صورة البيان المشترك الموقع بين قداسة البابا يوحنا بولس الثاني وقداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول في روما 13 حزيران 1984
1- قداسة البابا يوحنا بولس الثاني أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية وقداسة البطريرك مار إغناطيوس زكّا الأوّل عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الجامعة: يجثوان بكل تواضع أمام عرش السيد المسيح السماوي شاكرين إياه على إتاحة هذه الفرصة المباركة ليجتمعا معًا، ويلتقيا في ظلّ محبة المسيح لتوطيد العلاقة بين كنيستيهما الشقيقتين كنيسة روما وكنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، تلك العلاقة الحسنة التي توطّدت على إثر المبادرة المشتركة التي قام بها صاحبا القداسة البابا بولس السادس والبطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث.
2- يعلن صاحبا القداسة البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك زكا الأول رسميًّا عن رغبتهما في توسيع آفاق روابط الإخاء والتفاهم، وتعميق معاني الوحدة الحبية والروحية الحميمة التي تجمعهما والأساقفة والإكليروس والمؤمنين كافّةً في كلتا الكنيستين توثيقًا لروابط الإيمان والرجاء والمحبّة، وللمضيّ في خلق حياة كنسية ابتغاءً للتوصّل إلى المشاركة الكاملة.
3- ابتداءً: يقرّ كلّ من صاحبي القداسة بإيمان كلّ من كنيستيهما المحدّد في مجمع نيقية عام 325 م. والمعروف بقانون الإيمان النيقاوي، وإنّ الالتباسات والانشقاقات التي طرأت على كنيستيهما في العصور التالية تبدو في نظرهما اليوم لا تؤثر في جوهر إيمانهما أو تمسّه، ما دامت تلك الأمور لم تنشأ إلا بسبب المفارقات في التعابير الاصطلاحية والثقافية، وبواقع الصيغ التي كانت المدارس اللاهوتية المختلفة الاتجاهات قد تبنّتها للتعبير عن الأمر الواحد. وبناءً على ذلك نرى اليوم أنّه لا أساس حقيقي لتلك الانقسامات المؤلمة والانشقاقات التي نشأت عنها حول عقيدة سرّ التجسّد. ذلك أنّنا نقرّ بكلامنا وبحياتنا العقيدة الحقّة الخاصّة بالمسيح سيّدنا دون إغفال المفارقات في تأويل مثل هذه العقيدة، هذه المفارقات التي نشأت في زمن مجمع خلقيدونية.
4- لذلك نودّ أن نعود ونؤكّد إيماننا المشترك في تجسّد سيّدنا يسوع المسيح كما سبق ففعل كلّ من صاحبي القداسة البابا بولس السادس والبطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث عام 1971 إذ استبعدا وجود أيّ اختلاف جوهري في الإيمان الذي يعتقدان به والخاص بسرّ كلمة الله الذي اتخذ جسداً وصار إنسانًا حقًّا، ونحن بدورنا نقرّ أنّ المسيح تجسّد وصار إنسانًا لأجلنا متّخذًا جسدًا حقيقيًّا ونفسًا عاقلة. لقد تشبّه بإنسانيّتنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. ونعترف بأنّ يسوع المسيح سيّدنا وإلهنا وملك الكل هو إله كامل بالنسبة إلى لاهوته، وإنسان كامل بالنسبة لناسوته، وأنّ لاهوته متّحد بناسوته اتحادًا حقيقيًّا كاملاً دون امتزاج أو اختلاط، أو تشوّش أو استحالة أو انقسام ودون انفصام. هو الإله الأزلي غير المنقسم الذي ظهر في الجسد واتّخذ صورة عبد، فيه يتّحد اللاهوت والناسوت اتّحادًا حقيقيًّا وكاملاً وبغير انقسام أو انفصال، مع بقاء صفات كلّ من اللاهوت والناسوت حاضرةً وفعّالة.
5- من واقع فهمنا الواحد للمسيح نقرّ أيضًا بفهمٍ واحدٍ لسرّه، ذلك أنّ سيّدنا وإلهنا ومخلّصنا تجسّد ومات وقام من بين الأموات منتصرًا على الخطيئة والموت، وقد أعطى الإنسان بوساطته في الفترة ما بين العنصرة والمجيء الثاني، وهي المرحلة الأخيرة من مراحل الزمان، أن يختبر الخليقة الجديدة، ملكوت الله، الخميرة التي تغيّر كلّ شيء (مت 33:13) والتي هي في وسطنا. لذلك اختار الله له شعبًا جديدًا، كنيسته المقدسة التي هي جسد المسيح، وعن طريق الكلمة ومن خلال الأسرار المقدسة يعمل الروح القدس في الكنيسة، داعيًا جميع الناس ليجعل منهم أعضاء في جسد المسيح. والذين يؤمنون يقتبلون سر المعمودية في الروح القدس باسم الثالوث الأقدس ليكونوا جسداً واحداً، ومن خلال سر مسحة التثبيت المقدّس (الميرون) يكتمل إيمانهم ويتقوّى بفضل الروح ذاته.
