الميمر 137 ( ا ) على المتوحدين

الميمر 137

 

        بتعليم ابن الله استنارت البرايا ليرى العالم درب الحياة ويمشي فيه، كلمته جُعلت سراجا عظيما لجميع المتميزين، ومنها يصدر نور عظيم في سبلهم، انه الطريق والنور والحياة لمن يمشي فيه، ومن يخرج خارجا عنه يجد التيه، يمشي في ربنا من يريد ان يرى اباه، ويسير فيه الى ان يصل عند والده.

        الحية نفخت في امّ الاجناس من شجرة المعرفة وبدأت حواء تنفخ الموت في آدم.

        الله هو حياة البشر كما ان الماء هو موضع حياة السمكة فكن سمكة وعش في بحر الله: هوذا الحياة مخفية لك ومحفوظة في الله، ادخل واخرِج لك منه حياةً بدون نهاية، نسمة الماء تحيي السمكة، ولو تصعد السمكة الى اليابسة تموت، في ابن الله يوجد الروح المحيي للجنس البشري ومن يخرج منه يهلك، اسبَحْ فيه روحيا كما في البحر العظيم، فلو تجتازه (تجد) موتا مليئا ويلات، استنشقه وعش لانك لا تحيا الا به، ليكن لك ماء وانت فيه سمكة ترعى الحياة.

        الرب يجرب المتوحد، كما يحجب الطبيب الماء عن المريض: لو يسمح ان تصير محتاجا وعاريا، فقد خزن وحفظ لك لباس النور للعالم الآخر، لا تخَف وتتذمر ابدا من المعاملة السيئة فهو لا يؤنبك لانه يبغضك بل لانه يحبك كثيرا، لو يحجب الطبيب (الماء) البارد عمن هو مريض فهو لا يعطيها له لانه معني بصحته، يحجبها عنه لانه يحبه ليصير معافى في كل الفرص ولئلا يتحول مرضه الى مرض اسوأ.

        كل جمال المتوحد هو الفقر فلو اغتنى انتقص ولن يوجد بعدُ جماله، الثوب الجميل هو عري له لو هو متميز، والخبز الزائد حرمه من المبيت على الرجاء، لو وُجد الكيس فقد فرغ من الاتكال، (ولو) خزن الدينارَ غادر المسيح منزله، (ولو) اهتم بالغد فقد حمل شرا اعظم منه، (ولو) فكر بماذا يلبس داس الوصية التي كانت تحييه، (ولو) باع او اشترى، يطرده ربنا بسياط الحبل من عِداد المتوحدين.

        المتوحد ليس ابن الليل حتى يضل بالاحلام وبامور غير حقيقية، نوره موجود فيه ولا يخضع للظلمة، وهو مستيقظ في الله وحلم الليل لا يضلّه.

        حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك: القلب لا يترك الكنز ولا يبتعد عنه، انه يقوم هناك ويحرسه حيثما وُجد، فلو هو في الارض فالقلب يسكن معه في الارض، ولو هو في السماء فهو عنده ولا يتركه، من له كنز روحي فوق في السماء، لا يخضع قلبه لينزل ويتيه على الارض، اذا ابتعد القلب عنه يقع هو ايضا، لانه لا يمكن ان يظل الكنز بلا حراس.

        لتكن امرأة لوط مثالا لجميع المتميزين لئلا يعودوا ليروا العالم بمحبة، ربنا ايضا جلبها ووضعها امام التلاميذ ليتذكروا ماذا حدث لها، لكونها التفتت لترى البلد الذي خرجت منه، ربطها الغضب في البلد وقوصصت معه، المراحم اخرجتها لتنقذها من الحريق، ولان فكرها لم يخرج معها لم تنجُ، لما خرجت كان قلبها قد ظل في مسكن سدوم، لوط كان حكيما فاسرع المسيرة لما كان يهرب، ولهذا لم يدركه الشر الذي صدر.

        العالم-سدوم، وصاعار-قلاية المتوحد: لتكن صاعار مسكنا هادئا وتخلص من شرور العالم الشرير كما لو كان من النار، سدوم كانت كبيرة وصاعار صغيرة جدا، لكن ذاك البار وجد الحياة في صاعار.

        على التلميذ ان يترك العالم ويناجي الرب بالصلوات اليومية: ها انك تملك لذات روحية ومليئة تطويبات فسمّن نفسَك روحيا كل يوم، الانبياء الذين تكلموا عن الخفايا (هم) ابناء عِشرتك، والرسل الذين كرزوا الايحاءات متكئون معك، انك تتلذذ كل يوم بمزامير الروح من قيثارة داؤد الذي يغنّي لك، حياتك منسوجة على التعاليم الالهية، ونفسك ترعى في فردوس الحياة المنطقي، صلاتك في اذنيه وقلبك عنده ومسكنك معه، ولو لم تتركه يكون كله معك كل يوم.

