217 (ترجام) على احد السعانين

217

(ترجام) على احد السعانين

 

        ملفاننا نظم هذا الميمر او القاه في مناسبة السعانين. تهجم ملفاننا على اورشليم التي لم تستقبل المسيح. لقد تنبأ الانبياء عن دخوله الى اورشليم وهو راكب عفوا ابن اتان. يفسر يعقوب كيف طرد المسيح الباعة من الهيكل. لعل ملفاننا يخاطب احد اليهود ويطلب منه ان يقرأ في الكتب المقدسة بتواضع ومحبة. يذكر بان الحجارة أي الطبيعة الصماء نطقت بدل اليهود غير المؤمنين وقت الصلب. يردد ملفاننا هذه العبارة معترفا بايمانه: اؤمن بالابن انسانا والها. انظر، ميمره 18، 174

 

– المخطوطات: ر 109، ر253، ل 14587، ل 14474، ل 14515- 17190، دمشق 12/20، دمشق 12/19، منكنا 546

 

– الدراسات:

Jacques de Saroug: six homélies festales en prose, édition critique du texte syriaque, introduction et traduction française par Frédéric Rillet, Brepols Turnhout Belgique, 1986, in PO. Tom. 43, Fasc. 196. pp. 586-608, (Texte pp. 74-96)

Kollamparampil Thomas CMI, Jacob of Serugh Select festal homelies, Bangalore , 1997, pp. 261-277

 

 

 

(ترجام) على احد السعانين

 

لولا محبة العالم التي تعمي النفس لرأت الخفايا

        لو لم تكن محبة العالم تعمي نفسنا لئلا تنظر الى غنى تدبير المسيح لكانت تبين لها بوضوح الكنوز العظيمة المطمورة في اخبار كتبه المقدسة. بهاء العالم وقف كدخان مضطرب امام نفسنا وحجب نورها لئلا تظهر لها جيدا الثروات غير المنحلة لتتحدق كالنور من تعليم الحياة.

        لو قامت النفس عارية بصفاء طبيعتها وهي غير لابسة المحبة الغريبة لكان سهلا عليها ان تنظر وترى وتفتش وتجد وتدرك وتنال كل ما تسال وتنفذ كل ما تشاء وتتكلم وهي تفيد.[1] كان يلزمنا اذاً ان نقترب من كل شيء (بالشيء) مثله ونصادفه (بالشيء) الذي يخصه ونفرح به حسب فائدته ونتكلم معه بلسانه كما يعلمنا الكتاب ايضا، لنصير كلا مع الكل ولنستفيد من الكل[2] لئلا نقترب من كتاب الله بشهوة العالم ولا نعطي للعالم محبة الله لكن لنصادف العالم برأي منقسم كما لو اننا نعرفه كذابا ومضللا وغير ثابت ولنقترب من الله بنفس مليئة حقيقة لانه يبين لنا بانه هو فقط الصادق،[3] وكل انسان هو كذاب.[4]

 

تلزم قراءة الكتب المقدسة بالتواضع

        لا نقرأ في الكتب المليئة تواضعا لما يوجد فينا الكبرياء. لو لا تغطس النفس تحت التراب بالتواضع لا يبين لها جمال الكتاب لان جماله موجود حيث يشاهد تواضعه /588/ (76). كتب الابن تعلمك ان تتواضع. اطلب منك بالا تقرأ فيها وانت منتفخ بالكبرياء. ابن العلي الذي نزل من السماء وهو فوق الكل سُمي متواضعا واحقر الناس[5] لانه كان متواضعا بالحقيقة، وهو يقول لك تعلم مني لانني وديع ومتواضع في قلبي.[6]

 

 

الرب يسوع ركب عفوا ابن اتان حتى يجدد مملكة داؤد

        انظر اليه وهو يجدد مملكة آل داؤد كيف كان يركب العفو المستعار والمشلح والمهان اكثر من كل المطايا ليدخل الى مدينة الملوك وهو يدمر الحصان من افرام، والمركبة من اسرائيل. يتكلم بالسلام مع الشعوب[7] ويُحتقر بتواضعه المستكبرون[8] الراكبون في المركبات الذهبية، والعربات المربوطة بعجب ولم يقدروا ان يصنعوا الخلاص للمسجونين.

