الميمر 128 على قول ربنا: انه لاسهل للجمل ان يدخل في خرم الابرة

الميمر 128

 

        تعليم ابن الله مليء نورا، يا ابن الذي هو كله نور انرنا به، البشارة هي كنهار البرارة، وحضنها مليء بشمس عظمى غير محدودة، العالم ليل، وكلمتك سراج مليء نورا، ربنا بكلمتك نستنير كل يوم من تعليمك، ابو الانوار ارسل النور الى الظلمات، وهوذا البرية كلها مستنيرة من تعليمه.

        احتقار الغنى ومحبة الفقر لنيل التطويبات: الغنى يشبه جبلا عاليا في وسط الطريق، وبه كانت الطريق مسدودة وغير سالكة، كلمة الابن حطمت الجبل فأُخليت الطريق وانفتحت وصارت ممهدة لمن يريد ان يسلكها، بتعليمه فضح الغنى والمقتنيات لانها تمنع البشر من (دخول) الملكوت، كان قد اعطى الطوبى للفقراء، ومن سمع ابن الله بوضوح، يبغض الغنى ويحب الفقر.

        الغني يسأل ماذا يصنع ليرث الحياة: لما كان يعلّم في الجماعات كان يُسأل من قبل غني: ماذا اصنع لارث الحياة،؟ فابان له ان يحفظ وصايا موسى، وتجاسر الشقي مفتخرا بانه قد حفظها، فاصعده ربنا درجة اخرى في التعليم، واذ وجدها اسمى منه فانه لم يرد ان يصعد، وبحزن عاد بقطع الرجاء وبالكآبة وترك ربنا وهو متضايق ومليء الما.

        جواب يسوع للغني: بدأ يقول كم انه صعب على كل غني يقتني الاموال ان يدخل الى ملكوت الرب،! من السهل ان يدخل الجمل في خرم الابرة من ان يدخل غني الى ملكوت الله.

        صعوبة الكلام مع الاغنياء: كلمة ابن الله محتقرة ولا تُسمع فمن يجرؤ ليتكلم مع الاغنياء،؟ الفم الذي نفخ الروح في آدم علّمهم ووبخهم، وبما انهم لم يسمعوه، فمن يعلّم اذاً،؟ ايها الملفان الذي مدّ لسانَه نحو الغنى يصعب عليك كثيرا ان تقلع اشواك الغنى، لا تقدر ان تتكلم ضد كل العالم فهوذا محبة الغنى قد شبّت في كل العالم.

        الغنى ليس مدنسا بذاته لانه برية الرب: ربنا رذل الفكرَ الذي يحب الغنى لان باب الملكوت العظيم لا يقبله، ولهذا فالفقير الذي يحب الغنى في فكره يبغضه الله ولو انه غير غني، مثل الغني الذي يتنازل الى مستوى الفقراء فانه يرث معهم مظالهم ولو هو غني، ليس الغنى مدنسا في بريته من قبل الله، لكن الجاهل القاني الغنى يدنسه، الجاهل يدنس بريةَ الغنى الجميلة بالربى وبالطمع وبالكبرياء، الله اعطى الغنى للعالم ليتبرر به.

        يوجد اغنياء ابرار: من هو غني هنا (ليكن) غنيا مثل ابراهيم او مثل ايوب او مثل يوسف بين المصريين، هولاء العادلون لم يكونوا يحسبون الغنى غنى، ولا يعرفون المقتنى بانه مُلكهم، لكنهم قبلوه ليوزعوه على من هو محتاج وعرفوا بان الغنى الذي اقتنوه ليس مُلكهم.

        لا يمكن عبادة ربين: كلما تحب وتتمسك بالغنى الذي اقتنيته، فان نفسك محلولة من الاتكال الالهي، لا توجد فرصة لتتضمن نفسك محبتَين لان واحدة منهما تطرد رفيقتها لما تتغلب عليها.

        دعوة الفقير الى قبول الفقر: الفقر هو نصيبك فامكث فيه وسوف تنال التطويبات. لا يلام الجمل الذي لا يدخل في خرم الابرة، انما يلام الغني متى ما يفضّل المال على الرب.

