة السريانية وتراثها ولغتها خاصة. في الماضي كانت أديرتنا مزدهرة بالرهبنة وأديرتنا التي هي قديمة جداً ومهمة وتضم أضرحة بعض القديسين، نأسف لأننا قد غادرناها، ولكن على الرغم من كل شيء أينما وجدنا فالمسيح معنا لأنه وعدنا أن يكون موجوداً مع الذين يجتمعون باسمه ولو كانوا فقط اثنين أو ثلاثة. نحن لا ننسى كنائسنا ولا أديرتنا ولا الآباء، الكهنة والمطارنة والأساقفة الذين خدموا كنائسنا الأصلية في طورعبدين خاصة، ونحن نترحم على أولئك الآباء الجسديين منهم والروحيين لأنهم قدّمونا للمسيح وقدّموا المسيح لنا أيضاً لكي يكون المسيح معنا دائماً خاصة عندما ندرس تاريخ باقي الكنائس نعطي الطوبى لآبائنا الذين رغم الضيق ورغم الاستشهاد ورغم الجوع ورغم الاضطهادات أبوا أن يطلبوا حماية أية دولة أجنبية وبقينا أحراراً في كنيستنا متمسّكين بعقائدنا الدينية ولغتنا السريانية. ونحن إذ نقتدي بهم علينا أن ننسج على منوالهم بالثبات على الإيمان، والتحلّي بالفضائل المسيحية السامية، ولا نضحّي أبداً بحريتنا ككنيسة مستقلة كنيسة المسيح التي تسلّمت إيمانها من الرسل ومن الآباء ولم تحد عن الإيمان قيد أنملة أبداً. وإن ما فعلتموه أنتم إذ ضحيتم بكل شيء دنيوي واضطررتم أن تهاجروا، ولكن الإيمان النظري والعملي بقي ثابتاً في قلوبكم وإيمانكم والحمد للّه جعلكم ترفعون رؤوسكم بالحرية التي منحنا إياها يسوع المسيح ربنا. إن آباءنا الروحيين منهم والجسديين قد أعطونا الإيمان لنخلص بالمسيح، ونستحق أن نرث ملكوت اللّه إذا ما اقتدينا بسيرتهم، ويتوجب علينا أن نربّي أولادنا التربية الصالحة. لذلك لا يكفي أبداً أن نقدّم لأولادنا اللباس والطعام والشراب وربما أيضاً الثقافة لأنها ضرورية جداً في هذه البلاد خاصة، فلا بد أن نكون كما كان آباؤنا محبين للعلم لأن العلم، الروحاني خاصة، هو وسيلة أيضاً لخلاصنا. فلا يكفي أن نقدم لأولادنا كل تلك الأمور فقط بل علينا أن نقدم لهم القدوة الصالحة، أن نكون نحن قدوة صالحة لهم لينالوا الخلاص ويتخلّصوا من الفساد المتفشي في العالم كله.
