في اسم عمانوئيل-قصيدة للقديس مار يعقوب السروجي

في اسم عمانوئيل

قصيدة للقديس مار يعقوب اسقف سروج الملفان[1]

عربها: نيافة مار ملاطيوس برنابا
مطران حمص وحماه وتوابعهما

ارمقني بالرحمة يا ابن الله المماثل لابيه، وحرك الحاني لتسبيحك بدون بحث، انا قيثارة ذات عشرة اوتار انت ركبتها، فاضرب علي لارنّم مسبحا اياك من اجلك. حرَك اصبعك وحرك اوتاري الصامتة لينطلق مني ترتيل عذب بصوت عال، فان الوتر لا يعطي صوتا بدون ضارب، ولا يطلق الفم نطقا بدون موهبتك، لا يقدر القيثار ان يرنّم من تلقاء نفسه، واذا لم يضرب عليه حامله يبقى أخرس صامتا، يحرك ضارب القيثار اصبعه بمهارته فيوقظ صوتا في الوتر الصامت، رنم في يا سيدي فانك ممسك بي وانا اتطلع اليك فتحرك في ظهورك في مجدا كثيرا. ان الوتر واقف والصوت الذي يعطيه ليس له فهو ينظر الى الضارب الماهر ليبعث فيه الصوت. النفس وتر وها هي ذي ساكنة عن تسبيحك، فاضرب فيها لترنم اصوات التمجيد بانذهال عارم: انك لست بحاجة الى تسبيح الأرضيين: ولكن ليعظم فيك أيها الغني، الجنس البشري الفقير. لقد أرسلك والدك لترفع البشر، وتقيمهم من المزبلة فانهم ساقطون فتعيدهم اليك، صرت منا وها هوذا انت معنا برفقتنا، عمانوئيل الذي جاء ليحرر عبيد ابيه.