– المخطوطتان: نسخة الموصل، روما 117 ورقة 271

– لا يرد في البداية ولا في النهاية اسم المؤلف. السروجي لا يستعمل في المقدمة الاسلوب الشخصي. الميمر نصيحة للسير في درب الملكوت. السروجي يتشكى من صعوبة ايصال كلامه الى الاغنياء. لا يعرف كيف يتكلم مثل الملفان ضد كل العالم؟. قد يرقى تاريخ تحبير هذا الميمر الى فترة شيخوخة ملفاننا اي الى حوالي سنة 515-516م.

– الدراسات:

الميمر الاربعون، على قوله سهل هو دخول الجمل في خرم الابرة من دخول الغني لملكوت السماء، قبطي، 437-444

 

 

الميمر 128

على قول ربنا:

انه لاسهل للجمل ان يدخل في خرم الابرة من الغني الى ملكوت الله

(متى 19/16-26، مرقس 10/25، لوقا 18/25)

 

المقدمة

1 تعليم ابن الله مليء نورا، يا ابن الذي هو كله نور انرنا به،[1]

2 البشارة هي كنهار البرارة، وحضنها مليء بشمس عظمى غير محدودة،[2]

3 العالم ليل، وكلمتك سراج مليء نورا، ربنا بكلمتك نستنير كل يوم من تعليمك،[3]

4 ابو الانوار ارسل النور الى الظلمات، /650/ وهوذا البرية كلها مستنيرة من تعليمه،[4]

5 نزل شعاع من فيض نور الآب وشق الليلَ (وبدده) من الجهات وها انها مستنيرة،

6 اشراق ابن الله انار سكان الشيول، وهزّم ظلالَ الموت من الانسانية،[5]

7 كان العالم اعمى وفتح ابن الله عينيه ليرى الطريق التي تُدخل الى الحياة لنمشي فيها.

 

الغنى عثرة على طريق الملكوت

8 كانت [ المقتنيات[6] مصفوفة في طريق العالم كالعثرات الى ان مهّدها ابن الله،

9 الغنى يشبه جبلا عاليا في وسط الطريق، وبه كانت الطريق مسدودة وغير سالكة،

10 كلمة الابن حطمت الجبل فأُخليت الطريق وانفتحت وصارت ممهدة لمن يريد ان يسلكها،

11 بتعليمه فضح الغنى والمقتنيات لانها تمنع البشر من (دخول) الملكوت،

12 كان قد اعطى الطوبى للفقراء، لان الغنى محتقر في طريق الحياة ولا [ يسلكها،[7]

13 ومن سمع ابن الله بوضوح، سيبغض الغنى ويحب الفقر،

14 كلمة ربنا ابانت الطريق للعالم ليسير بالفقر الى الحياة بدون مقتنيات.

 

 

الغنى يستفسر عما يلزمه ليرث الحياة

15 /651/ ولما كان يعلّم في الجماعات كان يُسأل من قبل غني: ماذا اصنع لارث الحياة،؟[8]

16 ابان له بان يحفظ وصايا موسى، وتجاسر الشقي مفتخرا (قائلا): انه قد حفظها،[9]

17 فاصعده ربنا درجة اخرى في التعليم، واذ وجدها اسمى منه لم يرد ان يصعد،

18 ربنا علّمه ان يبيع كل ما يقتني، ويعطي غناه ومقتناه للفقراء،[10]

19 وسوف تُخزن له وديعة في العلى لن تُسرق، ويصير كاملا ويذهب وراء ابن الله،[11]

20 تضايق الشقي لما سمع التعليم، وخاف وارتبك بسبب الغنى الذي كان يحبه،

21 وبحزن وبقطع الرجاء وبالكآبة عاد وترك ربنا وهو متضايق ومليء الما.[12]

 

من السهل دخول الجمل في خرم الابرة

22 اشرق تعليم ابن الله المليء نورا هناك كالنهار ورآه كل واحد،

23 وابان ربنا بانه صعب لمن هو غني ان يدخل الى الحياة ويصير وارثا في بيت الله،

24 وبدأ يقول: كم انه صعب على كل غني يقتني الاموال ان يدخل الى ملكوت الرب،!

