مَنْظومَةُ الفِردَوس – مَار أفرام السّريَاني

مَار أفرام السّريَاني

مَنْظومَةُ الفِردَوس

 

النشيد الأول :

منظومة الفردوس

النشيد الثاني

النّشِيدُ الثّالِثْ

النّشِيدُ الرّابع

النّشِيدُ الخامِس

النّشِيدُ السَّادِس

النّشِيدُ السَّابع

النّشِيدُ الثّامِن

النّشِيدُ التاسِع

النّشِيدُ العاشِر

النّشيد الحادي عَشر

النّشيدُ الثاني عَشر

النّشِيدُ الِثالث عَشر

النّشِيدُ الرابع عَشر

النّشِيدُ الخامِس عَشر

 

 

 

 

النشيد الأول :

1 – مُوسى علَّمَ الجميعَ

أَسفارَهُ السَّماويَّة

زعيمُ العِبرانيّينَ

لقَّنَنا دُروسَهُ

التَّوراةَ

كَنْزَ الوَحْي ِ

مِن خلالِها تكشَّفَتْ قِصَّة ُ

الجَنَّة ،

مَوصُوفا ًمَرْئِيُّها

مَمدُوحًا خَفِيُّها ،

مُقْتَضَبًا خَبَرُها

مُذهِلة ً أشجارُها

لازمة :

المجدُ لبرِّكَ

رافعِ الظافرين

2 – بينَ رَهْبةٍ وحُبّ ٍ

قُمتُ واسِطا ً:

حُبُّ الفِردَوسِ

إلى التَّنقيبِ يَدعوني

ورَهبةُ جَلالِهِ

عن الاستقصاءِ تُمسِكُني

لكنّي بالحكمةِ

وفَّقتُ بينَهما

فاحترمتُ خَفِيَّه ُ

وهَمَستُ مَرْئيَّهُ .

تَعقَّبتُ ِلأَغتنيَ

وصَمَتّ ُ لِأ ُعضَدَ .

3 – إِقتحمتُ مُبتهِجًا

قِصَّة َالفِردَوس

إِنَّها لَضَئِيلة ٌ اذا قُرِئَتْ

ثَريَّة ٌاذا بُحِثَتْ .

لِساني قرأَ الجَليَّاتِ

مَحْكِيَّاتِ قِصَّتِهِ .

وعقلي طارَ وحلَّقَ

في رَهبَةٍ ،

وغاصَ في بَهائِهِ

لا بمقدارِ ما هو البهاءُ في ذاتهِ

بل بمقدارِ ما أُعطِيَ

بَشَرٌ أن يُدركَ .

4 – بعين العقل

رأيت الفردوس :

إِنَّ قِمَمَ الجِبالِ كُلِها

تحتَ شُرْفَةِ قِمَّتِه ِ

منظومة الفردوس

عُرْفُ الطُّوفانِ

بَلَغَ عَقِبَيهِ ،

فَلَثَمَ رِجلَيهِ وسجَدَ

وتقهقرَ

لِيَتسلَّقَ الجِبالَ والذُّرى

فَيَقدُسَ رأسَها .

فإذا بهِ يُقَبِلُ قَدَمَي الفِردوس

ويَطَأ ُالرُؤُوسَ كافَّة ً.

5 – أَمَّا شُموخُهُ

فلا يُتعِبُ المُتَسلِقَ .

فلا عَناءَ فيهِ

لِوِارِثيه ِ.

بِجَمالِهِ المُتَأَلِقِ

يُعْزِي الطالِعينَ .

فَاتِنٌ بأشِعَّةِ

مَجدِهِ

لَذُّ الطيُوبِ .

عليهِ سَحَائِبُ مَجيدة

مَنصُوبة ًمَظَالَّ

لِلذينَ يَستحِقُّونَهُ .

6 – بَنُو النُّور

مِن مَظَالِهم يَهبُطون ،

وهم مُبتَهِجونَ بذلكَ العالَمِ نَفسِه ِ

الذي فيه اضطُهِدُوا ،

يَرقُصُون على سَطْحِ اليَمّ ِ،

ولا يَغرَقُون ،

لِأنَّ سِمعانَ ، على كَونِهِ صَفاة ً،

لَم يَغْرَقْ .

طُوبى لِمَن رأَى

مَعهم أحِبَّاءَهُ

لِأنَّ جُموعَهُم تَحْتُ ،

وأخدارَهُم فَوقُ .

7 – مَرَاكِبُهم السُّحُبُ

يَسْبَحونَ في الهَواء

وكُلُّ واحِدٍ رَئيسٌ

لِلذينَ عَلمَهُم

مَركَبُهُ جِهادُهُ

ومَجدُهُ جَمْعُهُ .

طُوبى لِمَن رآهم

يَطيرون

الأنبياءُ في أجواقِهِم

والرُّسُلُ في جُمُوعِهِم

لِأنَّ مَن عَمِل وعلمَ

هوَ الكبيرُ في المَلكُوت .

8 – وَلِأنَّ البَصَرَ

يَحْسُرُ عَن الفِردَوس

ولا مَجالَ ِللعَينِ

فَتُدرِكَهُ ،

شَبَّهتُهُ بِبَساطةٍ ،

على أنّي تَساهَلتُ فاجتَرأتُ ،

بالدَّارَة ِ

حَولَ القَمَر .

كذلِكَ لِنَتَصَوَّرَنَّ الفِردَوسَ

في دَارَة ٍ

فيها البَحْرُ واليَبَسُ

مَحْصُورانِ .

9 – وبما أنَّ فَمي

قد امتَلأَ حَلاوة ً،

كراضِعٍ لَذَّة َالفِردَوس ،

بِصُوَرٍ شَتَّى يُمَثِلهُ .

صَنعَ مُوسى إكليلا ً

لذلكَ المَذبَحِ البَهِيّ ،

إكليلا ًمِن ذَهَبٍ

بِبَهائِهِ

كَللَ المذبَحَ .

كذلك جُدِلَ وجُمِّلَ

إكليلُ الفِردَوس

فلفَّ الكَونَ .

10 – فلمَّا خَطِئَ آدمُ

أَخرجَهُ اللهُ منَ الفِردَوس ،

ووهَبَهُ منهُ ، سَمْحَ وجُودِهِ ،

المِنْطَقَة َالدُّنيَا .

في الوَطِيءِ ، تَحْتَ قَدَمَي الفِردَوسِ

أَسكَنَهُ .

ولمَّا عادُوا يَخطَأونَ هناك

نُبِذُوا .

ولأنَّهم لم يَستحِقُّوا أن يكونوا

جِيرانَ الفِردَوس ،

أمَرَ الفُلكَ

فَطَرَحَتْهُم على أَرارات .

11 – هُناكَ افتَرَقَتْ

ذُرِيَّتا الأخَوَينِ

فَفَصَلَ قاينُ

وأناخَ في أرضِ نُود

في مَوضِعٍ أدنى مِن مَقَرّ

شِيتٍ وأنُوش ؛

فالأَعْلَونَ ،

وقد دُعُوا

أبناءَ الله ،

تَرَكُوا مَكانَهُم وانْحَدَرُوا

فاتَّخَذُوا بَناتِ النَّاس ،

بَنَاتِ الأَدْنَى .

12 – في قِمَّةِ الفِردَوس

يُقِيم بَنُو النُّور

يَحْدِجُون إلى الغَنِيّ ،

إلى قَاعِ الهُوَّة ،

وهو يَرفَعُ عَينَيهِ

فيُشاهِدُ ألِيعازَر ،

ويَدعُو إبراهيمَ

حَتّى يَتَحنَّنَ عَليهِ ،

بَيدَ أنَّ إبراهيمَ المُمتَلِئَ رَحَمةً ،

وهو قد رَحِمَ سَدُومَ ،

لم تَأخُذْهُ هناكَ رَحمَة ٌ

لِذلكَ الفارغِ مِنَ الرَّحمَة .

13 – هُوَّة ٌ فاصِلة ٌ

تَقطَعُ الحُبَّ

لِئَلَّا يَأسُرَ الأبْرارَ

حُبُّهُم لِلأثَمَةِ

ولا يَتَعذَّبَ الصَّالِحُون ،

يُشاهِدُونَ في جَهَنَّم

بَينهِم وإخوَتَهُم

وأقرباءَهُم

أُمٌّ جاحِدَة

تَتَضَرَّعُ إلى ابْنِها ،

إلى أمَتِها وابنَتِها

الذينَ اضطُهِدُوا بِعَقِيدَتِهم .

14 – هُناك يَسْتَهزِئُ

المُضطَهَدُونَ بالمُضطَهِدين ،

المُعذَّبُونَ بالمُعَذّبِين ،

المَقتُولونَ بالقاتِلين ،

والأنبياءُ بالرَّاجِمين ،

والرُّسُلُ بالصَّالِبين .

يُقِيمُ بَنُو النُّور

في عُلاهُم :

يَحْدِجُونَ  إلى الأثَمَة ،

يُحْصُونَ آثامَهُم

فَيَأخُذُهم  مِنهُم دَهَشٌ :

لكم قَطَعُوا رَجاءَهُم ، فَوَغَلوا في الشَّرّ !

15 – الوَيلُ لِمَن يُلَفْلِفُ

مَخْزَاتَهُ بالظُّلمَة

مَن يَخْطَأ ُ ثُمًّ يَتَسَتَّرُ

خَدْعًا لِلنَّاظِرين

مَن يَتَسَللُ فَيُوذِي ثُمَّ يَرُوحُ يَدْجُلُ

تَضلِيلا ً للسَّامعين .

سَتَرَنِي

جَناحُ جُودَتِكَ ، يا أللهُ ،

لأنَّهُ بالإصبَعِ ، هُناكَ ،

يُدِلونَ على الخاطِئِ ،

يُشَهِّرُونَ على الدَّوام ِ

مَخْزَاتَهُ وخَفاياهُ .

16 – حَسْبُ جُرْأتي

ما حَكَيتُ

إِلَّا أن يَكُونَ

ذُو جُرأةٍ يَتَخَطَّى إلى القَولِ :

إنَّ السُّذُّجَ والبُلهَ

الذينَ على جَهْلٍ خَطِئُوا ،

مَتَى أدِّبُوا

وكَفَّرُوا

أحَلهُمُ الكَرِيمُ

بجانِبِ الفِردَوس ،

في ذلكَ المَرْعَى المُباركِ

يَقضِمُونَ الفَضَلات …

17 – ذلكَ المَوضِعُ الذي يَراهُ آلُ الفِردَوسِ

دَنِيئا ً وحَقيرا ً

قد سَغَبَ إليهِ ، واشتَهاهُ ،

المُحتَرِقُونَ في جَهَنَّم .

إنَّ عذابَهُم لَيَتفاقَمُ

وهُم إلى يَنابيعِهِ يَنظُرُون .

وهي قُبالتَهُم

تَهْدُرُ هَدْرا ً.

والغَنِيُّ أيضا ًيسألُ

فلا مُرَطِب .

النَّارُ في داخِلِهم

والماءُ قُبالتَهُم !

 

 

النشيد الثاني

1 –  ُطوبى لِمَن أصبحَ

مُشتَهَى الفِردَوس !

الفِردَوسُ يَشتَهي الجَميلَ :

مِن بابِهِ يَشُفُّهُ ،

بَينَ حَناياهُ يُدَغْدِغُهُ

وفي حِضْنِهِ يُهَدْهِدُهُ ؛

يَفتَحُ لهُ ويُحِلهُ

في أحشائِهِ .

فإنْ كَرِهَ امْرَأ ً

أنكَرَهُ ونَبَذَه ُ،

لِأنَّهُ بابُ الامتحان

مُحِبُّ البَشَر

لازمة :

مُباركٌ مَن طُعِنَ

فحَوَّلَ السَّيفَ عَنِ الفِردَوس

مُنذُ الآنَ صُغْ لَكَ ، خُذْ

مِفتاحَ الفِردَوس

فإنَّ البابَ لَمُبادِرٌ اليكَ :

يَتَألقُ ويَضْحَكُ لكَ .

البابُ الفَهَّامَة ُ

يَقيسُ الدَّاخِلينَ

فيَصْغُرُ ويَكبُرُ

بحكمة ٍ

ِلكُلِّ إنسانٍ

على قامَتِهِ ومُقامِه ِ

يُرِيهِ ، بِمَقايِيسِهِ ،

أكامِلٌ هوَ أم ناقِصٌ .

3 – فَيَرى البَشَرُ

أنَّهم قد عَدِمُوا كُلَّ شَيءٍ :

لا غِنَى ،

ولا شَهْوَة ،

عُطِلَ الجمَال ،

وأُبطِل السُلطان .

حِينَئِذٍ يَتذكَّرُونَ

وَيتأسَّفُون :

كيفَ كانُوا في جَشَعِهِم يَسْتَغْرِقُون

لا يُبالونَ وهم يَسمَعُون

أنَّ قِنْيَتَهُم حُلمٌ

وغِناهُم ُظلمَة ٌ.

4 – إنَّ ما كانَ أَضاعُوهُ

ومالا لم يَكُنْ وَجَدُوه ُ

فَفَرَّ عنهُمُ السَّعْدُ الذي أحَبُّوا

ودَهَمَهُمُ الشَّقاءُ الذي مَقَتُوا

تَرَجَّوا ما لم يُوجَد

فوَجَدُوا ما لم يَطلبُوا

وها هُم يَتَنهَّدُونَ لأنَّهم سَفَلوا

وخُدِعُوا

كَذَبَتْهُم حَياتُهُم

وصَدَقَهُم عَذابُهُم .

أمَّا سَلامُهُم فَقَد بَادَ

وأمَّا عَذابُهُم فَدَائِمٌ !

5 – لكِنَّمَا الأبرارُ يَرَونَ

أنَّ كَرْبَهُم لا وُجُودَ لهُ

عَذابَهُم لا قائِمَ ،

وَوِقرُهُم زالَ

لَكَأنَّهُم لم يَلقَوا

ولا لوَتْهُم شِدَّةٌ

وكأنَّ صَومَهُم

حُلمٌ .

واستيقَظُوا كما مِن نَوم ٍ

فَوَجَدُوا الفِردَوسَ ،

مائدةَ المَلكوتِ

مَبسُوطة ًأمامَهُم .

6 – قِمَّتُه ُ

لا يَطَأُها مَنْ في خارِجٍ

أمَّا مِنْ داجِلٍ

فَيَتَطَأمَنُ بِكُلِهِ ِللصَّاعِدين

بكُلِهِ ، مِن داخِلٍ ، في ألقِ ابتِهاجٍ ،

يَرْنُو إلى الأبرار .

إنَّهُ لَيَحْزِمُ

وَسَطَ العَالَمِ ؛

يَصُرُّ اليَمَّ الرَّحْبَ ،

إنَّهُ لَجَارُ العُلوِيَّين ؛

حَبِيبُ مَنْ في الدَّاخِلِ

بَغِيضُ مَن في الخارِجِ

7 –  لكِنّي رأَيتُ في سِياجِهِ

التِّيناتِ الصَّوَامِتَ

وقد كُنَّ لِرَأسِ الأِثيمَينِ الأوَّلَيْنِ

إكلِيلَيْنِ بَهِيَّيْنِ ،

لكأنَّ أوراقَهُنَّ ، على العُرْيانِ ،

يَعْلُوهُنَّ الخَجَلُ

 

فَلَيَسْتُرُنَّ

مَنْ أضاعَ مَلابِسَهُ .

ولَمّا كَسَوْنَهُ

أخْجَلنَهُ وسَحَقْنَ لُبَّهُ .

ِلأنَّ العُرْيَ في ذلكَ المَوضِعِ الخالِصِ

لَعَارٌ على العُرْيان .

8 – مَنْ لهُ

بأن يَتَوسَّمَ مفاتِنَ الفِردَوسِ

البَدِيعِ النُّظُم

البارِعِ الأجزاءِ

الرَّحْبِ لساكِنيهِ

النَيّرِ الدَّيار .

يَنابيعُهُ

المُعَطَّرَةُ بِطيوبِهِ

تَنْتَهِي إلَينا

فَتَفْقِدُ عِنْدَنا طِيبَها

لِأنَّها تَشرَبُ طَعْمَ الأرضِ

ِلتُسْقِيَنا .

9 – لِأنَّ الإرادة َ

التي كُلُّ شَيءٍ خاضِعٌ لَها

قد ألجَمَتْ يَنابيعَ

الفِردَوسِ الشَّارِدَةَ

وحَبَسَتْها في الأرضِ

كَمَا في أقنِيَةٍ .

أمَرَتْها

أن تَخرُجَ إلَينا

كما حَصَرَتِ المياهَ

في السُّحُبِ ،

وانتشرَتْ في الفَضاءِ

بِقُدْرَةِ مَشيئَتِهِ .

10 – كُلَّما أكثَرَ مَفاتِنَه ُ

أكثَرَ أنواعَها

فكُلُّ نَوعٍ

أبدعُ مِن نَوعٍ .

وما عَلَتْ دَرَجَةٌ

على دَرَجَةٍ

عَلا مَجْدُها

على مَجْدِ سالِفَتِها .

فهو يُصَنِفُهُ :

أسفَلهُ للسُّفلِيِّين ،

وَوَسَطَهُ للأوساطِ

وقِمَّتَهُ لِلعُلوِيِين .

11 – إذْ يَصْعَدُ الأبرارُ في دَرَجاتِه ِ

لِيُحْرِزُوا المِيراثَ فيهِ ،

بالبِرِ يَرفَعُ كُلَّ واحِدٍ

بِحَسَبِ جِهادِه ِ

في الدَّرَجَةِ التي يَستَحِقُّها

كُلُّ واحِدٍ فيها يُقِيم ،

لِأنَّ دَرَجاتِهِ تَكفي

الجَميعَ :

أَرْضُهُ للتَّائِبين

وَوَسَطُهُ للصِدّيِقين

وقِمَّتُهُ للمُجَلِين

وقُبَّتُهُ سُكْنى الله !

12 – ذِلكُم نُوحٌ في الفُلكِ قد أسْكَنَ

البَهِيمَ في أسْفَلِهِ

وجَعَلَ الطَّيرَ

في وَسَطِهِ

ومِثلَ اللهِ

حَلَّ هُو في أعلاه ُ.

والشَّعْبُ حِيالَ جَبلِ سيناء

نَزَلَ في أسفَلِهِ

والكَهَنَةُ في دَارَتِهِ

وهارونُ في وَسَطِهِ

ومُوسى في قِمَّتِهِ

وذُو المَجْدِ في قُبَّتِهِ !

13 – إنَّ سِرَّ أجزاءِ

جَنَّةِ الحَياةِ

قد مَثَّلهُ اللهُ بالفُلكِ

وبِجَبَلِ سيناء.

