الـمـلائــــكــــة

الـمـلائــــكــــة

 

 

بقلم قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص

 

 

  • المقدمة:

بين دفتي الكتاب المقدس، من تكوينه إلى رؤياه، وفي كل الأحداث المهمة التي سطرت على صفحاته، نقرأ عن كائنات روحية، سمّيت بالملائكة. شاهدت حدث خلق الإنسان، وواكبت هذا الإنسان في مجده وذلّه في نهضته وسقوطه في حال بره وخطيته. كما سارت مع الخطوات التي اتّخذها الرب الإله لفدائه.

  • طبيعة الملائكة:

والملائكة أرواح سماوية عاقلة ناطقة. خلقهم اللّه تعالى في بدء المخلوقات لتمجيده وتسبيحه وخدمته، كما يستنتج من قوله تعالى لعبده أيوب: «أين كنت حين أسّست الأرض… عندما ترنّمت كواكب الصبح معاً وهتف جميع بني الله» (أيوب 38: 4 ـ 7).

  • منظرهم:

يقول عنهم كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «أليس جميعهم أرواحاً»(عب 1: 14) «والصانع ملائكته أرواحاً وخدّامه لهيب نار»(عب 1: 7 ومز 104: 4). فيعتقد بأنهم أرواح خالصة غير هيولية، ويظن أيضاً أنهم ولئن كانوا أرواحاً فإن لهم أجساداً هوائية لطيفة غير منظورة بالعين المجردة ولا تخضع للحاجات التي تحتاجها أجسادنا البشرية. وقد وُصف الملاك الذي دحرج الحجر عن باب قبر الرب بعد قيامة الرب من الأموات أن «منظره كالبرق ولباسه كالثلج» (مت 28: 3) وأما ما ذكر في الكتاب المقدس عن ملائكة ظهروا بأجسام مختلفة وأشكال شتّى، فتلك الأجسام مستعارة ووقتية، تتّخذ لتؤهل الناس للاطمئنان إلى رؤية الملائكة والتحدث إليهم. ويدعو الرسول بولس هذه الأجسام قائلاً: «يُزرع جسماً حيوانياً، ويقام جسماً روحانياً، يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني، هكذا مكتوب أيضاً، صار آدم الإنسان الأول نفساً حية وآدم الأخير روحاً مُحيياً… الإنسان الأول من الأرض ترابي والإنسان الثاني من السماء، كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضاً وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً، وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي. فأقول هذا أيضاً أيها الإخوة إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله. ولا يرث الفساد عدم الفساد» (1كو 15: 44 ـ 50). ويصف الرب يسوع المؤمنين القديسين الوارثين ملكوته السماوي الأبدي قائلاً: «ولكن الذين حسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يُزوِّجون ولا يُزوَّجُون. إذ لا يستطيعون أن يموتوا لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء اللّه إذ هم أبناء القيامة» (لو 20: 35 و36).

  • عددهم:

فالملائكة لا يولدون، ولا يُزوِّجون، ولا يُزوَّجون، ولا يتناسلون، ولا يشيخون، ولا يموتون، وهم موجودون في السماء ويرسلون إلى الأرض لخدمة البشر. وقد خلقهم اللّه بأعداد هائلة، علمها عنده تعالى فقط. قال صاحب المزامير: «مركبات اللّه ربوات ألوف مكررة»(مز 68: 17) وقال أليشع النبي لخادمه الذي خاف إذ وجد حولهما عدداً كبيراً من جنود الأعداء: «لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم، وصلّى أليشع وقال: يا رب افتح عينيه فيبصر، ففتح الرب عيني الغلام فأبصر وإذا الجبل مملوء خيلاً ومركبات نار حول أليشع» (2مل 6: 16و17). وقال دانيال النبي: «كنت أرى أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه. ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه.» (دا 7: 9و10). وقال الرب يسوع لتلميذه سمعان بطرس: «… أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدّم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟»(مت 26: 53). وقال صاحب الرؤيا: «ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش… وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف» (رؤ 5: 11) وقد استنتج آباء الكنيسة من ذلك أن عدد الملائكة هائل جداً، ويفوق عدد البشر وعدد سائر الخلائق المادية في كل الأجيال.