 

دعوة التلميذ الى التواضع اقتداء بالمسيح

        انت لما شاهدت بالفعل كل تواضع رب الملوك رفعت ووضعت فراشك البهي على ظهر البغلات المتباهية[9] لتتطلع على اندادك كما (يتطلع) الله من الغمام.[10] خف ايها التلميذ وقع من الخيلاء لما تعاين الى اي تواضع تنازل معلمك.

        لو (ركب) رب الكواريب على ابن الاتان بدون برذعة، انت كيف تسير بمقتضى (امور) لا تليق بك.؟ كيف تقدر ان تقول: انني لم اتعامل بما ليس اعظم مني.؟[11] يا تلميذ المسيح انزل انزل وبعدئذ تقرأ في تواضعه، ادخل الى الحمأة وتغطّ بالغبار[12] وبعدئذ تقدر ان ترى رب المجد في الحقارة والاهانة.

        لقد تواضع لاجلك لانك تكبرت وسقطت، لم يحنه اثمه الى الضعف ليوفي بتواضعه دَين شخصه. ولو كان دَين شخصه[13] هو خاصتك وتبت، ماذا /590/ (78) افادك صاحب الدَين الذي قبل ان يصير مدينا، ويعلمك الانسحاق ولم تتعلم.؟

        هوذا كتبه تكرز تواضعه وبافعاله تُرى وداعته وحقارته تعلن البشرى بكلماته. يُسمع لطفه ونحن نصادف اخباره بالتعالي البهيمي وعيوننا مرتفعة وقلبنا واسع.

        ضع نفسك بالالم يا من يتكلم وبعدئذ ترفع صوتك بخوف بسبب عجب تواضعه. تواضع انت يا من تسمع وبعدئذ تميل اذنك بمحبة الى خبر لطفه.

 

 

تجديد مملكة داؤد بواسطة التاج الذي ظهر من قبيلة يهوذا

        مملكة آل داؤد تعاظمت بربنا، ووعد الآب اكتمل باشراق حبيبه.[14] التاج غير المنحل ابان نفسه من قبيلة يهوذا[15] لتقوم مملكة غير فانية من داؤد التي لا تفسدها الازمان ولا تسلم المملكة الى آخر.[16]

 

كرسي الرب ابدي لا يسلمه الى احد ولم يستلمه من احد

وبسبب هذه الامور كان داؤد قد امتلأ تسلية عظمى بالروح القدس لما قال: كرسيك يا الله الى ابد الابدين.[17] انك لم تنله من احد وسوف لن تسلمه الى آخر. لست مثلي انا الذي اخذتُ الكرسي من شاؤول، واعطيه لسليمان لكن انت كما انت وسنوّك لا تنتهي. لا يوجد امامك سلطان ولا وراءك، المملكة هي خاصتك.[18]

        الملك لا يترك يهوذا الى ان ياتي مَن (المملكة) هي مُلكه.[19] لا يوجد ملك تخصه المملكة ما عدا الوحيد الذي لا يقبلها ولا يسلمها،[20] وهو المالك ازليا وعنه قال ابو الآباء يعقوب الثري بالايحاءات: انه ملكه.[21]

        لم يسال اسما ليملك مثل الآخر، لكن مملكته هي جوهره، وكرسيه هو الى ابد الابدين.[22] وقد اتى هذا الملك الازلي بوعد ابيه وانتسب الى مملكة آل داؤد،[23] واخذ شبه العبد في شخصه[24] من سبط الملك لتقوم مملكة داؤد الى الابد لان المملكة هي خاصته.