فَبِتَركيبِها صَوَّرَ لَنا

مِثالَ الفِردَوس ِ

مَنظُومًا رائِعًا شَهِيًّا

تامًّا

بِعُلوّهِ ورَوعَتِهِ

وطُيُوبِهِ وأنواعِه ِ

إنَّهُ مِيناءُ الكُنُوزِ كافَّة ً

مِثَالُ الكنيسة !

 

 

 

النّشِيدُ الثّالِثْ

1 – إِنَّ تِلكَ الجنَّةَ ، يا صاحِ ،

المَبسُوطةَ المَجيدة َ

على رأسِ تلكَ الذُّرْوَةِ

حيث ُ يَستَوِي المَجْدُ ،

لا طاقَةَ لِمُحاولٍ

حتَّى بالفِكْرِ أنْ يَتَمَثَّلَها .

فأَيُّ عَقْلٍ

يَستطيعُ

بِوِجْدانِهِ أنْ يُبْصِرَها

وَبِقُواهُ أنْ يَسْبُرَها ،

وَبِرِحَابِهِ أنْ يَطالَها

لا يَحُوشُ غِنَاها إدْراكٌ !

لازمة :

المجدُ لِبِرَّكَ

مُكَلِلِ الظافِرين .

2 – لَعَلَّ الشَّجَرةَ

المُبارَكَةَ شجرة َالحَياة ،

بأشِعَّتِها ،

هي شَمْسُ الفِردَوس .

لقد صَقَلَ أوراقَها

وطَبَعَها بطابِعِهِ

الجمَالُ الرُّوحيُّ

الضَّافي على الجَنَّة .

تَنسِمُ الرِيحُ على الأشجارِ

كأنَّكَ بالجَيشِ يَسجُدُ

أمامَ قائِدِهِ ،

يَنحَني أمام َمَليكَةِ الأَشجار !

3 – في الوَسَطِ غَرَسَ

شَجرة َالمَعرِفَة ،

وصبَّ فيها الخوفَ ، مَلأَها ،

بالرَّعدَةِ حاطَها ،

فضربَ حَدًّا

حَولَ قُطْرِها الدَّاخِليّ  .

فقامَ في خَلَدِ آدم َ

بما سَمِعَ

لا تَأكُلا مِنها

أمْرانِ : الفَزَعُ منها

والشُّعُورُ بأنَّ داخِلَها

حَرَمٌ لا يُرام .

4 – لمَّا كانتِ الحَيَّةُ لا حَولَ لها

بأن تَدخُلَ الفِردَوس ،

لِأنَّ الحيوانَ

والطَّيرَ

لا تَقْرَبُ

مُحِيطَه ُالخارجيّ ،

خَرَجَ آدمُ

إلَيهِنَّ ،

فاحتالتِ الحيَّةُ على حَوَّاءَ

بِسُؤَالٍ

اطّلَعَتْ مِن خِلالِهِ أمْرَ الفِردَوس ِ

ما هُوَ ؟ و أينَ ؟

5 – ولكِنْ لمَّا سَمِعَ اللَّعينُ

أنَّ مَجدَ مِحْرَابِ الفِردَوس

مَحجُوبٌ عَنهُما

كما كانَ مَجْدُ قُدْسِ الأَقداس ،

وأَنَّ شَجَرَة َالمَعرفة ،

وقد تَعطَّفَتِ الوَصيَّةَ ،

أشْبَهُ بِحِجَابِ

المَقْدِس ،

عَرَفَ أنَّ تلكَ الثَّمَرَةَ

هي مِفتاحُ الِبرِ

تَفتَحُ على التَّوبة ِ

أعيُنَ الطَّامِحَين .

6 – كانت أَعيُنُهما مَفتُوحة ً

ومُغمَضة ًمعًا ،

حتّى لا تَرى المَجدَ

ولا تَرى الهَوانَ :

لا مَجْد َ

مِحرابِ الفِردَوس

ولا عُرْيَ

جَسَديهِما  .

لقد أخفى اللهُ في الشَّجرةِ

تَينِكَ المَعرِفَتَين ِ

ونَصَبَها قَضاء ً

بَينَ الجانِبَين .

7 – فلمَّا اقتَحَمَها آدم ُ

وأكَلَ مِنها ،

شاعَتْ فيه نَشْوَةُ المَعرِفَتَينِ مَعا ً

ساعة ً

وزاحَتِ الغِشاءَين ِ

عَن عَينَيهِ :

رأى مَجْدَ قُدْسِ الأقداسِ

فارتاعَ ،

ورأى هَوانَهُ فَبُهِتَ ،

وتوجَّع واكتَأبَ

لِأنَّ ما عَرَفَ بالمَعرِفَتَينِ

صارَ عَذابا ً لَهُ .

8 – كُلُّ مَن أكَلَ

مِن تلكَ الثَّمَرَةِ

رأى والتَذَّ

أو رأى وتَوجَّعَ .

لقد أغراهُما اللَّعينُ أن يَأكُلا بالإِثم ِ

ليُقاسِيا المَرارة َ.

كالجَبَّارِ الجَائِعِ

الذي ضاعفَ عذابَه ُ

إنَّه رأى الطيَّبَ

ولم يَذُقْهُ ،

كذلِكَ رأيَا اللذَّة َ

ولم يَذُوقاها .

9 – لم يَهَبْه ُ اللهُ

أن يَشْهَدَ عُرْيَهُ

إلَّا إِذا ازْدَرى الوَصِيّة ،

فَيُريهِ إيّاهُ لِعَارِهِ .

ولا كَشَفَ لهُ قُدْسَ الأقداسِ

إلَّا إذا رَعَى الوَصِيَّة

فَيَراه ُ

ويَفرَح .

لقد حَجَبَهمُا عنهُ

مُعَدَّينِ لِجَزاءَينِ

 

لكي يَنالَ من جِهادِهِ

الإكليلَ على حَسَبِ أعمالِهِ .

10 – لقد نَصَبَها قَضاءً :

إن أكَلَ مِنها

كشفَ لهُ مِن أيِّ عُلوٍ

سَقَطَ بكِبْرِيائِهِ ،

وفي أيِّ عُمْق ٍ

رَسَبَ لِعَذابِهِ .

وإنْ ظَفِرَ

ألبَسَه ُ

المَجدَ وكشفَ لَهُ

ما العار ُ

حتّى يَعرِفَ في العافية ِ

ما المَرَضُ .

11 – على أنَّ امْرَأ ً

يَملِكُ العافِيةَ

ويَعرِفُ بفِكْرِهِ

ما المَرَض ،

يَكونُ لهُ ما يَملِكُ ، عَونا ً،

وما يَعرِفُ ، رِبْحا ً.

بيد أنَّ امْرَأ ً يُضْنِيهِ المَرَضُ

وهو يَعرِفُ ، بفِكرِهِ ،

ما العافِيَة ُ

فالسَّقَمُ يُجْهِدُه ُ

والفِكْرُ يُعَذِبُهُ .

12 – لو ظَفِرَ آدمُ

لَمَلَكَ

المَجدَ في جَوارِحِه ِ

والألمَ في ذِهْنِهِ ،

فإذا هو يَتألقُ بجَوارِحِهِ .

ويَترقَّى بذِهْنِه ِ.

كُلُّ ذلكَ قَلبَتْهُ الحَيَّة ُ:

أذاقَتْه ُ

الذُّلَّ بالفِعلِ

والمجدَ بالذِكْرِ

فاذا هو يَخْزَى بما وَجَدَ

ويَبكي ما فَقَدَ  .

13 – كانتِ الشَّجَرة ُ

بابَ السِّرِ

وثَمَرَتُها حِجابَ

المِحْرابِ الخفيّ .

قَطَفَ آدمُ الثَّمَرَةَ

ونَقَضَ الوَصيَّة ،

وإذ رأى المَجدَ

مِن داخل ٍ

مُتألِقا ً مُشِعّا ً،

فَرَّ إلى خارج ٍ

هارِعا ًإلى التّينِ الوَديعِ

يَلوذُ بهِ .

14 – في الوَسَطِ غَرَسَ

شَجَرَةَ المَعرِفَةِ

ِليَفصِلَ بينَ أعلى وأسفل ،

بينَ القُدْسِ وقُدْسِ الأقداسِ .

تَجاسرَ آدم ُ

فتألّمَ كما عُزّيَّا :

المَلِكُ بَرِصَ ، وآدمُ

عَرِيَ  ،

وحينَ ضُرِبَ كعُزّيَّا

هُرِعَ وخرَجَ .

لقد هَربَ المُلوكُ واختَبأوا

لأنَّهم خَزُوا بأجسادِهم .

15 – اذا كانت أشجارُ

الفِرْدَوسِ كافَّة ً،

كُلُّ واحِدةٍ مِنهُنَّ تَلبَسُ المَجدَ ،

وتَتعطفُ بالبَهاءِ ،

السَّرافُونَ بأجنحَتِهم

والأشجارُ بأغصانِهِنَّ

يَتحجَّبُونَ لئَلّا يَنظُروا

إلى سَيِّدِهم ،

فإنَّهم جَميعَهم اسْتَحْيَوا بآدم

وقد عُرِّيَ فجأة ً.

لقد سَرَقَتِ الحَيَّة ُالثيابَ ،

فتَركَتْها الثيابُ بلا أرجُل .

16 – إِن كانَ اللهُ لم يأذَنْ

لِآدمَ أن يَلِجَ

المِحْرابَ الحَميمَ

فلأنَّهُ مَحفُوظ ٌ

إلى أَن يُجِيدَ خِدْمَةَ

المَسْكِنِ الخارجي ،

فيَكُونُ حِفْظُهُ للوَصِيّةِ

مِجْمَرَتَه ُ

كما يكونُ العِطْرُ الطيِّبُ

في مِجْمَرَةِ الكاهن ؛

وحينَئِذٍ يَدخُلُ أمامَ المَحجُوبِ

إلى الحَرَمِ المَحجُوب .

17 – مَثَّلَ مُوسى

سِرَّ الفِردَوسِ

حينَ بَنَى مَقْدِسَينِ

القُدْسَ وقُدْسَ الأقداس :

أمَّا الخارجيُّ

فحَلالٌ وُلُوجُهُ

وأمَّا الدَّاخليُّ

فمَرَّةً يُولَج ُ.

كذلكَ اللهُ جَعَلَ الفِرْدَوسَ :

فأقفَلَ حَرَمَهُ الدَّاخليّ

وفَتَحَ الخارجِيّ

لآدَمَ يَتَنَعَّمُ فيهِ .

 

 

 

النّشِيدُ الرّابع

1 – رأَى البَرُّ آدمَ

وقد أَطلقَ لَهُ الحُرِّيَّةَ إنَّهُ قد تَوقَّحَ

وعرَفَ أنَّهُ ، إنْ أرخى لَهُ ،

يَعودُ يَخطَأ ُ .

لقد تَخطَّى ذلكَ الحَدَّ

الليِّنَ اللَّطيفَ

فعادَ وَضَعَ لَهُ حَدّا ً

رادعًا :

الصَّوتَ والوَصيَّة َ

حَدّا ً للشَّجَرة ِ

والكَرُوبَ والسَّيفَ المَسنُونَ

سِياجا ً للفِردَوس .

لازمة :

أهِّلني بنعمتِكَ

أن نَدخُلَ فِردَوسَكَ .

2 – قد شاءَ آدم ُ

أن يَدخُلَ بِلَوثَتِهِ

قُدْسَ الأقداسِ

الذي يُحِبُّ مَن يُشبِهُه ُ.

ولأنَّه اجْتَرأ أن يَلِجَ

المَقْدِسَ الدَّاخِليَّ  ،

فلم يُبَحْ لهُ

حتَّى الخارجِيّ .

رأى بَحْرُ الحياةِ

في أحشائِهِ جِيْفَة ً

لم يُطِقْها في جَوفِهِ

فقذفَ بها إلى خارجٍ .

3 – صوَّرَ اللهُ ذلك المِثالَ

بالشَّعبِ العِبْرانيّ :

أنَّ مَن عَلاهُ بَرَصٌ

في داخِلِ المَحَلَّة ،

يُطرَدُ ، يُقذَفُ بهِ

إلى خارجٍ .

فإذا بَرِئَ مِن بَرَصِهِ ،

وَلَقِي عَطْفًا

يُطَهِرُهُ الكاهنُ

بزُوفى الدَّمِ والماءِ ،

ويَعُودُ إلى بَيتِهِ

ويَدخُلُ مِيراثَهُ .

4 – كانَ آدمُ غايةً في الطُّهْرِ

في تلكَ الجَنَّةِ البَهِيَّةِ .

لكِنَّهُ بَرصَ فتَنجَّسَ ،

لأنَّ الحيَّة َقد نَفَثَتْ فيهِ ،

فطَرَدَتْهُ الجَنَّةُ النَّقِيَّة ،

قذَفَتْ بهِ مِن داخِلِها .

بَيدَ أنَّ عَظيمَ الأحبار

الأسمى

رآهُ منْبُوذا ًخارِجا ًعنهُ

فحَنَا وانْحَدَرَ إلَيه ِ.

طَهَّرَهُ بِزُوفاهُ

وأدْخَلَهُ الفِرْدَوس .

5 – كان آدمُ عاريا ًوجميلا ً:

فإذا امرأتُهُ النَّشيطَة

تُجْهِدُ نفسَها وتَصنَعُ لَهُ

لِباسًا قَذْرا ً.

رأتْهُ الجَنَّةُ وبَكَتْه ُ

لأنَّها كَرِهَتْه ُ.

بِمَريمَ أُعِيدَتْ إلَيهِ

الحُلةُ ،

التي حَلتِ اللُصَّ

فَتَلألأ بالوَعْد .

رأتْهُ الجَنَّة ُفاحْتَضَنَتْهُ

بَدَلَ آدم .

6 – شَكَّ مُوسى

فرأى أرضَ المِيعاد

ولم يَدْخُلها .

وكانَ الأُردنُّ حَدًّا لَها .

ضلَّ آدمُ فخرجَ

مِن جَنَّةِ الحياة .

وكان الكَرُوبُ سِياجا ًلها .

وربُّنا وَضَع

كِلَيهِما .

بالقِيامةِ دَخَلَ

مُوسى أرضَ المِيعادِ

وآدمُ الفِردَوسَ .

7 – لكنَّ الفمَ لا يقدرُ أن يكفيَ

الدَّاخليَّ أوصافَهُ ،

ولا يُوَ فِّيَ

حتّى الخارجيَّ محاسِنَهُ ،

بل يَقصُرُ حتّى عن أن يُوَفَّيَ

زِيَنَ سياجِهِ السَّاذِجَة َ

حقَّ

وَصْفِها :

فإنَّ أولانَهُ لَزَاهِية ٌ

وعُطُورَهُ لَمُدهِشَة ٌ

ومَحاسِنَهُ لَمُشتَهاة ٌ

وطَعْمَهُ لَفاخِرٌ .

8 – وضيعًا ما كان َ

كَنْزُ سياجِه ِ

فهو أثرى من جميعِ كُنوزِ

المَسكونَة .

وبمقدارِ ما يَنْحَط ُّ

أسفَلُهُ – إِن قِيسَ –

عن ذُخْرِ

أعلى ذُرْوَتِهِ

فإِنَّ كَنْزَ سياجِهِ

لَأفْخَرُ وأعلى

من جميعِ كُنوزِ

العُمْقِ الذي نحنُ فيهِ مُقيمُون .

9 – لا يُغْضِبَنَّكم أنَّ لساني

قد اجترأَ أن يُخْبِرَ

بما هو أكبرُ منهُ !

فصغَّرهُ لأنَّه لك يَكُنْ كَفِيئا ً لهُ !

ولمَّا لم يكُنْ من مِرآة ٍ

تَعكُسُ جَمَالَهُ ،

ولا مِنْ لَونٍ

لِصُورتِهِ ،

فلا تَثْريبَ على إرادتي

في أنِّي أجْهَدْتُ نفسي أن أُعَبِرَ

بأوصافِ الفِردَوسِ

عن أمْرٍ يُسعِفُنا .

10 – أَمْرٌ يتَعزَّى به المَحزُونُ ،

ويُنشَّأ ُ به الطِفْلُ ،

ويَزهُو العفيفُ ،

ويَتجُرُ به المُعْوِزُ .

عَسَى أن يَنفَحَني كلُّ واحدٍ منهم

بمَنَاهُ وَدِرهَمِه ،

فيسألوا لي

جميعُهم في عَدْنٍ

أن أدخُلَ ذلك المكانَ

الذي تكلمْتُ عنه ما أمكَنَني ،

حتّى يتشَوَّقَ الخامِلونَ

غِنَى وُعُودِهِ .

11 – لا تَدِنْ إرادتي

أيُّها العليمُ !

ولا تُؤَنِّبْني على استقصائي

أيّها المحتجبُ !

لأنّي لم أجترئْ أن أتخطّى

إلى ابِنكَ أيُّها الخفيُّ !

بالصَّمْتِ قد أحَطتُ

الكلمةَ .

فَلِكَوني احترمتُ ابْنَكَ

 

أحْلِلني في فِرْدَوسِكَ !

ليُمجِدْ سِرَّ خَفائِكَ

كُلُّ مَنْ يُحِبُّكَ !

 

 

النّشِيدُ الخامِس

1 – لقد أمْعَنْتُ في كلمةِ

الخاِلقِ ، ومَثَّلتُها

بالصَّخرةِ التي تَبِعَتِ الشَّعبَ

في الصَّحراء :

لم تَصُبَّ عليهم فَيضا ً

عَجيبا ً

مِمَّا كانَتْ تَختَزِنُ

مِن مياه ،

لم يكُنْ فيها مياهٌ

ومنها جُمِعَتِ البِحارُ

كالكلمةِ التي بَرَأت

المخلوقاتِ مِن لا شيء .

لازمة :

طوبى لِمَنِ استَحَق َّ

أن يَرِثَ في فِردَوسِكَ !

2 – وَصَفَ موسى في كتابهِ

تكوينَ الطبيعة ِ

لِيَشْهَدَ للخالقِ

الطبيعةُ والكتابُ :

الطبيعةُ اذا انتُفِعَ بها

والكتابُ اذا قُرِئَ :

شاهِدانِ مُمْتَدَّانِ

إلى كُلِ مكان ،

مَوجُودانِ في كلِّ زمان

حاضرانِ في كُلِ آن

يُؤَنِّبانِ الكافرَ

الذي يُنكِرُ الخالق .