25 ان يدخل الجمل في خرم الابرة هو اسهل من ان يدخل غني الى ملكوت الله،

26 /652/ اعطى دواء عظيما لجرح جميع الاغنياء ليجلب النفس الى العافية وتصير جميلة.

 

دعوة الاغنياء الى سماع كلمة ابن الله حتى يحتقروا الغنى

27 يا محب الغنى امل اذنَك الى تعليم ابن الله وخذ شفاءً لجروحك،

28 الحكمة تكلمت ليسمع كل واحد بوضوح كلاما جديدا يُدخل الحياة الى من يسمعه،

29 الجمل لا يدخل في خرم الابرة، ولا الغني الى الملكوت المليء نورا،

30 كلمة ربنا لا تزول ولا تُلام ولا تُذم ولا يؤثر عليها الكذب،[13]

31 ولا يمكن ان يدخل الجمل في الابرة، ولا الغني يدخل الى ملكوت العلى،

32 [ انغلقت[14] وقامت طريق الغنى والمقتنيات ولا يدخل الناس بها الى الحياة الالهية،

33 ومن هو حكيم تحاشاها ولا يمشي فيها بل يمشي في درب الفقر الى الله.

 

صعوبة الكلام مع الاغنياء وتعليمهم

34 ومَن الذي يتكلم مع الاغنياء ويتوسل اليهم لانهم لم يخضعوا لربنا الملفان العظيم،؟

35 كلمة ابن الله هي محتقرة ولا تُسمع، فمن يجرؤ ان يتكلم مع الاغنياء،؟

36 الفم الذي نفخ الروح في آدم علّمهم /653/ ووبخهم، وبما انهم لم يسمعوه فمن الذي يعلّم،؟[15]

37 ايها الملفان الذي مدّ لسانَه نحو الغنى يصعب عليك كثيرا ان تقلع اشواك الغنى،

38 لا تقدر ان تتكلم ضد كل العالم: هوذا محبة الغنى قد شبّت في كل العالم.

 

الغنى في الخيال

39 ومن هو غني يحب الغنى لانه يقتنيه، ومن هو غير غني يحترق ويسرع ليقتني الغنى،

40 نار محبة الغنى تضطرم في الاغنياء وفي الفقراء والعالم كله يحترق بها،

41 فريق الفقر الصغير ليته لا يركض وراء الغنى وهو لا يُدركه،

42 لكن قلبه فقير ومكسور ولا يقتني شيئا، وبافكاره يشتاق ان يقتني الغنى وهو قتيل به،

43 ويمكن ان يصادفه فكر قد يجد به شيئا ما، فيضلّ ويغتني ويتبرر بما وجده،!

44 ويدخل عقله ويوزع الغنى في افكاره، ومنه يصنع الخيرات كما يظن،

45 واذ ليس نائما يضلّ كانما في الحلم، وبدون سبي تُسبى نفسه بالمقتنيات،

46 لقد وجد واقتنى ومكث قليلا ووزع جيدا وصار صالحا بضلال عظيم استولى عليه،

47 انه غارق في الغنى بينما يحيط به الفقر، /654/ ولا يحب الفقرَ الذي هو نصيبه،

48 ويهيم بالغنى بافكار مذمومة والغنى ليس موجودا، وتوجد فيه محبته بينما هو فقير.

 

دعوة الفقير الى عدم السعي الى الغنى

49 ايها الفقير (ارفع) [ فكرك[16] الى العلى، لماذا انت غارق في شهوة الغنى:؟ نصيبك هو الفقر،

50 اترك الغنى عند الاغنياء ولا تقترب منه بالفكر ولا تحصل عليه بطريقة غير شرعية،

51 ها انه غير موجود لديك، لا تملك محبته فقط لانه بعيد عنك، فلتبتعد محبته عن فكرك،

52 احبب الفقرَ القائم انت فيه، انه الطريق العظمى التي تُدخل من يحبه الى الحياة،

53 لو يحب اغنياء العالم الغنى فقط، هوذا كلمة ربنا تتعب بهم لكي تصلحهم،

54 لقد علّمهم وارعبهم وافزعهم (قائلا): انهم لا يدخلون الى ملكوت الله،

55 تكلم ربنا عن كل [ التطويبات[17] للفقراء، واعطى الهدية العظمى للفقر.