 

المسيح هو امس واليوم والى الابد

        لم يصبه نصيب حتى يملك بالخلافة، وله يجوز ان يقال لم يصر قبلي ولن يصير بعدي[25] ومنه يُسمع: انا الاول وانا الاخير،[26] وعنه مصف الرسل يكرز وصوته عال: يسوع المسيح هو امس واليوم والى الابد.[27]

 

صغر ربنا اظهر عظمته

        هلم وشاهده وهو يدخل الى مدينة المملكة على مطية متواضعة، وتركض اليه التسابيح بعبارات عالية.[28] كانت تتبع الامور العظيمة صغر ربنا، ومن اهاناته كانت تبرز تسابيحه ومع حقارته يشرق سلطانه وحيثما كُرز بانه انسان اؤمن به ايضا الها، ولما يُرى متواضعا يُعرف بانه العلي، وهكذا هنا ايضا فان مطيته حقيرة ومجده عزيز. كانوا يصرخون امامه ووراءه: اوشعنا في الاعالي مبارك من اتى باسم الرب.[29]

 

دخل المسيح ملكا الى ارشليم: فاستقبلته الجموع بالسعانين وفرشت ثيابها امامه

        المملكة طالبت بما يخصها لتدخل الى المدينة بالكرامة اللائقة بها: الثياب على الطريق، والتسابيح في الهواء، من النخيل الاغصان،[30] ومن الصبيان السعانين، الاشجار اعطت اغصانها، والجموع ثيابها، الصبيان اصواتهم، والافواه تسابيحها، فامتلأت طريق الملك بالافنان والثياب والتسابيح في السماء. السعانين على الارض: الثياب، البركات، والزغاريد التي ترعد من كل فم. يرفعون صوتهم ويلقون ثيابهم ويفرشون معاطفهم ويرتلون بافواههم. /594/ (82) الشيوخ نكروا التسبيح واوفى الصبيان البركات. احتُقر رب الناموس من قبل عارفي الناموس واكرم من قبل الاولاد الذين لم يقرأوا في كتب موسى. الاصوات البسيطة من الافواه النقية بافكار طاهرة لرب المجد. لم يكن يوجد حسد في الاولاد ولا حقد ولا غيرة في الصبيان. التلاميذ الجهال والاطفال السذج اوفوا التسبيح للملك. المثقفون والمحتالون مليئون حقدا، والودعاء يباركون بمحبة.

 

شيوخ اليهود لم يستقبلوه فقام الصبيان واستقبلوه باهازيجهم

        التسبيح الذي نفذ في افواه الشيوخ استقام في افواه الشباب والاطفال كما هو مكتوب.[31] اهمله الشيوخ بالسكوت واتقنه الاطفال بالترتيل. الحسد انام الشيوخ والحب ايقظ الاطفال. الملك كان متواضعا غير ان تسبيحه كان عظيما. كانت مطيته حقيرة ومهانة، ودخوله الى المدينة باحتفال كان بهيا.

 

 

زكريا يوقظ اورشليم لتستقبل المسيح

        فهم النبي بانه سيدخل الى اورشليم، فركض النبي امامه لكي يُخرج العبرانيين ليستقبلوا ملكهم. زكريا كان يدور في اسواق صهيون ويكرز: ابتهجي يا بنت صهيون، ورتل يا اسرائيل هوذا ملككِ ياتي اليك وهو راكب على حمار وعلى عفو ابن اتان.[32]

        انظر كم انه متواضع واستقبله بمحبة. افرحي وارتقصي من كل قلبكِ يا بنت اورشليم لان الرب ازال عارك ورفع عقبك على رؤوس اعدائك.[33] النبي يكرز واورشليم نائمة، يطرق على ابوابها باصواته وهي لا تنهض من سباتها.