        المحبة الاخوية: بِتْ ايها المتميز على الرجاء وقِف على الاتكال ونم في الله ولن تزعجك الاحلام الشريرة، هل اقلقك اخوك،؟ انظر الى الله وها قد صفيتَ، هل صادفتك معركة،؟ ادعُ لنجدتك ذلك الذي جُرب، هل صادفتك اهانة،؟ فكّر بان ربك ايضا أُهين، الصليب معلمك، لماذا تتزاحم على الكرامة.؟

        حياة التقشف: هل صادفك الجوع،؟ انظر الى التلاميذ الذين جاعوا وفركوا السنابل وكان معهم مقيت الكل، لو لم تفرغ نفسك من الاتكال فانه لا يجوّعك الا متى ما (اراد ان) ينصرَكَ، (ولو) حجب قوْتَك (غايته هي) ان يقويك لو تراخيتَ او ليبيّن بان النقصان لا يضايقك، او ينظر اليك ويحجب عنك (امورا) زمنية لانك كامل، او يراك ناقصا من الاتكال فيؤدّبك، خَف من الشبع لانك تكتسب به حياة متمردة، وافرح بالجوع لان جناح النفس يتشدد به، النسر يثقل جناحه بالشبع لئلا يرتفع الى قمة الهواء ما لم يُفرغ منه ثقلَه، النفس ايضا تثقل ثقلا بالزائد، ولهذا افرح ايها المتميز بالحرمان.

– المخطوطات: اوكسفورد 135 ورقة 131؛ باريس 197 ورقة 79؛ لندن 17262 ورقة 208

– يرد في البداية اسم القديس مار يعقوب وفي النهاية اسم مار يعقوب . لا يستعمل السروجي في المقدمة الاسلوب الشخصي. الميمر كله نصائح رهبانية موجهة الى احد التلاميذ الذي يرشده ملفاننا لكي يترك الاهتمام والعالم الشرير الشبيه بايريحا ويلتجيء الى صاعار-الصومعة حيث يجد الراحة. الجوع يكسب النفس جناحين لتطير على مثال النسر الذي يرتفع الى قمة الهواء متى ما لا يثقل جسمه بالشبع. هل مارس السروجي الحياة النسكية؟ لا نستغرب من تصوفه. فعلا ان حياته هي حياة تقشف وتعليم وتجرد على مثال المتوحدين الذين يحبهم وينصحهم وويعتبر نفسه عضوا بينهم ويعلمهم. انظر، رسالة/8، 11،13، 14، 16، 17، 21، 22، 27، 38،39، 40، 4؟). قد يرقى تاريخ تاليف هذا الميمر البديع الى فترة نضوج السروجي في الحياة الروحية والفكرية اي الى حوالي سنة 500-510م

 

 

ايضا للقديس مار يعقوب

الميمر 137

( ا ) على المتوحدين[1]

 

المقدمة

 

1 بتعليم ابن الله [ استنارت[2] البرايا ليرى العالم درب الحياة ويمشي فيه،

2 كلمته جُعلت سراجا [ عظيما] لجميع المتميزين، [ومنها[3] يصدر نور عظيم في سبلهم،

3 انه الطريق [ والنور والحياة[4] لمن يمشي فيه، ومن يخرج خارجا عنه يجد التيه،

4 يمشي في ربنا من يريد ان يرى اباه، ويسير فيه الى ان يصل [ عند[5] والده،

5 انه الباب الذي فيه يدخل المرء عند العظمة، ومنه تصدر الكنوز ليثري العالم كله،[6]

6 انه الغنى الذي لا يمتطي العجلات حتى ينتقل لكنه واقف كالعمود ولا يتغير،

7 انه الكنز العظيم وخارجه يوجد الفقر، وكل واحد ليس غنيا فيه هو ناقص ومعوز،[7]

8 /819/ الذهب ثقلٌ واكبال وسلاسل لمن يقتنيه وهو رباط عظيم وفي نهايته المشنقة،[8]

9 الغنى الحقيقي هو لما تكون النفس مختلطة في الله ومليئة منه روحيا بتطويبات خفية،

10 كل كنوز جميع ملوك كل لارض هي اقل بكثير ممن هو متكل على الله،

11 الغنى هو سند قصبة مرضوضة ومن يتكل عليه يثقب [ يده[9] ولا يسنده او يحمله،

12 من هو متكل على الله لا يقع ابدا لكن رجاءه ابدي وهو بدون تغيير،

13 هوذا الله الغنى والكنز والخزينة المليئة، هلموا ايها المحتاجون وسدوا منه احتياجاتكم،

14 من يموت لا يحتاج الى شيء الا [ ليحيا، فمن[10] لهم الحياة الجديدة يلتصقون به.

