تركوني أنا ماء الحياة

“تركوني أنا ماء الحياة وراحوا يحفرون لهم آباراً آباراً مشققة لاتضبط ماءا “

 

الانسانية هي الانسانية في كل عصرٍ ومصر ، وهذه البشرية هي هي منذ العصور الغابرة وحتى عصرنا هذا ، ولذلك نسمع الله تعالى يوحي بهذه الكلمات الكريمة الى نبيه إرمياء موبخا هذه الانسانية التي حادت عن طرقه والتي حفرت لها آباراً مشققة لا تضبط ماءا . تركت ينبوع الحياة ، تركت الله تعالى وذهبت وراء أباطيل هذه الحياة تريد ان تروي ظماءاً لها ولكنها باءت بفشلٍ ذريع ، هذه الانسانية منذ كانت والى يومنا هذا لم تزل ثائرة في هذا الصراع الفاني ، ثائرة في هذه الحياة لاتستطيع ان ترى طريقا سويا لها إلا اذا عادت الى الله تعالى عودا صحيحا وقلبا نقيا قدمت له وروحا متواضعه وضعت امامه . ” تركوني انا ماء الحياة وراحوا يشقون لهم آبارا آبارا مشققة لا تضبط ماءا ” . في ايامنا هذه ايضا نرى المأساة لازالت مستمرة والانسان لا زال هائما على وجهه في بيداء هذا العالم لاينوي على شيء ، وحق له ان يقول إرمياء هذه الكلمات مرددا لها بأُذني هذه البشرية الثائرة . ان الله تعالى يريدنا نحن البشر ان نقبل اليه بإرادة صالحة ومعرفة كاملة وتوبة نصوح . ان الله تعالى يريدنا ان نكون بشرا حقيقيين نكمل واجبنا الامرُ الذي خلقنا الله تعالى لأجلهِ ، ولكننا نحن البشر اين نحن من الله ؟ اين نحن من عبادة الله ؟ اين هذه البشرية التي تعيش هذه اللحظات في مخاوف وفي رهبة لانها حادت عن طريق الله تعالى ولو عادت اليه لأنتشر الخير في الارض ، ولزالت الفتن من العالم ،ولكسرت السيوف ولحُطِمت تحت أقدام السلام كل الامور التي تثير الفتنة والشعلاء والبغضاء بين البشر ولكن البشرية تركت الله تعالى وذهبت وراء اصنامها الجامدة تعبدها عبادة كاملة ليلها ونهارها ، واما الله تعالى الذي خلقها لتمجيد اسمه ، لتكريم عظمته ، لعبادته ، فانها تركته تركا مؤبدا وحق لها ان يقول عنها ارمياء انها تركت ماء الحياة وذهبت تحفر لها آبارا آبارا مشققة لاتضبظ ماءا . العبادات كثيرة في هذا العالم ايها الناس وكل بشري منا قد نصب امامه صنما ووثنا يحرق امامه البخور وينير حوله الشموع ، غير انه يعرف في قرارة نفسه ان عبادته باطلة ، بأن طرقه عاطلة ، انه على وجهه يهيم ، انه بعيد عن الله تعالى يعرف كل ذلك ولكن رغما عن معرفته لازال متماديا في غيه هذا لايعود الى السراط المستقيم . بعضنا يعبدون مبادئهم المنحرفة ويناورون عنها ويسافحون وينافحون ، كل ذلك في سبيل الباطل وفي سبيل الاصنام التي وضعوها امامهم ، وفي سبيل الباطل الذي ارادوه ان يكون حقا امام الناس ، بعضنا يعبدون نفوسهم وهذه هي العبادة الوثنية الصحيحة ، انسان انت يا من تكون انك خلقت من تراب والى التراب غدا تعود فهذه النفس التي خلقت لا لكي تُعبد بل لكي تَعبدُ الله تعالى . لم تخلق لكي يعبدها الناس ولكي يقدموا لها محرقات كاملة ، لم تخلق لك ايها الانسان الذي تدعي انك إله في هذا العالم تريد من الناس ان يعبدوك وان يحرقوا قلوبهم بخورا امام قدميك . لست الا انسان حقير غدا ، غدا فقط سيأتي المنون اليك ويحملك فلا تعرف مكانك . ان البشر كلهم يعرفون هذه الحقيقة ويعرفون انهم زائلون وانهم انما الى السماء لذاهبون ، ويعرفون الحقيقة الثانية ان الله تعالى لم يخلقهم للفناء ولم يخلقهم للموت السوآم ولم يخلقهم لكي يغيبوا عن طريقه ولكي يكونوا بعيدين عنه ، بل انما خلقهم له ، له وحده لكي ينطلقوا الى عبادته والى خدمةِ بعضهم البعض خدمة نصوحا صالحا . غير ان الوثنية المتطرفة التي تجثم على صدور الناس لا زالت جاثمة لازالت قوية ، إلا انني ارى ان اكثر خطرا على هذه البشرية اولئك الذين يعظمون نفوسهم ويجعلونها آلهة في هذه الارض فيعبدونها ويطلبون الى الناس ان يقدموا لها البخور والشموع المنيرة . وكأنني بأحدهم يقول يا نفسي انكي لعظيمة ، لكريمة ، وكان حقه ان يقول : ويحكِ ايتها النفس انكي لاآثمة اثيمة ، انكي لظالمة انكي تخطرين في هذا العالم وغدا سينقض عليكي المنون ويحملكي الى حيث لا تقودين ، فعودي الى الصراط المستقيم ، عودي الى الله تعالى لكي تستطيعي ان تكفري عن ذنوبكي وعن الامور التي اقترفتها ضد البشرية .