 

اشعيا يوقظ اورشليم لتستقبل المسيح

        رفع اشعيا صوته وهو يقول: استيقظي استيقظي والبسي بأس ذراع الرب.[34] الانبياء افزعوها باصواتهم لتنهض من نومها وتفرح بملكها وهي لا تريد. كانت العروس نائمة مع آخر ولهذا كانت تخجل حتى تنهض. الانبياء يوقظونها ولا تستيقظ. كان فكر الزانية غارقا في سبات الاصنام العميق. /596/ (84) وانها لم تستنر بالمحبة لما قدمت الضجة: اقترب الختن لكي يدخل الى الخدر.[35]

 

اورشليم تحتضن اصنامها ولا تود ان تتعرف على المسيح

        كانت حاضنة العجل مدنسها،[36] وكانت حاملة مسكن ملكوم،[37] وكانت راقدة مع الكوكب كاون،[38] وكانت تقبل الصنم الرباعي الوجوه، وكانت تجنّ باصنام يوربعام.[39] سبات الوثنية اغرقها ولم تكن تريد ان تستيقظ وتخرج لملاقاة الختن. صرخ اشعيا: قومي استنيري لان نورك-المسيح قد وصل.[40] وكانت بنت راحيل مغطاة وجالسة على اصنامها في ظلمة الدنس.[41]

 

المسيح الختن خطب الجماعة اليهودية وهيأ لها الخاتم واعد لها الزفاف

        يا لك من شقية كم ارتويت بشهوتك.! لماذا تحترقين مع اصنامك.؟ لماذا تحبين اصدقاءك الفاجرين اكثر من الختن الملك.؟ هوذا ذاك الذي خطبك من سيناء[42] قد اتى قومي واخرجي للقائه، هوذا ذاك الذي مد لك خاتما من داخل النار[43] يريد ان يصنع له عرسا، القي الاصنام من حضنك وقومي وابتهجي بوليمتك. ان خطبتك مقبولة من قبل ابيه فلا تردي وجهك عن الوارث.[44] هوذا مصاغات وصاياه في اذنيك ومهر نواميسه على يديك، قلادة حبرويته على عنقك، ولباس خدمته على جسدك. افتحي له خدرك بمحبة لانه خطيب شبابك في القفر.[45]

 

ارتجت اورشليم لان الجماعة زانية وخافت من ان تفضح امام الختن-المسيح

        انه مكتوب بانه لما دخل ربنا الى اروشليم ارتجت كل المدينة.[46] ارتجت، لماذا ارتجت الخطيبة الزانية.؟ لانها شعرت بان الختن القدوس قد اتى وهو يطالبها لتبين له الحق (بتولية؟) في يوم الزفاف، ارتجت صائغة الاصنام لانها رات ان ذلك الذي يزيل /598/ (86) الاصنام تماما من الارض قد اتى، ارتجت محُبة المسكوبات لانه قد ظهر على الارض فاضح المصنوعات، رفيقة الظلمات شعرت بالنور وارتجت من امامه لانها عرفت بانه به تفضح كل كمائن فجورها.

 

لماذا لم تعرف العروس عريسها المسيح، بينما تحدث عنه انبياؤها؟

        ارتجت اذاً كل المدينة،[47] وكانوا يتساءلون من هو هذا.؟ هلموا اسمعوا خزي الزانية، هلموا ابكوا على تحطم الصالبة،[48] قوموا يا عابري الطريق وتعجبوا من العروس التي تستفسر عن الختن (وتقول): من هو هذا.؟[49]

        يا من تتفرسين في شهوتها لماذا لم تعرفي من هو.؟ هوذا الانبياء يهتفون كالرعود امامه في اسواقك، لماذا لم تعرفي من هو من اصواتهم قبل ان تستفسري عنه من الآخرين.؟

 

 

ذكرى النبؤات التي تؤكد بان المسيح هو ملك

        لو لم يكن من سبط يهوذا فليست المملكة خاصته،[50] لو هو غريب عن شعب يعقوب ليس الكوكب الذي تتبدد الاصنام باشراقه مثل جبابرة موآب من قدامه،[51] لو لم يكن عفوه مربوطا في الجفنة التي خرجت من مصر[52] ومن سبط يهوذا اقتيد ابن الاتان الذي اتى لكي يركب عليه،[53] لو لم يكتب عنه في ايحاءاته بان مملكة اسرائيل هي ملكه[54] لكنه متواضع وراكب عفوا ابن اتان كما علمك زكريا[55] لا تفتحي له ابوابك لانه ليس الملك المتواضع.