3 – قرأتُ في رأسِ الكتاب

فأنشرَحْتُ ،

لأنَّ ألفاظَهُ وسُطورَهُ

باسِطةٌ لي أذرعَتَها :

السَّطرُ الأوَّلُ فَرِحَ بي فقبَّلَني

وقدَّمَني إلى صاحبِهِ

ولمَّا بَلغْتُ السَّطرَ

المكتُوبةَ فيهِ

قِصَّةُ الفِردَوس ،

تلك القِصَّة ُحَمَلتْني فَنقلتْني

من حِضْنِ الكتاب

إلى حِضْنِ الفِرْدَوس .

4 – إنَّ عَينِي وفكري

قد جازا بالسُّطورِ كما بِجِسْرٍ

ودَخلا معا ً

قِصَّةَ الفِردَوس .

فبالقراءَةِ أجازتِ

العينُ الفِكرَ

ثُمَّ عادَ الفِكرُ

أراحَ

العينَ مِنَ القراءَة ،

وبعدَ إذْ قُرِئَ الكتابُ

استراحتِ العينُ

وأخذَ الفِكرُ يَتْعَبُ .

5 – جِسْرَ الفِردَوسِ

وبابَهُ

وَجَدتُ في الكتاب

فجُزتُ فدخلتُهُ .

أمَّا العينُ فَلَبِثَتْ خارجا ً

وأمّا فكري َفوَلجَ داخلهُ .

فَرُحْتُ أ ُطَوِّفُ فيه ِ

بلا كتاب .

إنَّ تلك القِمَّة َ الشفَّافة َ

لنَقيَّة ٌ بَهِيَّة ٌجَميلة .

وقد سمَّاها الكتابُ عَدْنا ً

لأنّها قِمَّة ُالخُيورِ جميعا ً.

6 – ولقد رأيتُ هناك ،

مَظالَّ الأبرار

مُضَمَّخَة ًبالأطياب

فَوَّاحَةً بالرَّياحين

مُشَبَّكة ً بالأثمار

مُكَللة ً بالأزاهير .

كما هو عناءُ الانسان ِ

كذلك مِظلتُهُ :

فمنها الوضيعَةُ بِحَليِهَا

ومنها المتألِقَة ُ بحُسنِها .

منها الباهتة ُاللَّون ِ

ومنها الوضَّاءَة ُ المَجد .

7 – سألتُ أيضا :

هل للفِردَوسِ

أن يَحتوي جميعَ الأبرار

يَحِلُّون فيهِ .

سأَلتُ عمّا لم يُكتَبْ

فعلمني ما كُتِب :

هاكَ ذلكَ الرجل َ

الذي حَلَّ فيهِ

جَوقُ الأبالسة ِ

سكَنُوهُ ولم يُعْرَفْ أنَّهم ساكِنوهُ .

لأنّ ذلك الحَشْدَ

أرَقُّ وأدَقُّ حتَّى مِنَ النَّفْسِ

8 – حلَّ ذلك الحَشْدُ

كلهُ في جسمٍ واحد .

لكنَّ جسدَ الأبرار

يومَ يُبعَثُون

يكونُ مئةَ مرَّة ٍ

أرقَّ منهُ وأدقَّ

أشبهَ بالرُّوح ِ

المُقتَدر :

إن شاءَ تَبسَّطَ وكَبُرَ

وإن شاء َ انكَمَشَ وصَغُرَ .

فاذا انكمشَ حلَّ في مكان

واذا تَبَسَّطَ في كلِّ مكان .

9 – واسمَعْ أُمورا ً أ ُخَرَ

واعلمْ أنَّ المصابيحَ

ذاتَ آلافِ الأشعَّة

تَحِلُّ في بيتٍ واحد

وفي كأسٍ واحدة

تَحِلُّ رِبْواتٌ من الرَّياحين .

وإذ تَحِلُّ في مكانٍ حاصر

فإنَّه يَرْحُبُ لها

حتَّى لتَرهَجُ فيه .

كذلك الفِردَوسُ

وهو مُكتَظ ٌ بالرّوحانيّين ،

إنَّهُ لرَحْبٌ لهم يَأتَلِقُون فيهِ

10 – والأفكارُ ،

لا تُحَدُّ ولا تُعَدُّ

تَحِلُّ في أصغَرِ قلبٍ

يَكونُ أرحبَ لها مِن أيِ مكان ،

فلا تُضايقُهُ

ولا يُضايقُها

فَأحْرِ بالفِردَوسِ

المجيد ِ

أن يَحتويَ الرُّوحانيِّينَ

الأنقياءَ الذين لا يستطيع ُ

حتّى الفِكرُ

أن يَمَسَّهُم .

11 – سبَّحتُ ما قَدِرْتُ

وهَمَمْتُ أن أخرُج َ

واذا بصوتٍ يُرعِد ُ

في داخلِ الفِردَوس

أشبهَ بأصواتِ بوقٍ

في مُعَسكَرٍ

تَهتِفُ ثلاثا ً

قُدُّوس :

إنَّهُ اللاهوتُ

يُسَبَّحُ في داخلِهِ .

خِلتُهُ زَلزالا ً

فَعرَفْتُ أنَّهُ صوت .

12 – فرَّحَني الفِردَوسُ كثيرا

بأمانِهِ وجَمالِهِ

يَسكنُهُ الجَمالُ

لا عيبَ فيه ،

والأمانُ

لا قَلَق

طوبى للذي استحقَّ

أن يقبَلهُ الفِردَوسُ ،

إن لم يَكُنْ بفَضلِ البِرَّ

فبفضلِ النعمة

أو بالعَناءِ ،

فبالرَّحمة .

13 – قضيتُ عجبا ً لمَّا عَبَرتُ

تُخْمَ الفِردَوس :

عادَتْني

هاجِسَةُ العافية .

ولمَّا بلغتُ شاطئ َ

الأرضِ أمِّ الأشواك

طالعَتْني الأوجاعُ والآلامُ

من كلِّ جنس .

فعلمتُ أنَّ أرضَنَا

سِجنٌ بالنَّظرِ إلى ذاك ،

بَيكي سُجَناؤُهُ

حينَ يَخرُجُونَ منهُ .

14 – وأخذني العَجَبُ مِن أنَّ الأجنَّةَ أيضا

يَبكُونَ حينَ يَخرُجون ،

يَبكُون لأنَّهم خارجون

مِن الظُّلمةِ إلى النُّور

ومن الضَّيقِ

إلى رُحْبِ المسكُونة

 

كذلك الموتُ

بالنظرِ إلى العالَم :

إنَّهُ لسِرُّ مَولِدٍ ،

يَبكي المولودون

من الأرضِ أمِ الآلام ِ

لِجَنّةِ الطَّيِّبات .

15 – لِتتلهَّفْ عليَّ نفسُكَ

يا سيِّدَ الفِردَوس .

وإن لم يكُنْ لي حيلة ٌ

في دُخول فِردَوسك ،

فأَهِلني ، ولو من خارجٍ ،

أن أرعى في سياجِهِ .

ليكُن داخلُه مائدة ً

للأفاضل .

أمَّا على الخطأةِ فلتَفِضْ

ثمارُ سياجِه ،

كالفُتان ، من خارجٍ ،

فيَحيَوا بنعمتِكَ .

 

 

 

النّشِيدُ السَّادِس

1 – إنَّ مفاتيحَ العِلمْ ،

فاتحةَ الكُتُبِ جميعا

قد فَتَحَتْ أمامَ عينيَّ

كتابَ المَبروءَات

كَنزَ تابوتِ العهد

وتاجَ الناموس ،

كتابٌ ، قبلَ أيّ كتاب ،

في مقالتهِ

قد شعرَ بالخالقِ

وتلقَّى بَدَائِعَهُ

ورأى جميعَ حَليِهِ

وحَسَرَ عَن جَمالِهِ .

لازمة :

تبارَكَ الذي بصليبهِ

فَتَحَ الفِردَوس

2 – كتابٌ أوصلني

إلى بابِ الفِردَوس ،

ولمَّا دخلَ العقلُ ،

وهو رُوحاني ، بُهِتَ وَدَهِشَ .

لقد تاهَ العقلُ وأعيا ،

لأنّهُ لا حَواسَّ يُمكِنُها

أن تَحْصُرَ كُنوزَهُ

المَجيدة .

ولا أن تَتذوَّقَ طعْمَهُ ،

ولا أن تَسْبُرَ ألوانَه ُ،

ولا أن تَحُوشَ جَمالهُ ،

وتَحكيَ قِصَّتَه ُ.

3 – يَجمَعُ الحَواسَّ

بلذَّاتِهِ على اختلافِ ألوانِها :

الأحداقَ بحَليِه ِ

والسَّمْعَ بأصواتِهِ ،

الفَمَ والأنفَ

بطَعْمِهِ ورائحتهِ .

تباركَ

الذي جَمَعَ لنفسهِ

الساهرينَ والصائمين ،

يَنْهِمُونَ ،

بَعْدَ أصوامِهم ، يَرْعَون

في مُروجِ الطَّيِّبات .

4 – عظَّمَني وقد استشعَرْتُهُ ،

أغناني وقد تأَمَّلتُهُ .

سَلوتُ حقارتي

وقد أسكرني برياحينهِ

وكأنّي لم أكُن إِيّايَ ،

وقد جدَّدني وبدَّللني

فَطَفَوْتُ على أمواجهِ

المجيدة ؛

والموضعُ الذي اضطَرَمَ كالكُورِ

فَعرَّى آدمَ ،

لَكَمْ سَكِرْتُ فيهِ

حتَّى نَسِيتُ فيهِ ذنوبي .

5 – وإذ لم يكُن لي طاقة ٌ

بالمَخْرِ في أمواجِ بَهائِه ،

احتملَني وألقى بي في بحرٍ

آخَرَ أوسعَ منهُ .

لقد رأيتُ في جَمَالِهِ الذين

هُم أروعُ بهاءً منه ُ.

فأغرقتُ أتأمَّلُ : لَئِنْ يكُ ذلكَ مُرتَقاهُ من المجد ،

فلَكَمْ آدمُ نفسُهُ ،

وهو صورةُ غارسهِ

أعلى منهُ مجدا ً،

وكم أجملُ هو الصليبُ

مَركَبَةُ ابنِ سيّدِهِ !

6 – لم يُبدَعِ الانسانُ

للفِردَوس

بل الفِردَوسُ

للإنسانِ .

قلبُ آدمَ أمْرَعُ من بَراعمِ الفِردَوس ،

وأقواله من الأثمار ،

لأنَّ الكلمةَ

أطيبُ من الثَّمَر ،

وحقيقة َ الانسان

أفضلُ من أُصولِ الشَّجَر

وأبهى الحُبُّ

من الاطياب .

7 – غَرَسَ الجنَّةَ البَهيَّةَ

وبنى البيعة َالنقيَّة

في شجرةِ المعرفة

وضعَ الوصيَّة .

فَرَّحَ ولم يَفْرَحا

هدَّدَ ولم يَخْشَيَا .

في البيعةِ وضعَ

الكلمة َ

تُفَرِحُ بالوعد

تُهَدّدُ بالوَعيد

مَن ازدراها هلكَ

ومن رَعاها عاشَ .

8 – إِنَّ جماعةَ القدّيسين

لَمُمَثَّلةٌ بالفِردَوس .

فيها ،أَيّها الاخوة ، تُقطَفُ ، كلَّ يومٍ ،

الثمرةُ مُحيِيَة ُالجميع ،

فيها يُعتَصَرُ

العُنقودُ مُحيِي الجميع .

أمَّا الحيَّةُ فَعَرْجَاءُ أسيرة

أسرتها اللعنة ُ.

أمَّا حوّاءُ فَسَدَّ فاها

الصَّمْتُ المُجدي ،

ولكنَّ ذلك الفمَ نفسَه ُ

لم يَبرحْ كِنّارةً لمُبدِعِها .

9 – ليسَ فيهم مِن عَارٍ :

لقد لَبِسُو المجدَ .

ولا مُتَسَتّرٍ بأوراق ،

شاخصٍ في هَوان :

بِرَبِنا قد وَجَدوا

حُلةَ آدم .

والبيعة ُ

لا تزالُ تُطهِرُ أذُنَيها

من مَقُولةِ الحيّة ِ

التي استمعاها فتلطَّخا بها .

إِنَّ اللَّذَينِ أضاعا ثيابَهما

قَد استردّاها جديدةً بيضاء .

10 – قُوّةٌ ولا جَهْدَ

ذراعٌ ولا عناءَ ،

غَرَسَتِ الفِردَوس ،

زيَّنَتْهُ ولم تَتْعَبْ .

جَهْدُ حُرِيَّة ٍ

زيَّنَ البيعةَ بمُختِلفِ الأَثمار

فرآها الخالق ُ

فارتاح َ

فحلَّ في الفِردَوس

الذي غرسَهُ الجَهْدُ لجَلالِته ِ

كما غَرَسَ هو نفسُهُ

الجنّةَ لِمِتْعَتِهِ .

11 – حَمَلَ الأفاضلُ

أثمارَهم وخَرَجُوا

إلى لقاءِ الفِردَوس

مَزْهوًّا بضُروبِ الأثمار :

دخَلوا الجنّةَ البهيَّة َ

بروائعِ مآتيهم ،

فرأتِ الجّنة ُ

أثمارَ الصدّيقين ،

إنّها لتَعْلو

أثمارَ أشجارِها ،

وحَليَ الظافرين

يَعلو حَليَهَا .

12 – ُطوبى للذي استحقَّ

أن يَرى في الفِردَوس

كيفَ تباهت أثمارُ

أشجارِه المجيدة ،

وخُذِلتْ لمَّا رأتْ

أثمارَ الظافرين

والأزهارُ أخذتْها نَشوةُ ظَفَر ٍ

ثمَّ انكفأتْ مَهزُومة ً،

وقد رأت أزاهيرَ ،

بُتُلا ً وقدّيسين

بإكليلِهم فَرِحَتِ

البَرِيَّة ُوبارئُها .

13 – إنّها لَأجملُ في عَيَني العليمِ

أثمارُ الصدّيقين

من أثمارِ

الأشجار .

جَمالُ الطبيعة

أجَلَّ العَقْلَ

والفِردَوسُ

العِلمَ ،

الأزهارُ الأعمالَ

والجَنَّة ُالحُرِيَّة َ

والأرضُ الفِكرَ

تبارَكَ الذي رفعَ آدمَ .

14 – إنَّ التحدُّثَ

عن قَصَصِ الظّافرين

لَأحَقُّ منهُ عن قِصَّة ِ

الفِردَوسِ المبارَكَة :

فانّهم قد تَحَلَّوا

على مِثالِ الفِردَوس ،

وفيهم صُوِرَ جَمالُ

الجَنَّة .

لِنَدَعْ قِصَّة َالأشجار

ونَحْكِ قَصَصَ الظافرين

ومكانَ أن نُطْرِئَ الميراثَ

نُطرِئَ الوارثين .

15 – إِن كُنَّا نَقضي العجَبَ

من جَمالِ الفِردَوس

فكيفَ

بجمالِ العقْلِ

ذلك من الطبيعة

وهذا من الإرادة .

لقد حَسَدَتِ الحُرِّيَّة ُ

الجَنَّةَ .

فَنَوَّرتْ وبرزَتْ من الحُرِّيَّة ُ

أثمارُ الظَفَرِ ،

إذ إنَّ أكاليلها ظَفِرَتْ

بِحَليِ الفِردَوس .

16 – هُناك مُتَّكآتُ الأبرار المُشتَهاة ،

مَجْلوَّةٌ بَهيَّة

في عينِ العقل .

إنَّهم يَدعُوننا

نكونُ لهم إخوة ً،

وصُحْبانا ًوأعضاءً ؛

فلا نَفْصِلْ عنهم

أيُّها الاخوة ؛

بل فلنكُنْ إخوة ً لهم

والّا فجيرانَهم ،

أوْ لَمْ نَكُنْ في ديارهم ،

فَحَوْلَ مَظالِهم .

17 – إنّه لَمَحْسُودٌ مَن استحقَّ

غِنى كُنوِزهم .

تباركَ مَن استحقَّ

نَدَى غِناهم .

أهِلني لِقِسْمَةٍ

ضَئيلةٍ من ذلك .

لَيَرَني العدو ُّ

ويَغْتَمَّ .

فقد ظنَّ أنْ يَراني

في المكانِ الذي أعدَّهُ لي

فَليَرَني في ذلك المكان

الذي هَيَّأتْهُ لي رحمتُكَ !

18 – طوبى لِمَن استحقَّ

أن يَرَى حُلتَهم .

طوبى لِمَن استحقَّ

أن يُصغيَ إلى حِكمَتِهم .

طوبى للأُذُنِ

التي شَبِعَتْ من أصواتهم .

طوبى لِمَن أدرَكَ

طوباهم .

طوبى لِمَن عَنِيَ

حتّى يكونَ بين الأوَّلين .

ويلٌ لمن لم يُحاوِلْ أن يكونَ

حتّى بينَ الآخِرين .

19 – طوبى لِمَن كانوا

أصحابَهُ أمامَ الصَّالح .

وَيْلٌ لِمَن كانوا

أخصامَهُ أمامَ البَرّ .

في عَدْنٍ يكونُ مَن يُحِبُّهم ،

وفي الجحيمِ مَن يُبغِضُهم .

المدينةُ التي نَفَضُوا عليها

غُبارَهُم

إنَّما سَدُومُ أرَقُّ حالاً منها .

والبيتُ الذي صَلوا فيه ِ

عاشَ فيهِ المَيتُ

وأفْعَمَهُ الأمانُ .

20 – هَبَطُوا مِصْرَ ،

فأشبعوها ، وقد عضَّها الجُوع ،

بَلَغُوا البحرَ الأحمق َ

فأدّبُوهُ بالعَصا

خرجوا الى الصَّحراءِ الجَرْداءِ

فزيَّنوها بالعَمُود

دخلوا الأتُّونَ

المَسْجُورَ

فأَخمدوهُ بأندائِهم

نَزَلُوا إلى الجُبِ

فانحدر الملاكُ وعلمَ

الضواريَ الصَّوم .

21 – ذلك المِلحُ الذي هو مالحُ نفسِهِ

لِئَلّا يَفْقِدَ طَعْمَه ُ

يدُ الخالقِ ذَرَّتْه ُ

في المَسكونةِ .

كما أنّ تلك اليدَ قد أخذت ْ

ذُرِّيَّة َآدمَ

من جَميعِ الأرض

كذلكَ ذَرَّتْها في جَميع ِالأرض .

جَمَعَتْ شَتيتَها

وبذَرَتْ جَميعَها .

مِن الجميعِ إلى آدم

ومنهُ إلى الجميع .

