كتاب البحوث الجزء الأول

المحتوى

تـمــهـيـد

كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوكسية عبر العصور

هوية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وحقوق أعضائها من الإكليروس والعلمانيين وواجباتهم

علاقة كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية بسائر الكنائس المسيحية وأضواء على الحوار بينها وبين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ()

تطور العلاقات المسكونية وتقدمها () مؤتمر المحادثات غير الرسمية بين لاهوتيين أرثوذكس المنعقد في جنيف عام 1970

البيان المشترك بين كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية وكنيسة أنطاكية للروم الأرثوذكس

لـقــــــــاء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط

السريانيون والعلاقات التاريخية الثقافية والدينية بينهم وبين اليونانيين()

نـظــرات خـاطـــفة() في تاريخ كنيسة أنطاكية السريانية المشترك مع الإسلام عبر العصور

صفحات مشرقة من تاريخ الأدب السرياني في القرن السادس للميلاد ()

أهــل الكـهـف في المصادر السريانية

القيم الدينية وتنظيم الأسرة ()

دور الـــمـــرأة في كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية

أول كتاب طُبع بالسريانية()

 

بحوث

تاريخية دينية أدبية

 

لقداسة مار إغناطيوس زكا الأول عـيـواص

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق

الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثـوذكـسية في العالم أجمع

 

 

منشورات دير مار أفرام السرياني

معرة صيدنايا ـ دمشق ـ سوريا

 

2008

/1500/ نسخة

الطبعة الثانية

 

 

قداسة مار اغناطيوس زكا الأول عيواص

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس

 

 

تـمــهـيـد

 

بعد حمد اللّه تعالى نقول:

هذه بحوث ومحاضرات تاريخية دينية أدبيّة، كتبناها في فترات زمنية متباينة ومناسبات مختلفة، ونشرناها في حينه على صفحات مجلتنا البطريركية ومجلات أخرى وتناولنا فيها مواضيع تدور حول كنيستنا، كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية المقدسة، وركّزنا فيها على جهاد آبائنا الميامين في سبيل الحفاظ على جوهرة الإيمان القويم الرأي والتقاليد الرسولية والأبوية.

 

فهذه المواضيع والحالة هذه جوانب مضيئة من تاريخ كنيستنا المجيد وتراثنا السرياني الخالد، كما تتجلّى فيها حكمة آبائنا في طريقة العيش المشترك والألفة والمحبّة المتبادلة مع بقية الأديان…

 

وشخّصنا أيضاً دور كنيستنا الرائد التليد والجديد في إسهامها بدفع عجلة الحضارة الإنسانية إلى الأمام وبذلك نكون قد ربطنا الحاضر بالماضي، ووجّهنا أبناء الكنيسة اليوم إلى الاقتداء بالسلف الصالح. وحيث أن نخبة من محبّي العلم من الأصدقاء الأعزاء قد أشاروا علينا أن نجمع جزءاً من هذه البحوث في كتاب ليسهل الرجوع إليها والاستفادة منها، فإجابة إلى طلبهم قمنا بإصدار هذا الكتاب الذي بين يديك أيّها القارئ الكريم وسمّيناه «بحوث: تاريخية، دينية، أدبية» سائلين الرب أن يجعل هذا الكتاب سبب بركة لنا وللقرّاء الكرام.

دمشق في 3 تموز 1998

المؤلف

 

 

 

 

كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوكسية عبر العصور

 

 

  • تأسيس كنيسة أنطاكية:

الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هي كنيسة أنطاكية، تأسست في فجر المسيحية، يوم كانت أنطاكية عاصمة سورية([1])  وإحدى العواصم الثلاث في الدولة الرومانية([2]).

دخلت المسيحية مدينة أنطاكية على يد بعض تلاميذ السيد المسيح الذين تشتّتوا هاربين من اورشليم بسبب الاضطهاد الذي أثاره اليهود ضدهم بعيد استشهاد اسطيفانس رئيس الشمامسة حوالي سنة 34م. كما زارها برنابا أحد التلاميذ السبعين، ثم الرسول بولس حيث مكثا فيها سنة كاملة مبشرين. ونشر فيها الرسول بطرس تعاليم الإنجيل، كما اتخذها مقراً لكرسيه الرسولي سنة 37م على الأرجح. ويجعل بعضهم تنصر أنطاكية على يد الرسول بطرس على مرحلتين، الاولى تنصر اليهود وقيام كنيسة مسيحية منهم([3]) والثانية تنصر الوثنيين من أراميين ويونان وعرب، بعد البت في قضية كرنيليوس وقبوله في الكنيسة([4]). ومن مجرى الحوادث نستنتج أن بطرس الرسول في مجيئه الثاني إلى أنطاكية، امتنع عن مخالطة المتنصرين من الأمم الوثنية حتى بعد عمادهم خوفاً من مسيحيي أورشليم الذين كانوا قد اختصموه في حادثة كرنيليوس. غير أن الرسول بولس قاومه علانية([5]) . فقد حاول بعض المتنصّرين من اليهود أن يلزموا المتنصرين من الأمم بأن يختتنوا أي أن يتهودوا قبل أن يتنصروا، وعقد مجمع أورشليم سنة 51م للبتّ في هذه القضية، وقرر المجمع «ألا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم بل أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم» وأرسل هذا القرار إلى أنطاكية بيد بولس وبرنابا ومعهما يهوذا الملقب برسابا وسيلا([6]). ومن هنا نلمس أهمية كنيسة أنطاكية سورية في فجر المسيحية.

 

ويسجّل سفر أعمال الرسل غيرة أعضاء كنيسة أنطاكية ومحبتهم للإخوة إذ أنهم جمعوا صدقة وأرسلوها إلى فقراء اورشليم بيد برنابا وشاول، كما أن أتباع السيد المسيح سمّوا مسيحيين لاول مرة في أنطاكية([7]).

 

وتغيب بطرس وبولس عن أنطاكية لدواعي التبشير، فأقاما عليها أسقفين هما: أفوديوس أسقفاً على المسيحيين الذين من أصل وثني، وإغناطيوس أسقفاً على المسيحيين الذين من أصل يهودي([8]) واتّحد الطرفان برباط الروح تحت رئاسة إغناطيوس النوراني بعد سنة 68م فأطلق هذا على كنيسة أنطاكية عبارة الكنيسة الجامعة، حيث جمعت الختان والغرلة معاً، وهو أول من استعمل هذا الاصطلاح في المسيحية([9]).

  • اللغة السريانية في أنطاكية:

تعرف اللغة السريانية بالآرامية أيضاً([10])، فقد كانت قديماً لغة الآراميين([11]) الذين استوطنوا منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد بلاد آرام الشام وآرام النهرين([12]). وانتشرت هذه اللغة في العالم القديم انتشارا واسعاً، وصارت حروفها حروف هجاء للغات شرقية عديدة([13]) حتى رأيناها على عهد الملك نابوبلاصر لغة البلاط البابلي، وجعلت على عهد داريوس الكبير (521 ـ 486 ق.م) اللغة الرسمية بين مقاطعات الامبراطورية الفارسية([14])، بل أمست لغة دولية في الشرق كله زمناً طويلاً([15])، وكان اليهود قد تعلّموها واستعملوها منذ السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد، بل صارت لغتهم اليومية إذ نسوا العبرية. لذلك تكلّم السيد المسيح ورسله بالسريانية([16]) واستمرّت سائدة في قسم كبير من الشعوب الشرقية حتى اواخر القرن السابع للميلاد إذ انتشرت اللغة العربية، فأخذت السريانية تتقلص رويداً رويداً([17])، ولا تزال لهجاتها محكية حتى اليوم في طورعبدين بتركيا، وقرى الموصل وغيرها في شمال العراق، وقرية معلولا المجاورة لدمشق في سورية، وآثارها ظاهرة في أسماء مدن وقرى عديدة  في الشرق الأوسط، وفي اللهجات العامية في قسم كبير منها([18]). وفي فجر المسيحية كانت اللغة السريانية لغة أهل أنطاكية الأصليين لا سيما القاطنون في ضواحيها كما كانت لغة سائر بلاد سوريا الداخلية([19]) وكانت أيضاً لغة اليهود المهاجرين إلى أنطاكية. أما اللغة اليونانية فكانت لغة المستعمر(بكسر الميم الثانية) ولغة الجالية اليونانية التي استقدمها السلوقيون([20]).

واستعملت كنيسة أنطاكية اللغة السريانية في طقوسها الدينية، ففيها أقامت خدمة أول قداس([21]) كتبه بالسريانية مار يعقوب أخو الرب أسقف اورشليم، ولا تزال جميع الكنائس السريانية في العالم حتى اليوم تتلوه بالسريانية إلى جانب لغاتها المحلية الوطنية. وكتب بها آباؤها مصنفاتهم الدينية والعلمية([22]).

  • مكانة كنيسة أنطاكية الدينية:

تعتبر كنيسة أنطاكية أقدم الكنائس المسيحية وأشهرها بعد كنيسة اورشليم، وقد ازدادت أهميتها بعد خراب أورشليم سنة 70م على يد طيطس الروماني، فمنها انطلق التلاميذ إلى أنحاء العالم المعروفة عصرئذ فنشروا تعاليم الإنجيل، وأسّسوا الكنائس والأديرة والمدارس، وقام فيهم العلماء الأفذاذ الذين أناروا العالم بالعلوم الدينية والمدنية([23]).

ولآباء كنيسة أنطاكية السريانية فضل يذكر بالفخر بدراسة الكتاب المقدس بعهديه، فقد نقلوه إلى لغتهم السريانية بالترجمة المعروفة بـ «البسيطة» وغيرها من الترجمات. كما نقلوه إلى العربية، والفارسية، والمليالم (لغة جنوبي الهند)([24]) وتناولوه شرحا وتفسيراً، وتركوا لنا في ذلك بحوثاً مستفيضة تعد مراجع مهمة في هذا المضمار. كما كان لهذه الكنيسة في الماضي الفضل في حمل لواء الإنجيل إلى مختلف الأمم كبلاد العرب، وأرمينية، والهند، والحبشة، وقدمت ألوف الشهداء في سبيل ذلك([25]).

  • مؤسس الكرسي الأنطاكي:

أجمع المؤرخون الثقات([26]) على حقيقة تأسيس الرسول بطرس كرسيه الرسولي في أنطاكية سورية، كما أسلفنا، وهو أول أساقفتها أي بطاركتها الذين إليه يتسلسلون. فيقول اوسابيوس القيصري (+340م): «في السنة الرابعة بعد صعود المسيح نادى بطرس بكلمة الرب في أنطاكية العاصمة الكبرى وصار أول أساقفتها»([27]) ويقول أيضاً في تاريخه البيعي: «كما اشتهر إغناطيوس الذي اختير أسقفاً لأنطاكية خلفاً لبطرس»([28]). وقد خصّص هيرونيموس([29]) في جدول الأعياد السنوية اليوم الثاني والعشرين من شهر شباط، (عيد تأسيس كرسي مار بطرس الرسول في أنطاكية). ولا تزال الكنيسة الرومانية تحتفل به حتى الآن([30]).

وهكذا صار القديس بطرس الرسول أول بطريرك جلس على هذا الكرسي الرسولي وتعاقب عليه بعده بطاركة عظام جلهم من صدور العلماء حتى وصلت الرئاسة إلى قداسة البطريرك الحالي العلامة مار إغناطيوس يعقوب الثالث وهو البطريرك المائة والحادي والعشرون في عداد البطاركة الشرعيين([31]).

  • مقر الكرسي الأنطاكي:

كان مقر الكرسي الأنطاكي مدينة أنطاكية حتى سنة 518م وبسبب المتاعب الكثيرة التي عانتها الكنيسة، فقد نقل إلى أديرة ما بين النهرين حتى استقر في القرن الثالث عشر في دير الزعفران قرب ماردين في تركيا، ونقل سنة 1959 إلى دمشق.

  • اسم بطاركة أنطاكية:

كان البطاركة عند تنصيبهم تحفظ لهم اسماؤهم الاصلية فلما ارتقى إلى الكرسي البطريركي يشوع سنة 878م اتّخذ اسم إغناطيوس تيمّنا بإغناطيوس النوراني الشهيد الذي خلف الرسول بطرس في أنطاكية. وحذا حذو البطريرك إغناطيوس يشوع أربعة بطاركة بعده، فلما اعتلى الكرسي البطريركي يوسف بن وهيب مطران ماردين سنة 1293م وهو إغناطيوس الخامس ثبتت هذه العادة من بعده وماتزال حتى اليوم، وهي أن يسبق اسم المنتخب للكرسي البطريركي اسم مار إغناطيوس.

  • سلطة الكرسي الأنطاكي وعلاقته بالكراسي الرسولية الاخرى:

نشأ في القرون الاولى للميلاد النظام الكنسي فسمي أسقف المدينة الرئيسة بالمتربوليت ومعناه أسقف أم المدن أي قاعدة المملكة، وعن طريق المجامع الإقليمية والمسكونية ربطت الأسقفيات بالمطرانيات وحدّدت سلطة الكراسي الرسولية الكبرى المتساوية بالسلطة في أنطاكية والاسكندرية ورومية. ثم أضيفت القسطنطينية في مجمع القسطنطينية سنة 381م إلى الكراسي الثلاثة وحازت هذه الكراسي الأربعة مكانة مرموقة لمكانة المدن المذكورة السياسية وموقعها الجغرافي([32])، وأطلق على أسقف كل منها في اواسط القرن الخامس لقب بطريرك ومعناه رئيس الآباء([33]).

ولكل من هذه الكراسي حدود معينة تخضع الكنائس الموجودة فيها لسلطته الدينية عن طريق الكراسي المحلية أي مراكز المطرانيات والأسقفيات.

وقد حدد المجمع النيقاوي سنة 325م في قانونه السادس سلطة هذه الكراسي بقوله: «فلتحفظ العادة القديمة في مصر وليبيا والمدن الخمس لأن الأسقف الاسكندري يكون له السلطان على كل هؤلاء كما أن أسقف رومية له هذه العادة أيضاً ومثل ذلك فلتحفظ الكرامة سالمة أيضاً في الكنائس التي في أنطاكية وفي الأبرشيات الأخرى»([34]) علماً بأن المجمع النيقاوي لم يحدث هذه الامتيازات بل أقر بها([35]).

  • الشركة بالإيمان وسلطة المجامع:

كانت الكراسي الأربعة: رومية والقسطنطينية والاسكندرية وأنطاكية واحدة بالعقيدة الدينية، وفي شركة روحية، وكانت هذه الكراسي متساوية في السلطات والامتيازات، وكان أصحابها عند انتخابهم يبعثون بصورة إيمانهم بعضهم إلى بعض لنيل يمين الشركة. ولم تعتبر الشركة بمثابة تنصيب للبطريرك في وظيفته بل كانت فقط شرطاً ضرورياً لممارسة الوظيفة بطريقة شرعية([36]) وحوادث التاريخ تشهد بأنه لم يكن لأصحاب هذه الكراسي الأربعة الكبرى حكم اوتونومي([37]) وحسب بل هو حكم اوتوكيفالي([38]) أيضاً. إذ لم يكن لأحدها حكم على الآخر، ولا يتدخل رئيس بشؤون غيره البتة. كما لم يكن يحق لأسقف ما التدخل بشؤون أسقف آخر، وكلما اعترضت مشاكل محلية داخلية، أو خلاف بين الأساقفة في الأبرشية الواحدة كان يعقد مجمع إقليمي من أساقفة الأبرشية برئاسة أسقف الأبرشية العام للفصل في هذا الخلاف، ويعتبر المجمع أعلى من الأسقف بل هو أعلى سلطة في الأبرشية الواحدة. وإذا ما برزت مشاكل عامة وقضايا إيمانية كبرى كان يعقد مجمع عام أو مجمع مسكوني([39]) وسلطانه يعلو سلطان الأساقفة كافة بمن فيهم أساقفة الكراسي الأربعة الكبرى. وقوانينه نافذة المفعول في الكنيسة جمعاء، ذلك أن أساقفة العالم جميعاً يدعون إليه، ويحضر أغلبهم، ولا يتغيب منهم أحد إلا بعذر مشروع فتمثل فيه الكنيسة الجامعة، ويشترك بأعماله أغلب أساقفتها ويقبلون قراراته، ويعتبر السلطة العليا في الكنيسة([40]).

فلم يكن لأحد من الأساقفة حتى أساقفة الكراسي الأربعة الكبرى سلطان على البت في الأحكام والقضايا الإيمانية الكبرى منفرداً، بل كان ذلك من حق المجامع. وإن تضارب الآراء وتشعب القرارات في المجامع المكانية الإقليمية والعامة في قضية إيمانية تربك الكنيسة الجامعة، وعندما تدرس هذه المسألة في المجمع المسكوني المتوفرة فيه شهادة الكنائس الرسولية يصدر المجمع فيها حكمه فتقبله الكنيسة الجامعة كأنه حكم السماء. وكانت المجامع تعقد لإقامة الحجة على أصالة التعليم الصحيح ودحض الهرطقات. فدستور الإيمان النيقاوي مثلاً كان متضمناً في كتابات الآباء بالتفصيل ومقبولاً من الكنيسة منذ فجرها ولكن المجمع صاغه بشكل واضح، وألزم قبوله على المؤمنين تحت طائلة الحرم([41]).

  • انقسام الكراسي الأربعة الكبرى:

في عام 451م انعقد المجمع الخلقيدوني([42]) وأدّت نتائجه إلى انقسام الكراسي الرسولية الأربعة إلى قسمين، ضمّ القسم الاول كرسي رومية وكرسي القسطنطينية، وضمّ القسم الثاني كرسي أنطاكية وكرسي الإسكندرية. وقد استمرّ الكرسيان الأخيران متّحدين بالإيمان حتى اليوم، ولكل منهما رئاسته الخاصة واستقلاله التام كما كان منذ بدء النصرانية. أما الكرسيان الروماني والقسطنطيني فقد انقسما على ذاتهما في القرن الحادي عشر للميلاد.

  • حدود منطقة الكرسي الأنطاكي:

كان للجالس على الكرسي الأنطاكي مقام سام في الكنيسة، وكان سلطانه الديني يمتد من بحر الروم غرباً إلى أقصى بلاد الفرس والهند شرقاً. ومن حدود آسيا الصغرى شمالاً إلى تخوم فلسطين جنوباً([43]). وكانت كنيسة أنطاكية واحدة ويسوسها كلها بطريرك واحد، ولم يكن غيره في كل بلاد المشرق([44]) التي كانت تشمل بلاد الشام وفلسطين وقليقية وبعضاً من بلاد آسيا الصغرى وما بين النهرين وبلاد فارس بأسرها([45]) وسلطانه يشمل جميع المسيحيين في هذه المنطقة على اختلاف قومياتهم وأجناسهم ولغاتهم، وكان للأبرشيات الكبرى رؤساء أساقفة وللأبرشيات الصغرى أساقفة يتولون إدارتها الروحية وهم تحت طاعته([46]).

  • مفريانية المشرق:

أطلق على البلاد الواقعة شرقي المملكة الرومانية اسم بلاد المشرق. وكانت في فجر المسيحية تحت الحكم الفارسي ومنها جاء المجوس إلى بيت لحم وسجدوا للرب وقدموا له الهدايا([47]) ولما عادوا إلى بلادهم أذاعوا فيها بشارة الميلاد. كما كان فيها جاليات يهودية كان قوم منها في أورشليم يوم الخمسين، ويذكر سفر أعمال الرسل أن اولئك كانوا من الفرثيين والماديين والعيلاميين والساكنين في ما بين النهرين([48]). ولا بد أن الذين آمنوا من هؤلاء حملوا معهم مصباح الإنجيل إلى بلادهم.

ويذكر التاريخ الكنسي أن أدّى أحد السبعين تلميذاً أرسله أخوه الرسول توما إلى مدينة الرها السريانية عاصمة الأباجرة، فشفى ملكها أبجر الخامس من برصه وتلمذه مع أهل المدينة كافة. ثم بشر في آمد (ديار بكر) وجنوبي بلاد أرزن، ووادي دجلة الشرقي وبازبدي، وجاء إلى حدياب (اربيل)([49]) حيث استقر مع رفيقه ماري وواصلا نشر البشارة في هذه البلاد. ويضيف المؤرخون السريان مار ميخائيل الكبير، وابن العبري، وابن الصليبي، أن الرسول توما قد مرّ بهذه البلاد في طريقه إلى الهند، وبشر أهلها، وهكذا انتشرت النصرانية في أطراف بلاد المشرق كافة منذ القرن الاول للميلاد، وأُنشئت فيها الكنائس وبعض الأسقفيات. وفي صدر القرن الثالث كثر عدد المراكز الأسقفية وانتظمت تدريجياً حتى تكونت منها رئاسة عامة مقرها المدائن ضمن حدود المنطقة الكنسية الخاضعة للكرسي الرسولي الأنطاكي([50]) ولقب أسقفها بمطران المشرق أو جاثليق المشرق، وسمي بعدئذ بمفريان([51]) المشرق([52]).

وكان لجاثليق المشرق سلطة عامة على كنائس منطقته متحداً مع البطريرك الأنطاكي، وقد زعزع الوضع السياسي أركان هذا الاتحاد ذلك أن مقر الكرسي الأنطاكي كان في أراضي المملكة الرومانية أما بلاد المشرق فكانت خاضعة للحكم لفارسي، وكانت العداوة متمكنة ما بين الفرس والرومان([53]).

وفي سنة 431م حرم مجمع أفسس نسطور بطريرك القسطنطينية فتحزب لنسطور عدد من أساقفة سورية، ومعظم اساتذة مدرسة الرها وتلامذتها، وانتشرت تعاليمه في بلاد المشرق ولم يسلم منها سوى تكريت وأرمينية، وانقسم السريان من حيث العقيدة الدينية إلى قسمين، ومن جراء ذلك انقسمت اللغة السريانية أيضاً من حيث لفظها وقلمها إلى قسمين يعرفان بالتقليدين الغربي والشرقي نسبة إلى مواطن الشعب الذي كان يزاولهما أي بلاد الشام الغربية، وبلاد ما بين النهرين الشرقية والعراق وأذربيجان. والقسم الشرقي قطع علاقته مع الكرسي الأنطاكي، ويستثنى منه الشعب العراقي الأرثوذكسي([54]) الذي استمر اميناً للكرسي الرسولي الأنطاكي وعانى في سبيل ذلك الأمرين. ففي سنة 480م وشى برصوما أسقف نصيبين النسطوري بالمؤمنين الأرثوذكس في بلاد المشرق لدى فيروز الملك الفارسي، وقال إنهم يتجسسون لحساب المملكة البيزنطية ففتك بالعديد منهم وسفك دماءهم النقية. وبعد موت برصوما، زار بلاد المشرق خرسطفورس جاثليق الأرمن ورسم الراهب كرماي مطراناً على دير مار متى وخوله سلطة رسامة الأساقفة كما كان لجثالقة المشرق، ورسم خرسطفورس أيضاً الراهب أحودامه البلدي أسقفاً لباعرباي([55]).

 

وفي سنة 559م تفقد مار يعقوب البرادعي كنيسة المشرق ورسم مار احودامه مطراناً عاماً أي جاثليقاً عليها، وعد هذا أول مطران عام على المشرق بعد أن استولى النساطرة على كرسيها([56]).

وفي سنة 628م عقد صلح بين المملكتين الفارسية والرومانية فارسل البطريرك أثناسيوس الاول (595 ـ 631) كاتبه الربان يوحنا إلى المشرق فقابل المطران خرسطفورس رئيس دير مار متى وفاتحه بموضوع اعادة العلاقات بين الكرسي الأنطاكي وكنيسة المشرق، فعقد هذا مجمعاً حضره الربان يوحنا واربعة من الأساقفة القريبين وانتخبوا ثلاثة رهبان هم ماروثا وايثالاها وآحا وأخذوهم إلى البطريرك ليرسمهم أساقفة فاعتذر حفظاً للعادة القديمة في كنيسة المشرق، فقام الأساقفة الشرقيون برسامتهم أساقفة بحضور أساقفة البطريرك. ثم قام البطريرك برسامة ماروثا مطراناً لتكريت وخوله الرئاسة على بلاد المشرق بالنيابة عنه([57]). من هنا نعلم أنه كان لكنيسة المشرق حكم ذاتي، ولجاثليقها سلطة عامة على أبرشياتها، فالجاثليق يرسم أساقفتها، والبطريرك الأنطاكي يرسمه جاثليقاً كما أننا نرى بالتاريخ أن البطريرك الأنطاكي يرسم من آباء المجمع الأنطاكي باشتراك جاثليق المشرق، وكثيراً ما حدث شقاق في الكنيسة لمخالفة هذا التقليد.

وأطلق على مار ماروثا التكريتي (+649) اسم مفريان لاول مرة، وهكذا اخذت المفريانية تتسلسل منذ ذلك الحين. ومما يجدر بالذكر أن أبرشيات المشرق اتسعت ونمت عبر التاريخ حتى أنها فاقت ابرشيات الكرسي الأنطاكي عددا وشأناً على عهد العلامة مار غريغوريوس يوحنا ابن العبري مفريان المشرق(1264 ـ 1286) كما صرح هو نفسه، ويعتبر ابن العبري من أشهر مفارنة المشرق علما.

وكان مقر الكرسي المفرياني في بدء الأمر في تكريت، وظل فيها حتى سنة 1089م فرحل المفارنة بعد ذلك إلى الموصل ثم أعيد المقر إلى تكريت ثانية حتى سنة 1152م إذ انتقل إلى دير مار متى وأحياناً إلى برطلة قرب الموصل ثم الموصل.

وكانت العادة قديماً عند ارتقاء المفريان إلى الكرسي أن يحفظ له اسمه الأسقفي، ومنذ القرن السادس عشر اصطلح على تسميته بباسيليوس مضافاً إلى أسم المفريان الشخصي.

وقد ألغيت رتبة المفريانية سنة 1860 بقرار مجمعي بعد وفاة المفريان مار باسيليوس بهنام الرابع الموصلي.

  • رتبة المفريانية في الهند:

في 21 أيار سنة 1964 استحدثت رتبة المفريانية في الهند وذلك بقرار من مجمع كوطيم، في جنوب الهند، الذي عقد برئاسة قداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث، وعضوية مطارنة السريان في الهند والمطارنة الثلاثة الذين رافقوا قداسته من الشرق الأوسط، وكان كاتب هذه السطور أحدهم، وقرر المجمع أن تكون الهند وشرقيها المنطقة التي يرأسها المفريان([58]). ومفريان الهند اليوم هو غبطة مار باسيليوس بولس([59])، والمفريان ينتخب من المجمع المقدس في الهند ويرسمه قداسة البطريرك، وهو يمثل الكنيسة السريانية في الهند من خلال اشتراكه في مجمع انتخاب البطريرك ورسامته.

  • انقسامات في الكرسي الأنطاكي:

طرأت على الكرسي الأنطاكي عبر التاريخ حوادث مؤلمة قسمت اتباعه إلى فرق عديدة وأضعفته، ولابد لنا في هذه العجالة من أن نلم ببعض هذه الحوادث.

فمنذ سنة 330م وإلى سنة 360م اغتصب الكرسي ستة أريوسيين، ثم تبوأه القديس ملاطيوس إلى سنة 381م ثم فلابيانس الأول وفي عهدهما رأست فئة أرثوذكسية الأسقف بولينوس ثم أوغريوس (+362 ـ 394) وفي أثناء نفي ملاطيوس جلس على الكرسي دخيلان أريوسيان وزعيم شرذمة أبولينارية([60]) ودام هذا الشقاق حتى سنة 412م فلما اعتلى مار الكسندرس الكرسي وحد صفوف الأرثوذكسيين.

أما الانقسامات التي مزقت جسم الكنيسة السريانية وشعبها إلى فرق عديدة وكنائس شتى فهي كالتالي:

في سنة 431م شجب مجمع أفسس تعليم نسطور بطريرك القسطنطينية الذي زعم أن السيد المسيح هو أقنومان وطبيعتان، وتحزب له يوحنا بطريرك أنطاكية وحذا حذو هذا خلفه دمنوس وهو أبن شقيقته، غير أن مجمع افسس الثاني 449م حطه من رتبته وأقام بدلا منه مكسيموس. ولاقت تعاليم نسطور قبولاً لدى بعض السريان في المملكة الفارسية واطراف سورية وفلسطين وجزيرة قبرص. فتألفت منهم كنيسة انسلخت عن الكرسي الأنطاكي سنة 498م وأقامت لها رئيساً اطلق على نفسه لقب (جاثليق) وكان أول جاثليق اسمه باباي وجعل مقره في سلوقية القريبة من المدائن كما مر بنا ونقل مقره سنة 762م إلى بغداد وفي اوائل القرن الخامس عشر نُقل إلى القوش وسنة 1561 إلى أرمية([61]).

ولما انقسمت الكراسي الأربعة الكبرى إلى اثنين كما مر بنا على أثر مجمع خلقيدونية عام 451م، عمت الفوضى النظام الكنسي وبدأ التدخل في الأبرشيات بطريقة لا شرعية، واعتبر الاصطياد في الماء العكر مكسباً عظيماً، واستطاع الكرسي الروماني أن يكسب مطراناً نسطوريا هو طيمثاوس مطران قبرص الذي انضمّ إلى الكنيسة الكاثوليكية سنة 1445م مع فئة من كنيسته السابقة فأعلن البابا الروماني اورجانيوس الرابع بأنه «لايجوز من الآن فصاعداً أن يعامل هؤلاء السريان الراجعون من النسطرة كهراطقة، ويجب أن يسمّوا بعد اليوم كلداناً»([62]). وسنة 1450م عاد هؤلاء إلى كنيستهم الاولى. وعلى أثر الخلاف الشديد الذي جرى في كنيستهم الاولى بسبب بطريركها شمعون الذي سن مجمعه قانونا ينص على أن لا يقام بطريرك إلا من عشيرته، عقد مجمع في الموصل وانسلخ عن شمعون قسم كبير من الشعب انضموا إلى الكرسي الروماني سنة 1553م ورسم لها البابا يوليوس الثالث بطريركا هو يوحنا سولاقا، ولم يثبت هذا الانسلاخ طويلا إذ أن البطريرك يوحنا السولاقا قتل سنة 1555م وقطعت العلاقة مع الكرسي الروماني ثم توحدت الرئاسة سنة 1830م في عهد البطريرك يوحنا هرمزد، اذ كان البابا لاون الثاني عشر قد أبطل سنة 1827 تمييز بطريركية آمد من بطريركية بابل، واقتصر على بطريرك واحد يجلس في الموصل ويدعى بطريرك بابل. ونصب في اواسط القرن التاسع عشر البطريرك يوسف اودو([63]) ويتصف بمحبة الكنيسة الشرقية وتقاليدها العريقة.

ونعود إلى الكرسي الأنطاكي في مركزه فنراه منذ عهد مكسيموس سنة 449م وحتى سنة 512م قد اغتصبه بطاركة تبعوا عقيدة مجمع خلقيدونية وآخرون متذبذبون، واشتهر في هذه الفترة العصيبة مار بطرس الثاني المعروف بالقصار.

وفي سنة 512م نصب مار سويريوس بطريركاً على أنطاكية خلفاً لفلبيانس الذي عزله المجمع الأنطاكي لتذبذبه في المعتقد، ودبر مار سويريوس الكرسي بأمن وسلام حتى سنة 518م اذ توفي الامبراطور انسطاس الأرثوذكسي وخلفه يوسطينوس الاول المؤيد لمجمع خلقيدونية الذي نفى في تلك السنة معظم الأساقفة الأرثوذكسيين ومن جملتهم مار سويريوس الذي انتقل إلى جوار ربه بمنفاه في مصر سنة 538م وخلفه مار سرجيس وهكذا لم تزل البطريركية الأنطاكية السريانية متسلسلة إلى يومنا هذا.

وانتهز أتباع المجمع الخلقيدوني فرصة نفي مار سويريوس وأقاموا منهم بطاركة أشهرهم أفرام الآمدي ومن هنا أي من سنة 518م تبدأ سلسلة البطاركة البيزنطيين وهم (الروم الأرثوذكس) وكان أغلبهم سرياناً، وفيهم قسم من الجاليات اليونانية. وقد أطلق عليهم لقب الملكيين أي أتباع الملك، لاتباعهم عقيدة مجمع خلقيدونية التي تبناها الملك عصرئذ. وكانوا يستعملون الطقس السرياني وفي القرنين العاشر والحادي عشر استبدلوه بالطقس اليوناني، ولعدم معرفتهم اللغة اليونانية ترجموه إلى لغتهم السريانية، وفي الأجيال المتأخرة بعد تعلمهم اليونانية استعملوا الطقس البيزنطي باليونانية والعربية، وجمعوا الكتب السريانية في خزانة دير السيدة في قرية صيدنايا بالقرب من دمشق وأحرقوها([64]).

في القرن السابع حدث خلاف بين أتباع المجمع الخلقيدوني في منطقة الكرسي الأنطاكي، بسبب ظهور تعليم المشيئة الواحدة والمشيئتين في المسيح، وانفصل على أثرها الرهبان الموارنة في لبنان وأقاموا لهم بطريركية خاصة، وفي القرن الثاني عشر انضموا إلى الكرسي الروماني([65]) وسموا بطريركيتهم ببطريركية أنطاكية([66]).

وفي أوائل القرن الثامن عشر حدث خلاف آخر في صفوف الروم الأرثوذكس أدى إلى ترك بعضهم بطريركيتهم واتباعهم الكرسي الروماني وأقاموا لهم بطريركية خاصة دعوها ببطريركية أنطاكية وأطلقوا على أنفسهم اسم الروم الكاثوليك.

وتشعبت أيضاً البطريركية السريانية الأنطاكية، ففي اوائل القرن السابع عشر خرجت عنها في حلب فئة بتحريض الرهبان الكبوشيين وبمساعدة قنصل فرنسا، وقصدوا مطراناً مارونياً سنة 1657م فرسم لهم القس أندراوس اخيجان الأرمني المارديني الأصل أسقفاً نادوا به بطريركاً بعدئذ، وبه تبتدئ سلسلة بطاركة السريان الكاثوليك([67]).

وفي الربع الأخير من القرن الثامن عشر انضم قسم من السريان الأرثوذكس في العراق إلى الكرسي الروماني وذلك بدهاء القنصل الفرنسي الذي كان يشير على الحاكم العثماني في الموصل لتثقيل كواهل المسيحيين بالضرائب الباهظة ومن جهة أخرى كان يبث المرسلين الدومنكيين بين المسيحيين السذج يرغبونهم في طلب حماية فرنسا كي يتخلصوا من تلك الضرائب شريطة أن يخضعوا فقط لبابا روما، وهكذا دخلت الكثلكة العراق وكان أهل قره قوش أول من اعتنقها سنة 1761م وبعد اواسط القرن التاسع عشر امتدت إلى برطلة فالموصل([68]).

  • مار يعقوب البرادعي:

لمع في سماء الكنيسة السريانية في القرن السادس مجاهد رسولي كبير هو مار يعقوب البرادعي([69]): ولد في بلدة (تل موزل)([70])، واسم أبيه القس ثيوفيلس بن معنو. ودرس وترهّب في دير فسيلتا المجاور لبلدته، ورسم كاهناً، واشتهر بالزهد والتقى. ولقب بالبرادعي لاتشاحه بثوب رثّ يشابه البردعة في سذاجته وخشونته. وكان غيوراً على الإيمان فتوجّه والراهب سرجيس إلى القسطنطينية للدفاع عن العقيدة، وذلك سنة 527 ومكثا هناك خمس عشرة سنة بضيافة الملكة تيودورة. وفي تلك الفترة قدم إلى القسطنطينية الحارث بن جبلة ملك الغساسنة العرب وطلب من الملكة تيودورة إرسال أساقفة إلى المقاطعات الخاضعة للامبراطورية البيزنطية. فطلبت الملكة من ثيودوسيوس البطريرك الاسكندري المنفي في القسطنطينية، فقام هو وأنتيموس بطريرك القسطنطينية وبعض الآباء برسامة يعقوب البرادعي مطراناً على الرها وبلاد الشام وآسيا، والراهب تيودور العربي مطراناً على العرب ومركزه بصرى([71]) وكان ذلك سنة 543 أو 544م. فشمّر مار يعقوب عن ساعد الجد وأخذ يتنقل سيراً على قدميه بسرعة فائقة وعجيبة، متنكراً، متخفياً، لأن السلطات البيزنطية كانت تلاحقه. فطاف بلاد الشام وأرمينية وآسية الصغرى وقبرص ورودوس وخيوس ومصر والنوبة والحبشة وبلاد ما بين النهرين وفارس وغيرها. وكان قد اهتم برسامة أسقفين اشتركا معه برسامة سبعة وعشرين أسقفاً طبقاً للقانون الكنسي، وثبّت أبناء الكنيسة السريانية على الإيمان الذي أقرته المجامع المسكونية الثلاثة وهي: مجمع نيقية المنعقد عام 325م، ومجمع قسطنطينية المنعقد عام 381، ومجمع أفسس المنعقد عام 431 ورسم آلاف الكهنة والشمامسة. وهكذا توطدت أركان الكنيسة السريانية بفضل هذا المجاهد الرسولي الكبير فنعتها أعداؤها بغضاً وحنقاً باسم اليعقوبية، وذلك في مجمعهم السابع في القرن الثامن للميلاد وغايتهم من هذا النعت الدخيل النيل من كرامة هذه الكنيسة الرسولية العريقة وهي سريانية أي مسيحية أرثوذكسية. وهي مع افتخارها بيعقوب البرادعي تستنكر النعت الدخيل لأن يعقوب لم يؤسسها ولم تتسلم منه عقيدة جديدة أو مذهباً جديداً إنما كان هذا الرجل البار أحد أبطالها الذين ثبّتوا أبناءها على إيمانها الذي انحدر إليها من الرسل، ووقفوا بوجه الظلم البيزنطي، وطغيان المضلين. قال روبنس دوفال المستشرق الفرنسي في كتابه (الأدب السرياني): «إن اسم اليعقوبية هو من وضع يوناني أطلقه خصوم يعقوب على حزبه. أما هم فيسمّون أنفسهم باسم الأرثوذكس([72])».

وهكذا وطّد مار يعقوب أركان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وانتقل إلى جوار ربه بشيخوخة صالحة، في دير مار رومانس المعروف بدير قسيون بمصر، وهو في طريقه إلى الاسكندرية لزيارة دميان بطريركها، وكانت وفاته في 30 تموز عام 578م([73]) ودفن هناك. وفي سنة 622م نقل جثمانه من هناك إلى دير فسيلتا المجاور لبلدة تل موزل بهمة زكا مطران هذه البلدة وعيّدت له الكنيسة.

 

وكان مار يعقوب البرادعي عالماً جليلاً حالت الخدمة الرسولية دون غزارة إنتاجه الأدبي، وقد وصل إلينا من مؤلفاته نافورا (كتاب قداس) نشر رينودوت ترجمتها اللاتينية. ومما يعرف أنّ له رسائل متفرقة كتبها باليونانية ووصلت إلينا ترجمتها السريانية. وينسب إليه شرح للعقيدة انتهى إلينا نصه العربي وترجمته الحبشية، كما وضع ترتيلة لعيد البشارة([74]).

ولم تنته اضطهادات المملكة البيزنطية للكنيسة السريانية إلاّ بتحرير العرب بلاد المشرق من حكم البيزنطيين في النصف الاول من القرن السابع للميلاد([75]).

ولابد أن نذكر أيضاً ان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تستنكر تسمية (المونونوفيزيتية) التي هي (الاوطاخية) المعتقدة باستحالة الطبيعة الناسوتية في المسيح إلى الطبيعة الإلهية وامتزاجها بها وتبلبل خواصها. والكنيسة السريانية الأرثوذكسية تنبذ اوطاخي وتعاليمه وتطبع على غرار مار كيرلس الاسكندري بالاعتقاد أن السيد المسيح كامل بالناسوت وكامل باللاهوت وله طبيعة واحدة من طبيعتين متحدتين بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة([76]).

  • الكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليوم:

يربو عدد أبنائها على مليوني نسمة. تقطن الأغلبية الساحقة منهم في الهند، والباقي ينتشرون في سورية، ولبنان، والعراق، والأردن، وتركيا، ومصر، واوربا والأمريكيتين، واستراليا.

ويرأسها قداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث([77])، ويعتبر قداسة البطريرك الأب العام لجميع السريان الأرثوذكس في العالم، تجب  طاعته على المطارنة والأساقفة والكهنة والرهبان والشمامسة والشعب قاطبة. وينادى باسمه قبل اسم الجاثليق في الهند، والمطارنة في سائر الأبرشيات في أثناء القداس الإلهي وفي ختام الصلوات اليومية وفي الاحتفالات الدينية والخدمات الكنسية، كالرسامات. ولقبه قداسة الحبر الأعظم مار إغناطيوس (فلان) بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية الجامعة، (في العالم). ومن حقوقه الدينية، رسامة الجاثليق والمطارنة والأساقفة المنتخبين شرعاً، وتقديس الميرون، على أن يعاونه في ذلك على الأقل إثنان من المطارنة، كذلك له حق عقد المجامع، وهو رئيس المجمع المقدس (السنودوس) ولا يمكن عزله إلا إذا ابتدع بدعة في الدين المسيحي والإيمان الأرثوذكسي المقرر من المجامع المسكونية الثلاثة (نيقية وقسطنطينية وأفسس) وتعاليم الآباء القديسين، أو خالف قوانين الكنيسة أو أصيب بمرض عقلي لا يمكن شفاؤه أو ساءت سيرته.

والبطريرك مسؤول تجاه المجمع المقدس المؤلف من مطارنة أبرشيات الكرسي الرسولي الأنطاكي ويعتبر المجمع المقدس برئاسة البطريرك السلطة العليا في الكنيسة، ففيه يتم انتخابه، وتنصيبه، وإقرار انتخاب المطارنة والأساقفة، والتحقيق معهم ومحاكمتهم في حالة مخالفتهم العقيدة والقوانين البيعية، ونقلهم من أبرشية إلى أخرى، وعزلهم، وقبول استعفائهم، وكذلك تأسيس ابرشية جديدة، أو إلغائها. ويعتبر اجتماع المجمع المقدس قانونياً اذا اجتمع فيه ثلثا المطارنة وتتخذ قراراته بالاكثرية وتعتبر نافذة بعد تصديق البطريرك عليها([78]).

وتتألف الكنيسة اليوم من إحدى وعشرين أبرشية، ما عدا أبرشيات الهند، ويرأس كلا من هذه الأبرشيات مطران يدبر شؤونها الروحية، ويرسم لها الكهنة والشمامسة والرهبان ويكرس المذابح والهياكل، ويقدس الزيت المقدس للعماد ويسنّ القوانين المحلية التهذيبية لخير أبرشيته وله مجلس كهنوتي ومجالس ملية واستشارية.

وتحافظ الأبرشيات على الإيمان الأرثوذكسي وتتمسك بالتقليد الرسولي القديم وتمارس الطقوس البيعية باللغة السريانية إلى جانب اللغات المحلية.

لقد كان لهذه الكنيسة في الأزمنة الماضية مئات الأديرة، بقي منها اليوم عدد مازال عامرا، أشهرها في الشرق الأوسط:

1ـ دير مار متى قرب الموصل في العراق.

2ـ دير مار كبرئيل في طورعبدين ـ تركيا، يعود تاريخهما إلى القرن الرابع للميلاد.

3ـ دير مار حننيا (الزعفران) في ماردين ـ تركيا، الذي أسس في القرن السادس للميلاد. وفي كل من الديرين الأخيرين مدرسة اكليريكية ابتدائية.

4ـ ودير مار مرقس في القدس الذي يعد من مفاخر المسيحية اذ هو «العلية» التي أكل فيها السيد المسيح الفصح مع تلاميذه حسبما ظهر من رقيم اكتشف في كنيسة الدير سنة 1940م يعود تاريخ كتابته بالسريانية إلى ماقبل القرن السادس للميلاد وقد جاء فيه ما ترجمته «هذا هو بيت مريم أم يوحنا الذي دعي مرقس» وللكنيسة معهد لاهوتي في العطشانة([79]) ـ لبنان، ومعهد آخر في الهند.

والكنيسة السريانية الأرثوذكسية اليوم آخذة بالنمو، والتقدم والازدهار؛ قال فيها أحد المؤرخين الروم الأرثوذكس مايأتي: «السريان شعب نشيط، عامل، مقتصد، لذلك قلما ترى فيه متسولاً. وبالرغم من الأزمات الشديدة التي مرّت به ما برح محافظاً على مركزه الاقتصادي لحبه الدأب  في العمل، وبعده عن تقليد الغربيين بالإسراف والبذخ»([80]). وقال مؤرخ بحاثة من الكنيسة الأسقفية في القرن الماضي، ما يأتي: «ليس من الصعب على العناية الربانية أن يمد هذا الشعب جذوره في الارض ثانية ويحمل ثماراً كثيرة إذ قد تحرر من سيطرة عقيدة غريبة، وسطوة أجنبية، ومن الظلم والاضطهادات القاسية التي احتملها لمدة طويلة، فهو في الوقت الحاضر يمثل الكنائس القديمة التي كانت في عصر غابر نضرة في شرق البلاد وجنوبها»([81]).

والكنيسة السريانية الأرثوذكسية عضو في مجلس الكنائس العالمي، انضمت اليه عام 1960 بهمة قداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث، ويمثلها اليوم كاتب هذه السطور في لجنة المجلس المركزية([82])، وهي عضو في المجالس الكنسية المحلية، وتتعاون مع سائر الكنائس المسيحية، وتشترك في الحوار اللاهوتي المسكوني على النطاق الرسمي والخاص.

  • الخاتمة:

هذه صورة صادقة، قد تكون غير متكاملة، رسمتها لكنيسة أنطاكية، كنيسة الشرق الاصيلة ذات الشخصية المعنوية الكاملة من حيث الإيمان والعقيدة والليتورجية والخدمة ونشر البشارة الإنجيلية إلى أقصى الشرق، الكنيسة التي مزقت الانقسامات جسمها، وكلي أمل أن نرجع إلى مصادر تاريخها وندرس بامعان اسباب تفكك أعضائها وتمزق شملها، والنفور الذي دب في صفوفها فتعددت أسماؤها واختلفت اتجاهاتها. وبالصلاة، والحوار، يلم شعثها، ويداوى جرحها، وتعود شركة الإيمان بين فرقها فتزول الحروم واللعنات وتحل البركات، وتتحقق وحدتها كما كانت في فجر المسيحية وفق روح الإنجيل القائل: «أن يكون الجميع واحداً».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هوية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية

وحقوق أعضائها من الإكليروس والعلمانيين وواجباتهم)*(

 

أيها الحضور الكرام:

من المفيد جداً، أن نذكِّركم بهوية كنيستنا المقدسة، كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، التي أسس كرسيها الرسولي في أنطاكية عاصمة سورية القديمة، القديس مار بطرس هامة الرسل عام 37م فهي إذن كنيسة سورية. ويُسمى أبناؤها سرياناً نسبة إليها، وكانوا في فجر النصرانية أقواماً يقطنون بلاد ما بين النهرين العليا والسفلى، ويدينون باليهودية أو الوثنية، وكانت لغتهم السريانية الآرامية لغة سورية القديمة، وتنصروا على يد بعض الرسل والتلاميذ الذين تشتّت شملهم في القدس على أثر استشهاد مار استيفانوس رئيس الشمامسة. وجاء العديد منهم إلى أنطاكية حاملين بشارة الإنجيل المقدس فتنصّر على أيديهم جمهور من اليهود والوثنيين. ورسم لهم مار بطرس أسقفين هما مار أفوديوس على المسيحيين الذين من أصل أممي وثني، ومار إغناطيوس النوراني على المسيحيين الذين من أصل يهودي. ووحد مار إغناطيوس الفريقين، بعد انتقال مار أفوديوس إلى الخدور العلويّة، وأطلق على الكنيسة صفة «الجامعة» وهو أول من استعمل هذه اللفظة كنعت للكنيسة.

  • لغة الكنيسة السريانية:

استخدم آباؤنا السريان الميامين لغتهم السريانية الآرامية في التبشير بالإنجيل المقدس، واستطاعوا أن يوصلوا بشارة الخلاص إلى بلدان الشرق الأوسط والهند والصين والحبشة وغيرها من بلدان العالم بلغتهم السريانية هذه بوضوح وبساطة، وبها نظموا الأناشيد، ووضعوا الصلوات، وكتب طقس القداس الإلهي، كما نقلوا إليها الثقافات العالمية، ومنها إلى لغات شتّى. والسريانية هي لغة كنيستنا الرسمية والطقسية حتى اليوم، والحفاظ عليها، وتعليمها اولادنا، أمانة مقدسة في أعناقنا. ذلك أنها اللغة المقدسة التي تكلّم بها ربنا يسوع المسيح وأمه المباركة العذراء مريم، ورسله القديسون.

  • سلطة الكرسي الرسولي الأنطاكي:

يحتلّ الكرسي الرسولي الأنطاكي مكانة مرموقة في المسيحية، وفي دراستنا تاريخ الكنيسة عبر العصور، نجد أن المفهوم الجغرافي لسلطته كما حددها مجمع نيقية (325) قد تعدّ الحدود الجغرافية القديمة، ذلك أن السريان قد انتشروا في سائر أرجاء العالم فصارت سلطة الكرسي الرسولي الأنطاكي تطالهم وتشملهم حيثما حلّوا، وأينما وجدوا.

  • العضو الحي في الكنيسة السريانية:

إن العضو الحي في جسم الكنيسة السريانية، هو من تمسك بالإيمان الأرثوذكسي المستقيم الرأي الذي تسلّمناه من آبائنا القديسين، والعقيدة السمحة المحددة في المجامع المسكونية الثلاثة المنعقدة في نيقية 325 وقسطنطينية 381 وأفسس 431 كما يلتزم بالتقليد السرياني الأرثوذكسي ويخضع لرئاسة الكنيسة الروحية الشرعية.

أيها الأحباء:

بصفتنا خليفة مار بطرس هامة الرسل نخاطبكم بذات الكلمات التي خاطب بها مار بطرس المؤمنين المتغربين قائلاً: «…إلى المتغربين… المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح لتكثر لكم النعمة والسلام»(1بط 1: 1و2)

  • الجسد الواحد:

نحن السريان الأرثوذكس جميعاً واحد في ربنا يسوع المسيح. وفي كنيستنا التي هي جسد المسيح السري، وفي كرسينا الرسولي الأنطاكي المقدس الذي يجسّد الرئاسة الروحية العليا للكنيسة، ونحن ولئن كنا ننتمي إلى أقوام عديدة، وقوميات مختلفة، وحضارات متباينة، ولغات شتى، غير اننا واحد في تراثنا الرسولي وعقيدتنا الدينية، ولغتنا السريانية، والرئاسة الروحية العليا، وقد سفك آباؤنا دمهم الكريم في سبيل الحفاظ على هذه المبادئ، وتوفير الحرية بالمسيح يسوع ربنا.

  • معنى الحرية:

إن الحرية الحقيقية في مفهومنا الروحي هي أن نحيا بموجب ناموس الرب وأحكامه، أي أن نسلك الطريق المستقيمة بالبر والقداسة ومخافة الله، متمسكين بالإيمان الصحيح، ودستور الكنيسة وقوانينها، ونظمها، وبذلك نكون مثالا صالحاً للمواطنين في اوطاننا حيثما كنا.