 

 

الانسان يعيش سابحا في الله كالسمكة في البحر

15 ايها المائتون انكم تحتاجون فقط الى الحياة، اسرعوا الخطى وراء هذه (الحياة) لتقتنوها،

16 هوذا الحياة مخفية لك ومحفوظة في الله، ادخل واخرِج لك منه حياةً بدون نهاية،

17 نسمة الماء تحيي السمكة، ولو تصعد السمكة الى اليابسة تجتاز حدودا كان يحييها،

18 في ابن الله يوجد [ الروح[11] المحيي /820/ للجنس البشري ومن يخرج منه يهلك،

19 اسبَحْ فيه روحيا كما في بحر عظيم، فلو تعبر عنه (تجد) الموت المليء بالويلات،

20 استنشقه وعش لانك لا تحيا الا به، ليكن لك ماء وانت فيه سمكة ترعى الحياة.

 

الحية نفخت الموت في امّ الاحياء ونفخته حواء في آدم

21 ريح العالم تنفخ الموت بمن يستنشقها، فتحركها الشهوة لتهبّ جسديا،

22 الحية نفخت في امّ الاجناس من شجرة المعرفة وبدأت تنفخ الموت في آدم.[12]

 

العالم شهي لكنه قتّال ايضا

23 العالم الشهي هو شهي للنظر وبهي للعيون ومليء موتا، لانه يُنزل من يحبه الى الشيول،[13]

24 تكوّن جمال لحواء بنظرها الى تلك الشجرة لكنها قطفت من ثمرتها الموت لانها احبتها،[14]

25 ومن [ بعدها[15] كل بهاء العالم هو موت لان الجمال يقتل قتلا من يشتهيه،

26 الغنى مزين من شجرة المعرفة البهية المنظر ليصير ثروة لمن يقتنيه.

 

لا تهتموا..المقتنى هو ثمرة شجرة المعرفة (متى 6/25، 34؛ 10/19)

27 مقتنى العالم هو تلك الثمرة القاتلة ومن لا يقتني في العالم شيئا لا [ يذوقها،[16]

28 منه ينبع الهمّ للزوائد ويبعد عنه عدم الاهتمام كما أُمر،[17]

29 /821/ بواسطة تلك الوصية الروحية: لا يهتم احد، يبتعد من تلك الثمرة التي تخنق من يقطفها،

30 ربنا مهّد دربا لرسله فوق الموت، ولا تهتموا: يعني قوله: لا تختنقوا،

 

31 [ الهمّ شر ومشنقة للنفس، لا تختنقوا،[18] اتركوا الشر الذي تحملونه،

32 وان يهتم احد بنهار واحد [ فهذا شر ايضا[19] وكان من الافضل بالا يهتم بكل النهار،

33 ربنا اخذ من التلاميذ حتى همّ النهار لانه دعاه ايضا شرا بوضوح،

34 لم يعطِ لرسله وصية بخصوص هذا الهمّ، لكنه تركه بدون ناموس،

35 علّم بالا تهتموا بالغد لما كان ينظر (اليهم)، لئلا يهتموا كل النهار مثل الناقصين،

36 اهان الهمَّ وسماه شرا امامهم ليفهموا باسمه كم انه بغيض،

37 ولياتوا بارادتهم الى الكمال لئلا يهتموا جسديا كل النهار،

38 النفس المليئة اتكالا الهيا لا مجال للهمّ ان يدخل ويقترن بها،

39 لو صدقتَ رجاءه لا توجد فرصة لتهتم /822/ ولو فرغت من وصيته لخنقك الهمّ،

40 لا يهتم احد لو كان اتكاله موضوعا في الرب، لان الرب غنى وهو مليء خيرات بدون همّ،

41 انه مؤونة عظمى، ومن يقتنيه يدوس الهمّ ولا يحتاج احد ليهتم حيثما وُجد،

42 [ لو تملك شيئا، فما[20] تملكه ليس مُلكك، واذ ليس مُلكك فانت معوز حتى لما تهتم،

43 لو وُجد الهمّ معك، مَن يقيتك ما دام معك،؟ هل هذا يعود اليه او هل انت انشط من الله.؟

 

هل يقدر المهتمّ ان يضيف ذراعا الى قامته؟ (متى 6/27)

44 انصت الى تعليمه وانظر الى دقة فعله لانه يعطيك كل ما هو ضروري دون ان تهتم،

45 من يقدر ان يربي قامته ويضيف اليها ذراعا بنشاطه،؟ او هل يقدر ان يطيلها باهتمامه،؟

46 برهن بهذا بان من يعتني بتربية القامات هو يسدّ احتياجاتها،

47 من الذي يحيي هو الذي يقيت من يحييه، فالحياة هي اصلح من القوت، وهو الذي اعطاها،

48 ذاك الذي يربي هو يكسو ولا يعود اليك ان تحمل الهمّ لتكسو القامات التي ربّاها.