 

فقير حقيقي وفقير يحترق بالمقتنيات

56 وبما ان كلمة ابن الله لا تزول، لذا يوجد تمييز بين الفقراء والاغنياء،

57 لو يتوق الفقير الى الغنى في افكاره ولا يحب الفقر ولا يريده،

58 /655/ ويتضايق حتى يقتني ومحبته مربوطة بالمقتنيات، هذا سيُقاصص مع الاغنياء ولو هو فقير،

59 ان رائي الكل الذي ينظر الى افكار القلب لا يعطي الطوبى لهذا مع الفقراء،[18]

60 لان قلبه كله مسبي بالمقتنيات، ولا يريد ان يحب الفقر بينما هو قائم فيه.

 

الغني الحقيقي من يحب الله، الغني الشرير من يفضّل الغنى على الله

61 وهكذا ايضا الغني الذي له الاموال فانه لو يحب الفقر الالهي،

62 ولو ليس منفوخا بالكبرياء ومتعجرفا مثل الاغنياء لكنه متواضع ومليء محبة للفقراء،

63 ويحسب المقتنى الذي يملكه انه لا يملكه لكنه مثل الوكيل على رفاقه،

64 ويقتني المراحم من مال هذا العالم، فان هذا يدخل الى مظالهم النيّرة،[19]

65 انه هنا غني مع اغنياء هذا العالم، وهناك سيتنعم مع الفقراء في مظالهم،

66 لو اتكل على المقتنيات ونفخه الغنى ولم يتنازل ليقيت الفقراء،

67 /656/ فانه [ اعرج[20] وواقف ولا يدخل الى الملكوت اذ لااصدقاء له هناك ليقبلوه.

 

الغنى ليس دنسا في بريته، الانسان يدنّسه بالربى والطمع..

68 القى ابن الله الفزعَ على الاغنياء حتى يبغضوا الغنى ويرثوا الحياة الالهية،

69 ربنا رذل الفكرَ الذي يحب الغنى لان باب الملكوت العظيم لا يقبله،

70 ولهذا فالفقير الذي يحب الغنى في فكره، يبغضه الله ولو هو غير غني،

71 مثل الغني الذي لو يتنازل الى (درجة) الفقراء فانه يرث معهم مظالهم ولو هو غني،

72 ليس الغنى [ مدنسا] في بريته من قبل الله، لكن الجاهل القاني الغنى [ يدنسه،[21]

73 بالربى وبالطمع وبالكبرياء يدنس الجاهل بريةَ الغنى التي كانت جميلة،

74 الله اعطى الغنى للعالم ليتبرر به، فقبله بارادته السيئة وها انه يخطيء به.

 

 

يوجد اغنياء ابرار مثل ابراهيم وايوب ويوسف

75 من هو غني هنا (ليكن) غنيا مثل ابراهيم او مثل ايوب او مثل يوسف بين المصريين،

76 هولاء العادلون لم يكونوا يحسبون الغنى غنى، ولا يعرفون بان المقتنى هو مُلكهم،

77 لكنهم قبلوه ليوزعوه للمحتاج /657/ وعرفوا بان الغنى الذي اقتنوه ليس مُلكهم،

78 وكانوا يعطونه للفقراء وللمعوزين وللمحتاجين بعين صالحة وهم مسرورون،

79 ولهذا لم يرتبكوا ولم يتعثروا وهم يسيرون على درب الملك الى الملكوت،

80 وكان يسهل عليهم ان يسيروا عليها بوضوح وهم يصنعون فيها كل الصدقات لجميع المحتاجين،