ايها الابن الحبيب هوذا انت معنا وانت الهنا، فقد دعتك النبوءة عمانوئيل. لقد وضع له اشعيا اسما مناسبا، تعَّلمه هناك بين الاوحية النبوية. وقف اشعيا في منبر النبوءة فرأى الابن وقد جاء ليختلط بالبشر، لقد رآه بعين الروح التي تعاين الاسرار فذهل به. فهو الهنا وسيصير معنا في الميلاد الثاني، ولهذا تحرك ودعاه عمانوئيل، اسم جميل يعلن عن طريقه دون ما خلاف، رآه آلها ورآه وقد جاء ليصير معنا، فاطلق عليه الاسم من عمله، فها هوذا معنا وهو عندنا وهو الهنا – اتى آلهنا وصار معنا بالجسد، لقد اخذ النبي الاسم من غمام الأب، فبدون ابيه لا يعطى المسيح اسما. لقد هيئت روح النبوءة من الآب، فعلمته ان يدعو المسيح عمانوئيل. لم يكن يعرف النبي كيف يدعوه اذ لا يعرف الابن الا والده كان الابن في حضن الاب منذ ازليته، والله يعرف ابنه المسائل له. فهو عنده وقد جاء منه ليراه العالم، وهو هو الذي علَّم اشعيا ان يدعوه عمانوئيل بواسطة النبوءة وهي أمينة سر اللاهوت ولا يقدر احد ان يفسر اسم ابن الله، وان يجرأ ويقول انه ليس الله كما دعي. انه آلهنا وصار معنا وهو ابن الله، ولا يوجد مكان ليس الله فيه وهو معنا، وهكذا عندما تلده الام العذراء بالجسد، ويأتي بالجسد ليراه العالم فيأخذ منه العجب العظيم، وعندما يتنازل الى منتهى التواضع الى الحليب والقمط والفقر، عندما تحمله الام الفتاة كصبي، وهو يمسك الثدي ويرضع منه كطفل، عندما يتدرج في القامة البشرية، ليصل الى غاية عمر آدم، عندما كان يجوع، ويتعب وينام، وعندما كان يعتد ويتنازل الى العوز، عندما هاج عليه موج عارم للصلب، وتحركت الضلالة وثارت تريد موته، وعندما هاج عليه اليسار واعوانه، وادخلوا البار الى المحكمة، وعندما كان يقف امام الحاكم ليسأله فيجلد بالسياط ويحتمل، ويوجه إليه ابناء اليسار الاهانة والشتم. ويبصقون في وجهه ويستهزئون به في المحكمة ويعدون له صليبا ليرتقيه في الجلجلة، يطلب ماء فيعطوه خلا ليشرب، وتناول بيده كأس الموت فشربه حتى الثمالة، واحتمل كل شيء وهو المسيح عمانوئيل، انه عمانوئيل الهنا الذي صار منا وهو الهنا وقد احتمل هذه الأمور كلها من اجلنا فمن لا يعترف بأن عمانوئيل مات في الصليب، ومن لا يصدق ان الهنا هو معنا. لقد شاهدتك ابنة الوثنيين يا عمانوئيل، وعلمت من انت وهي منذهلة بجبروتك، اما ابنة العبرانيين فغشي عينها الحسد فلم تعرفك ولانها ابغضتك لم تحركّها العجائب التي حدثت. ان كنيسة الأمم ابنة النهار التي احببتها عرفتك يا سيدي في الصليب انك الآله. فالارض فزعت، والصخور تشققت والاموات قاموا احياء، الشمس اظلمت، فأعلنت في الأرض كلها من انت، ومن المخلوقات الجامدة التي تحركت في صلبك، علم العالم انك الآله حقا. وها هوذا صوت العروس يدويّ وتهتف في المجتمعات قائلة ليس لي فخر الا به. لقد جاء عمانوئيل وخطبني بصليبه، وانا اعرف من هو وابن من هو. لا نخجل، فاذا كان فقيرا جاء الينا ليخطبني، وشعرت بأنه غني فتبعته، ولاني احببته تركت آبائي من اجله. واعترضتني النار والسيف ولم تنل مني منالا. فسأفيه دينه، بقدر ما احبني واحتمل الهزء والعار من اجلي عندما كان يخلّصني. عانق العمود في المحكمة ليفي ديني، وكان يجلد بالسياط، فكم اشكره لذلك. من اجله تركت آبائي لانني احببته واحتقرت الأوثان والآلهة الباطلة. أصبح لي صليبه تاجا عظيما، فوضعته على مفرقي، وليس لي الا ان افتخر به، ان عاره فخر عظيم لي وكذلك جروحه لانه بارادته تحمل العار عندما خطبني، تحمل اصوات المعيرين في المحكمة، وتحمل آلام الصليب فوق الجلجلة، تحمل العار من اليهود ولم يكفوا، وها هوذا يتحمل شكوك الكتبة والباحثين- ها هوذا عمانوئيل مظلوم يضايقه اليهود ولا يعترفون به انه الهنا وقد صار معنا – أيها الاشقياء اذا كان انسانا بحسب قولكم فلماذا دعاه اشعيا عمانوئيل؟ عمانوئيل هو آلهنا الذي صار معنا، اما الانسان فلا يليق به اسم جليل كريم كهذا، ايها اليهودي ادع الابن باسمه فهو الهنا كما بشرت به النبوءة، ولا يوصف من اجل عظمته المذهلة، ولا يفسّر امره من أجل عظمة رهبته، ولا يمكن ان يشرح ويعلن عنه لانه محجوب مع والده، ولا يبحث امره لأن أمره يخفى عن الباحثين. ان ابن الله امره بسيط وجلي للمؤمن وكله نور لمن أراد الرجوع اليه. انه يظهر نفسه للمؤمن بدون بحث، ويخفي نفسه عن الباحث فلا يراه. انه قريب من المحبة وظاهر وجليّ كالنهار، وبعيد جدا عن مماحكات العلماء. ايتها المعارف (العلوم) ما لك والابن القوي؟ انه اسمى منك ولا يعرفه الاّ والده. أيها العلماء لا تتجنوا لتشرحوا كنهه. انه ابن الحّي المحجوب والخفي مع والده. ايها الناطقون الذين اكتسبوا نعمة النطق، صونوا كرامة الابن الكلمة الذي لا يوصف. ايها الواعظ احرص على لسانك من اللهيب، ما لك ولبحر النار الذي لا حد له. أيها الكاتب المتفاخر اعرف نفسك وتأمل ذاتك، ولا تصف امر عمانوئیل بافتخار، بل ببساطة وايمان ووداعة. تواضع عندما تصف خبره. لا تقف متبخترا امام النار لتصفها، فان الورقة اليابسة اذا ما صادفتها النار التهمتها. ان ربك نار يرهب النورانيين في العلاء، فلا تتجرأ لتمسك طرف اللهيب. فمالك ايها الرجل تتحدث الى اللهيب، فانك هشيم تضمحل من وهج قليل. ان كراسي النار معدة القديم الايام، حيث يجلس هناك عمانوئيل مع والده، فللابن الوحيد كرسي النار وعجلات النار، قالی این تصير اذا دنوت للبحث؟ نهر النار يجري ويخرج من الأزلية، فكيف تجتاز انت لتبحث عن الابن حيث مكان والده؟ كيف تخترق الوفا في الوف من السماويين وتدخل حيث تطلق هناك صوتا يبحث عن الابن؟ من يجرأ ان يتقدم اليه بين ربوات في ربوات من قوات الملائكة الذين يخدمونه؟ ماذا تقول وكيف تبحث، ولماذا تبحث؟ فالتحف بالفزع ايها المتجريء وضع حدا لوقاحتك واقدامك عن البحث، تبصر مليئا في الساروفيم الذين ان لم يستروا وجوههم لا يقدّمون له التقديس باصواتهم وهم يرتجفون، اجل ان لم يغطوا اقدامهم لا يطأون مكان اللاهوت البهي (اللألأ). فهؤلاء عندما يقدسونه لا يفحصون عن كنهه، وانت تتهافت لا لكي تقدس بل لكي تبحث. يحمله الكاروب على عجلة اللهيب وهو مطهر بالنار المصوغة من اللهيب، ویستر وجهه بأجنحته عندما يبارك، ويطلق الصوت دون ان ينظر إلى المكان العالي. ولا يبحث عن مكان اللاهوت، ولكنه يهتف قائلا: ((تبارك من مكانه حيث هو)). فلم تظهر الجرأة الاّ فيك. وليس من يجرأ ان يستقصي الابن الاّك، وانت ترفع عقيرتك مخالفا متعجرفا مماحكا، لتستقصي الابن، أبن الأزلية، ولا تجزع، وتحيط بك الرهبة أو ترتجف من السؤال الذي تفزع منه النار نفسها! وها هي ذي قصة الابن يستخف بها على لسانك، ان كيف جاء وكيف ولد وكيف مات. وتتكلم حيث لا مجال للكلام، وتزعم انك أحطت في وصفك وحددت عمانوئيل الذي لا يحيط به جموع ملائكة جبرائيل ولا تستقصيه طغمة ميخائيل ولا الوف في الوف من السماويين، ولا يحاور في أمره ربوات في ربوات من النورانيين. فاذا