بالنسبة لنا ككنيسة سريانية أرثوذكسية نعتبر العائلة هي الحقل الذي نعمل فيه نحن الإكليروس، وكذلك الشعب المبارك، المكان الذي يجب أن نهتمّ بأفراده الكبير منهم والصغير. فالعائلة السريانية المثالية والعائلة الفاضلة هي محبة شاملة بين الزوج والزوجة والأولاد. إذا فَسُدت المرأة أو الرجل في العائلة الواحدة، فإن هذا الطرف ينحرف ويتبع الغوايات الجسدية، فمعنى ذلك أن تلك العائلة قد انقسمت على ذاتها والبيت الذي ينقسم على ذاته قال الرب يخرب. يجب أن نعلم كيف يخرب هذا البيت. في بيتنا شبابيك وأبواب، فإذا لم نغلق هذه الشبابيك والأبواب سيدخل اللص الذي ينتظر فجوة بسيطة فقط حتى يدخل هذا البيت. فباللطف والمحبة والشفقة والعقل والتفاهم نمنع إبليس من أن يستولي على أولادنا ويدخل بيتنا. إن أحببنا أولادنا وأقمنا من أنفسنا لهم قدوة في المواظبة على الصلاة والتسمك بالصوم وتوزيع الصدقات، إن اصطحبناهم معنا إلى الكنيسة ليحضروا معنا الفروض الدينية والقداديس الإلهية، ونتناول القربان المقدس معاً بعد قيامنا بفرض الاعتراف القانوني أمام الكاهن الشرعي والتوبة النصوح سوف يكون هذا الشيء صيانة لهم وسوراً يحيطهم ولن يفتح الباب لإبليس ليدخل إلى قلوبهم. لقد سمعنا بغاية الأسف عن بيوت عديدة سريانية عمّها الفساد وخربت في أماكن عديدة في أوربا وغيرها مما آلمنا جداً. ونعلم أن هذا الشيء يحدث من المعاشرات الرديئة، مثلاً إذا كان الرجل يعمل مع بعض الناس الذين ليس لهم إيمان، فيتحدّثون إليه بما يفسد ضميره على زوجته ويشككه بنجاح طريقته في تربية أولاده ويدخلون إلى قلبه الأنانية بينما أبناء كنيستنا وبناتها يتصفون بالتضحية، فالأب والأم يضحيان في سبيل تربية أولادهم التربية الصالحة كما يضحيان أيضاً في سبيل التمسّك بدينهم والقيام بفروض الكنيسة، ولكن إذا فسدت أخلاق الأب أو الأم بسبب المعاشرات الرديئة فهذا يعني أن ذلك البيت قد خرب. إذا فكرنا أولاً بأن كل أباطيل هذا العالم زائلة، وأن هذه الشهوات هي شيء مؤقت بالنسبة للإنسان، والإنسان لا بد أن تنتهي حياته على الأرض بالأنسب أن يفكّر بالملكوت ويفكر كيف أن ربنا يسوع المسيح من أجل خطايانا صلب ومات، فكيف لنا أن نسمح أن يموت المسيح مرة ثانية من أجلنا عندما يرانا مرة ثانية قد تركناه وتبعنا غواية إبليس وتمرّغنا في الخطية. أجل إننا قد خسرنا أديرتنا وكنائسنا في الوطن الأم ولكن علينا أن نفكّر بقول الرب يسوع المسيح القائل: أن اللّه روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا، والرسول بولس يؤكّد لنا أننا هياكل للّه ولئن خسرنا هياكلنا الحجرية المادية وخسرنا أبنية كنائسنا ولكن أيضاً أعطانا اللّه نعمة كبيرة أن نكون نحن هياكل اللّه وأن يكون المسيح معنا فنحن هياكل اللّه وروح اللّه حال فينا فإذا ما افتكرنا بذلك نكون قد ربحنا أنفسنا وتعزينا أيضاً عن خسارة كنائسنا وأديرتنا. فليبارككم الرب جميعاً ويؤهلكم لتكونوا في عائلاتكم أنقياء تربون أولادكم التربية الصالحة مثلما ربّاكم أهلكم ليتمجّد اسم ربنا دائماً أبداً آمين.