81 وقد جُعلوا قدوة صالحة لجميع الفقراء، وكانوا [ يسدّون] حاجة [ من هو معوز،[22]

82 ومن مقتناهم كان يتربى البؤساء والايتام، ومن ثيابهم كان يلبس العراة،

83 وفتحوا ابوابهم بمحبة امام الضيوف واذ كانوا عادلين فقد اتكأ الملائكة على [موائدهم،[23]

84 واذ كانوا اغنياء فانهم كانوا ابرارا ومستقيمين، وغنى العادلين لم يربك [ برارتهم،[24]

85 وكانوا ينظرون الى كل الغنى كلا شيء لان الرب كان موضوعا امام عيونهم في افعالهم،

86 ولما اعترضهم الفقر واختبرهم، [ لمع واضاء جمال اكاليلهم السامي.[25]

 

ايوب البار كان غنيا ثم اضحى فقيرا

87 كان ايوب قد دخل الى كور الفقر العظيم /658/ واذ لم يوجد الغشّ في ذهبه فقد خرج جميلا،[26]

88 اذ كان غنيا كان يُبرر بفضل مقتناه، ولما افتقر لم يكن يتذمر بسبب الفقر،

89 واختبره الزمان وابان حقيقته لكل العالم: لانه لم يكن يستند على الغنى ليعمل البرارة،

90 ومحبته لله كانت هي ذاتها لما كان غنيا، وبعد ان افتقر لم يكن يحب (شيئا) ما عداه.[27]

 

ابراهيم الخليل كان غنيا ثم افتقر

91 ابراهيم ايضا كان غنيا وهو الاول الذي اتكأ على مائدة الملكوت،

92 كان لابراهيم رؤساء الافواج ثلاثمائة وثمانية عشر عبدا مع [ مقتنى[28] وثروة عظمى،

 

93 لم يكن يحب المقتنيات ولا الابنية ولا موطنه باستثناء ربه بدل كل شيء،

94 وبتلك الثروة قدر ان يصير خليلا صالحا، ومثل نشيط سار على درب البرارة،[29]

95 اخضع كل الصداقات لمحبة الرب، ولم تسع نفسه (وتسمح) ان يوجد فيها شيء آخر،

96 خرج من بلده ومحبته مرتبطة بالهه، وقد أُخذت امرأته وهو يحتضن الفقر،[30]

97 احتاج في الحياة ولم يتذمر على الواهب، وطُرد الى المنفى وفرح بالرب في كل البلدان،[31]

98 /659/ صار له ثمرة وعمره مئة سنة، وطالبوه ليصير ذبيحة فاستعد (لذبحه)،[32]

99 ولم يكن يفكر بانه غني لما كان غنيا، وبانه فقير (فيما) [ لو[33] اعترضه الفقر،

100 وبانه منفي لو يمشي في المنفى لانه كان يعرف بانه حيثما يذهب فان الرب معه،

101 كان الله موضع العادل وفيه كان يسير، ولم يتضايق لانه لم يكن يخرج من الله،[34]

102 ولم يعش ببذخ بسبب ثروته الجمة، وهذا واضح لما كان يخدم امام الضيوف،[35]

103 تبدلت الازمنة بين الجزر والمدّ، ومحبته لله كانت هي هي دون ان تتغير،

104 وثروته الوفيرة لم تربك محبته العظيمة (لتثنيها) عن طريق البرارة التي كان يسير عليها.

 

يوسف البار من عبد صار رئيسا غنيا في مصر

105 الثروة التي وجدها يوسف لم تؤذه ولم تعرقل محبة نفسه لله،

106 لقد اعترضته ايضا ازمنة قاسية واحنى راسه وقبلها بتواضع،

107 وفي كل الاوقات [ كان قد وضع امامه[36] رب الازمان، ولم ينظر طيلة عمره الا اليه،

108 صادفه الحسد وقبله العادل بمحبة صافية، /660/ اهانه اخوته وجازاهم مجازاة حسنة،[37]

109 كان قد بيع وصار عبدا بين المصريين، اما حريته الطبيعية فلم تتضرر،[38]

