القربان المقدس
قال الرب يسوع : «أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم» (يو 6: 51).
مهّد الرب يسوع لتأسيس سر القربان المقدس العجيب، بإعلانه عن نفسه حقيقة كونه «الخبز الذي نزل من السماء» الأمر الذي أدهش سامعيه الذين كانوا ينتمون إلى مختلف شرائح مجتمع شعب النظام القديم، وكانت مستوياتهم الدينية والثقافية والاجتماعية متباينة، كما أن آراءهم بالنسبة إلى الحكم على رسالة الرب يسوع متضاربة، فقد اعترف به العديد منهم بأنه المسيح المنتظر مشتهى الأمم والأجيال، وظنَّ بعضهم أنه أحد الأنبياء، ورفضه آخرون وكانوا يتربصونه محاولين أن يصطادوه بكلمة، فسألوه أن يجترح آية، مذكرين إياه بحادثة نزول المنّ من السماء على آبائهم في البرية، «فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء، لأن خبز الله هو النازل من السماء، الواهب حياة للعالم»(يو 6: 32 و 33) وأردف قائلاً: «أنا هو خبز الحياة، من يُقبِل إليَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً» (يو 6: 35).
لم يتمكن الجمهور من فهم هذه الحقيقة التي تفوق إدراك العقل البشري، ويقول الرسول يوحنا في الإنجيل المقدس: «فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء» (يو 6: 41) وحتى بعض تلاميذه استصعبوا هذا الكلام إذ اتخذوه بالمعنى المادي، فكانوا يسألون بعضهم بعضاً قائلين كيف يعطينا جسده لنأكله؟ ولكي يؤكّد لهم الرب يسوع هذا التعليم الإلهي، شرحه شرحاً وافياً، وأضاف موضحاً مفاعيل سر القربان المقدس قائلاً: «إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم، من يأكل جسدي، ويشرب دمي، فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدي مأكل حق، ودمي مشرب حق، من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه (يو 6: 53 ـ 56). أجل إن المتأمل بتعليم الرب هذا تنجلي أمامه تضحية الرب يسوع العظمى، ونكرانه ذاته ليس فقط بتحمله الآلام المبرحة، وموته على الصليب لخلاص العالم، بل أيضاً بمنحه ذاته للمؤمنين به قوتاً روحياً، يتغذّون بتناوله، وينمون بالنعمة، ويتقوّون، ويثبتون، في المسيح، ويستحقون أخيراً أن يرثوا معه ملكوته السماوي. وقد سلّم الرب رسله الأطهار ذاته بسرّ القربان الذي أعطاه تحت شكلي الخبز والخمر، قبل أن يسلّم ذاته بإرادته بيد أعدائه اليهود للصلب والموت فداءً للبشرية. ففي ليلة آلامه، وبعد أن أكل الفصح اليهودي مع تلاميذه الأبرار «أخذ الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ قائلاً: خذوا كلوا هذا هو جسدي، وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا»(مت 26: 26 ـ 28 ومر 14: 22 ـ 24) وهكذا أسس الرب سر القربان المقدس، ومنح رسله الأطهار سلطان تقديم الذبيحة الإلهية غير الدموية بقوله لهم: «اصنعوا هذا لذكري»(لو 22: 19) وإتماماً لوصية الرب هذه، وبإلهام الروح القدس، وضع الرسل طقس تقديم هذه الذبيحة الإلهية، الذي يدعى طقس خدمة القداس الإلهي، ويذكر سفر أعمال الرسل أن المسيحيين الأولين كانوا يواظبون على الشركة في كسر الخبز والصلوات (أع 2: 42) مما يدل على مشاركتهم الفعلية بالقداس الإلهي، وتناول القربان المقدس، الذي هو جسد المسيح ودمه الأقدسان. وهذه الذبيحة غير الدموية هي ذكر لذبيحة الصليب، وامتداد لها، واستمرار لاستحقاقاتها. ومقرّبها الحقيقي هو السيد المسيح ذاته، الذي قرّب ذاته ذبيحة كفارية على الصليب، ويقرّب ذاته على المذبح المقدس ذبيحة غير دموية على شكلي الخبز والخمر. وقد قال عنه الكتاب المقدس «أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق»(عب 5: 6) وكان ملكيصادق هذا على عهد إبراهيم أبي الآباء ملكاً على المدينة المقدسة، وكاهناً لها، وكانت ذبيحته خبزاً وخمراً وهي ترمز إلى ذبيحة العهد الجديد، كما كان هو يرمز إلى المسيح الحبر الأعظم، فالكاهن الذي يقرب ذبيحة العهد الجديد ينوب بذلك عن الرب يسوع، فعلى المؤمنين الذين يشتركون بالذبيحة أن يعقدوا نياتهم مع نية الكاهن المقرِّب، لينالوا بركة المسيح، كما عليهم أن يشتركوا بتناول القربان المقدس. وإذا كان الطعام المادي يغذي الجسد فالقربان المقدس الذي هو جسد المسيح ودمه هو غذاء الروح الذي يؤهل متناوله للاتحاد بالمسيح، وبهذا الصدد يقول الرب: «من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه»(يو 6: 57) ويشرح الرسول بولس هذه العلاقة بين المسيح والمؤمن الصالح بقوله: «مع المسيح صُلِبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ»(غلا 2: 20). فالقربان المقدس إذن يهبنا الحياة الروحية في المسيح، ويثبّتنا فيه فننمو بالروح ونتقوى، فإذا كان ذلك كذلك، فيعدُّ امتناعنا عن تناوله خسارة فادحة لا تعوّض، لأننا نكون قد شابهنا الغصن الذي ينفصل عن الكرمة، حيث أنه يجفّ وييبس، ويموت ويُطرح للنار.