6- إنّ حياة الأسرار تجد كمالها وقمّتها في سر الإفخارستيا المقدس، ذلك أنّ الكنيسة تتفهّم بعمق طبيعتها وتكشف عنها بوساطته، وبفضل سر الإفخارستيا المقدّس يتغلغل حادث قيامة المسيح في كيان الكنيسة بعمق. حقًّا إنّ أعضاء المسيح بقبولهم سر العماد المقدّس وسرّ التثبيت يمسحون بالروح القدس، ويطعّمون في المسيح، وبواسطة سرّ الإفخارستيا المقدّس تحقّق الكنيسة ما وُهب لها أن تفعل من خلال سرّي العماد والتثبيت. وبتناول جسد المسيح ودمه ينمو المؤمنون في هذا التأليه السرّي الذي يجعلهم يوجدون في الابن كأبناء للآب بواسطة الروح القدس.
7- إنّ الأسرار الأخرى التي تحفظها الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية بذات التسلسل منذ العهد الرسولي وهي الكهنوت والزواج ومصالحة التائبين ومسحة المرضى. وهذه كلّها تهيّئ للاحتفال بسر الإفخارستيا المقدّس الذي هو بمثابة محور حياة الأسرار، والتعبير الظاهر والرئيسي عن الشركة الكنسية. وإنّ وحدة المسيحيين فيما بينهم مثل وحدة الكنائس المحلّيّة حول أساقفتها الشرعيّين تتحقّق في الجماعة الملمومة الشمل التي تعترف بنفس الإيمان، ويدفعها أمل واحد إلى العالم الآتي، وفي انتظار عودة المخلص بقوّة مسحة الروح الساكن فيها بمحبة لا تسقط أبدًا.
8- ما دام سرّ الإفخارستيا المقدس هو التعبير الرئيسي للوحدة المسيحية بين المؤمنين وبين الأساقفة والكهنة فلا يمكن بعد أن نحتفل معًا بهذا السرّ لأنّ مثل هذا الاحتفال الجماعي يفترض التماثل التامّ في الإيمان، وهذا التماثل التامّ لم يتمّ بعد بيننا وذلك أنّ بعض القضايا لا تزال معلّقة يعوزها الحلّ فيما يخصّ مشيئة الرب في كنيسته وأيضًا النتائج العقائدية والتفاصيل التشريعية للتقاليد الخاصة بكنيستينا اللّتين عاشتا منفصلتين مدّة طويلة.
9- إنّ وحدتنا في الإيمان ولئن كانت بعد غير متكاملة، ولكنّها تؤهّلنا لأن نتطلّع إلى التعاون بين كنيستينا في مجال الخدمة الرعويّة سيما في الظروف التي نعيشها اليوم سواء بسبب تشتّت المؤمنين في أنحاء العالم أم بسبب عدم الاستقرار في هذه الأيام العسيرة. وكثيراً ما يستحيل على المؤمنين ماديًّا ومعنويًّا التوصّل إلى كاهن من كنيستهم. ونحن حرصًا منّا على بلوغ مآربهم وانطلاقًا من حاجتهم الروحية، نأذن لهم في مثل هذه الحالات أن يطلبوا أسرار التوبة والإفخارستيا ومسحة المرضى من الكهنة المعتمدين في إحدى كنيستينا الشقيقتين عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. وقد يكون منطقيًّا نتيجةً لهذا التعاون في مجال الخدمة الرعوية أن نسعى إلى التعاون في مجالي التكوين الكنسي والتربية اللاهوتية. نشجّع الأساقفة على دعم المشاركة وتقديم التسهيلات، خدمةً للتربية اللاهوتية حيث تتأكّد الفائدة من ذلك. ونحن إذ نفعل هذا ينبغي ألاّ ننسى أنّ علينا أن نبذل كلّ ما بوسعنا لاستكمال الوحدة الكاملة والعلنيّة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية ونواصل ابتهالاتنا إلى الله ليمنحنا الوحدة التي وحدها تؤهّلنا أن نؤدّي أمام العالم شهادة الإنجيل في إجماع لا شذوذ فيه.
10- وإذ نقدم الشكر لله الذي أهلنا لهذا اللقاء ووهبنا أن نتمتع بتعزية الإيمان الذي نتمسك به معَا (رو1 :12) وأن نعلن أمام العالم سرّ شخص (الكلمة) الذي تجسّد وقام بعمله الخلاصيّ، وهو الأساس الذي لا يتزعزع لإيماننا المشترك، نتعهّد رسميًّا ببذل كلّ ما في وسعنا لإزاحة العقبات الأخيرة التي تعرقل سير الوحدة الكاملة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية، لكي نستطيع بقلبٍ واحدٍ وصوتٍ واحدٍ أن نشيد (بالكلمة) النور الحقيقي الذي ينير كلّ إنسانٍ ولكي يصير كل المؤمنين به أبناء الله (يو 1: 9-12).
روما في 13 حزيران 1984
التوقيع
البطريرك زكا الأول عيواص و البابا يوحنا بولس الثاني