 

انظروا الى زنابق الحقول (متى 6/28-30)

49 لا ينقصه الكساء ليعطيه لماذا تهتم،؟ ولو لم يعطِ فانه يحب محبة ويجعلك تنتصر،؟

50 ها قد وضع لك الزنابق كالبرهان، واذ لا تغزل البسها ثيابا مجيدة،

51 اعطى لاعشاب الجبال ثوبا ومجدا عظيما لئلا يتباهى الملك الذي [ يلبس[21] لونا بهيا،

52 سليمان [ المظفر] بين الملوك لم يرتدِ في كل مجده كالزنابق في [ زينتها،[22]

 

53 ثوب الملك يصير بالهمّ وبالخسارة، (وثوب) الزنابق التي لا تهتم هو اجود منه،

54 لما يبسط الملوك زركشة على ثيابهم، عشب الجبل الذي ليس بشيء هو اجمل منها،

55 وبالرغم من ذلك الهمّ العظيم والتعب القاسي لا يصورون الجمال الموجود على الزنابق،

56 يغطسون في البحر ليصعدوا دم الحلزونات، وفي اليابسة يتعبون ويصبغون الالوان المليئة عجبا،

57 ولما يُزين ثوب الملك في كل مجده، وردة واحدة تحتقر لونه الذي هو لا شيء،

58 يمدّ الشوك زهرة الورد ولو يقطفها الملك يتعجب بلونها وبرائحتها وببهائها،

59 لا يوجد لها شبيه في تاجه ولا في لباسه، ولو هو حكيم يتعلم منها بالا يهتمّ،

60 يذبل الزهر ليحتقر من يحب الثياب، /824/ ويعلّمه بان الكل يفسد فلماذا تهتمّ،؟

61 ييبس الزهر ويذبل العشب ويصوّر نمطا: هكذا سيتناثر جمال العالم كالزهرة،[23]

62 الالبسة والثياب وكل زركشات جميع الملوك ليست جميلة كالزنابق باللون [السامي،[24]

63 انها لا تهتم ويلبسها ذاك الذي يجمّل الكل زينة بهية ليزيد احتقارا لمَن يهتمّ،

64 انهم يفسدون ويتناثر جمال ثيابهم ليتعلم العالم بواسطتهم كيف يزول هو ايضا.

 

مسكن العالم مصور بالعشب

65 مسكن العالم مصوّر بالعشب من قبل الله، وبه يعلمنا كيف يذبل كل جماله،[25]

66 تلبس الجبال حلّة المجد وهي لا تتعب لتعطي للمهتمين هدوءا في اعمالهم،

67 واذ يُلبس هكذا العشبَ الذي يسقط في التنور، فانه لن يتركك انت بلا كساء.[26]

 

يحرم الله من بعض الامور مثل الطبيب الذي يحجب الماء عن المريض

68 ولو يسمح ان تصير محتاجا وعاريا، فقد خزن وحفظ لك لباس النور للعالم الآخر،

69 لا تخَف وتتذمر ابدا من المعاملة السيئة، لا يؤنبك لانه يبغضك بل لانه يحبك كثيرا،

70 لو يحجب الطبيب (الماء) البارد عمن هو مريض، فهو لا يعطيه لانه معني بصحته،

71 /825/ يحجبها عنه لانه يحبه ليكون معافى في كل الاحوال ولئلا يتبدل الى مرض اسوأ،

72 يعطش المريض ليشرب الماء ولا يعطونه لان مراحم الطبيب معنية بصحته كل يوم،

73 الله هو طبيب كل النفوس الخفي، ويريد كل يوم ان يشفي الكل بمحبته،

74 واذ يحجب لباسا زمنيا او قوتا، فانه ينظر الى فائدتك ولو كنت متميزا عليك ان تقبل.