  • قوتهم وقدرتهم وعملهم:

يفوق الملائكة بني البشر معرفة، وعلماً، وقوة، وقدرة، ولكمال طبيعتهم يعرفون الأمور المستقبلة التي لا بد من وقوعها. أما الأمور المقيدة بإرادة حرة سماوية أو أرضية، فلا سبيل لهم إلى معرفتها، لأن معرفتها من خصائص اللّه تعالى.

قال صاحب المزامير وهو يناجي اللّه تعالى: «فمن هو الإنسان حتى تذكره أو ابن آدم حتى تفتقده، وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تُكلّله» (مز 8: 5) ويخاطب صاحب المزامير الملائكة قائلاً: «باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوةً الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه»(مز 103: 20).

يعبد الملائكة اللّه ويسجدون له ويسبحونه باستمرار، وإن صحّ التعبير فليلَ نهار. وهم على أهبة إتمام مشيئته وتنفيذ أوامره دائماً. فاللّه غير المنظور يتصل بالإنسان بوساطة الملائكة، «الله لم يره أحد قط» (يو 1: 18) وملائكته واقفون أمامه في كل حين. يغطون وجوههم بأجنحتهم كما رآهم النبي أشعيا (أش 6: 1 ـ 4) ويرسلهم اللّه إلى أرضنا للعناية بالمؤمنين، ورعايتهم وحراستهم، وإنقاذهم من أعدائهم الروحيين والجسديين كقول صاحب المزامير للإنسان المؤمن «لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك»(مز 91: 11 ـ 13) «وملاك الرب حول خائفيه وينجيهم»(مز 34: 7).

والكتاب المقدس مليء بذكر الخدمات التي قدّمها الملائكة للبشر تنفيذاً لأوامر اللّه تعالى. من ذلك: لما طرد اللّه آدم من جنة عدن «أقام (اللّه) الكروبيم لحراسة طريق شجرة الحياة» (تك 3: 24) وتظهر هنا مقدرة الملائكة وسلطتهم المستمدة من اللّه. «وإن ملاكاً بسط يده ليهلك أورشليم» (2صم 24: 16) وأن «ملاكاً أهلك من جيش سنحاريب مائة وخمسة وثمانين ألفاً في ليلة واحدة» (2مل 19: 35).

وقد أعطى الرب الإله الملائكة سلطاناً على أن يراقبوا العناصر المادية ويديروها ويحرسوها، ولكن لا يسمح لهم أن يغيروا نواميسها التي وضعها الله، ولا أن يبدّلوا مجريات الأمور فيها بغير إذنه تعالى.

وفي ميدان إتمام الملائكة المهام الموكلة إليهم من اللّه، لا تحول دون ذلك الحواجز المادية ولا البشرية، ولا قوى الطبيعة ونواميسها. فقد أرسل الرب ملاكه وأنقذ عبيده سيدراخ وميشاخ وعبدنغو من أتون النار في بابل (دا 13: 25 ـ 28) فحوّل حرارة النار إلى برد كما نجّى الرب عبده دانيال النبي من جب الأسود فقال دانيال: «إلهي أرسل ملاكه وسدّ أفواه الأسود فلم تضرني لأني وجدت بريئاً قدامه»(دا 6: 22).

وفي العهد الجديد، نقرأ في سفر أعمال الرسل عن إلقاء رئيس الكهنة اليهودي وشيعة الصدوقيين أيديهم على الرسل ووضعهم في حبس العامة، كيف أن ملاك الرب جاء ليلاً وفتح أبواب السجن وأخرجهم وقال:« اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة» (أع 5: 19و20).