  • الرتب الكهنوتية والشعب:

تتألف كنيستنا من ذوي الرتب الكهنوتية، والشعب المؤمن. وان السلطة في الكنيسة هي دينية محضة محصورة بذوي الرتب الدينية الذين يؤلّفون الكنيسة المعلمة والمدبّرة والقاضية والمترئسة، وقد عناها الرب يسوع بقوله للرسل: «الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني»(لو 10: 16) كما عناها بقوله للذي أخطأ أخوه بحقه وعليه أن يعاتبه قائلاً: «إن لم يسمع منهم فقل للكنيسة وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشّار، الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء» (مت 18: 17و18). أما العلمانيون الذين ليسوا من طغمة الإكليروس فلهم دورهم المحدّد الذي يلعبونه على المسرح الكنسي، ولكن الكنيسة ليست مؤسسة دنيويّة علمانية، أو جمعية اجتماعية، أو خيرية، إنما هي مؤسسة روحية تستمد سلطتها من السماء. فلا سلطة دينية روحية واجتماعية في الكنيسة سوى السلطة الكهنوتية. وإن جميع المؤسسات ضمن الكنيسة إنما تستمدّ حق وجودها وعملها من هذه السلطة الكهنوتية، وإلا اعتبرت جسماً غريباَ في الكنيسة، ترفضه، بصرف النظر عن الغاية التي وجدت هذه المؤسسة من أجلها، والهدف الذي ترمي إليه. ومهما كانت السبل التي تسلكها سليمة، فهي غريبة عن الكنيسة ما لم تستمد شرعيتها من الرئاسة الروحية. فحذار ممن يحاول تفريق الصفوف في الكنيسة بالتظاهر بتوحيدها.

  • الكنيسة على مفرق طريقين:

تقف كنيستنا اليوم على مفرق طريقين، وعليها أن تختار أحدهما، فإما أن تعود إلى ينابيعها الأصيلة الصافية، فتتمسك بتقاليدها القديمة الشريفة، وتبقى مستمرة بممارسة الفضائل السامية الني تحلّى بها آباؤنا الميامين، أو أن تتبع النظريات الجديدة التي تحاول هدم أركان ملكوت الله، وبلبلة الوضع الإلهي في تدبير الكنيسة. لقد اخترنا والحمد لله أن نرفض كل نظرية غريبة وبعيدة عن تراثنا وتاريخ كنيستنا المجيد، ولا نقبل أبداً تشويه هويتنا، وإفساد تراثنا الحضاري النفيس. وان إيماننا لمتين، بأن الكنيسة التي أسسها الرب يسوع على صخرة الإيمان الصلدة الثابتة، لن تتزعزع أبداً، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.

علينا أن نتطلّع إلى مستقبل أفضل لكنيستنا المقدسة، وذلك بوضع دراسات وافية وكافية تكون بمثابة مخططات مبرمجة للعمل الروحي فيها وتطبيق ذلك عملياً.

  • وضع دستور الكنيسة وتطبيقه:

إن لكل مؤسسة دستوراً خاصاً بها وأنظمة تسير بموجبها ولكل دستور أو قانون حقائق ثلاث، اولا: حق من يسنّ هذا الدستور. ثانياً: حق من يعلنه. ثالثاً: الملتزم به أي الذي عليه أن يسير بموجبه. فدستور كنيستنا يضعه المجمع المقدس برئاسة البطريرك وله حق تعديله وتنقيحه، وللبطريرك أيضاً حق إعلانه على أبناء الكنيسة كافة ليكون ملزماً لهم جميعاً وعلى المؤمنين واجب الطاعة والعمل بهذا الدستور أو القوانين الكنسية والنظم والأحكام البيعية.

لقد تسلمنا من آبائنا القديسين، أن علينا أن نخضع لقرارات المجامع المقدسة، العامة، والمكانية المنعقدة برئاسة البطريرك، التي لقراراتها قوة الإلزام على الكنيسة عامة. كذلك فلكل أبرشية مجلس روحاني يتألف من مطرانها وكهنتها، ومجلس ملي علماني له نظام داخلي يسير بموجبه، وضعه المجمع المقدس وصدقه قداسة البطريرك، وللمجلسين الروحاني والملي سلطة لوضع أنظمة داخلية لا تتعارض ودستور الكنيسة ونظامها العام وأحكامها وقرارات المجامع المقدسة. كما لا تتعارض وقوانين البلاد التي توجد فيها تلك الأبرشية.

  • وجوب الصلاة والتضحية:

إن ربنا يسوع المسيح علمنا البذل والتضحية، وصار لنا مثالاً، فعلينا أن نضحي بوقت فراغنا، وحتى بالوقت الذي نظنه ثميناً جداً، وذلك في سبيل الله وعبادته تعالى بالروح والحق. فعلينا ألاّ نتذمّر لعدم وجود وقت فراغ كاف للاشتراك بالصلاة العامة في الكنيسة فإننا ما لم نكن أسخياء مضحّين بوقتنا الذي نقضيه بالصلاة للّه لأجل الكنيسة، لا نملك التضحية الكافية في سبيله تعالى.

إنه لواجب على ذوي الرتب الكهنوتية كافة أن يقيموا الصلوات الفرضية، صباح مساء، بموجب تقليد كنيستنا المقدسة، وعليهم أن يضحّوا بوقتهم لتمجيد الله، وطلب الرحمة منه تعالى لأجل أنفسهم ولأجل الرعية التي اؤتمنوا على رعايتها ولنجاح الكنيسة وتقدمها وازدهارها.

ما لم نضحّ بوقتنا وبما نملكه من مال وممتلكات، كما ضحت الأرملة، التي قدمت لخزانة الهيكل فلسي النحاس، أي كل ما كانت تملكه، فنحن لا نعدّ أسخياء كرماء أمام وجه الله.

كذلك ما لم تضحِّ الكنائس المحلية، وتقوم بواجبها نحو الأبرشية ككل، لا تكون مخلصة للأبرشية، وعلى الأبرشيات أيضاً أن تقوم بواجبها إزاء الكرسي البطريركي المقدس. وبذلك تكون مثالاً صالحاً لوحدة الكنيسة. فعلينا أن نشعر بأننا جسد واحد كوحدة الشجرة وأغصانها.

 

  • الطاعة خير من الذبيحة:

على كل أتباع السيد المسيح أن يتمثلوا به له المجد بطاعته لأبيه السماوي. إن شعار الكنيسة الخالد هو قول الكتاب المقدس: «إن الطاعة خير من الذبيحة»(1صم 15: 22) فواجب الرئاسات الروحية المحلية أن تعطي الكرامة بعضها لبعض بموجب قوانين الكنيسة، وكذلك على العلمانيين أن يكرموا ذوي الرتب الكهنوتية، لكي يسود النظام في الكنيسة في كل مكان.

  • السيد المسيح مثالنا:

إن ربنا يسوع المسيح هو مثالنا في الحياة بتواضعه ومشاركته آلام الناس وآمالهم، أفراحهم وأتراحهم، وبمحبته للأطفال الصغار ومباركته إياهم، وحديثه مع الشبان، ومسامحته للخطاة وقد أمرنا بأن نقتدي به بقوله: «احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هين وحملي خفيف»(مت11: 29و30).

أيها الأحباء:

إنكم كأعضاء في كنائسكم المحلية تتكون منكم الرعايا المحلية، فأنتم أخوة وأخوات دعيتم جميعاً لتتبعوا السيد المسيح وتقتفوا خطواته متمثلين به حيثما كنتم في الكنيسة أو البيت أو العمل. وهذا يعني أن كل واحد منكم على قدر الموهبة التي نالها من الله، عليه أن يعمل لمجد اللّه تعالى مسخّراً تلك الموهبة لما فيه المصلحة العامة للمجتمع الذي يحيا فيه. وعلى كل واحد منكم أن يشعر بأنه مؤتمن على ترسيخ فكره، وذهنه، وقلبه، في الفضائل السامية لتنسجم حياته مع مشيئة الله تعالى.

  • الرعية والكاهن:

إننا نعظكم لكي تتفاعلوا في الحياة الروحية ضمن الرعية التي أنتم أعضاء حية فيها، فتشاركوا أخوتكم وأخواتكم في هذه الحياة الروحية، لتكونوا جميعاً، قلباً واحداً، وفكراً واحداً مع كاهنكم الذي تدعونه «أبانا» ولا بد من أن نذكر أن ما يميز كنيستنا المقدسة عن غيرها من الكنائس، هو الدور الروحي الرئيسي الذي على الكاهن أن يقوم به في الرعية، فهو أب روحي لكل عضو من أعضاء العائلة المنتمية إلى هذه الرعية، وعلاقته مع كل فرد منهم عميقة وقوية. وكما كنتم في وطنكم الأم، هكذا يجب أن تستمروا في المهجر محافظين على هذه العلاقة الروحية بين الكاهن وأبناء الرعية وبناتها، كباراً وصغاراً، وعلى ذوي الرتب الكهنوتية أن يقوموا بخدماتهم الروحية لاولادهم الروحيين بهمة عالية وغيرة ونشاط لأن هؤلاء المؤمنين هم الحجارة الناطقة التي منها يشيِّد بنيان الكنيسة الروحي.

  • سر الزواج:

وفي مجال كلامنا عن العائلات لا بد لنا من أن نذكر شيئاً عن سر الزواج أحد أسرار الكنيسة السبعة المقدسة، الذي يجب أن نحافظ على تكريمه حيثما كنا في الوطن والمهجر. مقتدين بآبائنا، في الوطن الأم، الذين مارسوه بطهر وعفاف عبر الدهور والأجيال.

  • تربية الاولاد:

إن الهدف الاول والأهم من سر الزواج هو إنجاب الاولاد، وعلى الوالدين أن يولدوا اولادهم لا بالجسد فقط، بل بالروح أيضاً. ليولد هؤلاء الاولاد من السماء بالمسيح يسوع ربنا، ويصيروا اولاداً لله بالنعمة، وورثة لملكوته السماوي. إن الواجب الملقى على عاتق رعاة الكنيسة والوالدين هو أن يتعاونوا معاً على تنشئة هؤلاء الاولاد نشأة مسيحية صالحة. فإن السيد المسيح يعطي المكانة المرموقة والأهمية الكبرى في المجتمع لهؤلاء الاولاد بقوله: «من قبل واحداً من اولاد مثل هذا باسمي يقبلني، ومن قبلني، فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني» (مر 9: 37).

  • مرحلة الشباب:

إن مرحلة الشباب عزيزة على قلب ربنا يسوع المسيح. فعندما تجسد له المجد، آخذاً كل مالنا ما عدا الخطيئة، قام بجميع تدابيره الإلهية العلنية بالجسد على الأرض، في فترة شبابه. وهو الآن أيضاً يرغب في أن يعمل بوساطة الشباب ما فيه خلاص الناس. فعلى أبنائنا الروحيين الشباب السريان أن يهتموا كثيراً بالفعاليات الروحية والاجتماعية، ضمن الكنيسة، وليعلموا أن «أول الحكمة مخافة الرب» كقول الحكيم سليمان، ونضيف إلى هذا القول أن مخافة الرب هي أيضاً نهاية الحكمة وخاتمتها.

  • المرأة في الكنيسة:

تمنح كنيستنا السريانية الأرثوذكسية المرأة حقوقها الدينية والاجتماعية وتقرّ بفضلها، وتكرّمها خاصة بشخص القديسة مريم العذراء التي حملت في أحشائها الإله المتجسد، وولدته بصورة عجيبة، فدعيت والدة الله. وإن الرب يسوع المسيح بعد قيامته من الاموات شاء أن يظهر أولا للمرأة. كما أن بعض السيدات خدمنه وتلاميذه لمّا كان بالجسد يجول في الأرض يصنع خيراً. وهكذا رأينا المرأة قد احتلت مكانة مرموقة في الكنيسة السريانية، فهناك الشماسات والراهبات الفاضلات، وشهيدات العفة والدين، وأمهات الآباء القديسين، فإذا كانت السيدات عضوات صالحات في كنيسة الله سيكون اولادهن أيضاً صالحين، وبإمكان السيدات أن يساعدن في تقدم الكنيسة والمجتمع، فبإمكانهن أن يدربن فرق التراتيل في الكنائس، وأن يلقين الدروس الدينية في مراكز التربية الدينية أو مدارس الأحد كما يسمّيها بعضهم في المهجر، وأن يؤلفن اللجان الخيرية لخدمة الفقير واليتيم والأرملة، وأن يقدمن الآراء الصائبة بما يؤول إلى تقدم المجتمع الكنسي وازدهاره لذلك نحث بناتنا الروحيات ليبذلن جهدهن للقيام بالواجب الملقى على عاتقهن في خدمة الكنيسة.

  • عالم اليوم المضطرب بحاجة إلى سلام:

إن الحقيقة المريرة التي لا يختلف فيها اثنان، إن عالم اليوم مختل النظام وغير مستقر أبداً. وبتسليمنا بهذه الحقيقة، قلّما نعترف بأن العالم هو انعكاس الضمائر البشرية، وهذا ليس أمراً خاصاً بجيلنا فقط، بل هو لكل الأجيال السابقة واللاحقة، ولكن جيلنا يتميز عما سبقه بكونه سريع التغيير، والتحوّل، والتبدّل. فإن المشاكل التي تواجهنا مادياً وروحياً هي أكثر تعقيداً مما واجه البشر في الأجيال السابقة، القريبة والبعيدة. ولذلك فبإمكاننا أن نعلن للمسؤولين في البلدان المتطورة جداً، بأن الكائن البشري لديهم قد تحول إلى آلة صمّاء. فبينما هم يتقدمون كثيراً تكنولوجياً بتطور سريع، في مجالات شتّى، وأماكن عديدة، يفقدون أموراً مهمة جداً في مجالات أخرى فيزداد شقاء الإنسان على الأرض. إننا نؤمن أن ربنا يسوع المسيح هو الدواء الشافي، والجواب الوافي، لمجابهة المشاكل المعقّدة، والتغييرات الصعبة، التي فرضتها المدنية الحديثة، وسلبت بذلك الإنسان سعادته. وإن الدور الذي على الكنيسة أن تلعبه اليوم بتقديم المسيح يسوع ملك السلام، ليهب سلامه الروحي للإنسان المعاصر، في حياته اليوميّة، هذا الدور له أهمية كبرى. وما نحتاج إليه الآن هو التوبة الصادقة أي التجديد الروحي الذي يصير لنا خير وازع يدفعنا للعمل بجديّة تامة، وشجاعة فائقة لإيجاد عالم جديد مليء بالسلام، لأن السلام أهم ما يحتاجه العالم اليوم. وإننا في هذا الميدان نحثّكم أيها الأحباء لتشاركونا الصلاة إلى الله تعالى لينير عقول قادة العالم وقلوبهم ليسعوا عاملين من أجل توطيد أركان العدالة الاجتماعية، والسلام العالمي، في أقطار المسكونة قاطبة.

  • الوحدة المسيحية:

إننا نعيش في عصر الحركات المسكونية، ويعتقد أغلب المسيحيين أن الوحدة المسيحية هي المطلب الرئيسي، والغاية الفضلى، والهدف الأسمى لإتمام أمنية الرب يسوع في صلاته الأخيرة «أن يكون الجميع واحداً». وإن انقساماتنا قد غدت عثرة للآخرين. وإن أساس الوحدة المسيحية هي المحبة للّه والقريب. وإذا كنا كمسيحيين لا يحبّ بعضنا بعضاً، فكيف نستطيع أن نكون شهوداً صادقين للمسيح يسوع ربنا؟ وتظهر ثمار المحبة الحقيقية في حياتنا اليومية فالرسول بولس يقول: «المحبة تتأنى وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ، ولا تقبّح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظنّ السوء، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق.. المحبة لا تسقط أبداً»(1كو 13: 4 ـ 8) فلنصلِّ دائماً لنكون محبين بعضنا بعضاً كأعضاء في جسد المسيح السري الذي هو الكنيسة. وأن نحبّ الناس كافة.

كما علينا أن نسعى إلى تحسين العلاقات بين الكنائس، وبينها وبين ذوي الإرادة الصالحة، من أتباع الأديان الأخرى، والمجتمعات العالمية والنعمة معكم جميعاً آمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

علاقة كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية)*

( بسائر الكنائس المسيحية وأضواء على الحوار بينها وبين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ([83])

 

  • الكنيسة السريانية الأنطاكية:

الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هي كنيسة أنطاكية، وبالتالي فهي كنيسة سورية، ويعتبر السريان ـ إن صح التعبير   سوريين مذهباً. ويؤيد المؤرخون الثقات أن هذه الكنيسة نشأت بُعيد ميلاد كنيسة القدس وأن الرسول بطرس أسس كرسيه الرسولي في أنطاكية يوم بشرها على مرحلتين حيث بشر اليهود اولاً فتنصروا، وبعد تنصر كرنيليوس ابتدأ بتبشير الوثنيين من السريان والعرب والجالية اليونانية. فلا يحق لقوم من هؤلاء الأقوام أن يدّعي أنه لوحده يؤلف كنيسة أنطاكية، فكنيسة أنطاكية تتألف من هذه الشعوب كلها.

وكانت لغتها، اللغة السريانية، لغة سورية القديمة، التي قدسها الرب يسوع إذ تكلم بها فقط، ويخبرنا التاريخ أن الرسولين بطرس وبولس رسما أسقفين على أنطاكية هما أفوديوس للأمم، وإغناطيوس لليهود المتنصرين، ثم توحد الجانبان تحت رئاسة إغناطيوس بعد سنة 68م. فدعا إغناطيوس هذه الكنيسة بالجامعة. كانت سلطة الأسقف الأنطاكي تمتد إلى الشرق كله وعندما نشأ النظام الكنسي في تدبير الكنيسة بالتفاف الأساقفة في القرى والمدن الصغيرة حول أسقف العاصمة كان يحكم العالم روحياً ثلاثة أساقفة أخذوا امتيازاتهم من الامتياز الذي نالته هذه المدن مدنياً واجتماعياً وسياسياً. وهذه الكراسي هي: رومية والاسكندرية وأنطاكية. وهؤلاء الأساقفة الثلاثة، أُضيف إليهم بعدئذ أسقف القسطنطينية، في مجمع القسطنطينية عام 381م، وكانت لهم مكانة مرموقة في المسيحية. وكانوا متساوين في السلطة، كما يثبت المؤرخون الثقات. وعند تنصيب أحدهم، كان يطلب يمين الشركة من إخوته لا لرسامته، بل لتثبيته كشريك لهم في الإيمان.

  • عقد المجامع لحل الخلافات:

وإذا ما كان يقع خلاف بين المؤمنين كانت المجامع المكانية تحكم في ذلك. وإذا ما كان يقع شك في الإيمان في مكان ما، كان الأساقفة يسعون لتثبيت الإيمان الحق بحسب الشهادة التي أخذتها كنائسهم عن الرسل.

ولكن عندما كانت تظهر هرطقة، وتعم وتنتشر، يعقد المجمع المسكوني، الذي يُظهر شهادات الكنائس كافة فيعلن الحق حينذاك ويزهق الباطل، وتحرم الهرطقة، وتنبذ نبذ النواة، ويتمسك أبناء الكنيسة بالإيمان القويم.

وفي القرون الثلاثة الاولى للميلاد، كانت تظهر خلافات بين الأساقفة كما كانت تظهر بين الكنائس. ولا عجب فقد اختلف بولس وبرنابا بسبب مرقس وانفصل أحدهما عن الآخر (أع 15:2 ـ 35) وبولس أيضاً اختلف مع بطرس (غلا 2: 11) ويكتب بولس إلى أهل كورنثوس بهذا الصدد قائلاً: «ولكنني أطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا قولاً واحداً ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد. لأني أخبرت عنكم يا إخوتي من أهل خلوي أن بينكم خصومات فأنا أعني هذا أن كل واحد منكم يقول أنا لبولس وأنا لأبلوس وأنا لصفا وأنا للمسيح. هل انقسم المسيح، ألعلَّ بولس صلب لأجلكم أم باسم بولس اعتمدتم» (1كو 1: 10 ـ 13).

وكذلك عبر التاريخ نرى الأنانية تبرز بين أساقفة الكنيسة وشعبها، لأن إبليس لم يُلقِ أدوات الحرب، ويهمه جداً محاربة أساقفة الكنيسة بخاصة لكي يستولي على كنيسة الرب. ولكن الرب له بالمرصاد.

وفي القرون الثلاثة الاولى إذ كانت الاضطهادات عنيفة ضد المسيحية، بقيت المسيحية ثابتة على عقيدتها السمحة، أما في القرن الرابع، وأغلبنا يرى في القرن الرابع نعمة عظيمة للمسيحية بتنصر قسطنطين، ولكن بعضنا يعلم أن تنصر قسطنطين قهقر الكنيسة إلى الوراء وجعلها تتمسك بالعالم أكثر من السماء، فاعتبر رعاتها أنفسهم لا خداماً للكلمة بل رؤساء وأمراء، ودخل الكنيسة ألوف مؤلفة من الناس بل ملايين ممن لا يستحقون أن يدعوا مسيحيين، وأخذ الإمبراطور الألقاب والامتيازات التي كانت له في الوثنية لتتلبّسها المسيحية.

وفي القرن الرابع بدأت البدع والهرطقات تتضخم، والسياسة تتدخل في الدين فأفسدت عليه طريقته القويمة. ولكن في الوقت ذاته نرى المسيح يسوع يصون الكنيسة، والروح القدس يرشدها إلى الحق ويذكِّر التلاميذ بتعاليم الرب. أجل صانها الرب عن طريق المجامع، فرأينا دستور الإيمان النيقاوي في مجمع نيقية علم 325م يعلن لنا ألوهية الرب يسوع، ورأينا مجمع القسطنطينية عام 381م ثم مجمع أفسس عام 431م يعلنان لنا ألوهية الروح القدس ثم يثبتان الإيمان بالمسيح يسوع والعقيدة السمحة بأن العذراء مريم هي والدة الإله.

  • بدء الشقاق في الكنيسة:

وفي المجمع الخلقيدوني عام 451م بدأ انشقاق الكنيسة، وبدأ ابتعاد الكراسي الأربعة عن بعضها، وانقسمت هذه الكراسي، إلى معسكرين، وبدأت بحرب ضروس، فكانت رومية والقسطنطينية معسكراً قوياً دنيوياً لأن المملكة كانت معهما. وكانت الإسكندرية وأنطاكية معسكراً ضعيفاً يحارب بقوة الشعب، لأنه يضم السكان الأصليين لسورية ولمصر، وأقولها بصراحة ووضوح أن المؤمنين في سورية ومصر عانوا كثيراً من الاضطهادات، وقد سفكت الدماء البريئة لا من رجال الكنيسة ولا من الكنيسة، إنما من الدولة المُستعمِرة (بكسر الميم) آنذاك. وكان الخلاف عقائدياً ولكن كانت وراء هذا الخلاف العقائدي السياسة تلعب الدور الأهم، وكان الاستعمار وكان الطغيان وكان سلب هذا الشعب حنطته وغلته ورزقه، ولا يستطيع المستعمر أن يشكك الشعب برؤسائه الروحيين ما لم يتهمهم بهرطقة. وهكذا رأينا تاريخ المسيحية قد صار تاريخ انقسامات مريرة، وتاريخ حروب قاسية، تاريخ دماء بريئة كانت تسفك هنا وهناك. «ولم يكن هناك سوى المعارك» هذا ما نصف به تلك الحقبة الزمنية من تاريخ المسيحيّة.

واستمرت الكنيسة السريانية الأنطاكية، والكنيسة الإسكندرية القبطية متحدتين بالإيمان حتى اليوم، وتجاهدان في سبيل الحفاظ على ما تسلمتاه من الرسل  بالذات. والشهادة هي واحدة، واختلفت القسطنطينية مع رومية في القرن الحادي عشر كما هو معروف وبقيت الكنيسة السريانية متحدة مع أخواتها الكنائس القبطية الأرمنية، والهندية التي هي بنت السريانية وتابعة لها، والحبشية التي هي بنت الكنيسة القبطية.

  • موقف الكنائس اليوم من الشقاق:

واليوم وقد ورثنا هذه الانقسامات المريرة، ولا ذنب لنا ولا جريرة، إن الزمن كما يقال شافٍ، لذلك بدأنا نشعر اليوم بأن ما كنا نتنازع عليه ليس له أبداً أساس ديني روحي، وإننا جميعاً نعتقد العقيدة المسيحية الواحدة، ونؤمن بالإيمان الواحد. وكلنا نتمسك بغيرة الإيمان الواحد كما تسلمناه من آبائنا. لقد سمي عصرنا هذا بعصر المسكونية وعصر الانفتاح،  لا أجسر على أن أقول بعصر الوحدة، لأن موضوع الوحدة موضوع شائك وهو ولئن يشدّ إليه المسيحيين ذوي الإرادة الصالحة، ولكنه بالحقيقة صعب جداً، هو الباب الضيق، والطريق الوعرة، إنما إن كان لنا إرادة صالحة نجلس لنتأمل بتاريخنا، وندرس عقائدنا ونرى الخير في غيرنا كما نراه في أنفسنا، كثيراً ما نكتشف أن لنا عيوناً ولا ننظر، وأن لنا آذاناً ولا نسمع، لقد تشبهنا اليوم بشاول الطرسوسي الذي لغيرته على تقاليد آبائه سفك دماء المسيحيين أتباع الرب، ولكن لما ظهر له الرب وهو في طريقه إلى هذه المدينة المباركة (دمشق) يحمل رسائل من رؤساء الكهنة اليهود (من القدس) ليضطهد أتباع الرب في دمشق، ظهر له الرب، وخاطبه بلغة الوحي والإلهام والأعجوبة، فقد أشرق عليه الرب بنوره الوهاج وبغتة أبرق حوله نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له: «شاول شاول لماذا تضطهدني» كان شاول يضطهد كنيسة المسيح وبذلك اضطهد المسيح. وكنا نحن نضطهد بعضنا بعضاً ولم نعلم بأننا ونحن نحارب لأجل المسيح بحسب ظننا، نحارب المسيح بالذات. ألم يقل يوحنا فم الذهب: «ليس من شيء يثير غضب الله أكثر من انقسام الكنيسة» فانقسام الكنيسة خطيئة كبرى.

قال الرب لشاول لماذا تضطهدني؟ أجاب شاول: من أنت يا سيد؟ أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده. إنه لصعب عليك أن ترفس المهماز، قال شاول: «ماذا تريد أن افعل يا سيد.. أجابه الرب: قم ادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل فنهض شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب… وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا ظهر له الرب في رؤيا.. فجاء حنانيا بأمر الرب إلى شاول ووضع يده على رأسه وصلى عليه وقال له، أيّها الأخ شاول، لقد أرسلني الرب يسوع لأصلّي عليك لتبصر فللوقت وقع شيء من عينيه كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد..» (أع9: 1 ـ 33).

لقد سقطت من عيني شاول قشور الفريسية، قشور الكبرياء التي حطت بالإنسان إلى الدرك، وأسقطته من فردوس نعيمه إلى أرض الشقاء، سقطت قشور الأغراض الشخصية التي كانت للفريسي… فإذا كنت أشعر في مكانتي وسلطتي وهنائي وأغراضي الشخصية التي أنالها من وراء هذه السلطة، فلا أستطيع أن أرى الحق والحقيقة ما لم  تسقط القشور من عيني. لقد رأى شاول وأبصر، إن الذي يضطهده هو ماسيا المنتظر، رأى أن الذين كان يعذبهم هم إخوة له في الإنسانية وفي الإيمان أيضاً. رأى أنه كان على باطل وكانوا هم على حق…رأى أنه لابد من أن يتفق مع هؤلاء ليكون وإياهم للمسيح يسوع.

  • بعض رواد التقارب المسيحي اليوم:

في عصرنا هذا، والحمد لله، ظهر الرب يسوع لبعض رؤساء الكنائس، وسقطت القشور من عيونهم ورأوا أن ينبذوا الأغراض الشخصية وأن يستغفروا عن ذنوب آبائهم. فآباؤنا جميعاً قد أخطأوا بانقسامهم على ذاتهم، ولغيرتهم قد ابتعدوا عن ينابيع الروح القدس، ولا يستطيع أحدنا أن يدعي أنه كان على حق أو هو على حق. وآباؤنا جميعاً حادوا عن الحق دون أن يعلموا.

لقد ظهر في قرننا هذا أناس عبدوا الله بالروح والحق وأظهروا غيرة على الوحدة المسيحية، فقد عقد مؤتمر بسيط في اوربا للإيمان والنظام سنة 1912م، وتجرأ بعض المسيحيين (البروتستانت) أن يقولوا: لنسع لا يجاد الوحدة المسيحية. وظهر غيرهم سنة 1927 من الإنجيليين وبعض الأساقفة الأرثوذكس إذ عقدوا مؤتمراً في اوربا أيضاً. وكان بينهم سلفنا الأسبق الطيب الذكر البطريرك أفرام برصوم في عهد مطرنته، وبحثوا أمر التعاون المسيحي… ليقربوا وجهات النظر العقائدية بين هذه الكنائس، وليجدوا سبلا للتعاون في هذا الميدان.

وسنة 1948 تأسس مجلس الكنائس العالمي وهو يضم الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الإنجيلية، وكنيستنا السريانية الأرثوذكسية عضو فيه منذ عام 1960.

وظهر الطيب الذكر البابا يوحنا الثالث والعشرون، أحد رواد الوحدة المسيحية البارزين في عصرنا هذا، وقد حاول بعقده مجمع الفاتيكان الثاني، أن يجمع المسيحيين إلى طاولة واحدة للحوار اولا ثم للتلاقي على طريق واحدة قد تؤدي بعون الله إلى اتحاد أو وحدة.

أما كنيستنا السريانية فقد لعبت ما كان يجب أن تلعبه من دور في هذا الميدان فبدأت بتعاونها مع الكنائس المتحدة معها في الإيمان وهي الكنيسة القبطية والكنيسة الأرمنية وكنيستنا في الهند والكنيسة الحبشية، وفي مؤتمر أديس أبابا اجتمعت هذه الكنائس (من 15 حتى 21 كانون الثاني سنة 1965) بأشخاص رؤسائها وقررت التعاون في ميادين التربية الدينية، والحوار مع سائر الكنائس بدءاً من الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة.

وفي مجمع كنيسة الإسكندرية ومجمع كنيسة أنطاكية السريانية عام 1965 بحث آباء الكنيستين أمر التعاون التام، وإعادة تبادل رسائل شركة الإيمان ويمين الشركة كما قرر المجمعان المقدسان أن يذكر اسم البطريرك الأنطاكي بعد اسم البطريرك الإسكندري في الكنائس القبطية الأرثوذكسية في العالم وأن يذكر اسم البطريرك الإسكندري بعد اسم البطريرك الأنطاكي السرياني في الكنائس السريانية الأرثوذكسية في العالم. وانبثق عن مؤتمر أديس أبابا لجنة دائمة تواصل العمل لا لأجل تقدم الحوار فقط بل لأجل تقدم الوحدة التامة والتعاون بين هذه الكنائس. ولئن توقفت هذه اللجنة عن عملها لأسباب سياسية معروفة لما جرى في أثيوبيا من ثورات وانقلابات، ولكننا نأمل أن شاء الله أن تعود اللجنة إلى عملها لما فيه التقارب المسيحي.

  • نص القرارين اللذين اتخذهما مجمعا الكنيستين السريانية والقبطية بخصوص إعادة العلاقات الأخوية بينهما

القرار الذي اتخذه مجمع الكنيسة القبطية الاسكندرية المقدس في دورته المنعقدة من 8 فبراير حتى 13 منه 1965:

 

علاقة الكنيسة القبطية بالكنيسة السريانية:

كانت بين كنيسة الاسكندرية وكنيسة أنطاكية ـ على مر العصور ـ اوثق الروابط، ولقد كانت فرصة مؤتمر رؤساء الكنائس الشرقية الأرثوذكسية في أديس أبابا مناسبة مباركة أتاحت للكنيستين توطيد العلاقات التاريخية وتجديد وسائل التعاون والخدمات المشتركة بينهما، وبذلك أنهضت روح التآخي بين أبناء العقيدة الواحدة في بلاد الشرق الأوسط.

وبهذا الصدد اتخذ المجمع المقدس الاسكندري القرارات التالية:

1 ـ يعلن المجمع المقدس أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية هما كنيسة واحدة في الإيمان والعقيدة والمذهب، وليس بينهما أي خلاف في أمر من أمور الإيمان المسيحي.

2 ـ يقرر المجمع المقدس ذكر أسماء جميع الآباء بطاركة الكراسي الرسولية الأرثوذكسية المتفقة معنا في العقيدة عند تقديم الذبيحة الإلهية في القداسات بالكنائس القبطية.

3 ـ كما يقرر أن تتبادل الرسائل الإيمانية بين الكرسي الإسكندري والكرسي الأنطاكي حسب التقليد والتاريخ الكنسي.

القرار الذي اتخذه مجمع الكنيسة السريانية الأنطاكية المقدس في جلسته المنعقدة في 14 نيسان 1965:

علاقة الكنيسة السريانية الأنطاكية بالكنيسة القبطية الإسكندرية

لقد كان انعقاد مؤتمر الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في أديس أبابا فرصة مباركة أتاحت لرؤساء هذه الكنائس أن يلتقوا ويتبادلوا وجهات النظر في شتّى مجالات التعاون الأخوي. ومن ذلك، اللقاء التاريخي بين صاحبي القداسة مار إغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والأنبا كيرلس السادس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مع وفدي الكنيستين الشقيقتين السريانية الأنطاكية والقبطية الإسكندرية، الذي تمّ فيه بحث العلاقات الطيبة التي كانت تربط هاتين الكنيستين، بصورة خاصة، منذ العصر الرسولي. وتقرر مبدئياً العمل على توثيق تلك العلاقات وتجديد روح التعاون والإخوة بينهما، سيما وأن الكنيستين تشتركان في عقيدة واحدة. على أن يعرض ذلك كل من البطريركين على مجمعه المقدس ليتخذ بذلك كل منهما قراره النهائي.

ويوم الأربعاء الموافق 14 نيسان 1965 التأم المجمع المقدس في دار البطريركية العامرة بدمشق ودرس نتائج تلك المباحثات واتخذ بالإجماع القرارات التالية:

1 ـ يعلن المجمع المقدس أن الكنيستين السريانية والقبطية شقيقتان متحدتان بالإيمان والعقيدة، وليس بينهما أي فرق مذهبي أو خلاف عقائدي.

2 ـ يقرر المجمع المقدس ذكر اسم قداسة البطريرك الإسكندري إلى جانب اسم قداسة البطريرك الأنطاكي في أثناء تقديم الذبيحة الإلهية في الكنائس السريانية الأنطاكية.

3 ـ يقرر المجمع المقدس إعادة تبادل رسائل الإيمان بين الكرسي الرسولي الأنطاكي والكرسي الرسولي الإسكندري بحسب التقاليد والتاريخ الكنسي، وذلك عقيب تنصيب بطريرك كل منهما.

  • علاقة الكنيسة السريانية بالكنائس الأرثوذكسية الأخرى:

أما تعاون كنيستنا مع كنائس العائلة الأرثوذكسية الأخرى فالسعي بالتعاون معها أمر طبيعي ومنطقي، كي نبلغ إلى وحدة أرثوذكسية تؤهلنا جميعاً كأرثوذكس للتعاون مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وبعدئذ بالتعاون مع الكنائس الأخرى.

وقد بدأ الحوار بين العائلتين عن طريق مجلس الكنائس العالمي الذي جمع خمسة عشر لاهوتياً، وكنت واحداً منهم، وكان ذلك من 11 ـ 14 آب عام 1964 وذلك في أأرهوس ـ الدانمارك، لبحث عقيدة التجسد ثم اجتمع هؤلاء اللاهوتيون في برستول بإنكلترا في 15 حزيران 1967 ثم في جنيف سويسرا من 16 ـ 21 آب 1970، وطلب في ذلك الاجتماع إلى رؤساء الكنائس الأرثوذكسية تجميد الحرومات، إن لم يكن بالإمكان رفعها. لأننا لمسنا أن ما اختلف فيه آباؤنا كان عبارة عن ألفاظ وتعابير ليس إلا. إذ لم تتمكن لغتنا المكانية من التعبير عما يجول بفكرنا فيما نؤمن به بالمسيح يسوع. وخرجنا بقرار هو أن الكنائس الأرثوذكسية كافة متّفقة اتفاقاً  تاماَ في جوهر العقيدة. وأذكر أنني قلت للمؤتمرين يومذاك: إننا وقد اجتمعنا من أنحاء العالم ومن قوميات ولغات مختلفة وبعد جلسات عديدة ودراسات واسعة خرجنا بهذه النتيجة التي خرج بها علامتنا الكبير مار غريغوريوس يوحنا ابن العبري مفريان المشرق في القرن الثالث عشر والذي قال: «تأكد لي أن خصام المسيحيين بعضهم مع بعض لا يستند إلى حقيقة بل إلى ألفاظ واصطلاحات فقط. إذ أن جميعهم يؤمنون بأن سيدنا المسيح هو إله تام وإنسان تام، بدون اختلاط الطبيعتين، ولا امتزاجهما، ولا بلبلتهما. أما نوع الاتحاد فهذا يدعوه طبيعة، وذاك يسميه أقنوماً، والآخر فرصوفاً (شخصاً) وإذ رأيت الشعوب المسيحية كافة، رغم اختلافاتها ظاهرياً، متفقة اتفاقاً لا يشوبه تغيير (أو شك)، لذلك استأصلت البغضة من أعماق قلبي، وأهملت الجدال العقائدي مع الناس»([84]). لذلك نأمل أن يهتم رؤساء الكنائس الأرثوذكسية من العائلتين لبحث هذا الأمر على نطاق رسمي هادفين لا إلى تجميد الحرومات بل إلى رفعها، ولإعلان الوحدة الأرثوذكسية الكاملة لأننا حقاً نؤمن بعقيدة، واحدة ، وبذات العقيدة التي يجب أن نؤمن بها.

  • علاقة الكنيسة السريانية بالكنائس الإنجيلية وغيرها:

وإننا نتعاون مع الكنائس الإنجيلية عن طريق مجلس الكنائس العالمي والمجالس الكنسية الوطنية كمجلس كنائس الشرق الأوسط في منطقتنا. والتقدم في العلاقات معها ملموس، وكذلك في شعورنا الأخوي المتبادل. وعلاقتنا جيدة مع الكنيسة الأنكليكانية وفي عهد مطرنتي كان سلفي الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث قد انتدبني لحضور مؤتمر لامبث الذي عقدته الكنيسة الأنكليكانية في لندن في صيف عام 1968 وقد حضرته كمراقب رسمي وبذلك استؤنفت العلاقات الطيبة بين الكنيستين وكانت قد بدأت في اواخر القرن الماضي بزيارة الطيب الذكر البطريرك بطرس الرابع لإنكلترا.

  • علاقة الكنيسة السريانية مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية:

أما علاقتنا مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فجيدة وتتحسن مع الأيام.. ولو تعاونت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية منذ دخولها بلاد الشرق مع الكنائس المكانية الوطنية يومذاك، لتغيَّر وجه التاريخ في المنطقة… فنحن جميعاً شعب واحد ودم واحد وقومية واحدة إنما مذهبياً ابتعدنا بعضنا عن بعض واختلفت التسميات، وقد حدث منذ أن انشقت الكراسي الرسولية الأربعة الكبرى بعضها عن بعض أن راحت تتدخل بشؤون بعضها، ولكننا لا نشعر أبداً بأننا غرباء عن إخوتنا الكاثوليك ولا هم غرباء عنا ولئن سموا كاثوليكاً وسمّينا أرثوذكساً فهم كاثوليك أرثوذكس ونحن أرثوذكس كاثوليك.

في الماضي، ومنذ مجمع خلقيدونية، نظر بعضنا إلى بعض نظرة عداء، وتراشقنا الحرومات والتهم الباطلة، كل يعزز مذهبه لا أقول دينه «ليت شعري ما الصحيح؟» كنا نرى الخير الذي في رفيقنا شراً، ولا ننظر الخشبة التي في عيننا بل القذى في عين أخينا.. ولكن والحمد لله، في هذا القرن الذي أتمنى أن يكون قرن وحدة.. شعرنا بأننا لابد من أن نتعاون للوصول إلى الهدف السامي الذي يريدنا الرب يسوع أن نسعى لبلوغه وهو «ليكون الجميع واحداً» فنحن واحد في المعمودية وواحد في الأسرار الكنسية، وواحد في إيماننا الذي حدده المجمع النيقاوي… ووحدتنا المسيحية لا تعني التكتل فالتكتل خطيئة كبرى، إنما نطمح إليها إتماماً لرغبة الرب يسوع «ليكون الجميع واحداً» لكي نستطيع بصورة أفضل أن ننفتح على سائر الأديان لما فيه خير وطننا.. فان كنا نوحد كلمتنا، وإن كنا نجتمع حول مسيحنا في وحدة بالعقيدة، فلكي نصير حقاً خير شهود لربنا يسوع في منطقتنا هذه العزيزة.

  • مراقب سرياني في مجمع الفاتيكان الثاني:

لقد بدأنا التعاون مع الكنيسة الكاثوليكية قبيل عقد مجمع الفاتيكان الثاني حيث زار الكردينال وويلبرانس ـ وكان بعد أسقفاً ـ سلفنا الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث وبحث معه إمكانية إرسال مراقب رسمي إلى المجمع الفاتيكاني، فانتدبني سلفي لهذه المهمة، فحضرت الدورتين الاولى والثانية للمجمع وكان لي الشرف بمقابلة الطيب الذكر البابا يوحنا الثالث والعشرين الذي رأيت فيه إنساناً عظيماً بل رجل الله البار، وأثناء لقائي به قال لي: إنه يعتز بالكنيسة السريانية التي تحمل شهادة الرسل، وإنه يعرف هذه الكنيسة جيداً، وقد زار في أحد مستشفيات اسطنبول، يوم كان كما أظن، قاصداً رسولياً هناك، زار كاهناً سريانياً طاعناً في السن ورأى فيه المثال الطيب لرجل الله البار. إن هذه الكلمات التي يفوه بها شخصية عظيمة كالبابا يوحنا الثالث والعشرين أمام راهب بسيط أرسل من قبل بطريركه ليكون مراقباً رسميّاً في الفاتيكان، هذه الكلمات لها تأثيرها الكبير لأنها خرجت من القلب الكبير وتلج القلب وتبقى خالدة، هذا الإنسان العظيم الذي يفتكر بكاهن بسيط زاره في أحد مستشفيات استنبول، ولم ينس ذلك وهو بابا روما، يحق لهذا الإنسان العظيم أن يكون رائداً للوحدة المسيحية في هذا القرن.

أما البابا بولس السادس فقد قابلته أيضاً وأنا مراقب رسمي في مجمع الفاتيكان. وحدث خلال وجودي في روما عام 1963 أن تسلمت برقية من سلفي الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث ينبئني فيها بانتخابي مطراناً على الموصل، وبوجوب عودتي للاستعداد للرسامة. وكان مجمع الفاتيكان يومذاك في عطلة لمدة أربعة أيام، ولما أعلنت هذا النبأ للكردينال ووليبرانس، وكان أسقفاً بعد، أعلنه بدوره للكردينال بيا ثم سمع قداسة البابا بذلك فأقامت لي سكرتارية اتحاد المسيحيين حفلة عشاء كبرى جلس إليها بعض المراقبين والموظفين بالسكرتارية، وتليت فيها رسالة قداسة البابا بتهنئتي بانتخابي مطراناً مع هدية رمزية هي عبارة عن علبة تحوي ثلاث ميداليات هي صورة قداسته من ذهب وفضة وبرونز، وأنا ما زلت احتفظ بهذه الهدية باعتزاز. إن هذه العلاقات الشخصية، لها تأثيرها على العلاقات المسيحية العامة. ولو جلس آباء الكنيسة قبل مجمع خلقيدونية وبعيده حول طاولة مستديرة وبحثوا خلافاتهم بروح المحبة لاكتشفوا بأنهم يعتقدون ذات العقيدة وأنه لا خلاف بينهم في عقيدة التجسد، كما اكتشفنا نحن ذلك في عصرنا هذا.

بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، عقدت جمعية بروأرينتي اجتماعات لاهوتية عديدة للاهوتيين من الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية، وكنت واحداً منهم، ولاهوتيين كاثوليك، فاجتمعنا مرات عديدة في فيينا، في السبعينات، وتدارسنا موضوع عقيدة التجسد ومواضيع في الكنيسة ومقومات المجمع المسكوني، وقبول المجامع، وسلطة المجامع وغيرها، وكانت هذه الاجتماعات بناءة ومفيدة جداً.

 

  • اللقاءان التاريخيان بين بابا روما وبطريرك أنطاكية السرياني:

في 25 و 26 أيلول عام 1971 قام سلفنا الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث بزيارة الفاتيكان، فاستقبله الطيب الذكر البابا بولس السادس بترحاب لائق، وتعانق الحبران الكبيران كأنهما أخوان حبيبان فارق أحدهما الآخر مدة طويلة من الزمن ثم التقيا أخيراً. وفي كابلة (ماتيلدا) البلاط البابوي أديا ومرافقيهما صلاة مشتركة باللاتينية والسريانية تخللها دعاء لحفظ حياة البابا والبطريرك. وألقى كل منهما خطاباً رائعاً فيما يأتي فقرات منهما. قال البطريرك في خطابه:

«بعد 1520 سنة من انقسام وحروم متبادلة وما إليها يلتقي رئيسا هاتين الكنيستين الأكثر قدماً في المسيحية أحدهما بالآخر كأخوين في جو من المحبة والأخوّة. حقاً إن الزمن هو شافٍ للجروح».

وقال البابا في خطابه: «إننا نحيي في شخصكم كنيسة ترى في إيمان الهيئة الرسولية في أنطاكية وعبادتها أصولاً وأساساً لشهادتنا المسيحية، وقبل تسع سنوات قبلتم قداستكم دعوة سلفنا يوحنا الثالث والعشرين لتمثّلوا في مجمع الفاتيكان الثاني بمندوب مراقب. ومنذ ذلك الحين ساعد تبادل الرسائل بيننا وزيارة أشخاص رسميين من كنيستنا لقداستكم على تقوية العلاقات ما بين كنيستينا. والآن لي السرور باللقاء بكم شخصياً لكي نتبادل وجهات النظر والرغبات التي تنعشنا. إن زيارتكم لنا تجعلنا أكثر وثوقاً، بأن كنيستينا ستجدان وسائل لتعاون أعظم في مهمتنا المشتركة، وستفتحان في الوقت نفسه طريقاً للشركة التامة التي نشتاق إليها كلنا بحرارة».

وأصدرا بياناً مشتركاً جاء فيه: «فيما يختم قداسة البابا بولس السادس وقداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث اجتماعهما الخطير الذي سجّل خطوة مديدة من العلاقات ما بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية… يشكران الله الذي أتاح لهما فرصة هذا اللقاء التاريخي.

لقد حصل تقدم، وان البابا بولس السادس والبطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث مقتنعان بأنه ليس هناك فرق في الإيمان الذي يعترفان به بالنسبة إلى سر كلمة الله الذي صار جسداً وصار إنساناً حقاً وإن نجمت عن الأجيال صعوبات نتيجة لمصطلحات لاهوتية مختلفة عُبّر بها عن هذا الإيمان لذلك فإنهما يحثّان إكليروس كنيستيهما ومؤمنيها على بذل المزيد من المساعي لتذليل العقبات التي ما تزال تمنع من الشركة التامة فيما بينهم، ويحثّان خاصة علماء كنيستيهما، وعلماء جميع الطوائف المسيحية كافة على أن يسبروا غور سر المسيح بتواضع لكي تساعد ثمار دراساتهم الكنيسة في خدمتها للعالم الذي افتداه ابن الله المتجسّد».

 

أيها السامعون الكرام:

منذ تنصيبي بطريركاً بالنعمة لا باستحقاق، وأنا أسعى لاقتفاء أثر أسلافي الطيبي الذكر وخاصة في ميادين التعاون مع الكنائس المسيحية إلى ما فيه خير المسيحية ووحدتها لذلك قمت بزيارة حاضرة الفاتيكان في غضون شهر حزيران من العام 1984 وقابلت قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وكانت زيارة عمل تهيأت له الكنيستان فقد أعد بيان مشترك، دُرس في مجمعنا المقدس في دمشق ودرسه الفاتيكان أيضاً، وبعد تبادل رسائل عديدة لمدة سنة ونصف، قمنا بهذه الزيارة، ووقعنا وقداسة البابا يوحنا بولس الثاني في 23/6/1984 البيان المشترك الذي كتب بالإنكليزية وفيما يأتي فقرات منه مترجمة إلى العربية:

ـ ما دام سرّ الافخارستيا المقدس هو التعبير الرئيسي للوحدة المسيحية بين المؤمنين وبين الأساقفة والكهنة فلا يمكن بعد أن نحتفل بهذا السر لأن مثل هذا الاحتفال الجماعي يفترض التماثل التام في الإيمان، وهذا التماثل التام لم يتمّ بعد بيننا وذلك أن بعض القضايا لا زالت معلقة يعوزها الحلّ فيما يخصّ مشيئة الرب في كنيسته وأيضاً النتائج العقائدية والتفاصيل التشريعية للتقاليد الخاصة بكنيستينا اللتين عاشتا منفصلتين مدة طويلة.

ـ إن وحدتنا في الإيمان ولئن كانت بعد غير متكاملة ولكنها تؤهلنا لأن نتطلع إلى التعاون بين كنيستينا في مجال الخدمة الرعوية سيما في الظروف التي نعيشها اليوم سواء بسبب تشتت المؤمنين في أنحاء العالم أم بسبب عدم الاستقرار في هذه الأيام العسيرة. وكثيراً ما يستحيل على المؤمنين مادياً ومعنوياً التوصل إلى كاهن من كنيستهم ونحن حرصاً منا على بلوغ مآربهم، وانطلاقاً من حاجتهم الروحية: نأذن لهم في مثل هذه الحالات أن يطلبوا أسرار التوبة، والافخارستيا، ومسحة المرضى، من الكهنة المعتمدين في إحدى كنيستينا الشقيقتين عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. وقد يكون منطقياً نتيجة لهذا التعاون في مجال الخدمة الرعوية أن نسعى إلى التعاون في مجالي التكوين الكنسي والتربية اللاهوتية. نشجع الأساقفة على دعم المشاركة، وتقديم التسهيلات خدمة للتربية اللاهوتية حيث تتأكد الفائدة من ذلك. ونحن إذ نفعل هذا ينبغي ألا ننسى أن علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لاستكمال الوحدة الكاملة والعلنية بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأنطاكية ونواصل ابتهالاتنا إلى الله ليمنحنا الوحدة التي وحدها تؤهلنا أن نؤدي أمام العالم شهادة الإنجيل في إجماع لا شذوذ فيه.

ـ وإذ نقدم الشكر لله الذي أهلنا لهذا اللقاء ووهبنا أن نتمتع بتعزية الإيمان الذي نتمسك به معاً(رو1 :12) وأن نعلن أمام العالم سر شخص (الكلمة) الذي تجسد وقام بعمله الخلاصي، وهو الأساس الذي لا يتزعزع لإيماننا المشترك، نتعهد رسميا ببذل كل ما في وسعنا لإزاحة العقبات الأخيرة التي تعرقل سير الوحدة الكاملة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية، لكي نستطيع بقلب واحد وصوت واحد أن نشيد (بالكلمة) النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان ولكي يصير كل المؤمنين به أبناء الله(يو 1: 9 ـ 12).

وقد اعتبر بعض المختصين في الحركات المسكونية هذا البيان ثورة في الكنيسة لأنه يمتاز عن البيان الذي أصدره الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث بكونه بياناً لا عقائدياً وحسب بل أيضاً راعوياً، ويترجم شعور الراعي المهتم بخلاص رعيته. ففي البيان نقطة مهمة جداً ذلك أن شركة الأفخارستيا هي علاقة شركة المسيحيين. وإذا حُرم مؤمن من شركة القربان المقدس يعني ذلك أنه حُرِمَ من الكنيسة، ولا يمكن أن يُعطى القربان لمن لا يشاركنا في الإيمان، ولكننا لأجل خلاص نفوس اولئك الذين يحتاجون إلى القربان المقدس وإلى سر التوبة وإلى مسحة المرضى التي قد تكون المسحة الأخيرة، ويتعذر عليهم إيجاد كاهن من كنيستهم، وقد يتشككون إذا ما التجأوا إلى كنيسة أخرى. لذلك سمح البيان للكاهن الكاثوليكي أن يخدم المؤمنين السريان وهم سريان وللكاهن السرياني أن يخدم المؤمنين الكاثوليك وهم كاثوليك.