 

فقر المتوحدين هو جمالهم

75 كل جمال المتوحد هو الفقر، فلو اغتنى انتقص ولن يوجد بعدُ جماله،

76 الثوب الجميل [ هو عري[27] له لو هو متميز، والخبز الزائد حرمه من المبيت على الرجاء،

77 لو وُجد الكيس فقد فرغ من الاتكال، (ولو) خزن الدينارَ غادر المسيح منزله،

78 (ولو) اهتم بالغد فقد حمل شرا اعظم منه، (ولو) فكر ماذا يلبس [ داس[28] الوصية التي كانت تحييه،

79 (ولو) باع او اشترى يطرده ربنا بسياط الحبل من عِداد المتوحدين،[29]

80 (ولو) اشتهى المقتنى صار غريبا عن المواعيد، (ولو) لقّب اخاه [ بالاحمق[30] اذنب في المحكمة،

81 المتوحد لا يبغض ابدا من يبغضه، /826/ ولهذا ارسله الى العالم ليلبس محبة الابن،

82 لا يتنازل ليقتني العالم لانه يملك غنى خفيا لا يشبهه كنز الملوك،

83 يطلب ما هو فوق ولا يفكر الا بما هو فوق، ويقبل هذه الامور الموجودة هنا على مضض،[31]

84 ما دام يوجد عالم آخر ينتظره فانه يحتقر العالمَ لان نفسه تنظر الى عالمه،

85 يوجد الغنى فوق، وهناك يوجد الفقر والامور الموجودة هنا ليست [ بجميلة،[32]

86 هذا العالم هو عشب وحشيش وزهرة وورقة تتناثر ووردة تذبل ويزول جماله،

87 ولهذا يهرب منه المتوحدون لئلا يضلوا بجماله المستعار الذي لا يدوم،

88 يشبه الحلمَ ويطير مثل رؤيا الليل، والضلالة [ ملقاة[33] على احبائه كما لو كان في السبات.

 

ربنا نور للمتوحدين لئلا يعثروا

89 المتوحد ليس ابن الليل لو هو متميزحتى يضل بالاحلام وبامور غير حقيقية،

90 نوره موجود فيه ولا يخضع للظلمة، وهو مستيقظ في الله وحلم الليل لا يضلّه،

91 محب العالم طريقه ممهدة على العثرات، ويمشي في الظلمة ولا [ يصادفه[34] الهدوء،

92 /827/ هوذا ربنا نهار عظيم لمن يصادفه، فهو يساوي الهضاب ويمهّد الدرب امام السائرين.

 

 

رمد العين يحرم من رؤيا النور

93 منه تستنير النفس لتسلك بدون عثرات في طريق مليئة امانا عظيما الى موضع الآب،

94 الاعمى لا يقدر ان يعرف ويميز الالوان لانه ناقص النور ومحروم من رؤية الجمال،

95 محبة العالم تعمي الناس ولا يقدرون ان يروا هذا الجمال الخفي الموجود في العالم الجديد،

96 الرمد يعطل ضوء العين ولا توجد فرصة لترى جيدا بسبب المرض الذي يقلقها،[35]

97 ولو انشطرت النفس بالهمّ اظلم تفكيرها لتصير كليلةً ولا ترى نور العلى،

98 لو نظرت النفس الى العلى ستنفتح لقبول الغنى العظيم من الجوهر الذي لا يضطرب،

99 لو ادارت قليلا نظرها عن العالم خطفتها امواج ضياء الآب لترعى في جماله الروحي،

100 كلما غض العقل الطرف عن الارض وامورها يستريح فوق حيث يحل الثالوث،

101 لو يهرب من محبة العالم يقترب ليصير [ رفيقا[36] لمعسكر السماويين،

102 لو تحرر من عبودية العالم الشرير /828/ صعد ليملك في موضع مجيد بدون متالمين،

103 لو بدأ يدبر العالمَ مثل المهتم، قذفه العلى ونزل ليرعى مع الحيوانات.

 

حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك (متى 6/21)

104 ولهذا أُمر الفعلة الروحيون ان يطلبوا ما هو فوق لئلا يُمسكوا بالارضيات،

105 علّمهم بالا يخزنوا كنزا على الارض لئلا يُطمر القلب مع الكنز في تراب الارض،

106 امرهم (قائلا): [ اكنزوا[37] كنوزكم فوق في السماء ليصعد القلب بحجة الكنز الى موضعه العالي،

107 القلب لا يترك الكنز ولا يبتعد عنه، انه يقوم هناك ويحرسه حيثما وُجد،

108 لو هو في الارض فالقلب يسكن معه في الارض، ولو هو في السماء فهو عنده ولا يتركه،[38]

109 من له كنز روحي فوق في السماء، لا يخضع قلبه لينزل ويتيه على الارض،

110 لو ابتعد القلب عنه يقع هو ايضا، لانه لا يمكن ان يظل الكنز بلا حراس،

111 من ارسل كنزه الى العلى عند الله، [ يترك قلبه هناك في نفس الموضع ويحرسه،

112 كلما كان القلب في العلى عند الله،[39] كنزه محروس لئلا يُسلب من قبل السراق،

113 /829/ كلما تنظر النفس الى الله فهي مليئة نورا، ولو عادت لتنظر الى العالم احاطت بها الظلمة.