ولما قبض هيرودس الملك على الرسول بطرس ووضعه في السجن، مسلِّماً إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه… وكان بطرس نائماً بين عسكريين مربوطاً بسلسلتين. «وكان قدام الباب حرّاس يحرسون السجن، وإذا ملاك الرب أقبل ونور أضاء في البيت فضرب جنب بطرس وأيقظه قائلاً قم عاجلاً. فسقطت السلسلتان من يديه. وقال له ملاك الرب تمنطق والبس نعليك ففعل هكذا. فقال له البس رداءك واتبعني. فخرج يتبعه. وكان لا يعلم أن الذي جرى بواسطة الملاك هو حقيقي، بل يظن أنه ينظر رؤيا. فجازا المحرس الأول والثاني وأتيا إلى باب الحديد الذي يؤدي إلى المدينة فانفتح لهما من ذاته، فخرجا وتقدما زقاقاً واحداً وللوقت فارقه الملاك، فقال بطرس وهو قد رجع إلى نفسه، الآن علمت يقيناً أن الرب أرسل ملاكه وأنقذني من يد هيرودس ومن كل انتظار شعب اليهود…» (أع 12: 1 ـ 11).

  • الملاك الحارس:

شاءت عناية اللّه ومحبته للبشر أن يقيم تعالى لكل إنسان مؤمن ملاكاً يحرس نفسه وجسده، ويلازمه منذ بدء تكوينه في بطن أمه وإلى أن تنفصل نفسه عن جسده فتعود الروح إلى اللّه باريها، ويعتقد بعضهم أن الطفل وهو جنين في بطن أمه أنيطت مسؤولية حراسته إلى الملاك الحارس لأمه، وحالما يولد يُخصّص له ملاك حارس. والملاك الحارس يرافق المؤمن في هذه الحياة، ويحمل صلاته إلى اللّه، ويتشفع به إليه تعالى. ويرشده إلى طريق الاستقامة لعمل مشيئة اللّه تعالى وتجنب مواطن التهلكة، والملاك الحارس يسكن السماء ولكن بإمكانه أن يهرع إلى الأرض بلحظات لإتمام خدمته بحراسة من أوكلت إليه حراسته. وإذا صحّ أن ننسب إلى الملائكة الانفعالات النفسية التي تطرأ علينا نحن البشر، من فرح وحزن وتعجب وغيرها، نشعر بمشاركة الملائكة البشر في ظروف حياتهم كلها. وقد قال الرب «هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة اللّه بخاطئ واحد يتوب» (لو 15: 10) فالملائكة يحاولون إبعاد المؤمنين عن الخطية ويحاربون عنهم الأرواح الشريرة ويصونونهم من سهام إبليس، ومن المصائب والكوارث التي يثيرها ضدهم والتجارب التي يدخلونها. وذلك بالصلاة لأجلهم وبهذا الصدد يقول الرب يسوع: «انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار، لأني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات» (مت 18: 10).

وعقيدة تخصيص ملاك حارس لكل مؤمن كانت في عداد عقائد النظام القديم لذلك نقرأ عن يعقوب أبي الأسباط أثناء مباركته ولدي يوسف قوله: «الملاك الذي خلّصني من كل شرّ يبارك الغلامين» (تك 48: 16) وقال صاحب الجامعة: «لا تدع فمك يجعل جسدك يخطئ، ولا تقل أمام الملاك أنه سهو» (جا 5: 6).

ويبقى الملاك الحارس مع المؤمن حتى انفصال نفسه عن جسده، حيث أن الملائكة يحملون نفوس الصالحين ويصعدون بها إلى العلاء كقول الرب في مثل لعازر والغني: «فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن ابراهيم» (لو 11: 22) فالملائكة يُدْخلون الأرواح الطاهرة إلى فردوس النعيم لتنضمّ إلى نفوس الأبرار منتظرة مجيء الرب ثانية لتتحد بأجسادها وترث معها ملكوت السماء. وارتأى بعضهم أن أرواح الأشرار بعد مغادرتها أجسادها تحملها الشياطين إلى أماكن الظلمة لتنتظر العذاب يوم القيامة العامة حيث تنال عقابها الأبدي. وخالفهم بعض اللاهوتيين بقولهم أن الملائكة الصالحين فقط يحملون أرواح الأبرار والأشرار إلى الفردوس أو إلى الظلمة.