ولذلك فالرب يسوع يحذّرنا وينذرنا بقوله: «إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان فلا حياة لكم في أنفسكم»(يو 6: 54) ومن هنا جاء عقاب الكنيسة للمبتدعين والمنشقّين والمجرمين بأن تمنعهم من تناول القربان المقدس، والاشتراك بالقداس الإلهي، حتى يتوبوا. وقد اقتضى لقدسية سر القربان، أن يستعد المؤمنون جسداً ونفساً قبل أن يتناولوه، فتكون أجسادهم نظيفة، ويكونون في حال النعمة، أي قد قدموا توبة حقيقية، واعترافاً قانونياً أمام الكاهن الشرعي، وتمسكوا بفريضة الصوم القرباني، وبهذا الصدد يقول الرسول بولس «ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس، لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب»(اكو 11: 28 ـ 29). فعلى من يتقدم إلى تناول القربان المقدس أن يجمع فكره، ويتقدم بمخافة الله، وتواضع ووداعة، وشوق لاهب يضاهي اشتياق الأيل إلى مجاري المياه (مز 41: 2) شاكراً الله على نعمته التي لا يعبّر عنها، إذ قد فدانا بذبيحته على الصليب، ومنحنا ذبيحة القربان المقدس التي تدعى الأفخارستيا أي سر الشكر.
أجل مما يؤسف له، أن العديد من أبناء الكنيسة وبناتها، في هذا الجيل، قد أهملوا التقدم إلى مائدة الرب، ولم يدركوا أنهم يعرّضون أنفسهم للهلاك الأبدي، فلننتهز وإياهم فرصة الصوم الأربعيني المقدس فنتمسك بفريضة الصيام، ونعود إلى الله بتوبة حقيقية لنستحق الاشتراك بمائدة الرب، ولتناول القربان المقدس لنتحد بالرب يسوع، وليتحد له المجد بنا، وننمو في النعمة، ونؤهل لنرث ملكوته السماوي، بحسب صادق وعده القائل: «من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياةٌ أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير»(يو 6: 54).
بارككم الرب الإله، وتقبّل صومكم وصلواتكم، وصدقاتكم، وأمدَّ بعمركم، لتحتفلوا بعيد القيامة المجيدة بطهر ونقاء، ورحم موتاكم المؤمنين آمين.
صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق
في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني سنة ألف وتسعمائة وإحدى وتسعين
وهي السنة الحادية عشرة لبطريركيتنا
The Holy Eucharist
The Lord Jesus set the foundation of the marvelous Sacrament of The Holy Eucharist by declaring Himself truly to be: “The bread that came down from heaven”. This proclamation surprised His listeners, who belonged to different sectors of society of the old order, along with their varied religious, cultural and social levels. Also their opinions, judging the mission of the Lord Jesus, were contradicting. Many of them recognized Him as the expected Messiah: The hope of nations and generations. Others thought He was one of the prophets. Yet, others rejected Him and were waiting for Him trying to trap Him into saying something He could be arrested for. Therefore they asked Him to perform a miracle by reminding Him of the incident of the descent of Manna from heaven upon their forefathers in the wilderness. ” Then Jesus said unto them, very truly, I tell you, it was not Moses who gave you the bread from heaven, but it is my Father Who gives you the true bread from heaven. For the bread of God is He who comes down from heaven and gives life to the world ” ( John 6:32-33 ). He continued saying: ” I am the bread of life, whoever comes to me will never be hungry, and whoever believes in me will never be thirsty ” ( John 6:35 ).
The multitudes could not comprehend this truth which is beyond the grasp of the human mind. In the Holy Gospel, the apostle John says: “Then the Jews began to complain about Him because He said: I am the bread that came down from heaven.” ( John 6:41 ). These words were even difficult to some of His disciples who interpreted them materially for they were asking each other saying: ” how can He give us his body to eat?” And in order to reaffirm this divine teaching to them, our Lord explained it fully, and added further to clarify the effects of the Sacrament of The Holy Eucharist saying, “…unless you eat the flesh of the Son of Man and drink His blood, you have no life in you. Those who eat My flesh and drink My blood have eternal life and I will raise them up on the last day; for My flesh is true food, and My blood is true drink. Those who eat My flesh and drink My blood abide in Me, and I in them” ( John 6:53-56 ).