وليس هذا الأمر خيالاً، فقد طُبق عملياً في اوروبا. ونحن هناك بإمكاننا إن نستخدم الكنائس الكاثوليكية وقاعاتها ونواديها بموعد مسبق، وبإمكان الكاهن الكاثوليكي أن يخدم السريان متى تعذر وجود كاهن سرياني ولا يصطادهم كما كان يفعل سابقاً، كما أن الكاهن السرياني يخدم الكاثوليك في نفس الحالة ولا يصطادهم أيضاً. فهذا فتح مبين، وباب يعتبر الباب الحقيقي للطريق المؤدية إلى الوحدة المسيحية.

بالختام أتمنى على الله أن يلهمنا جميعاً كي نصلي لأجل الوحدة المسيحية بقلوب نقية طاهرة. ونطلب إليه تعالى أن يقرب موعدها، ويسقط من عيوننا قشور الكبرياء والعجرفة والمصلحة الشخصية لنرى بعضنا بعضاً كما نحن ولنعبد المسيح بالروح والحق آمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تطور العلاقات المسكونية وتقدمها (*)

مؤتمر المحادثات غير الرسمية بين لاهوتيين أرثوذكس المنعقد

في جنيف عام 1970

 

  • تمهيد:

هل عرفت كيف تسري قوة الكهرباء في أسلاك دقيقة عجيبة، فتولّد طاقات جبارة؟ هكذا تتملك اللذة الروحية كياني ـ كل كياني ـ مبتدئة بأعمق أعماق قلبي، عندما أتهيأ لحضور مؤتمر ديني، وخاصة إذا كان من النوع الذي تكثر فيه الدراسات اللاهوتية، فأعيش هذا النشاط الروحي في غمرة المؤتمر وبعد. ولستُ أعلم ما هو سر هذا اللغز العجيب وما تفسيره! ولعله رغبة جامحة لمعرفة شيء جديد، أو حماس لاهب لتشجيع فكرة إصلاحية ونشرها، أو هو تحقيق لأمنية اللقاء بأصدقاء وزملاء يأتون من مختلف أنحاء العالم، ممثلين بوجودهم جزءاً لا يتجزأ من الكنيسة المسيحية الجامعة، ويتبادلون الآراء والخبر، فيفيدون ويستفيدون. لأن المؤتمرات الدينية أيّاً كان نوعها، تُعتبر بمثابة أجراس شجية الصوت، حنينة النغمة، تُقرع بين الفينة والفينة منبهة فئة من رجال الإكليروس إلى المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم، لإعادة مجد الكنيسة السامق ووحدتها المقدسة.

  • كيف ولدت فكرة المحادثات غير الرسمية

كان ذلك في رومية سنة 1962 حيث كنا بضعة أفراد من إكليروس الكنائس الأرثوذكسية في العالم من كلا الفريقين الخلقيدوني وغير الخلقيدوني، نمثّل كنائسنا كمراقبين رسميين في مجمع الفاتيكان الثاني. وكنا نتلاقى يومياً في مناسبات عديدة. ودار أغلب أحاديثنا حول ضرورة وحدة كنائسنا الأرثوذكسية. واجتمعنا آنذاك اجتماعات خاصة لهذه الغاية. وعيّنا لجنة تحضيرية من كلا الفريقين، يعمل أعضاؤها في مجلس الكنائس العالمي الذي مقره في جنيف بسويسرا. وأجمعنا على أن تكون المحادثات الاولى غير رسمية، وتعقد بمعاضدة مجلس الكنائس العالمي.

وعندما عدنا في السنة التالية 1963 إلى رومية نفسها كمراقبين في مجمع الفاتيكان الثاني أيضاً، قوي أملنا بتحقيق أمنية عقد مؤتمر المحادثات غير الرسمية بين لاهوتيين من الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية وغير الخلقيدونية، بل قررنا أن يكون الاجتماع الاول في جامعة أروس بالدانمارك في صيف عام 1964 وهكذا كان.

  • مؤتمر أروس:

كنا سبعة عشر شخصاً ممن يهتمّون بدراسة علم اللاهوت، ننتمي إلى الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بفريقيها. دعتنا بصفة خاصة لجنة الإيمان والنظام في مجلس الكنائس العالمي فاجتمعنا في جامعة أروس بالدانمارك بصورة غير رسمية في صيف عام 1964. وبحثنا الخلافات القائمة بين كنائسنا منذ مجمع خلقيدونية سنة 451م وحتى ذلك اليوم.

كان النقاش يدور بحذر وتحفّظ. وواجهتنا مشكلات ومعضلات يصعب حلّها في وقت قصير. وخرجنا ببيان مشترك أعلنّا فيه أننا متّفقون على جوهر العقيدة ولئن اختلفنا في المصطلحات المستعملة للتعبير عن هذا الإيمان الواحد.

وأذكر أنني دعمت هذا الرأي بتصريح أدلى به علامة كنيستنا السريانية في القرن الثالث عشر، أبو الفرج ابن العبري الذي سبق الزمن واكتشف حقيقة الاتفاق على جوهر العقيدة حيث قال في كتابه الموسوم بالحمامة: (لقد تأكّد لديّ أن خصام المسيحيين بعضهم مع بعض، لا يستند إلى جوهر، بل إلى ألفاظ واصطلاحات فقط، إذ أن جميعهم يؤمنون بأن سيدنا المسيح هو إله تام وإنسان تام بدون اختلاط الطبيعتين ولا امتزاجهما ولا تبلبلهما. وبخصوص نوع الاتحاد، فهذا يدعوه طبيعة وذاك يسميه أقنوماً وآخر فرصوفاً (شخصاً). لذلك فقد رأيت الشعوب المسيحية كافة رغم اختلافاتها (الظاهرة) متفقة اتفاقاً لا يشوبه التغيير).

  • مؤتمر برستول:

وفي صيف عام 1967 عُقد مؤتمر في برستول بإنكلترا ليواصل عمل مؤتمر آروس. ودُعيت لحضوره. واعتذرت في حينه للظروف القاسية التي كانت بلادنا تمرّ بها بسبب العدوان الغاشم الذي وقع على الأراضي المقدسة في 5 حزيران 1967.

وقد أيّد مؤتمر برستول قرارات مؤتمر أروس وأعدّ دراسات مفيدة.

 

  • مؤتمر جنيف:

ودُعيت ثالثة من قِبل مجلس الكنائس العالمي لحضور مؤتمر المباحثات غير الرسمية بين الكنائس الشرقية الأرثوذكسية وذلك في جنيف بسويسرا في الفترة من 16 ـ 21 آب 1970. فاستأذنت سيدي قداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث فأذن لي، ولا غرو فقداسته في مقدمة رؤساء الكنائس في تشجيع العمل المسكوني والاهتمام بكل ما يؤول إلى جمع كلمة الكنائس الشرقية خاصة ووحدة الكنيسة الجامعة عامة.

كنا في جنيف تسعة وعشرين شخصاً ممن يهتمون بدراسة علم اللاهوت، عشرة منا يمثّلون الكنائس الشرقية غير الخلقيدونية، السريانية والقبطية والأرمنية والحبشية، أتوا من العراق والهند ومصر وأثيوبيا وأرمينيا والنمسا. وتسعة عشر يمثّلون: بطريركية استنبول المسكونية وبقية الكنائس الخلقيدونية اليونانية والروسية والرومانية والبلغارية، وكنائس الروس البيض والروم الأرثوذكس، أتوا من لبنان واليونان وفرنسا ورومانيا وبلغاريا وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية.

وكان فينا مطارنة وأساقفة وكهنة وعمداء كليات لاهوتية، وجلّهم من كبار علماء اللاهوت في الكنائس الأرثوذكسية.

وكانت لغة المؤتمر اللغة الإنكليزية.

 

  • جلسات المؤتمر:

لضيق الوقت ولكثرة ما كان ينتظرنا من عمل، قررنا ان نجتمع ثلاث مرات يومياً، صباحاً، وظهراً، ومساءً، وكانت جلسات طويلة وطويلة جداً، ابتدأناها وختمناها بصلوات حارة صعدتها قلوب مخلصة ونفوس نقية، بخوراً طيباً أمام عرش إلهنا، ليرمق المؤتمر بعينه اليقظة، ويبارك المساعي النبيلة الرامية إلى توحيد القلوب لعبادته تعالى بالروح والحق.

وكنا صامدين غير متزعزعين، حتى عندما كان جوّ المؤتمر يكفهرّ بالسحب الداكنة، فيسمعنا أصوات الرعود المرعبة، ويرينا لمعان البروق، بروق الغضب المخيفة، ويذكرنا بالماضي الأليم. ولكنه لا يلبث أن ينكشف عن سماء صافية تعلن مجد إلهنا.

وكانت جلسة التعارف بمثابة لقاء الأحباء، فأغلبنا أصدقاء تربطنا بعضنا ببعض وشائج الودّ الصافي، والصداقة الوطيدة، وقد التقينا معاً في أكثر من مؤتمر، ووحّدت بيننا المحبة المسيحية، والعمل المسكوني، والسعي الحثيث نحو الهدف الواحد، ألا وهو وحدة الكنيسة.

وجلسة التعارف عادة تكسبنا أصدقاء جدداً، وزملاء انخرطوا للمرة الاولى في السلك المسكوني، فيتوقعون منا ـ نحن القدامى ـ التشجيع لمواصلة ما ابتدأوا به في هذا المضمار.

وانطلاقاً من قاعدة «ما يجمعنا هو أكثر بكثير مما يفرّقنا» أو قل معي «ما يوحّدنا هو أقوى بكثير مما يبعدنا بعضنا عن بعض». انطلاقاً من هذه القاعدة سُئل كل من المؤتمرين أن يقدم تقريراً مختصراً عن تطور علاقة كنيسته بكنائس الفريق المقابل، وعن مدى تأثير مؤتمري أروس وبرستول في تحسين العلاقات الودّية ما بين الكنائس الأرثوذكسية.

وجاء دور سيادة المطران جورج خضر رئيس أبرشية جبل لبنان للروم الأرثوذكس، فأعلن للمؤتمر: إن السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس في الشرق العربي يتعاونون معاً على تقريب وجهات النظر العقائدية، وفي الوقت نفسه يشتركون في الصلاة معاً، وإن إكليروس الفريقين يظهر لشعبه أنه لا فرق بين الكنيستين. وضرب سيادته مثالاً لذلك فقال: إن السريان الأرثوذكس في طرابلس بلبنان قبل أن تُشيّد لهم كنيستهم الحالية، كانوا يراجعون الروم لقضاء خدماتهم الدينية. وأضاف سيادته قائلاً: «وعلى رأس الكنيسة السريانية اليوم قداسة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث الذي يهمه كثيراً أمر اتحاد الكنائس الأرثوذكسية. وإن قداسته قد قدّم في 14 تموز 1959 مشروعاً لبحث قضية عقيدة التجسّد ـ موضوع خلاف الفريقين، نشر في مجلة النور بعدديها السابع والثامن لتموز وآب سنة 1959 جاء فيه: «وبهذه المناسبة نودّ أن نصرّح بأننا في مقدمة الذين يرجون هذه الوحدة (الوحدة الشرقية) ويعملون على تحقيقها. ونقترح أن يتخلى الجميع عما مضى من الأبحاث والسفسطات حول الطبيعة والطبيعتين، والمشيئة والمشيئتين، والفعل والفعلين، والأقنوم والأقنومين، ويبنوا هذه الوحدة على العبارة التالية «نؤمن بأن الإله
المتجسد يسوع المسيح تام بلاهوته وتام بناسوته، وقد صنع المعجزات الخارقات وتألم وصلب ومات ودفن وقام وصعد إلى السماء».

 

ولا بدّ لي أن أذكر هنا ما كان لهذا المشروع من صدى استحسان في الاوساط الأرثوذكسية حتى قالت عنه مجلة النور في حينه أنه (نقطة انطلاق تاريخية).

  • محاضرات، ونقاشات، وتذليل عقبات:

في الجلسات التالية ألقيت محاضرات عديدة استعرضت عقيدة التجسد من شتى النواحي: فمن الناحية التاريخية درست أعمال المجامع المسكونية الثلاثة الاولى، وتأثيرها في الكنيسة جمعاء، ثم مجمع خلقيدونية سنة 451م الذي منه يبدأ تاريخ انشقاق الكنائس. واستعرضت مقرراته الخاصة بعقيدة التجسّد، ولوحظ تطور التعبير عنها في المجامع التالية.

واحتدم الجدل في موضوع أسباب الخلاف، وبرزت معطلات الوحدة شامخة برأسها المليء بالأنانية والكبرياء وغيرها من عوامل الشر التي تريد تثبيط الهمم. ولكن حسن النية التي يباركها الرب دائماً، جعل المؤتمرين يسرعون باحثين عن حلول يتمكنون فيها من مواجهة العقبات بأقدام ثابتة قوية، فتذللها جميعاً بأنواعها التاريخية واللاهوتية والقانونية النظامية.

هذه القرون الخمسة عشر التي فصلت بين معسكرينا كانت كافية لإقامة الحواجز الشائكة من اختلافات تقليدية لا نستطيع التغاضي عنها، وإن كانت المحبة كفيلة بأن تزيلها عن بكرة أبيها.

  • المجامع ومفهومها:

فهناك قرارات المجامع مفهومها ومكانتها في حياة الكنيسة بالنسبة إلى كل من الفريقين. فنحن نعترف بثلاثة مجامع مسكونية فقط، أما الفريق الثاني فيعترف بسبعة مجامع. فكيف نوفّق ما بين الإثنين؟ علينا أن نميّز بين هذه القرارات إذ أن قسماً منها يفضّل على الآخر. فما كان مختصاً بالعقيدة له المكانة الاولى، وما كان مختصاً بالشرع الكنسي والحق القانوني والتنظيم البيعي له المكانة الثانية. والتمسّك بالعقيدة ضروري جداً، ولكن هذا لا يعني التمسّك بالحرف. بل علينا أن نميّز ما بين جوهر العقيدة وأسلوب التعبير عنها، أو المصطلحات اللفظية التي تشرحها.

  • الحرومات ورفعها:

وتطرّق المؤتمرون إلى قرارات المجامع فيما يختصّ بعلاقة الكنائس بعضها ببعض، والحرومات التي أصدرتها ضد بعض الآباء، فنحن مثلاً نحرم لاون الروماني ومجمع خلقيدونية، والفريق الثاني يحرم القديس سويريوس الأنطاكي، والقديس ديوسقوروس الإسكندري. واقترح جانبنا غير الخلقيدوني أن يُرفع مشروع اقتراح إلى رؤساء الكنائس الأرثوذكسية كافة، لرفع الحرومات، مستندين بذلك إلى آية الرسول بولس «باركوا ولا تلعنوا» (رو 12: 14) أما الجانب الخلقيدوني فانقسم في هذا الشأن إلى اثنين، بعضهم يوافق على اقتراحنا والبعض الآخر يصرّ على بقاء الحرومات. وجاء الحلّ الوسط، إذ أجمع الطرفان على سؤال رؤسائنا الأجلاء تجميد الحرومات، إذ أن رفعها صعب في الوقت الحاضر، وبدء المحادثات الرسمية حالاً.

  • التنظيم الإداري الكنسي:

أما بخصوص التنظيم الإداري الكنسي، فإن المسيحية تنظر إلى الإنسان نظرة واحدة موحّدة، لا تمييز بين لون وجنس ولغة، إذا الجميع واحد في المسيح. وبما أن القانون الكنسي يقضي بأن لا يكون للمدينة الواحدة أكثر من أسقف واحد، وللكرسي البطريركي الواحد أكثر من بطريرك واحد، رأى المؤتمرون، أنه بعد وحدة الفريقين، في المستقبل، لا تُحل هذه المشكلة العويصة إلا بالتواضع ونكران الذات والاقتداء بالمسيح يسوع ربنا. ولم يقبل الأرمن هذا الرأي إذ يصعب عليهم الخضوع لأسقف غير أرمني لتعصب قومي عرفوا به.

  • استعراض الجهود المبذولة في سبيل الاتحاد:

ولم يتغافل المؤتمرون عن بحث الجهود التي بُذلت عبر التاريخ لتوحيد الطرفين. فهناك هنوطيقون (مرسوم الاتحاد) الذي أصدره الامبراطور زينون سنة 483 شاجباً به تعاليم نسطور واوطيخا معاً، معترفاً بعقيدة كيرلس، متحاشياً الكلام في الطبيعة والطبيعتين. وهناك المساعي التي بذلها الامبراطور يوستينيان وزوجته الأمينة تيودورة في سبيل الاتحاد، ومنها عقد اجتماعات في العاصمة البيزنطية ضمّت الفريقين لتقريب وجهات النظر العقائدية. وقد أظهر يوسطينس الثاني أيضاً وزوجته الحكيمة صوفيا، همة مشكورة سنة 567م ولكن للأسف الشديد فقد باءت كل الجهود بالفشل.

كما بُذلت جهود فردية في أماكن عديدة، وفي أزمنة مختلفة وتلاشت هي الأخرى كسحاب الصيف.

لم يوجد التاريخ لتثبيط الهمم، بل لشحذ الطاقات واكتساب الخبر والعِبر. لذلك فكنائسنا اليوم تسعى في ظروف مؤاتية مناسبة تختلف كل الاختلاف عن الظروف السابقة، ورجاؤنا باللّه ان يكون يوم وحدتنا قريباً جداً، فنرى ما لم يتمكن آباؤنا من أن يروه، ولكنهم تطلعوا من بعيد فرأوا الوحدة المسيحية بعين الروح، ورقدوا على رجاء القيامة.

لقد كانت العقبات، بالنسبة إلينا، بمثابة مرقاة صعدت عليها أرواحنا، وارتفعت بل سمت نفوسنا، وحولتها إلى مكاسب قيِّمة لاجتماعنا، فخرجنا ببيان مشترك.

  • ملخّص البيان المشترك:

يعلن أعضاء المؤتمر مجدداً ما كانوا قد اتفقوا عليه في مؤتمري أروس وبرستول، إن كنائسنا الشرقية الأرثوذكسية، رغم الانقسام الذي حدث منذ خمسة عشر قرناً بسبب مجمع خلقيدونية سنة 451، لا تزال متفقة في جوهر العقيدة المسيحية بخصوص لاهوت سيدنا يسوع المسيح. فكل من الفريقين يسلّم تسليماً تاماً بشروحات القديس كيرلس الاسكندري وتحديداته، مقرّين بإيمانه من حيث الجوهر وإن كانوا يختلفون في التعبير والمصطلحات المستعملة في شرح هذه العقيدة بوحدة أقنوم المسيح له المجد وطبيعته والاتحاد التام ما بين لاهوته وناسوته. كما يؤمنون بأن من كان ـ ولا يزال ـ متحداً بلاهوته مع الآب في الجوهر صار بتأنسه متحداً معنا في إنسانيتنا. وهذا المولود من الآب قبل كل الدهور، صار في الأيام الأخيرة ـ من أجلنا ومن أجل خلاصنا ـ مولوداً من العذراء مريم. وقد اتحدت فيه الطبيعتان بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تبلبل. فالمسيح يسوع ربنا إله تام وإنسان تام وله كل خواص اللاهوت والناسوت.

وفي البيان المشترك هذا، يضرع المؤتمرون إلى الروح القدس ليواصل عمله فيهم كي يكتشفوا الوحدة التامة في جسد المسيح الواحد، ويعلنون أن هذا الاتفاق ليس لفظياً بل هو شعور قلبي عميق يدفعهم إلى الطلب من رؤسائهم جمع الكلمة وتحقيق الوحدة بين المعسكرين المفترقين بعضهما عن بعض منذ خمسة عشر قرناً لأسباب تاريخية.

ويُبدي المؤتمرون أملهم الوطيد بأن يقرّب الرب اليوم الذي يجتمعون فيه جميعاً على مائدة القربان المقدس فتتم الشركة بالإيمان، ويبلغون بذلك الأمنية الفضلى.

  • لجنة دائمة للمؤتمر:

ولمواصلة العمل في هذا الحقل المسكوني ـ حقل الوحدة ـ وحدة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية، عيّن المؤتمرون لجنة دائمة قوامها أربعة أعضاء، عضوان من كل من الفريقين، ممن يقيمون في جنيف بسويسرا، مهمتها تنفيذ مقررات المؤتمر، ودراسة أسباب الشقاق بدقة تامة، وتوضيح ما تتفق عليه الكنائس الأرثوذكسية وما تختلف فيه، وكتابة صورة الاتحاد، بأسلوب جديد وتعبير حديث، وذلك على ضوء قرارات المؤتمرات الثلاثة ـ أروس وبرستول وجنيف ـ والاهتمام بتحويل هذه المحادثات غير الرسمية إلى محادثات رسمية تُعقد بين ممثلين من كلا الفريقين، يعيّنون من رؤساء الكنائس الأجلاء.

كما إن اللجنة تقوم بتبليغ نتائج محادثات جنيف إلى رؤساء الكنائس الأرثوذكسية كافة، وطبع ملخص لأهم ما جاء في مباحثات المؤتمرات الثلاثة، وطبع كتيب يضمّ أهم المعلومات اللاهوتية والتاريخية عن جميع الكنائس الأرثوذكسية في العالم، وإصدار مجلة دورية تواصل تقديم المعلومات عن هذه الكنائس وتنشر الأبحاث الدينية التي من شأنها أن تقرّب الفريقين بعضهما إلى بعض، ونشر الكتب الدينية الموحدة لمنفعة طلاب المدارس اللاهوتية والشباب والأطفال والمؤمنين كافة.

وعلى اللجنة أن تشجع على تبادل الأساتذة والطلاب بين المدارس اللاهوتية الأرثوذكسية وتزويد كنائس الفريقين بالمصادر الأصيلة لدراسات عميقة ودقيقة تُظهر التطور التاريخي لمفهوم العقيدة المشتركة، وبحث إمكانية تكوين رابطة لهذه المدارس اللاهوتية كافة. وإن أمكن أن ينشأ مركز أو أكثر للبحوث اللاهوتية الأرثوذكسية.

ومن مهام اللجنة الدائمة أيضاً التشجيع على تبادل الزيارات بين الكنائس الأرثوذكسية على مستوى بطاركة ومطارنة وأساتذة اللاهوت. إنّ الواقع قد برهن على ما لهذه الزيارات من تأثير قوي على تقارب القلوب، واطلاع على الطقوس الدينية التي تمارسها كنائسنا، وبالتالي فِهْمُ بعضنا للبعض بصورة اوضح وأفضل، واكتشاف «ان ما يبعدنا بعضنا عن بعض إنما هو أقل بكثير مما يوحّدنا. وإن ما يجمعنا هو أكثر، وأقوى، وأهم مما يفرّقنا».

  • آمال وأمانٍ:

وانفضّ عقد المؤتمر، وحيى بعضنا بعضاً، متمنين لكنائسنا كافة التقدم والازدهار والوحدة التامة، ولرؤسائنا الأجلاء النجاح الروحي. وردد أغلبنا عبارة الأمل قائلين: إلى اللقاء في مؤتمر مباحثات أرثوذكسية رسمية.

 

 

 

 

 

 


فيما يأتي ننشر للاطلاع المنشور البطريركي الذي أصدره المؤلّف معلناً فيه:

البيان المشترك بين كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية وكنيسة أنطاكية للروم الأرثوذكس

 

بشم آية يا مة و ميا ءأي آية و ةا د كل آحيد

آيجناطيوس فطريركا دكورسيا شليحيا دآنطيوكيا ودكلذ مدنحا

وريشا جونيا دعدةا سورييةا آرةدوكسيةا دبكلذ ةآبيل

دؤ و ز كي قد ميا دبية عيوآأ م

نهدي البركة الرسولية والدعاء والسلام بالرب إلى إخوتنا المطارنة الأجلاء، وأبنائنا نواب الأبرشيات، والكهنة، والرهبان، والراهبات، والشمامسة والشمّاسات الموقّرين، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي، وجميع الأبرشيات الخاضعة لكرسينا الرسولي الأنطاكي المكرّمين، شملتهم العناية الربانية بشفاعة السيدة العذراء مريم والقديس مار بطرس هامة الرسل وسائر الرسل، والشهداء والقديسين آمين.

بعد تفقد خواطركم العزيزة، نقول:

لا بدّ أنه تناهى إلى مسامعكم المساعي الحثيثة التي تقوم بها الكنيستان الشقيقتان: السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس، في الكرسي الرسولي الأنطاكي الواحد منذ سنوات عدة، من أجل تعارف أفضل وتفاهم أعمق على الصعيدين العقائدي والرعوي. وهذه المساعي ليست سوى مؤشر طبيعي إلى أن الكنائس الأرثوذكسية بخاصة في الكرسي الأنطاكي المقدس، مدعوة إلى التعبير عن إرادة السيد له المجد في أن يكون الجميع واحداً كما أنه هو واحد مع الآب السماوي (يوحنا 10: 30). هذا إضافة إلى أنه علينا وعلى إخوتنا في كنيسة الروم الأرثوذكس، تقع تبعة الشهادة للمسيح يسوع ربّنا في منطقتنا الشرقية حيث ولد له المجد وبشّر وتألّم وقبر وقام من بين الأموات وصعد إلى السماء وأرسل روحه القدوس المحيي إلى رسله القديسين.

ولقد أكّدت الاجتماعات واللقاءات والبيانات والتصريحات الشفوية والخطية، على أننا ننتمي إلى إيمان واحد، وإن كان التاريخ قد أبرز وجه انقسامنا أكثر من وجوه وحدتنا.

هذا ما دعا المجمع الأنطاكي المقدّس إلى إقرار تسريع التعبير عن تقدّم كنيستَينا في سبيل الاتّحاد الذي يحفظ لكل من الكنيستَين تراثها الشرقي الأصيل، إذ تنتفع الكنيسة الأنطاكية الواحدة من أختها، وتفيد من غنى تقليدها الشريف وآدابها وطقوسها المقدسة.

ثم إنه بعد الاطلاع على كل ما تمّ من سعي وجهد في اتجاه التقارب بين الكنيستين، وبعد اليقين بأن هذا الاتجاه هو من الروح الكلّي قدسه، وأنه يعطي الوجه المسيحي الشرقي نصاعة وتألقاً طالما افتقر إليهما في القرون الخوالي، ارتأى مجمعنا الأنطاكي المقدس، ترجمة العلاقة الأخوية التقاربية بين الكنيستَين: السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس، إلى ما فيه خير الأبناء المؤمنين في الكنيستين حيثما وجدوا.

لذلك قرّرنا الأمور التالية:

1 ـ الاحترام الكامل المتبادل لكل من الكنيستين في روحانيتها وتراثها وآبائها القديسين، والحفاظ على الطقسين السرياني والبيزنطي محافظة تامة.

2 ـ إدخال آباء الكنيستين وتراثهما بوجه عام في منهج التربية المسيحية والتعليم اللاهوتي في كل منهما وتبادل الأساتذة والطلبة واللاهوتيين.

3 ـ الامتناع عن قبول أبناء كنيسة في عضوية الكنيسة الأخرى مهما كانت الأسباب.

4 ـ تنظيم اجتماعات في مستوى المجمعين لدى رغبة الفريقين، وكلما دعت الحاجة.

5 ـ إبقاء كل كنيسة مرجعاً لأبنائها في كل قضايا الأحوال الشخصية على تنوعها.

6 ـ في خدمة العماد المقدّس، أو الدفن وسواهما، يكون التقدّم لرئيس كهنة صاحب العلاقة، فإذا كانت الخدمة سر الزواج المقدّس، كان رئيس كهنة كنيسة العريس هو المتقدّم.

7 ـ ما قيل آنفاً، لا ينطبق على المشاركة بين الإكليروس في القداس الإلهي.

8 ـ المذكور في الرقم /6/ ينطبق على الكهنة من الكنيستين كلتيهما.

9 ـ إذا وجد في مكان ما كاهن واحد فقط من إحدى الكنيستين، فإنه يتولى إقامة الأسرار الإلهية والرتب والخدمات الروحية لأبناء الكنيستين كلتيهما في المكان المذكور بما في ذلك القدّاس الإلهي، وسرّ الزواج المقدّس. وفي هذه الحال، يحتفظ الكاهن ذاته بسجل مستقل لكل من الطائفتين، ويتولّى إيصال سجل أبناء الكنيسة الشقيقة إلى رئاستها الروحية.

10 ـ إذا وجد كاهنان، واحد من كل كنيسة في مكان، حيث كنيسة واحدة، فإنهما يقيمان الخدمة بالتناوب.

11 ـ إذا وجد رئيس كهنة من كنيسة وكاهن من الكنيسة الشقيقة، فالتقدم بالطبع يكون لرئيس الكهنة ولو كان ذلك في رعية الكاهن.

12 ـ الرسامات الكهنوتية، تقوم بها الرئاسات الروحية في كل كنيسة على المرشحين منها، ويستحسن أن يدعى إليها الأخوة من الكنيسة الشقيقة.

13 ـ الإشبين والعرّاب يجوز اتخاذهما من أبناء أي من الكنيستين دونما تفريق.

14 ـ يتمّ التعاون وتبادل الزيارات والمشاركة بين سائر الهيئات في الكنيستين وفي كل المجالات الخيرية والثقافية والتربوية، مما يغذي روح الأخوّة والقربى بينهما.

وفي هذه المناسبة، أيها الأحباء، نسأل اللّه أن يعيننا لنواصل السعي إلى تمتين علاقاتنا بهذه الكنيسة الشقيقة وبسائر الكنائس، لكي يمسي الجميع بالفعل رعية واحدة لراع واحد. النعمة تشملكم جميعاً دائماً أبداً آمين وآبون دبشميا وشركا.

صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق ـ سورية

في 17 تشرين الثاني سنة 1991م

وهي السنة الثانية عشرة لبطريركيتنا


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لـقــــــــاء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط

 

بـيــــان مـشـــــتـرك

 

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

نحن: البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والبطريرك مار إغناطيوس زكا الاول بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والكاثوليكوس آرام الاول كاثوليكوس الأرمن لبيت كيليكيا، ومعنا أعضاء اللجنة التحضيرية لهذا اللقاء. نشكر الرب الذي جمعنا مع بعضنا في دير القديس العظيم الأنبا بيشوي في وادي النطرون، بجمهورية مصر العربية. اجتمعنا نحن رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط، وذلك في يومي الثلاثاء والأربعاء 10و11 آذار (مارس) 1998م، لنؤكّد وحدتنا في الإيمان، ورسالتنا المشتركة في حياة شعوبنا في كل أنحاء العالم، ونكتشف معاً أكفأ الطرق والوسائل لتقوية حضورنا وشهادتنا المشتركة في المنطقة. وانطلاقاً من بياننا السابق الصادر في 14 حزيران (يونية) 1996 في كاثوليكوسية الأرمن لبيت كيليكيا في أنطلياس/لبنان، تدارسنا بعض المواضيع والمسائل ذات الاهتمام المشترك. وفيما يلي نذكر بعضها باختصار مع وجهات النظر التي احتلت مكاناً مهماً في نقاشاتنا:

اولاً: إننا في شهادتنا المشتركة، لإيماننا بالابن الواحد الكلمة المتجسّد مخلصنا يسوع المسيح، نتمسّك بالإيمان الرسولي الذي تسلّمناه من الآباء الرسل في الأسفار المقدسة للعهدين القديم والجديد، والمجامع المسكونية الثلاثة: نيقية (325م)، والقسطنطينية (381م)، وأفسس (431م)، وتعاليم الآباء القديسين المكرّمين في كنائسنا الثلاث، الذين جاهدوا من أجل الحفاظ على عقائد كنائسنا وعلى تعاليم هذه المجامع. لقد جاهدت كنائسنا، على مدى تاريخها بدماء شهدائها، من أجل الحفاظ على تعاليم مجمع أفسس بشأن تجسّد الكلمة المبنية على تعاليم القديس كيرلس الكبير (444م) وقرارات المجمع المذكور. ويهمّنا أن نذكر هنا بخاصة من بين آبائنا القديس غريغوريوس المنوّر، والقديس ديسقوروس الإسكندري، ومار فيلوكسينوس المنبجي، ومار يعقوب البرادعي، والقديس نيرسيس ذا النعمة، الذين حفظوا بثبات الإيمان الرسولي ودافعوا بقوة عن أرثوذكسية تعاليم المجامع المسكونية الثلاثة الاولى.

ثانياً: إن تعاليم القديس كيرلس الكبير تشكّل أساس التعليم الكريستولوجي لكنائسنا، وهي التي على أساسها أمكن للجنة الحوار اللاهوتي الرسمي المشترك بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والبيزنطية، أن تضع صيغة الاتفاق المشترك التي قدّمت وهي قيد الدراسة في المجامع المقدسة للعائلتين.

وفيما يلي نص مقدمة هذا الاتفاق: [ لقد وجدنا أرضيتنا المشتركة (أي في الإيمان الرسولي)، في الصيغة التي وضعها أبونا المشترك القديس كيرلس الإسكندري: “Mia Physis Tou Theou Logou Sesarkoumeni” أي «طبيعة واحدة للّه الكلمة في تجسّده»، وفي قوله:

«إنه من الكافي للاعتراف بإيماننا الراسخ الحقيقي أن نقول ونعترف أن العذراء القديسة هي (والدة الإله Theotokos) »].

ثالثاً: وفي تمسكنا وطاعتنا المخلصة بإيمان وعقائد وتعاليم آبائيا القديسين، نؤكّد بثبات رفضنا لكل التعاليم الهرطوقية، التي علّم بها كل من: آريوس، وسابيليوس، وأبوليناريوس، ومقدونيوس، وبولس الساموساطي، وديودور الطرسوسي، وثيؤدور الموبسويستي، ونسطور، واوطاخي، وكل من يتبع هرطقاتهم أو يعلّم بتعاليمهم الخاطئة والهرطوقية وباقي الهرطقات الأخرى.

رابعاً: ونؤمن أن ربنا يسوع المسيح، ابن اللّه الكلمة، قد جاء بأقنومه الخاص، ولم يتّخذ شخصاً من البشر، بل هو نفسه بالاتحاد الأقنومي قد اتّخذ طبيعة بشرية كاملة، نفساً عاقلة وجسداً، بلا خطية، من العذراء القديسة مريم، بالروح القدس، جاعلاً بشريته الخاصة به ولاهوته طبيعة واحدة وأقنوماً واحداً للتجسّد في لحظة التجسّد باتحاد طبيعي، وأقنومي حقيقي، وأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، وهذا الاتحاد هو اتحاد فائق للوصف والإدراك. ونحن حينما نتكلّم عن طبيعة واحدة للتجسّد لكلمة اللّه فلا نعني لاهوته فقط أو ناسوته فقط، أي طبيعة مفردة، ولكننا نتكلم عن طبيعة واحدة إلهية إنسانية متّحدة في المسيح بغير تغيير (استحالة)، ولا اختلاط، ولا بلبلة (تشويش)، ولا انقسام، ولا انفصال. إن خصائص كل طبيعة لم تتغير أو تنحل بسبب الاتحاد، ولا يمكن التمييز بين الطبائع إلا في الفكر فقط
(th qewria monh).

خامساً: اتفقنا على ضرورة الحفاظ على مواقف موحّدة إيمانية، في جميع الحوارات اللاهوتية. ولهذا السبب من الآن فصاعداً فاي حوار لاهوتي مع الكنائس الأخرى والجماعات المسيحية العالمية، سوف يجري على مستوى العائلة الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط، آملين أن يتمّ توسيع ذلك المبدأ ليشمل كنائس العائلة على اتساعها، كما هو حاصل حالياً، في عديد من الحوارات.

سادساً: اتفقنا على ضرورة توثيق العلاقات المنظمة فيما بيننا، تأكيداً لإيماننا الواحد، وشركتنا الكاملة في الحياة الكنسية والليتورجية، ومشاركتنا في خدمة الإنجيل وفي الشهادة للسيد المسيح، في العالم المسيحي، والبشرية جمعاء. ونعتقد أن هذا الهدف يمكن أن يتحقق بواسطة بعض الوسائل نذكر منها:

  • 1 ـ أن نلتقي معاً بصفة دورية سنوياً وبطريقة منتظمة.
  • 2 ـ أن يكون هنالك موقف موحّد عقائدي ولاهوتي في كل الحوارات اللاهوتية.
  • 3 ـ أن يكون لنا مواقف موحّدة في المسائل ذات الاهتمام الحيوي لكنائسنا في مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس الكنائس العالمي، ومنظمة برو اورينتي Pro Oriente وباقي المؤسسات المسكونية.
  • 4 ـ تبادل البعثات اللاهوتية مدرسين وطلاباً، بين معاهد كنائسنا الثلاث.
  • 5 ـ تبادل الرسائل الرعوية التي تتناول أمور الإيمان والمسائل المتصلة بالشهادة المسيحية والكرازة ونشر الإنجيل والخدمة.
  • 6 ـ تبادل الكتب، والنشرات الدورية، والمطبوعات المتعلقة بالتربية المسيحية، والتعليم اللاهوتي، والتعليم الأخلاقي لكنائسنا.
  • 7 ـ تبادل المعلومات ذات الصلة بالعمل الكنسي.
  • 8 ـ اتخاذ مواقف موحّدة في قضايا العدالة والسلام وحقوق الإنسان.
  • 9 ـ تشجيع إكليروسنا وشعبنا على توثيق عرى التعاون على صعيدي الرعية والإيبارشية، في الشرق الأوسط وفي كل مكان.

سابعاً: نأمل من خلال الجهود المشتركة أن يتمّ توسيع دائرة تلاقينا في المستقبل القريب، لتشمل بقية أحبائنا في كنائس العائلة الأرثوذكسية الشرقية، امتداداً للقاء التاريخي في أديس أبابا (1965).

ثامناً: نأمل أن نلتقي بصفة دورية مع رؤساء العائلة الأرثوذكسية البيزنطية، لتعزيز حوارنا اللاهوتي ولتقوية تعاوننا المسكوني على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية.

تاسعاً: تدارسنا موضوع الاحتفال بمرور ألفي عام على ميلاد السيد المسيح له المجد، ومنحنا مسؤولية خاصة للّجنة الدائمة (أنظر رقم حادي عشر) لتنظيم هذا الحدث المهم.

عاشراً: ناقشنا الوضع الحالي في الشرق الأوسط. إن المصاعب التي تواجهها عملية السلام في الشرق الأوسط حقيقة هي بسبب سياسة إسرائيل المتشددة وغير المرنة. وسوف نبذل معاً الجهود القوية المتواصلة من خلال المحافل المسكونية، وفي المجتمع على مستوى العالم، حتى يستعيد العرب حقوقهم المسلوبة في القدس، وفلسطين، والجولان، وجنوب لبنان.
كما نطالب فوراً برفع الحصار والعقوبات المفروضة على شعب العراق، ونصلّي من أجل أن يعمّ السلام والعدالة في كل العالم.

حادي عشر: شكّلنا «لجنة دائمة» لهذا اللقاء Standing Committee لتنفيذ الاتفاقات الخاصة بهذا اللقاء، وستجتمع مرتين سنوياً. وأعضاء هذه اللجنة الدائمة هم أصحاب النيافة المطران الأنبا بيشوي والأسقف الأنبا موسى من كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية، والمطران مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم والمطران مار ثاوفيلوس جورج صليبا من كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، والأسقف سيبوه سركيسيان والأرشمندريت ناريك إليمازيان من الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية (كاثوليكوسية الأرمن في بيت كيليكيا).

ويسعدنا في ختام اجتماعنا أن نتقدّم بالشكر لإلهنا العظيم الذي عزّز ووفّق مسعانا هذا، ونسأله أن يساعد جهودنا على الدوام لخير كنائسنا، ولوحدة كل الكنائس، ولخلاص العالم أجمع.

نشكر كنيسة الإسكندرية على محبتها وكرم ضيافتها لهذا اللقاء. ونشكر أيضاً كل من صلّوا وعملوا من أجل نجاح هذا اللقاء، ولإلهنا الآب والابن والروح القدس كل المجد إلى الأبد آمين.

الكاثوليكوس آرام الاول     البطريرك مار إغناطيوس زكا الاول     البابا شنودة الثالث

 

 

 

 

 

 

 

السريانيون والعلاقات التاريخية الثقافية والدينية بينهم وبين اليونانيين([85])

 

 

أصحاب النيافة والسيادة ممثلي الهيئات الدينية والمدنية والدبلوماسية، أيها العلماء الأفاضل رئيس جامعة أثينا بالوكالة وعميد كلية اللاهوت وأساتذتها وطلابها،

أيتها السيدات، أيها السادة:

نحمد اللّه تعالى الذي أهّلنا لأن نجتمع بكم اليوم ملبّين دعوة كريمة وجّهت إلينا من قِبل كلية اللاهوت بجامعة أثينا، ونشكر لكم إتاحتكم لنا هذه الفرصة الذهبية لإلقاء محاضرة بعنوان: «السريانيون والعلاقات التاريخية والثقافية والدينية بينهم وبين اليونانيين» وهذه محاولة منا لطرق باب ديني ثقافي قلّما طرقه قبلنا آخرون، وبذلك نضع مصابيح منيرة على دروب الثقافة ليستعين بنورها الدارسون من اليونانيين والسريانيين المختصّين بمختلف علوم اللغة والكلام، والتاريخ واللاهوت، ليتحفوا الشعبَين والكنيستَين بأبحاث نفيسة، تساعد كثيراً على تقريب وجهات النظر العلمية والدينية والاجتماعية، فنقول:

السريان: اليوم هم المسيحيون أبناء كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، الكنيسة التي اتّخذت لها اللغة السريانية الآرامية لغة طقسية منذ فجر المسيحية، وهم في الأصل الآراميون سكّان سورية الأصليون استوطنوا منذ القرن السادس عشر قبل الميلاد، بلاد آرام الشام وآرام النهرين([86]) وقد امتزج بهم عبر العصور بقايا الشعوب السامية القديمة المندثرة من بابليين وعموريين وآشوريين وكنعانيين وفينيقيين وسومريين وغيرهم… ومرّ السريانيون بمراحل تاريخية عديدة لا مجال هنا لاستعراضها بالتفصيل، ولكن يهمّنا أن نعرف أصل تسميتهم وأهم إنجازاتهم الثقافية والدينية منذ العصور التاريخية القديمة، ونتوقف عند مراحل تاريخية تهمّنا في بحثنا هذا.

فقد دالت الدولة الآشورية وسقطت عاصمتها سنة 625 ق.م بيد الماديين على عهد سرجون آخر ملوكها، وصارت تحت حكم الفرس في أطراف العراق، وتحت حكم الرومان في البلاد التي تضمّ اليوم تركيا وسورية والأردن وفلسطين. وأعقبها سقوط بابل بيد كورش الثاني الفارسي سنة 538 ق.م، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الشرق القديم هي مرحلة الاحتلال الفارسي الذي دام حتى سنة 330 ق.م إذ هزم الاسكندر المقدوني داريوس الثالث الفارسي في معركة أسوس وهكذا انقرضت المملكة الفارسية، واستولى الاسكندر على قسم كبير من بلاد الشرق، وأطلق اليونانيون إذ ذاك على جميع البلاد الآرامية اسم (أسيريا) نسبة إلى الآشوريين، ثم اختصروا الاسم بـ (سيريا).

ويرجع بعض المؤرّخين التسمية السريانية إلى آشور بن سام ابن نوح، كما أن اسم الآرامية جاء نسبة إلى آرام أخي آشور. وبهذا الصدد قال المطران توما اودو الكلداني في معجمه السرياني ما ترجمته: «إن لفظ سرياني وسورية صاغه اليونانيون من (آشور) و(أسوريا) لأن دولة الآشوريين كانت سائدة على جميع بلاد ما بين النهرين وسورية، وتحريف اليونانيين لفظة سرياني إلى أسرياني جاء طبقاً لطبع لغتهم اليونانية([87])» مع أن لفظة (سورية) العربية جاءت بحسب اللفظ السرياني سورييا سوريويو وسوريا سوريا لا اللفظ اليوناني (سيريا). وبهذا الصدد قال البحّاثة الدكتور فيليب حتي: «وكمصطلح لغوي ثان اسم Syrian بالإنكليزية يشير إلى كل الشعوب التي تتكلّم السريانية (الآرامية) ومنهم الذين في العراق وإيران كما أنه يشير كمصطلح ديني إلى أتباع الكنيسة السورية القديمة أو السريانية، وقد انتشر بعضهم حتى في جنوب الهند، وكان اسم Syrus سوري بالنسبة إلى الرومان يعني كل شخص يتكلّم اللغة السريانية([88]).

  • فن الكتابة:

وكانت للشعوب التي تألّفت منها الكنيسة السريانية حضارات مزدهرة، فهم الذين استنبطوا الكتابة ومنهم أخذها اليونانيون. فقد اكتشفت في مدينة اورك القديمة، في جنوب العراق الذي كان مركزاً مهماً لإنجازات حضارية في تاريخ البشرية، لوحات طينية يعتقد أغلب العلماء بأنها مكتوبة باللغة السومرية، ويمكن القول بناءً على ذلك، أن السومريين هم مبتكرو الكتابة([89]) حوالي سنة 3200 ق.م وهي سنة بدء العصور التاريخية القديمة ونشوء الحضارات وازدهارها.

وعندما استولى البابليون على الشعب السومري، ترجموا إلى لغتهم ما كان لذلك الشعب من آداب وقوانين، واحتفظ البابليون بها وزادوا عليها أبحاثاً كانت الأساس الذي انطلق منه الفينيقيون في إيجاد الأبجدية في اوغاريت وجبيل على الساحل السوري، تلك الأبجدية التي انتقلت إلى بلاد اليونان والرومان وانتشرت في سائر مناطق الحوض الغربي للبحر المتوسط، حملها إليهم الفينيقيون، حروفاً ومعاني، عن طريق التجارة وهذه حقيقة تاريخية أجمع على صحتها العلماء. وكما نعلم أن آثار اليونانيين تدل على أنهم قد تعلّموا الكتابة من شرذمة فونيَّة قدمت إلى اليونان من الجهة الغربية من بلاد الشام في القرن السادس عشر قبل الميلاد بقيادة رجل اسمه (قَدْما) وهو اسم سرياني قَدما معناه (الاول).

ومما يبرهن على أن فن الكتابة أخذه اليونانيون عن السريانيين والفينيقيين، ما ذكره بعض العلماء في أبحاثهم بقولهم: «إن القلمَين اليوناني والسرياني القديم، يتشابهان في صور الحروف كل التشابه. وإن أسماء الحروف لدى اليونانيين هي سريانية، وإن صف الحروف ونظامها في الأبجدية اليونانية هو كما في الأبجدية السريانية مع اختلاف يسير طرأ على اليونانية في مرور الزمان لسبب اختلاف طبع اللغة اليونانية من طبع اللغات السامية التي تشكّل السريانية واحدة منها، وإن قوة الحروف اليونانية في حساب الجُمَّل هي كما في السريانية من قوة أو من اختلاف حتى أن حرفَين سريانيَين سقطا من الأبجدية اليونانية لهما صورتان سريانيتان في حساب الجُمَّل اليوناني وهما (الواو والقوف) وكان اليونانيون يكتبون من اليمين إلى اليسار ـ كالسريانيين ـ ولكنهم غيّروا مع الزمن. ولا بدّ أن نذكر هنا أن السريان قد اقتبسوا شكل الحركات السريانية من الحروف اليونانية، التي أصلها سرياني وتطوّرت، فاحتاجها السريان مستفيدين من تطوّرها، واقتبسها العلامة المطران مار يعقوب الرهاوي في القرن السابع عندما ابتكر الحركات السريانية كما يشهد بذلك العلامة المفريان مار غريغوريوس ابن العبري([90]).

 

وكانت اللغة السريانية التي هي إحدى اللغات الشرقية القديمة التي تُعرف باللغات السامية([91]) وتعرف اللغة السريانية أيضاً باللغة الآرامية([92])، كانت قد انتشرت في العالم القديم انتشاراً واسعاً، وصارت حروفها حروف هجاء للغات شرقية عديدة([93]) حتى رأيناها في عهد الملك نابوبلاصر لغة البلاط البابلي، وجعلت في عهد الملك داريوس الكبير (521 ـ 486 ق.م) اللغة الرسمية بين مقاطعات الامبراطورية الفارسية([94]) بل أمست لغة دولية في الشرق كلّه زمناً طويلاً([95]).

أما اللغة اليونانية التي كانت أشهر اللغات القديمة وأكثرها انتشاراً في النصرانية، فقد دخلت سورية على أثر إخضاع الاسكندر المقدوني لتلك المنطقة، وصارت في الامبراطورية الرومانية بأسرها لغة الثقافة والعلم والتجارة، ولغة الجالية اليونانية التي استقدمها السلوقيون إلى أنطاكية([96]) والسواحل السورية، أما في ضواحي العاصمة أنطاكية وبقية سكان مدن سورية وقراها، فكانوا يتكلّمون السريانية الآرامية لغة سوريا القديمة. ومما يبرهن على صحة هذه الحقيقة التاريخية، ما ذكره القديس يوحنا فم الذهب في عظة له ألقاها في كنيسة أنطاكية الكبرى مشيراً إلى الجمع الغفير الذي توافد من ضواحي العاصمة للاشتراك بعيد أحد الشهداء قال: «لقد زاد هؤلاء الأخوة بحضورهم العاصمة زينة، والكنيسة رونقاً… وهم يختلفون عنّا باللغة، لكنهم متّفقون معنا بالإيمان» أي أنهم كانوا يجهلون اللغة اليونانية التي كان يخطب فيها، إذ كانت لغتهم السريانية([97]).

  • مدينة أنطاكية:

شاد سلوقس الاول نيقاطور مدينة أنطاكية على نهر العاصي في سورية سنة 311 ق.م بعد انقسام مملكة الاسكندر الكبير، ودعاها أنطاكية باسم أبيه أنطيوخوس، وكانت في فجر المسيحية مدينة مهمّة جداً في الامبراطورية فهي عاصمة الشرق والعاصمة الثالثة في الامبراطورية الرومانية([98]) ولمحبة السريان لهذه المدينة، اعتبروها عاصمتهم الدينية وسمّوها مدينة اللّه، واتّخذوا الشهر الاول والسنة الاولى لتأسيسها (تشرين الاول عام 311 ق.م) تاريخاً عاماً في سجلاتهم، إلى جانب التاريخ المسيحي بعد الميلاد، ولم يتركوا استعمال تاريخ تأسيس أنطاكية حتى  اوائل هذا القرن.

  • تأسيس كنيسة أنطاكية:

كانت البلاد السورية وسائر بلاد الشرق خاضعة سياسياً بعضها للدولة الرومانية، وبعضها الآخر للدولة الفارسية. وكانت أنطاكية عاصمة لسورية، وكان أغلب سكانها قد دانوا للمسيح حوالي عام 36م على يد بعض تلاميذ السيد المسيح الذين كانوا من أصل يهودي وكانت لغتهم اللغة الآرامية، أو من أصل يوناني أو من يهود الشتات الذين كانت لغتهم اللغة اليونانية، وهؤلاء جميعاً جاؤوا إلى أنطاكية بسبب الاضطهاد الذي أثاره اليهود ضدهم في اورشليم على أثر استشهاد اسطيفانوس، وجرى التنصير على النحو التالي:

فقد تنصّر بعض اليهود، ثم بعض الوثنيين من سريان آراميين سكان البلاد الأصليين، ويونانيين (أع 11: 19 ـ 21) وعرب، الذين كانوا رحّلاً وتحضروا. وأسّس الرسول بطرس كرسيه الرسولي في أنطاكية سنة 37م على الأرجح ويعتبر أول كرسي رسولي في المسيحية. وبهذا الصدد يقول المؤرّخ المسيحي الشهير أوسابيوس القيصري (ت340) في «الخيرونيقون» ما يأتي: «وفي السنة الرابعة بعد صعود السيد المسيح بشّر بطرس بكلمة الرب في أنطاكية الكبرى واضحى أول أساقفتها» وقال أيضاً في تاريخه الكنسي: «كما اشتهر اغناطيوس (النوراني) الذي اختير أسقفاً لأنطاكية خلفاً لبطرس»([99]).

كما إن إيرونيموس (347 ـ 419) أحد العلماء اللاتين في القرن الرابع خصّص في جدول الأعياد السنوية، اليوم الثاني والعشرين من شهر شباط «عيد تأسيس كرسي مار بطرس في أنطاكية» وما تزال كنيسة روما تحتفل به حتى الآن([100]).