  • ظهور الملائكة وتبليغ البشر أوامر الله ونواهيه:

قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين عن الملائكة: «أليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص» (عب 1: 13و14).

ففي ميدان الخدمة ظهر الملائكة بأشكال شتى، وبلّغوا البشر رسائل متنوعة. من ذلك: فقد ظهر ثلاثة ملائكة لابراهيم الخليل وكانوا أشخاصاً ملموسين قدّم لهم ابراهيم زبداً ولبناً، والعجل الذي عمله… وإذ كان ابراهيم واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا… وقال له أحد الملائكة الثلاثة: سأرجع إليك في مثل هذا الوقت من قابل ويكون لسارة امرأتك ابن» (تك 18: 1 ـ 10) وقد تمّ ذلك.

وتجلّى ملاكان للوط، فصنع لهما ضيافة وقدّم لهما خبزاً فطيراً وأمراه ليغادر سدوم لأن اللّه يهلكها بنار وكبريت (تك 19: 1 ـ 3) ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين «لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون» (عب 13: 2).

وقصص ظهور الملائكة للبشر شيّقة منها قصة السلّم التي رآها يعقوب في الحلم منصوبة على الأرض ورأسها في السماء والملائكة صاعدون نازلون عليها (تك 28: 12) وقصة صراع يعقوب مع ملاك الرب وانتصار يعقوب عليه. وقصة الملاك الذي منع بلعام ابن بعور من لعن من باركهم اللّه وكيف تكلّمت أتان بلعام (عد 22: 23 ـ 24).

ومن الظهورات المهمة للملائكة ظهور جبرائيل أحد رؤساء الملائكة للنبي دانيال حيث خاطبه عن مستقبل شعبه وبشّره عن مجيء ماسيا المنتظر، محدداً له موعد مجيء هذا المخلص العظيم قبل مجيئه بخمسمائة عام. (دا 8: 16 و9: 21) ومن حديث جبرائيل الملاك مع النبي دانيال نعلم أن هناك ملاكاً معيّناً لكل شعب وكل مدينة (دا 10: 13و20).

والملاك جبرائيل نفسه، ظهر بعد نحو خمسمائة سنة من ظهوره لدانيال، لزكريا الكاهن في هيكل البخور وبشّره بولادة ابنه يوحنا المعمدان. كما ظهر للعذراء مريم في الناصرة وبشّرها بالحبل الإلهي من الروح القدس وبولادتها الرب يسوع الذي يخلّص شعبه من خطاياهم.

وظهر جبرائيل نفسه ليوسف خطيب مريم العذراء وأمره ليأخذ الصبي وأمه ويهرب إلى مصر لأن هيرودس يطلب نفس الصبي.

والملائكة خدمت الرب يسوع في البرية بعد صومه وعماده، وتجربته من الروح.

كما ظهرت الملائكة للرب يسوع في بستان الجثسيماني قبيل آلامه وكانت تقوّيه…

وملاك دحرج الحجر عن باب قبر الرب وجلس عليه بعد قيامة الرب من الأموات، وبشّر النسوة بقيامة الفادي (مت 28: 2).

وكان الملائكة وما يزالون وسيبقون أبداً في خدمة القديسين، مشجّعين المعترفين والشهداء على الثبات في الإيمان.