22 – بهم أضاءَ المَشْرِق ُ

وبهم أشعَّ المَغْرِبُ

بهم رُفِعَ الشَّمالُ

وبهم رُقِيَ الجَنُوبُ

طَلَعُوا الجَلَدَ ففتَحوهُ

وهبطوا اليَمَّ فجعلُوهُ جِسْرا ً

السرُّ الذي جَلاهُ المُرْسَلُ

بالمَثَلِ

نَشَرُوهُ في العالَمِ أجمع

لَفُّوا بهِ جميعَ الأقطار

فاعتنقَتْهُ البرايا

تَعُبُّ منه القُوَّة .

23 – واحدٌ منهم شَقَّ الهواء

بمَركَبتِهِ

فهبَّ الساهرون إلى لقائِه ِ

وقد رأوا ، أوَّلَ مَرَّة ٍ،

في مُقَامِهم ، جَسَدا ً.

كما أنّ ذلك الأرضيَّ

صَعِدَ في المَركَبةِ

والتَحَفَ الضياءَ ،

كذلك السيّدُ انحدرَ مُنعِما ً

ولَبِسَ جَسَدا ً

رَكِبَ الغمامَة َوصَعِدَ

ومَلَكَ على العُلوِ والعُمْقِ .

24 – انّ الساهِرينَ من نارٍ ورُوحٍ

قد أخذَهُم العَجَبُ بإِيليّا

وقد توَسَّمُوا فيهِ

كَنْزا ًمَكْنُونا ًطَيِبّا ً

تعجَّبوا مِنَ الصَّلصالِ

فحَمِدُوا جابلَهُ .

لأنّهم عاينُوا البتوليَّة َ

وابتهجوا ،

وقد رَفَعَتِ السُّفْلِيّينَ

وأدهشَتِ العُلْوِيّين .

على الأرض كِفاحُها

وفي الفِردَوس إكليلُها .

25 – بالحُبِّ والعِلمِ ،

يُمَازجُهُما الحَقُّ ،

يُمكِنُ العَقْلَ أن يَكْبُرَ

ويَغتنيَ بكُلِ جديدٍ ،

إذا تأمَّلَ وأمعنَ

في كَنْزِ الخفايا .

ها أنذا قد أحببتُ وتعلَمْتُ

وتحققت

أنَّ الفِردَوسَ

ميناءُ الظافرين .

بما أنَّني استحقَقْتُ أن أُحِسَّهُ

أهِّلني أن أدخُلَه ُ!

 

 

 

النّشِيدُ السَّابع

1 – عَزُّوا النَّفْسَ بالوُعود

كُلَّما أخَذَتْكُم مِحنَة :

فإنَّ كلمة َالمُكافِئِ الجميعَ

لا تكذِبُ !

ليس كَنْزُهُ بقليلٍ

حتَّى يَرجُفَنا الخوفُ امامَ وَعدِهِ .

لقد أسلمَ ابنَهُ عنَّا

حتّى نؤمنَ بهِ ،

لانَّ بينَنا جَسَدَهُ ،

عندَنا حقيقتَهُ .

جاءَ يَهَبُنا مقاليدَ الفِردَوسِ

لأنَّ كُنوزَهُ مُذَّخَرةٌ لنا .

لازمة :

مُبارَكٌ مَن فَتَحَ بمقاليدِهِ

جَنَّةَ الحياة !

2 – يَهجَعُ النَّاسُ في المساء ،

يُغمِضُون عُيونَهُم ؛

وفي الصَّباح يَستيقظون .

إنَّ في اللَّيل لَسِرّا ً:

ما أَبعدَ المكافِئ َ!

هُوذا قد أشرقَ ، إنَّه لَقَريب !

لا تَمَلُّوا ، يا إخوتي ،

ولا تَظُنُّوا

أنَّ كِفَاحَكُم دائم ٌ

وأنَّ انبعاثَكُم بعيد .

فوراءَنا مَوتُنا

وأمامَنا انبعاثُنا .

3 – أيُّها النُّسْكُ ، تَجَلَّدْ ،

فتَبلُغَ الفِردَوس .

فَطَلُّهُ يَغْسِلُ وَضَرَك ،

وعلى طِيْبِهِ تَتَنَعَّمُ ،

مُتَّكأُهُ ، بَعد النَّصَبِ ، يُريحُكَ

وإكليلهُ يُعزّيكَ

أمَّا جُوعُكَ فتُشبعُهُ

ثَمرَة ٌ

تُطَهِرُ آكِليها

وعَطَشُكَ يُرويهِ

شَرابٌ سماويٌّ

يُحكِمُ شاربيهِ .

4 – ُطوبى للمسكينِ

الذي يُحَدِّقُ إلى ذلك المكان !

لأنَّ الغِنَى مَرْكُومٌ

حَولَهُ من خارج .

والعَقِيقُ والياقُوتُ

مَنْبُوذ ٌ ومَطروحٌ هناك

لئلَّا يُنَجَّسَ أرضَه ُ

المجيدة َ.

وإنْ يُلْقِ فيهِ بَشَرٌ

بِلَّورا ًولآلئَ ،

تَبْدُ كريهة ًمُظلمة ً

على أديمِهِ الطَّاهر !

5 – ذُكورٌ وإناثٌ

يَشْتَمِلُونَ بِلباسٍ من نُور

يَحجُبُ ألقُه ُ

مَلامحَ السَّوءَةِ ؛

يُسْكِتُ الحَواسَّ ،

حَرَكاتِها النَّابيةَ ؛

 

يُنْضِبُ مَنابعَ الشَّهوة ؛

يُخمِدُ الحِقْدَ

ويُطَهِّرُ النِّفْسَ ،

وكالحِنْطَةِ في عَدْنٍ ،

كذلك النَّفْسُ تَنمي

لا شوكَ يَخْنُقُها !

6 – هناك البوليَّة ُ

تَطرَبُ : لأنَّ الحَّية َ

التي نَفَثَتِ السُّمَّ

في أُذُنَيها سِرَّا ، قد طُرِدَتْ .

فَهَفَتِ التِّينة ُ

مُبتَهِجة ًوقالت لها :

لقد نَسِيَتْ ُطفولتُكِ

البريئَة ُ

يومَ عُرِيتِ

فاختبأتِ في حِضْني .

المجدُ للَّذي خَلَعَ

على عُرْيِكِ حُلَّة ً.

7 – هناك الشَّبابُ

يَفرحُ لأنَّه قد ظَفِرَ .

وهو في الفِردَوسِ يَرَى

يوسُفَ قد نَبَذَ

واطَّرح الشَّهوة َ

المُلتَهِبةَ في الحَمْقَى  ،

الشَّابَّ قد ظَفِرَ على الرَّقطاءِ

في جُحْرِها ؛

إنَّ شَمْشُونَ قد ظَفِرَ على الأسَد ،

والأفعى قد ظَفِرَتْ عليهِ ،

لَدَغَتْهُ فانتثَرَ

شَعَرُ نُسْكِهِ .

8 – هناك يرتاحُ الزَّواجُ

وقد سَحَقَهُ

حَبَلُ اللَّعنة ِ

وَوِلادةُ المشقَّةِ ،

حينَ يَرى الأطفالَ

الذين دَفَنهُم على العويلِ ،

يَرعَونَ كالحُملانِ

في أرجاءِ عَدْنٍ

في المراتبِ العُلَى

وأضواءِ المجد ،

فَإنَّهُم لَأنْسِباءُ

الملائكةِ لا تَعلُوهم شائبة .

9 – الشُّكرُ للحنَّانِ

على أنَّه قَطَفَهُم أطفالاً .

ثِمَارا ً

لمَّا تَنْضَجْ

لكي يُصْبِحُوا بواكيرَ

في فِردَوسِهِ .

مَشْهَدٌ جديدٌ للنَّظر :

فالأَثمارُ

تَقطِفُ الفاكهةَ

والأبكارُ البواكيرَ

فتلاقى على النَّقاوةِ

المقطوفونَ والقاطفون .

10 – أيَّتُها الشَّيخُوخة ُ

اعْقِدِي لَواحِظَكِ بالفِردَوس .

فإنَّ أرَجَهُ يُعيدُكِ إلى الطُّفولةِ ،

استِنشاقَهُ إلى الشَّباب .

الجَمالُ الذي يُلبِسُكِ

يَبتَلِعُ عُيوبَكِ .

إنَّها لَمُعجِزَة ٌ

مَثَّلَها لكِ بموسى :

فَبِهِ وَجْهُهُ الجَعْدُ

حَسُنَ وزَها :

إنَّهُ لَرَمْزٌ إلى الشَّيخُوخةِ

تَسْتَرِدُّ شَبابَها في عَدْنٍ .

11 – لا إثْمَ فيهم

فلا عَيبَ .

لا حِقْدَ

فلا غَضَبَ

لا غِشَّ

فلا هُزْءَ .

لا يَعْجَلُونَ إلى الأذى .

فلا يُؤذَونَ .

هناك لا يَحْسُدون

فهناك لا يُبغِضون .

هناك لا يَظلمون

فَهناك لا يَدينون .

12 – يَرى بنو البَشَرِ

أنْفُسَهم في المجدِ

فيُدهَشون

في أنْفُسِهم أين هُم .

فإنَّ أجسادَهم ، وهي بطبعها

قَلِقَةٌ ومُقْلِقَة ،

تُصبحُ صافية ًهادئة ً

تُشِعُّ

بهاءً من خارجٍ

ونقاءً من داخلٍ ،

الجسَدُ بَهَاءً مَرْئيّا ً

والنَّفْسُ نقاءً خفيّا ً.

13 – يَرتقصُ في الفِردَوسِ

العُرْجُ الذين ما عرفوا الخَطْوَ

ويطيرُ في الهواءِ

الشُّلُّ الذين ما استطاعوا الزَّحْفَ

العُمْيُ والصُّمُّ

الجائعونَ من الحشا ،

إلى النُّورِ جائعون

وما أمكَنَهُم أن يُبصِرُوه ،

يُبْهِجُ عُيونَهُم

جَمالُ الفِردَوسِ

وعزيفُ كِنَّاراتهِ

يُطَيِبُ آذانَهُم .

14 – مَن لم يَهْف ُ

إلى اللَّعنةِ والشَّتيمةِ

بَدَرَتْ إليه

بَرَكَةُ الفِردَوس .

مَن صانَ

حَدَقَ عَينَيهِ

رنَّاهُ

جَمالٌ أرْوَع ُ

مَن حلَّى

مرارةَ أفكارِهِ

تفجَّرت مِن أعضائهِ

ينابيعُ حلاوة .

15 – والبَتُولُ التي مَقَتَتِ

الإكليلَ الزَّائلَ

تُشرِقُ في الخِدْرِ المُشِعَّ

الذي يُحِبُّ بني النور

لأنَّها مَقَتَتْ

أعمالَ الظُلمة ِ

والتي أوحَدَها البيتُ

وأوحشَهَا ،

العُرْسُ يُؤنِسُها

لأنَّ الملائكةَ يَهِشُّون بهِ ،

الأنبياءُ يبتهجون

والرُّسُلُ يتأَلَّقون .

16 – أيَّ البُقُولِ

اختارَ دانيالُ

الذي قد خَرَّ لهُ

الملوكُ بتيجانِهم ؟!

إن الأشجارَ ، بَدَلاً من الملوك ،

يُعَظِمْنَ الصَّائمين

خاشعاتٍ داعياتٍ لهم

بجَمالِهنَّ ،

أن يَعْرُجوا إلى منازلِهنَّ

وَيَحِلوا في مَظَالِهِنَّ ،

يَسْتَحِمُّونَ في أندائِهنَّ

ويَلذُّونَ أثمارَهنَّ .

17 – مَن غَسَلَ أقدامَ القدّيسين

استحَمَّ في ذلك النَّدى .

واليدُ التي امتَدَّت

تُمِدُّ المُعْوِزين

إليها تتعطَّفُ

أثمارُ الفِردَوس.

والرِجْلُ التي عادتِ

المرضى

إليها تَهْرَعُ الأزاهير

تُكَللُ عَقِبَيها ،

فَيَتزاحَمْنَ أيُّهُنَّ تَسْبِقُ

فَتَلثُمُ مَواطِئَها !

18 – من صامَ عن الخَمْرِ

زاهدا ً

هَفَّتْ إليه ِ

دَوالي الفِردَوس

واحدةً فواحدة ً

تُنيلهُ عُنقُودَها .

وإن زادَ فكان بتولا ً

جَعَلتْه ُ

في حِضْنِها الطَاهر

لأنَّه ، من أجلِ الوحيد ،

لَم يَرْتَمِ في حِضْنٍ

ولأ في مَضْجَعِ زواج .

19 – والذين تُوَّجُوا

بالسَّيفِ في سبيلِ ربِّنا ،

هناك بالمجدِ

تتألَّقُ تيجانُهم ،

لانَّهم سَخِرُوا ، في أجسادِهم ،

من نيرانِ المضطَهِدين .

وكالكواكبِ هناك

يَلمَعُ

َبنُو النُّور السَّبْعَةُ

الذين فَخَرَتْ بهم أمُّهُم ،

لأنَّهم ، في مَوتِهِم ، استهزأوا

بِحَنَقِ الكافرِ .

20 – إنَّ خيرَ ذلك المكانِ

لَيُفَرَّحُ المُتْعَبَاتِ

الَّلائي خَدَمْنَ القدّيسين

حين يُشاهِدْنَ الأرملة َ

التي تَلقَّتْ إيليَّا ،

تتنعَّمُ في عَدْنٍ .

وَبَدَلاً من اليَنبُوعَينِ

اللَّذَينِ قاتاها ،

بَدَلاً من الجرَّةِ وَالقارورةِ ،

تَقُوتُهُنَّ في عَدْنٍ

فُرُوعُ الأشجارِ

لِأنَّهُنَّ قُتْنَ المُعوِزين .

21 – لا شيءَ هناك

ضائع :

نَبْتُهُ ذَوْبُ هناء ،

سُعْدُهُ وَفْرُ غِنى .

مَن َيذُقْهُ تَعُدْهُ الفُتُوَّة

ومن يَسْتَنْشِقْهُ يُجَلِلهُ الجَمال .

زَهَرُهُ وعبيرُهُ

ذخيرةٌ

مَكنُونة ٌ فيه ِ

يُهديها إلى جامِعهِ .

ثَمَرُهُ يحتوي كنزا ً

يُقَدِّمُهُ إلى قاطِفِهِ .

22 – هناك لا يجوعون .

فهناك لا يَنْصَبُون .

هناك لا يَخطَأُون

فهناك لا يَخْجَلون .

هناك لا يَتُوبون

فهناك لا يتأسَّفُون .

يَطمئِنُّ الهارعُون

ويستريحون .

هناك لا يموتون

فهناك لا يَشيخون .

هناك لا يَلِدُون

فَهناك لا يَقبُرون .

23 – لا ألمَ هناك

فلا هم َّ

لا فَخَّ

فلا رُعْبَ

لا عَدُوَّ

لأنَّهم تَخَطَّوا الجهاد .

إنَّهم أنفُسَهُم

يُطَوِّبون

كُلَّ حينٍ

لأنَّ حَرْبَهُم قد هَمَدَتْ .

نالُوا أكاليلَهم

وفي منازِلهم خَلَدُوا .

24 – رأيتُ ذلك المكانَ ،

يا إخوتي ، فجَلسْتُ ، فَبَكَيتُ

نَفْسي ونظيري .

لأَنَّ أيامي قد زالَتْ ،

يوما ً فيوما ً بادَتْ وَفَنِيَتْ ،

نُزِعَتْ وما عَلِمْتُ !

دَهِمَني الأسى

لِكَوني أضعْتُ

الإكليلَ والاسمَ والمجدَ ،

الحُلةَ والحِذْرَ الوضَّاء ،

وليمة َالملكوت ! …

طوبى لمن استحقَّها !

25 – لِيسألْ لي

بَنُو النُّور ربَّنا

أنْ يُهْدِيَ إليهم

نَفْسا ًواحدة ً،

فيكونَ لي مُسِوّغٌ جديدٌ

لأُمجَّدَه ُ

فلا بُدَّ مِن أنَّ يَدَهُ

مَبْسُوطة ٌ

فبعَدْلٍ يُعطي ،

وبجُودةٍ يَهَبُ .

إنَّهُ برحمةٍ يُنيلني

مِن كَنْزِ رحمتهِ .

26 – وإنْ مُنِعَ ذو لَطخَة ٍ

من أن يَدخُلَ ذلك المكان ،

فأسْكِنِّي في سياجِهِ ،

في ظلالِهِ أقِمْني .

وبما أنَّ الفِردَوسَ

مِثْلُ المائدة

هَبْ لي أنْ آكُلَ

في الخارج

نُثارَةَ أثمارِهِ

فيَجريَ عليَّ مَثَلُ

الكلابِ تَشبَعُ

من فَضَلاتِ أربابِها .

27 – وأسُلَّ عِبْرَة ً

من قِصَّةِ الغنيّ

وقد حَبَسَ عن المُعْوِزِ

حُثالة َمائدتِهِ !

ورأى ألِعازَر َ

يَرعى في الفِردَوس ،

وأحَدَّقَ الى الغنيِ ّ :

في أيِّ عذابٍ يتململُ !

فيُرْعِدَني من خارجٍ

وَغْرُ العَدْلِ

ويُعَزِيَني من داخلٍ

نَفْخُ الجُود .

28 – أنْزِلني في سياجِ

تلك الجَّنةِ ،

جارَ الدَّاخلين

مَحسُودَ الخارجين .

مَن لهُ بأن يَنظرَ الى

النَّعيمِ والشَّقاء ،

أن يُحَدَّقَ الى جهنَّمَ

والجَّنة ؟

إنَّ إكليلَ الداخلين

يُخجِلني كم خَطِئْتُ .

عذابُ الخارجين

يُعلِمُني كم رَحِمْتَني !

29 – مَن يُطيقُ

أن يَنظُرَ الى كِلا الجانبَينِ ؟

وتَحتملَ أُذُناه ُ

قَصْفَ أصواتِهِم :

الأشرارُ في جهنَّم

يُزَكُّونَ العادلَ

والأبرارُ يُمجّدُونَه ُ

في الجنَّة

يُحَدَّقُون كلُّ واحدٍ الى صاحبهِ

مَدْهُوشينَ

ويَكْشِفُون كلُّ واحدٍ أعمالَ صاحبهِ

مُوَبَّخينَ .

30 – لا كُشِفَتْ آثامي ،

في ذلك اليومِ ، لرفاقي :

فإنَّ في هذا ، يا سَّيدي ،

لَكَبيرَ احتقارٍ لنا .

إن كانت آثامُنا مكشوفة ً لكَ

فَعَمَّنْ نَستُرُها ؟

نَصَبْتُ لي وَثَنا ً

فأخزاني .