 

 

امرأة لوط مثال للمتوحدين (لوقا 17/32)

114 لتكن امرأة لوط مثالا لجميع المتميزين لئلا يعودوا ليروا العالم بمحبة،[40]

115 ربنا ايضا جلبها ووضعها امام التلاميذ ليتذكروا ماذا حدث لها،

116 لما التفتت لترى البلد الذي خرجت منه، ربطها الغضب في البلد وقوصصت معه،

117 المراحم اخرجتها لتنقذها من الحريق، واذ لم يخرج فكرها معها فانها لم تنجُ،

118 لما خرجت كان قلبها قد ظل في مسكن سدوم، ولهذا ظلت ايضا هناك لتصير مثالا،

119 لمن يترك العالمَ ويهرب من شروره لئلا يعيد نفسه (اليه) ويراه بمحبة،

120 من شلحه لا يلبسن الهمّ منه، لئلا يقف في المحكمة عاريا،

121 من يغتسل من الميت ويقترب اليه ايضا، ماذا انتفع بغسله منه ثم تدنس،؟[41]

122 [ من ترك العالم وهرب من اموره، لو امرها حالا (ليقتنيها) فانه لم يتركه،[42]

123 /830/ هرب ليهرب، وترك لعالم لماذا يهتم به،؟ لينجُ مثل لوط ولا يُقاصص بغضب مثل امرأته،

124 ولهذا قال ربنا: ليذكروها حتى يعرفوا بان الغضب داهمها لانها التفتت،

125 وليخافوا من العودة من عند ربنا لئلا يُحتقروا في العالم الشرير مثل امرأة لوط،

126 لوط كان حكيما فاسرع المسيرة لما كان يهرب، ولهذا لم يدركه الشر الذي صدر،

127 كان يبغض البلد الشرير واموره [ ولما كان ذاك البار يهرب[43] لم يلتفت ليراه،

128 اجتاز سدوم بركض سريع لما خرج ولم يوقفه الغضب الذي [ قَلَبَ[44] المدنسة،

129 منذ وجوده فيها كان كأنه لم يوجد فيها لما تركها، ولم يدِر وجهه اليها لانه كان يبغضها،

130 وصار نمطا لمن يترك العالم الشرير لكي [ يبغضه[45] مثل ذلك (الذي ابغض) سدوم لما كان يهرب،

131 نظر الى امورها وهرب قلبه من شرورها، والغضب الصادر عليها صار سببا لينجو منها،

132 [ واذ كان قلبه يهرب منها[46] لما خرج، لم يشأ ان يتفرج عليها لما كانت تُدمر،

133 /831/ وعلّم [ كيف] يترك العالمَ مَن يتركه، [ ولا[47] ينظر اليه حتى لو احترق بافعاله،

134 ولما التفتت زوجته لترى سدوم، صارت عمود ملح لتحتقر تفاهتها،[48]

 

135 [ لو لم[49] يظل قلبها هناك عندما خرجت، لما التفتت الى الحريق (بعكس) بعلها،

136 تالمت الما على الامور التي تركتها، وكان قلبها مرتبطا بالمقتنى الذي تركته هناك،

137 ولهذا التفتت وهي حزينة، فقطعها الغضب وافسدها هي ومقتناها،

138 وصارت مثالا للمتوحدين ابناء الملكوت ليذكروها ولا يُعرقلوا بالمصنوعات،

139 ولو تركوا المقتنى في العالم لا ينظروا اليه لئلا يُحتقروا مثل امرأة لوط من قبل المقتنى.[50]

 

سدوم رمز العالم، صاعار رمز مسكن المتوحدين

140 تركتَ العالم [ فاتركه[51] واهرب مثل متميز، وتشبه بلوط واذكر امرأته وما حدث لها،

141 هوذا دخان العالم يتصاعد من شروره، لا تنظر اليه [ لو تركته[52] لكي تغادره،

142 [ لو لم تكن فيه لستَ قريبا (اليه) لماذا[53] تنظر اليه /832/ حتى ترى فيه خيراته او شروره،؟

143 يحدق النظر ويحزن [ فاتركه]، ولئلا [ يحترق[54] لا تنظر اليه لئلا تعمى بدخانه،

144 انه ماكر وكذاب ومليء ويلات واضرارا سيئة، انت ما لك وله لما تركته لتغادره،؟

145 لتكن صاعار مسكنا هادئا وتخلص من شرور العالم الشرير كما لو كان من النار،[55]