        الآن ها انه يُرى من قبلكِ حقيرا واكثر تواضعا من الناس كما كرزه اشعيا.[56] لقد حُل واتى العفو لمطيته من الجفنة التي خرجت من مصر[57] وهي الجفنة التي فيها رُبط ابن اتانه في عهود يعقوب.[58] مطيته هي متواضعة وحقيرة كما قال زكريا.[59] لماذا الاستفسار بعد هذه البراهين كانما لم تسمعي خبره /600/ (88) ابدا، وتتعقبي عليه مثل اللاعارفة (قائلة): من هو هذا.؟[60]

 

استفسرت العروس عن عريسها لانها ارادت ان تطلقه

        استفسار العروس مستقبح. لقد ارادت ان تعطي (كتاب) الطلاق للختن وتبتعد عن الزيجة، ولهذا كفرت حتى انها (قالت) لا تعرفه، وها انها تستفسر استفسارا: من هو،؟ لانها كانت تعرف من قبله، واذ هي محتقرة كانت تسال كما تعرف بوضوح من مثل الكرم لما راى الفعلة الابن قالوا: هذا هو الوارث، واذ كانوا يعرفون انه هو، لماذا لزم الاستفسار (وقالوا): من هو هذا.؟[61]

 

 

ربنا دخل الى الهيكل وطرد الباعة لانهم جعلوه مغارة اللصوص

        دخل ربنا الى هيكل ابيه ووجده مليئا بتجار الخطيئة، وجد بان الخدمة متوقفة، والقدس محتقر، والناموس مرذول، ولا توجد طهارة آل موسى، ولا اعياد لاوي الجميلة، لكن الهيكل جُعل سوقا للسيوف، وبدل القديسين لصوص، ولا توجد فيه الصلاة التي تصعد، ولا الطلبة التي تُقرب، لا يوجد رئيس الاحبار برتبته، ولا الكهنة بدرجاتهم، ولا اللاويون في خدمتهم، ولا الشعب في عاداته الجميلة، لكن (وجد) الحبروية متوقفة، والكهنوت مهملا، والعفاف مطرودا الى الخارج، والطمع حاضرا، والظلم ينجز ارادته، ويشبه الهيكل مغارة اللصوص.[62]

 

الجماعة لم تعرف العريس لانها زانية والزانية لا تعرف رجلها

        لو كانت الجماعة تهتم بخدمة آل موسى، وتتامل في كتب الانبياء، وتتم بكمال ارادة الآب لكانت ايضا تستقبل الابن بفرح لما ياتي، لكنها كانت ساقطة من رتبة الحرات، وكانت واقفة في درجة الزانيات ولهذا كانت تسال: من هو هذا.؟[63] لا توجد زانية تعرف رجلها لانه لها الرجال وليس رجلا.[64] لم تكن تنتظر الله الذي خطبها لكنها كانت تعبد الآلهة الباطلة. /602/ (90) لو كانت حريتها (موجودة) عليها، ولو لم تكن مكشوفة، والقداسة مطروحة عن راسها، ولو مكثت في الطهر كما خطبها موسى[65] وهي تنتظر اشراق الوارث، لكانت حالما تسمع بانه قد اتى على عفو ابن اتان تفرح وترتقص وتهتف من كل قلبها وتسبح وترفع صوتها وتنشد وتهيّج كل الشعب لاكرام الملك وتخرج وهي تنظم صفوفا وتصف افواجا وتوشح رئيس الكهنة الافود وتكسوه بالثوب الحريري[66] وتجعله يمسك في يده مدرج زكريا، ويسير امام الملك ويرقص مثل داؤد امام التابوت[67] وهو يرفع صوته ويسمع كلمات النبي للشعب ويكرر من المدرج: ابتهجي يا بنت صهيون،[68] ورتل يا اسرائيل لان ذلك الذي كرزه الانبياء قد اتى، ذاك الذي تكلم عنه الراؤون قد وصل، ذاك الذي اعطى لنا آياته يعقوب وزكريا هو هذا الداخل الى مدينتنا على مطية متواضعة.