هَبْ لي ، يا سيّدي ، أن أخشاك ،

أيَّها العزيز ،

أن أخجَلَ وأهابَكَ ،

أيُّها العَذْبُ .

31 – إلهُ الانسانِ صاحبُه ُ

يَسعى إلى إرضائهِ كُلَّ حين

فإن خَطِئَ استحيا منه ُ

وان أثِمَ خافَ !

وإن أتى حَسنَة ً

عطَّلها بتقريظهِ ،

حتَّى إنَّه ليُمْسي ، في كُلِ شيءٍ ،

عَبْدَ العُبْدان .

أيُّها الصَّالح ، وهبتَنا

الحُرِّيَّةَ فعبَّدناها .

كيف نُبدِلُ منكَ ، أيها السيّدُ ،

سِّيدا ً نحن صَنَعْناهُ ؟!

 

 

 

النّشِيدُ الثّامِن

1 – من السِّفْرِ الذي سَرَدَ

قِصَّة اللِصِ

أشرَقَتْ في أذُني

كلمةٌ أبْهَجَتْني

وسَلتْ نَفْسي

عن كثرةِ مَعاصيها :

أنَّ الرَّؤُوفَ باللصِ

لمُوصِلها

الى الجَنَّةِ التي سمعتُ

اسمَها فانشرحْتُ :

فقطَّعَ عقلي لُجُمَه ُ

وراحَ يتأمَّل .

لازمة :

أهِلني أن نكونَ

وَرَثَة ً في ملكوتك  .

2 – هناك رأيتُ مَسْكِنا ً

ومِظَلةَ نورٍ

وصوتا ًيقولُ :

طوبى لِلِصِّ

الذي أخذَ مجَّانا ً

مقاليدَ الفِردَوس :

فحَسِبْتُ أنه هناك

وفَكَرْتُ

أن لا طاقةَ للنَّفْسِ

أن تُحِسَّ الفِردَوس

وهي مفصولة ٌعن شَريكها ،

أداتِها وكنّارِتها .

3 – في مَوْضِعِ الأفراح ِ

عَلاني عَياء ٌ

إذْ لا نَفْعَ

في اطِلاب المُعَمَّيات .

بسبب اللِصِ

أحاطَ  بي  مَدارُ بَحْثٍ :

فإن كانتِ النَّفْسُ تَرى

وتسمَعُ

وهي مفصولة ٌعن الجسدِ

فلِمَ تُحبَسُ فيهِ ؟

وإن كانتْ تحيا مِن دُونِهِ

فلِمَ تُقتَلُ فيهِ ؟

4 – عَجْزُ النَّفْسِ

عَن أنْ تَرى بغيرِ جِسْم ٍ

يُبرهِنُ عليه الجَسَدُ :

إنْ عَمِيَ

عَمِيَتْ بهِ

وخَبَطَتْ مَعَهُ

كُلُّ واحدٍ منهما يطلبُ الآخر

ويَشْهدُ لَهُ :

كما أنَّ الجسدَ

يَحتاجُ الى النَّفْسِ ليَحيَا بها ،

كذلك تَحتاجُ اليهِ

لِتَرى بهِ وَتَسْمَعَ .

5 – إنْ صَمَّ الجسَدُ

صَمَّتِ النَّفْسُ معَهُ ،

أخَذَتْها سِنَة ٌ

إن أخذَهُ بُحْرانُ مَرَض .

ولو أنَّ للنَّفْس ِ

أن تكونَ وحدَها

فلا قِوامَ لها

بغير شريكها ،

فهي أشبَهُ

بالجنين في الحشا

لا نُطقَ لحياتهِ

ولا عقلَ .

6 – فإِن كانتْ وهي في الجَسَدِ

شبيهة ًبالجنين

لا قِبَلَ لها بأن تعرفَ

ذاتَها وشريكَها ،

فَلَأَنْ تكونَ أضعفَ

وقد فارقَتْهُ !

ولم يَبْقَ لها حواسُّ

تصلُحُ

أن تكونَ

أدواتٍ لخدمتها

لأنَّها ، بحواسِ شريكِها

تَبْدُو وتُرى .

7 – لا نَقْصَ يَشُوبُ

ذلك المنزلَ المباركَ

إنَّه لَمَكانٌ قائمٌ على كمالهِ

في جميعِ أرجائهِ .

فلذلك لا تستطيعُ النَّفْسُ

وحدَها أن تَدخُلَهُ

لأنَّها على نَقْصٍ

من كلِ شيءٍ

من الحواسِ والمعرفة .

أمَّا في القيامة ،

يومَ يسترجعُ الجسمُ

جميعَ حواسِه ِ، فيدخُلُه ُ.

8 – لمَّا جَبَلت ْ

يَدُ الخالقِ

الجسَدَ ، وركَّبَتْهُ

لِيُرنّمَ لصانعِهِ ،

لم يكُنْ من صوتٍ

والكنَّارةُ ساكِتَة …

وأخيرا ً نَفَخَ فيها

النَّفْسَ

فرنَّمَتْ فيها

وكانَ الصَّوتُ لأوتارها .

وبالكنَّارة اكتَسَبَتِ النَّفْسُ

كلامَ الحكمة  .

9 – لمَّا بَلغَ آدمُ

ذُرْوَةَ كمالِهِ

حينئذٍ أخذهُ الربُّ

ووضَعَه في الفِردَوس .

لم تستطِعِ النَّفْسُ وحدَها

أن تدخُلَ .

دَخَلا معا ً

طاهرَينِ

كاملَينِ ، ذلك الموضعَ الكاملَ

وخرجا معا ًمُلوَّثَينِ

ذلك يُوضِحُ

أنَّهما يَدخُلانِ معا ًيومَ القيامة

10 – كانَ آدمُ حارسا ً

غَبِيّا ًللفِردَوس .

جاءَ السَّارقُ

الخبيثُ يَسْرِقُ

فعدَّى عن الثِّمار

التي يُبادرُ الى سَرِقَتِها كلُّ سارقٍ

وسرقَ ساكنَ

الجنَّة .

خرجَ سيّدُهُ يطلبُه ُ

دخلَ فوَجَدَهُ في الجحيم .

نَشَلهُ وأخرجَهُ منهُ

وأدخلهُ الفِردَوس .

11 – ففي المنازل

الشَّهيَّةِ التي في سياجه ِ

تَحِلُّ نُفوسُ

الأبرار والصّدّيقين

يَنتظِرْنَ هناك

أجسادهنَّ الجيبة َ

فإذا فُتِحَ باب ُ

الجنَّةِ

هَتَفَتِ الأجسادُ والنُّفوسُ

بهُوشَعنا

تباركَ الذي أخرجَ آدمَ من الجحيمِ

وأدخلهُ الفِردَوسَ ومَعَهُ كثيرين .

 

 

النّشِيدُ التاسِع

1 – في الدُّنيا جهاد ٌ

وفي عَدْنٍ إكليلُ مجدٍ !

إنَّه يُجَدِّدُ بِبَعْثِنا

السَّماءَ والأرضَ .

يُعتِقُ المخلوقاتِ

ويُبهجُها مَعَنا .

ألبَسَ الأرضَ أمّنَا وألبَسَنا

الخِزْيَ ،

فالذي لَعَنها بالخاطئ

بالأبرارِ يُباركُها .

هو الجَوَّادُ يُجَدِّدُ

المُرضِعَ وبنيها .

لازمة :

تَباركَ مُبْهِجُ

أسَانا بفِردَوسِهِ

2 – أتْرَعَ الشِّرِّيرُ كأسَهُ

وكشَفَ سُمَّهُ لكلِ واحد .

تُجاهَ كُلٍ نَصَبَ فِخَاخَهُ

وعلى كُلٍ مَدَّ شباكَه ُ

أنبتَ الزُؤَانَ

ليَخنُقَ الأطهارَ .

هو الجوَّادُ المجيد ُ

بفِردَوسِهِ

يُحَلي مَرارتِهم

ويُفَخِّمُ أكاليلَهم ،

ولأنَّهم احتملوا صُلبانَهم

يُقيمُ لهم طَوَافا ًفي عَدْنٍ .

3 – إن شِئتَ

أن تترقَّى الشَّجرَة َ،

تَحَدَّبَتْ أغصانُها

دَرَجا ًأمامَ قدميك ؛

تُغْرِيكَ بالاتّكاءِ

إلى صَدْرِها ،

مُضطَجَعِ أغصانِها

ذاتِ الظهْرِ

المتينِ الخفيضِ

الحافلِ المتموّجِ بالأزاهير ،

يكونُ للمُسْتَغرِقِ فيه ِ

كما يكونُ للطِفْلِ الحِضْنُ والسّرير .

4 – مَن رأى وليمة ً

في لُبِ شَجَرةٍ ؟ !

وثمارا ًمِن كلِ طَعْمٍ

في مَطَالِ اليدِ

نُظِمَتْ واحدةً الى أُخرى

تَدنُو على مَزِيَّتها :

الأثمارُ للمأكَلِ ،

والمشرَب ،

وللغَسْلِ النَّدى

والأوراقُ للنَّشْفِ

هو كنزٌ لا يَنْضُبُ

لسيّدٍ هو الغِنى

5 – يُولَمُونَ في الأَشجارِ

خَلَلَ الهواءِ الطّلقِ ؛

تَحْتَهُمُ الأزاهيرُ

وفوقَهُمُ الأَثمار :

فسماؤُهم ثَمَرٌ

وأرضُهم زَهَرٌ .

من سَمِعَ قَط ُّ

أو رَأى

غمامة ً فوق الرؤُوُس ،

مِظَلَّة ً مِن ثَمَرٍ

وبساطا ً تحتَ الأقدامِ

مُنْبَسَطا ًمن زَهَر !

6 – أَيُّ سَيْلٍ مِن طَيِّبات !

فما تَصْرِفُكَ الواحدة ُ

حتَّى تَدعُوَكَ الأُخرَى ،

على جميعهنَّ تتألَّقُ البَهْجَة .

مِن ثَمَرِ هذه تأكل ُ

ومن شَرابِ تلك ترتوي .

بندى تلك تستحم ُّ

وتَطَّهِرُ ،

بِصَمْغِ تلك تَدَّهِنُ

وأرَجَ هذه تَستنشِقُ

وشَدْوُ أُخرى يُدغدغ ُ سَمْعَكَ .

تبارَك الذي أبْهَجَ آدم !

7 – تَهُبُّ النُّسَماتُ الطَّيِّباتُ

من كُلِ لَونٍ

يَحْمِلنَ الأطباقَ ،

مثلَ مرتا ومريمَ ،

والمدعُوُّونَ المُولَمُون

لا يَبرحون .

أمَّا مرتا فقد تَعِبَتْ ،

تجرَّأَتْ

فتذمَّرتْ

على ذلك الذي يَدعُو الى فِردَوسِهِ ،

حيثُ الخُدَّامُ

يَخدُمونَ لا يَتعَبُون !

8 – النُّسَيماتُ في الفِردَوس

يَتنقَّلنَ أمامَ الأبرار

تَخِفُّ الواحدةُ بالطَّعام

والأُخرى تَصُبُّ الشَّراب ،

هُبوبُ تلك سِمَنٌ

ومَهَبُّ هذه رَواءٌ :

مَن رأى قَطُّ نَسَمات ٍ

يَأتِينَ

بِنَفْحاتٍ تُؤكَل ُ

وأُخرى بنَفْحاتٍ تُشرَب ُ

واحدةٌ تنفَحُ بندىً

وأُخرى بطيب .

9 – نَسَماتُ الرُّوح

يُرْضِعْنَ الرُّوحيِّين :

مَأدُبَةٌ لا عناءَ فيها ،

لا اليدُ تتعَب ُ

ولا الأسنانُ تُضنَكُ

ولا الجَوفُ يُتْخَمُ :

مَنِ اتَّكأَ والتَذ َّ

ولم يَتعَبْ ؟

مَنْ شَبِعَ ولَمْ يَأكُلْ ؟

فَرحَ ولم يَشْرَبْ ؟

نَفْحة ٌ تُرويهِ

ونَفْحة ٌ تُشبِعُه ُ

10 – تأَمَّلْ وَضَحَ الرَّمْزِ

في الزُّرُوع :

إذا كانَ الهواءُ مُرْضِعا ً

لِسَنابِلِ الحِنْطَة ،

يَغذُوها بأنفاسهِ

ويُسَمِّنُها بقُوَّتهِ ،

فَلَأنْ تكونَ رياحُ البَرَكَةِ

أغذى

لِزُرُوعِ الفِردَوس

الرُّوحانيَّةِ النَّاطقة !

لأنَّ لِلرُّوحيَّين

الغذاءَ الرُّوحيَّ .

11 – الرِّياحُ الذَّكيَّة

تَقوتُ الأذكياءَ :

نسيمٌ يُرَفِّهُكَ

ونَفْحٌ يُلذِّذُكَ .

واحدٌ يُسَمِّنُكَ

وآخَرُ يُنَعِّمُكَ .

مَن تَذوَّقَ

قَط ُّ

أن يأكُلَ بلا يَدَينِ ،

ويَشرَبَ بلا فمٍ !

إنمَّا ساقيهِ وطاهيه ِ

نَفْحٌ عَذْبٌ !

12 – إنَّك لتَرى حتَّى اليوم

في أَرضِ الأشواك

أَنَّ سُنْبُلَةَ الحقلِ

الممنوحةَ، بِرَغْم اللَّعْنةِ،

تُولَدُ من رُوحِ النَّسَمَةِ

حِنطة ً في حِضْنِهِ،

بإِرادةِ العَلِيِّ

القديرِ.

تُرضِعُها النَّسَمَةُ

لَكأَنَّها ثَدْيٌ يَلْبَأُها ويُنميها

فتكونُ صورةً

لغذاءِ الرُّوحيِّين.

13 – لَئِنْ كانتِ الحنطةُ،

طعامُ الجَسَديِّين،

ومُعْظَمُها نُفايةٌ

تُقْذَفُ

يَغْذُوها الهواءُ

وتُسَمِّنُها الرِّيحُ،

فَلَأَنْ يكونَ لِلنَّفَحاتِ

الصافيةِ

أَن تُمِدَّ الرُّوحيِّين

مِن أَهراءِ عَدْنٍ

بالعُصارةِ الشَّفَّافةِ،

الطَّعامِ الرُّوحيّ.

14 – تعلَّمْ مِن النَّارِ

أَنَّ تلك النَّسَمَةَ تَقُوتُ الجميعَ:

فإَنْ حُصِرَتْ

في مَكانٍ لا هَواءَ فيهِ،

نوَّصَ ضياؤُها

وخَمَدَتْ أَنفاسُها.

مَن رأى قطُّ أُمّا ً

تُرضِعُ الجميعَ

جميعَ كيانها.

وبها يتعلَّقُ الجميعُ،

وهي تَتعلَّقُ بالواحدِ

الَّهيبِ الذي يَقُوتُ الجميعَ.

15 – كرَّمَ المجوسُ

النَّيِّراتِ

اعتبارَ أَنَّها تَقُوتُ

الجميعَ بكُلِّ شيء:

فاذا بهم يُبْهَتُون لأَنَّ الهواءَ

هو الذي يُرضِعُ بغير شِحٍّ

الكواكبَ والزُّرُوعَ،

الشَّمسَ والدَّبَى، والبشر.

فقد أَعْلَمَتْنَا النَّارُ

أّنَّها تَقتاتُ. مِنَ الهواءِ

وإنَّها لَرَفيقةُ النَّيِّراتِ

ونَسِيبَتُهُنَّ!

إذا كانتِ النَّفْسُ – حتَّى النَّفْسُ-

تَزْهَقُ، إِن حُبِسَ عنها الهواءُ،

وإِنَّها لَرُكْنُ جَسَدِنا،

مُسْتَنَدٌ لَهُ،

وهي هيَ خُبزُ خُبزِنا،

بها خِصْبُ حقلِنا،

فَلَأَحرى أَن يكونَ ذلك الهواء

المباركُ

نعيمُ الرُّوحيِّينَ

يأكُلونهُ ويشربونهُ،

يَسْبَحون فيهِ ويَستَحِمُّون،

لأَنَّهُ بحرُ المناعم!

17 – نَفْحُ الفِردَوسِ

يُغني عن الخبزِ

وذلك النَّسيمُ الحيُّ

عن الشَّراب

إذ إنَّ الحواسَّ تتنعَّم ُ

في أمواجِ الطَّيِّبات ،

تَقذِفُ بهن َّ

مِن كلِ لَون .

بقُوَّةِ الأفراحِ

تَنْتَصِبُ الحواسُّ ، لا يَلويها ثِقَلٌ ،

تَلتَهِمُ على الأبد ِ

ذُهولَها أمام ذي الجلالة !

18 – هنا الأَجسادُ

تَجوعُ وتَقتات ُ

وهناك تجوع ُ

النُّفوسُ لا الأجسادُ .

تَنالُ النَّفْس ُ

الطَّعامَ الذي يُشْبِهُهَا .

فهي أشدُّ تنعُّما ً

بالقائتِ الجميعَ

منها بأيِ قُوتٍ كانَ

وهي تَرعى في جَماله ِ

وأمامَ كُنُوزِهِ

يَأخذُها الدَّهَش !

19 – هناك الأَجسادُ

ذاتُ المجاري الدَّمَويَّة

تَشِفُّ

على مثالِ النُّفوس ،

والنَّفْسُ المُثْقَلَةُ

يُطلَقُ جناحاها

شبيهَينِ بالفِكْرِ

اللَّطيفِ ،

والفِكْرُ

المُضْطَرِبُ

يَصفُو

على مثالِ ذي الجلالة !

20 – إِن النَّفْسَ لَأَشْرَفُ

مِن الجَسَدِ ،

والفِكْرَ

مِن النَّفْسِ ؛

واللهُ محجوبٌ

عن الفِكْرِ .

في النُّهْيَةِ ، يَلبَسُ الجَسَد ُ

جَمالَ النَّفْسِ

والنَّفْسُ

جَمالَ الفِكْر ِ

والفِكْرُ يَلبَسُ

شِبْهَ ذي الجلالة !

21  – ترتقي الأَجساد ُ

طَبَقاتِ النُّفُوسِ

والنَّفْسُ

طبقةَ الفِكْرِ

ويرتقي الفِكْرُ

ذُروةَ الجلالة ،

وهو يقتربُ بِخَشْيَة ٍ

ومحبَّة ٍ

فلا يُغْريهِ الارتقاء ُ

ولا يُبعِدُهُ الانفصال

فإنَّ في بُعْدِهِ فِطنة ً

وفي دُنُوِهِ عَونا ً له ُ.