ومن أنطاكية انطلق تلاميذ الرب يسوع إلى أنحاء العالم المعروف عصرئذٍ، فنشروا بشارة الخلاص في أنحاء العالم المعروف آنذاك.

  • لغة سورية القديمة:

لا بدّ من أن نؤكّد أن اللغة السريانية وهي لغة الرها وما بين النهرين وسواد العراق وقسم من بلاد الفرس وبلاد الشام الداخلية وفلسطين، كانت ما تزال لغة أهالي سورية في فجر المسيحية، وبقيت كذلك حتى بعد الفتح العربي بأجيال، ولئن كانت اللغة اليونانية وهي لسان بلاد يونان، ظلت حتى الفتح العربي لغة الجالية اليونانية في أنطاكية والسواحل السورية، ولغة العلم والتجارة، ولكن أغلب الشعب السوري ولا سيما القاطنون في الضواحي كانوا محتفظين بلغتهم السريانية الآرامية([101]) التي كانت أيضاً لغة الجالية اليهودية، ذلك أن اليهود كانوا قد تعلّموها واستعملوها منذ السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد، وصارت لغتهم اليومية إذ اختلطت مع العبرية لغتهم السابقة التي نسوها، وعرفت لغتهم الجديدة باللغة الآرامية أو السريانية الفلسطينية أو العبرية كما يسميها يوحنا في إنجيله، وذلك من باب المجاز لأنها كانت قد أضحت لغة العبرانيين. وبها كتبوا التلمود([102]) لذلك فمن البديهي كما ذكرنا سابقاً أن يكون السيد المسيح وأمه القديسة مريم ورسله الأطهار قد تكلّموها، وكما أكّد اوسابيوس القيصري (263 ـ 339) بقوله عن الرسل قبل حلول الروح القدس عليهم لأنهم: «قوم جليليون لا يعرفون أكثر من اللغة السريانية»([103]). ومما يزيد هذه الحقيقة وضوحاً، أن أسفار العهد الجديد المكتوبة باليونانية احتفظت بألفاظ، وأسماء أعلام، وعبارات سريانية آرامية اوردتها بالحروف اليونانية، نذكر منها ما يأتي: آبا آبا أي الآب (غلاطية 4: 6)، وطليةا قومي طاليثا قومي أي أيتها الصبية انهضي (مت 9: 23 ومرقس 5: 41)، وطبيةا قومي طابيثا قومي أي يا غزالة انهضي (أع 9: 40)، وقول السيد المسيح للأعمى آةفةح افّثا أي انفتح (مر 7: 34) وقوله وهو على الصليب آيلي آيلي لمُا شبَقةُني إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني (مت 27: 46) وكلمة ربوني رابوني الذي تفسيره يا معلم (يوحنا 20: 16) وعبارة مرن آةا ماران آثا  أي ربنا أتى وآتٍ التي ذكرها الرسول بولس في رسالته إلى المؤمنين في كورنثوس التي كتبها باليونانية وكتب عبارة (ماران آثا) كعبارة معنوية سرية بالسريانية ولم يقل بالعبرانية (آدوننوبا أذوننوبا) واسم حقل دما حقل دَما أي حقل دم (أع 1: 19) وغيرها من أسماء الأماكن التي دعاها اليهود بالسريانية الآرامية اللغة التي كانوا يتكلّمون بها مثل: بية فجا بيث فاجي (متي 20: 1) وبية حسدا بيث حسدا (يو 5: 2) وشيلوحا شيلوحا (يو 9: 11)([104]).

كما إن آثار هذه اللغة ظاهرة في أسماء مدن وقرى عديدة في الشرق الأوسط وفي اللهجات العربية في قسم كبير منه([105]).

وقد كتب بالسريانية الآرامية أجزاء من سفر دانيال وعزرا ونحميا وإنجيل متى برمّته والرسالة إلى العبرانيين كلها، كما تُرجم إليها الكتاب المقدس، أسفار العهد القديم اولاً في اواخر القرن الاول للميلاد، وأسفار العهد الجديد في اوائل القرن الثاني للميلاد لفائدة المتنصّرين من اليهود والسريان.

واستمرّت اللغة السريانية سائدة في القسم الكبير من البلاد السورية حتى اواخر القرن السابع للميلاد، إذ انتشرت اللغة العربية فأخذت السريانية تتقلّص رويداً رويداً ملتجئة إلى الأديرة والكنائس والقرى البعيدة عن المدن ومعتصمة في الجبال العالية، وما تزال لهجتها محكية حتى اليوم في قرية معلولا المجاورة لدمشق في سورية وفي منطقة طورعبدين في تركيا وقرى الموصل وغيرها في شمال العراق([106]). هكذا حرص السريان على الحفاظ على لغتهم، وتاريخهم المجيد، وعقيدتهم الدينية السمحة، ولكنهم فقدوا الكثير من التراث الشعبي الأصيل الذي ورثوه من آبائهم والذي تبنّى جيرانهم من مختلف القوميات واللغات في المنطقة قسماً كبيراً منه.

وكانت اللغتان السريانية واليونانية تستعملان في فلسطين في القرن الرابع للميلاد ومما يبرهن على ذلك ما كتبته صاحبة كتاب حج الأراضي المقدسة وزيارتها Peregrimtio Adldeasancta وهي على الأغلب راهبة من إسبانيا اسمها Eutheria أو (سيلفيا) وهي زارت الأماكن المقدسة في ختام القرن الرابع للميلاد، ومن جملة ما كتبته قولها: «إن في تلك البلاد أي (فلسطين) قوماً يحسنون اليونانية والسريانية، وقوماً يحسنون اليونانية فقط، وقوماً يحسنون السريانية فقط» وقالت أيضاً: «إن أسقف اورشليم مع كونه يعرف اللغة السريانية، يخطب دوماً باليونانية، فتنقل خطبه إلى السريانية مباشرة بواسطة كاهن كان يقف إلى جانبه»([107]).

  • الكراسي الرسولية:

منذ انتشار البشارة الإنجيلية في العالم المعروف في فجر المسيحية كانت الكنائس المسيحية مستقلّة ضمن أبرشياتها في مناطقها الروحية استقلالاً داخلياً، ولكل منطقة أو أبرشية أسقف أعلى يتقدّم على سائر الأساقفة في منطقته يشهد بذلك نص القانون 34 من قوانين الرسل القائل: «ينبغي لأساقفة كل جهة أن يعرفوا الاول فيهم وأن يتقدّمهم، وألاّ يفعلوا شيئاً من غير رأيه بل كل واحد فليعمل ما يخصّه في أبرشيته فقط».

ويصرّح آباء المجمع النيقاوي المسكوني عام 325 في القانون السادس قائلين: «فلتحفظ العادة القديمة في مصر وليبيا والخمس مدن، بنوع أن أسقف رومية له هذه العادة أيضاً. ومثل ذلك فلتحفظ الكرامة سالمة أيضاً في الكنائس التي في أنطاكية وفي الأبرشيات الأخرى»([108]) وقد أيّد هذه الرئاسة مجمع القسطنطينية عام 381 بقانونه الثاني. وهكذا حدّدت سلطة الكراسي الرسولية الكبرى المتساوية بالسلطة في أنطاكية والاسكندرية ورومية، ثم أضيف إليها كرسي القسطنطينية سنة 381، وحازت هذه الكراسي أهمية كبرى لموقع المدن المذكورة الجغرافي والسياسي([109]).

  • الكرسي الرسولي الأنطاكي:

نال هذا الكرسي الرسولي شرفاً خاصاً لأنه كان مركز زعيمي الرسل مار بطرس وبولس، وباكورة المسيحية من الأمم. وكانت سلطته الروحية تمتد إلى أقصى الشرق أي إلى آسيا كلّها شاملة المسيحيين كافة على اختلاف اللغات والأجناس، فكان بعضهم سريانيين وبعضهم يونانيين، وذلك أن الكنيسة في فجرها كانت تتوخى العقيدة لا الجنسية أو القومية أو اللغة([110])، «وكان لصاحب الكرسي الأنطاكي المقام الرفيع في الكنيسة إذ كانت له قبل عهد المجمع النيقاوي (المنعقد عام 325) السيادة على أساقفة بلاد سورية وفونيقي وبلاد العرب وفلسطين وقيليقية وقبرص وما بين النهرين إلى أقصى بلاد الفرس والهند… ومدينة اورشليم التي نشأ فيها الدين المسيحي اولاً… ظلّت لاحقة بكنيسة أنطاكية من أول أمرها»([111]).

وكان يتولّى هذه البلاد الشرقية كلّها بطريرك أنطاكية الواحد، وكان سلطانه يمتد حيث امتدّت النصرانية في المشرق كلّه، وكان للولايات والأقاليم الكبرى في المشرق رؤساء أساقفة يتولّون إدارتها الروحية وهم تحت طاعته([112]) وقد أيّد سلطته هذه المجمعان النيقاوي والقسطنطيني كما ذكرنا.

  • انشقاق الكنيسة:

في عام 451م انعقد المجمع الخلقيدوني، وأدّت نتائجه إلى انقسام الكراسي الرسولية الأربعة إلى معسكرين، الاول: يضمّ الكرسي الروماني والكرسي القسطنطيني، وكان معسكراً قوياً دنيوياً لأن المملكة البيزنطية كانت تدعمه وتسانده وتتعاضد معه. أما الثاني فيضمّ الكرسيين الاسكندري والأنطاكي وهو يتألف من سكان مصر وسورية الأصليين، وقد عانوا الكثير من صنوف العذاب من جرّاء الاضطهادات المريرة التي أثارتها ضدهم المملكة البيزنطية المستعمرة آنذاك لعدم قبولهم قرارات مجمع خلقيدونية التي تبنتها المملكة، وتبيّن من ذلك أن الخلاف ولئن ظهر كأنه عقائدي، ولكن السياسة لعبت الدور الأهم فيه([113]). فسُفكت من جرّاء ذلك دماء بريئة. وبقي الكرسيان الاسكندري والأنطاكي متّحدين بالإيمان حتى اليوم، ولكل منهما رئاسته الخاصّة واستقلاله التام كما كان منذ بدء المسيحية، أما الكرسيان الروماني والقسطنطيني فقد انقسما إلى معسكرين في القرن الحادي عشر للميلاد.

  • الكرسي الأنطاكي السرياني:

على عهد القيصر أنسطاس المستقيم الرأي، جلس على الكرسي الرسولي الأنطاكي عام 512 البطريرك سويريوس الكبير الذي كان رافضاً مجمع خلقيدونية. فلما رقد بالرب القيصر أنسطاس وخلفه يوسطينوس الاول الذي كان مؤيّداً مجمع خلقيدونية، اضطهد آباء الكنيستين السريانية والقبطية فقتل بعضهم ونفى الآخرين، وحكم بقطع لسان البطريرك مار سويريوس، ففرّ البطريرك المعترف إلى مصر والتجأ إلى شريكه بالإيمان بطريرك الاسكندرية واحتمى به، واختفى بعدئذ في بلدة اسمها (سَخَا) في مصر لدى وجيه قبطي حيث مكث مدة عشرين سنة وهو يدبّر الكنيسة بالرسائل التي كان يدوّنها باليونانية، وكانت تترجم حالاً إلى السريانية وتقرأ في الكنائس السريانية التابعة للكرسي الأنطاكي، وهكذا كل مؤلفات مار سويريوس التي وضعها باليونانية نقلها إلى السريانية مار بولس أسقف قلينيقية (بلدة في ما بين النهرين قرب الرها) ولمّا انتقل مار سويريوس إلى جوار ربه سنة 538 انتخب السريان مار سرجيس التلي وأقاموه بطريركاً على أنطاكية، وهكذا تعاقب خلفاؤه على الكرسي الأنطاكي حتى وصلت الرئاسة إلينا بالنعمة لا بالاستحقاق.

أما القيصر يوسطينوس فقد أقام أفرام الآمدي بطريركاً في حياة البطريرك الأنطاكي الشرعي مار سويريوس الكبير.

وهكذا انقسم الكرسي البطريركي الأنطاكي إلى شطرين، وجلس عليه في آن واحد بطريركان، واحد يقبل المجمع الخلقيدوني وقراراته التي تبنّتها الدولة، فدعاه الفريق الآخر بالمَلْكي ( بتسكين اللام حسب اللفظ السرياني) ودعا أتباعه بالملْكيين، أي أتباع الملك. والبطريرك الآخر كان يرفض المجمع الخلقيدوني وقراراته ويرفض مؤيّديه، وفي مقدمتهم الحكومة البيزنطية. فطُرد منها واضطهدته وأتباعه، ودعاهم الفريق الثاني في مجمعهم السابع في القرن الثامن باليعاقبة نسبة إلى أحد آبائهم الأبطال الذي هو مار يعقوب البرادعي الذي ظهر في القرن السادس (ت578)، ورسم مطراناً سنة 544 على يد مار ثيودوسيوس بطريرك الاسكندرية الذي كان آنذاك منفياً في القسطنطينية، واشترك معه في الرسامة ثلاثة أساقفة كانوا في السجن فجال مار يعقوب البرادعي البلاد متفقّداً الكنائس ومثبّتاً المؤمنين، ورسم سبعة وعشرين مطراناً وعدداً كبيراً من الكهنة والشمامسة. وانتقل إلى جوار ربّه في 30 تموز عام 578م.

إن الكنيسة السريانية الأنطاكية تستنكر النعت الدخيل، نعت (اليعاقبة) لأن الغاية من إطلاقه عليها هي النيل من كرامتها، فهي كنيسة رسولية أسّس كرسيها الأنطاكي مار بطرس الرسول. وأما مار يعقوب البرادعي فليس سوى أحد آبائها الميامين الذين تعتز بهم، وهو لم يأتِ بعقيدة مستحدثة. فليس هو بمؤسِّس الكنيسة حتى تنسب إليه، ولكن اللّه أقامه مجاهداً رسولياً ليذود عن حياضها، فثبّت أبناءها على معتقدهم الأرثوذكسي المستقيم الرأي، وصمدت أمام الاضطهاد البيزنطي القاسي([114]).

كما تستنكر الكنيسة السريانية الأنطاكية أيضاً تسميتها بالمونوفيزيتية التي هي (الاوطاخية)، المعتقدة باستحالة الطبيعة الناسوتية في السيد المسيح إلى الطبيعة الإلهية وامتزاجها وتبلبل خواصها. والكنيسة السريانية الأرثوذكسية، تنبذ اوطاخي وتعاليمه وتطبع على غرار مار كيرلس الاسكندري بالاعتقاد «أن السيد المسيح كامل بالناسوت وكامل باللاهوت وله طبيعة واحدة من طبيعتَين متّحدتَين بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة»([115]).

  • مقر الكرسي الأنطاكي السرياني وأسماء البطاركة:

وحيث أن السريان كانوا مضطَهَدين من الدولة البيزنطية وكان بطاركتهم مطاردين منها، اضطروا على الإقامة في أديرة في ضواحي أنطاكية، ثم في ما بين النهرين حتى استقر مقرهم في القرن الثالث عشر في دير الزعفران قرب ماردين في تركيا ثم نُقل إلى دمشق سنة 1959.

وكانت أسماء البطاركة الأصلية تحفظ لهم عند تنصيبهم لكن لمّا ارتقى يشوع إلى الكرسي البطريركي سنة 878م اتّخذ اسماً له (إغناطيوس) تيمّناً بإغناطيوس النوراني الشهيد الذي خلف الرسول بطرس في أنطاكية وحذا حذوه أربعة بطاركة بعده. فلمّا اعتلى الكرسي البطريركي يوسف بن وهيب مطران ماردين سنة 1293م وهو إغناطيوس الخامس ثُبّتت هذه العادة من بعده وما تزال حتى اليوم، فتسمية (مار إغناطيوس) تسبق اسم الجالس على الكرسي الرسولي الأنطاكي لدى السريان.

  • ازدهار الحركة العلمية لدى السريان:

عندما انقسمت الكنيسة المسيحية في منطقة الكرسي الأنطاكي إلى معسكرين، وجلس على الكرسي بطريركان، لم يحدث ذلك على أساس عقائدي فقط بل أيضاً اتّخذ الطابع القومي واللغوي، ومع ذلك فإن كلتا الفرقتين كانتا تضمّان من اليونانيين والسريانيين معاً، وعلى العموم فقد تقوّت محبة اللغة السريانية في قلوب السريانيين الرافضين مجمع خلقيدونية كما شعروا بضرورة التخلّص من نير الاستعمار البيزنطي، وطفقوا يقيمون بطاركتهم على الكرسي الرسولي الأنطاكي من السريانيين بني جنسهم، وكانت الدولة البيزنطية تشدّ عليهم الخناق وتتفنن في أساليب اضطهادهم ومطاردتهم وتشريدهم بل وقتلهم، وهم يزدادون تمسّكاً بعقيدتهم الدينية وتقاليد آبائهم ولغتهم القومية وتراثهم السرياني العريق.

واشتهر السريان منذ فجر المسيحية بمحبّتهم العلم، وبمحبّتهم اللغة اليونانية لغة الثقافة والعلم والتجارة في ذلك الزمان، وكان العصر الذهبي للثقافة السريانية الدينية والمدنية قد بدأ في القرن الرابع للميلاد وامتدّ حتى القرن التاسع، ثم بزغ ثانية في القرنَين الثاني عشر والثالث عشر، وفي هذه الفترات ساعد ازدهار الفكر السرياني الشعور بضرورة التخلّص من نير البيزنطيين كدولة مستعمرة لا كلغة وثقافة وشعب هو جزء لا يتجزّأ من الشعب السرياني الذي كان خليطاً من سكّان البلاد الأصليين ومن الجاليات اليونانية، ففي ذلك العهد ومنذ القرون الاولى للتاريخ المسيحي، يوم ازدهرت الحياة الرهبانية، وجد في جوار أنطاكية أديرة عديدة مجاورة لبعضها كان يقطنها رهبان كانت لغتهم اليونانية، وبالقرب منها أديرة للسريان أيضاً. بل وجد في دير واحد رهبان من الكنيستَين يصلّي بعضهم باليونانية والآخرون بالسريانية، كما شهد ثاودوريط أسقف قورش في مؤلّفه «الأخبار الرهبانية»([116]) وكانت هذه الأديرة بمثابة كلّيات لاهوتية وعلمية، وقد أسّس السريان في كل مدينة أو قرية استوطنوها مدرسة أو أكثر حتى بلغ عدد مدارسهم في ما بين النهرين وحدها زهاء خمسين مدرسة من أرقى المدارس واوسعها، وبهذا الصدد كتب البحّاثة السيد أحمد أمين قائلاً: «كان للسريان في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تعلّم العلوم السريانية واليونانية… وكانت هذه المدارس يتبعها مكتبات، وكان في الأديار السريانية شيء كثير لا من الكتب المترجمة في الآداب النصرانية وحدها بل من الكتب المترجمة عن مؤلّفات أرسطو وجالينوس وأبقراط. لأن هؤلاء كانوا محور الدائرة العلمية في ذلك العصر. وكان السريان نقلة الثقافة اليونانية إلى الامبراطورية الفارسية ثم إلى الخلافة العبّاسية» ([117]) (العربية).

وقال العلامة جرجي زيدان: «كان للسريان في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تعلّم فيها العلوم بالسريانية واليونانية، أشهرها مدرسة الرها وفيها ابتدأ السريان يشتغلون بفلسفة أرسطو في القرن الخامس للميلاد. وبعد أن تعلّموها أخذوا في نقلها إلى لسانهم، فنقلوا المنطق في اواسط القرن المذكور، ثم أتمّ دراسة المنطق سرجيس الرأسعيني الطبيب المشهور([118])، وفي المتحف البريطاني بلندرا نسخ خطية من ترجمته الأيساغوجي (المدخل إلى الفلسفة) إلى السريانية. وكذلك مقولات أرسطو لفرفوريوس وكتاب النفس وغيرها وقد نشر بعضها في عهد قريب. وفي أوائل القرن السابع للميلاد اشتهرت مدرسة قنّسرين على الفرات بتعليم فلسفة اليونان باللغة اليونانية، وتخرّج فيها جماعة كبيرة من السريان، وفي جملتهم الأسقف سويرس فقد انقطع فيها لدرس الفلسفة والرياضيات واللاهوت، ولما تمكّن من تلك العلوم، نقل بعضها إلى السريانية ولا تزال بعض ترجماته في الفلسفة محفوظة في المتحف البريطاني. وقد أتمّها بعده تلميذه يعقوب الرهاوي واضع علم النجوم السرياني، وأثناسيوس البلدي، ومن تلامذة أثناسيوس جيورجيوس المعروف بأسقف العرب (ت725) فقد ترجم بعض كتب أرسطو. واشتغل جماعة آخرون في ترجمة كتب أفلاطون وفيثاغوروس وغيرهما… واشتهرت هناك مدارس أخرى كمدرسة نصيبين التي كان عدد تلامذتها نحو ثمانمائة وكانت تعلّم فيها كل العلوم العقلية والنقلية.

أما الطب فكان لهم فيه حظ وافر على أثر إنشاء مارستان جنديسابور، واشتهر فيهم من أهل هذه الصناعة كثيرون منهم سرجيس الرأسعيني المتقدّم ذكره وأناثوس الآمدي وسمعان الطيبوثي والأسقف غريغوريوس والبطريرك ثيودوسيوس وغيرهم من الأطباء الذين أدركوا الدولة العباسية وخدموها. وقد نقل الأطباء السريان كثيراً من كتب الطب اليوناني إلى السريانية حتى في أثناء اشتغالهم بنقلها إلى العربية لأنهم كثيراً ما كانوا ينقلونها إلى السريانية فقط أو إلى السريانية والعربية معاً، فسرجيس ترجم بعض كتب جالينوس إلى السريانية…

ولهم في النجوم مؤلّفات كثيرة لتسلسل هذا العلم فيهم من آبائهم الكلدانيين، فإن لبرديصان كتاباً في النجوم لم يصل إلينا غير خبره، وألّف الرأسعيني في تأثير القمر وحركة الشمس، وألّف السبطتي في صور الأبراج… وممّن ألّف في النجوم أيضاً يعقوب الرهاوي المتقدّم ذكره وداود البيت رباني وموسى بن كيفا وغبرئيل البرشهاري وغيرهم.

واشتغل السريان أيضاً في الكيمياء والحساب والرياضيات فضلاً عن اشتغالهم في لغتهم وضبط قواعدها وحركاتها. والمشهور أنهم اقتبسوا قواعد النحو عن اليونان وحركات أحرفهم عبارة عن أحرف يونانية صغيرة توضع فوق الحروف أو تحتها. وقد استغرقوا في آداب اللغة اليونانية وشعرها فترجموا الألياذة والاوذيسة إلى لسانهم: ترجمها ثاوفيل الرهاوي سنة 875م، وقد ضاعت الترجمة ولم يبقَ منها إلا بيتان. ويقال أنهم تنبهوا لاستخدام الحروف اليونانية مكان الحركات لمّا أراد مترجم الألياذة ضبط الأعلام اليونانية فيها. وذلك غير النقط التي كانت تقوم عندهم مقام الحركات»([119]).

وكان للعلماء السريانيين الدور الأهم في قيام النهضة العلمية التي أرادها الخلفاء العباسيون، فنقلوا الثقافة اليونانية إلى الشرق، فبعد أن كان السريان قد نقلوا من اليونانية إلى السريانية ما احتاجوه من العلوم الفلسفية لتقوية قواعد الدين المسيحي المبين، نقلوا بإيعاز من الخلفاء العباسيين في بغداد من اليونانية إلى السريانية فالعربية سائر العلوم من طب، وفلك، وكيمياء وغيرها، وهكذا اغتنت الثقافة العربية ونقل العرب هذه الثقافة إلى الغرب عن طريق الأندلس([120]).

وقد اقتبس السريان من اللغة اليونانية عدداً كبيراً من الألفاظ والمصطلحات الدينية والعلمية وسرينوها، وأخذوا أيضاً عن اليونان أصول قواعد اللغة اليونانية وطبّقوها على اللغة السريانية.

  • اللغة السريانية والليتورجية وسائر الطقوس البيعية:

وضع القديس يعقوب أخو الرب أول أسقف لاورشليم، الليتورجية الاولى في المسيحية، بلغته السريانية الآرامية([121]) وتليت بهذه اللغة أجيالاً عديدة، ذلك أن الأساقفة الخمسة عشر الاولين الذين تولّوا كرسي اورشليم بدءاً من مار يعقوب أخي الرب كانوا من أصل يهودي([122]) وكانت لغتهم السريانية الآرامية، وقد اكتشفت اوراق مبعثرة تحتوي على النص السرياني الأصلي لهذه الليتورجية، يعود نسخها إلى القرن الثامن للميلاد، وهي محفوظة في المتحف البريطاني في لندن، واستمرّت كنيسة اورشليم تستعمل هذه الليتورجية وحدها إلى أن جلس على كرسيها أساقفة يونانيون من قبل القسطنطينية فأبدلوها بليتورجيتَي مار باسيليوس القيصري ومار يوحنا فم الذهب، وأبقوا ليتورجية مار يعقوب ليوم عيده فقط الواقع في 23 تشرين الاول، وقد نقلت إلى اليونانية.

وقد أخذت كنيسة أنطاكية ليتورجية مار يعقوب من كنيسة اورشليم منذ عهد لا يعرف اوله، وطرأ على نصّها السرياني بعض التحريف على مرور الزمان فضبطه مار يعقوب الرهاوي (ت708) وحققه على النص اليوناني([123]).

أما في كنيسة أنطاكية للروم الأرثوذكس، فلم تستبدل ليتورجية مار يعقوب أخي الرب بليتورجيتَي القسطنطينية إلى أن تولّى رئاسة الكرسي لديهم ثاودوروس بَلسَمون (ت1204) فاستخرجتا اولاً من اليونانية إلى السريانية، ولهذه الترجمة السريانية نسخ كثيرة محفوظة في خزائن كتب أوربا وسورية. ثم نقلت الترجمة السريانية إلى العربية، ولما كان الروم الأرثوذكس قد تركوا طقسهم السرياني في القرنين العاشر والحادي عشر، استبدلوه بالطقس اليوناني، ولعدم معرفتهم اللغة اليونانية ترجموا ذلك إلى لغتهم السريانية، كما نقلوا سائر طقوسهم الكنسية اليونانية إلى اللغة السريانية لا إلى العربية، ومع مرور الزمان، نقلت إلى العربية من السريانية([124]).

وفي عهد العلامتين مار يعقوب الرهاوي (ت708) ومار جرجس أسقف العرب (ت725) ابتدأت الكنيسة السريانية الأنطاكية باستعمال التسابيح المعروفة بـ «القوانين اليونانية»([125]) وقبل هذا التاريخ كان البطريرك مار سويريوس الكبير (538+) قد نظم أغاني نفيسة باللغة اليونانية، فترجمت حالاً إلى السريانية وسمّيت «المعانيث» وقد ضمّنها فكر الإيمان المستقيم الرأي، وأدخلت الطقس السرياني.

وكانت مؤلفات مار أفرام السرياني في القرن الرابع للميلاد قد نقلت من السريانية إلى اليونانية في حياته ولم تفقدها الترجمة شيئاً من فصاحتها وتأثيرها في النفس([126]).

ومن المفيد جداً أن نذكر ههنا أن الكنيسة الأنطاكية السريانية، بعد البطريرك مار سويريوس  الكبير (538+) أخذت صبغة سريانية صرفة، فلم تُقِم عليها بطريركاً يوناني الجنس، ولم يبقَ لها شركة بالإيمان مع كنيسة قسطنطينية، ولا أي تأثير يوناني([127]). أما اتّخاذ بعض البطاركة والأساقفة أسماء أعلام يونانية، فلا يدل على أن اولئك الآباء كانوا يونانيين فهم سريانيون بأسماء يونانية يتّخذونها تيمّناً بالآباء السابقين، ويتّخذها آباء الكنيسة السريانية حتى اليوم، كما اتّخذوا ويتّخذون أسماء لاتينية([128]) وغيرها.

ولا ينكر أن السريان أحبّوا اللغة اليونانية وكانوا يدرّسونها في مدارسهم كما ذكرنا، وذلك لتعلقهم بالثقافة اليونانية ليس إلاّ، ولنقلهم علوم اليونان إلى لغتهم وإلى اللغة العربية كما ذكرنا. وعلى الرغم من إتقانهم اللغة اليونانية، فإن ترجمة التعابير الدينية والمصطلحات العقائدية، كانت عاملاً رئيساً لخلق جو من سوء التفاهم، وخلق اختلاف في التعبير عن العقائد، وبخاصة عقيدتَي التجسّد والفداء، وبهذا الصدد كتب العلامة المفريان (الجاثليق) ابن العبري (1286+) في القرن الثالث عشر ما يأتي: «… بعد دراستي موضوع (خلافات المسيحيين العقائدية) مدة كافية وتأمّلي فيه ملياً، تأكّد لديّ أن خصام المسيحيين بعضهم مع بعض لا يستند إلى حقيقة بل إلى ألفاظ واصطلاحات فقط، إذ أن جميعهم يؤمنون بأن سيدنا المسيح هو إله تام وإنسان تام، بدون اختلاط الطبيعتين ولا امتزاجهما ولا بلبلتهما، أما نوع الاتحاد فهذا يدعوه طبيعة، وذاك يسمّيه اقنوماً، والآخر فرصوفاً (شخصاً) وإذ رأيت الشعوب المسيحية كافة رغم اختلافاتها ظاهرياً، متّفقة اتفاقاً لا يشوبه تغيير (أو شك) لذلك استأصلت البغضة من أعماق قلبي وأهملت الجدال العقائدي مع الناس، واجتهدت على أن أدرك فحوى حكمة اليونان أعني المنطق والطبيعيات والإلهيات والحساب والآداب وعلم الفلك وحركات الكواكب، وإذ أن الحياة قصيرة والعلوم واسعة، لذلك فقد انتقيت ما هو ضروري من كل هذه العلوم وتناولته درساً وتمحيصاً([129]).

  • بدء اللقاء والحوار والتفاهم:

في النصف الثاني من هذا القرن حرّك الروح القدس بعض اللاهوتيين من العائلتين الأرثوذكسيتين، كان بينهم يونانيون وسريانيون([130]) فعقدوا مداولات غير رسمية في أماكن عديدة في العالم ودرسوا عقيدتي التجسّد والفداء واكتشفوا ما كان علامتنا ابن العبري قد اكتشفه في القرن الثالث عشر من أن الكنائس المسيحية الرسولية رغم اختلافاتها ظاهرياً ، متفقة اتفاقاً لا يشوبه شك في جوهر عقيدتي التجسّد والفداء. فلنصلِّ ليُلهم الرب رؤساء الكنائس الأرثوذكسية ومجامعها المقدّسة، لتتبنّى قرارات تلك المدلولات غير الرسمية، وتُقدِم بإيمان متين وشجاعة روحية على رفع الحرومات فيما بينها وإعلان الشركة بالإيمان الأرثوذكسي الواحد. لقد اتخذت العائلتان السريانية والروم الأرثوذكس في الكرسي الأنطاكي الواحد، خطوة شجاعة هي أول خطوة على الطريق المؤدية إلى الوحدة الأرثوذكسية، ونتمنّى أن تقتدي بهما سائر كنائس العائلتين بل أن يتمّ اتفاق عام لاتخاذ خطوات أكثر تقدماً وشجاعة.

إننا بحاجة ماسة إلى إعداد جيل قيادي واعٍ من الإكليروس، كما إننا بحاجة إلى تهيئة الشعب ليتقبّل فكرة الوحدة المسيحية.

إنها لفرصة لنا ننتهزها لكي نقدّم شكرنا الجزيل إلى الحكومة اليونانية والكنيسة اليونانية الأرثوذكسية بإعطائهما المنح الدراسية للطلاب الإكليريكيين من العائلة الأرثوذكسية غير الخلقيدونية، لإكمال دراستهم اللاهوتية في جامعات يونانية، كما نشكر نحن السريان الحكومة اليونانية على إيفادها البروفسور كريستوس فولكاريس لتدريس لغة العهد الجديد اليونانية لطلاب كلية مار أفرام الكهنوتية السريانية الأرثوذكسية في دمشق. والأستاذ فولكاريس مثالي ليس في المعرفة فحسب بل أيضاً في الأخلاق المسيحية الأرثوذكسية والغيرة الوقادة في السعي إلى بلوغ الوحدة الأرثوذكسية.

وقبل أن نختم كلامنا، لا بد من أن نوجّه دعوة للبحّاثين من اليونان والسريان ليُقدّموا أبحاثاً مستفيضة من مواضيع لاهوتية وتاريخية وأدبية ولغوية وفي غيرها من الميادين التي من شأنها أن تقرّب وجهات النظر بين الكنيستين والشعبين، وأن تؤول بالفائدة عليهما بتحقيق الوحدة الأرثوذكسية التي هي الخطوة الاولى الضرورية جداً لوحدة المسيحية، بل لتفاهم أفضل بين أتباع الأديان كافة وشعوب العالم جميعها والسلام وشكراً لإصغائكم.

 

 

 

 

 

 

 

 

نـظــرات خـاطـــفة(*)

في تاريخ كنيسة أنطاكية السريانية المشترك مع الإسلام عبر العصور

  • تمهيد:

أيها الحضور الكرام:

لا بدّ لنا ونحن نتناول هذا الموضع المهم بالبحث من أن نستعرض باختصار الوضع السياسي والديني، قبيل ظهور الإسلام، في المناطق التي نشأت فيها الكنيسة السريانية منذ فجر المسيحية، والأماكن التي نشأ فيها الإسلام وانتشر بعد نيف وستمائة سنة، وأن نتطرق إلى أحوال الكنيسة المسيحية عامة وانقسامها على ذاتها، وخلافاتها العقيدية، لنتوصل إلى معرفة أفضل عن أصول عقائد المسيحية والإسلام الدينية، وملتقى الفريقين المسيحي والإسلامي في الخطوط العريضة لبعض هذه العقائد.

  • من السريان؟

يمثل أعضاء كنيسة أنطاكية السريانية السلالة المباشرة لأجدادهم السكان الاصليين لبلاد سوريا ولبنان وفلسطين وآسيا الصغرى وما بين النهرين العليا والسفلى أي العراق. وكانت لغتهم الآرامية السريانية لغة سوريا القديمة التي تكلّمها السيد المسيح. وهي اللغة التي كانت مهيمنة على تلك المنطقة عند ظهور الإسلام، وإلى جانبها اللغة العربية التي كانت لغة القبائل العربية النازحة من الجزيرة العربية والمستقرة في إطاراتها الشعائرية منذ أمد بعيد في المناطق الشرقية من سورية والمناطق الغربية والشمالية من العراق. واستعملت تلك القبائل إلى جانب لغتها العربية اللغة السريانية في الطقس الكنسي، بحكم كونها جزءاً لا يتجزأ من كنيسة أنطاكية السريانية. وإلى جانب هاتين اللغتين كانت هناك اللغة اليونانية، اللغة الرسمية للدولة البيزنطية المستعمرة لتلك البلاد ولغة بعض سكانها الذين هم من أصل إغريقي، وكانوا قاطنين في المدن الكبرى، أما اللغة الفارسية فقد كانت لغة الدولة الساسانية.

أحوال المجتمعين الديني والسياسي قبل ظهور الإسلام

  • انقسام الكنيسة المسيحية على ذاتها:

أطلّ القرن السابع للميلاد على كنيسة أنطاكية السريانية وهي تكافح باذلة قصارى جهدها في الحفاظ على كيانها، وما ورثته من آبائها من تراث سرياني آرامي وعقائد مسيحية سامية، تسلمتها من الرسل الأطهار وآبائها الروحيين الأبرار، وقد أنهكت قواها الاضطهادات العنيفة التي أثارتها ضدها المملكتان البيزنطية والفارسية منذ أجيال بحكم موقعها الجغرافي، فقدمت عدداً غفيراً من الشهداء عبر العصور، وهكذا تمرّس أبناؤها على تحمّل المشقات كجنود صالحين للمسيح. كما أن ظهور الآراء المتطرفة في قضايا الدين وتفاقم الجدال الديني العقائدي، كل ذلك صار دافعاً لهم إلى التعمّق بدراسة علم اللاهوت، وحافزاً للعلماء إلى التتبع الفلسفي، فاقترن علم اللاهوت بالفلسفة التي أضحت سلاحاً لدحض المزاعم الباطلة وللدفاع عن صحة العقائد الدينية، وقد اشتهر السريان بمحبتهم العلم، حتى أنّهم كانوا يؤسسون إلى جانب كل كنيسة مدرسة([131])، وكانت الأديرة بمثابة كليات لدراسة العلوم اللاهوتية وغيرها.

كانت الكنيسة المسيحية قد انقسمت على ذاتها، وبذلك تحوّلت من مؤسسة روحية تسعى لخلاص النفوس، إلى ميدان حروب مذهبية لا هوادة فيها، فولّدت الشكوك وأضعفت الإيمان في قلوب المؤمنين. كما أن الامبراطورية الرومانية كانت بعد قسطنطين الملك قد انقسمت إلى معسكرين: المعسكر الغربي، وكانت لغته اللغة اللاتينية، والمعسكر الشرقي، الذي بدا إغريقياً بلغته وثقافته، فدُعيت مملكته بالمملكة البيزنطية([132])، وكانت أغلب مناطق الكنيسة السريانية بحكم موقعها الجغرافي خاضعة لهذه المملكة البيزنطية، أما بقية مناطقها فكانت خاضعة للامبراطورية الفارسية التي كانت لغتها الرسمية اللغة الساسانية.

وكانت الدولتان البيزنطية والفارسية على طرفي نقيض وتتنازعان السلطة والسيادة على الشرق، الأمر الذي سبّب استمرار الحروب بينهما.

  • قانون الإيمان المسيحي:

كانت الكنيسة المسيحية على أثر ظهور بعض الآراء الدينية الغريبة عن تعاليمها السامية قد أعلنت قانون إيمانها في المجمعين المسكونيين، مجمع نيقية المنعقد عام 325م، ومجمع القسطنطينية المنعقد عام 381م، فالمجمع الاول حرم آريوس لزعمه «أن المسيح لم يكن سوى كلمة الله المخلوقة التي اوفدها الله إلى البشر رسولاً دينياً» و«إن الآب كان اذ لم يكن الابن، ثمّ أحدث الابن فصار كلمة له، فالابن مخلوق كمثل كل خليقة، وفوّض الآب إليه كل سلطان، فخلق السموات والأرض»([133]). أما المجمع الثاني، فقد حرم مقدونيوس الذي أنكر ألوهية الروح القدس، وقال «أن الروح هو خليقة الابن وخادمه». وفي هذين المجمعين حددت أيضاً المناطق الجغرافية الخاضعة دينياً للكراسي الثلاثة: روما والاسكندرية وأنطاكية، ثم للكرسي الرابع كرسي القسطنطينية، وأعلنت في المجمع الأخير أيضاً امتيازات هذه الكراسي بناءً على موقعها الجغرافي ومدى قربها من مركز السلطة المدنية السياسية.

  • انقسام الكنيسة السريانية على ذاتها:

كانت التنافرات المذهبية بين المسيحيين قد بلغت اوجها، نتيجة الشقاق الذي صدّع جوانب الكنيسة المسيحية عامة والكنيسة السريانية خاصة على أثر مجمع أفسس المسكوني الثالث المنعقد عام 431م، والذي حرم نسطور لزعمه «أن المسيح شخصان: الإله الكلمة والإنسان يسوع، وبما أن الإله لا يقع تحت المؤثرات الطبيعية، فالعذراء إذن ولدت الإنسان يسوع ليس إلاّ، فلا تدعى والدة الإله، وأن المسيح ذو أقنومين وطبيعتين منفصلتين» (بهذا قوّض الإيمان المسيحي بالثالوث الأقدس)([134]). فالذين أخذوا بزعم نسطور من السريان ولم يخضعوا لقرارات مجمع أفسس سمّوا نساطرة، فأثارت المملكة البيزنطية الاضطهاد ضدهم فهربوا إلى مناطق المملكة الفارسية في ما بين النهرين السفلى، وبهذا انقسمت الكنيسة السريانية إلى اثـنتين، فالذين كانوا قاطنين غرب نهر الفرات سمّوا سرياناً غربيين، وكانوا خاضعين دينياً للبطريرك الأنطاكي مباشرة. والذين سكنوا شرق نهر الفرات في مناطق العراق سُمّوا سرياناً شرقيين، وأغلبيتهم من النساطرة، ويُستثنى منهم السريان الأرثوذكس الخاضعون للكرسي الرسولي الأنطاكي. وعلى أثر هذا الانقسام الجغرافي، برز انقسام في اللغة السريانية أيضاً إلى لهجتين غربية وشرقية. وتحمّل السريان الأرثوذكس الضيقات من المملكة الفارسية، ليس فقط لكونهم مسيحيين، بل أيضاً لكون وجود رئاستهم الروحية في المنطقة الخاضعة للمملكة البيزنطية عدوّة المملكة الفارسية، فكانوا يتّهمون بولائهم لأعداء الفرس. وعلى أثر تبنّي الدولة البيزنطية قرارات مجمع خلقيدونية المنعقد عام 451م، فقد أثارت هذه الدولة اضطهادات عنيفة ضدّ رافضيها، وفي مقدّمتهم أتباع الكنيسة السريانية، التي تحمّل آباؤها وأبناؤها صنوف العذاب من نفي وسجن وقتل، فاستشهد منهم عدد كبير من الإكليروس والشعب.

ومن جملة هذه الاضطهادات، الاضطهاد العنيف الذي أثاره يوسطينوس الاول على أثر جلوسه على عرش الامبراطورية البيزنطية عام 518م ضّد أتباع الكنائس السريانية والقبطية والأرمنية([135])، فاضطر البطريرك مار سويريوس الكبير إلى مغادرة كرسيه البطريركي في أنطاكية واللجوء إلى مصر حيث أقام زهاء عشرين سنة يدبّر الكنيسة بوساطة نوابه ورسائله.

ولمّا مات يوسطينوس سنة 527م ورثه على عرش بيزنطية ابن أخيه يوسطينيان ومعه تيودورة زوجته ابنة قسيس منبج السرياني الأرثوذكسي في سورية، فعطفت على رجالات كنيستها السريانية المضطهدين المنفيين والمسجونين في القسطنطينية، ولكنها لم تقوَ على إيقاف الاضطهاد لأسباب سياسية وإدارية حيث اتّهم اتباع عقيدة المجمع الخلقيدوني زوجها بالتحيّز للمنفيين انصياعاً لرغبتها.

وكان العرب الغساسنة في سورية قد شكّلوا إمارة مهمة، وكان قياصرة الروم قد أسندوا إلى أمرائهم آل جفنة عُمالة سوريا، فكانوا يحمون الحدود البيزنطية من هجمات القبائل العربية الموالية للفرس([136])، وكان الغساسنة متمسكين بكنيستهم السريانية، ويدافعون عن عقائدها، فبناء على طلب ملكهم الحارث بن جبلة من الامبراطورة تيودورة إرسال أساقفة إلى المقاطعات الخاضعة للامبراطورية البيزنطية، طلبت الملكة تيودورة ذلك من تيودوسيوس البطريرك الاسكندري المنفي في القسطنطينية، فقام هو وانتيموس بطريرك القسطنطينية وبعض الآباء برسامة الراهب يعقوب البرادعي مطراناً على الرها وبلاد الشام وآسيا الصغرى، والراهب تيودور العربي مطراناً على العرب ومركزه بصرى، وكان ذلك سنة 543 أو 544م. فشمّر مار يعقوب من ثمّ عن ساعد الجد وأخذ يتنقل سيراً على قدميه بسرعة فائقة عجيبة، متنكراً، متخفياً من مدينة إلى أخرى، والسلطات البيزنطية تلاحقه، فطاف بلاد الشام وأرمينية وآسيا الصغرى وقبرص ورودس وخيوس ومصر والحبشة وبلاد ما بين النهرين وفارس وغيرها، مثبتاً المؤمنين في الإيمان، وكان قد اهتمّ برسامة أسقفين اشتركا معه برسامة سبعة وعشرين أسقفاً طبقاً للقانون الكنسي. وثبّت أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيستين القبطية والأرمنية والشريكتين معها بالإيمان الذي أقرّته المجامع المسكونية الثلاثة المنعقدة في نيقية وقسطنطينية وأفسس. ورسم آلاف الكهنة والشمامسة. وهكذا توطّدت أركان الكنيسة السريانية بفضل هذا المجاهد الرسولي العظيم، مما حدا بأعدائها أن ينعتوها بغضاً وحنقاً وعدواناً باسم اليعقوبية، وهي ـ مع افتخارها بمار يعقوب البرادعي ـ تستنكر هذا النعت وتعتبره دخيلاً، لأن مار يعقوب لم يؤسسها، ولم تتسلم منه عقيدة جديدة أو مذهباً مستحدثاً، إنما هو أحد آبائها الروحيين الأبطال الذين ثبّتوا أبناءها على إيمانهم القويم الذي تسلّمته من الرسل الأطهار والآباء الأبرار، وإن موقف مار يعقوب بوجه الظلم البيزنطي وطغيانه كان وما يزال موضع فخر الكنيسة السريانية وإيمانها بأن الرب يسوع في وسطها وأبواب الجحيم لن تقوى عليها([137]).

في أوائل القرن السابع اعتلى عرش الامبراطورية الرومانية الشرقية (610 ـ 641م) الامبراطور هرقل، فبعد ان انتصر على الفرس واستولى على الجزيرة وما بين النهرين ودخل سوريا عام 612 واستولى على دمشق عام 629، حينذاك أخذ يسعى لإعادة الوحدة الدينية إلى الامبراطورية، ليوحّد السريان والأقباط والأرمن مع البيزنطيين، واستخدم لذلك أساليب الوعد حيناً والوعيد والقمع الشديد أغلب الأحيان، فاستشهد منهم عدد لا يُحصى لعدم الانصياع إلى رغبته.

ولم تنته اضطهادات المملكة البيزنطية للكنيسة السريانية إلا بظهور الإسلام، حيث خرجت موجة من الذين دانوا به من الجزيزة العربية وحررت بلاد المشرق من حكم البيزنطيين والفرس في النصف الاول من القرن السابع للميلاد([138]) بالتعاون مع أتباع الكنيسة السريانية سكان البلاد الأصليين الذين كانوا موجودين في تلك المناطق منذ أجيال سحيقة، وكان بعضهم من أبناء القبائل العربية الذين يمتّون بصلة الدم واللغة والتاريخ إلى العرب المسلمين. فلّما دخل العرب المسلمون سوريا استقبلهم السريان واعتبروهم منقذين جاءوا ليخلصوهم من نير البيزنطيين خاصة الذين حاولوا إذابتهم في كنيستهم البيزنطية التي اعتبرت كنيسة الدولة الرسمية، وبذلك يكونون قد فرضوا عليهم التنكر لعقائد آبائهم الإيمانية، وقبول عقيدة مجمع خلقيدونية، بأن للمسيح طبيعتين منفصلتين، البشرية تأكل وتشرب وتتألم والإلهية تصنع المعجزات. فبالتعاون مع العرب المسلمين تمكن السريان من المحافظة على عقيدتهم الدينية، وكرسيهم الرسولي الأنطاكي وكنائسهم وأديرتهم وتراثهم وطقوسهم([139]).

  • موقف السريان من الفتح الإسلامي:

نستنتج مما سبق بأن النزاعات الدينية في الكنيسة المسيحية وتبنّي السلطة البيزنطية حماية فئة خاصة، وفرضها قرارات مجمع خلقيدونية على الكنائس المسيحية بالقوة، وإثارتها الاضطهادات العنيفة من نفي وتشريد وسجن وقتل، كل هذه الممارسات غير المسيحية خلقت روح الكراهية والنفور في قلوب السريان تجاه السلطة البيزنطية، كما أن السلطة الفارسية كانت تضطهد المسيحيين عامة الذين في مملكتها من سريان غربيين وشرقيين، محاولة إخضاعهم إلى سياستها المجوسية التعسفية واعتناق دينها المجوسي، لذلك فالسريان سواء كانوا تحت الحكم البيزنطي أو الفارسي استقبلوا العرب المسلمين الفاتحين كمحرّرين، لا غزاة، وكانت آمالهم كبيرة بالتخلّص من نير المستعمرين الفرس والبيزنطيين ليس من محنتهم الدينية فقط، بل أيضاً من الضرائب الباهظة التي وضعت على كاهلهم، فقالوا: «نحمد الله الذي خلّصنا من حكم البيزنطيين الظالمين وجعلنا تحت حكم العرب المسلمين العادلين».

  • حالة العرب الدينية عند ظهور الإسلام:

كانت أحوال العرب الدينية مشوشة غير منظّمة، وكانت بعض قبائلهم وثنية صرفة، وكان انقسام المسيحية على ذاتها قد شغلها عن الاهتمام بنشر بشارة الإنجيل، لذلك كانت الفرصة سانحة لظهور الإسلام في الجزيرة العربية في ذلك العصر، ولا بدّ أن نذكر ههنا بأن بعض سكان الجزيرة العربية عند ظهور الإسلام كانوا يتبعون مذهب ابراهيم الخليل اسماً لا فعلاً([140]). ويذكر التاريخ بأن النصرانية قد دخلت الجزيرة منذ القرن الاول للميلاد([141])، وكانت المسيحية قد انتشرت بقوة في عدد كبير من القبائل العربية عبر بادية الشام والعراق وهيأت لتقبل الإسلام بعدئذ، كقبائل ربيعة وبني تغلب وبني كلب، كما تنصر من اليمن طي وبهراء وسليخ وتنوخ وغسان([142]) وغيرها.

وكان مذهب آريوس الذي حرمه مجمع نيقية عام 325م ومذهب نسطور الذي حرمه مجمع أفسس عام 431م منتشرين بين المسيحيين هناك. كما كانت المزاعم الدينية غير السليمة لبعض الأحباش من الخارجين على معتقدات كنيستهم الأرثوذكسية قد تسرّبت باسم المسيحية إلى بعض مناطق الجزيرة العربية.

واشتهر في الجزيرة العربية في اواخر القرن السادس واوائل السابع للميلاد قُسّ بن ساعدة الايادي أسقف نجران الذي دُعي حكيم العرب، وخطيبها وشاعرها، وورقة بن نوفل بن أسد (توفي حوالي سنة 611م) أسقف مكة، التي كانت مليئة بالنصارى، وهو ابن عم خديجة بنت خويلد زوجة الرسول العربي الكريم، وكانت غالبية قريش من النصارى، وغالبية مكة كانوا من السريان الأرثوذكس، وكذلك غالبية نصارى اليمن ونجران. ومهما كانت عقائد أولئك النصارى في الجزيرة العربية، فقد كان لهم تأثير كبير على العرب المسلمين هناك، وعلينا ألا ننسى بأن العقائد الدينية الرئيسة في المسيحية والإسلام متقاربة، مثل الإيمان بالله الواحد الأحد، خالق السموات والأرض، والإيمان باليوم الأخير يوم البعث والنشور والدينونة والحياة الأبدية والجنة وجهنم… وإلخ. كما أن حوادث تاريخية دينية لدى السريان ذكرها القرآن الكريم مثل حادثتي أصحاب الكهف وأصحاب الأخدود.

فحادثة أصحاب الكهف التاريخية لدى السريان إنّما جرت آية للناس فيها يثبت الله تعالى أن بإمكانه وهو الخالق أن يبعث الموتى يوم النشور، وقد وصلت إلينا بلغة سريانية أصيلة نثراً ونظماً، وتعتبر ضمن التقليد السرياني، وقد تناولتها أقلام مؤرخينا الثقات كزكريا الفصيح (+536) ويوحنا الافسسي (+587) والراهب الزوقنيني (+775) وغيرهم، بالدرس والتمحيص بأسلوب سهل ممتنع ونزاهة تامة. كما نظم فيها القديس الملفان مار يعقوب السروجي (521) قصيدة سريانية عصماء على الوزن السباعي تقع في أربعة وسبعين بيتاً([143])، وكانت الكنيسة تعيّد لهم في 24 تشرين الاول من كل عام، ولهم طقس بيعي خاص يثبت صحة رقادهم وانبعاثهم.

كما ذكر القرآن الكريم أيضاً أصحاب الأخدود وهم الشهداء الحميريون عرب نجران النصارى السريان([144])، الذين اضطهدهم مسروق اليهودي الذي يُدعى ذو نؤاس، وعذّبهم فنالوا إكليل الشهادة.