  • رُتَب الملائكة:

وينقسم الملائكة من حيث المقام والعمل إلى فرق منظمة ورتب ومقامات، وقد دعاهم الآباء القديسون استناداً إلى تعاليم الكتاب المقدس والتقليد الكنسي بأسماء تسعة موزّعة على ثلاث رتب: عليا، ووسطى، وسفلى، ففي الرتبة الأولى، الكروبيم (تك 3: 23و24) والسرافيم (أش 6: 1 ـ 4) والعروش (كو 1: 14 ـ 16)وفي الرتبة الثانية الأرباب والأجناد والسلاطين (1بط 3: 22) وفي الرتبة الثالثة: القوات ورؤساء الملائكة والملائكة (1بط 3: 22) وهذه الرتب الثلاث ترمز إلى رتب الكهنوت المسيحي الثلاث وهي الأسقفية والقسوسية والشماسية.

وفي هذا الصدد قال العلامة مار إيوانيس الداري (ت860) في كتابه الموسوم بالرتبة السماوية والرتبة الكنسية ما يأتي: «الناطقون قسمان: ملائكة وبشر، وأما الملائكة فهم روحيون ومثلهم رئاسة كهنوتهم هي روحية بحتة وتسمو عن هذا العالم. وبما أنه لا يطرأ عليهم تبدّل في العمر كالصبوة والشيخوخة، يجب أن يكون كهنوتهم ثابتاً لا يزيد ولا ينقص ولا يتبدل، ولا ينتقلون من درجة إلى أخرى. أما البشر فبما أنهم مرتبطون بالجسد المتبدل على الدوام، يكبرون ويتكاملون ويشيخون ثم يموتون، فقد منح لهم كهنوت يناسب هذه الأوضاع».

  • أسماء بعض الملائكة:

ورد في الكتاب المقدس أسماء أربعة من الملائكة فقط من الرتبة الأولى ومن الرؤساء وهم:

1 ـ جبرائيل ومعناه جبروت اللّه وقوته (دا 8: 6 و9: 10) وهو الملاك الذي قال عن نفسه: أنا جبرائيل الواقف أمام اللّه (لو 1: 19) وهو بشارة سرّ التجسّد والفداء.

2 ـ ميخائيل (دا 10: 13و21 و12: 1) ويعني اسمه من هو الذي يماثل اللّه وهو الذي سيدعو الموتى للقيامة (1تس 4: 16).

3 ـ روفائيل أي نور اللّه (طوبيا 12: 19).

4 ـ أورئيل (عزرا الثاني 4: 10).

  • الملائكة الأشرار ـ سقوطهم في الخطية:

إن للملائكة إرادة حرة، وقد دخلوا في تجربة، فسقط بعضهم بخطية التمرّد والمعصية، وسمي الملائكة الذين ثبتوا في طاعة اللّه تعالى بالملائكة القديسين أو الأخيار لأن اللّه تعالى بسابق علمه الإلهي ومعرفته السامية عرف أنهم سيثبتون في طاعته فاختارهم. أما الملائكة الذين شقوا عصا الطاعة للرب، متكبرين فسقطوا مع زعيمهم إلى أسافل الجحيم فيدعون بالملائكة الأشرار. وعملهم محاربة الناس محاربة شديدة وإيذاؤهم وإغراؤهم بأنواع التجارب. وهم كالملائكة الأبرار منظمون تحت رئاسات يخضع بعضها لبعض.

وقد نوّه أشعيا النبي عن حدث سقوط الملائكة الأشرار بقوله: «كيف سقطت من السماء يا زُهرةُ بنت الصبح، كيف قُطِعتَ إلى الأرض يا قاهر الأمم. وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات ارفع كرسي فوق كواكب اللّه واجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعدُ فوق مرتفعات السحاب أصيرُ مثل العلي. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب» (أش 14: 12 ـ 15). وجاء في رسالة يهوذا عن عقاب الرب للملائكة المتمردين ما يأتي: «والملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام» (يه 1: 6) ويقول الرسول بطرس: «اللّه لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلّمهم محروسين للقضاء» (2بط 2: 4).