        لكن بما انها كانت ثملة بشهوتها، وفكرها كان فاسدا بزناها، فقد ادخلت الفوائد الدنسة الى الهيكل وطردت منه النقاء، ليس انها لم تبتهج وحسب بالملك، لكنها حزنت من صوت المسبحين.

 

 

الختن يطرد الباعة من خدره-الهيكل بالسياط ويقول: غيرة بيتك اكلتني

        دخل الختن ووجد خدره وقد جُعل سوقا للصيارفة، فاكلته غيرة بيت ابيه[69] الذي احتُقر، والقدس الذي اهين، والهيكل الذي وطيء، فصنع له سياطا من الحبل وبدأ يخرج هولاء الذين يشترون ويبيعون في بيت الصلاة.[70] ذكر عبارة النبي لتوبيخ الكهنة لكي يطالب الكرامة لبيت قدسه من عهد ابيه وليس من قوة غريبة: انه مكتوب بان بيتي بيت صلاة يُدعى، لماذا ادخلتم اليه بدل الصلاة تجارة الاثم.؟[71]

        /604/ (92) كان يليق به وهو يوبخ الجسورين الذين كانوا كل يوم يتمردون على الناموس ويحاربهم (بنصوص) من الانبياء. احتقرهم لانهم لم يسمعوا اباه ولهذا لا يقبلونه. ابان لهم بوضوح بانهم يحتقرون آدوناي ولهذا فانهم يهينون مسيحه.[72] وبخهم لما كان يسكت،[73] ويحتمل مثل والده لما كانوا يسخرون منه، ولم يتشبه بآخر الا بابيه مرسله. قال لكم الآب بواسطة النبي: بيتي بيت الصلاة يدعى، وانتم جعلتموه مغارة اللصوص .[74] لم تسمعوا ابي، وانا لم تقبلوني، ان من يقبلني يقبل من ارسلني.[75]

 

الطمع في البيع والشراء ليس بعيدا عن السرقة

        ربنا احتقر طمع البائعين والمشترين لانه ليس بعيدا عن سرقة اللصوص. ما يريد السارق هو ان يظلم ويحصل على ما ليس خاصته. هذا ما يريده ايضا البائع الذي يطالب اثمانا زائدة، وهو يظلم ايضا رفيقه. وهكذا ان ذلك الذي يشتري يحاول ان يخطف المبيع من يدي البائع لو كان ساذجا، وهو يبخس الاسعار ويكثر الايمانات، ويرضى بالظلم مثل اللص بالسرقة.

        ولهذا ذاك الرائي للافكار لم يلقب هولاء الذين يشترون ويبيعون بلقب آخر سوى باسم اللصوص، ولهذا فقد طردهم من هيكله مثل اللصوص وليس مثل المتحايلين على بعضهم بعضا. بهولاء كان يحتقر الكهنة، وكان يوبخ عارفي الناموس، وكان يقرف الذين يهينون بيت المقدس، وكان يثبت الحقيقة بكلماته (المأخوذة) من انبياء ابيه.