  • الإسلام في نظر علماء الكنيسة السريانية:

لم يتناول عالم سرياني سيرة حياة محمد الرسول العربي الكريم إلا واعترف بفضله وكرم أخلاقه، ومن جملة هؤلاء العلماء العلامة مار غريغوريوس يوحنا ابن العبري مفريان المشرق (+1286)([145])، الذي لخّص ترجمة حياة الرسول العربي الكريم في كتابه تاريخ مختصر الدول قائلاً([146]): «(محمد بن عبد الله عليه السلام) ذكر النسابون أن نسبته ترتقي إلى اسماعيل ابن ابراهيم  الخليل الذي ولدت له هاجر… وكانت ولادته بمكة سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة للاسكندر (التي تصادف سنة 571م) ولما مضى من عمره سنتان بالتقريب مات عبد الله أبوه وكان مع أمه آمنة بنت وهب ست سنين. فلما توفيت، أخذه إليه جدّه عبد المطلب وحنا عليه. فلما حضرته الوفاة، أوصى ابنه أبا طالب بحياطته، فضمّه إليه وكفله. ثم خرج به وهو ابن تسع سنين إلى الشام. فلما نزلوا بصرى، خرج اليهم راهب عارف اسمه بحيرا من صومعته وجعل يتخلل القوم حتى انتهى إليه، فأخذه بيده وقال: سيكون من هذا الصبي أمر عظيم ينتشر ذكره في مشارق الأرض ومغاربها، فإنه حيث أشرف، أقبل وعليه غمامة تظلله. ولما كان له من العمر خمس وعشرون سنة، عرضت عليه امرأة ذات شرف ويسار اسمها خديجة، أن يخرج بمالها تاجراً إلى الشام وتعطيه أفضل ما تعطي غيره.

فأجابها إلى ذلك، وخرج. ثم رغبت فيه وعرضت نفسها عليه فتزوجها وعمرها يومئذ أربعون سنة. وأقامت معه اثنتين وعشرين سنة إلى أن توفيت بمكة. ولما كمل له أربعون سنة أظهر الدعوة. ولما مات أبو طالب عمّه، وماتت أيضاً خديجة زوجته أصابته قريش بعظيم أذى. فهاجر عنهم إلى المدينة وهي يثرب. وفي السنة الاولى من هجرته احتفل الناس ونصروه على المكيين أعدائه… وفي السنة العاشرة حجّ حجة الوداع، وفي هذه السنة وعك عليه السلام ومرض وتوفي في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر. وكان عمره بجملته ثلاثاً وستين سنة… ولما توفي، أراد أهل مكة من المهاجرين ردّه إليها لأنها مسقط رأسه. وأراد أهل المدينة من الأنصار دفنه بالمدينة لأنها دار هجرته ومدار نصرته. وأرادت جماعة نقله إلى بيت المقدس لأنه موضع دفن الأنبياء. ثم اتفقوا على دفنه بحجرته حيث قبض».

وزيادة بالإيضاح نضيف إلى ما سبق أن الرسول العربي الكريم خرج إلى مواسم العرب لنشر الإسلام فآمن به كثيرون. واضطر إلى المهاجرة إلى المدينة تجنّباً من شدة أذى قريش له، فرحّب أهل المدينة به ونصروه. ثم اضطر لتجريد السيف لحماية الدعوة فجهّز السرايا وقاد الغزوات. ومن الغزوات المهمة غزوة بدر الكبرى، إذ انتصر فيها المسلمون انتصاراً باهراً، ومن حسنات الإسلام افتداء الأسرى بالتعليم فقد جعلوا افتداء كل أسير من قريش أن يعلم القراءة والكتابة لعشرة صبيان من المدينة، أما الأغنياء فقد فداهم أهلهم بالمال. وفي كل غزواته كان الرسول العربي الكريم يوصي جيشه قائلاً: «إنكم ستجدون رجالاً حبسوا أنفسهم في الصوامع فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة، ولا صغيراً ولا فانياً، ولا تقطعوا شجراً»([147]). هكذا أراد الرسول العربي أن ينشر الدعوة بالتآخي وعلى مناخ العدل وحفظ حرية الناس وحقوقهم كبشر. وإن من يدرس القرآن الكريم بإمعان، تنجلي أمامه الحقيقة الواضحة ألا وهي أن الرسول العربي الكريم لم يرسل لإجبار الناس وإكراههم على الإسلام، والآيات الكريمة الآتية تبرهن على صدق ذلك:

«ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء»(سورة البقرة آية 272)

«لا إكراه في الدين، قد تبيّن الرشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم» (سورة البقرة آية 256).

«إنّا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحقّ، فمن اهتدى، فلنفسه، ومن ضلّ، فإنما يضلّ عليها، وما أنت عليهم بوكيل»(سورة الزمر مكية آية 41).

ويوصي القرآن الكريم بالنصارى ويعترف بكتبهم المقدسة بالآية الكريمة الآتية:

«فإن كنت في شكّ مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك، لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكونن من الممترين»(سورة يونس 94).

«لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى، ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهباناً، وإنهم لا يستكبرون»(الآية 82 من سورة المائدة).

كما إنّ القرآن الكريم شهد بأن المسيح لم يكن من زرع بشر، وأن الله نفخ في مريم أمه من روحه تعالى، وغير ذلك من التعابير التي خلاصتها أنّ السيد المسيح جاء إلى عالمنا بصورة تفوق الطبيعة، ويشهد القرآن الكريم على اقتدار السيد المسيح على الخلق، ولم يشهد ذلك لغيره، فقد جاء في سورة آل عمران ما يأتي: «إذ قالت الملائكة: يا مريم، إنّ الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيهاً في الدنيا والآخرة، ومن المقرّبين، ويكلّم الناس في المهد وكهلاً، ومن الصالحين. قالت ربِّ، أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر. قال: كذلك الله يخلق ما يشاء اذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، ويعلّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل إلى بني اسرائيل، أني قد جئتكم بآية من ربّكم، أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير، فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وأبرئ الأكمه والأبرص، وأحيي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم، إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين» (سورة آل عمران 45 ـ 49).

وقد كتب الرسول العربي الكريم عهداً للنصارى كافة([148])، وهي خير شاهد على سمو أخلاقه وعدالته، وهذه الوثيقة محفوظة في بعض الأديرة حتى اليوم، وهي كالآتي: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين رسولاً ومبشراً ونذيراً ومؤتمناً على وديعة الله في خلقه لئلا يكون للناس حجّة في الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً. كتبه لاهل ملّة النصارى ولمن ينحل دين النصرانية من مشارق الارض ومغاربها، وقريبها وبعيدها، فصيحها وأعجمها، معروفها ومجهولها، جعل لهم عهداً، فمن نكث العهد الذي فيه وخالفه إلى غيره وتعدّى أمره، كان لعهد الله ناكثاً، ولميثاقه ناقضاً، وبدينه مستهزئاً، وللعنة مستوجباً، سلطاناً كان أم غيره من المسلمين. وإن احتمى راهب أو سائح في جبل أو في واد أو مغارة أو عمران أو سهل أو رمل أو بيعة، فأنا أكون من ورائهم أذب عنهم من غيرة لهم بنفسي وأعواني وأهلي وملّتي وأتباعي لأنهم رعيتي وأهل ذمّتي، أنا أعزل عنهم الاذاء في المؤن. ولا يحمل أهل العهد من القيام بالخراج إلا ما طابت لهم نفوسهم وليس عليهم جبر ولا إكراه على شيء من ذلك ولا يغيّر أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سائح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شيء من مال كنائسهم في بناء مساجد المسلمين ولا في بناء منازلهم، فمن فعل شيئاً من ذلك فقد نكث عهد الله ورسوله، ولا يحمل على الرهبان والأساقفة، ولا من يتعبّد، جزية، ولا غرامة، وأنا أحفظ ذمّتهم أين ما كانوا، في برّ أو بحر، في المشرق أو المغرب أو الجنوب أو الشمال، وهم في ذمّتي وميثاقي وأماني، من كل مكروه، وكذلك من ينفرد بالعبادة في الجبال والمواضع المباركة لا يلزمهم مما يزرعونه، لا خراج، ولا عشر، ولا يشاطرون لكونه برسم أفواههم، ولا يعاونون عند إدراك الغلة، ولا يلزمون بخروج في بحر، وقيام بجزية، ولا من أصحاب الخراج وذوي الأموال والعقارات مما هو أكثر من اثـني عشر درهماً بالجملة في كل عام، ولا يكلف أحد منهم شططا، ولا يجادلون إلا بالتي هي أحسن، ويحفظونهم تحت جناح الرحمة، وتكف عنهم أذية المكروه  حيثما كانوا، وإن صارت النصرانية عند المسلمين، فعليهم برضاها، ويمكنونها من الصلاة في بيعها، ولا يحال بينها وبين هوى دينها. من خان عهد الله واعتمد بالضد في ذلك فقد عصي ميثاقه ورسوله. ويعاونون على ترميم بيعهم ومواضعهم، وتكون تلك مقبولة لهم على دينهم وفعالهم بالعدد، ولا يلزم أحد منهم نقل سلاح، بل المسلمون يذبون عنهم، ولا يخالف هذا العهد أبداً إلى حين تقوم الساعة وتنقضي الدنيا».

  • السريان والفتح العربي الإسلامي:

كانت عوامل عديدة نفسية واجتماعية ودينية في سورية البيزنطية، متوفرة لدى السريان، سكان البلاد الأصليين، لاستقبال العرب المسلمين الفاتحين الذين قدموا من الجزيرة العربية. ذلك أن السريان ـ كما ذكرنا سابقاً ـ كانوا ينوؤون تحت نير الحكم البيزنطي في سوريا كما كانوا مضطهدين في بلاد فارس. إذ حاول الفرس إخضاعهم لقبول الدين المجوسي مستخدمين لهذه الغاية كل أساليب العنف وسفك الدماء، كما أثقلوا على كاهلهم الضرائب الباهظة. أما السبب الظاهري لإثارة البيزنطيين الاضطهاد العنيف على السريان فهو لرفض السريان قبول قرارات مجمع خلقيدونية (451م). وإن من وراء ذلك قمع الأفكار التحررية والوعي القومي الذي دبّ في صفوف السريان للتخلص من نير المستعمر البيزنطي الذي سلب سورية خيراتها الطبيعية، وخاصة حنطتها. فلا عجب من أن يتولد النفور في قلوب السريان نتيجة ظلم البيزنطيين إياهم، وأن يرحب السريان بقدوم العرب المسلمين الفاتحين، واستقبالهم كمحررين للبلاد، خاصة وأنّ عدداً كبيراً من القبائل العربية في العراق وسورية كانت دينياً سريانية أرثوذكسية، ورأت هذه القبائل وجوب تأييد العرب المسلمين الذين ولئن خالفوها بالدين، ولكنهم يمتون إليها بصلة الدم واللغة والتراث والحضارة. لذلك انضمّ أغلبها إلى الجيش العربي المسلم الفاتح تحت امرة المثنى بن حارثة، وخاصة قبائل بني تغلب وعقيل وتنوخ وربيعة الضاربة في شمال العراق وغربه، وحاربت جنباً إلى جنب مع العرب المسلمين. وتمّ القضاء على دولة الفرس في سنة 651م حينما فرَّ (يزدجرد) آخر ملوكهم إلى ما وراء حدود بلاده. ويذكر التاريخ أن غلاماً مسيحياً سريانياً من بني تغلب قتل المرزبان مهران القائد الفارسي، واستولى على فرسه([149])، وأنشد قائلاً: أنا الفتى التغلبي، أنا قتلت المرزبان([150]). وسارت جيوش الفاتحين إلى سورية البيزنطية، فدخلت دمشق عام 634م، ثم دخلت بيت المقدس سنة 637م، وأغارت على مصر سنة 638م، فاستولت على الاسكندرية، ورحّب بها الاقباط([151])، كما كان الشعب السرياني قد استقبلها بابتهاج عند دخولها سورية.

  • السريان في ظل الحكم الإسلامي:

بعد أن حارب السريان جنباً إلى جنب مع العرب المسلمين مع المحافظة على نصرانيتهم فحرروا البلاد من المستعمرين، شاركوا في توطيد أركان الدولة الجديدة، ويشهد التاريخ بإنتاجهم الخلاق في جميع ميادين الفكر والحضارة.

ويروق لنا في هذه العجالة أن نتوقف عند محطات مهمة من مراحل التاريخ المشترك بين السريان والإسلام، لنسجّل في سطور خاطفة ما دوّنه بعض المؤرخين الثقات مما يهم الجانبين من المواقف الإيجابية المشرفة، متجنبين ـ قدر الإمكان ـ السلبيات، لأنها لا تبني، مؤكدين على أن التعديات التي جرت خلال الفتح العربي الإسلامي وتحت الحكم العربي الإسلامي بعدئذ، كانت قليلة جداً نسبياً، إذا ما قورنت بالتعديات التي تحدث عادة في ظروف مماثلة. وسنأتي على ذكر أسماء نخبة من الشخصيات السريانية التي نالت حظوة لدى السلطات العربية الإسلامية وخدمتها بإخلاص، وكانت في الوقت ذاته متمسكة بدينها المسيحي وكنيستها السريانية بعروة وثقى، مما يدلّ على العلاقة المتينة السليمة القائمة بين الإسلام العرب وأبناء الكنيسة السريانية، وأن تمسك المسيحي بدينه لا يتناقض أبداً واعتزازه بوطنه وخدمته إياه بتفان.

قال الفيكونت فيليب دي طرازي في كتابه «عصر السريان الذهبي» ما يأتي:

احتظى السريان بالثـقة والاحترام عند الخلفاء الراشدين (632 ـ 661م) والخلفاء الأمويين (662 ـ 746م) والعباسيين (750 ـ 1258م). واول من نال القربى لديهم حين الفتح العربي هو منصور بن يوحنا السرياني، الذي أصبح وزيراً للمالية في عهد الخلفاء الراشدين. أما ابنه سرجون وحفيده يوحنا المشهور بالقديس يوحنا الدمشقي (749م) فقد تولّيا ديوان الأعمال والجبايات في عهد الخلفاء الأمويين([152]).

 

  • معاملة الخلفاء للسريان وسائر المسيحيين:

كان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أول من دعي بأمير المؤمنين من الخلفاء، كما سمي (الفاروق) لأنه فرّق بين الحق والباطل([153])، وأيّد السريان هذه التسمية، وقالوا أن لفظة (فاروق) سريانية (فُروقو) وتعني «المخلّص»، وقد أطلقت على السيد المسيح المخلص الإلهي، ثم أطلقت على الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وقال السريان مقولتهم الشهيرة: «نحمد الله الذي أنقذنا من حكم البيزنطيين الظالمين، وجعلنا في ظل حكم العرب المسلمين العادلين»، فانطلاقاً من هذا الموقف التاريخي الذي يدلّ على اتّصاف السريان بعرفان الجميل، نحاول في هذه العجالة ان نرسم صوراً مشرقة للحكام المسلمين.

من تلك المواقف الحادثة المشهورة عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب الذي عندما كان يزور بيت المقدس، وحان وقت الصلاة، وهو جالس في صحن كنيسة القيامة، فخرج حالاً وصلى خارج الكنيسة على الدرجة التي على بابها منفرداً، ولما سُئل عن سبب ذلك أجاب قائلاً: «لو صلّيت داخل الكنيسة، لأخذها المسلمون من بعدي وقالوا: هنا صلّى عمر». ثمّ كتب كتاباً واوصى به المسلمين ألا يصلي أحد منهم على الدرجة، إلا واحداً واحداً، غير مجتمعين للصلاة فيها، ولا مؤذّنين عليها([154])، وأنّ للخليفة عمر بن الخطاب وثائق عديدة أعلن فيها الأمان والحماية لكنائس السريان وسائر المسحيين وأديرتهم، وكانت طريقة معاملة الخلفاء مع المسيحيين إيجابية، كما كان المسيحيون يؤدّون الجزية لقاء حمايتهم تماماً، كما كان يفعل الذين كانوا تحت الحكم الفارسي.

ومن السلبيات التي جرت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الوثيقة التي تتضمن الشروط العمرية التي لم تحفظ كرامة المسيحيين.

وكان للسريان مكانة مرموقة لدى الخلفاء الأمويين، فاستخدم العديد منهم في الدواوين، وابتدأت على عهدهم النهضة العلمية العربية، التي ساهم بها علماء السريان وكتّابهم، وترجموا علومهم وعلوم اليونان إلى العربية، ونالوا مراكز عالية في الإدارة، وشغلوا وظائف مرموقة…

فالخليفة عبد الملك بن مروان (685 ـ 705م) ولّى أثناسيوس برجوميا السرياني الرهاوي الإدارة المالية في القطر المصري، فأحسن هذا، التصرف في الوظيفة، وكان عهده عهد بركة وإقبال على الدولة الأموية([155]).

وكتب مروان الخليفة (744 ـ 750م) فرماناً سنة 746 للبطريرك إيونيس الرابع (740 ـ 755م) يخوّله بموجبه الولاية على جميع الشؤون البيعية، وهو أول فرمان من نوعه يعطى للبطريرك السرياني، ومنذ ذلك الحين سرت تلك العادة. ومن الأمور المهمّة في هذا العصر، نقل الإنجيل المقدس من السريانية إلى العربية على يد البطريرك يوحنا أبي السدرات (+648) بناءً على طلب الأمير عمير بن سعد بن أبي وقاص، أمير الجزيرة، الذي اشترط على البطريرك أن يستثني من الترجمة ما يختص بلاهوت المسيح، وصلبه، والمعمودية، فأجابه البطريرك ببساطة: معاذ الله أن أحذف أو أزيد حرفاً واحداً من الإنجيل المقدس ولو صوّبت نحوي كل حراب جيوشك وأسنّتها. فأعجب الأمير من بسالته، وفوّضه بالترجمة كما يريد، فجمع عدداً من الأساقفة واستحضر علماء بكلتا اللغتين السريانية والعربية من بني تنوخ وعقيل وطي، وترجموا الإنجيل المقدس إلى العربية بإشرافه، فقدّمه بدوره إلى الأمير([156]).

وفي عهد الخلفاء الأمويين ذاع صيت الأخطل الشاعر العربي المشهور، وهو تغلبي من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، ولد ونشأ في الجزيرة الواقعة في الجزء الأعلى من وادي دجلة والفرات بين العراق والشام، ونال حظوة لدى الخلفاء الأمويين، حتى أن الخليفة عبد الملك بن مروان (685 ـ 705م) لدى سماعه قصيدة «خفّ القطين» التي يمدحه الأخطل فيها قال له: «ويحك يا أخطل، أتريد أن أكتب إلى الآفاق أنّك أشعر العرب»، قال: «أكتفي بقول أمير المؤمنين».

وكان الأخطل متمسكاً بديانته، وكان يدخل على الخليفة عبد الملك بدون إذن، وعليه جبّة خزّ، وفي عنقه سلسلة ذهب فيها صليب ذهب، وقيل أن أسقفه سجنه في الكنيسة مرة لتطاوله على الناس ونهشه أعراضهم، مع أنه قد قال عن نفسه: «ماهجوت أحداً قط بما تستحي العذراء من أن تنشده أباها»، ولما شفع به أحد أشراف العرب، وأطلق الأسقف سراحه، أظهر هذا الإعرابي استغرابه من تقبّل شخص كالأخطل القصاص من أسقفه، وهو مَنْ هو ذو المقام السامي لدى الخليفة، فأجابه الأخطل: «إنه الدين إنه الدين فاسكت مع الساكتين».

أما في عهد الخلفاء العباسيين، فقد ازدهرت الترجمة وقام للسريان علماء أفذاذ، ومترجمون بارعون، وأطباء ماهرون، واشتهر في عهد الخليفة هارون الرشيد (766 ـ 809م) يوحنا ابن ماسويه، العالم السرياني الذي ولاه هارون الرشيد ترجمة الكتب القديمة، وكان ذا مركز مرموق في عهده وعهد خلفائه إلى أيام المتوكل.

وهكذا قام السريان بنقل علوم اليونان إلى السريانية فالعربية، وأسسوا المدارس العالية لتكون منارات لشتى العلوم والآداب، ونمت العلوم نموّاً عظيماً على عهد العباسيين.

كما ساهم السريان في خدمة الدولة وقاموا بما كلّفوا به من الشؤون الإدارية، من ذلك ،أنّ البطريرك ديونيسيوس التلمحري (+ 845) نهض بمهمة سياسية، انتدبه اليها المأمون الخليفة العباسي (813 ـ 833م)، فذهب إلى مصر للتعاون مع الخليفة والبطريرك الاسكندري يوساب لإخماد ثورة المسيحيين القاطنين في القسم السفلي من النيل([157]).

ومن السريان الذين خدموا الخلفاء العباسيين أيضاً واتّصفوا بسموّ الأخلاق والتحلّي بالفضائل المسيحية وخاصة الصدقُ والاستقامةُ والأمانة، الطبيب الشهيرأمين الدولة أبو كرم صاعد ابن توما البغدادي، الذي قرّبه إليه الخليفة الناصر (1180 ـ 1225م) وأمّنه على جميع أسرار دولته وأفراد عائلته، وصادف أن بَصَر الخليفة ضَعُفَ فكلّف امرأة يُقال لها «ست نسيم» أن تنهض بكلّ ما يكتبه هو، وكان خطّها يشبه خط الخليفة تماماً فكان إذا وصل إلى الوزير الكبير كتاب بخطّها يظنّ أنهُ من الخليفة، فيُنجز كلّ ما فيه من اوامر، وإذ كان الخليفة قد أطلعها على أسرار دولته، سوّلت لها نفسها الأمّارة بالسوء إلى التآمر مع الخصي تاج الدين رشيق بتوجيه اوامر مزوّرة إلى الوزير لينفّذها كأنها اوامر الخليفة، وبعد زمن شك الوزير بالأمر، فاستفسر سرّاً من الطبيب أمين الدولة أبو كرم صاعد بن توما البغدادي عن حالة الخليفة، فإحقاقاً للحقّ وإزهاقاً للباطل، وصيانة لسمعة الخليفة اضطر أمين الدولة أن يصرح له بأن الخليفة ضعيف البصر، وأنّ امرأة تكتب له ما شاء من الأوامر، ولما شعرت «ست نسيم» بأن أمرها قد انفضح، أوعزت إلى بعضهم، فاغتالوا أمين الدولة.

وعندما اكتسح التتر أجزاء من آسيا واوربا، وشكّلوا القوّة الأساسية من جحافل جنكيز خان في القرن الثالث عشر، فالحكيم أبو سالم الملطي السرياني المعروف بابن كرابا خدم السلطان علاء الدين كيبقاد (1219 ـ 1236) ونال حظوة مرموقة عنده.

ويذكر التاريخ أن البطريرك اغناطيوس الرابع (1264 ـ 1283) توجه إلى الطاق عاصمة التتر وزار هولاكو ونال منه فرماناً يؤيده في البطريركية الأنطاكية. ثم سار البطريرك مرة ثانية وزار الملك (اباقا) بن هولاكو وخليفته في تخت المملكة، فكتب له هذا أيضاً فرماناً ثانياً بالبطريركية. وكان الربان شمعون السرياني طبيب هولاكو الخاص([158]).

وسقطت بغداد بيد المغول سنة 1258م، وصار المغول مسلمين سنة 1295، قال البروفسور بُولفكان هاجه الألماني في محاضرة له عن تاريخ السريان: «إن الكنيسة السريانية ضعفت كسائر الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط في نهاية القرن الثالث عشر بعدما استولى المغول على تلك البلاد وأسلموا، ولم يكونوا عادلين كالمسلمين العرب. فقلّ عدد المسيحيين هناك من جرّاء ظلم القائد المغولي تيمورلنك (أو تيمور الأعرج) (1336 ـ 1405م) الذي استولى على سوريا وبلاد ما بين النهرين، ودمّر بغداد سنة 1393، وعادى المسيحية، وأرغم السريان وسائر المسيحيين على اعتناق الإسلام واضطهد الذين لم يفعلوا ذلك، فاستشهد على يده أغلبية هؤلاء، وتبع ذلك اوبئة متنوعة، ولم يبقَ من المسيحيين إلا عشرة بالمئة»([159]). فهذه الحقيقة التاريخية التي ذكرها البروفسور المذكور تكشف لنا النقاب عمّا عاناه شعبنا في تلك الحقبة التاريخية على يد قائد مسلم غير عربي، الذي لم يراع العهود التي أعطيت للمسيحيين من الرسول العربي الكريم والخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين لحمايتهم وصيانة حقوقهم، بل هدر دمهم، وهدم كنائسهم وأديرتهم ومدارسهم، فضاعت أغلب مخطوطاتها الثمينة، وهذا يعد خسارة فادحة للحضارة الإنسانية العالمية كافة. وفي اوائل القرن الخامس عشر استولى العثمانيون على قسم كبير من آسيا الصغرى، وفي نصف القرن الخامس عشر سقطت المملكة البيزنطية بسقوط القسطنطينة بيد العثمانيين سنة 1453م([160]).

في رحلتنا السريعة الخاطفة، عبر العصور، توقفنا عند محطات تاريخية، رأينا من المفيد التوقف عندها، وترجمنا باختصار لبعض الشخصيات المهمة الدينية والعلمية والسياسية، محاولين كشف النقاب عن السر المكنون من معاناة الكنيسة السريانية عبر العصور وتضاؤل عددها، وهي تكافح في سبيل الحفاظ على كيانها وتراثها وإيمانها. فبعد أن خرجت من الصراع الديني مع السلطة البيزنطية متعبة منهكة، وتنفّست الصعداء لظهور الإسلام، تعاونت مع المسلمين العرب، إبان الحرب، وزمن السلم. رأينا أن علاقتها مع الولاة كانت بين مدّ وجزر، وكان آباء الكنيسة «حكماء كالحيات، وبسطاء كالحمام»(مت 10: 16) طبقاً لوصية الرب يسوع.

وعندما سقطت الدولة العباسية وتقلّب على حكم البلاد سلاطين من غير العرب المسلمين، واضطرب حبل الأمن، ضعفت الكنيسة وخسرت عدداً كبيراً من أبنائها، وزادها ضعفاً عندما استولى العثمانيون على الحكم وقويت شوكتهم وأخذوا يتلاعبون بمقدرات الناس. أمّا العدو الأكثر شراسة الذي هاجم الكنيسة السريانية في عقر دارها، وكاد يبيدها، فهو الجهل وعدم الشعور بالمسؤولية الروحية، حيث دبّ الخلاف في صفوفها، بعد القرن الثالث عشر، فعمّت الفوضى، وتقوّت العنصرية البغيضة، والعشائرية العشوائية، وقام على الكرسي الأنطاكي السرياني ثلاثة بطاركة في آن واحد، وهكذا مزّقوا جسد المسيح السرّي. فقام واحد في سيس، وتبعه سريان قيليقيا. وواحد في طورعبدين، للشعب هناك. وواحد في ماردين، لبقية سريان الشرق. وقد تعاقب بطاركة طورعبدين مدة 130 سنة، وبطاركة قيليقيا مدة 152 سنة. ولما جلس البطريرك بهنام الحدلي البرطلي على كرسي ماردين عام 1412 تمكّن من إعادة وحدة الكرسي الأنطاكي السرياني، وتوفي عام 1454.

لا بدّ لنا ونحن نحاول معرفة أسباب ضعف الكنيسة من أن ننوه أيضاً بما عانته من العثمانيين عام 1895، وخاصة في الأعوام 1915 ـ 1921 من مآسٍٍ، وما قدمته من آلاف الشهداء الأبرياء، وتشريد الآلاف في طول البلاد وعرضها، في الوقت الذي كانت الكنيسة ـ وما تزال ـ مخلصة لأرض أجدادها، خاضعة للسلطة المدنية، وقد رفضت الكنيسة السريانية ـ عبر العصور ـ حماية دول أجنبية لإيمانها بأن الله هو الذي يحميها، ولإخلاصها لوطنها وحكومته.

واليوم وقد لمّت الكنيسة السريانية شعثها، على الرغم من قلّة عدد أبنائها ـ نسبياًـ في أنحاء العالم أجمع، تؤمن إيماناً متيناً بأن وجودها إلى اليوم دلالة على أن الله في وسطها، فلن تتزعزع، لأنّه هو الذي يحميها ويقوّيها وينمّيها، وهي تمثّل الإيمان الرسولي الذي تسلّمته من الرسل الأطهار، والتراث السرياني العريق، كما تسعى للحفاظ على لغتها السريانية المقدسة التي تكلّم بها السيد المسيح، وتطمح إلى تحقيق التعاون البنّاء بين شعوب المعمورة لما فيه خير البشرية جمعاء.

أيها الحضور الكرام، لا يسمح لنا الوقت لتناول علاقة الكنيسة السريانية مع الإسلام وغيرهم في أيامنا هذه، ذلك أن موقع الكنيسة السريانية الجغرافي قد اتسع، بسبب هجرة أبنائها إلى مختلف أقطار العالم، وتنوع علاقاتهم مع شعوب عديدة تدين بأديان شتى، لذلك نترك إلى فترة النقاش والاجابة على أسئلة الحضور الكرام بحث النقاط التي تهمّكم بالنسبة إلى طبيعة هذه العلاقة في عصرنا الحاضر.

  • الخاتمة:

وفي الختام، يسرّني أن أشكر لكم صبركم وحسن إصغائكم، وأكرر الشكر للمسؤولين المحترمين في جامعة هومبولدت ـ برلين، دعوتهم إياي، وإتاحتهم الفرصة لي، لأكلمكم، ولا بدّ أنكم تشاركونني الرأي بأن ما عاناه السريان من ضيقات واضطهادات ـ عبر العصور ـ إنّما جاء نتيجة لظلم الحكام الغرباء عن البلاد وأهلها الأصليين، ورثة الأرض والتراث، كما جاءت النكبات أيضاً نتيجة ابتعاد بعض المسيحيين من السريان وسواهم عن ينبوع التعاليم الأدبية والروحية المسيحية، وعدم ترجمتها إلى الأعمال الصالحة. ولذلك حتى في جيلنا هذا، نسمع بعض الناس الذين يدرسون الإنجيل المقدس، ويتعرفون على الرب يسوع، يقولون لنا ما قاله غاندي زعيم الهند مرة: «أريد مسيحكم لا مسيحيتكم»، وقد ينطبق هذا القول على إخوتنا المسلمين أيضاً، ولكن ليست مهمتنا أن ندين غيرنا، بل علينا أن نحاسب أنفسنا.

إن انقسام الكنيسة المسيحية على ذاتها يعد خطيئة جسيمة، وهو تجديف على الروح القدس.

دعونا نقف لحظات سريعة أمام التاريخ لنرى نتيجة انقساماتنا، فقد سكب دم آلاف الأبرياء، وتعذّب رجال أتقياء، ونفوا وأبعدوا عن ديارهم. نحمد الله أن الكنائس المسيحية في جيلنا هذا بدأت تشعر بضرورة الاستمرار بالحوار المسيحي. لذلك تقرّبت بعضها نحو بعض، وخطّطت للقاءات مستمرة على مستويات مختلفة، ولدراسة موضوعات متنوعة، وابتدأ أغلب المسيحيين يدركون أن الوحدة المسيحية لا تكون إلاّ في المسيح، وحول المسيح، الذي هو رأس الكنيسة، ونحن جميعاً ـ على اختلاف مذاهبنا المسيحية ـ أعضاء في جسد المسيح السرّي أي المقدس.

إنّ إبليس لا يزال يعمل، فهو يبثّ الفتن، ويشجّع الانقسامات، ويريد من ذلك أن يمزّق جسد المسيح، الذي هو الكنيسة. فلنحذر، إن السياسة في أغلب الأحيان تستغلّ الدين للوصول إلى غاياتها الدنيوية. فلنحذر، ولنقتصر في حوارنا على الموضوعات الروحية، لأن مملكة المسيح ليست من هذا العالم.

نحن لا ننشد الوحدة المسيحية لنتكتّل ضد الآخرين، بل لنسهّل مهمتنا الشريفة، وهي الحوار البنّاء بين الأديان المؤمنة بالله، وخاصة مع إخوتنا المسلمين، الذين يشاركوننا العيش في الوطن الواحد، ولنأخذ من التاريخ عبراً ودروساً نفيسة، فنتجنّب ما يفرّقنا، ولنسلك الطريق التي توصلنا إلى تفاهم اوثق، وحياة أفضل تسودها المحبة والسلام، وشكراً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صفحات مشرقة من تاريخ الأدب السرياني في القرن السادس للميلاد (*)

 

  • العصر الذهبي للأدب السرياني:

يعتبر القرن السادس للميلاد القلب النابض لعصر السريان الذهبي([161])، لوفرة الإنتاج الأدبي فيه، وجودة العطاء العلمي وتنوعه، وكثرة العلماء الأعلام، والأدباء اللامعين، والشعراء المفلقين، وانتشار المدارس في طول بلاد الشرق وعرضها، وتأسيس المكتبات الزاخرة بآلاف المخطوطات في شتّى فنون العلم والمعرفة.

ومما لا يختلف فيه اثنان أن الأدب السرياني أدب ديني مسيحي المنبت، كنسي المنشأ([162]) . وخواصه إما كتابية تعنى بدراسة الكتاب المقدس وشرحه وتفسيره، وإما طقسية تهتم بتنظيم العبادة، وإما لاهوتية وجدلية تحاول تثبيت العقائد الدينية، وإما تاريخية تدوّن وقائع التاريخ الديني والمدني القديمين والمعاصرين، وإما نقلية تنقل إليها أسفار الكتاب المقدس من لغاته الأصلية، وتترجم شتى العلوم من اليونانية وغيرها من اللغات كاللاتينية والفارسية.

وأغلب من وصلت إلينا مصنفاتهم هم من رجال الكنيسة، كما أن جلَّ المدارس السريانية أسست في الأديرة والكنائس. فصانعو العصر الذهبي للعلوم والآداب السريانية إذن هم من رجال الكنيسة. ولذلك لا يستكمل بحثنا دون إلقاء نظرة فاحصة وسريعة على أحوال الكنيسة والعالم الشرقي في ذلك العصر، لنتعرف على التربة التي نبت فيها الأدب السرياني والمناخ الذي ساعد على نموه وإعطائه الثمار الناضجة.

  • الحال السياسية والتنافر المذهبي:

كانت بلاد الشام وسواحل البحر المتوسط وآسية الصغرى تنوء تحت وطأة الحكم البيزنطي. أما بلاد العراق فقد كانت تحت الحكم الفارسي. وكانت الدولة الفارسية تنازع الدولة البيزنطية السيادة على الشرق([163]) وكانت الحروب قائمة بين الدولتين باستمرار حتى الربع الأخير من القرن السادس.

كما اشتدّ النزاع المذهبي بين الفرق المسيحية، فالقرن السادس هو فترة تنافرات مذهبية جاءت نتيجة للشقاق الذي صدّع جوانب الكنيسة المسيحية على أثر مجمع أفسس عام 431م، ومجمع خلقيدونية عام 451م، وتفاقم الخلاف حتى بدا تأثيره السيء في اوائل القران السادس على اللغة السريانية نفسها إذ انقسمت من حيث لفظها وخطها إلى قسمين يعرفان تقليدياً بالغربي والشرقي نسبة إلى مواطن الشعوب التي كانت تتكلّمها. ويعتبر نهر الفرات، على وجه التقريب، محوراً يفصل بين هذين الطرازين. فما كان واقعاً في مشرقه اتّبع أهلوه اللفظ والخط «الشرقي»، وما كان في غربه، اتّبعوا اللفظ والخط «الغربي». وبتعبير آخر، إن غرب نهر الفرات كان يشمل بلاد الشام، وشرقه كان يشمل بلاد ما بين النهرين والعراق وأذربيجان. على أن هذا التوزيع الجغرافي لا يستقيم في كل الأحوال. فإنه يستثنى من القسم الشرقي الشعب العراقي السرياني الأرثوذكسي([164]) الذي يتبع التقليد الغربي.

وسنقتصر في بحثنا هذا على دراسة بعض العلماء والأدباء من أتباع التقليد الغربي وهم السريان الأرثوذكس.

  • امبراطور بيزنطية يضطهد الكنيسة:

عندما جلس يوسطينوس الاول على عرش الامبراطورية البيزنطية عام 518م أثار اضطهاداً عنيفاً ضد الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنائس المتحدة معها بالإيمان([165]) فغادر مار سويريوس بطريرك أنطاكية مقر كرسيه والتجأ إلى مصر حيث أقام زهاء عشرين سنة يدبّر الكنيسة السريانية بنوّابه ومراسلته. ولم يقوَ الاضطهاد على إيقاف نشاطه الأدبي والديني، بل حفّزه على الكتابة فخلّف لنا مؤلفات جمّة وضعها باليونانية ومنها نقلت إلى السريانية([166]). ونفي مار فيلوكسينوس المنبجي واستشهد مخنوقاً بالدخان، وهكذا امتلأت السجون برجال الكنيسة السريانية. ووسّع يوسطينوس شقة الخلاف المذهبي واستغله في السيطرة على مصر وبلاد الشام وسلب غلاتهما.

ومات يوسطينوس سنة 527م فورثه على عرش بيزنطية ابن أخته يوسطينيان ومعه تيودورة([167]) زوجته وكانت هذه سريانية أرثوذكسية فعطفت على رجالات كنيستها ولكنها لم تتمكن من إيقاف الاضطهاد لأسباب سياسية وإدارية حيث اتّهم أتباع عقيدة المجمع الخلقيدوني زوجها بالتحيّز للمنفيين([168]) انصياعاً لرغبتها.

لم يقوَ الاضطهاد العنيف على إيقاف نشاط السريان الروحي، الذين لم يكتفوا بالدفاع عن عقيدتهم الدينية داخل حدود المملكة البيزنطية، بل حملوها بلغتهم السريانية إلى بلاد بعيدة، من ذلك أن الامبراطورة تيودورة اختارت القس يوليان السرياني الذي كان يخدم لدى البطريرك الاسكندري، وأرسلته إلى أثيوبيا (الحبشة) فنصر الأحباش: ملكاً وشعباً([169]) وتمسّكت كنيسة أثيوبيا بالعقيدة الأرثوذكسية وهي متحدة بشركة الإيمان الواحد مع الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية. كما أن تأثير اللغة السريانية ظاهر في اللغة الأمهرية، اللغة الطقسية لكنيسة أثيوبيا الأرثوذكسية، إذ قد اقتبست الأخيرة كلمات سريانية ومصطلحات دينية لا تحصر. كما أنها لا تزال تستعمل أنافورا (كتاب القداس) من وضع مار يعقوب السروجي ملفان الكنيسة السريانية المتوفى سنة 521م.

وكان السريان قد اوصلوا بشارة الإنجيل المقدس واللغة السريانية وطقسهم الديني الأنطاكي إلى بلاد الهند منذ صدر النصرانية، وواصلوا إرسال البعثات في القرون التالية، ولا يزال تأثير الأدب السرياني الطقسي ظاهراً هناك، كما أن الكنيسة السريانية في الهند لم تزل تستعمل إلى جانب لغاتها المحلية اللغة السريانية والألحان السريانية في طقوسها الدينية ويخضع زهاء مليونين من الهنود للكرسي الرسولي الأنطاكي للسريان الأرثوذكس.

 

  • المدارس السريانية ومكتباتها:

اشتهر السريان بمدارسهم التي أسسوها في الأديرة والكنائس وفي القرى والمدن التي استوطنوها، قال في ذلك البحاثة أحمد أمين ما يلي: «كان للسريان في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تعلّم فيها العلوم السريانية واليونانية… وكانت هذه المدارس يتبعها مكتبات… وكان في الأديار السريانية شيء كثير لا من الكتب المترجمة في الآداب النصرانية وحدها بل من الكتب المترجمة من مؤلفات أرسطو وجالينوس وأبقراط، لأن هؤلاء كانوا محور الدائرة العلمية في ذلك العصر، وكان السريان نقلة الثقافة اليونانية إلى الامبراطورية الفارسية»([170]). كما نقلوها في العصر العباسي إلى العرب.

 

وكانت مواد الدراسة في هذه المدارس لاهوتية على الغالب، واستعانوا بالفلسفة اليونانية على إثبات الحقائق الدينية، واهتمّوا إلى جانب اللاهوت والفلسفة بعلوم الطب والفلك والرياضيات والطبيعيات والتاريخ والآداب وغيرها.

وكانت اللغة السريانية لغة البلاد في ذلك العصر([171]) اللغة الرسمية للمعاهد السريانية، فهي لغة الكنيسة والأدب والتجارة في آن واحد إلى جانب اليونانية التي كان يتكلّمها الشعب اليوناني في المدن الكبيرة. وكان السريان يعرفون عدة لغات دائماً فإن الذين اهتموا منهم بالمحاماة درسوا اللغة اللاتينية، أما الذين عكفوا على دراسة الفلسفة فتعلّموا اليونانية، ولكن بقيتهم وخاصة اولئك الذين وجدوا خارج المراكز ذات الصفة العالمية فإنهم تمسّكوا بلغتهم الوطنية، اللغة السريانية. ذكر البطريرك يوحنا فم الذهب المتوفى سنة 407م بإحدى عظاته في أنطاكية أن أغلب الذين كانوا ينصتون إليه من الكهنة والشعب لا يتمكنون من فهم عظاته باليونانية لأن لغتهم هي السريانية.

واشتهرت الأديرة السريانية بمدارسها الزاهرة، وانتشرت حول مدينة أنطاكية من ذلك مدارس دير مار باسوس، ودير تلعدا، والجب الخارجي. كما اكتظت على جبل الرها، وطورعبدين ونصيبين، ورأس العين وغيرها. واشتهرت منها في القرن السادس خاصة مدرسة قنسرين التي أنشأها سنة 530م يوحنا بن أفتونيا المتوفى سنة 538 مؤسس دير قنسرين نفسه على الضفة الشرقية لنهر الفرات إزاء مدينة جرابلس. واهتمّ بها كثيراً فصارت أكبر مدرسة لاهوتية سريانية في ذلك العصر، وحتى اوائل القرن التاسع، وبقي الدير عامراً إلى اواسط القرن الثالث عشر([172]). وتخرّج في تلك المدرسة علماء أعلام، منهم ساويرا سابوخت في القرن السابع للميلاد الذي على يده، في ما يقال، وصلت الأرقام الهندية إلى العرب([173]). ووضع مؤلفات فلسفية وفلكية قيّمة.

واكتظت الأديرة ومدارسها بالخطاطين الذين أغنوا الأديرة والكنائس بالمجلدات الضخمة، فتكونّت المكتبات السريانية وانتشرت في كل مكان، ومن أشهرها مكتبة دير والدة اللّه في وادي النطرون بمصر، الذي يدعى أيضاً بدير السريان، وهو عامر. وتزهو اليوم مكتبات الشرق والغرب بالمخطوطات السريانية التي جاءتها من مكتبة هذا الدير لوفرتها، ونفاستها، وقدمها، حيث يرتقي عهد بعضها إلى القرنين الخامس والسادس للميلاد. وقد حفظ لنا الدهر من مخطوطات القرن السادس مخطوطتين للكتاب المقدس، الاولى في مكتبة الفاتيكان كتبت سنة 548م، والثانية في مكتبة فلورنسة خطها سنة 586 الربان رابولا، ولذلك تدعى بـ (إنجيل رابولا)، وتتخلل هذه المخطوطة ست وعشرون صورة ملوّنة([174]).

  • ترجمة الكتاب المقدس وبعض العلوم إلى السريانية:

وفي القرن السادس بدأ علماء السريان الأرثوذكس ينقلون بعض العلوم عن اليونانية. وجاء ذلك نتيجة حتمية للنزاع المذهبي فيما بينهم وبين اليونان البيزنطيين، وحاجة السريان إلى نقل مؤلفات الآباء القدامى والمعاصرين الذين كتبوا بغير السريانية، فتزاوجت الحضارة السريانية بحضارات أخرى، واغتنت اللغة السريانية، بل بلغت اوجها. قال في ذلك العلامة البطريرك أفرام الاول برصوم ما يلي: «بلغ الأدب السرياني في القرن السادس أرقى الدرجات في الفن والبلاغة… وكانت اللغة تختال مزدهرة بلفظها الرصين وجلبابها الناصع وأسلوبها القديم».

وكان الكتاب المقدس، بعهديه، موضع اهتمام علماء السريان، وكانوا قبل القرن السادس يعتمدون خاصة نسخة الترجمة البسيطة (فشيطتا) وسميت كذلك لترك البلاغة في ترجمتها، وهذه الترجمة جرت على يد جماعة من اليهود المتنصرين في القرن الاول، وحوت أسفار العهدين كلها ما عدا رسالتي مار يوحنا الثانية والثالثة، ورسالة مار بطرس الثانية، ورسالة مار يهوذا. فقدّم لنا القرن السادس ترجمة سريانية جديدة لأسفار العهد الجديد سميت بـ (الفيلوكسينية) وقد تمّت عام 505م على يد الخوري بوليقر بولس بعناية مار فيلوكسينوس المنبجي المتوفى سنة 522م ونسخها نادرة اليوم، كما ترجم شمعون رئيس دير ليقين في اوائل القرن السادس سفر المزامير إلى السريانية، وتناول علماء السريان الكتاب المقدس شرحاً وتفسيراً، فتركوا لنا في هذا الباب كنوزاً ثمينة.

  • علماء السريان وأدباؤهم في القرن السادس:

بانتشار المدارس السريانية، وتهافت طلاب العلم عليها، لمع للسريان في القرن السادس علماء يشار إليهم بالبنان، وأدباء أفذاذ ولاهوتيون قديرون وفلاسفة كبار، ومؤرّخون ثقات، وشعراء فطاحل، اشتهر أغلبهم في شتّى أبواب المعرفة. لذلك رأينا أن نترجم في هذه العجالة نخبة منهم، على سبيل المثال لا الحصر، ونعدد أهم ما وضعوه من مصنفات.

  • المؤرّخون:

لمؤرخي السريان في هذه الحقبة فضل كبير في تدوين حوادث التاريخ المدني العام والخاص، والتاريخ الديني الكنسي، ولا سيما ما جرى في القرنين الخامس والسادس. أشهر هؤلاء المؤرّخين هم:

1 ـ يوحنا الأفسسي (ت: 587):

من أشهر مؤرّخي السريان وأكثرهم فضلاً، ولد في بلدة (اكل) من ولاية آمد حوالي سنة 507م ودرس في دير يوحنا الأورطي في شمالي آمد، وترهب وتروّض على يد النسّاك ودوّن أخبارهم، واضطهد وشرد معهم، وفي سنة 542م اوفده القيصر يوسطنيانس لتبشير الوثنيين في ولايات آسيا الصغرى وقاريا وفروجيا ولوديا وحوالي سنة 558 رسمه يعقوب البرادعي مطراناً لأفسس فنسب إليها وإلى آسيا الصغرى. فأقام زهاء تسع وعشرين سنة ونصر زهاء ثمانين ألفا وبنى لهم الكنائس والأديرة. وعام 571 أذاقه القيصر يوسطينوس الثاني صنوف العذاب في السجون والمنفى وانتقل إلى جوار ربه في حدود سنة 586 أو 587م ونعت بمنصِّر الوثنيين، ومكسّر الأصنام ومؤلف تواريخ البيعة «ألّف تاريخاً كنسياً في ثلاثة مجلدات قوام كل منها ستة أبواب: الأول والثاني من عهد يوليوس قيصر حتى سنة 571 وضمن الثالث أخبار الكنيسة والعالم من سنة 571 حتى سنة 585 ويقع في 418 صفحة»([175]). وهو أقدم تاريخ لمؤرخ سرياني أرثوذكسي انتهى إلينا. إن المجلد الاول مفقود فيما نعهد. والثاني وقد نقل برمته تقريباً إلى التاريخ الذي ألّفه الراهب الزوقنيني عام 775م ونشرت منه شذرات على حدة. والثالث موجود باستثناء صفحات قليلة سقطت منه وتوجد منه نسخة فريدة ترقى إلى القرن السابع([176]) وقد نشر هذا المجلد ونقل إلى لغات اوربية. كما ألّف مار يوحنا سير النساك الشرقيين الذين تحادث مع معظمهم وله رسائل شتّى ذات أهمية تاريخية.

2 ـ زكريا الفصيح: توفي بعد سنة 536م:

ولد في غزة ودرس علمي النحو والبيان في مدرسة الاسكندرية وفي سنة 516م كتب باليونانية سيرة زميله وخدينه البطريرك مار سويريوس، تتضمّن أحواله منذ ولادته حتى جلوسه على الكرسي الأنطاكي ثم نقلت هذه السيرة إلى السريانية ([177]) وقد رسم سنة 527م أسقفاً على جزيرة مدللي.

أهم مؤلفاته تاريخ ديني مدني مسهب من سنة 450 ـ 491م وضعه باليونانية وترجم إلى السريانية بشيء من التلخيص، وفقد الأصل اليوناني وبقيت الترجمة السريانية. نقله مار ميخائيل الكبير (ت1199) إلى كتابه التاريخ الديني المدني العام. كما كتب زكريا سيرة أشعيا الناسك وبطرس أسقف مايوما([178]) وثاودورس أسقف انصنا([179]) وتوفي بعد سنة 536([180]).

3 ـ المؤرّخ السرياني المجهول:

عاش في غضون القرن السادس، وله تاريخ يتناول الفترة التي بين 131 ق.م إلى 540م([181]).

  • اللاهوتيون:

اشتدّ في هذه الحقبة النزاع المذهبي كما ذكرنا آنفاً، وظهر فيها لاهوتيون قديرون وضعوا المجلدات القيمة في كل أقسام علم اللاهوت منهم:

1 ـ مار فيلوكسينوس المنبجي (ت 522م):

ولد في بلدة تحل من كورية باجرمي ـ محافظة السليمانية ـ بالعراق، قبيل منتصف القرن الخامس للميلاد، واسمه السرياني (أخسنويو) أي (غريب) وسمي فيلوكسينوس لدى رسامته مطراناً. وهو اسم يوناني معناه (محب الغربة) درس في دير قرتمين([182])، ومدرسة الرها ودير تلعدا([183]) ترهّب ورسم كاهناً ثم رسم مطراناً لمنبج([184]) عام 485م نفي عام 518م إلى فيلبوني في ثراقبة ثم غنغرة حيث استشهد مخنوقاً بالدخان عام 522م([185]).

وصل إلينا من مؤلفاته التفسيرية شروحه على الأناجيل في مخطوطتين من القرن السادس في المتحف البريطاني. وكان قد اهتمّ بنقل العهد الجديد من اليونانية إلى السريانية على يد الخوري بوليقربوس، وعرف بالنقل الفيلوكسيني، وقيل نقل العهد القديم أيضاً إلى السريانية.

وكان المترجم لاهوتياً من المرتبة الاولى ومؤلفاته في هذا الباب كثيرة منها كتاب في التثليث والتجسد في ثلاث مقالات([186]) ضد الخلقيدونيين. كما كتب عشر مقالات وسبعة وعشرين فصلاً ضد النساطرة وغيرهم وله ثلاث ليتورجيات وطقس عماد ورسائل وعونيثات وقوانين للرهبان([187]).

أما كتابه الموسوم بـ (طريق الكمال) فهو درة مؤلفاته الأدبية الروحية دبّجه في اوائل القرن السادس للميلاد بلغة سريانية نقية تتجلى فيها مقدرته الأدبية([188]).

قال بشأنه، الدكاترة كامل والبكري ورشدي في كتابهم الأدب السرياني([189]) ما يلي: «… ومع أن أكسنايا كان رجل كفاح وجهاد فإنه كان إلى جانب ذلك، أديباً نابهاً وكاتباً رقيق العبارة والسريان يعدّونه في المرتبة الاولى من كتّابهم. ومع أن السمعاني لم يترك فرصة للحط من قدره، إلاّ أنه كان مع ذلك مضطراً إلى أن يعترف بأنه من خيرة كتّاب السريان».