وقد سقط عدد كبير من الملائكة من جميع الرتب ومختلف الأصناف. ورئيسهم دُعي إبليس، ويعني هذا الاسم: المجرّب والمشتكي أو المخادع أو القاذف. وهو الذي أراد أن يكون معادلاً للّه. كما ذكر أشعيا النبي (أش 14: 12). ويدعى أيضاً الشيطان أي المضاد أو المخاصم أو المقاوم، كما أطلق عليه أسماء عديدة منها بعلزبول وهو في الأصل إله عقرون الإله الأعظم عند الفلسطينيين (2مل 1: 2) والشرير، وبليعال، ورئيس هذا العالم، ورئيس سلطان الهواء، وقتال الناس، وكذاب، وأبو الكذب والحية، والتنين.

وقد احتفظ الملائكة الأشرار بطبيعتهم من حيث عدم الهيولية، والقوة، والفهم والمقدرة، ولكن هذه الطبيعة إذ سقط صاحبها تحوّلت إلى الشر، وكرّست نفسها في خدمة الإثم. وأبغضوا الإنسان لأنه نال حظوة لدى اللّه إذ خلقه عاقلاً ناطقاً وسلّطه على الكائنات ومن هنا جاءت تجربة إبليس للإنسان في فردوس عدن وسقوط الإنسان في الخطية بغواية الشيطان الذي دخل الحية. ومنذ سقوط الإنسان بالمعصية وضع اللّه عداوة بين نسل المرأة ونسل الحية أي إبليس وهذه العداوة من نعم اللّه على الإنسان، لأنه بوساطتها كشف نوايا إبليس الخبيثة ضد الجنس البشري وأعلنه عدواً معروفاً، وإبليس يريد أن يتخفّى ليفتك بالبشر.

والحرب بين الإنسان وإبليس مستمرة لذلك يقول الرسول بولس: «فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات»(أف 6: 12).

  • عددهم:

وعدد الشياطين هائل، وهم يهاجمون الإنسان بأعداد كبيرة، كما جاء في حادثة شفاء مجنون كورة الجدريين الذي أخرج منه الرب الروح النجس، ولما سأل الرب الشيطان عن اسمه قال: «اسمي لجئون لأننا كثيرون» (مر 5: 8). وكلمة لجئون تعني فرقة من الجند يقدر عددها بحوالي ستة آلاف جندي، فنستنتج من ذلك أن ستة آلاف شيطان كانوا داخل ذلك الإنسان وأخرجهم الرب منه جميعاً وبسماح منه له المجد دخلوا في قطيع الخنازير ورموها بالجرف فهلكت.

 

  • قوتهم:

وقوة الأبالسة المادية هائلة ومخيفة وكذلك قوتهم المعنوية وهم يتفاوتون بالقوة بتأثيرهم في عقول الناس وكذلك بأساليب الخداع والمراوغة لإسقاط الإنسان في الخطية، وأعمال التخريب في العالم، كما يتفاوتون بالرتب والمراكز. وقد قال الرب: «متى خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة وإذ لا يجد يقول ارجع إلى بيتي الذي خرجت منه. فيأتي ويجده مكنوساً مزيناً. ثم يذهب ويأخذ سبعة أرواح أُخَر أشرّ منه فتدخل وتسكن هناك. فتصير أواخر ذلك الإنسان أشرّ من أوائله» (لو 11: 24 ـ 26). وقال أيضاً عن أحد أصناف الشياطين أو عن الشياطين ككل: «إن هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم» (مت 17: 21).

وإن للشياطين قوة على صنع أمور خارقة للطبيعة، كإنزال نار من السماء (رؤ 13: و16: 14) كما يساعد أتباعه من السحرة والعرّافين وغيرهم على أتيان أعمال تفوق طاقة البشر، أو استطلاع الغيب ومعرفة بعض حوادث المستقبل وهذا ما نسمّيه بالسحر والعرافة ومن جملة ذلك استشارة أرواح الموتى وهي بالحقيقة استشارة إبليس ذاته ـ لأنه ليس للشيطان سلطان على أرواح الموتى، إنما إبليس يتكلّم نيابة عن الروح مقلّداً ذلك الإنسان لمعرفته السابقة به. والسحر بكل أنواعه مرذول من اللّه لأنه رجس ومن أعمال إبليس.