كنيسة مار أفرام السرياني ـ برلين·
سررنا جداً أن نقيم الصلاة في هذه الكنيسة في برلين التي تملكها إحدى الطوائف المسيحية ويصلي بها السريان أيضاً وأطلقوا عليها كنيسة مار أفرام السرياني وهكذا تباركت باستعمال المؤمنين إياها بتقديم الصلوات بلغة ربنا يسوع المسيح السريانية. إننا كما أوصينا الآخرين نوصيكم جميعاً أيها الأحباء بأن تقتدوا بآبائنا القديسين الجسديين والروحيين بعبادة اللّه بالروح والحق فإن العالم يزول أما ما يبقى خالداً فهو السلوك بمخافة اللّه والمحبة. فأينما كنا وحيثما رحلنا إن كنا نخاف اللّه ونجتمع باسمه القدوس ونتمسك بالصوم والصلاة وعبادة اللّه يكون اللّه معنا والعالم كله مملوء بالضيقات والخطايا حتى الزلات، فهي عبارة عن فخاخ وشباك يصطادنا بها إبليس، ولكن نشكر اللّه الذي بوساطة ابنه ربنا يسوع المسيح الذي جُرّب من أجلنا وصار مثلنا ما عدا الخطية وانتصر على إبليس وهو ينصرنا يعطينا الغلبة على عدونا الروحي إبليس الذي يجربنا بوسائل عديدة. ولكن عندما نكون قريبين من الرب يسوع عندما نقوم بصلواتنا وفروض العبادة التي وضعها لنا آباؤنا عندما نتمسك بإيماننا السرياني الأرثوذكسي وبلغتنا السريانية، حينذاك يبتعد عنا إبليس ولا يستطيع أن يغلبنا، ونصبح عائلات مباركة من الرب يسوع الذي هو رأس كل عائلة من عائلاتنا ولا يستطيع إبليس أن يتغلّب علينا. عندما نبتعد عن معاشرة الذين هم أعداء اللّه وبعيدون عن اللّه لا يقوى إبليس على أن يتغلّب علينا. عندما نربّي أولادنا التربية الصالحة ونهتمّ أن يكونوا محبين كنيستهم كما أن يحبوا وطنهم ويكونوا مخلصين له، حينذاك لا يستطيع إبليس أن يتغلّب علينا. إن المسيح بشرنا أنه قد غلب إبليس وغلب الخطية وغلب أيضاً الموت، فنحن في المسيح نحيا حياة طهر ونقاء في هذه الأرض ونستحق أن نحيا معه أيضاً في السماء حياة السعادة التي لا تزول. في هذا اليوم المبارك أيها الأحباء ونحن نقوم بزيارتنا الرسولية لكم وبرسامة عزيزنا الروحي الفاضل الأب يوحانون، في هذا اليوم حلّ الروح القدس على الخوري يوحانون الذي بتواضع ووداعة وقف أمام اللّه ونال هذه الدرجة السامية، والروح القدس يثبت فينا أيها الأحباء عندما نكون في حالة صلح مع اللّه سائرين بموجب شريعته الإلهية فيبتعد إبليس عنّا ولا يستطيع أن يصطادنا بفخاخه طالما الروح القدس معنا ولكن إذا تمرّغنا بشهوات العالم، إذا ابتعدنا عن المحبة إذا ابتعدنا ضمن العائلة الواحدة عن الطهر والنقاء والعفة حينذاك لا سمح اللّه يهرب الروح منا. عندما هوى داود النبي في وهدة الخطية ارتعب جداً وطلب من الرب قائلاً: «روحك القدوس لا تنزعه مني»، لأن الروح القدس لا يمكن أن يسكن في قلب قد فسد وتبع غواية إبليس ولكن إن تبنا إلى الرب وابتعدنا عن الخطايا وعرفنا حقوق بعضنا بعضاً في العائلة الواحدة التي رأسها المسيح فإن إبليس يهرب منا إلى الأبد. نسأل الرب الإله أن يبارككم جميعاً أيها الأحباء ويبعد عنكم التجارب مستجيباً صلاتنا التي علمنا إياها الرب يسوع التي فيها نطلب إلى الآب السماوي أن لا يدخلنا في التجربة ولكن أن ينجينا من الشرير، وليؤهلنا جميعاً بعد العمر الطويل لنكون في عداد الذين يرثون ملكوت اللّه مع المسيح ربنا آمين.