110 كانت قد صادفته شهوة بغيضة في شبابه، وابعدها عنه بافكار البرارة،[39]

 

111 اعترض ظلم على الحسن وادخلوه السجن وترجى في الرائي الخفي الذي يعضده،[40]

112 دعوه ليصعد من السجن على المركبة وتلك العظمة التي دعوه اليها لم تجعله يتكبر،[41]

113 الصغر والعظمة كانا متساويين بالنسبة اليه، والسجن (وركوبه) على المركبة كانا من قبل الله،

114 لا القلادة [ ولا[42] خاتم الملك الذي اخذه صنعا تغييرا في نفسه النقية التي كانت متواضعة،

115 ولم يؤثر عليه التباهي ولا الكبرياء لما كان يُمجد ويحتفلون به على المركبة،

116 وذلك الفكر الذي كان ليوسف في العبودية، هو نفسه صار له لما كان جالسا على المركبة،

117 في كل الازمنة، زمانه كان هو هو ذاته: ان يرضي (الله) الواحدَ باعماله وباموره،

118 لما كان يباع ولما كان يُحبس ولما كان يُكرم ولما كان يُمجد على المركبة كان يفكر في (الله) الواحد،

119 /661/ لم يكن ينظر الى كل غنى المصريين (ويعتبره) شيئا يصدّه عن الله،

120 ولهذا كان يسهل على يوسف ان ان يسير في طريق الكمال العظمى [ وهو غني.[43]

 

نفس الابرار لم ترتبط بالغنى ولهذا لم يرتبكوا باقتناء الغنى

121 نفس العادلين لم ترتبط بالغنى الذي اقتنوه ولهذا لم يضطربوا لما كانوا يقتنون،

122 لم يكن يهبّ روح الغنى على افكارهم، ولهذا ورثوا بالحقيقة ارض الاحياء،[44]

123 هولاء كانوا فقراء في روحهم، ولهذا فان ملكوت السماء هو لهم،[45]

124 لبسوا فقر هذا العالم بروحهم وحلوا فيه مثل المسافرين واجتازوا وهم لا يحبونه،

125 ولهذا يتساوى ابراهيم ولعازر على المائدة، لان [ افكارهما[46] كانت متساوية،

126 تقوم نفس جميع الابرار في الفقر في هذا العالم حتى لما يقتنون الثروة العظمى،

127 هولاء العادلون الابرار لم يكونوا يشبهون جميع الاغنياء المحبين للغنى والمتمسكين به.

 

لا يمكن ان تحتوي النفس محبتَين في آن واحد

128 هوذا اغنياء هذا العالم متباهون ومتكبرون، ومضطرمة فيهم محبة الغنى كاللهيب،

129 /662/ وقلبهم يخرج ليجمع الغنى ويتوقون الى الارباح الدنسة كما لو كان الى النور،[47]

 

130 وعلى الارض يامرون رفاقَهم الهيا بالتباهي وبالكبرياء والافتخار،

131 روحهم متشامخة واعمالهم غير جميلة، ويصعب ان يدخلوا الى الملكوت كما قيل،[48]

132 ولو يدخل الجمل في خرم الابرة: لا توجد فرصة ليدخل هولاء الى الملكوت،[49]

133 كلما كانوا اغنياء وحرسين على الغنى الذي يقتنونه يصعب ان يدخلوا الى الملكوت عند الله،

134 الغنى هو عثرة ولو لم تاخذه من طريقك، سوف لن تقدر ان تسلكها (لتذهب) الى الله،

135 كلما تحب وتتمسك بالغنى الذي اقتنيته، فان نفسك بعيدة عن الاتكال الالهي،

136 لا توجد فرصة لتحتوي نفسك محبتَين لان الواحدة منهما تطرد رفيقتها لما تتغلب عليها،

137 لو تسكن محبة الرب في الفكر فهي لا تترك محبة الغنى ان تمكث هناك،

138 لو تتغلب محبة الغنى على محبة الله، اظلمت النفسُ وستحب المقتنى فقط،

139 وستسكر بالذهب وتخرج وراء الزوائد، وستُصتأصل محبةُ الرب من الفكر،

140 /663/ محبة الغنى تخنق النفسَ اكثر من الغنى، وهي تحجب الملكوت عن الغني.

