ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܕܟܠ ܐܚܝܕ

ܐܝܓܢܐܛܝܘܤ ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܕܟܠܗ̇ ܡܕܢܚܐ

ܘܪܝܫܐ ܓܘܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܐܪܬܕܘܟܣܝܬܐ ܕܒܟܠܗ̇ ܬܒܝܠ

ܕܗܘ ܙܟܝ ܩܕܡܝܐ ܕܒܝܬ ܥܝܘܐܨ ܡ̄

 

باسم الأزلي السرمدي الواجب الوجود الضابط الكل

يعـــلن

اغناطيوس زكّـا الأول عيواص بطريرك كرسي أنطاكية الرسولي وسائر المشرق

الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسيـة في العالم أجمـع

 نهدي البركة والأدعية الخيرية إلى اخوتنا الأجلاّء صاحب الغبطة مار باسيليوس بولس الثاني جاثليق المشرق، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نوّاب الأبرشيّات والخوارنة والرهبان والقسوس والشمامسة الموقّرين، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين. شملتهم العناية الربانية بشفاعة السيدة العذراء مريم والدة الإله وسائر الشهداء والقديسين. آمين.

 

» قدّسـوا صوماً، نادوا باعتكــاف » (سفر نبوءة يوئيل 1: 14)

بعد تفقّد خواطركم العزيزة نقول: ها إن الصوم الأربعيني قد أقبل موعده علينا، وهو الفرصة الذهبية الثمينة التي تتيحها لنا أمّنا الكنيسة المقدسة لننتهزها ونفحص خلالها نفوسنا فنتجنب الرذائل ونتمسّك بالفضائل ونعود إلى الله تائبين »فهوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص» (2كو 6: 2). وكما يدرّب النسر فراخه على التحليق في الجو عالياً، هكذا تفعل الكنيسة المقدسة بتدريب المؤمنين على التحليق في الأجواء الروحيّة، موفّرة لهم وسائل النعمة للتحرر من قوة جاذبية الأرض والأرضيات التي تشدهم إليه. وتسعى الكنيسة أيضاً إلى تخطّي معوقات الحياة الروحية ليتقدم المؤمنون في حياة الفضيلة ويبلغوا ذروة الكمال الإنجيلي بكبح جماح الأهواء الجسدية المنحطة، والعمل »لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية» (يو 6: 7) فيمتنعوا خلال الصوم المقدس عن تناول الغذاء لمدّة معيّنة، وتناول بعض الأطعمة الصيامية الخفيفة اختيارياً. وبذلك تتأجّج في قلوبهم جذوة القداسة وينتقلون من قوة إلى قوة، بإخضاع إرادة الجسد للروح »لأن الجسد يشتهي ضدّ الروحوالروح ضدّ الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتّى تفعلون ما لا تريدون» (غل 5: 17) على حد قول الرسول بولس. فبالصوم يتمكن المؤمنون من تجنب شهوات الجسد ويفعلون الصلاح الذي يريدونه.

أيها الأحباء، إن الصوم وضع إلهي، فُرض أولاً على أبوَينا الأوّلَين كوصية أولى، ولما كسراها سقطا في الخطيّة واستحقا الموت بأنواعه، وبعد أن كان الإنسان قريباً من الله أُبعد عنه، بل اختبأ من أمام وجهه تعالى ولم يقدر أن يراه (تك 3: 8) لأنه عصى أمره الإلهي ولم يتمسك بالصوم الذي فرض عليه. وفي ميدان إرضاء الله تعالى مارس الآباء والأنبياء أصواماً. وقد أمر الله تعالى النبي موسى أن يقدس نفسه بالصوم ويقدّس الشعب أيضاً معه قبل أن يدنو من جبل سيناء لأخذ الوصايا (خر19: 1 – 25) فصام موسى أربعين نهاراً وأربعين ليلة. (خر33: 13و18) وأنزل الشريعة للشعب.

وصام النبي إيليا أربعين نهاراً وأربعين ليلةً (1مل 19: 8) وقد انتصر على كهنة البعل وجذب الشعب إلى الشريعة واستحق أن يصعد إلى السماء بمركبة نارية.

وصام النبي دانيال ثلاثة أسابيع لم يأكل فيها لحماً ولم يشرب خمراً (دا 10: 2) فسد أفواه الأسود فلم تؤذه.