وتتضاعف قوة إبليس في أساليبه الخدّاعة إذ هو يحاول الاختفاء والتنكّر ويضلّل الناس ليعتقدوا بأنه غير موجود أبداً. وبالحقيقة فالشياطين شخصيات روحية، ولكل منها «ذات» له وجود، ولذلك فالرب يسوع لما كان يخرج بعضها من أناس كان يأمرها كذات وكشخص أن تخرج من الإنسان وألاّ تعود إليه (مت 4: 24 مر 1: 32).

وقد انتصر الرب على الشيطان لما حاول هذا تجربته في البرية وأعطانا اللّه الغلبة بربنا يسوع المسيح، وأوصانا أن نصلي إلى الآب قائلين: «لا تدخلنا في التجربة لكن نجّنا من الشرير» (متى 6: 13) وقد أبطل الرب قوة إبليس عنا بقوة صليبه المقدس، فمتى رسمنا علامة الصليب على جباهنا تهرب الأبالسة منّا مرتعدة خائفة. وفي هذا الصدد قال الرب: رأيت الشيطان ساقطاً من السماء مثل البرق (لو 10: 18) وقال قبيل آلامه: «الآن دينونة هذا العالم قد حضرت، الآن يلقى رئيس هذا العالم (إبليس) خارجاً» (يو 12: 13).

وإذ حفظ هؤلاء الأبالسة للعذاب الدائم الذي يبدأ في اليوم الأخير، فقد رآهم صاحب الرؤيا مندحرين وكتب عنهم قائلاً: «وحدث حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء، فطُرح التنين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يُضلّ العالم كله، طُرح إلى الأرض وطُرحت معه ملائكته وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً في السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي على إخوتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً، وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبّوا حياتهم حتى الموت»(رؤ 12: 7 ـ 11).

  • الخاتمة:

إن الكائنات الروحية تحتاط بنا من كل جانب، إنها أرواح طاهرة هي الملائكة المختارون، وأرواح شريرة هي الملائكة الأشرار أو الأبالسة والشياطين. وهذه الأخيرة عدوة لدودة لنا ولجنسنا البشري. ويحذّرنا الرسول بطرس بقوله: «إبليس خصمكم يزأر مثل الأسد ويجول ملتمساً من يبتلعه فقاوموه» (1بط 5: 8) ولكن الأبالسة مهما ملكت من قوة لا تقوى على إرغامنا على الخطية إنما تخدعنا فنخطئ بملء إرادتنا.

شكراً للّه الذي لمراحمه الجزيلة وعنايته الربانية بنا جعل لكل منّا ملاكاً حارساً يرافقه طيلة حياته ويلهمه الخير ويرشده إلى الصلاح ويرفع صلواته ليقدمها أمام عرش الله. ويتشفّع به إليه تعالى. فعلينا أن نتبع مشورة ملاكنا الصالح ونكرّمه، ولكن لا نعبده، لأن عبادة الملائكة كفر. كقول الرسول بولس: «لا يخسركم أحد الجعالة راغباً في التواضع وعبادة الملائكة» (كو 2: 18) وجاء في سفر الرؤيا أن يوحنا حاول السجود لملاك فأجابه هذا «انظر لا تفعل أنا عبد معك ومع إخوتك الذين عندهم شهادة يسوع اسجد للّه» (رؤ 19: 10) والكنيسة تعيّد لبعض الملائكة مكرّمة إياهم كأولياء اللّه، فلنكرّمهم نحن أيضاً متمنّين أن نكون معهم ومثلهم في اليوم الأخير مالكين مع المسيح إلى الأبد.