سئل الملاك عن المخلّص، اجاب أن الأمر جلل وخفي دون ان يجادل. اما أنت أيها المعلم الذي طلع علينا هذا اليوم فوحدك تراك تستخف بشأن ربك العجيب. انك تحاول ان تفتر الأعالي والاعماق في الابن الوحيد، وتجزئه الى اجزاء ليصبح اثنين. ان الآب الحق، له ابن واحد حبيب. اجل، انه سليل ملك واحد وليس اثنين على حد قولك لقد أعطي الله وحيده من أجل الخطأة، أنه وحيد وقد أعطاه كله ليخلّص العالم. فلا تجعل انت درجات رفيعة ووضيعة في الوحيد السامي والممجّد وهو وحيد. ان ابن الله يموت في سبيل خلاص العالم، فلتصمت الأفواه عن الاستقصاء الجريء. لقد دعاه ابوه: ابني الحبيب: فادعه انت ايضا كذلك. ولا تكثر الكلام قائلا كيف يكون الابن ؟ لقد رأينا مجد ابن الله الوحيد ، والابن واحد ولا يعترف بآخر معه[2]. لقد نزل وبدأ طريقه من أجل خلاص العالم، وأكمل طريقه بقوة وعاد الى مكانه، انقذ السبية من السابي الذي كان يقتلها (يهلكها) وجاء بالمخلصين الى مكان أمين بعيد عن العثرات. رض بصليبه الحية الكبرى التي خدعت امنا، وفتح الطريق التي كان الثلاب قد اغلقها. طرد الكاروب الذي كان يحرس شجرة الحياة واستقبل الرمح في جنبه ليدخل الجنة الورثة الذين أبعدوا منها. اجل فتح الفردوس الذي كان مغلقا دون الداخلين، وأعاد المطرودين الى ميراثهم و تخومهم. دخل اللص وصار رجاء لنسل آدم. لقد فتحت الرحمة ذراعيها للخطأة فأعادتهم. اغلق الهاوية واوصد ابوابها التي كانت مفتوحة، وابهج الجنة وفتح ابوابها التي كانت مغلقة. ازال الازمنة القاسية التي مرت على نسل آدم وجاء بأوقات طيبة للورثة الذين كانوا مطرودين. مزق الصك العريض الذي كتبته امّنا حواء والذي كتبته الحية نفسها في الجنة ليضعف أمر آدم، ووفى بصليبه الدين العام على الجنس البشري الذي كان مستعصيا والذي ناءت بحمله الأجيال كلها ولم تفه. اما هو فقد قبل عليه كلما ترتب على آدم. فاحتمل ووفى (الدين) واعاد الورثة الى تخومهم (وطنهم). ان الحكم الذي كان قد صدر على آدم، قبله هو على نفسه فعادت الحياة الي العبد ودخل الجنان. انحدر العالي إلى أعمق الاعماق حيث وجد صورة والده (أي الانسان) وقد أصبح رميما، فأخذه وارتفع به (الى السماء) عمانوئيل الذي صار معنا عندما نزل الينا، جاء الهنا وصار منا بالجسد، وجعلنا معه بالنعمة روحيا. منحنا حياته لانه اتى وصار منّا، واخذ شبهنا لانه جعلنا ان نصير منه. صار مثلنا عندما تنازل الى مجاورتنا، لكي يجعلنا مثله هناك في مقر ابيه. منح الشفاء واخذ اوجاع المرضى، تفقد المرضى وتحمل الآلام من الصالبين، ثلم السياج الذي شيدته الحية القديمة وصالح المتخاصمين وخلطهم معا بعدما كانوا منقسمين. اعاد بناء الدمار وجعل الاماكن الخالية آهلة، وزرع الرجاء في أرض الموتى الذين كانوا هالكين. قتل التنين الذي التهم تراب آدم، وعجن بهذا التراب نفسه لكي لا تعود الحية فتأكل منه. اعطى حواء حلة المجد التي كانت تلبسها والتي سرقتها منها الحية بين الاشجار، واخذ من آدم قميص الأوراق لانه كان قميص العراء ومنحه بدلا منه حلة المجد التي تعرى منها. هوذا عمانوئيل معنا كما دعي، ونحن معه لنحيا معه له التمجيد.

((عن السريانية))

[1] المجلة البطريركية 131، 1976، ص 9-13.

[2]يردّ الملفان هنا على التساطرة والخلقيدونيين الذين قسموا ابن الله المتجسد اثنين، فنسبوا الأمور الرفيعة كالمعجزات الى اللاهوت والوضيعة كالآلام والصلب إلى الناسوت.

Scroll to Top