 

طريق الملكوت مهيأة ليسير عليها البشر لا الاموال

141 مَن يربط محبته بالغنى هو ذاك الغني الذي لا يدخل الى الملكوت،

142 وبما ان الجمل لا يدخل في ثقب الابرة، فهذا لن يدخل الى الملكوت المليء نورا،

143 لان محبته مرتبطة بالذهب وبالمقتنيات، وليس فارغا حتى يدخل ويرث الحياة الالهية،

144 يسرع ليجمع الارباح الدنسة كل يوم، وتلهيه عن الملكوت ولا يدخل اليه،

145 ويصعب عليه ان يدخل الى الحياة بسبب غناه الذي يحبه ولا يفكر في الملكوت،

146 طريق الملك ممهدة حسب مقياس الانسان فقط، ولا يسلكها الغنى ولا المقتنى،

147 والتلميذ الذي احتقر الوصية واقتنى اثنين (قميصين) لا تسعه طريق الحياة ليسير عليها،[50]

148 ولو ياخذ معه الكيس او المزود فالطريق ضيقة وموصدة ولا يسير عليها،[51]

149 الناس يدخلون الى الملكوت لا المقتنيات، وطريق الله تسع الانسانَ فقط،

150 ولو وُجدت معه مقتنيات او ابنية وكيس وعصا او مزود لا يمشي عليها،[52]

151 /664/ لان كل هذه الزوائد لا تلزم في ذلك الملكوت المليء تطويبات [ لمن يستحقه.[53]

 

 

ابن الله يعلّم الانسان ما يلزم ان يفعله ليكتسب الملكوت

152 ابن الله دعاك الى وليمته لتحيا معه، وهو يعلّمك كيف تسير الى الملكوت،

153 ولو قبلت ان تذهب معه اعمل مثلما يقول، لانه يعرف ما يلزم لموضعه العظيم،

154 ابن الله اشرق نورَه على النفوس بتعليمه ليدخلها الى ملكوته،

155 وبغيرته المليئة محبة اشفق على الاغنياء وعالج الجرح ليجلبهم الى التوبة،

156 وشهد لهم (قائلا): لو يحبون الغنى الذي يقتنونه ليسوا مسلطين على غناهم مثل الفقراء،

157 وليعرفوا بانه لو لم يُوزع الغنى، فطريق صاحبه (متجهة) الى جهنم من باب العدالة،

158 ولا يفرحوا بالمقتنيات لو هي كثيرة، لانها موضوعة في درب [ البرارة[54] كالعثرات،

159 ولو لم يُوزع الغنى على المحتاجين والفقراء فانه يخنق صاحبَه خنقا لو اقتناه.

 

الغنى يعمي النفسَ كالدخان

160 ويعرقله ويربكه في تلك الطريق التي تُدخل الى الحياة ولا يسمح له ان يسير عليها،

161 ويقف الغنى كالدخان وكالظلمة /665/ في وجه النفس ويغطيها،

162 وتعمى وتتلمس في ضلالة الشهوات، وتضيع عنها طريق الحياة التي كانت نيّرة،

163 وتُربط بمحبة الغنى كما لو كان بالقيود وتُترك خارج باب الملكوت،

164 ولا يوجد مجال ليجتاز الجمل في الابرة، ولا الغني يمكنه ان يدخل الى الملكوت.