 

 

اليهود حسدوا المسيح وارادوا ان يبطلوا حسناته

        لما شاهد المرذولون غيرة العزيز، وتوبيخه العلني، وكلمته السامية، وتعليمه الواضح، وصوت السعانين الذي يُسمع من الشباب، وضجة التسبيح التي تصدر بقوة من الصبيان، نبح فيهم الحسد لكي يعطلوا العمل الحسن. لم يطب لهم التسبيح الذي كان يُسمع من فم الصبيان. /606/ (94) كان المسبحون يقولون: مبارك الذي اتى باسم الرب.[76] الصالبون كانوا يبغضون الرب، ولهذا لم يكونوا يحبون ذلك الآتي باسمه.

        اتيتُ انا باسم ابي ولم تقبلوني، ولو اتى آخر باسم نفسه تقبلون ذلك.[77] واذ كان يُبارك الابن، ويُسبح اسم ابيه، حسد رؤساء الشعب هولاء الذين كانوا يبغضون الآب والغاضبين من الابن فارادوا ان يسكتوا صوت المسبحين الجميل الذين يباركون الابن ويكرمون اسم ابيه بمجيئه.

 

اشار اليهود ان يُسكت يسوع الصبيان من التهليل

        اقتربوا عند ربنا وهم يقولون: الا تسمع ما يقول هولاء.؟ قال لهم: اسمع. الم تقرأوا قط في الانبياء بان تسبيح الرب استقام من فم الشباب والصبيان.؟[78] كان يجمل به وهو يبين لهم بان طريق وحيه مهدها الانبياء،[79] وهو يسير حسب المواعيد التي وضعها ابوه وهو يتفق مع ارادة والده المجيد.

 

لو سكت الصبيان لنطقت الحجارة

        قالوا له: قل لهم ان يسكتوا. قال: لو يسكت هولاء ستصرخ الحجارة.[80] هنا ربنا لم يبالغ في كلامه ولم يشأ ان يتكلم ضد اليهود لكنه ابان مثل العارف ما كان سيحدث لو سكت المسبحون اثناء دخوله الى اورشليم. كان يلزمه التسبيح اثناء ذلك الدخول. لم يسمح بعدم تسبيحه إما من قبل الناطقين وإما من قبل الصامتين. ولما وجد جمع الصبيان والتلاميذ الذين يعطون الجزية للملك اللازمة لجمال تواضعه نال منهم التسبيح، ولم يطالب الطبائع الصماء لتسبح لان فوج الصبيان حل محل جميع المسبحين. [81]

 

 

يعقوب يتكلم

        انا سمعتُ (وفهمتُ) هكذا: لو سكت هولاء لصرخت الحجارة، وكاني الآن انصت باذنيّ صوت صرخة الحجارة /608/ (96) التي اصغي اليها كرعد عظيم.[82] لو لم يخطف الصبيان بجسارتهم تسبيح الناطقين لكي يتكلم الناطقون ولئلا تصرخ الحجارة. انا لا احتاج الى برهان آخر مع كلمة ربنا لصحة هذه (الامور)، لكني صدقتُ كما قال: لو سكت الصبيان لكانت الحجارة تصرخ.

 

فعلاً نطقت الحجارة أي الطبيعة الصماء لما صُلب المسيح

        اما بالنسبة اليك، لو تحتاج الى برهان فاركض الى الصليب حيث سكت هناك المسبحون، وهرب التلاميذ واغلق الناطقون افواههم لئلا يباركوا بالسعانين، وكيف طُلب حالا (من) الطبائع الخرساء ان تحل محل المسبحين. ولو كان الصبيان قد سكتوا لكانت تصرخ الحجارة، ولو كان صوت السعانين صامتا لكان يُسمع صوت القبور والصخور التي تتفطر،[83] ولو لم توجد الاغصان لتنزل من قمة الاشجار لكانت تُربط اشعة الشمس في قمة الفلك لئلا تسير الشمس بوضوح وهي تنظر الى ربها عاريا.[84] هذه الامور التي حدثت عند الصليب من قبل البرايا الخرساء هي برهان لك لو تطلب البرهان: فلو سكت الصبيان من التسبيح لكانت الحجارة تصرخ التسبيح كما قال الصادق للكذابين.