وصام أهل نينوى مع أطفالهم وماشيتهم (يون 3: 7) فقَبِل الرب توبتهم، ونجت من الدمار مدينتهم.

فالآباءالأوّلون والأنبياء الصالحون مارسوا فريضة الصوم إرضاءً لله تعالى وتجنّباً للمحارم والمآثم خاصةً في أوقات الشدة وزمن التجربة.

أما ربنا يسوع المسيح فقد أوجب علينا الصوم وعلّمنا إياه عملياً بصومه أربعين نهاراً وأربعين ليلة، وجاع أخيراً (مت4: 2) وجرّبه إبليس، فضفر بإبليس، وأعطانا سر الغلبة حيث قال: »أما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم» (مت17 :21) ولما سُئل عن علّة إهمال تلاميذه الصوم ـ حسب ادّعاء أعدائهم عليهم ـ تضمّن جوابه وجوب الصوم على التلاميذ بعد صعوده إلى السماء حيث قال: »حين يُرفَع العريس عنهم فحينئذ يصومون» (مت 9: 16) ووصف في موضع آخر كيفيّة الصوم النقي المقبول لديه تعالى بقوله: »ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين» (مت 6: 16).

ونستدل من سفر أعمال الرسل على أن تلاميذ الرب كانوا يلتزمون بالأصوام وخاصة عند انتخاب الرعاة، وفي اشتداد الاضطهادات ووقوع الملمات كالحروب والأوبئة. وكان الرسول بولس يصوم أصواماً متتابعة (2كو 6: 5 و11: 27 وأع 27: 33).

وقد فرض الرسل الصوم على المؤمنين فأخذته الكنيسة عنهم ورتّبت سائر الأصوام، وأثبت التاريخ الكنسي أن المسيحيين منذ فجر النصرانية كانوا يصومون الصوم الأربعيني المقدس وأسبوع الآلام ويومَي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع وحكمت القوانين الكنسية بالعقاب الصارم على ذوي الدرجات الكهنوتية وسائر المؤمنين الذين يكسرون وصيّة الصوم ما لم يكن عدم صومهم ناشئاً عن مرض جسدي.

فما أحرانا أيها الأحباء أن نقتدي بآبائنا الأبرار، والكتاب المقدس يوصينا قائلاً: »انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثّلوا بإيمانهم» (عب 13: 7) خاصة ونحن نحيا في فترة من الزمن عصيبة تكاد خلالها جذوة الإيمان تخمد في قلوبنا، وقد بردت المحبة في أفئدتنا، وتقاعسنا عن القيام بفروض الصوم والصلاة، وانهمكنا بمحبّة المادة، وأهملنا الصدقات وتم فينا ما قيل عن غير المؤمنين من أن »إلههم بطونهم ومجدهم في خزيهم» (في 3: 19) الأمر الذي يقرع لنا ناقوس الخطر خطر الابتعاد عن الله فلنسمع الرب على لسان النبي يوئيل قائلاً: »قدّسوا صوماً نادوا باعتكاف… مزّقوا قلوبكم لا ثيابكم» (يوئيل 1: 14 و2: 13) فلنصم صوماً روحياً مقبولاً لا عن الطعام والشراب فحسب بل عن الشر والآثام، لتصم أفكارنا عن التصورات القبيحة، وألسنتنا عن الكلام الباطل، وأجسادنا عن الشهوات، ولتخضع إرادتنا لله تعالى، ليكون صومنا مقبولاً لديه تعالى كقول نبيّه إشعيا: »أليس هذا صوماً أختاره، حلَّ قيود الشر، فكّ عقد النير وإطلاق المسحوقين أحراراً… أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك… حينئذ تدعو فيجيب الرب وتستغيث فيقول هاأنذا» (أش 58: 6-12).

ليتقبل الرب الإله صومكم وصلواتكم وصدقاتكم وتوبتكم، ويؤهّلكم لتبتهجوا بعيد قيامته المقدس ويرحم أمواتكم المؤمنينن ونعمته تشملكم دائماً وأبداً، آمين…

صدر عن قلاّيتنا البطريركية في دمشق ـ سوريا

في 15 شباط سنة 1981

وهي السنة الأولى لبطريركيتنا