22 – وإِنْ يأخُذْك جَشَع ٌ

يُوَبِّخْكَ مُوسى :

لأَنه ما حَمَل زادا ً

يومَ صَعِدَ الجبلَ

فاكتنزَ من الجُوعِ صِحَّة ً

ومِن العَطَشِ جَمالا ً.

مَن رأى رَجُلا ً

يَجوع ُ

فيأكلُ رُؤيا ويَحْسُنُ ؟

يَشرَبُ صوتا ًوَيَسْمَنُ ؟

إنَّه بالمجد قد تَنعَّمَ ،

كَبُرَ وتألَّقَ .

23 – إِنَّ مأكَلَنا

لَخَبَثٌ كُلُّهُ .

يُرَنِقُنا كَدَرُهُ

ونتقزَّزُ مِن رائحتِهِ .

يُوهِنُنا ثِقَلُه

وتُؤذينا كثرتُه ُ

فإنْ كان في اللذَّةِ فرح ٌ

وسِمَن ٌ

فَأَحْرِ بالنَّفْسِ أن تَسْمَن َ

على أمواجِ اللذَّة ِ

وهي تَرضَعُ

ثَدْيَ الحكمة !

24 – غَدَقُ طيِّباتٍ

على جَمْعِ الرَّائينَ

يَنْهَلُّ مِن بَهَاءِ

الآبِ بِبِكْرِهِ .

وهناك يتهافتون

على مَرعى المَرائي .

مَن رأى جِياعا ً

يَشبَعُون ،

يَتنعَّمون ويَسكَرُون

في أمواجِ المجدِ

تَتفجَّرُ مِن جَمالِ

ذلك الجميلِ الأزليّ ؟

25 – سيّدُ كلِ شيء

كنزُ كلِ شيء .

إنَّه يكشفُ

لكلّ واحدٍ ، مِقْدارَ ما يُطيقُ ،

جَمالَهُ الخفي َّ

وجلالَهُ المتأَلِّقَ .

هو الضياءُ يَنْسَكِبُ على كلّ واحدٍ

في حُبِّهِ :

على الصِّغارِ وَمَضاتُه ُ

وعلى الكبارِ أشعَّتُه ُ

أمَّا عِزَّة ُ مجدهِ

فابنُهُ الوحيدُ كفيءٌ لها .

26 – كما يكونُ كلُّ امْرِئٍ

قد طَهَّرَ عَينَيهِ هنا ،

كذلك يستطيعُ أن يَرنُوَ

الى مجدِ الذي هو أعظمُ مِن كُلّ خَلْقٍ .

كما يكونُ كلُّ امْرئ ٍ

قد فَتَحَ أُذُنَهُ هنا ،

كذلك يَستطيعُ أن يُدرِكَ

حكمتَهُ .

كما يكونُ كلُّ امرِئٍ قد وسَّعَ

حِضْنَهُ هنا ،

كذلك يستطيعُ أن يَسَعَ

كُنُوزَهُ .

27 – إنَّ السَّيِّد الذي لا حدَّ لَهُ

بمقدارٍ يَقُوتُ كلَّ كائن :

بِعَينِنا يَربِطُ مرآهُ ،

وصوتَهُ بسَمْعِنا ،

بَرَكَتَهُ بجُوعِنا ،

وحِكمَتَهُ بلسانِنا .

تفيضُ الخُيورُ

مِن عَطائهِ ،

مُتَجَدَّدِ الطَّعْم ِ

وعابقِ الأرَجِ ،

عارِمِ القُوَّةِ

وبَهيجِ الألوان .

28 – مَن رأى جَمْعا ًمن النَّاس

طعامُهُمُ المجدُ

ولباسُهُمُ النُّورُ

ووَجهُهُمُ الضِّياءُ

يَجترُّون ويتجشَّأُون

شِبَعا ًمِنَ العطاء :

إنَّ في أفواههم

يَنابيعَ الحِكمة ،

في فِكْرِهِم الأمانَ

وفي عقلِهم الحقَّ

في استقصائِهِم المخافة ،

وفي اعترافِهِم المحَّبة !

29 – هَبْ ، يا ربُّ ، لِأحْبائي ،

لَهُم ولي

أن نَلقى هناك الكِسَرَ ،

فَضَلاتِ عَطائِكَ !

إنَّ رُؤْيةَ حَبِيْبِكَ

مَعِيْنُ الأطاييب .

مَن استحقَّ أن يتمتَّعَ بها

لم يَشتَهِ بَعْدَها طَعاما ً،

فقد تنعَّمَ بجَمالِكَ ! …

تَمجَّدَ بَهاؤُك !

 

 

 

 

النّشِيدُ العاشِر

1 – أيُّ فم ٍ

يَشرَحُ الفِردَوس ؟

وأيُّ لسانٍ

يُعَبِرُ سَناءَهُ ؟

وأيُّ فِكْر

يَرسُم ُجَمالَهُ ؟

فَلأنَّ داخلهُ الخفيَّ

لا يُسْبَرُ ،

أقِفُ مُعجَبا ً بالمَرْئِيِّ

المعروضِ في خارجِهِ

حتَّى أُدرِكَ ما أقصى

خَفِيَّهُ عَنِّي !

لازمة :

هَبْ لنا أن نَرى

في الفِردَوس أبرارَكَ .

2 – بالهواءِ اللَّطيف ِ

المُحيطِ بالفِردَوس

تَتَلَطَّفُ الشُّهورُ

القادمةُ إليهِ .

فشُباطُ الكئيبُ

يَزهُو هناك مثلَ أيَّار

وكانونُ بجليدِه

ورياحِهِ ،

مثلَ آبَ بِثَمَرِهِ

وحزيرانُ مِثْلَ نَيسان

وتَمُّوزُ بقَيظِهِ

يتندَّى مثلَ تشرين .

3 – بالهواءِ تَتَعَدْنَنُ

الشُّهُورُ البوائسُ ،

لأنَّ جارَ عَدْنٍ

قد عَدْنَنَها :

فالشُّهورُ تتدفَّقُ أزاهيرَ

حولَ الفِردَوس

لكي تَضْفِرَ

كُلَّ حينٍ

إكليلا ً

لقدمَيه ِ

لانها لا تستحقُّ

أن تُكَلَّلَ رأسَه ُ.

4 – فإِنَّ الشُّهورَ لا تستطيعُ ،

برياحِها الهُوج ،

أن تَدخُلَ الفِردَوسَ

الهادئَ الآمنَ .

إذا كانَ الهواء ُ

المحيطُ بخارجه ِ

يُلَطِفُ ثَورَتَها

كُلَّها ،

فأنَّى لها أن تُدانيَ

الهواءَ المجيدَ

ذا النَّفَسِ المَرِيعِ

باعثِ البَشَر !

5 – إنَّ نَسَمَةَ هذه الدُّنيا

لَأشْبَهُ بزانية ٍ

يتألَّبُ عليها

الاثنا عَشَرَ شهرا ً،

واحدا ًبعد آخر ، بما اقتدَرَ ،

يَغتَصِبُها بشتَّى الأساليب

فَتَلِدُ مِن كُلِهم

أثمَارا ً.

لكنَّ تلك النَّسَمَةَ

المقدَّسة َالشفَّافة َ

لا يَدنُو لِصَاق ُ

الشُّهورِ من طهارتِها !

6 – هناك الشهور لا ينضب

معين إيلادها .

فشهر يحمل الثمر

وجاره الزهر .

هناك تتفجر وتدفق

ينابيع اللذات :

الخمر واللبن والعسل

والزبد .

كانونُ ، هناك ، يَعْشَوشِبُ

وصاحبُهُ يُفْرِكُ ،

وشُباطُ العاري يَزهُو

لأنَّه يَحمِلُ الحُزَمَ .

7 – الشُّهُورُ مقسومة ٌ

أربعةَ فُصول :

في الثُّلاثيَّة ِ

بواكيرُ الثَّمَر ،

وفي السُّداسيَّة ِ

الأَثمارُ المكتنزة ،

وفي التُّساعيَّة

تنضَجُ

مآخيرُ الأَثمار

وفي تمامِ إكليلِ السَّنة ِ

فُرُوعُ الرَّاحات

وقِطافُ المسرَّات .

8 – بِدَوَرانِ القَمر

يتعلَّقُ دَوَرانُ الأزاهير

في رؤُوسِ الشُّهورِ تَتَفتَّحُ

أحشاءُ الغُصون

تَبلغُ تَمامَها في البَدْرِ التَّمامِ

وتَتَبَسَّطُ في كُلِ مُتَّجَهٍ

ثمَّ تتقبِّضُ

في أواخِرها .

تَغربُ في تَمامِهِ

وتَطلعُ في أوَّلِهِ

إنَّهُ المفتاحُ يَفتحُ

الأحشاءَ ويُغلِقُها  .

9 – مَن رأى أحشاءَ

حُبْلَى بالأزاهير ؟

يَمْخَضُ الشَّهرُ في أوَّلِهِ ،

فَيُولَدْنَ فَجأةً ،

ويَصعَدُ بهنَّ معهُ

في مَعَارجِ نَمَائهِ ؛

يَشْبِبْنَ بشبابِهِ

ويَأتَلِقْنَ

ثمَّ يَتَقَهْقَرُ ويَشيخُ

فَيَشِخْنَ معه ُ

وَيَعُدْنَ الى الشَّبابِ

في عَودِ مَولِدِهِ .

10 – إنَّ لكلّ فريدة ٍ

من أثمارهِ وأزهارهِ

كُنوزَها الفريدة َ

تكثُرُ بالمِزَاجِ .

واذا تجاورَ زهرتان ِ

كلُّ واحدةٍ بلَونٍ

فتلاصَقَتا

واتَّحَدتا ،

تَلِدانِ لونا ًجديدا ً.

واذا اتَّحدتِ الأثمارُ

يَلِدْنَ جَمالا ًجديدا ً

والأوراقُ وَجْها ًجديدا ً.

11 – فيضُ أَشجارِه

سِلسِلَة ٌ:

فما يُستَوفَى قِطافُ

أوائِلِها

حتَّى تَهجُمَ مَثَانيها

ومَثَالِثُها .

مَن رأى قط ُّ

الثَمَرَة َالآخِرَةَ

تَقْبِضُ

على عَقبِ الباكِرَة ِ

كما قَبضَ الأصْغَرُ

على عَقِبِ الأكبر ؟

12 – إنَّ رَحِمَ الأثمارِ

تُشْبِهُ ، في نَتَاجِها ،

مَعِينَ الزَّواجِ

يُفيضُ البَشَرَ ،

شُيُوخا ً

وشُبَّانا ً وكُهُولا ً

أطفالا ً وُلِدُوا

وأجنَّةً يُولَدون .

ثمارُها المُتَسَلسِلة ُ

تَتَعاقَبُ حَلقاتُها

تَعاقُبَ السُّلالةِ

البشريّة بغيرِ انقطاع .

13 – كالنَّهْرِ البَشَريِ

يَتَدفَّقُ بمختَلِفِ الأعمار :

بالشُّيوخِ والشُّبَّانِ ،

والأطفالِ والأولادِ ،

والرُّضَّعِ في الأحضانِ ،

والأجِنَّةِ في الأحشاء ،

كذلك سَيْلُ

الأثمار

يَتدفَّقُ بالبَواكير

والمآخيرِ ،

أمواجَ  أثمارٍ

وفُيوضَ أزاهير .

14 – طوبى للخاطئِ

الذي نُوِّلَ رحمةً في ذلك الموضِعِ ،

واستحقَّ أن يُطلَقَ

في جَنَباتِ الفِردَوس

يَرعى في نعمة ٍ

ولو خارجا ًعنهُ !

ولقد تأمَّلتُ فخفْتُ

أن أكونَ توقَّحْتُ

حين سألتُ ظَنِّي :

تُرى هَلْ يُؤدَّبُ ويُترَكُ ،

بينَ الجنَّةِ والنارِ ،

مَن يُنَوَّلُ رَحْمة ً؟

15 – المجدُ للبارِ

المتصرِفِ في نعمتهِ ،

الكريمِ

لا يُحَدُّ كَرَمُهُ .

يَبسُط ُ، حتَّى على الأشرار ،

جَنَاحَيهِ ،

وغَمامُهُ يُرِفُّ

عَلى مملكتهِ ،

ويَقطُرُ على تلك النَّارِ

لِيُذيقَ أهلَ المَرارات ،

مِن مَراحِمِهِ ،

ندىً مُرْوِيا ً!

 

 

 

النّشيد الحادي عَشر

1 – هواءُ الفِردَوس

مَعينُ الطَّيِّبات

منهُ كانَ آدمُ يَرضَع ُ

في طُفولَتِه ِ.

لَكَأنَّ النَّسَمةَ ثَدْي ٌ

مُسَمِنٌ لِنُشوئه ِ

فإنَّه لَشَبابٌ وحُسْن ٌ

وفَرحٌ .

ولمَّا عَصَى الأمْرَ

هَدَمَهُ الحُزْنُ والهَرَم ُوالبِلَى

وحَمَلَ الشَّيخوخة َ

عِبْئا ً شَقِيّا ً.

 

لازمة :

تباركَ الذي رَفَعَ آدمَ

وأعادَهُ الى الفِردَوس .

2 – أمَّا قوارسُ البَرْدِ

ولواهبُ الحَرِّ

فلا وُجودَ لها في ذلك الموضِع ِ

المباركِ الشَّهيّ .

إنَّه لَميناءُ المسَرَّات ،

ومَحطُّ اللَّذَّات ،

النورُ والبهجَة ُ

يَحِلاَّنِ فيهِ ،

مَجْمَعُ الكنَّارات

ومَقَرُّ القيثارات

صوتُ هوشعنا

وكنيسةُ التَّهليل !

3 – السِّياجُ المحدِقُ بهِ

هو الأمْنُ يُطَمْئِنُ الجميعَ ،

السُّورُ وظاهِرُهُ

هو السَّلام يُوفِّقُ بين الجميع .

الكَرُوبُ الذي يَحُوطُهُ

يَتبسَّم ُ لِلَّذينَ في داخلٍ

ويُقَطِبُ لِلَّذينَ في خارج ٍ

وقد نُبِذُوا .

كلُّ ما سَمِعتَ وَتَسمَعُ ،

على ذلك الفِردَوسِ

الخالصِ والمقدَّسِ ،

رُوحيٌّ وجميل .

4 – لا بَتَّ الحُكْم َعلى وَصْفِهِ

مَن يَسْمَعُهُ ،

لأنَّ أوصافَهُ كافَّةً

لا يطولُها قضاء .

حتَّى ولو بَدَا

بالأسماءِ أرضيَّا

هو بالقُوَّةِ روحي ٌّ

خالص .

فإنَّ أسماءَ الرّياحِ

جميعا ً تتسَاوى

إلَّا أنَّ خَبِيْثَها

يُبايِنُ مُقَدَّسَها  .

5 – لا بُدَّ

للمتكلمِ

من أسماءِ

المَرْئِيَّاتِ

لِيَمْثُلَ للسَّامعينَ

مِثالَ المحجُوباتِ .

فإِذا كان خالقُ

الجَنَّة ِ

قد ألبَسَ جَلالَه ُ

أسماءَ دُنيانا

فَلَأنْ نُعَبِّرَ نحنُ عن جَنَّتِهِ

بالأمثالِ أولى !

6 – فإِنْ شَطَّ أحدٌ

بِفَهْمِ الأسماءِ

المُسْتعارَةِ للجَلالِ

فقد جدَّفَ وافترى عليهِ

بِهَا ،

وهو قد لَبِسَها لِيُعينَهُ ! –

وكفرَ بالنّعمة ِ

التي حَنَتْ

عَظَمَتَها لصِغَرِهِ !

فَلَبِسَتْ شِبْهَهُ ،

ولا تَلاؤُمَ بينهما ،

لِتَخْلَعَ عليهِ شِبْهَها !

7 – لا أخَذَ عقلَكَ

اضطرابٌ من الألقاب !

فانَّ الفِردَوسَ قد لَبِسَ

أسماءً ألِفْتَها .

ما لَبِسَ شِبْهَكَ

لأنَّهُ فقيرٌ ،

وإنَّ طبعَكَ لَحَقيرٌ ،

لا يستطيعُ

أن يكافِئَ جَلالَه ُ،

فإنْ مُثِلَ بالألوانِ

الحقيرةِ التي ألِفْتَها

نَصَلَ جمالُهُ !

8 – لا تستطيعُ

العُيونُ الكليلة ُ

أن تُحَدِّقَ إلى أشِعَّة ِ

جَمالِه السَّماويّ .

فألبسَ أشجارَه ُ

أسماءَ أشجارِنا ،

وبأسماءِ تِيْنِنا

سُمِّيَ تِيْنُهُ ،

وأوراقُهُ الرُّوحيَّة ُ

لَبِسَتْ جِسْما ًملموسا ً

فأشبَه َ

اللِّباسُ اللاَّبِسَ .

9 – إِنَّ أزاهيرَ تلك الأَرضِ

لَأكثَرُ وأشرفُ

مِن كواكبِ

هذهِ السَّماءِ المنظورة ،

وإِنَّ بعضَ ذلك الأَرَج ِ

الفَوَّاحِ من النّعمةِ ،

لَهو بمثابةِ رَسُولٍ

طيِّبٍ لأَمراض ِ

أرضِ اللَّعنة ،

بأَرَجِهِ الشَّافي

يُزيلُ المَرَضَ

الذي نَفَثَتْهُ الحيَّة ُ.

10 – نَفْحَة ٌمِن أيِ زاوية ٍ

مباركةٍ في الفِردوس

تَهُبُّ ، تُحَلّي

مَرارةَ هذا الموضِعِ .

تُلَطِّفُ

لَعنةَ أَرضِنا .

تلك الجَنَّة ُ

هي نَسَمَة ُ

هذا العالمِ العليلِ

مُزْمِنِ العِلَّة .

بَشَّرَتْ بأنَّ الدَّواءَ الحيَّ

مُرسَلٌ إلينا نحنُ المائتين .

11 – ما كانت حاجةُ الأرضِ

الى أن يَجريَ إِليها

مِن الفِردَوسِ

النَّهرُ المُنْشَعِبُ

إِلَّا لكي تَمْتَزِج َ

البرَكَةُ بالمياهِ

وتَخْرُجَ تَسْقي

العالَم َ

وتَشْفيَ يَنابيعَهُ

الممزوجةَ باللَّعنة ِ

كما شُفِيَتْ بالمِلحِ

المياهُ الخبيثة .