146 سدوم كانت كبيرة وصاعار صغيرة جدا، لكن ذاك البار وجد الحياة في صاعار،

147 العالم كبير، ومسكن المتوحدين صغير وفيه توجد حياة النفس لمن يحبه،

148 كم كانت ارض سدوم بهية وشهية، وفيها الشراب والانهار وهي مليئة جمالا،

149 سدوم على اكمة، وصاعار صغيرة على قمة جبل، وغلبت تلك الصغيرة المحصنةَ في الحياة،

150 مسكن المتوحدين فارغ من الملذات، والعالم يشبه بلد سدوم الذي كان محصنا،

151 سرى الحريق من قبل العدالة الى الخصب، وصاعار اعطت الحياة للعادل ونجا،

152 قبر الملوك المليء جثثا لا يشبه البيت الموجود فيه الفقر والموجودة الحياة فيه،[56]

153 /833/ اي بلد كان يحب لوط مثل متميز: أسدوم العظيمة ام صاعار القرية الصغيرة،؟

154 من المخصبة فاحت عليه رائحة الموت وهرب، واحب صاعار لانه وجد فيها الحياة،

155 كان متميزا وعرف الى اي بلد يهرب: الى (البلد) الحقير الذي يحيي ولا الى البلد الذي فيه الموت.

 

دعوة التلميذ الى ترك العالم

156 وانت ايها التلميذ الذي خرج وراء الحياة الجديدة اختر لك موضعا وعش روحيا مثل لوط،

157 ولو كان البلد جميلا ومليئا موتا، اترك هذا كما (ترك) لوط سدوم لما هرب،

158 لو صادفك عش مجوف ويقدر ان يحييك، توجه اليه واحبب مسكنه الهاديء،

159 باب العالم عال وعظيم ومليء جمالا وبهية زركشاته لكنه يقود الى جهنم،

160 المسكن الفارغ والجائع والمحتاج الى النعمة والفقير كل يوم (هو اهمّ) لانه يؤدي الى الله،

161 العالم المليء جمالا هو جميل ونهايته هي الموت ويعطي كل يوم الويل والضيق لمن يحبه،

162 ماذا استفاد الغني الذي استراح فيه، ثم ذهب وورث حفرة النار المليئة ويلات،؟[57]

163 اهرب من العالم كما هرب لوط من الحريق، واترك فيه كل ما تملكه وانتقل منه،

164 /834/ ها انك تملك لذات روحية ومليئة تطويبات فسمّن نفسَك روحيا كل يوم،

165 الانبياء الذين تكلموا عن الخفايا (هم) ابناء عِشرتك، والرسل الذين كرزوا الايحاءات متكئون معك،

166 انك تتلذذ كل يوم بمزامير الروح من قيثارة داؤد الذي يغنّي لك،[58]

167 حياتك منسوجة على التعاليم الالهية، ونفسك ترعى في فردوس الحياة المنطقي،

168 انت حالّ كل يوم على المياه الهادئة في مروج البأس، الرب [ راعيك[59] ويدبرك بدون همّ،

169 صلاتك في اذنيه، وقلبك عنده، ومسكنك معه، ولو لا تتركه يكون كله معك كل يوم.

 

ليكن الله كل شيء لك

170 ايها الحكيم ضع كل ما لك داخل نفسك، ولا تقتنِ شيئا في العالم خارجا عنك،

171 بِتْ ايها المتميز على الرجاء وقِف على الاتكال ونم في الله ولن تزعجك الاحلام الشريرة،

172 هل اقلقك اخوك،؟ انظر الى الله وها قد صفيتَ، هل صادفتك معركة،؟ ادعُ لنجدتك ذلك الذي جُرب،[60]

173 هل صادفتك اهانة،؟ فكّر بان ربك ايضا أُهين، الصليب معلمك، لماذا تتزاحم على الكرامة.؟

 

 

النسر يثقل بالطعام، وجناح النفس يتشدد بالجوع

174 /835/ هل صادفك الجوع،؟ انظر الى التلاميذ الذين جاعوا وفركوا السنابل وكان معهم مقيت الكل،[61]

175 لو لم تفرغ نفسك من الاتكال فانه لا يجوّعك الا حيثما (اراد ان) ينصرَكَ،

176 يحجب قوْتَك لكي يقويك لانك تراخيتَ، او ليبيّن بان النقصان لا يضايقك،

177 او ينظر اليك ويحجب عنك (امورا) زمنية لانك كامل، او يراك ناقصا من الاتكال فيؤدّبك،

178 لم ينسك نسيانا، لا تضل انه لن ينساك، انما يريد ان يراك في البرارة ففكرْ في عملك،[62]

179 خَف من الشبع لانك تكتسب به حياة متمردة، وافرح بالجوع لانه يقوي جناح النفس،

180 النسر يثقل جناحه بالشبع لئلا يرتفع الى قمة الهواء ما لم يُفرغ منه ثقلَه،[63]

181 النفس ايضا تثقل [ ثقلا[64] بالزائد، ولهذا افرح ايها المتميز بالحرمان،

182 كنز ذلك المقيت الكل مليء ليدبرك، [ ويعطي الحياة للعالم كله حسب معرفته،[65]

183 لله حياة اخرى مليئة تطويبات، وجميع المتميزين يركضون كل يوم نحو هذه (الحياة).