كنيسة مار يعقوب ـ برلين·
صاحبي النيافة الحبرين الجليلين، الآباء الكهنة، أيها الأحباء:
إنني لمسرور جداً أن أجتمع بأبنائنا وبناتنا الأحباء الشباب، لقد ابتدأنا اجتماعنا هذا بتقديم الصلاة للآب السماوي قائلين: «أبانا الذي في السموات» إن الصلاة تعضدنا وتساعدنا، تجعلنا قريبين من اللّه بل توحد أرواحنا بالروح الإلهية. هذه الروح روح اللّه بوركنا بنسمة منها إذ أعطينا الحياة من الله إننا ندعو اللّه كما علمنا الرب يسوع «أبانا الذي في السموات» ولا يقول كل واحد منّا أبي الذي في السموات، بل «أبانا» بصيغة الجمع فجميعنا إخوة وأخوات «أولاد» هذا الآب السماوي. الرسول يوحنا في بدء الإنجيل المقدس عندما يتكلم عن الرب يسوع المساوي للآب في الجوهر، الذي كان منذ البدء، الذي رأيناه، الذي سمعناه، الذي لمسناه في أيدينا أيضاً، يعلن سر التجسد والفداء أننا قد افتدينا بهذا الرب الإله الكلمة المتجسّد وثمرة هذا الفداء أننا أصبحنا أولاداً للّه بالنعمة، ولِدنا من فوق من السماء ليست الولادة الجسدية بل الولادة الروحية فنحن إذاً أولاد للّه بالنعمة، وإذا كنّا أولاد اللّه يحق لنا أن نقف أمام اللّه بدالّة البنين ونخاطبه قائلين: «أبانا الذي في السموات» ما أجمل كلمة أب، وما أجمل كلمة أم أيضاً، إذا كنّا نفتكر بسر وجودنا على الأرض كبشر علينا أن نكرّم أبانا وأمّنا، لأنهما كانا سبب وجودنا في هذه الحياة. ونقدم الشكر للرب يسوع الذي بالخلاص الذي أتمّه على الصليب بسفك دمه الكريم، ولدنا من فوق من السماء، نحن الذين ننتمي إلى أصول غير الأصول الحالية بالنسبة إلى الوطن، بالنسبة إلى الأرض، علينا أن نواظب على تكريم الآباء والأمهات الذين تحملوا المشقات في سبيل إيجاد مستقبل أفضل لنا نحن الشباب، فقد غادروا الأراضي المقدّسة، تركوا هناك كل ما كانوا يملكون، جاؤوا إلى أماكن لم يكونوا يعرفونها، لم يحملوا معهم سوى الإيمان، الإيمان بالرب يسوع، والثقة بالآب السماوي الذي يدعونه وندعوه معهم «أبانا الذي في السموات» جاؤوا والروح القدس قد ملأ قلوبهم وأفكارهم واثقين أن الروح سيلهمهم ويرشدهم ويرشد أولادهم وأحفادهم إلى عبادة اللّه وإلى الشعور بالبنوّة للّه بالنعمة. ونحن كشباب نمونا في مجتمع غير مجتمعنا، بتربة غير تربتنا، وسُقينا ماءً غير الماء النقي الطاهر المقدس الذي كنا نشرب منه، من ينبوع هو المسيح بالذات، فتشوا عن الحرية، فوجدوا الحرية ههنا قد انقلبت إلى بعد عن اللّه، وعبودية للخطية ولا غرو من ذلك فمنذ بدء البشرية، بدء إنسان الكتاب المقدس كان هناك الشر وكان هناك الخير، والإنسان الذي خلق على صورة اللّه كشبهه عندما يتمرّغ في الخطيئة يشوه الصورة الجميلة التي خلق عليها آدم أبو البشرية ويبتعد عن اللّه ويصير تحت نير عبودية إبليس حتى في أسفار العهد القديم نقرأ عن وجود أولاد