2 ـ مار سويريوس الأنطاكي (ت538م):

ولد نحو سنة 459 في سوزوبليس من ولاية بيسيدية ودرس النحو والبيان في الاسكندرية باليونانية واللاتينية، والفقه والفلسفة في بيروت فتبحّر بكل هذه العلوم. وترهّب في دير رومانس في بلدة مايوما بفلسطين، ورسم كاهناً، وأنشأ ديراً، واشتهر بالزهد، والدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية. رحل إلى القسطنطينية بمئتي راهب عام 508 للدفاع عن المعتقد، ومكث فيها زهاء ثلاث سنوات. ولما عزل فلبيانس الثاني بطريرك أنطاكية انتخب مار سويريوس ورسم بطريركاً لأنطاكية وذلك عام 512 وفي اضطهاد يوسطينوس الاول للكنيسة الأرثوذكسية سنة 518 هرب مار سويريوس إلى مصر ومكث فيها عشرين سنة يدبّر الكنيسة بنوابه ومراسلته([190]) ووضع مؤلفات جمّة باليونانية كانت تترجم حالاً إلى السريانية وتنشر وهي دينية وجدلية وطقسية وتفسيرية وخطب. وكان يوسطنيان الامبراطور البيزنطي قد أمر بحرقها وتشديد العقاب على من يستنسخها أو يحوزها فلم يبقَ منها باليونانية إلا النزر اليسير ولكنها حفظت بترجماتها السريانية وأشهرها([191]): ثلاثة عشر كتاباً قيماً لاهوتياً وجدلياً، ومئتان وتسعة وخمسون معنيثاً([192]) في روح الشهداء والقديسين دخلت أغلبها الطقس البيعي وتنشد في الآحاد والأعياد. وله مئة وخمس وعشرون عظة تسمى بـ (خطب المنابر) بين طويلة وقصيرة جمعت قديماً في ثلاثة وعشرين مجلداً لم يصلنا منها سوى مجلّدين ضخمين وهي لاهوتية، وشرعية، وتاريخية، وإدارية.

ومما حملنا على وضع مؤلفات مار سويريوس في عداد التراث السرياني، هو أنها نقلت إلى السريانية بأسلوب بليغ على يد المطران بولس الذي رسم مطراناً على الرقة في الربع الاول من القرن السادس وكان متبحراً باللغتين اليونانية والسريانية وحين اضطهد يوسطينوس الاول رجال الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، غادر المطران مركز أبرشيته إلى الرها سنة 519 واهتم بنقل أغلب مصنفات مار سويريوس إلى السريانية فدُعي بمترجم الكتب، وكثير من هذه المصنفات قد ترجم إلى لغات اوربية ونشر فيها.

3 ـ مار شمعون الارشمي (ت 540م):

كان عالماً جليلاً، سمي بالمجادل، واشتهر بالدفاع عن حق الكنيسة الأرثوذكسية وتثبيت أتباعها على التمسك بعقيدتها. رسم أسقفاً على بلدة بيت أرشم الواقعة على ضفة نهر دجلة بالقرب من المدائن، قبيل سنة 503 ونصَّر في حيرة النعمان خلقاً كثيراً وشيّد لهم كبار القوم فيهم كنيسة، كما تلمذ ثلاثة من زعماء المجوس استشهدوا في سبيل الإيمان. اوفده القيصر أنسطاس سفيراً إلى ملك الفرس فأزال الشدة عن المؤمنين. وسجن بأمر ملك الفرس سبع سنين في نصيبين، رحل إلى القسطنطينية ثلاثاً وكانت المرة الثالثة لمقابلة الملكة تيودورة فوافته المنية هناك شيخاً طاعناً بالسن في نحو سنة 540م.

وضع مار شمعون مؤلفات شتّى لاهوتية، ورسائل عديدة أنفذها إلى المؤمنين في بعض الأماكن. وصل إلينا منها ليتورجية (كتاب القداس) ورسالة كتبها سنة 511م بسط فيها أخبار برصوما النصيبيني وانتشار النسطرة في بلاد فارس وغلق مدرسة الرها. وهي أقدم مستند لهذين الحدثين([193]) ورسالة ثانية أنفذها سنة 524م من الحيرة إلى شمعون رئيس دير الجبول([194]) وفيها يفصل أخبار استشهاد المسيحيين الحميريين([195]) الذين قتلهم مسروق([196]) ملك اليمن اليهودي قبل كتابة الرسالة بسنة واحدة. نشر جويدي المستشرق الإيطالي في رومية سنة 1881م الجزء الأكبر من هذه الرسالة كما نشرها المستشرق السويدي اكسل موبرج سنة 1924 مترجمة إلى الإنكليزية. ونشرها السمعاني مع الرسالة الاولى في مكتبته الشرقية. وهناك رسالة أخرى للأرشمي نشر دراسة عنها قداسة البطريرك العلامة مار إغناطيوس يعقوب الثالث في كتابه (الشهداء الحميريون العرب) قال في المقدمة: «في خزانتنا البطريركية، مخطوطة سريانية ضخمة من القرن الثاني عشر… وقد لفتت نظرنا ما بين ورقتي 421 ـ 425 قصة عنوانها (قصة أي شهادة الطوباويين الحميريين الذين تكللوا في مدينة نجران) فطالعناها فألفيناها مشتملة على رسالة ثانية لمار شمعون الأرشمي أنفذها في تموز 524 من حيرة جبلة ملك الغساسنة إلى شمعون رئيس دير الجبول في سورية الشمالية، أي بعد بضعة أشهر من كتابة الرسالة الاولى إليه من حيرة النعمان مضيفاً إلى ما جاء في الاولى أخباراً جديدة قيمة استقى بعضاً من حديث بعض النجرانيين الذين شهدوا شهادة مواطنيهم ونقل الباقي عن رسائل وردت إليه من نجران.»…

  • الفلاسفة:

توغل السريان في دراسة الفلسفة واستعانوا بها على إثبات الحقائق الدينية خاصة في فترة النزاع المذهبي، وقد تبعوا فلسفة أرسطو وعرفوا منه المنطق ومن منطقه المقولات العشر. وتبعوا الفلسفة الفيثاغورية والأفلاطونية بحكمها التهذيبية وتعرّفوا على الأفلاطونية الجديدة الداعية إلى الزهد بالدنيا. وأشهر الفلاسفة السريان في القرن السادس هم:

1ـ اسطيفان بن صوديلي (ت 510م):

ولد في النصف الثاني من القرن الخامس سريانياً أرثوذكسياً، ورحل في شبابه إلى مصر طلباً للعلم، فلقنه رجل اسمه يوحنا مذهب (البانثئست) وهو وحدانية الوجود أي أن الإله الواحد هو كل الكائنات وأن كل طبيعة مساوية في الجوهر للذات الإلهية والجوهر الإلهي([197]). وعاد من الاسكندرية إلى الرها. وشرع ينكر أبدية عذاب جهنم. ويقول أن الخطاة يعودون بعد تطهيرهم إلى اللّه مفسّراً آية الرسول بولس «كي يكون اللّه الكل في الكل» (1كو 15: 28) بما يوافق آراءه. ففنّد مار فيلوكسينوس المنبجي آراءه هذه برسالة أنفذها إلى ابراهيم وآريسنتوس قسيسَيْ الرها. وكذلك دحض مار يعقوب السروجي ضلالة ابن صوديلي فحرم هذا وطرد من الرها فقصد فلسطين ووجد هناك رهباناً على مذهب اوريجانس عاش معهم وكان يراسل تلاميذه في الرها وتوفي في اواخر القرن السادس.

وضع بلغة سريانية بليغة كتاباً في موضوع أسرار الكنيسة. دسّ فيه آراءه الفلسفية متبعاً الفلسفة الأفلاطونية الجديدة الداعية إلى الزهد بالدنيا ونسب الكتاب إلى ايرثاوس أستاذ ديونيسيوس الأريوباغي. كتب البطريرك قرياقوس (ت817) عنه قائلاً: «إن الكتاب المنحول إيرثاوس ليس له ويحسبه بعضهم من وضع ابن صوديلي المبتدع([198])» وقد شرح البطريرك تيودوسيوس (887 ـ 896م) هذا الكتاب كما شرحه المفريان ابن العبري (ت 1286م) مثمنين آراءه في التصوف والنسك والزهد.

ولابن صوديلي أيضاً شروح رمزية على المزامير يوجد نبذ منها في المتحف البريطاني يعود تاريخها إلى القرنين التاسع والعاشر. وله أيضاً شروح صوفية على الكتاب المقدس مفقودة. ورسائل([199]).

2 ـ سرجيس الرأسعيني (ت 536م):

إمام عصره في الطب والمنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية وهو أول النقلة من اليوناني إلى السرياني لدى السريان الغربيين. وقد تبحّر باللسانين ودرس الفلسفتين الأرسطاطالية والأفلاطونية الجديدة في الإسكندرية. وصار قسيساً سريانياً أرثوذكسياً في مدينة رأس العين الواقعة على منابع نهر الخابور في الجزيرة بسورية. ولعل ولادته كانت فيها. وتقلب في المذهب الديني، ومات في أنطاكية سنة 536م.

أشهرمؤلفاته مقالات أصلية في المنطق بسبعة أجزاء، ومقالة دينية في السلب والإيجاب، وفي أسباب الخليقة وفقاً لتعليم الرسل، وفي الأجناس والأنواع والأفراد بحسب مبادئ أرسطو، وكتاب في الأدوية البسيطة، وكتاب في غاية أرسطاطاليس بأسرها. وقد نقل من اليوناني إلى السرياني إيساغوجي برفيريوس الصوري، ومقولات أرسطو وكون العالم، ومقالته في النفس خمسة فصول وبعض تآليف جالينوس. وكتاب ديونيسيوس الأريوباغي وكتب له مقدمة بليغة.([200])

3 ـ مار أحودامه([201]) (ت 575):

لاهوتي قدير، وفيلسوف كبير. ولد في مدينة (بلد)([202]) ورسمه كريستفورس جاثليق أرمن (538 ـ 545) أسقفاً على أبرشية باعربايا المجاورة لسنجار في العراق ونشر بشارة الإنجيل في ديار ربيعة ونصّر خلقاً كثيراً ورافقهم في حلّهم وترحالهم في الصحارى، وبنى لهم ديرين وكنائس، وسام لهم قسوساً ورهباناً. كما نصّر أميراً من البيت الفارسي المالك فاعتقله كسرى أنوشروان وأمر بقطع رأسه في 2 آب سنة 575م. ودفن جثمانه في بلدة قرونتا المجاورة لتكريت.

 

كتب بلغة سريانية بليغة، مؤلفات لاهوتية وفلسفية قيمة، منه كتاب الحدود ومقالات في الحرية الدينية، والقضاء والقدر، والنفس والإنسان باعتباره عالماً صغيراً، وفي تركيب الإنسان من جسد ونفس. وقد ألّف على الأغلب كتاباً في النحو على طريقة النحو اليوناني لم يصل إلينا([203]).

 

  • الشعراء:

برز للسريان في القرن السادس شعراء مفلقون يشار إليهم بالبنان في مقدمتهم الملفان يعقوب السروجي الذي يعد خدنا لأفرام السرياني (ت373م) وكلاهما يتصدر الطبقة الاولى بين شعراء السريان كافة.

1 ـ مار يعقوب السروجي الملفان (ت 521م):

ولد في قرية (كورتم) من قرى سروج على ضفة الفرات سنة 451م وكان أبوه قسيساً.

درس بمدرسة الرها فتعمّق في علم الكتاب المقدس وتفسيره والعلوم الفلسفية واللاهوتية واللغوية. وترهّب ورسم قسيساً ثم قلّد رتبة زائر لبلدة حورا من عمل مدينة سروج وفي سنة 519 رسم أسقفاً لأبرشية بطنان سروج وانتقل إلى جوار ربه في 29 تشرين الثاني سنة 521م وهو في السبعين من عمره وعيدت له الكنيسة.

يعد مار يعقوب السروجي أمير الشعراء السريان بلا منازع، بكثرة الإنتاج وجودته. قال الشعر في صباه، ولما ذاع صيته اختبره خمسة أساقفة في بيعة بطنان سروج، حيث ارتجل قصيدته الاولى في مركبة حزقيال ومطلعها ما ترجمته: «أيها العلي الجالس على المركبة الفائقة كل وصف، ألهمني لأذيع في الأرض مصرّحاً بأنك لا تدرك» وأقروا بملفنته، وعظم مواهبه، وأوصوه أن يكتب كل ما ينظم من ميامر. ويقول ابن العبري أن سبعين كاتباً كانوا يكتبون قصائده، وقد جمعت فبلغت (760) قصيدة فُقِد أغلبها ولم يبقَ منها سوى  (300) قصيدة وهي في القمة لغة وبياناً وبلاغة وسلاسة ومعنى، اولها في مركبة حزقيال وآخرها في الجلجلة وكلها على البحر الإثني عشري الذي استنبطه وعرف بالسروجي نسبة إليه ويذكر مار ميخائيل الكبير (ت 1199م) الذي جمع ميامر السروجي كلها: «إن مار سويريوس قد سمع عن مار يعقوب السروجي وفحص أشعاره فأثنى عليه»([204]) ولعل هذه الأشعار ترجمت إلى اليونانية لهذه الغاية.

وللسروجي أسلوب شيّق في نظم قصائده فهو يفتتحها بديباجة رائعة يقدم بها الشكر للّه ويستمدّ العون الإلهي ثم يتدفق كالسيل العرم بالمعاني السامية ويحلّق بأجواء الخيال يشرح ويفسّر، وقد تبلغ أبيات قصيدته مئات الأبيات فهو لا يملّ ولا يكلّ، وينتهي بخاتمة بديعة تشعر وأنت تقرأها بأنك قد وصلت إلى الميناء بعد رحلة رائعة في أجواء القصيد البديع. أما مواضيع قصائده العصماء فهو شرح أشهر حوادث الكتاب المقدس بعهديه، والفضائل المسيحية، ومدح العذراء والأنبياء والرسل والشهداء وله في القيامة والتوبة. وقد دخلت أشعاره الطقس البيعي. نشر له الراهب بولس بيجان مئتي ميمر أي قصيدة. وقد ترجمت قصائده إلى الحبشية كما نقلت إلى العربية بترجمة ركيكة.

وللسروجي رسائل، ونثره غاية بالبلاغة. وصلت إلينا منها ثلاث وأربعون رسالة في ثلاثة مصاحف بلندن يعود تاريخ كتابتها إلى القرن السابع. وقد نشرت سنة 1937 في 316 صفحة ومن جملة رسائله هذه رسالة أنفذها إلى الحميريين وهم عرب نجران النصارى يواسيهم فيها على المحنة التي أصابتهم باضطهاد الملك اليهودي مسروق لهم واستشهاد جمع غفير منهم على يد هذا الطاغية.

وله ليترجيتان  للقداس وترانيم وأناشيد للأعياد ومواعظ. وكتب سيرتي الناسكين دانيال الجلشي وحنينا، كما أنه شرح مئات إوغريس الستمائة بحسب رأي ابن العبري (ت 1286م)([205]).

 

2 ـ شمعون الفخاري (ت 514م):

كان شمعون شماساً في قرية كيشير في كورة أنطاكية، وكان فخّارياً ينظم الأناشيد الدينية السريانية في أثناء صنعه الاواني الخزفية فتأتي بلغتها عذبة، على لحن استنبطه فسمّي بـ (القوقويو) أي اللحن الفخاري. وقد زاره الملفان مار يعقوب السروجي (ت 521م) في حانوته واستمع إلى ترانيمه وأطرى عمله هذا وحثّه على المواظبة، كما أخذ ببعض هذه الأناشيد وأطلع البطريرك مار سويريوس (ت538م) عليها بعد أن نقل شيئاً منها إلى اليونانية وأثنى عليه. واقتدت بشمعون نخبة طيبة ممن اتقى اللّه مثله، كانوا يعملون معه في صنع الفخار ونظم النشائد الروحية.

أما موضوع أناشيد شمعون فهو ميلاد السيد المسيح والمعجزات التي اجترحها ومدح أمه العذراء مريم، وفي الصليب والقيامة والأنبياء والقديسين والموتى والتوبة وقد دخلت بعضها الطقس البيعي كما كتب شمعون أبياتاً بألحان أخرى وصل إلينا منها 28 بيتاً من القرن الثامن محفوظة في لندن([206]).

  • الخاتمة:

إن هؤلاء الشعراء المفلقين والأدباء البلغاء، والمؤرّخين الأعلام، واللاهوتيين القديرين، والفلاسفة الكبار، صنعوا الأمجاد الخالدة للغة السريانية وآدابها، بما تركوه للأجيال من تراث ثمين في مضمار العلم والمعرفة، فأناروا الطريق لمن جاء بعدهم في خدمة الإنسانية وتوفير السعادة لها. فحق للقرن السادس للميلاد أن يدعى القلب النابض لعصر السريان الذهبي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أهــل الكـهـف في المصادر السريانية )*(

 

  • تمهيد:

لا بدعة إذا قلنا إن الأدب السرياني المسيحي زاخر بالقصص المشوّقة سواء أكانت موضوعة بالسريانية أم منقولة إليها، ليجتني القراء من مطالعتها فوائد روحية جليلة. فتناقلتها الألسن، وتوارثتها الأجيال، ودوّن جزء كبير منها في عصر أبطالها، أو بعدهم بمدة قصيرة أو طويلة. وهي تتناول سير بعض الآباء الاولين، ورجالات الكنيسة الميامين، والشهداء، والمعترفين([207]) والقديسين، والنسّاك الفضلاء، والنسوة الفواضل.

 

ولا يُنكر ما طرأ على بعض من هذه القصص من زيادة أو نقصان أتياها عن طريق بعض الكتّاب والنسّاخ الذين أرخوا لمخيلتهم العنان، فسبحت في أجواء الخيال، وأضافت إلى الحوادث أخباراً هي أقرب إلى الأساطير منها إلى الواقع التاريخي، ومع كل ذلك فبإمكان المؤرّخ المدقق الذي يهمه تحرّي الحقيقة، أن يقع عليها مجردة فيقبلها وحدها ويرفض سواها.

ومن القصص السريانية الرائعة، قصة أهل الكهف، التي نتناول ههنا بحثها ودراستها بإمعان لما لها من أهمية تاريخية.

  • القصة في النص السرياني

عندما ملك DECIUS داقيوس الأثيم (249 ـ 251م) على المملكة الرومانية، وزار مدينة افسس، أصدر أمره إلى نبلائها بنحر الذبائح للأصنام، وأمر بقتل المسيحيين الذين لم يخضعوا لأمره، فقُتل عدد كبير منهم وأُلقيت جثثهم للغربان والنسور والعقبان وسائر الجوارح. وحاول بالوعد والوعيد إقناع سبعة([208]) شبّان من أبناء النبلاء، وشي بهم إليه، أن ينكروا دينهم المسيحي، الذي تمسّكوا به بعروة وثقى، ويقدّموا الذبائح للاوثان، فرفضوا. فنزع عن أكتافهم شارات الحرير، وأخرجهم من أمامه، واستمهلهم أياماً علّهم يعدلون عن رأيهم ويخضعون لأمره.

وانطلق داقيوس الملك إلى زيارة مدن أخرى مجاورة لأفسس على أن يعود إليها  ثانية للغاية المذكورة أعلاه.

وكانت الفرصة سانحة ومؤاتية للفتيان السبعة ليقرنوا إيمانهم بأعمال الرحمة، فأخذوا من دور آبائهم ذهباً، ومالاً كثيراً، وتصدّقوا به على الفقراء، سراً وعلناً، والتجأوا إلى كهف كبير، في جبل أنكيلوس (Ocholon) مواظبين على الصلاة.

وكان (يمليخا) أحدهم يتّشح بأسمال متسوّل متخفياً، ويدخل المدينة ليبتاع لهم الطعام، ويتسقط الأخبار مستطلعاً ماجريات الأمور في قصر الملك، ويعود إلى رفاقه فيخبرهم عما في المدينة، وما يقع من أحداث. وذات يوم عاد داقيوس الملك إلى أفسس، وطلب الفتيان السبعة فلم يجدهم. وكان يمليخا اذ ذاك في المدينة فخرج منها هلعاً ناجياً بنفسه من الموت، لا يلوي على شيء، ومعه قليل من الطعام، وصعد إلى الكهف حيث رفاقه، وأخبرهم عن دخول الملك إلى المدينة، وبحثه عنهم، فتملّكهم الخوف وركعوا على الأرض ممرغين وجوههم بالتراب متضرعين إلى الله بحزنٍ وكآبة، ثم أكلوا ما جلبه لهم يمليخا من الطعام. وبينما كانوا يتجاذبون أطراف الحديث، استولى عليهم النعاس، وغشاهم سبات هنيء، فرقدوا بهدوء رقاد الموت، ولم يشعروا بموتهم.

وحيث أنَّ الملك لم يعثر عليهم في المدينة استقدم ذويهم، فأخبروه بأنَّ الفتية قد هربوا إلى كهف في جبل (انكيلوس) فأمر الملك بسدّ باب الكهف بالحجارة ليموتوا، فيصير الكهف قبراً لهم، غير عالم أنَّ الله قد فصل أرواحهم عن أجسادهم لقصد ربّاني أعلن بعد سنين بأعجوبة باهرة.

وكان (انتودورس) و (آربوس) خادماً الملك مسيحيين، وقد أخفيا عقيدتهما خوفاً منه، فتشاورا معاً وكتبا صورة إيمان هؤلاء المعترفين بصحائف من رصاص، وضعت داخل صندوق من نحاس، وختمت، ودُسّت في البنيان عند مدخل الكهف.

وهلك داقيوس، وخلفه على العرش الروماني ملوك كثيرون، حتى جلس في دست الحكم الملك المؤمن ثيودوسيوس الصغير (450 +)، وظهرت على عهده بدع عديدة حتى أنَّ بعضهم أنكر قيامة الموتى، وتبلبلت أفكار الملك، وشفه الحزن، فاتّشح بالمسوح، وافترش الرماد، وطلب من الرب أن يضيء أمامه سبيل الإيمان.

وألقى الله في نفس (ادوليس) صاحب المرعى الذي يقع فيه الكهف، حيث رقد المعترفون، أن يشيّد هناك حظيرة للماشية، فنزع العمال الحجارة عن باب الكهف، ولمّا انفتح، أمر الإله أن يُبعث الفتية الراقدون أحياء، فعادت أرواحهم إلى أجسادهم، واستيقظوا، وسلّم بعضهم على بعض كعادتهم صباح كل يوم، ولم تظهر عليهم علامة الموت، ولم تتغير هيئتهم ولا ألبستهم التي كانوا متّشحين بها منذ رقادهم، فظنّوا وكأنما قد ناموا مساءً واستيقظوا صباحاً.

ونهض يمليخا كعادته صباح كل يوم، وأخذ فضّة وخرج من الكهف متجهاً نحو المدينة ليشتري طعاماً. وعندما اقترب من بابها دهش حين رأى علامة الصليب منحوتة في أعلاه، فتحول إلى باب آخر من أبوابها فرأى المنظر ذاته، ودخل المدينة فلم يعرفها إذ شاهد فيها أبنية جديدة تنكرت له، وسمع الناس يقسمون باسم السيد المسيح، فسأل أحد المارين عن اسم المدينة، فأجابه اسمها أفسس، فزاد يمليخا حيرة وقال في نفسه: لعمري لا أعلم ما جرى لي، ألعلي فقدتُ عقلي وغاب عني صوابي؟ الأفضل أن أسرع بالخروج من هذه المدينة قبل أن يمسّني الجنون فأهلك.

وإذ كان يمليخا مسرعاً ليترك المدينة، تقدّم بزيّ شحاذ، إلى أحد الخبّازين ليشتري خبزاً، وأخرج دراهم من جيبه وأعطاه إياها فأخذ هذا يتأملها فرآها كبيرة الحجم، ويختلف ضرب طابعها عن طابع الدراهم المتداولة في عصرهم، فتعجّب جداً وناولها لزملائه، فتطلعوا إلى يمليخا وقالوا: إنه قد عثر على كنز خبيء من زمن طويل. فألقوا عليه القبض وأخذوا يسألونه قائلين: من أين أنت يا هذا؟ لقد أصبت كنزاً من كنوز الملوك الاولين، وتألب الناس حوله، واتهمه بعضهم بالجنون، وأخيراً جاءوا إلى أسقف المدينة، وكان يزوره وقتئذٍ والي أفسس فقد شاءت العناية الربانية أن تجمعهما في تلك الساعة معاً ليظهر على أيديهما للشعوب كلها كنز بعث الموتى، فأقرَّ يمليخا أمامهما بأنه رجل من أهل أفسس، وأنه لم يعثر على كنز، وأن الدراهم التي معه هي من نفس عملة تلك المدينة، وقد اشترى بمثلها، قبل يوم واحد فقط خبزاً، فقال له الوالي: إنَّ صورة الدراهم تشير إلى أنها قد ضربت قبل عهد داقيوس الملك بسنين، فهل وُجدتَ يا هذا قبل أجيال عديدة، وأنت لا تزال شاباً. فعندما سمع يمليخا ذلك سجد أمامهم وقال: أجيبوني أيها السادة عن سؤال، وأنا أكشف لكم مكنون قلبي، أنبئوني عن الملك داقيوس الذي كان عشية أمس في هذه المدينة، أين هو الآن؟ أجابه الأسقف قائلاً: إنَّ الملك داقيوس مات قبل أجيال، فقال يمليخا: إنَّ خبري أصعب من أن يصدّقه أحدٌ من الناس، هلمّ معي إلى الكهف في جبل (انكيلوس) لأريكم أصحابي، وسنعرف منهم جميعاً الأمر الأكيد، أما أنا فأعرف أمراً واحداً هو أننا هربنا منذ أيام من الملك داقيوس، وعشية أمس رأيت داقيوس يدخل مدينة أفسس، ولا أعلم الآن إذا كانت هذه المدينة أم لا.

فانشغل بال الأسقف عند سماعه قول يمليخا، وبعد تفكير عميق قال: إنها لرؤيا يظهرها الله لنا اليوم على يد هذا الشاب، فهلمّ بنا ننطلق معه لنرى واقع الأمر. قال هذا ونهض، ونهض معه الوالي وجمهور من الناس، وعندما بلغوا الكهف عثروا في الجهة اليمنى من بابه على صندوق من نحاس عليه ختمان من فضة، فتناوله الأسقف، ووقف أمام مدخل الكهف، ودعا رجال المدينة وفي مقدمتهم الوالي، ورفع أمامهم الأختام، وفتح الصندوق، فوجد لوحين من رصاص، وقرأ ما كُتب عليهما: «لقد هرب إلى هذا الكهف من أمام وجه داقيوس الملك، المعترفون مكسيمليانوس ابن الوالي ويمليخا،  ومرتينيانوس، وديونيسيوس، ويؤانس، وسرافيون، وقسطنطنوس، وانطونينوس. وقد سدّ الكهف عليهم بحجارة» وكتب أيضاً في سطور اللوحين الأخيرة صورة إيمان المعترفين، وعندما قُرئت هذه الكتابة، تعجّب السامعون، ودخلوا الكهف فشاهدوا المعترفين جالسين بجلال ووجوههم مشرقة كالورد النضر. فكلّموهم، وسمعوا منهم أخبار الحوادث التي جرت على عهد داقيوس.

وأُرسل فوراً إلى الملك ثيودوسيوس كتاب، مضمونه: (لتسرع جلالتك وتأتِ فترى ما أظهره الله تعالى على عهدك الميمون من العجائب الباهرات، فقد أشرق من التراب نور موعد الحياة وسطعت من ظلمات القبور أشعة قيامة الموتى بانبعاث أجساد القديسين الطاهرة.).

 

ولما بلغ ثيودوسيوس الملك هذا النبأ، وهو في القسطنطينية، نهض عن الرماد الذي كان قد افترشه، وشكر الله، وجاء والأساقفة وعظماء الشعب، إلى أفسس، وصعدوا جميعاً إلى الكهف الذي ضمّ المعترفين في جبل انكيلوس فرآهم، وعانقهم الملك، وجلس معهم على التراب، وحدّثهم. ثم ودَّع المعترفون الملك، والأساقفة، والشعب، وأسلموا أرواحهم بيد الله. فأمر الملك أن تُصنع لهم توابيت من ذهب، ولكن الفتية ظهروا له في حلم في الليل، وقالوا له أنَّ أجسادنا انبعثت من تراب لا من ذهب، فاتركنا في كهفنا على التراب.

وأقرَّ مجمع الأساقفة عيداً لهؤلاء المعترفين. ووزع الملك صدقات جزيلة على الفقراء، وأطلق سراح الأساقفة المأسورين في المنفى، وعاد ومعه الأساقفة إلى القسطنطينية مغمورين بفرحة إيمان الملك ممجدين الله تعالى على كل ما جرى.

 

  • أقدم مَنْ كَتَبَ القصة بالسريانية

وصلت إلينا هذه القصة بلغة سريانية أصيلة، نثراً ونظماً. أما النثر فقد كتبه لنا زكريا الفصيح (536 +) ويوحنا الأفسسي (587 +) وكلاهما من المؤرخين الثقات، وهما قريبا العهد من زمن الحادثة. وحيث أن المؤرخ شاهد للحدث التاريخي، لذلك لا بدَّ لنا أن نعرف شيئاً عن حياة كل منهما، لنثمّن شهادتهما هذه.

أما زكريا الفصيح، فقد ولد في غزة، ودرس النحو، والبيان، والفقه، والفلسفة في مدرستي الاسكندرية وبيروت، ومارس المحاماة في القسطنطينية، ثم رسم أسقفاً على جزيرة مدللي بعد سنة 527 م. وأهم مصنفاته تاريخ ديني مدني كتبه باليونانية تناول فيه بالتفصيل أحداث الفترة الواقعة ما بين سنتي 450 و 491 نقل إلى السريانية ملخصاً، وفُقد أصله اليوناني ثم نقله برمته الراهب صاحب الكتاب المنحول تاريخ زكريا إلى مجموعته التاريخية القيمة التي ألّفها بالسريانية سنة 569 م، ولعل هذا المؤلف هو الذي ترجم تاريخ زكريا الفصيح إلى السريانية. وقد نشر هذا الكتاب (لاند)، ثم (بروكس) في مجلدين منقولاً إلى اللاتينية سنة 1919 وتوفي زكريا سنة 563 م([209]) على ما أسلفناه.

أما يوحنا الأفسسي فقد ولد حوالي سنة 507 في بلدة (أكل) من أعمال ولاية (آمد)، وترهّب في ميعة صباه، وتبحر في علوم الكتاب المقدس، وأتقن اللغتين السريانية واليونانية، ورسم مطراناً لأفسس عام 558 م فنسب إليها  وإلى آسيا الصغرى، وتوفي في حدود سنة 586 م أو 587 م. ومن جملة النعوت التي اطلقت عليه «مؤلف تواريخ البيعة».

قال فيه البطريرك أفرام الاول برصوم([210]): «وصنّف يوحنا تاريخاً كنسياً في ثلاثة مجلدات يشتمل كل منها على ستة أسفار أو أبواب، الاول والثاني من عهد يوليوس قيصر حتى سنة 571 والثالث وضمنه أخبار الكنيسة والعالم من سنة 571 حتى 585 ويقع في 418 صفحة. المجلد الاول مفقود، والثاني نقل برمته تقريباً إلى التاريخ الذي ألّفه الراهب الزوقنيني عام 775م([211]). وأما الثالث فوصل إلينا، وقد سقطت منه بضعة فصول… وكان يوحنا مؤرخاً، صادقاً، محققاً، مجتهداً، يقدر الحوادث قدرها من الوجهة الأرثوذكسية ولكنه نزيه».

أما النص الشعري السرياني لقصة أهل الكهف، فهو للشاعر السرياني الملهم مار يعقوب السروجي (521 +) الذي نظم قصيدة عصماء على الوزن الاثني عشري، تقع في أربعة وسبعين بيتاً، وهو ولئن سمح لفكره أن يسبح في الخيال، ولكنه احتفظ بعناصر القصة الرئيسية([212]).

ولد يعقوب السروجي في قرية (قورتم) على ضفة الفرات عام 451 م ودرس اللاهوت، والفلسفة، والعلوم اللغوية، في مدرسة الرها، وترهب، وتنسك، ورسم كاهناً، ثم قلد رتبة (البريودوط)([213]) أي الزائر، لبلدة حورا، وعام 519 رسم أسقفاً على (بطنان سروج) وانتقل إلى جوار ربه عام 521 م، وعيّدت له الكنيسة.

نظم على البحر الاثني عشري، الذي استنبطه وعُرف بالبحر السروجي نسبة إليه. وقد جمعت قصائده فبلغت سبعمائة وستين، قد تبلغ أبيات بعضها الألفين أو الثلاثة أو تزيد. وتناولت أهم أحداث الكتاب المقدس، والإيمان، والفضائل، والبعث، والتوبة، والتزهيد بالدنيا، وتقريظ القديسين. أما مصنّفاته النثرية فهي رسائل وخطب للأعياد. وله تفاسير، وكلها بإنشاء جزل متين([214]).

 

  • متى رقد أهل الكهف

أجمع المؤرخون السريان، على أن رقاد أهل الكهف كان على عهد الملك داقيوس (249 ـ 251 م) أما استيقاظهم فكان على عهد الملك ثيودوسيوس الصغير (450) ([215]) ويقول مار يعقوب السروجي (521 +) في قصيدته الآنفة الذكر عن زمن رقادهم ما تعريبه: «عندما خرج داقيوس إلى زيارة قرى مملكته ومدنها، دخل أفسس، وألقى فيها رعباً عظيماً، وأقام احتفالاً لزوس وأبولون وأرطاميس… كان هناك فتية من النبلاء رفضوا الاذعان لأمره ولم يخضعوا له كسائر رفاقهم وتجلببوا بالإيمان وهم الخراف الوديعة، وأصرّوا على ألاّ يبخّروا أمام الآلهة.»

ويقول عن زمن استيقاظهم: «مرت عهود الملوك الوثنيين وزال سلطانهم، وساد السلام في الكنيسة المقدسة في العالم. وشاء الرب أن يوقظهم لمجد (اسمه القدوس) ويظهرهم للمؤمنين ليكرموهم.» ويردف قائلاً: «تناولوا لَوْحَيْ الرصاص وقرأوهما ومنهما علموا أسماءهم وعملهم، فأخبروا حالاً الملك العظيم ثيودوسيوس ليأتي حالاً ويراهم».

ولا بد لنا أن نوجز للقارئ الكريم دقائق حياة الملكين داقيوس الأثيم (249 ـ 251) وثيودوسيوس المؤمن (408 ـ 450) لما لهما من صلة تاريخية متينة بأهل الكهف، ونلمّ في الوقت نفسه بتاريخ العصرين اللذين عاش فيهما هذان الملكان، ورقد في اولهما أهل الكهف واستيقظوا في الثاني، وبذلك تتضح معالم القصة متكاملة في ذهننا.

  • داقيوس:

تولى داقيوس مملكة الرومان سنة 249 م وقد أثار اضطهاداً عنيفاً ضد المسيحيين لبغضه سلفه القيصر فيلبس العربي المحسن إليهم. فأصدر سنة 250 مرسوماً يأمر فيه باستئصال شأفة المسيحية، وجعل السلطة المركزية في الدولة تأخذ على عاتقها إرغام المسيحيين على ترك دينهم وتقديم البخور والخمور للآلهة، وقضى المرسوم، الذي وصف بالمخيف المرعب، بتعذيب المسيحيين إن لم يعبدوا الاوثان. فاستشهد العديد من رؤساء الكنيسة منهم فابيانوس أسقف اورشليم. وهرب ديونيسيوس أسقف الاسكندرية إلى البرية. كما استشهد آلاف مؤلفة من المؤمنين وشرد الآخرون من أمام وجه الطاغية ولم تطل هذه الشدة إذ قتل داقيوس سنة 251 م وهو يحارب الغوط والبلقان عند مصب الدانوب، وبهلاكه خمدت شوكة الاضطهاد([216]).

  • ثيودوسيوس الصغير:

أما ثيودوسيوس الصغير وهو ثيودوسيوس الثاني ابن أرقاديوس، فقد ملك سنة 408 ـ 450م وفي زمانه توطدت أركان المسيحية. وكان يكثر من الصوم، ولا سيما يومي الأربعاء والجمعة، ويواظب على مطالعة أسفار الكتاب المقدس حتى حفظها على ظهر قلبه. وقيل له يوماً «لماذا لا تقتل أحداً» فأجاب: «ليتني أستطيع أن أحيي الموتى» ولتمسكه بأهداب الفضيلة، نهى الشعب عن حضور الملاعب والملاهي أيام الآحاد والأعياد قائلاً: «للعبادة وقت وللهو وقت» وجمع مشاهير الفقهاء فوضعوا سنة 435 مجموعة الشرائع المنسوبة إليه أذاعها سنة 438 وكان كثير الاجلال لرفات القديسين، فقد أمر بنقل رفات يوحنا الذهبي الفم إلى القسطنطينية بإجلال وإكرام، وبكى حين شاهدها طالباً إلى الله أن يغفر لوالديه اللذين اضطهدا يوحنا. ونقل أيضاً رفات الأربعين شهيداً من سبسطية إلى ضواحي القسطنطينية. كما أن رفات القديس إغناطيوس النوراني نقلت على عهده من رومية إلى أنطاكية. وتوفي ثيودوسيوس في 28 تموز سنة 450 م([217]) .

 

  • مدة رقاد أهل الكهف:

جاء في تاريخ زكريا الفصيح (536 +) ما يأتي: «سنة 38 لملك ثيودوسيوس الملك حدث جدال بموضوع قيامة الموتى،… وألهم الله (ادليس) صاحب المنطقة التي فيها الكهف ليبني حظيرة للماشية والخ…»([218])

وحيث أن ثيودوسيوس ملك سنة 408 م كما مرَّ بنا، يضاف إليها 38 سنة فيكون المجموع 446 سنة يطرح منها 250 سنة وهي سنة اضطهاد داقيوس المسيحيين وهروب الفتية إلى الكهف ورقادهم، فيبقى 196 سنة وهي المدة التقريبية لرقاد الفتية في الكهف حتى بعثهم.

وزكريا الفصيح نفسه يحدد مدة الرقاد بعددين متباعدين، فمرّة يقول: «ما يقارب (190) سنة» ومرّة أخرى يقول (120) سنة ويصحح ناشر تاريخه هذه السنة فيجعلها (190) كالسابقة. وفي سرد القصة يقول زكريا: «إنَّ الوالي أجاب ديونيسيوس (أحد فتية الكهف) قائلاً: كيف نصدّق كلامك، وكتابة هذه العملة وختمها يعودان إلى ما قبل مئتي سنة»([219]).

ويقول ابن العبري (1286 +): «وبعد مئة وثمانٍ وثمانين سنة من رقاد الفتية، في السنة الثامنة والثلاثين لملك الملك ثيودوسيوس الصغير في أيامه اشتدّت المجادلة بموضوع قيامة الموتى وشكوك الملك… نفح الله بالراقدين حياة، فاستيقظوا وكأنهم يستيقظون من نومهم»([220]).

أما الرهاوي المجهول (1234 +) فيقول في تاريخه: «إنّ مدة رقاد الفتية كان 370 سنة»([221]) وتحدد بعض النصوص السريانية مدة الرقاد بـ (372) ([222]).

ويقول الزوقنيني (775 م) في تاريخه: «وأخذ (يمليخا) من عملة ذلك الزمن، الموضوعة في الكيس من فئة اثنتين وستين وأربع وأربعين، التي سكّت على عهد الملك الذي كان قبل أيام المعترفين وهي قبل ثلاثمائة وسبعين سنة»([223]).

أما مار يعقوب السروجي (521 +) فيقول في قصيدته: «كان لأحد الفتية قطع قليلة من العملة، لتكون برهاناً على إثبات الأعجوبة. فبعد مرور الزمن تبقى العملة ثابتة ومنها يعرف التاريخ الذي سكّت فيه هذه العملة» ويقول في الأبيات الختامية للقصيدة: «منذ البدء وحتى الآن لأي إنسان جرى ما جرى لكم (أيها الفتية) فقد بعثتم (أحياء) بعد ثلاثمائة وسبعين سنة من زمن رقادكم».

نستنتج من هذا كله أن النصوص السريانية لم تتفق فيما بينها على تحديد المدة التى رقد فيها أهل الكهف، ولكنها ذكرت أن رقادهم كان على عهد داقيوس (249 ـ 251) وأن استيقاظهم كان على عهد ثيودوسيوس الصغير (408 ـ 450) فاختلاف السنين نتج عن اختلاف تاريخ سكّ قطع العملة التي وجدت مع الفتية في الكهف بفئاتها المتفرقة ليس إلا.

 

  • أين رقد أهل الكهف؟

تؤيد المصادر السريانية كافة أن أهل الكهف قد رقدوا في كهف يقع على مرتفع يدعى جبل (انكيلوس) في ضواحي مدينة أفسس.

قال مار يعقوب السروجي (521 +) في مطلع قصيدته عن أهل الكهف ما ترجمته: «أود أن أقص على السامعين خبر الفتية أبناء الرؤساء الذين من أفسس.» وقال على لسان أحد الفتية يخاطب رفاقه: «يوجد ههنا في قمة الجبل كهف صخري، لنصعد أيها الأخوة ونختفِ فيه مدة من الزمن» وقال على لسان يمليخا وهو يخاطب أسقف المدينة: «انني من مدينة أفسس وأنا ابن دروفورس أحد رؤسائها» وقال أيضاً عن لوح الرصاص «كتبوا فيه: هؤلاء الفتية من أفسس هربوا من أمام وجه داقيوس».

وقال زكريا الفصيح (536 +): «تاريخ الشهداء السبعة الذين بعثوا في مغارة جبل (انكيلوس) في مدينة أفسس»([224]).

وأفسس هذه، هي المدينة الاغريقية القديمة التي تقع على الشاطئ الغربي من آسيا الصغرى. اشتهرت قبل الميلاد بمينائها وتجارتها الرابحة وبهيكل أرطاميس، بشّرها بالدين المسيحي الرسول بولس سنة 54 م وتلمذ أهلها، وكتب إليها رسالة سنة 61 م وأصبحت المدينة فيما بعد أحد مراكز المسيحية المهمة، عقد فيها المجمع المسكوني الثالث سنة 431 م. انحسر عنها البحر فزال مجدها الاقتصادي ولم يبقَ فيها سوى الأنقاض، بقربها بلدة تركية أيضاً اسمها (ايا سلوق)([225]) يقصدها السياح لمشاهدة ما شخص من آثارها الوثنية والمسيحية، خاصة شوارع مدينة أفسس القديمة، وهيكل أرطاميس وكاتدرائية مار يوحنا اللاهوتي، ومدافن أهل الكهف. وقد قمت سنة 1962 و 1968 بزيارتين لأنقاض مدينة أفسس ورسومها ورأيت بأمّ عيني مدافن أهل الكهف وكهفهم.

 

مما هو جدير بالذكر أن السيد F. Miltner المسؤول عن الاكتشافات التي أجراها في أفسس المعهد النمساوي للآثار قبل الحرب العالمية الثانية، وقد نشر نتيجة أبحاثه باختصار، صرح قائلاً: إن آثار الكنيسة التي اكتشفها في المكان المعروف تقليدياً أنه الموضع الذي حدثت فيه الأعجوبة (بعث أهل الكهف) قرب كهف بانايرداغ panayir Dagh تدل على أن تشييد هذه الكنيسة يعود إلى القرن الخامس للميلاد([226]). وهذا القول يقيم الحجة على أن مدينة أفسس كانت موطن أهل الكهف ومسرح أدوار أعجوبة رقادهم وبعثهم. فالقصة بالسريانية تذكر بأن الملك ثيودوسيوس الصغير قد شيّد كنيسة بقرب كهفهم، ولا بدّ أن تكون آثار هذه الكنيسة التي اكتشفتها البعثة النمساوية المذكورة أعلاه.

  • عدد أهل الكهف وأسماؤهم:

لم يتفق المؤرخون السريان على عدد فتية الكهف وأسمائهم. فقد جاء في تاريخ زكريا الفصيح (536 +) ما يلي: «وهذه أسماء الفتية السبعة الذين هربوا (من أمام وجه داقيوس) : اكليديس وديمدس، واوكنيس، واسطيفانس، وفريطيس، وسبطيس وقرياقوس([227]) ولكنه يقول بعدئذ «وقد أقاموا صديقهم ديونيسيوس الشاب الحكيم السريع الجريء وكيلاً عنهم»([228]) بينما كان زكريا قد أهمل اسم ديونيسيوس في الجدول السابق ويعود فيذكره ضمن لوحة الرصاص التي وجدت على باب الكهف حيث يعدد الأسماء كالتالي: «اكليديس وديونيسيوس واوكنيس واسطيفانس وفريطيس وسبطيس وقرياقس»([229]) ومن الواضح هنا أنَّ اسم ديونيسيوس حلَّ محل اسم ديمديس ولعل الأسمين لشخص واحد.

أما الراهب الزوقنيني (775 م) الذي ضمَّ تاريخه كتاب يوحنا الأفسسي (587 +) برمته كما سبقت الإشارة إليه فيبدأ القصة بقوله: «فصل من قصة الفتية الثمانية من أفسس وهم: مكسيمليانس، ويمليخا، ومرطلوس، وديونيسيوس، ويؤانس، وسرافيون، واكسوسطدينوس، وانطونينوس الشهداء أبناء نبلاء أفسس»([230]).

أما مار يعقوب السروجي (521 +) فلا يذكر في قصيدته المذكورة آنفاً عددهم ولا أسماءهم سوى اسمين وهما، اولاً: يمليخا حيث يقول على لسانه «أجاب أحدهم واسمه يمليخا وهو فتى شجاع، وقال: أنا أنزل إلى أفسس وأسترق الخبر، فأجابه رفاقه إذن اشترِ لنا خبزاً لنأكل» ثانياً: اسم مرطولوس حيث يقول: «أجاب أحدهم واسمه مرطولوس وقال لأخوته: لديَّ عملة (دراهم) أخذتها معي عندما خرجت إلى ههنا، فيأخذ منها يمليخا ويشتري لنا طعاماً. وفي استجواب الوالي ليمليخا يقول: وسأله حالاً عن أسماء رفاقه فسرد الفتى أمامه أسماء سائر أخوته وعددهم، وكيفية هروبهم ومكان اختفائهم».

أما ابن العبري (1286 +) فيقول: «في أيام داقيوس الملك هرب الفتية السبعة من أفسس واختفوا في كهف…([231]). ويقول في موضع آخر: «وفي هذا الزمن.. بُعث من بين الأموات الفتية السبعة من أفسس الذين كانوا قد هربوا في اضطهاد داقيوس واختفوا بكهف بأحد الجبال»([232]) وهنا يسرد ابن العبري قصتهم بالتفصيل ويسمي وكيلهم الذي نزل إلى المدينة باسم (ديونوس) فعدد أهل الكهف إذن بحسب الروايات السريانية سبعة أو ثمانية، وأسماؤهم مختلف فيها كذلك. ولعل هذا الإختلاف الطفيف جاء بسبب البيئة اليونانية، وأسمائهم اليونانية، فسردها النساخ السريان وحرفوا بعضها، وكان الأجدر بالمؤرخين والنساخ أن يكونوا أكثر تدقيقاً في سرد أسماء الفتية وعددهم. ويميل المؤرخون اليوم إلى الأخذ برأي القائلين أنهم كانوا سبعة، كما ثبتت الروايات اللاتينية واليونانية.

  • أسقف أفسس وأهل الكهف:

تذكر القصة اسم موريس أسقفاً لأفسس، وقد استجوب أحد الفتية ثم ذهب مع والي المدينة إلى الكهف. بينما يذكر التاريخ أن أسقف أفسس الذي حضر مجمع أفسس المسكوني عام (431 م) وهو ممنون([233]). أما أسقفها الذي عاصر عهد بعث فتية الكهف فهو اسطيفانس وهو الذي حضر مجمع أفسس الثاني عام 449 م وحضر مجمع خلقيدونية سنة 451([234]).

ويذكر الراهب الزوقنيني (775 م) في تاريخه أيضاً اسم موريس أسقف أفسس، أما زكريا الفصيح (536 +) فلم يسمِّه.

وبما أن التاريخ يثبت بأن اسم أسقف المدينة في تلك الفترة الزمنية هو اسطيفانس، فيرى بعضهم أن اسم موريس جاء من (مور. اس) فإن لفظة (مور) تعني السيد وتسبق دائماً أسماء كبار رجال الدين المسيحي لدى السريان، و (اس) الحرفان اللذان يبدأ بهما اسم (اسطيفانس) فلعل الاسم قد اختصره بعض النسّاخ بحسب العادة المتبعة لدى النسّاخ السريان عندما تقع الكلمة أو الاسم في آخر السطر يختصر بحرفين أو أكثر ويوضع فوقه خط صغير ومع الزمن فقد أخذ النسّاخ بعضهم عن بعض كما اقتبس المؤرخون الخلف عن السلف. وحوِّرَ الاسم وصار (موريس) بدلاً من (مور اسطيفانس).

 

  • أهل الكهف في الكلندار السرياني:

في خاتمة القصة السريانية نقرأ ما يلي: «وأقرَّ مجمع من الأساقفة عيداً عظيماً لهؤلاء المعترفين» لعلَّ هذا المجمع كان خاصاً محلياً لا عاماً، ولكننا نرى الكنائس الشرقية على اختلاف مذاهبها تحتفل بعيدهم.

فقد ورد عيدهم في الكلندار السرياني القديم في 24 تشرين الاول. ولدى الكلدان في 4 تشرين الاول عيد الفتيان الثمانية الذين من أفسس([235]) كما ورد تذكارهم لدى الروم الأرثوذكس في 4 آب وفي 22 تشرين الاول تذكار الفتيان القديسين السبعة الذين كانوا في أفسس([236]).

ولدى الموارنة في 7 آذار عيد الفتية السبعة من أفسس([237]).

وحيث أن الكنيسة السريانية جَرَت على أن تخصص طقساً([238]) خاصاً بمناسبة أعياد قديسيها تحتفل به في أعيادهم، لذلك عثرنا على طقس عيد أهل الكهف([239]) ودرسناه فرأينا أنه يسرد تفاصيل القصة كما وردت في التقليد السرياني، مظهراً تمسك الفتيان السبعة بإيمانهم، وكيفية هروبهم خوفاً من داقيوس في شهر آذار، إلى كهف في جبل بقرب أفسس، ورقادهم مدة (350 سنة) واستيقاظهم، ويدعوهم الطقس بالشهداء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

القيم الدينية وتنظيم الأسرة (*)

 

  • السيد المسيح يهتمّ برفاهية الإنسان:

من الحقائق الجلية أن السيد المسيح قد اهتم بتوفير الرفاهية والسعادة للإنسان، وكما يعلّمنا آباء الكنيسة أن الله قد خلق الأرض وما عليها والجنة بما فيها لإسعاد الإنسان ككل روحاً وجسداً، لذلك يقول الرسول بولس: «أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس»(1كو 6: 19).

  • السيد المسيح يهتم بالأسرة:

وقد شمل هذا الاهتمام الإنسان فرداً وجماعة، فرأينا السيد المسيح يكلّم السامرية على البئر ليمنحها الخلاص، ويخاطب زكا العشار وهو على الجميزة ليدخل بيته ويعطي الخلاص لذلك البيت بقوله لزكا: «اليوم حصل خلاص لهذا البيت» (لو 19: 9). ولم تخرج الأسرة من دائرة اهتمامه الإلهي، فقد تحدّث عن الروابط بين المرأة والرجل وأكّد أنهما بالزواج يصيران جسداً واحداً (مت 19: 5) كما أعطى مكانة مرموقة للمرأة وأزال عنها الغبن الذي كانت تعيش فيه في اليهودية، فقد كان اليهودي يقف أمام ربه في كل صباح مصلياً قائلاً: «أشكرك اللهم لأنك لم تخلقني بهيمة ولا امرأة» وأقام المساواة بين الرجل والمرأة «ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع»(غل 3: 28) إن اللّه خلق حواء واحدة لآدم واحد لتكون معينة له، لذلك فإن الكنيسة شددت على قصر الزواج بواحدة، وهذا ما أكّده السيد المسيح حيث قال: «أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الإثنان جسداً واحداً» (مت 19: 4و5) كما صان حقوق المرأة بقوله لليهود «إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا وأقول لكم إن من طلّق امرأته إلاّ لسبب الزنى وتزوّج بأخرى يزني»(مت 19: 8و9). وقال الرسول بولس: «فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل. فإذاً ما دام الرجل حياً تدعى زانية إن صارت لرجل آخر ولكن إن مات الرجل فهي حرة من الناموس حتى أنها ليست زانية إن صارت لرجل آخر»(رو 7: 2و3).