 

الخاتمة

184 /836/ النفس متعلقة بالرجاء بهذه الامور لتقتني (الحياة)، مبارك من له التطويبات ليورثها لمن يحبه.

 

كمل (الميمر) على المتوحدين لمار يعقوب

[1] – ب: على التجرد وعلى المتوحدين وعلى قول ربنا الا ينظروا الى ورائهم

[2] – و: استناروا

[3] – ل: النور. ل: ومنه. مزمور 119/105

[4] – و: المليء حياة. يوحنا 14/6

[5] – نص: الى

[6] – يوحنا 14/6

[7] – لوقا 12/21

[8] – متى 27/5

[9] – و: يهمل. اشعيا 36/6؛ حزقيال 29/6

[10] – ل: دنيحي باينو، نص: نيحي داينو

[11] – ل: الدرب. المتوحد او المتصوف الناسك يعيش ويسبح في الله، كما يعيش السمك في الماء. انظر، ميمره 71

[12] – تكوين 3. عودنا ملفاننا على صورة الحية التي تنفخ السم او الموت في حواء-امّ الاجناس او في الجنس البشري

[13] – تكوين 3/6. العالم الشرير اصبح مرادفا لشجرة المعرفة!

[14] – تكوين 3/6

[15] – ل: ولخو، نص: ولهال

[16] – و: يظلم. مقتنى العالم هو الثمرة القاتلة

[17] – متى 6/25، 10/19

[18] – و: يهمل

[19] – و: انها هي ايضا هذه. متى 6/34

[20] – نص: اذا لك من، بيجان يصوب: اذا لك ما

[21] – ل: لابس

[22] – نص: ظفر. و، ب: في زينتهم

[23] – مزمور 103/15

[24] – ل: عظيم

[25] – ملفاننا يتطرق الى نظرية المسكنين عومرا دزبنا. عومرا دلعلم المسكن الزمني والمسكن الابدي كلما بحث في موضوع نهاية العالم. نظرية المسكنين هي ارث من تيودوروس المصيصي وغيره وهي من تقاليد برامج مدرسة الرها

[26] – متى 6/30

[27] – و: عري

[28] – و: راس؟

[29] – يوحنا 2/13-17، خاصة 2/15

[30] – و: عشب. متى 5/22

[31] – قولوسي 3/1

[32] – ل: حقيقية

[33] – و: القاء

[34] – و: يصادفها. يوحنا 8/12

[35] – انظر، رسالة/21

[36] – ل: جار

[37] – و: اكنز. متى 6/20

[38] – متى 6/19-20

[39] – ل: يهمل

[40] – تكوين 19، خاصة 19/26؛ لوقا 17/28-32

[41] – ل، و: واثطامي، نص: واثطامأ. عدد 19 خاصة 19/18؛ لاويون 22/4؟

[42] – و: يهمل

[43] – ل: وهو يتركه

[44] – ل:عاد، قلب؟

[45] – و: نسنيهو، نص: نسنيوهي

[46] – و: وبما ان قلبه كان هاربا منه

[47] – ل: هكذا. ل: ولو، نص: واوفلو

[48] – تكوين 19/26

[49] – ل: لانه لو لم

[50] – ل: واذا يتركون المقتنيات في العالم لا يلتفتوا ليروها لئلا يُرذلوا ايضا مع العالم

[51] – نص: ارفِيوهي، بيجان يصوب: ارفُيهي؟

[52] – و: لكن اتركه

[53] – و: لو كنت فيه لما كنت قريبا لماذا

[54] – ل، و: ارفيوهي، نص: ارفيهي. و: يوقيذ، نص: نيقاذ

[55] – تكوين 19/20-23

[56] – هذا البيت غامض؟

[57] – لوقا 16/19-31

[58] – حياة المتوحد منسوجة على مزامير داؤد. انظر، رسالة/7

[59] – و: رعِيخ، ل: رِعيُخ، نص: رُعيُخ. مزمور 23/1-2

[60] – عبرانيون 2/18، 4/15

[61] – متى 12/1-8، خاصة 12/1

[62] – تلاعب على فعل (طعو) نسى، ضلّ

[63] – انظر، ميامره 23-25 على الصوم. خاصة انظر، ميمره 141 على التسبيح على المائدة

[64] – و: مقر، نص: ماقر

[65] – ل: يهمل