 

لا يلام الجمل بعدم دخوله في خرم الابرة، يلام الغني الذي لا يطلب الملكوت

165 لا يلام الجمل حتى لو اراد وقدر (ان يدخل ولن يدخل)، يلام الغني الذي لا يريد ان يدخل الى الحياة،

166 غناه جُعل له حجة سيئة، ولو اراد لقدر ان يزيح عنه الحجة المانعة،

167 وكان الاحمق يبذر من مقتناه على الفقراء، وكان يضيّق على [ سِعة[55] غناه،

168 ويهيء نفسَه حسب مقياس باب الملكوت، ويدخل ويرث مع اغنياء آل ابراهيم،

169 ويقتني المراحم من مال الظلم الذي اقتناه، ويقبلونه في مظالهم النيّرة،[56]

170 ولهذا القى ابن الله الفزع على الاغنياء وارعبهم بالتوبيخ،

 

171 ليصير بالتوبة وبالصدقات باب /666/ المراحم الذي بوسعه ان يُدخلهم عند الله،

172 والغني الذي لا يسهل عليه ان يدخل بنفسه، هوذا المراحم خارجة وراءه لياتي ويدخل،

173 ويعطي نفسه ويميل اذنَه الى كلمة الحياة، ولما تهدده يخاف منها ويقتني حياته.

 

الخاتمة

174 ابن الله يريد ان يحيي معه كلَ انسان، مبارك الذي يفتح بابَ مراحمه لمن يطرقه.

 

كمل الميمر على قول ربنا: انه اسهل للجمل ان يدخل في خرم الابرة من الغني الى ملكوت الله[57]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] – 1يوحنا 1/5

[2] – نهار البرارة، مرادف لشمس البرارة. ملاخي 4/2

[3] – مزمور 119/105

[4] – يعقوب 1/17

[5] – مزمور 107/10، لوقا 1/79

[6] – مشكوك فيها

[7] – نص: يسلكهه، بيجان يصوب: يسلكها. متى 5/2

[8] – متى 19/16

[9] – متى 19/17-20

[10] – متى 19/21

[11] – متى 19/21

[12] – متى 19/22

[13] – متى 5/18، 24/35

[14] – مص: اطالت؟، بيجان يصوب: انغلقت؟

[15] – تكوين 2/7

[16] – مشكوك فيها

[17] – نص: تطويبات، بيجان يصوب: تطويب. متى 5/2. انظر، ميمره 83

[18] – مزمور 7/9، رومية 8/27

[19] – لوقا 16/9

[20] – نص: مشلول، بيجان يصوب: اعرج

[21] – نص: طماأ، بيجان يصوب: طمأ. نص: مطماأ، بيجان يصوب: مطمأ

[22] – هنا تبدأ النخطوطة: ر 117. ر: جميع المحتاجين

[23] – ر: على مائدتهم. تكوين 18

[24] – مص: البرارة

[25] – ر: لمعوا واضاءوا..عقولهم

[26] – لاحظ بلاغة السروجي: كور الفقر، بدل كور النار!

[27] – ايوب 1-2

[28] – مص: المقتنيات. تكوين 14/14؛ 12/5

[29] – يعقوب 2/23

[30] – تكوين 12/1، 4؛ 12/10-20؛ تكوين 20

[31] – فيليبي 4/4

[32] – رومية 4/19؛ تكوين 22

[33] – نص: دين، بيجان يصوب: دإن

[34] – عبارة تبين بان الله هو موضع الانسان وحيثما حل فالانسان يحل في الله! انتقد السروجي الرهبان المتمسكين بتغيير الامكنة والاديرة وانماط الحياة الرهبانية ودعاهم الى عبادة الله حيثما وُجدوا. انظر، رسالة/39

[35] – تكوين 18، خاصة 18/4-5

[36] – ر: كان قد وقف امامه. انظر، رسالة/32

[37] – تكوين 37/11؛ تكوين 42، 45

[38] – تكوين 37/25-28

[39] – تكوين 39/7-23

[40] – تكوين 39/20

[41] – تكوين 41 خاصة 41/37-46

[42] – ر: افلو، نص: ولو. تكوين 39/42

[43] – نص: كان غنيا

[44] – ايوب 28/13

[45] – متى 5/2

[46] – مص: افعالهما

[47] – 1طيمثاوس 3/8

[48] – متى 19/24

[49] – متى 19/24

[50] – متى 10/10

[51] – متى 10/9-10

[52] – متى 10/9-10

[53] – ر: لمن يسير عليها

[54] – ر: الصلب

[55] – ر: بهائه

[56] – لوقا 16/9

[57] – المخطوطة: ر