12 – كذلك ، في يَنبوعٍ آخرَ ،

يَنبوعِ طُيوب ٍ

خارجٍ مِن عَدْن ٍ

مُغَلْغِلٍ في الهواءِ ،

لُهَاثٌ ناعش ٌ

يَنْعَشُ نَفْسَنا

فَيُشفَى نَفَسُنا

بنَسَمِ الفِردَوس ِ

الشَّافي

وتتباركُ الينابيعُ

بذلك اليَنبوعِ

المباركِ المتدفِّقِ منه ُ.

13 – إِذا كانَ العِطْرُ الفوَّاحُ

مِن مِجْمَرَة ٍعظيمة ٍ،

يَمزُجُ الهواءَ

بأريجهِ الطَّيِّبِ ،

وينشُرُ حَولَهُ

لُهاثا ًناعشا ً،

فَأَحْرِ بالفِردَوسِ

المجيدِ

أن يَنْعَشَنا عِطرُ سِياجِهِ

ويُلَطِّفَ

لَعْنَةَ الأرضِ

لُهاثُ طِيبِهِ .

14 – حينَ كان الرُّسُل ُ

الأَطهارُ مُجتمعينَ

حَدَثَتْ زلزلة ٌ

فأَحَسَّ نسيمُ الفِردَوس ِ

بساكنيه ِ،

فَسَكَبَ طِيبَهُ ،

وطيَّبَ المبشِّرِينَ ،

عليهم

يَتَتَلمَذُ المَدعوُّون

ويُقبلونَ الى وليمتِهِ ،

ويتلقَّى الداخلين َ

لأنَّهُ محبُّ البَشَر .

15 – أهِلْني بنعمتك

أَن أَلقى موهبةَ الفِردَوس ،

كَنْزَ العُطورِ

وحِرْزَ الطُّيوبِ

فيتنعَّمَ جُوعي

على نَفْحِ طُيوبهِ .

إنَّ أرجَهُ يُغَذّي الكُلَّ

في كلّ حين .

مَن استنشَقَهُ

طَرِبَ وسَها عن خُبزِهِ .

إِنَّهُ مائدةُ الملكوت .

تباركَ الذي بَسَطَهَا في عَدْنٍ .

 

 

 

النّشيدُ الثاني عَشر

1 – لقد عنَّ لي أَمْرٌ

فَزَعَجَتْني خاطِرَتُهُ :

فَهَمَمْتُ أن أَسأَلَ

وخشِيتُ أن أجترىءَ .

وكأنَّ أحدا ً  قد أحَسَّ ،

لَمَسَ فِكْري ،

فاتَّخَذَ السُّؤَالَ

بحكمتِه ،

فصَدَّقتُه ُ،

تَيَقَّنْتُ كلَّ ما قال لي :

لأنَّهُ تبنَّى رغبتي

ومَثَّلها لي في كلامهِ .

لازمة :

تمجَّدَتْ نعمتُكَ

مُحِبَّةُ الخطأَة .

2 – لقد كَشَفَ لي

أَمْرَ الثُّعبانِ

كيف اندسَّ الدَّجَّالُ

إلى حقيقةِ المحجوباتِ .

سَمِعَ سَمْعة ًأَعْلَمَتْهُ ،

فظنَّ أَنَّه العليمُ :

صاحَ الصَّوتُ بآدمَ

يُحذِّرُهُ

شجرة َ

مَعرِفَة ِالخيرِ والشَّرِ .

سَمِعَ المحَّالُ الصَّوتَ

فأدركَ مَغْزاهُ .

3 – وأَغرى حارثَ الفِردَوسِ

بأَن يقطِفَ قبلَ الأوانِ

الثَّمرةَ التي كانتْ تحتفظ ُ

بحلاوتها لأوانها .

الثَّمرةُ في غير أوانها

سُمٌّ لقاطفِها .

بِخِدْعَة ٍ

كَشَفَ لهُ الحقيقة َ

لأَنَّهُ كان عارفا ً

بأَنَّ العَكْسَ واقعٌ على الوَقِحَينِ .

فالبرَكَة ُالخاطئة ُ

لَعْنَة ٌ لآخذِها .

4 – فاذكُرْ عُزِّيَّا

وقد دَخَلَ المَقْدِسَ :

طمَحَ إلى الحَبْرِيَّةِ

فَخَسِرَ المُلْكِيَّة َ.

وأَرادَ آدمُ أن يَرْبَحَ

فكان خُسْرُهُ خُسْرَينِ :

تَمثَّلُوا في المَقْدِسِ

الشَّجَرَة َ،

وفي المِجْمَرَةِ الثَّمَرَة َ،

وفي البَرَصِ العُرْيَ .

فَمِن كَنْزَينِ

كان الدَّمارُ لِاثْنَينِ !

5 – واذكُرْ أَبرامَ وقد شكَّ :

بماذا أَعلمُ ؟

سأَلَ ما شاءَ

فوجدَ ما لا يشاءُ .

لأَنَّ اللهَ قد أَعلمَهُ وأوجَزَ

شيئا ًبَدَلا ًمِن شيء .

كذلك حدثَ لآدم َ

في الجنَّةِ ،

وقد خَسِرَ ما ابتغى

فوجَدَ ما يَكْرَهُ .

لأنَّ اللهَ أَعْلَمَ الوَقِحَ

عارا ً بدلا ًمن مجد !

6  – ولكن أتى جبَّارٌ

آخَرُ لا يُغْلَبُ ،

ولَبِسَ ذلك السِّلاحَ

الذي غُلِبَ فيهِ آدمُ .

فرأى العدوُّ

سِلاحَ المغلوب

وفَرِح َولم يَشْعُرْ

بأَنَّه قد خُدِع َ:

سلاحٌ من داخلٍ يَرُوعُهُ

ومن خارجٍ يُشَجّعُهُ .

جاءَ الشِّرِّيرُ لِيَغْلِبَ

فَغُلِبَ ولمَّا يَقِفْ !

7 – أُنْظُرْ : إِنَّ الشِّرِّيرَ

قد جَلَا هناك الحقيقةَ ،

أَشْهَدَ الكتابَ ،

ادَّعى بالحقّ ِ :

فتلبَّسَ بالمزمور

وسيلةً الى الغَلَبَة .

لكنَّ ربَّنا لم يَشَأ ْ

أَن يَسْمَعَ إِليهِ .

لا لأَنَّ ما قاله ُ

لم يكُنْ حقّا ً

بل لأنَّ الشِّرِّيرَ نفسَهُ

قد تسلَّحَ بالمَكْرِ !

8 – هُوذا لِجْيُونُ

قد أَخَذَهُ ضيقٌ ، فتوسَّلَ ،

فأَرخى لَه ُ

أن يدخُلَ بالقطيعِ .

سألَ في ضيقه ِ

بغير خِداعٍ أن يتنفَّسَ ،

فوهَبَهُم مُلتَمَسَهُم

ربُّنا الحليمُ :

إنَّ إِشفاقَهُ على الأبالسة

لَتَأنيبٌ لذلك الشَّعبِ ،

فأَيُّ إِلْحَاحٍ على حُبِّهِ

أن يَحيا بنو البَشَر !

9 – حينئذٍ شجَّعَتْني

الكلمة ُ التي سَمِعْتُ ،

فَخشَعْتُ أمامَ ربِّنا

وبَكَيتُ وقُلتُ :

قد نالَ منكَ لِجْيُونُ

سُؤلَهُ بغير دُموعٍ ،

هلَّا أَذِنْتَ لي بدموعي

أن أسألَكَ !

هَبْ لي ، بَدَلا ًمن القطيعِ ،

أن أدخُلَ الجَنَّة َ!

فَأُغَنّيَ في الفِردَوسِ

حَنَانَ غارِسِهَا !

10 – ولأَنَّهُ اقتحمَ الشجرة َ

هَرَعَ الى التِّينِ

فماثلَ التِّينة َ

التي اتَّشَحَ بأوراقها .

كالعُودِ كان آدم ُ

تحتَ وِشَاحِ الأوراق .

ثمَّ أقبلَ الى العُودِ

المجيدِ

فَلَبِسَ منهُ المجدَ

وأحرزَ البهاء َ

منهُ سَمِعَ الحقَّ

أَنْ يُعِيدَهُ الى عَدْنٍ !

11 – لِيَكْشِفْ لكُم أَيُّوبُ

مَكْرَ الشَّيطان ،

وهو لا يَفْتَأ ُ يَلْتَمِسُ

مِن العَدْل أَنْ يُطْلِقَ يَدَه ُ

في مَحْصِ وِجْدانِكُم

بِكُورِ التَّجاربِ .

ذلكم ما قالَ

الخَبيث ُ

إِنَّ الفِضَّة َلا تُصَفَّى

إِلَّا بالنَّار .

فالزَّائفُ يكونُ مَهينا ً

والخالصُ كريما ً.

12 – لقد كُتِبَ أيضا ً:

لا تُحابِ الغنيَّ

في القضاءِ

ولا تُسَانِدِ الفقيرَ .

لا يَعْتَوِرْ

قِسْطَاسَ الحُكْمِ جَوْرٌ

حتَّى يَنجليَ الحق ُّ

في كلِّ شيء .

فإِن كان الغُفرانُ ،

أَكْبَرْنَا نعمتَهُ .

وان كان الجزاءُ ،

زكِّينَا بِرَّه ُ.

13 – لقد زَجَرَ ربُّنا إِبليسَ

فأَبكَمَهُ .

ونَهَرَ الأَبرصَ ،

صَبَّ الويلَ على الكَتَبَةِ ،

والأَغنياءِ ،

زجَّ بالخنازيرِ في البحرِ ،

والتِّينةُ اليابسة ُ

أَيْبَسَها .

جميعُ هذه كانتْ

عواملَ إِسعافٍ ،

فَتَحَ بها

أَبوابَ حكمتهِ العالية .

14 – زَجَرَ ، لا لِيُهَدِّدَ

بل لِيُحْيِيَ .

وصبَّ الويلَ ،

وهو على طَبْعِهِ الهادئ .

زَجَرَ إِبْلِيسَ ،

وهو على صَفاَئِهِ الرَّقراق .

أَمَرَ بغيرِ حِقْدٍ ،

فارتمَتِ

الخنازيرُ في البحرِ .

وبغير بُغْضٍ أَيْبَسَ

التِّينةَ إِذْ لَعَنها ،

وهو ، في كلّ ذلك ، طَيِّبٌ حليم .

15 – وَضَعَ شَجَرتَينِ

في الفِردَوس ،

شَجَرةَ الحياة ِ

وشَجَرةَ المعرفةِ ،

يَنبُوعَينِ مبارَكَينِ

لجميعِ الخُيور .

بِهاتَينِ

المجيدتَينِ

يُصْبِحُ الانسانُ ذا مجدٍ

مِثْلَ اللهِ

حيًّا لا يموتُ ،

عالِما ً لا يَضِلُّ .

16 – بيدَ أنَّ المعرفةَ الرَّائية َ

التي وهَبَهُ إِيَّاها

فأَطلقَ بها أسماء ً

على حوَّاءَ وعلى البهائمِ ،

ما كان اللهُ بكاشفٍ لهُ بها

المحجوباتِ.

لكنَّ المعرفة َ

المحجوبة َ

عن الكواكبِ وما وراءَها

كانَ في مَنَالِ آدمَ

أن يَتَقَصَّى بها

جميعَ ما يحتوي الكونُ .

17 – لم يكُن لِيُكَلِلَه ُ

الَّا بعد عَناء ،

لقد احتفظَ لآدمَ

بإِكليلَي جِهَادٍ ،

شَجَرَتَينِ

إِكليلَينِ لانتصارِهِ :

فلو ظَفِرَ آدم ُ

لما عَتَّم َ

أن أكلَ وَحَيِيَ ،

أكَلَ وعَرَفَ

حياةً بلا عذابٍ

معرفةً بلا ضلال .

18 – لم يَشَأ البَرُّ أن يَنُول

آدمَ الإكليلَ مجَّانا ً،

وقد وَهَبَ لهُ أَن يتمتَّعَ

بلا عناء .

عَلِمَ اللهُ أنَّ آدمَ ،

إن شاءَ ، استطاعَ أن يَظْفَرَ .

مشيئة ً شاءَ البَرُّ

أن يرفَعَهُ .

إن كانت مَرتبةُ العُلوِيّين

مَرفوعةً مجَّانا ً

فلا يكونُ أوضعَ منها

إكليلُ الحُرِيَّة .

19 – كَثَّرَ البَرُّ اللذَّاتِ

للبهائمِ

لا يُخْجِلُها أنَّها تَنْزُو ، .

ولا تَهابُ أَنَّها تختلِس ،

تُطالِعُها شَهوة ٌ

فَتَخْطَفُها لا تَسْتَحْيِي .

إِنَّها فوقَ الهَم ِ

والخَجَلِ .

بِحَسْبِها

قَضاءُ اللَّذَّة .

ولأنَّها لا بَعْثَ لها

فلا يَجري عليها قضاء .

20 – ما أَجهلَ ذلك الذي يَأْبَى

أن يَشْعُرَ بأَنَّه كبير !

ويَرضَى أن يكونَ

بَهيمةً لا إِنسانا ً،

يتعبَّدُ لشهواتِهِ

لا يُحَرِكُهُ حساب !

لو كان في البهائم

ذَرَّة ٌ

مِن فَهْم ٍ

لَوَلْوَلَتْ وبَكَتِ

الحميرُ :

لِمَ لَمْ نكُنْ بَشَرا ً؟ !

 

 

 

النّشِيدُ الِثالث عَشر

1 – إِنّي لَقائلٌ ما يُقَالُ ،

ومُعَلِمٌ ما يُسْمَعُ ،

مُطَّلِبٌ ما يُدرَكُ ،

ومُعْرِضٌ عمَّا يُعْيِي اسْتِقْصَاؤُهُ ،

سائلٌ ما يُجديني

وقائلٌ ما يَحْسُنُ في عينيكَ ،

نائلٌ بالنعمة ِ

المطلوبَ

واللاَّزِم َ

ومُعْطٍ بالشُّكرِ .

بنعمتِكَ يدخُل ُ

قُرباني رِضاك !

لازمة :

بنعمتِكَ أهِلني

لِجنَّةِ الأطياب .

2 – في البدءِ برأَ الخَلقَ ،

مَعينَ طيِّباتٍ ،

بيتا ًيَقُوتُ بانيهِ

آهِليهِ ،

لأنَّ الكائناتِ التي لا تُحْصَى

مَنوطَةٌ بوجودِهِ :

من مائدةٍ واحدةٍ

يَهَبُ كلَّ يوم ٍ

كلَّ كائن ٍ

كلَّ شيءٍ بكُلِ حكمة .

هَبْ لنا يا كريمُ  ،

أن نشكُرَ جودَكَ !

3 – جَنَّة ًمجيدة ً،

خِدْرا ً طاهرا ً

وَهَبَ اللهُ ذلك المَلِكَ

المصنوعَ من تُراب .

قَدَّسَهُ وفَصَلَهُ

عن مَسْكِنِ البهائم .

فكان آدمُ مجيدا ً

في كلِّ شيء ،

في مَسكِنهِ وطعامهِ ،

بهائِهِ وسُلطانِهِ .

تبارَكَ الذي رفَعَهُ على الجميع !

لكي يَشكُرَ سيِدَ الجميع !

4 – مَلِكُ بابلَ أَشبَه َ

آدمَ مَلِكَ المسكونة :

كلاهما على سيّدٍ واحد ٍ

تعاليا فخُفِضَا ،

حَرَمَهما حقَّ المُلكِ

وزجَّ بهما قَصِيّا ً.

أَيُّ امرئٍ لا يُذهِله ُ

أَنَّ الملوك َ

أحبُّوا العُبوديَّة

والعاتقونَ الرِّقَّ !

تبارك الذي أعتقَنا

لئلاَّ يُؤسَرَ مِثالُهُ .

5 – بكى داودُ آدم َ

على أَنَّه سقَطَ

عن عرشِ مُلكِهِ

الى مَرْبِضِ البهائم .

فلأَّنهُ غَوِيَ بِهَمْسِ بهيمة ٍ

شبَّهَهُ بالبهائم :

فَمِثْلَهُنَّ ،

بعد اللعنةِ ،

يأكُلَ العُشْبَ والبَّناتَ

ومِثْلهُنَّ يموتُ على حَدٍ سواء .

تباركَ الذي مازَه ُ

عليها بالقيامة !

6 – فلقد مُثِلَ آدمُ

بذلك الملك

الذي أَغضبَ سُلطانَ اللهِ

فنزعَ عنهُ اللهُ سُلطانَهُ .

غَضِبَ البَرُّ فطرَدَهُ

الى السُّكنَى بينَ البهائم ،

فأقامَ معها

في الصَّحراءِ  .

وبعد أن تابَ أُعيدَ

الى مُقامِهِ وسُلطانِهِ .

تباركَ الذي علَّمَنا أن نتوبَ

فنعودَ الى الفِردَوس .

7 – ولأَنَّه ليسَ بالهَيِّنِ

أن نَرى سَقْطَتَنا

كيفَ ولا أينَ

سَقَطْنا في البدء

جَمَعَ اللهُ كلَّ هذهِ ،

جَعَلها مَثَلاً في ذلك المَلِكِ ،

فصوَّرَ سَقْطَتَه ُ

بسقُوطِنا

وإِنابَتَنا

بتَوبتِهِ .

المجدُ للَّذي نَصَبَهُ

مَثَلا ً للتائب .

8 – مِن الحقِ أَن نَعتبرَ

كيف أنَّ السُّكنى بين البهائمِ

لم يَسُغْها ذلك المَلِكُ

حتَّى يمكُثَ هناك .

وبعدَ إذ ضَلَّ وأوغلَ

تذكَّرَ أنَّه بَشَرٌ ،

وصلَّى الى الله لِيُعيدَه ُ

الى مُقامِهِ ،

فأعادَهُ ، فشكرَ الكَريمَ

الذي ترأفَ بهِ .

تباركَ الذي وهبنا بهِ

مَثَلا ً للتوبة .

9 – فانظُروا ، وقارِنُوا ،

ما أَكبرَ عارَنا :

إِنَّ سِجْنَ الظُّلمةِ

أمسى لنا لذَّةً ،

وأرضَ اللَّعنةِ

فَخْرا ً !

سِجْنا ً في قرارةِ الهُوَّة ِ

وإنَّا نُحِبُّهُ !

وعلى غِرارِ المصرِيّين

في البحرِ نحنُ مُختنِقون !

تباركَ الذي ترَأَّف بنا :

لن يَتْرُكَنا هنا !

10 – يِحُبِهِ شاءَ الصَّالح ُ

أن يُؤَدِبَنا لأنَّا خطِئنا

ويُخْرِجَنا من خِدْرِ

مَجدِ الفِردَوس

ويُسْكِنَنَا بين البهائم

قصاصَا لنا ،

حتَّى نرى مجدَنا

كم صَغُرَ ! …

فنَضرَعَ ونسألَ

أن نعودَ الى ميراثِنا .