اللّه وأولاد الناس، أولاد اللّه هم الذين يحفظون شريعة الرب، هم الذين يتمسّكون بوصايا ربنا، هم الذين حدثهم آباؤهم وأمهاتهم عن فردوس فقدناه لأننا عصينا وصية الله، هم الذين يسعون بأعمال صالحة بالإيمان بالله بالعودة إلى هذا الفردوس. اللّه خلق الإنسان متميزاً عن كل المخلوقات إذ أنعم عليه بعقل يميّز الحق من الباطل، وضمير يعرف الحلال من الحرام، خلقه حراً وهذه الحرية تجعله أن يستحق إذا عمل الخير أن ينال مكافأة الله، ويعود إلى فردوس النعيم والعقاب كما نفهمه من تعليم آبائنا المقدس هو العذاب الأبدي، فقد الإنسان هذه الحرية عندما استعبد لإبليس من يعمل الخطيئة فهو عبدٌ للخطيئة هكذا يعلمنا الكتاب المقدس، لذلك نرى في العهد القديم أيضاً كيف أن الذين عبدوا اللّه نالوا مكافأة من الرب، ودعوا أولاد اللّه. أما الذين تمردوا على اللّه فقد تمرغوا في الخطيئة فسمّوا أولاد الناس ونالوا العذاب عندما استعبدنا لإبليس ترحم علينا الرب وأرسل ابنه الحبيب محبة للعالم وفداه. فأصبحنا أحراراً في المسيح هذه الحرية عظيمة جداً لأنها تجعلنا أهلاً لنرث ملكوت اللّه إن أطعنا الرب. والكتاب المقدس يوصينا أنه يجب أن نثبت في الحرية التي حررنا بها المسيح، ولا نخضع لنير العبودية لأن من يفعل الخطيئة يصبح عبداً لإبليس. أيها الأحباء: أحياناً عديدة نظن أن جيلنا هذا هو جيل شرير كثيراً والخطيئة قد كثرت وتنوّعت فيه. في كل أجيال الناس منذ بدء البشرية كان هناك أبرار وكان هناك خطاة، كان هناك نوح وعائلته والأقليّة البسيطة الذين آمنوا بالرب ودخلوا الفلك ونجوا من الطوفان وكان هناك البشر الذين لم يخضعوا لوصية الرب فهلكوا، في أيامنا هذه كثر الشذوذ لدى الناس لكن لا نظن أنه لم يكن في السابق إن الرسول بولس عندما يتكلم عن الخطاة والخطيئة يقصد هؤلاء الشاذين ويؤكد أنهم لا يرثون ملكوت اللّه، بل سيكونون في عداد الذين سينالون العقاب الدائم في جهنم وبئس المصير إذا وجدت لدينا الحرية علينا أن نختار الخير لننال القوة من الرب، لا نُخدع بالأكثرية التي تميل نحو الشر. يشوع بن نون الذي تسلم رئاسة الشعب بعد موسى وكان هو خادم موسى أولاً رأى الشعب ينساق نحو عبادة الأوثان كانوا يصنعون لهم تماثيل صغيرة يضعونها في جيوبهم وعندما يصلّون يضعونها أمامهم ويعبدونها دون اللّه.
يشوع بن نون جمعهم آخر أيامه وذكرهم بما صنع الرب مع ذلك الشعب من عجائب وسكب عليهم من نِعم ولكن هذا الشعب ابتعد عن عبادة اللّه وابتدأ يعبد هذه الأصنام التي يصنعها بيديه ويتفاءل بها ويضعها في جيبه، فأظهر لهم أنهم قد أعطوا الحرية، إما أن يعبدوا اللّه أو أن يعبدوا من يشاؤون، أي إما أن يكونوا أبناء اللّه أو يصنعوا الشر ويصيروا عبيداً لإبليس وأعداء اللّه ويعلن لهم قائلاً: «أما أنا وبيتي فنعبد الرب» إننا عائشون في مجتمع ف