        اذاً لنسبح ليس باكراه لئلا تحل الحجارة الصماء محلنا، ولنقل بدون هدوء: اوشعنا في الاعالي، مبارك الذي اتى باسم الرب.[85]

 

الخاتمة

        له التسبيح ولابيه السجود وللروح القدس التعظيم الى ابد الابدين آمين.

 

 

[1] – نفس الانسان الطاهرة ترى الخفايا لو انقشعت عنها الظلمة التي تعميها. انظر، رسالة/9، انظر، ميمره 88، 118

[2] – 1قورنثية 9/19-22. ملفاننا يؤكد على اهمية “مبدأ التشابه” في حقل المعرفة والتفسير

[3] – يوحنا 17/3

[4] – مزمور 115/11

[5] – اشعيا 53/3

[6] – متى 11/29

[7] – زكريا 9/10

[8] – ارميا 22/3-4

[9] – 1ملوك 1/33

[10] – دانيال 7/13، متى 24/30

[11] – مزمور 18/11، 130/1

[12] – تكوين 3/19

[13] – اشعيا 53/4، 11، 2قورنثية 5/21

[14] – متى 3/17

[15] – اشعيا 28/5؟

[16] – دانيال 2/44

[17] – مزمور 44/6

[18] – مزمور 102/27

[19] – تكوين 49/10

[20] – دانيال 2/44

[21] -تكوين 49/10

[22] – مزمور 44/6

[23] – لوقا 1/27

[24] – فيليبي 2/7

[25] – اشعيا 43/10

[26] – اشعيا 44/6، رؤيا 1/17

[27] – عبرانيون 13/8

[28] – متى 21/1

[29] – مزمور 117/26، متى 21/9

[30] – يوحنا 12/13

[31] – مزمور 8/3

[32] – زكريا 9/9

[33] – صفنيا 3/14-15

[34] – اشعيا 51/9

[35] – متى 25/1

[36] – خروج 32/1-6

[37] – اعمال 7/43، عاموص 5/26

[38] – عاموص 5/26

[39] – 2 أيام 13/8

[40] – اشعيا 60/1

[41] – تكوين 31/34

[42] – تثنية 32/2

[43] – خروج 19/18

[44] – متى 21/38، عبرانيون 1/2

[45] – ارميا 2/2

[46] – متى 21/10

[47] – متى 21/10

[48] – لوقا 19/41

[49] – متى 21/10

[50] – تكوين 49/10

[51] – عدد 24/17

[52] – تكوين 49/11، مزمور 80/8

[53] – تكوين 49/10

[54] – تكوين 49/10

[55] – زكريا 9/9

[56] – اشعيا 53/3

[57] – مزمور 80/8

[58] – تكوين 28/13-15، تكوين 49

[59] – زكريا 9/9

[60] – متى 21/10

[61] – متى 21/33-38

[62] – متى 21/12

[63] – متى 21/10

[64] – يوحنا 4/17

[65] – خروج 34/29

[66] – خروج 28، لاويون 8-10

[67] – 2صموئيل 6/14

[68] – زكريا 9/9

[69] – مزمور 68/10، يوحنا 2/17

[70] – يوحنا 2/15

[71] – اشعيا 56/7، ارميا 7/11، متى 21/13

[72] – مزمور 2/2

[73] – اشعيا 42/14، متى 27/39

[74] – اشعيا 56/7

[75] – يوحنا 13/20

[76] – مزمور 117/26، متى 21/9

[77] – يوحنا 5/43

[78] – متى 21/16

[79] – متى 3/3، اشعيا 40/3

[80] – لوقا 19/40

[81] – انظر، ميمره 53 على الصلب

[82] – يوحنا 12/30

[83] – متى 27/51

[84] – متى 27/46

[85] – مزمور 117/26، متى 21/9