وقد شارك السيد المسيح الناس في مشاعرهم فحضر عرس قانا الجليل وقدّس الزواج كما حضر إلى قرية بيت عنيا ليعزي مريم ومرتا وأقام لعازر أخاهما من الموت. واهتمّ بالجماهير الجائعة فقدم لها طعاماً بمعجزة تكثير الخبز ووصفه الكتاب بقوله: «الذي جال يصنع خيراً» (أع 10: 38) وأخيراً فدى البشرية بتقديم نفسه كفارة عنها، وأطاع حتى الموت موت الصليب «لأنه هكذا أحبّ اللّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16).

  • الكنيسة الاولى تهتم بالإنسان:

وقد حملت الكنيسة الأولى صليب الرب يسوع وتبعته في طريق نكران الذات والتضحية في سبيل الآخرين، لذلك أرسلت كنيسة أنطاكية إسعافاً مادياً إلى كنيسة اورشليم التي كانت تعاني المجاعة مثلما يذكر سفر أعمال الرسل.

ويثبت التاريخ الكنسي أن الكنيسة في كل أجيالها كانت تشيد دوراً لإيواء الغرباء وتضميد الجرحى والاعتناء بالمرضى والشيوخ، مثال ذلك ما فعله مار أفرام السرياني (373+) في الرها أثناء المجاعة التي اجتاحتها وانتشار مرض الطاعون الوبيل. كما اهتمّت بتعليم الناس وتثقيفهم ليس بالثقافة الدينية وحسب بل أيضاً بالعلوم العامة كالطب والفلك والفلسفة والتاريخ واللغة وغيرها.

فالدين المسيحي لا يقتصر على خلاص الروح، إنما يتعداها إلى الاعتناء بالجسد لأنه يعتني بالإنسان ككل.

وفي عصرنا هذا، تواجه الكنيسة مشكلة ما يسمى «بتنظيم الأسرة» ويبرز أمامها هذا السؤال الكبير: أيهما أفضل للأسرة أن تضم عدداً كبيراً من الأفراد يعجز حياله الأبوان عن توفير الحياة المريحة لهم، أم تكتفي بعدد قليل منهم تعتني بتربية أجسادهم ونفوسهم تربية سليمة… ولا بد للكنيسة من أن تحدد موقفها من ذلك، فدورها الفعّال في تكوين الأسرة المسيحية يلزمها الشعور بالمسؤولية لإسعاد أفرادها قدر المستطاع. وهنا يجب أن نشير إلى الغاية الاولى للزواج.

  • الغاية المنشودة من الزواج المسيحي:

إن الجواب المتوقّع هو أن الزواج يهدف إلى حفظ النوع، كما أن الكتاب المقدس يقول عن آدم: «فلم يجد معيناً نظيره» (تك 2: 20) فخلق له اللّه تعالى حواء معينة له. فحواء خلقت لإعانة آدم، وبعبارة أخرى لإسعاده. كما إننا نفهم من آية الرسول بولس القائلة: «لأن التزوّج أصلح من التحرق» (1كو 7: 9). أن الغاية من الزواج ليست فقط إنجاب النسل بل هي أيضاً الحفظ من الخطيئة وهذا ما أوضحه الرسول في قوله: «ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها ليوفِ الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضاً الرجل، ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل، وكذلك الرجل أيضاً ليس له تسلّط على جسده بل للمرأة. لا يسلب أحدكم الآخر إلاّ أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضاً معاً لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم»(1كو 7: 2 ـ 5).

كما يجب ألاّ ننسى أن الزواج المسيحي يسمو عن الجسد فهو شركة روحية بين الرجل والمرأة مبنية على المحبة المسيحية الخالصة لذلك يوصي الرسول بولس قائلاً: «أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحبّ المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها» (أف 5: 25) وأوصى المرأة قائلاً: «أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب»(أف 5: 22)

والحب في الزواج الناجح أمر لازم وهو مصدر التضحية ونكران الذات في الأسرة.

  • وجوب اهتمام كنيسة اليوم بالأسرة:

انطلاقاً من هذا المبدأ، وشعوراً منا بالمسؤولية الروحية والاجتماعية، من مسألة تنظيم الأسرة، ولتوفير المناخ الملائم لراحة ضمير الوالدين وحتى لا يقفا موقفاً سالباً تجاه المسؤولية الوالدية الخطيرة، نقول أن على الكنيسة أن تتمثّل بالسامري الصالح فتنقذ الساقط بين اللصوص وتضمد جراحاته وتحمله إلى الفندق وتعتني به ولا تكون كالكاهن واللاوي اللذين رأياه يتخبّط في دمائه ويئن من شدة آلامه ولكنهما تركاه دون أن يمدا له يد المساعدة. فإذا عانت الأسرة الآلام والمتاعب والضيقات نفسياً وجسدياً ووقفت الكنيسة إزاء ذلك موقف المتفرج تكون قد شابهت الكتبة والفريسيين الذين قد أعطاهم السيد المسيح الويل لأنهم يضعون أحمالاً ثقيلة على كواهل الناس ولا يزيحونها بأصبعهم.

إن سعينا واهتمامنا في موضوع تنظيم الأسرة، لا يعنيان عدم إيماننا بقدرة اللّه سبحانه وتعالى على سد اعواز البشرية، فقد اوصانا قائلاً: «لا تهتمهوا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون… أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس» (مت 6: 25) ولكننا لا بدّ من أن نفرّق بين اتكالنا على اللّه وبين التواكل، فإن الاتكال على اللّه يرتبط بالسعي والجهد الإيجابي من قبل الإنسان.

  • المسؤولية الوالدية وتنظيم الأسرة:

إننا نقصد بتنظيم الأسرة إتاحة الفرصة للوالدين ليلدوا اولادهم ليس بالجسد فحسب «المولود من الجسد جسد هو» بل بالروح أيضاً «المولود من الروح هو روح» (يو 3: 6) لكي يصيروا اولاد اللّه وليخدموا وطنهم مثلما يليق بالمؤمن الصالح، ولكي يقولوا بالشكر«ها أنا والاولاد الذين أعطانيهم اللّه» (عب 2: 13).

  • تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل:

وحيث أن الزواج لا يهدف إلى إنجاب النسل فقط، بل أيضاً إلى الحفظ من الخطيئة كما قلنا سابقاً، وحيث أننا نسعى إلى إيجاد الاسرة السليمة الصالحة والأسرة هي خلية المجتمع، لذلك لا نرى أي حرج على الزوجين من استعمال وسائل منع الحمل عند الضرورة سعياً إلى تنظيم الأسرة.

إن بعض السلطات الروحية، تجيز أن يمتنع الرجل عن الاجتماع بالمرأة في الأيام التي تكون فيها المرأة مهيأة للإخصاب ليتحاشى إنجاب النسل حيث تموت البويضة المهيأة للإخصاب. فإذا كان ذلك كذلك فما هو المانع من استخدام وسيلة أخرى لبلوغ هذه الغاية بالذات أي جعل البويضة غير قابلة للإخصاب؟ عجبي لاولئك الذي يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ضد استعمال موانع الحمل معتبرين ذلك تدخلاً في أمور اللّه وهم في الوقت نفسه يسمحون بل يوصون باستعمال الأدوية التي تعالج العقم وتقوي الغريزة التناسلية، ولا يعتبرون عملهم هذا تدخلاً في شؤونه تعالى. فإذا سمحنا لأنفسنا بوصف أدوية تقوية النسل جاز لنا حتماً وصف أدوية مضادة أي لمنع الحمل وبعبارة أفضل لتنظيم النسل من أجل صحة الأم وصحة الطفل نفسه بتوفير فترة متباعدة بين المواليد لتتاح الفرصة للوالدين لتربية الطفل جسداً وروحاً «لينمو بالقامة والنعمة لدى اللّه والناس».

  • الإجهاض قتل:

أما فيما يتصل بموضوع الإجهاض، فإن الأمر يستلزم معرفة بدء تكوين الجنين في بطن أمه باتحاد الروح فيه. فقد قال أرسطو: «إن الروح تدخل الجنين الذكر حين يكون عمره أربعين يوماً، وفي الجنين الأنثى حين يكون عمره تسعين يوماً» وإلى ذلك استند الشرع في أسفار العهد القديم بقوله: «من صدم امرأة حبلى يدفع إذا حدث إجهاض ولم تحصل أذية، وأما إذا حصلت أذية فيجب أن تؤخذ نفس بنفس»(خر 21: 22و53) ففسّر آباء الكنيسة وحدّدوا «الأذية» بأن يكون الجنين كاملاً أثناء الصدمة والإجهاض، وعدم الأذية هو عدم تكامل الجنين.

  • الجنين في بطن أمه نفس حية:

ونحن نرى أن هذا من اختصاص الأطباء فهم أقدر على تحديد الزمن الذي فيه يتكوّن الجنين في بطن أمه نفساً حية، فالكتاب يشير إلى بعض الأنبياء بأنهم امتلأوا بالروح القدس من بطون أمهاتهم. فقد قال الملاك لزكريا عن يوحنا المعمدان «ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس» (لو 1: 15) إن اليصابات أم يوحنا قالت للعذراء مريم عندما زارتها «فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني» (لو 1: 44) فارتكاضه دليل على أنه إنسان كامل التكوين روحاً وجسداً، ودليل على انفعاله بالبهجة، وكان عمره في أحشاء أمه يومئذ ستة أشهر فقط. من هنا نرى أن الإجهاض يعتبر قتلاً طالما كان الجنين مكتملاً وذا نفس حية([240])، ولا يجوز الإجهاض إلا في حالة تعرض الأم لخطر الموت بسبب وجود الجنين في أحشائها. وتقرير هذا الأمر نضعه بين أيدي الأطباء. أما السماح بالإجهاض في هذه الحالة، من الوجهة اللاهوتية، فيدخل في باب الدفاع عن النفس حيث أن الأم تدافع عن نفسها إزاء جنينها الذي انقلب وجوده في أحشائها إلى خطر يهدد حياتها، علماً بأنها إن لم تتخلص منه تعرضت وإياه للموت.

  • اتخاذ الكنيسة موقفاً إيجابياً:

وفي الختام لا بد من أن نشير إلى الدور الذي يجب على الكنيسة أن تمارسه في موضوع تنظيم دراسات دينية علمية وافية مستعينة بذوي الاختصاص كما فعل مجلس كنائس الشرق الأوسط في حلقته الدراسية هذه لكي تتخذ موقفاً إيجابياً صريحاً يريح ضمائر المؤمنين ويسعدهم في حياتهم الزوجية، كما تحتاج إلى حملة إعلامية مكثّفة هادفة، عن طريق الإذاعة والوعظ والكتابة والنشر، وإلى تعليم النشء وتبصيره بضرورة تنظيم الأسرة تحقيقاً لرفاهيتهم وشعوراً منهم بالمسؤولية إزاء المسالة السكانية في العالم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دور الـــمـــرأة في كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية )*( 

 

أيها الحضور الكرام:

عندما نتناول موضوعاً كهذا بالدرس ننطلق من كون كنيستنا السريانية الأرثوذكسية هي كنيسة رسولية تقليدية عريقة، فنستند ببحثنا إلى الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة الذي هو تعاليم الرسل التي لم تدون في أسفار الكتاب المقدس، وقرارات المجامع المسكونية والعامة والمكانية والممارسات الطقسية وتعاليم ملافنة الكنيسة القديسين، وهذه كلها تسلمها الخلف من السلف. فالكنيسة السريانية باستنادها إلى الكتاب المقدس ترى أن المرأة مساوية للرجل إنْ في الحقوق أو الواجبات. ذلك أنّ الله خلق الإنسان، ذكراً وأنثى كما يقول الكتاب المقدس، وخلقه على صورته كمثاله، ولذلك  فالمرأة والرجل متساويان لأن الله تعالى لم يخلق أكثر من امرأة واحدة للرجل الواحد كما لم يخلق أكثر من رجل واحد للمرأة الواحدة، وعن اتحادهما في الزواج يقول الكتاب المقدس: «ويكونان كلاهما جسداً واحداً» (تك 2: 24 ومت 19: 5 ومر 10: 8 وأف 5: 31). هذا هو الإنسان ـ آدم ـ الذي أخذ الله منه ضلعاً وخلق له حواء معيناً «فقال آدم هذه الآن عظمٌ من عظامي ولحم من لحمي، هذه تدعى امرأة لأنها من امرئٍ أخذت» (تك 2: 23) وقد خلقا معاً على صورة الله كمثاله، وصورة الله هي الروح التي أعطاها الله للإنسان عندما نفخ في أنفه نسمة الحياة فصار آدم نفساً حيّة، فالروح الحية باتحادها بالجسد الترابي أعطته حياة، وصورة الله في الإنسان هي أيضاً العقل والضمير وقوة الاختراع والسيادة على بقية المخلوقات، وهذه القوة وهبها الله للإنسان عندما خلقه الله قديساً على شبهه تعالى الذي هو قدوس وسلّطه تعالى على الكائنات. كان الإنسان واحداً «ذكراً وأنثى خلقهما» معاً، فالسلطة أعطيت لكليهما وعندما أخطأا خسرا نعمة القداسة، ولكن المسيح يسوع فدانا بموته الكفاري وبذلك أعاد صورة القداسة إلى الإنسان كرجل وكامرأة بالتساوي. كما أنّ الله تعالى ساوى بين المرأة والرجل، في العهد القديم ففي الوصية الخامسة يقول: «أكرم أباك وأمك»(خر 20: 12) كما جاء أيضاً في كتاب الأمثال قول سليمان: «يا بني لا تترك شريعة أمك، أربطها على قلبك قلد بها عنقك، إذا سرت تهديك، وإذا نمت تحرسك، وإذا استيقظت فهي تحدثك» (أم 6: 20). ولكن الذي شوّه مفهوم وصايا الله هم آباء اليهود بتعاليمهم البعيدة عن روح الشريعة الإلهية. وبهذا الصدد قال الرب يسوع لليهود: «لماذا تتعدّون وصية الله بسبب تقليدكم فإنَّ الله أوصى قائلاً أكرم أباك وأمك ومن يشتم أباً أو أماً فليمت موتاً وأما أنتم فتقولون من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذي تنتفع به مني، فلا يكرم أباه وأمه. فقد أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم» (مت 15: 3ـ 6).

أجل! إنَّ الرب يسوع المسيح رفع مقام المرأة في شخص العذراء مريم، فقد اختارها لتكون أماً له لعفتها وقداستها فاستحقّت أن يحلّ عليها الروح القدس ويطهّرها وينقيها من الخطيئة ويقدسها. حينذاك حلّ في أحشائها نار اللاهوت ليولد الابن الإلهي منها إلهاً متجسداً، ونحن ندعوها (يلدة ءلؤا) ثيوتوكوس أي والدة الله التي ولدت الإله المتجسّد، فهذه المرأة العذراء أعادت إلى المرأة حواء مقامها الاول الذي فقدته من جرّاء سقوطها في الخطيئة، ومع هذا لم تنل العذراء مريم موهبة الكهنوت المقدس ولئن سمت على الأنبياء والكهنة والشهداء والمعترفين والرسل والمبشرين فهي التي أنبأت الرسل بما جرى لها ومعها بدءاً من بشارة الملاك جبرائيل لها بالحبل الإلهي. فالعذراء مريم أول من بشّر بالمسيح وآمنت بقدرته الإلهية ونعتبرها أسمى من الأنبياء وقد تنبأت عن نفسها قائلة: «هوذا منذ الآن جميع الأجيال تُطوّبني لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه»(لو 1: 48ـ50). والرب يسوع كرّم أمه العذراء مريم وهو طفل، واعتنى بها موفّراً لها معيشتها وهو شاب بعد موت يوسف خطيبها. وكرّم أيضاً النسوة عامة لأنه أشفق على السامرية الخاطئة المنبوذة من شعبها وكلّمها في الوقت الذي كان معلمو الشريعة اليهود  لا يكلمون امرأة في الطريق ولو كانت تلك المرأة من أقرب أقربائهم. وأشفق الرب يسوع أيضاً على الخاطئة التي أراد الفرّيسيون رجمها فغفر لها. إن السيد المسيح فعل ذلك في الوقت الذي كان اليهود لا يحسبون حساباً للمرأة. فعندما نقرأ عن أعجوبة إشباع خمسة آلاف رجل بخمسة أرغفة وسمكتين، التي دوّنها الرسول متى في الإنجيل المقدس قائلاً: «والآكلون كانوا نحو خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال»(مت 14: 21) نفهم من هذا التعبير الذي كان سائداً عند اليهود، أن المهم لديهم هو الرجل أما المرأة والطفل فمتساويان بعدم الأهمية. لكن الرب يسوع أعار المرأة اهتمامه الإلهي، فكانت بعض النساء يتجولن معه ويخدمنه ويخدمن تلاميذه وكان صديق  مرتا ومريم وأليعازر أخيهما (يو 11: 5) ولا بد أن نذكر في هذا المجال بأن النساء أخلصن للمسيح فقد تبعنه وهو في طريقه إلى الجلجلة وبكين عليه ومعه وتألمن كثيراً عندما رأينه معلقاً على الصليب يتألم ويتكلم، وسمعنه يوصي بأمه العذراء مريم، معلماً كل إنسان أن يكرم أمه ويعتني بها، وتبعنه إلى القبر الجديد حيث دفن جسده الطاهر وكنَّ أول من جاء إلى القبر باكراً ليطيبن جسده… وكنَّ أول من رآه بعد أن قام من بين الأموات واول من آمن بقيامته وبشر بها. وساعدت المرأة الرسل والمبشّرين في ميدان نشر البشارة المحيية، فقد جاء في سفر أعمال الرسل عن بنات فيلبس الأربع اللواتي كنّ عذارى وأنهنّ كنّ يتنبأنّ (أع 21: 9) وكان فيلبس المبشر أحد الشمامسة السبعة، ونقرأ للرسول بولس وهو يدحض آراء الذين احتجوا عليه لاصطحابه معه امرأة في جولاته التبشيرية قائلاً: «ألعلّنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجةً كباقي الرسل وأخوة الرب وصفا» (1كو 9: 5). هذا علاوة على أهمية دور المرأة في بناء الأسرة وتنظيمها، وتربية الاولاد وتنشئتهم وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: «إن المرأة تخلص بولادة الاولاد»(1تي 2: 15) ويقصد الولادة الجسدية الطبيعية والولادة الروحية من فوق من السماء. وإننا نرى أن هذه المرأة التي أصبحت على استعداد لتلد الناس من السماء كانت قد ولدت هي أيضاً من السماء. فإذا كان الله تعالى في البدء قد خلق الإنسان ذكراً وأنثى، وساوى بينهما بالحقوق والواجبات، ففي عهد الفداء خلقنا ثانية من السماء عندما حلّ الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة، وكان في العلية مائة وعشرون شخصاً رجالاً ونساءً وعندما دوّن لوقا هذه الحادثة أحصاهم جميعاً ولم يكتفِ بإحصاء الرجال فقط لذلك لم يقل ماعدا النساء حيث قد حلّ الروح القدس على الجميع، على الرسل والتلاميذ، وعلى النسوة في آنٍ معاً، وفي مقدمة النساء كانت العذراء مريم والدة الإله المتجسّد ونالوا جميعاً مواهب الروح القدس السامية النساء كالرجال، وكانت النساء قبيل ذلك تشارك الرجال بالصلاة في العلية، وهم جميعاً ينتظرون مجيء القوة من العلاء، فحلّ الروح القدس عليهنّ كما حلّ على الرسل وسائر التلاميذ بشبه ألسنة نارية بدون تفريق بين الرجل والمرأة. ويصف البشير لوقا في سفر أعمال الرسل هذا الحدث الإلهي قائلاً: «وكان عدة أسماء معاً نحو مائة وعشرين… ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفسٍ واحدة.. وامتلأ الجميع من الروح القدس» (أع 1: 14 و 2: 1) والروح القدس هيأهم جميعاً لحمل بشارة الإنجيل إلى العالم، وصانهم من الزلل والخطل وذكّرهم بكل ما قاله الرب يسوع لهم فتمسّكوا بتعاليمه السامية ونشروها. ولا بد أن نذكر في هذا المضمار المؤمنات اللواتي كنّ يخدمن في قصور الملوك والعظماء والرؤساء والنبلاء كيف أنهن كنّ مبشّرات بالإنجيل المقدس قولاً وعملاً وخاصة بتربية الأطفال وبالسيرة الصالحة، وبواسطتهن انتشر الإنجيل المقدس بهدوء وقوة كالخميرة التي تخمّر العجين كلّه، واقتحم الإنجيل ولكن بسلام قلاع الوثنية الضالّة والمضلّة واليهودية التي كانت قد حادت عن الناموس فخضعت جماهير غفيرة من الديانتين في بدء المسيحية للإنجيل المقدس. ونحن ككنيسة تتمسك بالإنجيل المقدس والتقليد الرسولي والكنسي لابدّ أن نعترف بأن الله أنعم على بعض النساء بمواهب قيادية روحية سامية، ظهرت عبر الدهور والأجيال بوضوح في سيرهن، وللكنيسة السريانية حظ وافر في هذا الميدان. وللمرأة السريانية الكرامة الكبرى في الكنيسة لما لعبته من أدوار فعالة في خدمتها. ونذكر في هذا المضمار هيلانة الملكة المسيحيةً التي كانت ابنة قسيس سرياني بجوار الرها، وربّت ابنها قسطنطين التربية الصالحة ونذرت أنه إذا تنصّر ستذهب إلى اورشليم وتفتش عن خشبة الصليب، وأتمّت نذرها. ولا بد أن نذكر أيضاً في هذا المجال المرأة التي صارت فخر الكنيسة السريانية وتربعت على عروش قلوبنا وتلت العذراء مريم مكانة وقدراً وإكراماً لدينا إنها الإمبراطورة تيودورة زوجة الإمبراطور جوستنيان، في القرن السادس للميلاد. كانت هذه المرأة العجيبة سريانية ابنة قسيس منبج السرياني في سورية. ونحن نجلّها ونبجّلها ونطّوبها لأنها كانت تعزي آباءها الروحيين أحبار الكنيسة الأجلاء وتستقبلهم باحترام وتخدمهم في الزمن العصيب الذي كانت الحكومة البيزنطية تضطهدهم فيه وتشرّدهم وتنفيهم وتقتلهم فاستشهد ألوف مؤلفة منهم وتحمّل الباقون صنوف العذاب فكانت تيودورة الملكة تعزيهم وتحميهم، ولئن لم تقوَ على إيقاف الاضطهاد الذي أثارته بيزنطية ضدهم مجاناً. وكانت تيودورة وراء إرسال بعثة تبشيرية أنارت بنور الإنجيل المقدس بلاد الحبشة. كما أننا لا ننسى أبداً الراهبات اللواتي نذرن البتولية مع العفة والفقر الاختياري والطاعة وكرّسن أنفسهن لخدمة الإنجيل المقدس عبر الدهور والأجيال. هذا ما نفهمه من تراث آبائنا وتقاليدهم وتاريخهم المجيد.

أجل! برزت أيضاً في تاريخ كنيستنا السريانية الأرثوذكسية عبر الأجيال نسوة اشتهرن بسداد الرأي والشجاعة في إعلان الإيمان، وحازت الكثيرات منهن اكليل الشهادة في سبيل المسيح وتحملت أخريات الاضطهادات وصنوف العذاب فكن في عداد المعترفات وكانت الكثيرات قد حُزن ذكاءً فطرياً مثل المرأة الرهاوية التي التقاها مار أفرام على ضفاف نهر ديصان في الرها وهي ترنو إليه، فساءه ذلك منها وزجرها قائلاً: اخفضي نظرك أيتها المرأة وتطلعي إلى الأرض فأجابته «لي أن أنظر إليك أيها الرجل لأني منك أخذت، ولك أن تخفض نظرك إلى الأرض لأنك منها جبلت»، فأُعجب مار أفرام بحكمة هذه المرأة وقال: «إن كانت هذه حكمة نساء الرها، فما هي درجة حكمة رجالها يا ترى». ([241])

وفي الرها التي ألقى مار أفرام عصا الترحال فيها بعد هجره نصيبين عام 363 على أثر استيلاء الفــرس عليها، كان مار أفرام تارة يتنسّك في جبل الرها المقدس وتارة يتفرّغ للتدريس في مدرستها الشهيرة. واهتم بالحياة الطقسية، إذ أدخل إليها أناشيده المنظومة الموقعة على ألحان خاصة كما ألّف جوقة مختارة من فتيات الرها اللواتي علّمهن ما ابتكره أو اقتبسه من ألحان وما نظمه من القصائد الروحية البديعة والتراتيل الشجية التي ضمّنها العقائد الدينية وصورة الإيمان القويم.

لا شك في أن مار أفرام بتأليفه جوقة المرتلات من الشابات العذارى، رفع من مقام المرأة وبرهن عملياً على أن الرسول بولس عندما كتب في رسالته الاولى إلى أهل كورنثوس (14: 34) قائلاً: «لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن» فعل ذلك من باب التنظيم المؤقت ليس إلاّ، وأن هذه الصيغة من الطلب ليست عقيدة إيمانية لا يجوز تحويرها أو تبديلها، بل قضية مكانية تنظيمية، تخص النسوة اللواتي دَأبن على اللغو والهرف بما لا يجدي، في الوقت الذي يكون الجميع أمام العزة الإلهية مصلين قانتين خاشعين. وان مار أفرام السرياني بتأليفه جوقة الترتيل صار رائداً في المسيحية في هذا الميدان وأثبت حقيقة أن المرأة كالرجل لها الحق في تسبيح الله في الصلاة الجمهورية، كما أنه ساوى بينهما في نفس رسالته بقوله: «غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب» (1كو 11: 11).

ويظهر تأثير مار أفرام في تربية المرأة في الرها على جداول مياه الإنجيل المقدس والتمسك بالعقيدة السمحة وتحمل الاضطهاد في سبيل الإيمان بشجاعة فائقة. ينجلي كل ذلك من حادثة المرأة الرهاوية في اضطهاد واليس الأريوسي في اواخر القرن الرابع وبالضبط سنة 373م الذي كان قد عيّن أسقفاً أريوسياً في الرها، قاطعه المؤمنون، وكانوا يصلون خارج المدينة، ويوم الأحد تهافت المؤمنون في الصباح الباكر إلى خارج المدينة والجند يلقون القبض عليهم ويزجّونهم في غياهب السجون، والتقى الوالي إحدى المؤمنات وهي تركض متّجهة نحو موضع تجمع المؤمنين، حاملة طفلها الرضيع، فاعترضها وأوقفها، وذكّرها بأمر السلطة والعقاب الشديد الذي يتعرض له من يخالف ذلك الأمر، فأبدت استعدادها لتحمل العذاب في سبيل التمسك بالعقيدة الإيمانية السمحة، وسألها أيضاً قائلاً: علمنا أنك قد تركت باب دارك مفتوحاً وأنت تركضين بسرعة هائلة وقد حملت رضيعك أيضاً، فلماذا فعلت ذلك، فأجابته: أما الدار فأنا على يقين أنني لن أعود إليها، أما طفلي هذا فلمحبتي الشديدة له أريده أن ينال معي إكليل الشهادة، ليكون معي في الفردوس متنعماً ولأنقذه من الهلاك بضلالتكم.

هكذا نرى أن المرأة المؤمنة تستحق كل تكريم منّا وكنيستنا السريانية تعرف فضلها وفضيلتها وتعطيها مكانتها من
الكرامة.

  • المرأة السريانية الشماسة والقسيسة:

من جملة العادات التي تسلّمناها من آبائنا هي عدم السماح للمرأة بدخول قدس الأقداس، وقد منعت من ذلك حتى الطفلة البريئة التي بعد أن تنال نعمة سر العماد المقدس، لا يسمح أن تزيّح داخل قدس الأقداس كالطفل الذكر. قد يكون سبب ذلك حرصاً على سمعة المسيحية التي اتهمت في بدء تاريخها بأنها ديانة إباحية. وقد يكون للحذر من السقوط في الخطية نتيجة اختلاط الجنسين في قدس الأقداس، خاصة وأن الوثنية كان لها كاهنات يبعن أجسادهن في أسواق الدعارة لجمع المال للهيكل الوثني. وقد كانت العادة التي تسلمتها الكنيسة من التقليد الكنسي أن يكون للرجال موضع خاص في الكنيسة وللنساء موضع آخر ويفصل بين الموضعين حاجز من خشب، وهذا ما نفهمه أيضاً من أحد خطب القديس يوحنا فم الذهب (407+)، وكانت آثار هذه الطريقة ظاهرة في بعض كنائسنا القديمة.

ويبرر مار يعقوب السروجي (421+) ملفان الكنيسة القديس عادة عدم السماح للمرأة بدخول قدس الأقداس، بأحد ميامره الذي يقول فيه([242]) على لسان آدم وهو يعلّم أولاده ما معناه «لا أرسل بيد حواء حنطة منقاة([243]) تقدمة للرب لئلا تقدمها إلى مشاورها (الشيطان) ولا أقدّم ذبيحة للرب لأنني لست طاهراً إذ لا يحق للكاهن المطرود أن يقوم بذلك. إن الرِجْل التي سعت ماشيةً إلى شجرة الحياة لا يحق لها أن تطأ الموضع المخصص للأحبار (والكهنة) وإن اليد التي قطفت الثمرة (المحرمة) في فردوس عدن لا يحق لها أن ترفرف فوق القربان الإلهي».

والكنيسة ولئن منعت المرأة من دخول قدس الأقداس ولكنها سمحت لزوجة القسيس المكرّسة قسيسة، وللأرملة المكرّسة شماسة، بدخوله أحياناً في حال عدم وجود قسيس أو شماس أو أي رجل فيه.

ومن المفيد أيضاً أن نذكر في هذا المجال أنّ لدينا نحن السريان طقساً لرتبة تكريس القسيسات وآخر لتكريس الشماسات. ومن كتاب الهدايات في الشرع الديني والمدني للعلامة الكبير مار غريغوريوس أبي الفرج الملطي مفريان المشرق المشهور بابن العبري (1286+)(ب 7 ف 7) نعلم: أن الشمّاسة كانت تؤخذ من الأرامل التقيات اللواتي تتوفر بكل واحدة منهن شروط، منها أن تكون قد تزوّجت مرة واحدة فقط، وأنها بعد ترمّلها قد لازمت الكنيسة بأصوام وصلوات ولها سمعة طيبة لدى القريب والغريب، وخدمتها بعد تكريسها مقتصرة على مساعدة الكاهن والشماس خارج قدس الأقداس في طقس تعميد الكاهن للنساء والفتيات البالغات ومسحهن بالميرون، وفي تفقّد المؤمنات المريضات وخاصة في الدور التي تسكنها نسوة وحدهن ولا يرسل إليها الأسقف شماساً، لئلا تتولد شكوك لدى غير المؤمنين، فيرسل الأسقف شماسة لتهتمّ بالمؤمنات المريضات. وإذا تزوجت الأرملة المكرّسة ثانية بعد أن تعيّن شماسة تحرم هي ومن تزوجها. وتحدد بعض القوانين الكنسية عمر الأرملة التي تكرّس شماسة بأربعين سنة، وبعضها لا تحبذ أن تكرّس شماسة قبل بلوغها الستين من عمرها.

ويذكر مار سويريوس الكبير (538+) في القرن السادس، أنه كانت في بلاد المشرق (تحت ولاية الكرسي الأنطاكي) عادة أن ترسم رئيسات الأديرة شماسات ويحق لكل واحدة منهن أن تقوم بتوزيع القربان المقدس على الأخوات اللواتي تحت رئاستهن عندما لا يوجد كاهن أو شماس. ولا تقوم بخدمتها في حضور أحدهما وتضع تلك الشمّاسة هراراً على كتفها كما يفعل الشماس الإنجيلي.

وعندما لا يتوفر قسيس أو شماس في دير الأخوات، يحق لها أيضاً أن تدخل قدس الأقداس (بية قودًشا) (بشرط ألا تكون حائضة حينذاك) وعلى أن تكون مع أخواتها الراهبات فقط وتناولهن القربان. ولا تفعل ذلك للذكور حتى للأطفال منهم إذا بلغوا الخامسة من عمرهم أو تجاوزوا ذلك.

وعندما تضع هذه الشماسة (البخور) لا يحق لها أن تتلو الصلاة الخاصة التي يتلوها الكاهن عادة، لكن تتلو سرّاً صلاة التوبة.

وبإذن من الأسقف بإمكانها أن تمزج الخمر والماء في الكأس وإذا كانت مريضة بإمكانها أن تسمح لإحدى الأخوات لتدخل إلى قدس الأقداس لتكنسه وتوقد الشموع.

لا تلام الشماسة إذا قرأت الأسفار المقدسة حتى الإنجيل المقدس في اجتماع الأخوات العام في الأعياد.

وبحسب تعليم مار يعقوب الرهاوي (708+) «أنه ليس للشماسة عمل في قدس الأقداس أبداً ويحق لها فقط دخوله عندما تكنسه لتنظفه وتوقد الشموع فيه. وفي دير الأخوات إذا لم يكن هناك قسيس أو شماس قريب (منهن) يحق لها أن تأخذ القربان الذي يوضع عادة في مخزن الأسرار (الذي هو عادة شبه كوّة تحفر في الحائط الشرقي الذي وراء المذبح) ولكن لا يحق للشماسة أن تقترب من المذبح، ويحق لها أن تناول القربان المقدس للأخوات والصبيان الصغار دون الخامسة من عمرهم فقط، وتساعد الكاهن في القيام بسر عماد النساء الكاملات البالغات بالسن وتمسحهن بالميرون المقدس وتزور النسوة المريضات».

أما من كانت تدعى قسيسة، فهي زوجة القسيس بعد أن تكرّس تدعى العهيدة برة قيما وقسيسة. وطقس تكريسها يحتفل به رئيس الكهنة بعد الانتهاء من القداس الإلهي حيث تجثو زوجة القسيس أمام باب قدس الأقداس منحنية ويبدأ رئيس الكهنة الصلاة بالابتهال إلى الله أن يؤهل المؤمنين بالتشبه بالعذارى الخمس الحكيمات في إنارة السرج بزيت الأعمال الصالحة وباليقظة والسهر لانتظار العريس السماوي في مجيئه الثاني ليدخلوا معه إلى العرس المملوء أفراحاً ويمجدوه. هكذا تسير الأدعية والصلوات في الطقس بطلب التوبة والصلاة لأجل المدعوة لهذه الخدمة كي يمنحها الرب الحكمة. والصلوات تدور حول مثل العذارى (مت 25: 1ـ13) ومثل الدعوة إلى الوليمة وإلزام الناس بدخول دار الداعي  والمشاركة بالوليمة (مت 22: 1ـ14).

ثم يأمر رئيس الكهنة أن يسدل ستار يخفي المتقدمة لتتكرّس، فتخلع حليها من يديها، وثيابها الخارجية وتلبس (تنورة) ثوباً واسعاً ينزل من الخصر إلى القدمين بلون أزرق وتُمنطق بزنار أسود اللون كما يلبسونها كساءً أسود أو أزرق يوضع على الكتفين، ثم يأخذ رئيس الكهنة قناعاً أسود يرسم عليه علامة الصليب ثلاث مرات ويشده على رأسها مثل قلنسوة وهو يتلو الصلاة التالية: «حماكِ الرب وسترك بيمينه الإلهية ونجاك من تجارب الروح والجسد لتنالي نعمته إلى أبد الآبدين آمين».

ثم يتلو أحدهم فصلاً من سفر أعمال الرسل عن إحياء بطرس لطابيثا (أع 9: 36ـ42) وفصلاً من رسالة الرسول بولس إلى أهل كولوسي بدءاً من «فالبسوا كمختاري الله القديسين والمحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناةٍ… وكما غفر لكم المسيح…»(كو 3: 12ـ17).

ثم يتلو رئيس الكهنة الفصل العاشر من بشارة لوقا ابتداءً من العدد (38) وحتى العدد (42) عن مرتا ومريم حيث يقول الرب لمرتا: «مرتا، مرتا، أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمورٍ كثيرةٍ ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها»(لو10: 41و42).

ثم يرسم رئيس الكهنة على جبينها علامة الصليب ثلاث مرات وهو يقول: «تُختَم وتوسم وتكمل (فلانة) أي تكرّس قسيسة حقيقية لخدمة أبناء الكنيسة المقدسة فيصرخ الأرخدياقون قائلاً: بارخمور أي بارك يا سيدي. فيردف رئيس الكهنة قائلاً: باسم الآب + ويجيب الشماس (آمين) والابن + ويجيب الشماس (آمين) والروح الحي القدوس للحياة الأبدية ويجيب الشماس (آمين).

ثم يتلو رئيس الكهنة صلاة الشكر (سراً) ثم يتلو علناً صلاة لأجل المكرسة قسيسة ثم صلاة يا رب ارحمنا. والصلاة الربانية.

ونفهم من مجريات الطقس والقوانين الكنسية والصلاحيات التي كانت تُمنَح للمكرسة قسيسة، على أن تكريس القسيسة ليس سوى تكريس وتخصيص وتفرغ لا رسامة ولا رتبة كهنوتية.

ولا نعلم بالتأكيد متى ألغي هذا التكريس. ولئن كنا ندعو في أيامنا هذه زوجة كل قسيس (برة قيما). أي العهيدة كما كانت تدعى المكرّسة فقط. ولا بد أن ننوّه ههنا أن زوجة القسيس في أيامنا هذه ولئن لم تكن قد كرّست إذا حدث أي عماد للبالغات تساعد زوجها فيه ولكننا لا نعتبرها مكرّسة.

أما تكريس الشماسات فقد أعيد في عصرنا هذا وابتدأنا تكريس بعضٍ منهن مرتلات أي عضوات في جوقة الترتيل ونسميهن شماسات. وليس لهن  من هذه الصفة سوى الاسم فقط وعندما يكرسن يذكر رئيس الكهنة أن فلانة تكرس شماسة مرتلة، ولا تلتزم هذه المرتلة بالقوانين التي كانت تلتزم بها الشماسة في الماضي. كما ليس لها حقوق تلك أو امتيازاتها ولا واجباتها فهي مجرد مرتلة في الكنيسة، وغالباً ما تكون خادمة في مراكز التربية الدينية. وهي كسائر الفتيات متى شاءت تزوجت وتبقى مكرسة شماسة مرتلة ومعلمة ومرشدة في مراكز التربية الدينية. قد تكون هذه خطوة مشجعة ليعاد إلى الكنيسة تكريس الأرامل شماسات، كما كان في الماضي.

وقد يعاد النظر بتقليد الكنيسة في حقوق التي تدعى شماسة أو قسيسة وواجباتها في خدمة النساء والأطفال الصغار وتنظيف قدس الأقداس وإيقاد الشموع فيه وكل ذلك وغيره قد يحدث في الكنيسة إذا ما اقتضت الحاجة في عصرنا هذا لبنيان النفوس وتقدم الكنيسة وازدهارها، ولكن لا يمكن أن يُسمَح يوماً ما في كنيستنا السريانية الأرثوذكسية الرسولية برسامة قسيسات بوظيفة الكهنة الذين يقرّبون الذبيحة الإلهية، كما يجري في بعض الكنائس غير الرسولية التقليدية. لأن هذا الأمر لا يستند إلى الكتاب المقدس فعندما اختار الرب يسوع اثني عشر رسولاً وسبعين مبشراً لم يختر في عدادهم واحدة من النساء اللواتي  كن يخدمنه. وكذلك خلال عشرين قرناً لم ترسم عندنا قسيسة بوظيفة الكاهن الذي له سلطان حلّ الخطايا وربطها، وتقديم الذبيحة الإلهية غير الدموية، وغير ذلك من الخدمات الكهنوتية المعروفة.

وقد تبوأت المرأة السريانية في أيامنا هذه مراكز سامقة في جميع الميادين الثقافية والاجتماعية والدينية. فهي الطبيبة والمحامية والقاضية والمهندسة والمدرسة وعضوة البرلمان، كما أنها في الكنيسة عضوة المجلس الملي والجمعيات الخيرية والشماسة المرتلة ومعلمة مدارس التربية الدينية، وفي كل هذه المراكز هي مساوية للرجل في الحقوق والواجبات والإكرام.

أشكر لكم حضوركم وحسن إصغائكم وأتمنّى لكم إقامة طيبة في سورية الحبيبة وعودة بالسلامة إلى اوطانكم ونعمة الرب تشملكم جميعاً.

 

 

 

 

 

 

 

 

أول كتاب طُبع بالسريانية(*)

 

في أواسط القرن السادس عشر للميلاد، أرسل البطريرك الأنطاكي مار إغناطيوس عبدالله اسطيفان (1520 ـ 1557+) القس موسى ابن القس اسحق الصوري([244]) إلى النمسا، وبوساطة أستاذ القانون الكنسي، المستشرق العلامة يوحنا بدمانستاديوس الذي كان يجيد اللغة السريانية([245]) اهتم بطبع أسفار العهد الجديد من الكتاب المقدس لاول مرة باللغة السريانية طبعاً لنص الترجمة البسيطة([246]) وذلك على نفقة فرديناندوس (1503 ـ 1564م) ملك رومانيا وجرمانيا وهنغاريا وبوهيميا ورئيس رؤساء النمسا الشرقية والغربية يومذاك، الذي بذل المال الكثير لهذه الغاية الشريفة. وتمّ ذلك في فيينا سنة 1555م.

وقد طبع الكتاب بالقلم السرياني الغربي([247]) وحروفه دقيقة طريفة. أما رؤوس المواضيع فقد كتبت بالخط الاسطرنجيلي القديم. واستعملت فيه الحركات السريانية الخمس بجانب التنقيط، كضوابط لغوية تساعد على القراءة الصحيحة. وقد تخلل صفحاته صور ونقوش جميلة جداً لعلامة الصليب وغيرها زادتها روعة وجمالاً.

ويذكر الناشر أنه قد استند في طبع الكتاب إلى مخطوطتين سريانيتين قديمتين([248]) بعد تحقيق وتدقيق. ولا يبعد أن تكون الصور والنقوش قد أخذت من المخطوطتين المذكورتين أعلاه.

يحتوي الكتاب على الأسفار التالية أسماؤها من العهد الجديد من الكتاب المقدس بحسب ترتيبها في الترجمة البسيطة وهي:

1 ـ إنجيل متى.

2 ـ إنجيل مرقس.

3 ـ إنجيل لوقا.

4 ـ إنجيل يوحنا.

5 ـ رسالة يعقوب الرسول.

6 ـ رسالة بطرس الرسول([249]).

7 ـ رسالة يوحنا الرسول([250]).

8 ـ سفر أعمال الرسل.

9 ـ رسالة الرسول بولس إلى أهل رومية.

10و11 ـ رسالتاه إلى أهل كورنثوس الاولى والثانية.

12 ـ رسالته إلى أهل غلاطية.

13 ـ رسالته إلى أهل أفسس.

14 ـ رسالته إلى أهل فيليبي.

15 ـ رسالته إلى أهل كولوسي.

16و17 ـ رسالتاه إلى أهل تسالونيكي الاولى والثانية.

18و19 ـ رسالتاه إلى تيموثاوس الاولى والثانية.

20 ـ رسالته إلى تيطس.

21 ـ رسالته إلى فليمون.

22 ـ الرسالة إلى العبرانيين([251]).

وقسمت أسفار الكتاب فصولاً تتلى عادة في الكنيسة السريانية، في بدء القداس، أيام الآحاد والأعياد على مدار السنة، بما يطابق موضوع الأحد والعيد. وقد وضّح ذلك في بدء الكتاب حيث طبع بالسريانية جدول بتعيين قراءات فصول كل سفر من الأسفار المطبوعة، مع المناسبة التي خصص الفصل لها، على مدار السنة، كما طبعت ترجمة لاتينية لهذا الجدول.

ويضم الكتاب بين دفتيه (290) ورقة، وطوله (20,5) سنتمتراً في عرض (14) سنتمتراً في سمك (5,5) سنتمتراً، وعدد أسطر الصفحة الواحدة (26) سطراً، وطول السطر الواحد (8,5) سنتمتراً.

ويعتبر هذا الكتاب تحفة من تحف فن الطباعة وهو أول كتاب سرياني ينشر بالطبع. وقد نفدت طبعته ولم يبقَ منه في العالم سوى نسخ تعد على الأصابع.

 

v  v  v

 

 

المحتوى

 

تمهيد ………………………………………………………………..  5

كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوكسية عبر العصور …………………………..  7

هوية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وحقوق أعضائها من الإكليروس والعلمانيين        وواجباتهم    39

علاقة كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية بسائر الكنائس المسيحية وأضواء
على الحوار بينها وبين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية………………………… 53

تطور العلاقات المسكونية وتقدمها: مؤتمر المحادثات غير الرسمية بين لاهوتيين
أرثوذكس المنعقد في جنيف عام 1970……………………………………. 76

المنشور البطريركي الذي أصدره المؤلّف معلناً فيه: البيان المشترك بين كنيسة
أنطاكية السريانية الأرثوذكسية وكنيسة أنطاكية للروم الأرثوذكس………………. 90

لقاء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط: بيان مشترك ……..  94

السريانيون والعلاقات التاريخية الثقافية والدينية بينهم وبين اليونانيين………….. 101

نظرات خاطفة في تاريخ كنيسة أنطاكية السريانية المشترك مع الإسلام عبر
العصور……………………………………………………………… 129

صفحات مشرقة من تاريخ الأدب السرياني في القرن السادس للميلاد…………… 161

أهل الكهف في المصادر السريانية……………………………………….. 187

القيم الدينية وتنظيم الأسرة……………………………………………… 209

دور المرأة في كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية………………………… 218

أول كتاب طُبع بالسريانية………………………………………………. 235


HISTORICAL, RELIGIOUS & LITERARY

ARTICLES & ESSAIES

 

(Part One)

by

 

IGNATIUS ZAKKA   I   IWAS

Patriarch  of  Antioch  and  All  the  East

Supreme Head of the Universal Syrian Orthodox Church

 

2008

للأعلى

 

الهوامش :


([1]) ـ تاريخ مدينة أنطاكية للدكتور أسد رستم، طبعة بيروت سنة 1958 ج1 ص14 نقلا عن دائرة المعارف البريطانية الطبعة التاسعة مج 2 ص130.

([2]) ـ شاد سلوقس الاول نيقاطور مدينة أنطاكية على نهر العاصي في سورية سنة 311ق.م بعد اقتسام مملكة الاسكندر الكبير، ودعاها الاسكندر أنطاكية باسم أبيه أنطيوخس، وكانت عاصمة السلوقيين حتى الفتح الروماني سنة 64 ق.م وقد أحبها السريان واتّخذوا الشهر الأول والسنة الأولى لتأسيسها ـ شهر تشرين الأول سنة 311 ق.م ـ تاريخاً عاماً في سجلاتهم الدينية والمدنية ولم يستبدلوه بالتاريخ الميلادي حتى اوائل هذا القرن.

([3]) ـ يعتقد بأن بطرس الرسول كان في أنطاكية سنة 34م. واسس كرسيه فيها. ذلك أن صعود الرب إلى السماء كان سنة 30 للميلاد وأن بولس آمن بعد ذلك بسنة واحدة، وجاء إلى اوشليم بعد إيمانه بثلاث سنوات أي سنة 34 ولم يجد من الرسل في أورشليم سوى يعقوب أخي الرب. فبطرس كان آنئذ في أنطاكية بحسب التقليد الكنسي. ومكث فيها سبع سنوات متتالية أي حتى سنة 41 علما بان رأي بعض العلماء المعاصرين هو أن ميلاد السيد المسيح بالجسد جرى قبل التاريخ المسيحي المتداول بأربع سنوات، فاضيفت هذه السنوات إلى حساب العالم قبل الميلاد (انظر كنيسة أنطاكية سورية، للبطريرك يعقوب الثالث دمشق 1971 ص 3 ـ 6).

([4]) ـ تاريخ مدينة الله أنطاكية للدكتور أسد رستم (1: 20). وقد فصلت حادثة كرنيليوس في الاصحاحين العاشر والحادي عشر من سفر أعمال الرسل.

([5]) ـ فقال له الرسول بولس «إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً فلماذا تلزم الامم أن يتهودوا» (غلا 2: 14) أنظر أيضاً موجز تاريخ المسيحية ـ ليسطس الدويري ـ مصر 1949 ص55.

([6]) ـ سفر أعمال الرسل الاصحاح الخامس عشر.

([7]) ـ فيه (11: 26).

([8]) ـ التاريخ الكنسي لاوسابيوس القيصري (3: 22).

([9]) ـ كنيسة أنطاكية سورية ص6.

([10]) ـ اللغة السريانية هي اللغة الآرامية ذاتها والآراميون هم السريان أنفسهم. وقد أخطأ من فصل مابين الآراميين والسريان، إذ بتعاقب الأجيال وبتطورات الأحوال ظهرت التسمية السريانية إلى جانب الآرامية لتطلقا على من تكلم بهذه اللغة، فهي تسمية لغوية. وبعد ظهور المسيحية تغلبت التسمية السريانية على التسمية الآرامية ذلك أن الرسل دعاة المسيحية الأولين كانوا سرياناً لغة، ولما عرفت العصور الأولى الرسل يتكلّمون السريانية، كان كل من يقبل على تعاليمهم ويتنصر من الآراميين يستبدل اسمه القديم الأصيل (الآرامي) بالاسم (السرياني) ويفاخر بكونه سريانياً لذلك صار اسم (السرياني) باللغة السريانية عَلَماً للدين المسيحي بينما أمسى الاسم (الآرامي) فيها مرادفاً للوثني، حتى أن الترجمة السريانية المعروفة بالبسيطة (فشيطتا) استخدمت لفظ الآرامي للدلالة على المعنى الوثني (كما في الرسالة إلى غلاطية 2: 14و 3: 28) وهكذا زالت تقريباً التسمية الآرامية من الشعوب المسيحية في بلاد آرام، وعمت التسمية السريانية حتى صارت السريانية مرادفة للمسيحية قلباً وقالباً، فعندما نقول الكنيسة السريانية نعني الآن الكنيسة المسيحية.

([11]) ـ قاموس الكتاب المقدس ـ الدكتور جورج بوست. تحت لفظة آرام، وكلدو وآشور لادي شير ـ بيروت، 1913 مج1 ص16. والعصور القديمة لبرستد (ف 211 ص109 ومختصر الدول لابن العبري ـ بيروت 1962 ص18.

([12]) ـ سمى اليونان هذه البلاد (ميسوبوتاميا) أي ما بين النهرين وكانت تشمل القسم الأعلى من دجلة والفرات وقرب المصب أما آرام الشام فتشمل سورية الداخلية وفلسطين ولبنان، وكلمة آرام تعني الأرض العالية.

([13]) ـ مجلة العربي ـ الكويت عدد 81 لسنة 1965 أثر السريانية في العربية بقلم الربان (المطران بعدئذ) اسحق ساكا عن تاريخ برستد (فصل 211 ص 109).

([14]) ـ تاريخ سورية ولبنان وفلسطين للدكتور فيليب حتي (1: 183) وسفر عزرا الاول (4: 6و7).

([15]) ـ فقه اللغة للدكتور علي وافي طبعة ثانية، القاهرة 1944 ص120 واللغات الآرامية لشابو ص9 وكلدو واشور (1: 16).