Yes, whoever contemplates in the Lord’s teaching, the great sacrifice of the Lord, will be transfigured before Him. His self-denial is not only by bearing great pains and dying on the cross for the salvation of the world, but also by giving Himself to the believers, as spiritual food. They will be nourished by receiving Him, and they will grow in grace and be fortified and will abide in Christ, and finally, they will be worthy to inherit with Him His Heavenly Kingdom.
The Lord gave Himself to His pure disciples in the Sacrament of the Holy Eucharist. He gave the Eucharist in the form of bread and wine before He delivered Himself willingly into the hands of His enemies for crucifixion and death, as a redemption for humanity.
On the night of His passion, and after eating the Jewish Passover Meal with His righteous disciples, “Jesus took a loaf of bread, and after blessing it He broke it, gave it to the disciples, and said: Take, eat; this is My body. Then He took a cup and after giving thanks He gave it to them, saying: Drink from it all of you; for this is My blood of the new covenant, which is shed for many for the remission of sins.” ( Matthew 26:26-28 ) and ( Mark 14:22-24 ).
Thus, the Lord established the Sacrament of the Holy Eucharist and granted His pure disciples the authority to offer the bloodless, divine sacrifice by saying to them: “…do this in remembrance of Me.” ( Luke 22:19 ). In fulfillment of this Commandment of the Lord, and by the inspiration of the Holy Spirit, the disciples set up the ritual of offering this divine sacrifice which is called The Order of Service of the Divine Eucharist. The Book of Acts of the Apostles mentions that the early Christians “Continued steadfastly in the .. fellowship, in the breaking of bread and in prayers.” ( Acts 2:42 ), which indicates their actual participation in the Divine Sacrament and the receiving of the Holy Eucharist which is His holy body and blood.
This bloodless sacrifice is a remembrance of the Sacrifice on the Cross and an extension of it and the continuation of its benefits. Furthermore, its true offerer is the Lord Christ, who gave Himself as a redemptive offering on the cross.
The Lord Jesus offers Himself on the Holy Altar as a bloodless sacrifice in the form of bread and wine. The Holy Bible said about Him, “You are a priest forever, according to the order of Melchizedek.” ( Hebrews 5:6 ). Melchizedek was a king of the Holy City and its priest during the time of Abraham, the father of the Patriarchs, and his sacrifice was bread and wine; symbolizing the sacrifice of the new covenant just as he was a symbol of Jesus, the great priest.
The priest who offers the sacrifice of the new covenant, represents the Lord Jesus. Therefore, the believers who participate in the Holy Eucharist, should be of one accord with the priest, who offers the sacrament, in order to receive Christ’s blessings. They should also receive the Holy Communion. For, if the physical food nourishes the body, the Holy Eucharist is the food of the soul which makes its partaker worthy to be united with Christ. Concerning this matter, the Lord says: “Those who eat My flesh and drink My blood abide in Me and I in them” ( John 6:56 ). St. Paul explains this relationship between Christ and the true believer by saying: “I have been crucified with Christ; it is no longer I who live, but Christ lives in me…” ( Galatians 2:20 ).
Therefore, the Holy Eucharist, grants us the Spiritual life in Christ and makes us abide in Him; so we grow and become strengthened spiritually. If that is so, then our abstinence from receiving it will be a terrible and irreplaceable loss. For we will be compared to the branch which is separated from the vine; it will dry up, whither, die and be thrown into the fire. That’s why the Lord Jesus warns and cautions us saying: “Unless you eat the body of the Son Of Man and drink His blood, you have no life in yourselves.” ( John 6:53 ). Hence, the church imposed punishment upon the heretics, schismatics, and criminals by denying them the receiving of the Holy Eucharist and the participation in the Divine Liturgy.
Dearly Beloved; Because of the sacredness of the Holy Eucharist, it is required that the believers be prepared, body and soul, before they receive it. Their bodies must be clean, and they must be in a state of grace; meaning that they had offered a true penance and lawfully confessed before the lawful priest. They must also adhere to the order of communion abstaining. Concerning this matter, Saint Paul says: “But let a man examine himself, and so let him eat of that bread and drink of that cup. For he who eats and drinks in an unworthy manner, eats and drinks judgment to himself not discerning the Lord’s body”. ( 1 Corinthians 11:28,29 ). Thus, Whoever comes to receive the Holy Eucharist must gather his thoughts and proceed, with the fear of God, with humility and meekness, and with a burning desire that matches “the desire of the deer to the streams of water ” ( Psalms 41:2 ). Thus thanking God for His indescribable grace, for who has redeemed us by His sacrifice on the Cross; and bestowed upon us the sacrifice of the Holy Communion which is called “Eucharist” or the Sacrament of Thanksgiving.
Beloved, it is regrettable that many of the church sons and daughters, nowadays, have neglected to come forth to the table of the Lord, not comprehending that they are exposing their souls to eternal perdition. So, let us all return to God, with true penance, so that we may be worthy of partaking of the Lord’s Table. Let us be united with Him, the Lord of Glory, and He with us, to grow in grace and be worthy to inherit His Heavenly Kingdom.