ايها الاحباء ان الله تعالى لازال ينادينا بأفواه رسله وانبيائه وكتبه المقدسة ، يريدنا ان نعود اليه يريدنا ان نكون له ، يريدنا ان نكون بشرا حقيقيين في هذا العالم ، ان نبث الوفاق وان ننادي بالاطمئنان والسلام وان نكون بشرا حقيقيين نخدم غيرنا ولا نطلب خدمة من غيرنا ، ننكر نفوسنا ولا نطلب من الغير ان ينكروا نفوسهم لأجلنا ، نذيب كياننا في هذا الكيان الانساني العام ، لما خلقنا له الامر الذي اراده الله تعالى للبشر الحقيقي وبهذه الطريقة تبتعد عنا المخاوف وترحل الفتن ويحل الهدوء في قلوبنا والسلام في نفوسنا ، والطمأنينة في هذه القلوب العامرة بالخوف التي تتطلع الى المستقبل بشك ورياء .

ايها الناس يامن تسمعون هذه الكلمات عودوا الى الله تعالى لكي يعود اليكم . لما الفتن في العالم ؟ لما الحروب ؟ لما الانقسامات ؟ لما كل هذه الامور ولصالح من تنتجونها ؟ أنبذوا بغضائكم ، ابتعدوا عن شحنائكم ، كونوا بشرا حقيقيين وإلا لكنتم اكثر وحوشا من وحوشٍ كاسرة في غابات متشابكة . أنت ايها الانسان لم تخلق لكي تكون وحشا تفترس غيرك من البشر بل انما خلقت لكي تكون إنسانا حقيقيا تقدم نفسك خادما لهذه الانسانية التي تعيش بينها ، والا لما كان الله تعالى يجعلك في هذا العالم لكي تعيش فيه أُفكا وزورا وفسادا ، بل إنما ارادك ان تبث في العالم روحه الطاهرة ومبادئه السامية وتعاليمه الإلهية ، الامور التي سمعتها وتعلمتها من افواه انبيائه ورسله وكتبه المنزلة .