([16]) ـ وهي اللغة التي تعرف بالسريانية الفلسطينية واحياناً يسمونها بالعبرانية ذكر اوسابيوس القيصري (263 ـ 339م) في كتابه الظهور الإلهي «المخطوطة السريانية في خزانة المتحف البريطاني برقم 12150 وقد كتبت سنة 411م. نشرها الأب بولس بيجان في باريس سنة 1905» قائلاً عن الرسل قبل حلول الروح القدس عليهم بأنهم «قوم جليليون لا يعرفون شيئاً أكثر من اللغة السريانية»، كما أن الكتاب المقدس إذ ترجم إلى لغات عديدة احتفظ ببعض الالفاظ بصيغتها السريانية ذلك مثل: (ابا) أي الأب (غل 4: 6) و(طاليثا قومي) أي أيتها الصبية انهضي (مت 9: 23 ومر 5: 41) و(طابيثا قومي) أي ياغزالة انهضي (أع 9: 40) انظر أيضاً مت 27: 46 ويو 20: 16 وأع 1: 19 وغيرها). وقد كتب بالسريانية اجزاء من سفر دانيال، وعزرا، ونحميا، وانجيل متى كله، والرسالة إلى العبرانيين كلها، كما ترجم اليها الكتاب المقدس برمته في اواخر القرن الاول للميلاد لفائدة المتنصرين من السريان واليهود.

([17]) ـ قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج بوست (1: 58).

([18]) ـ معجم اسماء المدن والقرى اللبنانية لانيس فريحة ـ بيروت 1972.

([19]) ـ المباحث الجلية في الليتورجيات الشرقية للبطريرك أفرام رحماني ـ دير الشرفة 1924 ص23 وتاريخ مدينة الله أنطاكية (1: 14) نقلا عن دائرة المعارف البريطانية الطبعة التاسعة (2: 130). قال الدكتور فيليب حتي “وكمصطلح لغوي فان اسم (SYRIAN) بالآنكليزية يشير إلى جميع الشعوب التي تتكلم السريانية (الآرامية) ومنهم الذين في العراق وايران. وقد انتشر بعضهم حتى في جنوبي الهند. وكان اسم SYRUS (سوري) بالنسبة إلى الرومان يعني كل شخص يتكلم اللغة السريانية. (انظر كنيسة أنطاكية سورية ص13 عن تاريخ سورية لحتي (1: 63).

([20]) ـ المباحث الجلية ص 151.

([21]) ـ الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام برصوم حمص 1940 ص143.

([22]) ـ تفصيل ذلك في كتاب اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية للبطريرك أفرام الاول برصوم طبعة بغداد 1976 الذي يشرح باسهاب ما لآباء الكنيسة السريانية من أفضال على العلوم والآداب السريانية والعالمية الدينية والمدنية.

([23]) ـ الكنيسة السريانية الأنطاكية الأرثوذكسية للبطريرك يعقوب الثالث دمشق 1974 ص 10 ـ 15.

([24]) ـ تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية للمطران سويريوس يعقوب (البطريرك يعقوب الثالث بعدئذ) بيروت 1953 ج1 ص 117 ـ 119.

([25]) ـ محاضرة للمؤلف القاها في فيينا في 4/5/1972 نشرت ترجمتها العربية في “المجلة البطريركية” الدمشقية لسنتها العاشرة (سنة 1972) العدد 96 ص 326.

([26]) ـ كالعلامة اوريجانس (+256م) وأوسابيوس (+340م) ويوحنا فم الذهب (+407م) والمعلم هيرونيموس (+ 420م) والبطريرك مار سويريوس الأنطاكي (+538م).

([27]) ـ الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام الاول برصوم حمص 1940 ص 138 نقلاً عن كتاب الخرونيقون لأوسابيوس القيصري مج1 كتاب 2 ص 152 طبعة شون في برلين سنة 1866.

([28]) ـ التاريخ البيعي لاوسابيوس الكتاب الثالث الفصل السادس والثلاثون ترجمة القس مرقس داود.

([29]) ـ هو (جيروم) احد علماء اللاتين في القرن الرابع للميلاد.

([30]) ـ نبذة في (من هو بطريرك أنطاكية الشرعي) للراهب عبد الأحد (البطريرك يعقوب الثالث بعدئذ) نشرت في مجلة «المشرق» الموصلية السنة الاولى ص836 نقلاً عن الكلندار الروماني في آخر الاشحيم السرياني المطبوع في رومية سنة 1852م.

([31]) ـ انتقل الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث إلى الخدور العلوية في 25 حزيران عام 1980 وخلفه المؤلّف الذي انتخب بطريركاً في 11 تموز 1980 ونصّب في 14/9/1980.

([32]) ـ محاضرة للمؤلف في فيينا ـ النمسا في 5/5/1972 بموضوع (الكنيسة ومقومات المجمع المسكوني فيها) نشرت ترجمتها العربية في المجلة «البطريركية» الدمشقية العدد 98السنة العاشرة ـ أيلول 1972. وفي كتاب «كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية وقانونية المجامع المسكونية» للمؤلف، صدر عام 1997.

([33]) ـ الدرر النفيسة مج1 ص 398.

([34]) ـ كتاب المجمع اللبناني ص311 ومنارة الاقداس للدويهي البطريرك الماروني (1: 22).

([35]) ـ الأب غ دي فريس اليسوعي (الكرسي الرسولي والبطريركيات الشرقية الكاثوليكية) منشورات مجلة الوحدة بالإيمان ـ لبنان 1971 (عن كيرخ الخيريديون.. باللاتينية رقم 406).

([36]) ـ فيه ص 7و 8و 9.

([37]) ـ معنى اوتونوميا، الحكم الذاتي.

([38]) ـ معنى اوتوكيفاليا، الاستقلال المطلق.

([39]) ـ مسكوني نسبة إلى كلمة المسكونة أي العالم.

([40]) ـ محاضرة للمؤلف بالإنكليزية في فيينا في 5/5/1972 بعنوان «الكنيسة ومقومات المجمع المسكوني فيها» نشرت ترجمتها العربية بالمجلة البطريركية الدمشقية العدد 98 السنة العاشرة 1972.

([41]) ـ محاضرة للمؤلف في فيينا في 6/9/1973 بعنوان «قبول المجامع» بالإنكليزية، نشرت ترجمتها العربية بالمجلة البطريركية الدمشقية سنة 1973 السنة الحادية عشر العدد 108 ص 482 والعدد 109 ص 548.

([42]) ـ خلقيدونية: منطقة ضمن حدود القسطنطينية، التي هي استنبول.

([43]) ـ نهج وسيم ـ للمطران غريغوريوس جرجس شاهين للسريان الكاثوليك حمص مطبعة صبرا 1911 ج1 ص14 والمباحث الجلية ص 23 و24 و28.

([44]) ـ مختصر تواريخ الكنيسة للمعلم لومون الفرنساوي ترجمة الخوري يوسف داود ـ الموصل 1873 ص 178.

([45]) ـ الدرر النفيسة ص 143.

([46]) ـ ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ـ للقس بطرس نصري مج1 ص73 الموصل 1905.

([47]) ـ انجيل متى (2: 2).

([48]) ـ سفر أعمال الرسل (2: 9).

([49]) ـ أخبار بطاركة كرسي المشرق من كتاب المجدل لماري بن سليمان طبعة رومية 1899م ص1 والدرر النفيسة مج1 ص76 و77 وخلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية للكردينال اوجين تيسران ـ ترجمة القس (المطران بعدئذ) سليمان الصائغ ـ الموصل 1939 ص76.

([50]) ـ الدرر النفيسة ص 586 ونهج وسيم ص12.

([51]) ـ كلمة جاثليق تعني الأب العام، وكلمة مفريان سريانية تعني المثمر.

([52]) ـ دفقات الطيب في تاريخ دير القديس مار متى العجيب للبطريرك يعقوب الثالث زحلة 1961 ص 51.

([53]) ـ فيه ص 42 و43.

([54]) ـ اللؤلؤ المنثور ص16.

([55]) ـ دفقات الطيب ص 34 عن التاريخ الكنسي لابن العبري مج3 ص 87 و99 وتاريخ مار ميخائيل الكبير ص 35.

([56]) ـ دفقات الطيب ص 35 واللؤلؤ المنثور ص 260.

([57]) ـ دفقات الطيب ص 35 واللؤلؤ المنثور ص 260.

([58]) ـ المنشور البطريركي «المجلة البطريركية» الدمشقية، السنة الثالثة 1964م العدد 21 ص6 و7 وكتاب المرقاة للمؤلف حمص 1958 ص344.

([59]) ـ انتقل إلى جوار ربه في 1/9/1996 وما يزال كرسي المفريانية شاغراً من بعده.

([60]) ـ الدرر النفيسة ص 585.

([61]) ـ السلاسل التاريخية، بيروت 1910 ص135.

([62]) ـ خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ـ للكردينال تيسران ص107 عن البراءة التي اذاعها البابا أورجانيوس الرابع ، ونهج وسيم ص 57 ج1 لغريغوريوس جرجس شاهين.

([63]) ـ نهج وسيم ج1 ص 72 و73.

([64]) ـ فيه ج1 ص8.

([65]) ـ فيه ج1 ص8.

([66]) ـ الطرفة النقية من تاريخ الكنيسة المسيحية للخوري عيسى اسعد حمص 1924الملحق ص 453.

([67]) ـ نهج وسيم ج1 ص41 و42 ومجلة المشرق الموصلية السنة الأولى ص847.

([68]) ـ المرقاة للمؤلف ص 24و25.

([69]) ـ تاريخ مار ميخائيل الكبير بالسريانية طبعة باريس 1899 ص332 و336 و337 و339 و353 و354 و355 و363 ـ 369 والتاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية مج 1 في ترجمة البطريركين سرجيس التلي وبولس. أما تفصيل ترجمة مار يعقوب البرادعي ففي كتاب (المثال السرياني) للراهب يوحنا دولباني (مطران ماردين بعدئذ، المطبعة السريانية بوينس أيرس 1942).

([70]) ـ بلدة في تركيا تعرف اليوم باسم (ويران شهر) وهي مركز قائمقامية تابعة لولاية اورفا (الرها).

([71]) ـ من مدن سورية، وتتبع محافظة درعا.

([72]) ـ مقالة للراهب يوحنا دولباني (مطران ماردين بعدئذ) في مجلة الحكمة ـ القدس 1929 ص 466 وكتاب إقامة الدليل على استمرار الاسم الأصيل واستنكار النعت الدخيل للعلامة الأرخدياقون نعمة اللّه دنو ـ الموصل 1949 وكتاب الأدب السرياني لروبنس دوفال المستشرق الفرنسي، المطبوع سنة 1907 ص 306 وكتاب الحقائق الجلية في الأبحاث التاريخية الأدبية والفلسفية للعلامة البطريرك يعقوب الثالث. دمشق 1972 ص 26 ـ 30 و117 و118.

([73]) ـ في 30 تموز عام 1978 أقامت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم مهرجانات ضخمة بمناسبة الذكرى المئوية الرابعة عشرة لمجاورة مار يعقوب ربه، بناء على الأمر البطريركي السامي الذي أعلنه قداسة البطريرك الأنطاكي مار إغناطيوس يعقوب الثالث بمنشوره البطريركي في 28/2/1978.

([74]) ـ تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلى العصر الحاضر تأليف دكتور مراد كامل ودكتور محمد البكري ودكتورة زاكية محمد رشدي. القاهرة 1974 ص 193 ـ 194.

([75]) ـ ذخيرة الأذهان للقس بطرس نصري الكلداني ـ الموصل 1905 مج 1 ص 221 عن يوسف شمعون السمعاني الماروني ـ المكتبة الشرقية باللاتينية مج 2 مقالة 47 ـ 53.

([76]) ـ كتاب حسن الشهادة والاداء للمؤلف ـ حمص 1959 يشرح ذلك بالتفصيل.

([77]) ـ الذي انتقل إلى الخدور العلوية في 25 حزيران عام 1980 وخلفه المؤلّف الذي انتخب بطريركاً في 11 تموز 1980 ونصّب في 14/9/1980.

([78]) ـ دستور الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الذي أقره مجمع حمص عام 1959م نقحه مجمع دمشق عام 1979م.

([79]) ـ انتقل إلى دمشق عام 1984، وارتقى إلى درجة كلية لاهوتية اتّخذت لها مقراً دير مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا ـ دمشق، الذي شيّده المؤلّف وافتتحه في 14/9/1996.

([80]) ـ الطرفة النقية ـ الملحق ـ للخوري عيسى اسعد حمص 1922المحق ص 424.

([81]) ـ نقاط التحول في التارخ الكنسي العام للقس أدوارد كاتس ـ نيويورك 1890م ص446.

([82]) ـ بعد انتقال المثلث الرحمة البطريرك يعقوب الثالث وجلوس كاتب هذه السطور على  الكرسي الرسولي السرياني عيّن بدلاً منه نيافة مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم مطران حلب وتوابعها عضواً في اللجنة المركزية.

)*( ـ ترجمة الخطوط الرئيسية والمقاطع التي تهمّ القارئ من الخطاب الذي ألقاه المؤلف بالإنكليزية في المؤتمر السنوي الخامس والعشرين لأبرشية الولايات المتحدة وكندا المنعقد في لوس أنجلوس ـ كاليفورنيا من 27 ـ 31 آب 1986م ونشر في المجلة البطريركية ـ دمشق عدد كانون الثاني 1987. وكتاب حصاد المواعظ الجزء الثاني ـ دمشق 1988.

)*( ـ نشرت في المجلة البطريركية ـ دمشق عدد آذار 1985. وفي الجزء الثاني من كتاب حصاد المواعظ 1988.

([83]) ـ الخطوط الرئيسية والمقاطع التي تهم القارئ الكريم من الكلمة التي ارتجلها المؤلف في قاعة «يوحنا الدمشقي» للروم الكاثوليك في دمشق تلبية لدعوة المسؤولين في الرعية وذلك مساء يوم الأحد المصادف 10/3/1985.

([84]) ـ كتاب الحمامة لابن العبري تعريبنا طبعة طرابلس 1983 ص148.

(*) ـ نشر على صفحات المجلة البطريركية العدد 80 كانون الاول 1970 السنة الثامنة.

([85]) ـ ترجمة المحاضرة التي ألقاها المؤلف بالآنكليزية وذلك في جامعة أثينا ـ اليونان في 6/5/1992. وقد نشرت على صفحات المجلة البطريركية في العددين 114ـ115 نيسان وأيار 1992 السنة 30.

([86]) ـ قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج بوست، تحت لفظة آرام. وبرستد ـ العصور القديمة، ص 106، وأدّى شير ـ تاريخ كلدو وآثور مج 1 ص16 بيروت 1973.

([87]) ـ قاموس سرياني عربي للمطران توما أودو حاشية الصفحة 9.

([88]) ـ تاريخ سورية لفيليب حتى 1: 63.

([89]) ـ تاريخ بلاد الرافدين منذ أقدم العصور وحتى عام 539 ق.م، للدكتور عيد مرعي دمشق 1991 ص 40.

([90]) ـ كتاب (معلةا) المدخل بالسريانية لابن العبري، واللمعة الشهيَّة للمطران اقليميس يوسف داود ص 165، ومجلة المشرق ـ الموصل ـ السنة الاولى ص 1002.

([91]) ـ اللغات الآرامية وآدابها لشابو ص 7.

([92]) ـ تاريخ مختصر الدول لابن العبري ص 18.

([93]) ـ تاريخ برستد ص 109.

([94]) ـ تاريخ سورية لفيليب حتي (1: 183) وسفر عزرا الاول 4: 6 ـ 7.

([95]) ـ الدكتور علي وافي: فقه اللغة ط2 ص 120 القاهرة 1944، وشابو اللغات الآرامية ص9، وأدّى شير ـ تاريخ كلدو وآثور (1: 16).

([96]) ـ المباحث الجلية في الليتورجيات الشرقية للبطريرك أفرام الثاني الرحماني ـ دير الشرفة لبنان 1924 (2: 13) ص151.

([97]) ـ فيه.

([98]) ـ تاريخ مدينة اللّه أنطاكية، لأسد رستم ج1 ص 14، نقلاً عن دائرة المعارف البريطانية الطبعة التاسعة مج 2 ص130.

([99]) ـ الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام الاول برصوم، حمص 1940 ص 138 نقلاً عن كتاب الخيرونيقون مج1 ك2 ص 152، طبعة شون في برلين سنة 1866، وتاريخ الكنيسة لاوسابيوس الكتاب الثالث الفصل السادس والثلاثون ترجمة القس مرقس داود.

([100]) ـ مجلة المشرق الموصلية السنة الاولى 1946 ص 836 نقلاً عن الكلندار الروماني المطبوع في آخر الإشحيم السرياني في روما سنة 1852م.

([101]) ـ اللغات الآرامية لشابو ص 9.

([102]) ـ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان ج5 ص 10 ـ 12 طبعة ثالثة 1924.

([103]) ـ كتاب الظهور الإلهي لاوسابيوس القيصري المخطوطة السريانية في المتحف البريطاني رقم 12150، وقد كتبت سنة 411م نشرها بولس بيجان في باريس سنة 1905.

([104]) ـ المباحث الجلية للبطريرك أفرام الثاني رحماني ص 151 ـ 160.

([105]) ـ أنيس فريحة، أسماء المدن والقرى اللبنانية، بيروت 1972.

([106]) ـ دائرة المعارف البريطانية الطبعة التاسعة (2: 13).

([107]) ـ المباحث الجليّة للبطريرك أفرام الثاني رحماني: عن كتاب (حج الأراضي المقدّسة) ص 76 من الطبعة الثانية للمعلّم Gamurrini.

([108]) ـ كتاب المجمع اللبناني ص 311، ومنارة الأقداس للدويهي بطريرك الموارنة (1: 22)

([109]) ـ الكنيسة ومقومات المجمع المسكوني فيها للمحاضر (في عهد مطرنته) نشرت في المجلة البطريركية العدد 97 السنة التاسعة ص 376.

([110]) ـ نبذة في الكنيسة السريانية للبطريرك يعقوب الثالث بيروت 1957 ص7.

([111]) ـ المباحث الجليّة للبطريرك أفرام الثاني رحماني ص 24.

([112]) ـ ذخيرة الأذهان للقس بطرس نصري الكلداني ـ الموصل 1905 مج1 ص73.

([113]) ـ محاضرة للمحاضر بعنوان «علاقة كنيسة أنطاكية بسائر الكنائس» المجلة البطريركية دمشق آذار 1985.

([114]) ـ إقامة الدليل على استمرار الاسم الأصيل للأرخدياقون نعمة الله دنو الموصل 1949.

([115]) ـ في حسن الشهادة والأداء في سرَّي التجسّد والفداء للبطريرك زكّا الاول عيواص ( في عهد رهبنته)1959، وكنيسة أنطاكية السريانية عبر العصور له ط2 حلب 1981 ص 47و48.

([116]) ـ مجلة الآثار الشرقية، السنة الاولى العدد الثاني ص 52 عن مجموعة الآباء اليونان لمين، مجلد 82 عمود 1339.

([117]) ـ ضحى الاسلام لأحمد أمين جزء 2 صفحة 59 ـ 60.

([118]) ـ القس سرجيس الرأسعيني (ت 536) وهو إمام عصره في الطب والمنطق والفلسفة، وهو أول النقلة من اليوناني إلى السرياني.

([119]) ـ تاريخ التمدّن الإسلامي لجرجي زيدان جزء 3 ص 128 طبعة ثالثة سنة 1920.

([120]) ـ مجلة المشرق ـ الموصل عام 1946 ص 315.

([121]) ـ الدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام الاول برصوم حمص 1940 ص 143.

([122]) ـ التاريخ الكنسي لاوسابيوس القيصري 3: 3 و4: 5.

([123]) ـ المباحث الجليّة في الليتورجيات الشرقية والغربية للبطريرك أفرام الثاني رحماني دير الشرفة 1924 ص 17 والمقدّمة ص 10.

([124]) ـ كتاب نهج وسيم، للمطران غريغوريوس جرجس شاهين مطران حمص للسريان الكاثوليك ـ مطبعة صبرا، عام 1911 ج1 ص8 ومجلة الآثار الشرقية ـ العدد الثاني في 15 شباط 1926 ص 55.

([125]) ـ الإثيقون للعلامة ابن العبري (1286+) م1 بـ4 فـ4، ومجلة المشرق الموصل السنة الاولى 1946 ص 998و999

([126]) ـ سيرة مار أفرام السرياني للمحاضر ط2 دمشق 1984 ص 74.

([127]) ـ القصارى للمطران يوسف داود ص 39.

([128]) ـ نبذة بموضوع كنيسة أنطاكية سورية للبطريرك يعقوب الثالث ص 40 وتاريخ حمص للخوري عيسى أسعد 1939 ص 382.

([129]) ـ كتاب الحمامة للعلامة ابن العبري (ت1286) بالسريانية نقله إلى العربية المحاضر ـ بغداد 1974 ص201و203.

([130]) ـ كان المحاضر أحدهم.

(*) ـ المحاضرة التي ألقاها قداسة سيدنا مار إغناطيوس زكا الاول عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق في كلية اللاهوت في جامعة هومبولدت HUMBOLDT ـ برلين بتاريخ 16/5/1995.

([131]) ـ ضحى الإسلام ـ أحمد أمين ـ الطبعة السادسة بالقاهرة 1961 ج2 ص59، وسيرة مار أفرام السرياني ـ البطريرك زكا الاول عيواص، طبعة دمشق 1984 ص10 و15.

([132]) ـ تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين للدكتور فيليب حتي ـ بيروت 1958 ج1 ص413، ومصابيح على الطريق ـ البطريرك زكا الاول عيواص، دمشق 1984 ص117.

([133]) ـ علم اللاهوت لميخائيل مينا، طبعة مصر 1938 ص275 و277.

([134]) ـ علم اللاهوت لميخائيل مينا، ج1 ص332، ج3 ص592 و593.

([135]) ـ ذخيرة الأذهان للقس بطرس نصري الكلداني ـ الموصل 1907 ج1 ص221 عن يوسف شمعون السمعاني (المكتبة الشرقية اللاتينية مج2 مقالة 47 ـ 53).

([136]) ـ أمراء غسان للمستشرق تيودور نولدكة، تعريب الدكتورين بندلي جوزي وقسطنطين زريق ـ المطبعة الكاثوليكية بيروت 1933 ص 24 و25.

([137]) ـ مصابيح على الطريق ـ البطريرك زكا عيواص ص122.

([138]) ـ ذخيرة الاذهان للقس بطرس نصري الكلداني ـ الموصل 1905 مج1 ص 221 عن يوسف شمعون السمعاني الماروني ـ المكتبة الشرقية اللاتينية مج2 مقالة 47 ـ 53.

([139]) ـ مجلة لسان المشرق السنة الاولى العددان 6 و7 ص30، وتاريخ اليعقوبي ج1 ص214 و298، وتاريخ ابن خلدون 2: 150، ولويس شيخو في كتابه النصرانية بين عرب الجاهلية، وعصر السريان الذهبي لفيليب دي طرازي ص25.

([140]) ـ دروس التاريخ الاسلامي لمحي الدين الخياط ـ بيروت، المطبعة الأهلية، الطبعة الثالثة سنة 1231هـ.

([141]) ـ الدرر النفيسة في تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام الاول برصوم ـ حمص 1940 ص 211 ـ 212.

([142]) ـ مجلة لسان المشرق السنة الاولى العددان 6 و7 ص 30، وتاريخ اليعقوبي ج1 ص 214 و298، وتاريخ ابن خلدون 2: 150، ولويس شيخو في كتابه النصرانية بين عرب الجاهلية، عصر السريان الذهبي فيليب دي طرازي ص25.

([143]) ـ بحث بعنوان (أهل الكهف في المصادر السريانية) للمؤلف، مجلة مجمع اللغة السريانية في بغداد مج1 ص 103 ـ 126 عام 1975 وطبعة حلب 1980، وتعريب قصة أهل الكهف للمؤلف، المجلة البطريركية ـ دمشق في العددين 66 و67، السنة السابعة عام 1969.

([144]) ـ مقالة في وصف الشهداء الحميريين ـ البطريرك افرام برصوم، مجلة المجمع العلمي العربي دمشق 1948، وكتاب الشهداء الحميريين العرب ـ البطريرك يعقوب الثالث، طبعة دمشق 1966.

([145]) ـ المفريان كلمة سريانية تعني «المثمر» وهو اسم صاحب رتبة خاصة بالكنيسة السريانية مرادفة للجاثليق، فهو دون البطريرك وفوق الأسقف، وكان كرسيه في تكريت ثم نقل إلى دير مار متى فالموصل، جمعها مفارنة (اللؤلؤ المنثور ص503). يُعد ابن العبري من أشهر علماء السريان ودعي بدائرة المعارف.

([146]) ـ تاريخ مختصر الدول بالعربية، طبعة بيروت 1958 ص 94 و95.

([147]) ـ كتاب الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة للأسقف إيسيدورس، طبعة مصر 1923 ج2 ص99 و100 منقولة عن كتاب لافريدون بك ج3 ص31.

([148]) ـ تاريخ الامم والملوك للطبري، مطبعة الاستقامة ـ القاهرة 1939 ج3 ص 7، ومجلة لسان المشرق الموصلية، السنة الاولى ك2 /1949/ العدد الخامس.

([149]) ـ الطبري ج2 ص649.

([150]) ـ عصر السريان الذهبي للفيكونت طرازي، طبعة حلب 1991 ص 27 و28.

([151]) ـ عشرون قرناً في موكب التاريخ لحبيب سعيد ص80.

([152]) ـ عصر السريان الذهبي ص28.

([153]) ـ المعجم العربي الاساسي (لاروس) مطابع امبريمتو بيروت ـ لبنان 1991 ص 930.

([154]) ـ كتاب الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة للأسقف ايسيدورس ـ مطبعة عين شمس ـ مصر سنة 1923 ج2 ص97.

([155]) ـ عصر السريان الذهبي ص 28، وتاريخ مار ميخائيل الكبير ص464.

([156]) ـ مجلة لسان المشرق السنة الرابعة، العددان 4 و5 ك2 وشباط 1952.

([157]) ـ اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية للبطريرك أفرام الاول برصوم، طبعة بغداد 1986 ص338 ـ 339، والخريدة ج2 ص 201 ـ 202، المجلة البطريركية السنة 19 عدد 6 حزيران 81 «حياة مار ديونيسيوس التلمحري لابن العبري» تعريب البطريرك زكا عيواص.

([158]) ـ عصر السريان الذهبي ص36 عن تاريخ الدول السرياني لابن العبري ص512.

([159]) ـ (الكنيسة السريانية تاريخ وعقيدة) محاضرة للبروفسور الدكتور فولغجا هاجي
Prof. Dr Wolfgauge Hage من مدينة Marburg ماربورغ، ألقى محاضرته هذه في الاكاديمية الإنجيلية ببلدة هوفجايسمر Hofgeismar عام 1991، والمحاضرة محفوظة في كتاب بروتوكولات هوفجايسمر في الصفحة التاسعة.

([160]) ـ الطرفة النقية من تاريخ الكنيسة المسيحية للخوري عيسى أسعد، طبعة حمص سنة 1924 ص 225.

(*) ـ نشرت اولاً في مجلة مجمع اللغة السريانية ـ بغداد عام 1978م، ثم على صفحات المجلة البطريركية في الأعداد 27و28و29 الأشهر أيلول وتشرين1و2 عام 1983.

([161]) ـ بدأ العصر الذهبي للأدب السرياني في القرن الرابع للميلاد وامتدّ إلى القرن الثامن، ثم خمدت جذوته ثلاثة قرون، وسطع نوره ثانية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. (اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية للبطريرك أفرام الاول برصوم. الطبعة الثالثة بغداد 1976ص 187) وعصر السريان الذهبي للفيكنت فيليب دي طرازي ـ بيروت 1946 ص 5 عن روبنس دوفال: الآداب السريانية قسم 2 ص 337 والأب لابور: المسيحية في الدولة الفارسية ص 371 واللمعة الشهية في نحو السريانية للمطران، إقليميس يوسف داود 1: 201 ـ 203.

([162]) ـ روبنس دوفال، مقدمة كتاب في تاريخ الآداب السريانية ـ عربت ونشرت في مجلة الحكمة ـ القدس سنة 1929 ص 464.

([163]) ـ تاريخ سورية ولبنان وفلسطين للدكتور فيليب حتي ـ بيروت 1958 الجزء الاول ص 413.

([164]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 16.

([165]) ـ ذخيرة الأذهان للقس بطرس نصري الكلداني (الموصل 1905 مج1 ص221) عن يوسف شمعون السمعاني (المكتبة الشرقية باللاتينية مج 2 مقالة 47 ـ 53).

([166]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 239 و240 عن التاريخ الكنسي للعلامة المفريان مار غريغوريوس يوحنا ابن العبري بالسريانية مج 1 في ترجمة مار سويريوس.

([167]) ـ ولدت تيودورة في منبج الواقعة بين حلب والرها في مطلع القرن السادس للميلاد ووالدها قسيس سرياني أرثوذكسي، وكانت تتحلى بجمال الجسم والنفس، فخطبها يوسطينيان حين مر بمنبج وهو في طريقه إلى محاربة الفرس، واعداً إياها أن لا يجبرها على تغيير إيمانها، وتمّ زواجه منها، وارتقت معه عرش المملكة الييزنطية سنة 527 ومنحها الامبراطور صلاحيات واسعة فشاركته الحكم. وكانت حكيمة شجاعة أنقذته من دسائس أعدائه ووطدت دعائم حكمه، وخلّدت أمجاداً لامبراطوريته، الأمر الذي لم يستطع إنكاره حتى ألد أعدائها وفي مقدمتهم بروكوبيوس المؤرّخ الذي رغم محاولته تشويه تاريخها لم يتمكن من إخفاء نور جهادها العظيم وحكمتها السامية فاعترف بذلك. وبهذا تظهر حقيقة فضيلتها وأصالتها التي صارت شوكة في أعين حسادها. وانتقلت إلى جوار ربها عام 565م (كتاب المثال السرياني في ترجمة أخبار القديس مار يعقوب البرادعي السرياني بقلم الراهب يوحنا دولباني «مطران ماردين بعدئذ» المطبعة السريانية ـ بوينس أيرس 1942). وكتاب تيودورة للملفان المطران بولس بهنام الموصل 1956 عن تاريخ الراهب القرتميني السرياني طبعة لوفان 1953 ص192 وتاريخ الرهاوي السرياني م1 ص 191و192و200 وتاريخ مختصر الدول لابن العبري ص 78 ودائرة المعارف البريطانية الطبعة 11 مج 26 ص 764.

([168]) ـ تيودورة ـ للملفان المطران بولس بهنام ص 8.

([169]) ـ التاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية مج1 في ترجمة البطريرك سرجيس التلي.

([170]) ـ ضحى الإسلام لأحمد أمين (2: 59 ـ 60).

([171]) ـ تاريخ سورية ولبنان وفلسطين لفيليب حتي (1: 409).

([172]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 20.

([173]) ـ عصر السريان الذهبي لطرازي ص8 عن مجلة المشرق 14 (1811 ص239).

([174]) ـ عصر السريان الذهبي لطرازي ص 84و85و86 عن فهرست مخطوطات فلورنسة رقم 1.

([175]) ـ تاريخ مار ميخائيل الكبير بالسريانية ص 341و371و372و377 والتاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية مج1 في ترجمة البطريرك سرجيس التلي. واللؤلؤ المنثور ص 264 و265 و127 و128.

([176]) ـ خزانة المتحف البريطاني بلندن عدد 14640.

([177]) ـ ونقلها (كوجنر) إلى الفرنسية وطبعها.

([178]) ـ مايوما: ميناء خرب بقرب غزة على سيف بحر الروم (اللؤلؤ المنثور ص 519).

([179]) ـ انصنا: مدينة أزلية من نواحي الصعيد على شرقي النيل (معجم البلدان: لياقوت الحموي 1:381 طبعة ليبسك).

([180]) ـ لخّصنا ترجمته من اللؤلؤ المنثور ص 254 و255.

([181]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 127.

([182]) ـ يقع شرقي مذيات وهو من أشهر أديار طورعبدين في تركيا، ولا يزال عامراً.

([183]) ـ يقع في جنوبي جبل سمعان وشمالي قرية تلعدا في كورة أنطاكية وقد خرب.

([184]) ـ كانت مدينة كبيرة تقع في شمال شرقي حلب ـ سورية وهي اليوم بلدة صغيرة.

([185]) ـ تفصيل ترجمته في كتاب (الأحاجي في جهاد القديس فيلوكسينوس المنبجي) للبطريرك العلامة مار إغناطيوس يعقوب الثالث، دمشق 1970. وتاريخ مار ميخائيل الكبير بالسريانية ص 258 و261 و264 و266 والتاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية الجزء الاول في ترجمة البطريرك فلابينوس وترجمة بولس.

([186]) ـ طبعه وشالد منقولاً إلى اللاتينية عام 1908.

([187]) ـ مجلة المشرق الموصلية للراهب الملفان بولس بهنام (المطران بعدئذ) سنة 1946 ص 701 و702.

([188]) ـ نقله المستشرق واليس بج إلى الإنكليزية ونشره مع النص السرياني في لندن عام 1894 معتمداً على مخطوطات عديدة يرجع تاريخ أقدمها إلى القرن السادس للميلاد محفوظة في مكتبة المتحف البريطاني. ونشر مجمع اللغة السريانية في بغداد النص السرياني عام 1978.

([189]) ـ طبعة القاهرة سنة 1974م ص 184.

([190]) ـ تاريخ مار ميخائيل الكبير بالسريانية ص 260 ـ 265 و278 و308 والتاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية مج1 في ترجمة مار سويريوس. وكتاب نفح العبير أو سيرة البطريرك مار سويريوس الكبير للعلامة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث ـ دمشق 1970 وكتاب خمائل الريحان أو أرثوذكسية ماريعقوب السروجي الملفان للراهب الملفان بولس بهنام (المطران بعدئذ) الموصل 1949 ص 101 ـ 104.

([191]) ـ تفصيل مؤلفاته في اللؤلؤ المنثور ص 240 ـ 249 و233 و234.

([192]) ـ المعنيث نشيد روحي يستهل بآية من الكتاب المقدس. جمعها معانيث وهي من استنباط مار سويريوس.

([193]) ـ تاريخ مار ميخائيل الكبير بالسريانية ص 260 و262 ـ 264 وتاريخ الأدب السرياني للدكاترة كامل والبكري ورشدي ص 188 ـ 190 واللؤلؤ المنثور ص 251 و252.

([194]) ـ الجبول: موضع يقع جنوب شرقي حلب (سورية) بالقرب من نهر الفرات اشتهر بممالحه.

([195]) ـ الحميريون هم عرب نجران النصارى اضطهدهم مسروق اليهودي (515 ـ 524) الذي تولّى اليمن وأراد تهويدهم فأبوا وجاهروا بالثبات على دينهم، وبقيادة شيخهم الحارث نهضوا مدافعين عن أنفسهم ولما لم ينل منهم الطاغية مأرباً خدعهم بوعود كاذبة ثم غدر بهم وأعمل فيهم السيوف والسهام وحفر أخاديد أضرمها ناراً وألقى فيها جمهوراً منهم فاستشهد الشيخ الحارث وبضع مئات من الرجال والنساء والأطفال (الدرر النفيسة في تاريخ الكنيسة للبطريرك العلامة أفرام الاول برصوم ـ حمص 1940 ص 282) ومقال له في كتاب الشهداء الحميريين نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1948 ص 3 وكتاب الشهداء الحميريون العرب في الوثائق السريانية للبطريرك العلامة يعقوب الثالث دمشق 1966 وذخيرة الأذهان للقس بطرس نصري، الموصل 1905 مج1 ص 163 و164 و165 و166 وخمائل الريحان للراهب الملفان بولس بهنام (المطران بعدئذ) ـ الموصل 1949 ص 43.

([196]) ـ عرف هذا الطاغية اليهودي في المصادر السريانية باسم «مسروق» أما في قصة القديس الحارث اليونانية فباسم (دوناأس) ولدى المؤرّخين العرب باسم «ذي النواس» أو «ذي نواس» (الشهداء الحميريون العرب للبطريرك العلامة يعقوب الثالث ص 117).

([197]) ـ الأحاجي في جهاد القديس مار فيلوكسينوس المنبجي للبطريرك العلامة مار إغناطيوس يعقوب الثالث ـ دمشق 1970 ص 123 واللؤلؤ المنثور ص 216 و217.

([198]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 217.

([199]) ـ تاريخ الأدب السرياني للدكاترة كامل والبكري ورشدي ص 191 ـ 192 عن كتاب اسطيفان ابن صوديلي المتصوف السرياني وكتاب هيروتيوس للمستشرق فروذ نجهام سنة 1886.

([200]) ـ مجلة المشرق الموصلية سنة 1946 ص 705 عن دائرة المعارف البريطانية واللؤلؤ المنثور ص 235 و236.

([201]) ـ إن اسم (أحودامه) سرياني مركب معناه (أخو أمه) أي يشبه أمه. والأسماء المركبة في السريانية مستعملة مثل (أحودابوي) أي أخو أبيه، ولا يعني هذا الاسم آخذ أبيه كما لا يعني (اسم أحودامه) آخذ أمه كما افترى بعضهم عنه فحاكوا حوله أسطورة يرفضها العقل الراجح ويمجها الذوق السليم. وكما فعل غيرهم بالنسبة إلى العلامة المفريان ابن العبري فقالوا أن أباه يهودي، وحيث انه يلقب بأبي الفرج قالوا أن له ابناً اسمه فرج. وليس لابن العبري ولا لأحودامه وغيرهما من ذنب سوى كونهم من آباء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية فيرى المغرضون نورهم ظلاماً لمرض في عيونهم.

([202]) ـ مدينة قديمة تقع على ضفة نهر دجلة من غربيه فوق الموصل وتبعد عنها سبعة فراسخ، تدعى أطلالها اليوم «اسكي موصل».

([203]) ـ التاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية ج 2 ترجمة المفريان أحودامه. ومجلة المشرق الموصلية سنة 1946 ص 364 واللؤلؤ المنثور ص 255 و260 والأدب السرياني للدكاترة كامل والبكري ورشدي ص 195 و196.

([204]) ـ تاريخ مار ميخائيل الكبير بالسريانية ص 260 و261 و268 والتاريخ الكنسي لابن العبري بالسريانية ج1 ترجمة البطريرك مار سويريوس واللؤلؤ المنثور ص 395.

([205]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 225 وتفصيل ترجمة وجدول مؤلفاته في كتاب «هبة الإيمان أو الملفان مار يعقوب السروجي أسقف بطنان» للعلامة البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث ـ طبعة دمشق سنة 1971 وكتاب خمائل الريحان أو أرثوذكسية مار يعقوب السروجي الملفان للراهب بولس بهنام ـ الموصل 1949 والكنز الثمين للقس جبرائيل القرداحي ـ روما ص 13.

([206]) ـ تاريخ ميخائيل الكبير بالسريانية ص 261 واللؤلؤ المنثور ص 217 و218 وتاريخ الأدب السرياني للدكاترة كامل والبكري ورشدي ص 202.

)*( ـ نشر المؤلف هذا البحث أولاً على صفحات مجلة مجمع اللغة السريانية في بغداد مج 1 ص 103 ـ 126 عام 1975 في عهد مطرنته، كما نشره عام 1980 ضمن سلسلة دراسات سريانية التي أصدرها بحلب نيافة مار غريغوريوس يوحنا ابراهيم مطران حلب وتوابعها. وكان المؤلف قد نشر ترجمة النص السرياني النثري لقصة أهل الكهف في العددين 66 و67 من المجلة البطريركية بدمشق عام 1969.

([207]) ـ المعترف هو من اضطهد في سبيل الدين ولم يستشهد

([208]) ـ بعض المصادر تذكر ثمانية بدلاً من سبعة.

([209]) ـ اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية للبطريرك أفرام الاول برصوم ط حلب 1956. ص 315 ـ 316 و 320 ـ 321

([210]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 331 ـ 332.

([211]) ـ ألف راهب فاضل من دير زوقنين القريب من آمد تاريخاً كبيراً في مجلدين من الخلقة حتى زمانه. ونقل عن المؤرخين القدماء إلى يوحنا الآسيوي سنة 587 + وبعد ذلك وقف على نتف من الأخبار دونها ولم يدقق ضبط السنين. ولما قارب زمانه سنة 720 بسط القول بما كان فيه من الأحداث الدينية والدنيوية والكوائن الطبيعية، فاورد وقائع مفصلة تتعلق باواخر أيام الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية إلى زمان المهدي. وتفرد بكثير منها، فلا تجده في أي تاريخ سرياني أو يوناني أو عربي. له نسخة في الفاتيكان عدد 162 كتبت قبل سنة 932 م (اللؤلؤ المنثور ص 399 ـ 400).

([212]) ـ للقصيدة مخطوطة نفيسة في مكتبة الفاتيكان تحت رقم (115) Siriaco لا يعرف ناسخها ولا تاريخ كتابتها، يقدر السمعاني تاريخها بالقرن السابع أو الثامن، نشرها المستشرق الإيطالي غويدي، ونسخة ثانية تخص ديرنا المرقسي في القدس نسخها حبيس دير القيامة سنة 1898 ي = 1587 م وعنها كتبت نسخة دير الزعفران، وعنها كتبت نسخة المؤلف بيد الأبدياقون ابراهيم جوشقان العرناسي. ونسخة أخرى تخص مكتبة الفاتيكان أيضاً يقدر تاريخ نسخها بالقرن السادس عشر أو السابع عشر للميلاد.

([213]) ـ البريودوط كلمة يونانية معناها نائب الأسقف أو كبير الخوارنة، وقد يسمّى بالسريانية الساعور وهو الراهب القسيس الذي يوفده الأسقف في بعض مهام الرعية ج بريودوطية ( اللؤلؤ المنثور).

([214]) ـ اللؤلؤ المنثور ص 273 ـ 280.

الراهب (المطران) بولس بهنام، خمائل الريحان أو أرثوذكسية مار يعقوب السروجي الملفان، الموصل 1949. وهبة الإيمان أو الملفان مار يعقوب السروجي أسقف بطنان للبطريرك يعقوب الثالث. دمشق 1971.

([215]) ـ تاريخ زكريا الفصيح ـ طبعة لوفان 1953 ج1 ص107 ـ 114. وتاريخ الراهب الزوقنيني عام (775 م) طبعة لوفان 1953 ص195 ـ 206. وتاريخ الرهاوي المجهول (أحد رهبان دير قرتمين سنة 1234 م، طبعة لوفان 1953 مجلد1 ص179. وتاريخ البطريرك ميخائيل الكبير (1199 +) طبعة باريس ص183 نقلاً عن زكريا الفصيح. وتاريخ البطاركة لابن العبري (1286 +) في ترجمة البطريركين فبيوس وثيودوطوس.

([216]) ـ تاريخ البطاركة ـ للمفريان غريغوريوس يوحنا ابن العبري ـ في ترجمة بابولا وفبيوس. والدرر النفيسة في مختصر تاريخ الكنيسة للبطريرك أفرام الاول برصوم حمص 1940 ص 272 وتاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية للبطريرك يعقوب الثالث ـ بيروت 1953 ج1 ص 138 ـ 140 والطرفة النقية من تاريخ الكنيسة المسيحية للخوري عيسى أسعد حمص 1924 ص 24 و 25. وكنيسة مدينة الله أنطاكية للدكتور أسد رستم ـ بيروت 1950 ج1 ص 98 ـ 103.

([217]) ـ الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة الأسقف ايسيدوروس ـ مصر 1915 ج1 ص 576 ـ 577. وتاريخ سورية للمطران يوسف الياس الدبس ـ بيروت 1899 ج2 مجلد 4 ص 276 ـ 269 عن «المؤرخ سقراط ك 7 ف 18 ـ 23 والمؤرخ زوزومين ك 9 ف 1».

([218]) ـ تاريخ زكريا الفصيح ـ طبعة لوفان 1953 مجلد1 ص 114 و 115

([219]) ـ فيه ص 119

([220]) ـ تاريخ البطاركة ـ لابن العبري في ترجمة ثاودوطوس.

([221]) ـ طبعة لوفان 19 ص 179.

([222]) ـ Patristic Studies By Ernest Honigmann Vatican 1953 PP 136 – 137

([223]) ـ طبعة شابو في لوفان 1953 ص 189.

([224]) ـ تاريخ زكريا الفصيح ص 106

([225]) ـ Ayassoluk بلدة صغيرة تقع إلى الشمال الشرقي من اطلال افسس على مسافة ميل منها وكلمة ايا سلوق تحريف لكنيسة فيها Ayos Yohannes Theologos أي القديس يوحنا اللاهوتي وهذا كان اسم الكاتدرائية العظيمة التي بُنيت في مطلع القرن السادس للميلاد في أيام يوستنيان الاول. (مجلة الأبحاث البيروتية 1948 السنة 1 ج 3 ص 69 قصة أهل الكهف في التاريخ للأستاذ أنيس فريحة) وقد ذكرها ابن بطوطة في رحلته ومما قاله فيها: «… وسرنا إلى مدينة أيا سلوق، مدينة كبيرة قديمة معظمة عند الروم، وفيها كنيسة كبيرة مبنية بالحجارة الفخمة، ويكون طول الحجر منها عشرة أذرع فيما دونها، منحوتة أبدع نحت..؟» رحلة ابن بطوطة، طبعة صادر في بيروت سنة 1964 ص 303 .

([226]) ـ Patristis Studies P. 128

([227]) ـ تاريخ زكريا الفصيح ـ لوفان 1953 مج 1 ص 109.

([228]) ـ فيه ص 111.

([229]) ـ فيه ص 120.

([230]) ـ تاريخ الزوقنيني ـ طبعة شابو في لوفان سنة 1953 مج 1 ص 165. ويكرر الأسماء ذاتها في ص 204.

([231]) ـ تاريخ البطاركة، لابن العبري، في ترجمة فوبيوس.

([232]) ـ فيه في ترجمة ثاودوطيوس.

([233]) ـ تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية ج 2 ص 55، وتاريخ مدينة الله أنطاكية ج 1 ص 315، والطرفة النقية ج 1 ص 111، والخريدة النفيسة ج 2 ص 492، وذخيرة الأذهان للقس بطرس نصري طبعة الموصل 1905 مج 1 ص 135.

([234]) ـ تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية ج 2 ص 116 و 157.

([235]) ـ شهداء المشرق طبعة الموصل 1906 مج 2 ص 420 عن قائمة الأعياد والتذكارات حسب الطقس الكلداني المأخوذ من كلندار قديم محفوظ في مكتبة دير مار يعقوب الحبيس بجانب سعرد. ومن كلندار آخر مدرج في أنجيل قديم العهد محفوظ في القلاية البطريركية الكلدانية في العراق.

([236]) ـ مجلة النعمة الدمشقية العدد 55 كانون الثاني 1966 ص 35 و 37.

([237]) ـ الكلندار الماروني المطبوع في الإشحيم في رومية سنة 1624.

([238]) ـ الطقس في العرف الكنسي يطلق على شعائر الديانة.

([239]) ـ مكتبة الطائفة المارونية بحلب، المخطوطة المرقمة 686 التي كتبها شمعون ابن القس هارون ابن الخوري يوحنا المعروف بابن كعبوش من قرية حدشيت من جبة بشري من جبل لبنان وذلك سنة 1853 ي ـ 1542 م.

(*) ـ المحاضرة التي ألقاها المؤلف في الحلقة الدراسية عن المسألة السكانية ورفاهية المواطن العربي التي عقدها مجلس كنائس الشرق الأوسط في الاسكندرية ما بين 8 ـ 14 حزيران 1975 ونشرت في المجلة البطريركية العدد 126 عام 1975 وفي كتيب بعنوان «تنظيم الأسرة ـ وجهات نظر مسيحية» طبعة لجنة الأسرة في أسقفية الخدمات العامة والاجتماعية في بطريركية الأقباط الأرثوذكس في القاهرة عام 1976. ونشرت أيضاً في كتاب للمؤلف بعنوان «مصابيح على الطريق» طبعة دمشق عام 1984.

([240]) ـ جاء في جريدة البعث الدمشقية الغراء 4/11/1997 ما يأتي:

«أكّدت دراسة أعدتها الكلية الملكية لأمراص النساء أن التطور العصبي للجنين لا يتيح له الاحساس بالألم قبل الأسبوع السادس والعشرين. وعليه أوصت الدراسة الأطباء بتخدير الجنين بعد الأسبوع الرابع والعشرين لدى إجراء عمليات إجهاض، مع الأخذ في الاعتبار ترك هامش الخطأ في تقدير عمره. ويعتبر عمر 24 أسبوعاً الحد الأقصى لإجراء عمليات الإجهاض في بريطانيا. أما الحالات التي تتعدى ذلك فهي لأجنة تعاني من تشوهات خلقية لا سيما في القلب. وتزامن نشر هذه الدراسة مع اقتراب الذكرى 30 للسماح بالإجهاض في بريطانيا التي شهدت في العام 1996 أكثر من 177 ألف عملية إجهاض بزيادة 8 % عن 1995، وهي أول زيادة تسجل بعد خمس سنوات من الانخفاض المستمر في عدد هذه العمليات.اهـ»

إذن، مما يزيد الطين بلة أن الجنين الذي بلغ عمره كما ذكرت المعلومة الأسبوع السادس والعشرين يشعر بالألم، فالإجهاض في تلك السن للطفل يكون قتل الطفل بعد تعذيبه، فيا للجريمة الشنعاء.

)*( ـ الخطاب الذي ارتجل ملخصه قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس زكا الاول عيواص في دير مار أفرام السرياني في معرة صيدنايا بمناسبة اختتام لقاء المرأة الأرثوذكسية الذي عقد في دمشق في الفترة ما بين 4 ـ 10/10/1996 تحت عنوان (تمييز علامات الزمان). وقد نشر على صفحات المجلة البطريركية في الأعداد 157 و158 و159 أيلول وتشرين 1و2 عام 1996.

([241]) ـ كتاب سيرة مار أفرام السرياني للمؤلف طبعة دمشق 1984 ص39و40.

([242]) ـ  لا مشدر آْنا بليلا لمريا بايدًي حوا، دلا ميبلا لـؤ أيد بر ملكؤ آيك دمعدا

       ولا مقرب آْنا دبحا لمريا دلا دكيا آْنا دلا شفير لكؤنا طريدا ددبـحـــــا نـقــــــرب.

([243]) ـ يلفظونها خطأً (كليلا) والصحيح (بليلا) أي حنطة منقاة وذلك كناية عن القربان المقدس (البرشانة)

(*) ـ نشر اولاً في مجلة مجمع اللغة السريانية في بغداد المجلد الثاني سنة 1976.

([244]) ـ الصور بلدة تقع بقرب ماردين في تركيا.

([245]) ـ كان يجيد أيضاً العبرية واليونانية واللاتينية والبلغارية ولغات أخرى بجانب الألمانية لغة بلاده.

([246]) ـ نقل جماعة من اليهود المتنصرين أسفار الكتاب المقدس إلى السريانية في القرن الاول أو صدر المئة الثانية للميلاد على الأرجح، وسميت تلك الترجمة (فشيطتا) أي البسيطة لترك البلاغة في نقلها وتضمنت هذه الترجمة أسفار العهد الجديد كلها ما عدا رسالتي يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا. (انظر اللؤلؤ المنثور للبطريرك أفرام الاول برصوم، طبعة حمص 1943 ص 44).

([247]) ـ الخط السرياني الغربي وضع في القرن التاسع للميلاد واستعمل بجانب الخط الاسطرنجيلي حتى القرن الثاني عشر حيث غلب استعماله على الاسطرنجيلي واختص الأخير بتزيين رؤوس الفصول. ويقول البطريرك أفرام الاول برصوم في كتابه اللؤلؤ المنثور ص 36 عن الخط الغربي ما يلي: «وأرى أنه القلم المسمى السرطا وبه كنا (نحن السريان الغربيين) نكتب الترسل ولم نزل عليه».

([248]) ـ مما يؤسف له أن الناشر لم يذكر تاريخ المخطوطتين بالضبط واكتفى بقوله «مخطوطتين سريانيتين قديمتين».

([249]) ـ وهي الرسالة الاولى لبطرس أما الثانية فغير موجودة في الترجمة البسيطة.

([250]) ـ وهي الرسالة الاولى ليوحنا أما الثانية والثالثة فغير موجودتين في الترجمة البسيطة. وكذلك لا وجود لرسالة يهوذا فيها.

([251]) ـ أما سفر رؤيا يوحنا فلم يطبع.

 

للأعلى