المجدُ للذي أطلق َ

الأسرى على رَغْمِهِم !

11 – كان مَلِكُ بابلَ طفلا ً،

مَيْزا ً وعقلا ً.

أَمَّا مَيزُكُم ، أيُّها الاخوة ،

فبالِغ ٌ بربِّنا .

هو عادَ الى بابل

وكلا الاثنَين بادَ .

أمَّا أنتم ، أيها الاخوة ، فاطلُبُوا

مَدِينَتَكُم

فأنتم وهي معا ً

باقُونَ الى الأبد .

طوبى لآهِليها

لأَنْ لا حَفَّارَ فيها !

12 – إنَّ ذلك العاتي خَدَع

شَمْشُونَ بامرأة ٍ

وإنَّ ذلك العاتي خَدَع َ

آدمَ بامرأة ٍ.

شَمْشُونُ صار طحَّانا ً

وآدمَ تاعسا ً في الأرض .

شَمْشُونُ صلَّى

لكي يُحَلَّ ،

ونحنُ نُصلّي

لكي نُعَمَّرَ في الشَّقاء .

تباركَ الذي أطلقَ شَمْشُونَ

وحَلهُ من رِباط الرَّحى !

13 – موتُ ذلك الجَّبارِ

كان رمزا ً الى ذلك الكاهنِ الأَعظم

فإِنَّ موتَهُ أَعادَ

المُعتَقَلِينَ الى مَعَاقِلِهم ،

وموتَ رئيسِ الأَحبارِ

أعادَنا الى ميراثِنا .

لِنُبَشِّرنَّ بعضُنا بعضا ً

فَرِحين َ

بأنَّ البابَ قد فُتِحَ

فيا طُوبى لمن يَقْدَمُ !

تباركَ الذي لم يَنْبِذْنا

لغيرِ رَجعَة !

14 – كان يونانُ عالما ً

الى أين زجَّ بهِ البارُّ ،

فصلَّى ورُدَّ ،

لينالَنا بهِ القضاءُ ، أيُّها الاخوة ،

لأنَّا نكادُ لا نَشْعُرُ

الى أَينَ تردَّينا .

يُونانُ صَعِدَ وشكرَ

ولمَّا يَجْحَدْ

أَمَّا نحنُ فنتظلَّم

وقد حُلِلْنا من نيرنا .

إنك لَمُحْتَمِلٌ لنا :

أنتَ خَلَّصتَنا ونحنُ تظلَّمنا !

15 – لم يَطِبْ ليوسفَ ،

على ما لَقِيَ من كرامة ٍ،

أَن يبقى في السِّجنِ .

إِنَّ في ذلك لَتَأنيبا ً لنا ، أيُّها الإِخوة ،

ففي أيِّ سِجنٍ نحنُ

وأيُّ ارتياحٍ يَشُدُّنا اليهِ !

ذلكم أُطلِقَ ورُفِع َ

ليُعلِمَنا

أنَّ موتاكُم

كذلك يُرفَعونَ في الملكوت .

فلقد انفصلوا عنَّا ،

بَلغُوا فَرَحَ سيّدهم .

16 – ما أَشدَّ وَطْأَةَ اليأْسِ

علينا يومَ الفِراق ،

أمَّا بالنَّظَرِ اليهم فانه الرَّجاءُ الأكبر .

إِن كانَ عَوْدُهُم الى مدينتهم

أَسىً للسُّفْلِيَّينَ

فإِنَّهُ لَفَرحٌ للعُلْوِيِّين .

العمقُ يتجهَّمُ

لكونهِ قد عَدِمَ صوتَهُم ،

أمَّا العُلوُ فيُشِعُّ

لأنَّهُ مَزَجَ صوتَهم بأصواتِ السَّرافين

طُوبى للَّذي نَفْسَهُ ،

لا إيَّاهُم ، يبكي !

 

 

 

النّشِيدُ الرابع عَشر

1 – كُلُّنا مجهودون

كلَّ يومٍ بكلّ شيء ،

حتَّى نتعلَّمَ بالمحنةِ

ألَّا نُؤْسَرَ هُنا .

ولكنَّا ، على وَطْأَةِ مِحنَتِنا

لا يَبْرَحُ عقلنا ههُنا .

طوبى لمن عَرَفَ

أيُّ نافعٍ

أَن يُوفِرَ زادَهُ

لمواجهةِ ربِّنا !

طوبى لمن فرَّحَ

سيّدَهُ بتجارتِهِ !

لازمة :

هَبْ لنا أَن نَلقى ملكوتَك

بِهُوشَعنا .

2 – لَكَمْ نُشْبِهُ

العبدَ الذي يَأْبَى

حُرِّيَّة ًمَنَحَتْهُ إِيَّاها

السَّنَةُ السَّابعة ،

يُبيحُ للثَّقْبِ أُذُنَه ُ

حتى يصيرَ عبدَ العبيد .

بالموتِ

يَحْصُلُ على الحُرِّيَّةِ

العَانُونَ الذين كفَّنتُم ،

الأَطهارُ الذين شيَّعتُم .

صَلُّوا لكي تُؤَهَّلوا

أن تَلقَوا أحبَّاءَكم !

3 – في جُبِ الأرباحِ

طَرَحُوا إِرميا .

وإِنَّه ، على كبيرِ أجْرِهِ ،

لم يَشْتَهِ أن يُطيلَ مَكْثَهُ فيها .

ونحن ، تملأ ُ الويلاتُ

مَنزِلَنا ،

نُصلّي

لنبقى فيهِ .

لأَنَّا لا نشعُرُ

أين نحنُ غارقون

ربِ ، هَبْ لنا أن نَعرِفَ

أين نحنُ مَحبُوسُون !

4 – لِنتعلَّمْ من دانيال ،

وقد صلَّى

لكي يَصعَدَ من بابلَ

الى أَرضِ الميعاد ،

لأَنَّ بابلَ أَشبَهُ

بأرضِ اللَّعنة .

لقد مَثَلَهُ اللهُ مِثالا ً

لنا

نُصلي لِنَعُودَ

الى مَنزِلِ عَدْنٍ

تباركَ الذي يُخرِجُنا

بنعمتهِ الى المُنْتَهى !

5 – وكان نُوحٌ يَنتظرُ

مُصَلِّيا ًفي سِرِّهِ

بأَنْ يُطلَقَ

مِنَ السَّفينة .

على أنَّه لم يكُن فيها

ما يُؤذي .

فما أَحرانا

بأن نُقْلِعَ

من مَسْكِنِ الفانية ،

ميناءِ الويلاتِ كافَّة ً!

طوبى لمن صوَّبَ

سفينتَهُ شَطرَ الفِردَوس !

6 – وكان موسى في مِصْرَ

ذا كرامةٍ عالية ،

دُعي ابنا ً لابنةِ فرعون

فأَبى .

آثَرَ أن يعيشَ في الضّيقِ

ويكونَ راعيا ً.

فأَخْلِقْ بنا أَن نفرحَ

بخُروجنا

ونُعْتَقَ مِنَ العُبُوديَّة

الى الحُرِّيَّة !

طوبى لمن وَجَدَ

الحُرِيَّة في الفِردَوس !

7 – ساقَ يعقوبُ غَنَمَهُ

وأتى بها بيتَ أَبيهِ .

إنَّ في أَوْبَتِهِ الى بيتِ أبيهِ

لَسِرا ً للَّذين يفهمون

وآية ً للذين يَعلمون .

ِلنَرْجِعَنَّ الى بيتِ أبينا ،

ولا يَأسُرَنَّنا ، أيها الاخوةُ ،

حُبُّ

البائدةِ !

لأنَّ في عَدْنٍ مدينتَكُم !

ُطوبى لمن رأى

فيها أحبَّاءَه ُ!

8 – أَثمارٌ قُدُسيَّة ،

حُلَلٌ نوريَّة ،

أَكاليلُ مُشِعَّة ،

مَرَاقٍ عَلِيَّة ،

مَنَاعِمُ ولا عناءَ ،

لذَّاتٌ ولا رُعْبَ ،

عُرْسٌ أبديٌّ

ولا نهاية .

أمَّا الدُّنيا ، في عَينَيَّ ،

فَمَقَرُّ العذاب .

ُطوبى لمن قالَ :

ربَّنا ، أَطْلِقْنا مِن هنا !

9 – صوتُ العُلْوِيِّين ،

ترنيمُ الرُّوحيِّينَ ،

السَّرافونَ بأَلحانهم

والكَرُوبونَ بأَجْنِحَتِهِم

نَغَمٌ جميلٌ

لا مثيلَ لَهُ في أَرضنا .

نعيمُهم هو

ذلك المجدُ الذي يرفَعون ،

كلُّ واحدٍ بكِنَّارَتِه ِ

يُنَعِمُ نفسَه ُ.

أَهِلْني نتنعَّمْ

مَعَهم بهُوشَعنا !

10 – مَن لنا بأن نَطرَح َ

الغِشاءَ عن عُيونِنا ،

ونتأَمَّلَ ذلك الموضِع َ

فنتأَسَّفَ على إِبطائِنا ،

لأَنَّا تأخَّرنا ههُنا ،

في ميناءِ الِإفلاسِ

حيثُ التُّجَّارُ ، كُلَّ يومٍ ،

خاسرُون ،

والسُّفُنُ مَنْهُوكَة ٌ،

وأَوساقُها مَسْلُوبة ٌ!

طوبى للأَطفالِ

الذين عَبروا الميناءَ بغيرِ عَناء !

11 – في الفِردَوسِ تَرعى

الحُملانُ بغيرِ وجَل .

والشَّيطانُ حزين ٌ

على أَنَّه لم يَصِمْهُم بعَيب ٍ،

والشَّهوةُ كئيبة ٌ

لأَنَّها لم تُلَوِثْهُم .

البتوليَّة ُمُبْتَهِجة ٌ

بأنَّها قد تُوِجَت ْ

في هياكلَ بريئة ٍ

لم يَعْلُها غُبْرَة ٌ.

طوبى لمن استحقَّ

أن يَبلُغَ مواعيدَهُم !

12 – حُسْنُهُم لا يَذْوِي ،

بَهاؤُهم لا يَنْصُلُ .

وآباؤُهم الحَمْقَى

يَتندَّمونَ على أَنَّهم تذمَّروا .

ثمَّ يشكُرونَ هناك

ذلك الذي كَفَرُوا بهِ هنا ،

يشكُرونَ الطَّيِّبَ

الذي احتمَل َ

بُكَاءَنا ونَدْبَنا

وشَقَّ ثِيَابِنا .

تباركَ الذي أَغْضَبْنَاهُ

لأنَّه رفَعَ أحبَّاءَنا !

13 – تمجَّدَ حارثُ

الشَّجَرَةِ البَشَريَّة

يَقطِفُ منها ، كلَّ يومٍ ،

أثمارا ً للقربان

من كُلِ قَدٍ

وكلِ عمرٍ .

وهنا المُعْجِزَة

أنَّ نَوْرَ الكَرْمَة ِ

أعلى حلاوة ً

مِن نَضْجِ عُنقُودِها !

تباركَ الذي قرَّبَ لأبيهِ

إكليلا ًمن أطفال !

14 – هاك كثيرة ٌ

يأخُذُهُم النَّدَم ُ

لأنَّهم مُحِنُوا ولم يحتملوا ،

اضطُهِدُوا ولم يُطيقوا .

لقد شاءَ الصَّالحُ ،

لِقاءَ مشقَّاتٍ خفيفة ٍعابرة ٍ،

أن ُيتلِفَ صَكَّ دُيُونِهِم ،

ولمَّا يشاؤُوا .

بحقٍ يتندَّمون

لأنَّهم كفروا النِّعمة َ

إيَّاك يُسَبّحُ الجميعُ

لأنَّكَ كُلَّكَ للجميعِ الجُود !

15 – ردَّتني نعمتُكَ

أنا الأسيرَ !

فَمِن عَدْنٍ

سِيْقَ آبائي أُسارى

الى أرض الشوكِ ،

بحُكْمِ الشَّيطان .

فقد خَاتَلَني حتَّى أُحِب َّ

وأَعْشَقَ

أرضَ اللَّعنَةِ ،

مَرْتَعَ القِصَاصِ

تباركَ الذي خلصَنا من الأسْرِ

وقتَل قاتِلَنا !

 

 

 

النّشِيدُ الخامِس عَشر

1 – يا إِخوتي ، أُنظُرُوا الهواءَ !

إذا تحرَّكَ نسيمُه ُ

لا يُرى لَوْنُهُ ،

خفيٌّ على وَضَحِهِ ،

ولا حِجَابَ عليهِ ،

ولا مَدْعاةَ الى العَجَب ؛

خفيٌّ ظاهرٌ

إذ يَهُبُّ :

كذلك الفِردَوسُ

خفيٌّ ظاهرٌ ،

نعرِفُ أنه موجود ٌ

ولا نَعْرِفُ ما هو !

لازمة :

تباركَ الذي أتى

ودعا العالَمينَ إلى فِردَوسِهِ !

2 – إنَّ تلك الشَّجَرَةَ ،

شجرةَ المعرفةِ ،

لَرَمْزٌ الى بابِ

الفِردَوس ،

بابِ المعرفةِ ،

بهِ يستطيعُ كلُّ واحدٍ أن يدخُلَ .

إنَّهُ يُشْبِهُ خالِقَهُ

المجيدَ .

فإِنَّ في مُكنَةِ كُلّ ِ ذي حِسٍ ،

عَبْرَ بابِ المعرفةِ ،

أن يَقْرَبَ الى مَقَرِهِ الخفيِ ،

الى سِرِه ِ

3 – تأمَّلَ المعرفة َ

إنَّها البابُ لكلِ شيء .

بها يستطيعُ العقل ُ

أن يَلِجَ كلَّ مكانٍ ،

واذا عَرَضَ لهُ

ضَلالٌ

فُوجئَ كأنَّ حاجِزا ً

يَصُدُّهُ .

ببابِ المعرفة ِ

يُمكِنُهُ أن يدخُل َ

يُنَقِبُ عن كُلِ كَنزٍ

ويُخرجُ كُلَّ غِنىً .

4 – عندما أحاطَ العَسْكَرُ

بأليشاعَ ،

كان الصَّوتُ مِفتاحا ً

لِعينَي عبدِهِ .

وعندما حُبِسَتْ

أَعيُنُ التلميذَينِ ،

كان الخُبْزُ مِفتاحا ً

فانفتَحتْ

وعَرَفا العليمَ بكُلِ شيء .

لقد رأتِ الأعيُنُ الكئيبة ُ

مَرْأَى الفَرحِ

فابتهجَتْ .

5 – إنَّ في ذلك العُود ِ

لَسِرَّ المعرفة ،

تستطيعُ ثَمَرَتُهُ أن تَكْشَحَ

ضبابَ الجَهْلِ .

وحينئذٍ يكونُ للأَعيُنِ

أن تتبيَّنَ جَمالَ

المِحْرابِ الدَّاخليِّ

المحجوبِ .

فَلأّنَّ آدم َ

أكلَها خطيئة ً

مكانَ أن يَلقْى فَرْحَةَ القلبِ

وَجَعَ القَلبِ لَقِيَ !

6 – المعرفة ُ

أشبَهُ بالقَهرمانِ ،

تَحْمِلُ على كَتِفَيْهَا

مَفاتيحَ العِلْمِ :

تجعَلُ لكلِ بابٍ مُقْفَل ٍ

مِفتاحا ً

تفتحُ العَصِيَّ

بغير عناء ٍ،

تُفَقِهُ بالمَرئِيَّاتِ

وتُعَلِمُ المحجوبات ،

تُؤَدِبُ النُّفوسَ

وتُغني المخلوقات .

7 – الحجارةُ الكريمةُ التي رُكِبَت ْ

في الأَفُودِ الذي كانَ الكاهنُ

يَلبَسُهُ بحَسَبِ الوصيَّة ِ

سُمِيَتْ ( تُوميم وأُوريم )

كما وَسُمِيَتْ

معرفة ًوحقّا ً.

يتعطَّفُ الكاهنُ بالمعرفة

لكي يَسمَعَ فيها

الصَّوتَ الآتي اليه ِ

مِن قُدْسِ الأقداس ،

يُكَلِمُهُ

مِن وَسَطِ الكَروبَينِ .

8 – بالمعرفة ِ

المحجوبة ِفي الأَفُود ِ

يَدخُلُ الكاهنُ المَقْدِسَ ،

صُورة َ الفِردَوس

ويَذُوقُ الشَّجرةَ ،

رَمْزَ الوَحْيِ .

ومَن دَخَلَ بغير وصيَّة ٍ

مات َ

مثلَما ماتَ آدمُ

بالثَّمرةِ بغير أوانها .

لَبِسَ الكاهنُ القداسة َ

وقَلَعَ آدمُ المجدَ !

9 – لا يُدرِكُ العقلُ

كُنْهَ الشَّجرةِ

بِمَعْزِلٍ عن الثَّمرة ِ

ولا الكاهنُ يَكْشِفُ

كَنْزَ الوَحْيِ

بغيرِ أَفُود .

بِمُغْرِيَيْنِ خَدَعَ

الشِّرِّيرُ وأسبى :

فَإِلهاً جعلَ آدمَ

وكاهنا ًعُزِّيَّا .

فعرَّى الواحدَ من المجدِ

والآخَرَ أَلبَسَهُ البَرَصَ !

10 – الى آدم َ

ألقى اللهُ بِمَنَاعِمِ الفِردَوس .

والى عُزِّيَّا

بمناعمِ المُلْك .

ذاك مَنَعَتْهُ الثَّمَرَة ُ

وهذا المِجْمَرَة ُ.

قد خَطِفَ كلاهما شيئا ً

لم يُعْطَهُ .

فانْبَثَّ عِطْرُ المِجْمَرَة ِ

نَتانَة ً في اسْم ِعُزِّيَّا

وطيبُ الثَّمَرَةِ

رجاسَةً في اسْمِ آدم !

11 – مِن السَّهْلِ إِدراكُ

أنَّ بني البَشَرِ

هم اللذين يُشَوِهون المخلوقات ،

فهم مُشَوَّهون ولَهَا يُشَوِهون .

ذَبحوا اللَّحمَ فأَفسدُوهُ

والزَّواجُ دنَّسُوهُ فَفَكَّكُوهُ .

شوَّهوا

الذَّهَبَ بأصنامِهم .

بتلك الشَّجرةِ البهيَّة ِ

شُوِهَ آدم ُ

وهو نفسُهُ شَوَّهَ الثَّمَرَة َ

التي حَسِبَها مُؤْذِية ً.