فأنني ايها الانسان ادعوك من هذا المنبر المقدس ان تعود الى الله تعالى ، ادعوك ان تحطم اصنامك وان تكسر اوثانك حتى اذا كانت نفسك صنما حطمها تحت اقدامك ، اذا كانت نفسك وثنا احرقها لانها لم تخلق لكي تكون وثنا وصنم في هذا العالم ، بل انما خلقت لكي تكون عبيرا لهذا الانسان . ادعوك ايها الانسان ان تحطم جميع مبادئك المنحرفة ، ان تعود الى المباديء القويمة مباديء الكتب المقدسة ، مباديء الانبياء والرسل والذين ماتوا في سبيل الحق والذين نافحوا في سبيل الحرية الانسانية الكاملة ، الحرية الروحية التي يجب ان يتمتع بها الانسان . عد ايها الانسان الى الله وإلا لن يعود اليك ! عد اليه وحطم اصنامك الجامدة ، وكسر اوثانك ، ولا تعبد إلا الله تعالى ، وتشبه بأحد رجال الله الذي قال : : واما انا وبيتي فنعبد الرب “. نعم اني انا وبيتي نعبد الرب ولا نعبد غيره من الارباب ، فلا رب الا هذا الرب ولا نستطيع ان نؤلهَ إلا هذا الإله . اما الآلهة البشرية ، الاصنام الجامدة فأن الله تعالى سيحطمها عاجلا او آجلا .وكل انسان يعود الى الله يشعر في قرارة نفسه انه وصل الى المحجة الكبرى ، بلغ ميناء السلام أُنقذت نفسه من اوضار هذا العالم ومن اخطار هذه الحياة . هذه هي انسانيتك وهذا هو طريقك ولا تدع مرة اخرى ايها الانسان ان تسمع صوت النبي إرمياء موبخاً مؤنباً قائلاً بفم الله تعالى :” تركوني انا ماء الحياة وراحوا يحفرون لهم آبارا آبارا مشققة لا تضبط ماءا .” أنت ايها الانسان إنما انت في صحراء قاحلة في هذا العالم اذا كنت بعيدا عن الله إنك ظمئان ، انك غرقان ، انك تائه ، انك في ظلام دامس ، عد الى الله تعالى لكي يرتوي ظمأك ولا تعطش ابداً ، لكي تكون في نور دائم وفي إطمئنان مستمر . عد الى الله تعالى ايها الانسان فأن الله تعالى يريدك ويحبك . وانني أَهيب بك من وراء هذا المذياع ومن هذا المنبر المقدس ان تكرس نفسك لخدمة الله تعالى وغبطة القريب . ان تكون انسانا بالمعنى الصحيح ، ان تكون بشرا مفيدا لهذه البشرية التي حولك . واختم هذه الكلمة القصيرة بالطلب الى الله تعالى ان يجعلنا نعبده وحده وان لانشرك فيه بغيره . اسأله تعالى ان يجعل قلوبنا هياكل لقداسته ولألوهته ونفوسنا ان يجعلها مواقع لحلول سكناه . أسأله تعالى ان يكون معنا ومع جميع العالم ، اسأله تعالى ان يبعد عن هذا العالم المخاوف والشرور والفتن والحروب ، وان يمتع هذه الانسانية بنعمة الطمأنينة والامن والسلام . اسأل الله تعالى ان يحفظكم وان يحفظ هذه المدينة المقدسة من كل رديء ومن كل شر . وان يحفظ هذه البلاد الطيبة مرتاحة مطمئنة ناعمة بنعمة الطمأنينة والامن والسلام تحت ظل صاحب الجلالة الهاشمية الملك الحسين المعظم حامي الديار المقدسة ، والمنافح عن العروبة ، والذي له محل عامر في كل قلب وفي كل نفس . أسأل الله تعالى ان يحفظكم جميعا وان يجعلكم الى الله عائدين وفي طرقه سالكين ، ولإرادته عاملين ومكملين لن انسى ان اسأل من هذا المنبر المقدس الى حكومتي في العراق أسأل الله تعالى ان يحفظهم وان يصونهم وان يحفظ جميع مواطنيهم ، وان يحل الامن والطمأنينة في تلك الديار المحبوبة ان الله تعالى سميع مجيب . ونعمة الله تعالى تبارككم وتحفظكم .

——————————————

منقول من الموقع الرسمي لمحبي المطران بولس بهنام