مقالات أفراهاط

مقالات القديس افراهاط الحكيم الفارسى

 

ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطى

 

 

المقالة الاولى عن الايمان

المقالة الثالثة عن الصوم

المقالة الرابعة عن الصلاة

المقالة الخامسة عن الحروب

المقالة السادسة عن الرهبان

المقالة السابعة عن التائبين

المقالة الثامنة عن قيامة الموتى

المقالة العاشرة فى الرعاة

المقالة الحادية عشر فى الختان

المقالة الثانية عشر فى الفصح

المقالة الرابعة عشر عن البراهين المقنعة

المقالة السابعة عشر فى المسيح ابن الله

المقالة العشرون فى مساعدة المساكين

المقالة الحادية و العشرون عن الاضطهاد

المقالة الثانية و العشرون عن الموت و الازمنة الاخيرة

المقالة الثالثة و العشرون عن خصلة العنب

 

 

 

 

المقالة الاولى عن الايمان

 

بناء الإيمان

 

[يتكون الإيمان من أمور عديدة، ويبلغ إلى الكمال بأنواع كثيرة. إنه يشبه بناءً يُبنى بقطع كثيرة من الأعمال البارعة، يرتفع إلى القمة.

لتعلم يا عزيزي أن الحجارة تُوضع في أساسات المبنى، ويرتفع البناء كله فوق الحجارة حتى يتم. هكذا الحجر الرئيسي ربنا يسوع المسيح هو أساس كل إيماننا. عليه يتأسس الإيمان. عليه يقوم كل بنيان الإيمان حتى يكمل.

فالأساس هو بدء كل البناء… بنيانه لا يمكن أن تزعزعه الأمواج، ولا تؤذيه الرياح، ولا تسقطه العواصف، لأن البناء يُشيد على صخرة الحجر الحقيقي.

إن كنت قد دعوت المسيح الحجر، فهذا القول ليس من عندي، فقد سبق الأنبياء وتنبأوا عنه ودعوه “الحجر”[1].]

 

البناء الكامل

 

[لتسمع الآن عن البناء الذي يقوم على الحجر، والبناء الذي يُشيد على الحجر. فالإنسان أولاً يؤمن، وعندما يؤمن يحب، وعندما يحب يرجو، وعندما يرجو يتبرر، وعندما يتبرر يصير تامًا، وإذ يتم يكمل… عندئذ يصير بيتًا وهيكلاً مسكنًا للمسيح، كقول إرميا النبي: “هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو، إن أصلحتهم إصلاحًا طرقكم وأعمالكم” (إر 7: 4-5).

مرة يقول بالنبي: “أسكن فيهم وأسير فيهم” (لا 26: 12، 1 كو 3: 16، 2 كو 6: 16). وقال الرسول الطوباوي: “أنتم هيكل الله، وروح المسيح يسكن فيكم” (راجع 1 كو 3: 16). أيضًا قال ربنا لتلاميذه: “أنتم فيٌ وأنا فيكم”. (يو 14: 20)[2]]

 

تهيئه بناء الإيمان لساكنه

 

[إذ يصير البيت مسكنًا، يبدأ الإنسان يهتم بأن يتعرف على متطلبات ذاك الذي يسكن البناء… فإن كان البيت خاليًا من كل الأمور الصالحة لا ينزل الملك فيه، ولا يسكن في وسطه. إنه يطلب أن يكون البيت فيه كل متطلبات الملك ولا ينقصه شيء. فإن نقص شيء في البيت الذي ينزل فيه الملك يُسلم الحارس للموت، لأنه لم يُعِدْ الخدمة اللائقة بالملك. هكذا يليق بالإنسان الذي يصير بيتًا. نعم، إذ يصير مسكنًا للمسيح يليق به أن يكون حريصًا على ما يلزم لخدمة المسيح الذي يسكن فيه، وعلى ما يسُر به.

فإنه أولاً يقيم مبناه على حجر الإيمان كأساس. وعلى الإيمان يشيد كل البناء. فلكي يكون البيت عامرًا يتطلب هذا صومًا طاهرًا، وهذا يثبت بالإيمان.

توجد حاجة إلى الصلاة الطاهرة أيضًا، خلالها يٌقبل الإيمان. هذا يستلزم أيضًا الحب الذي ينشئه الإيمان.

علاوة على هذا فالصدقة مطلوبة، والتي تقدم خلال الإيمان.

يحتاج أيضًا إلى التواضع الذي يزينه الإيمان.

يختار أيضًا البتولية التي يحبها الإيمان.

يربط نفسه بالقداسة التي تُغرس بالإيمان.

يهتم أيضًا بالحكمة التي تطلب أيضًا بالإيمان.

يشتاق أيضًا إلى الكرَمْ الذي يصير بالإيمان سخيًا.

يطلب البساطة من أجل (المسيح الساكن فيه) هذه التي تختلط بالإيمان.

يطلب أيضًا الصبر الذي يكمل بالإيمان. ويقٌََدر طول الأناة التي يسألها بالإيمان.

يحب الحزن (الندامة) الذي يعلنه بالإيمان.

يبحث أيضًا عن الطهارة التي يحفظها الإيمان.

كل هذه الأمور يطلبها الإيمان المؤسس على صخرة الحجر الحقيقي، أي المسيح. هذه الأعمال تُطلب من أجل المسيح الملك الساكن في البشر المبنيين بهذه الأعمال[3].]

[يتحدث الرسول عن الإيمان أنه مرتبط بالرجاء والمحبة، قال: هؤلاء الثلاثة يثبتون: الإيمان والرجاء والمحبة. وقد أظهر بخصوص الإيمان أنه يُوضع أولاً على أساس أكيد[4].]

رجال الإيمان

[هابيل، بإيمانه قُبلت تقدمته.

وأخنوخ، بإيمانه سُر به، ونًزع من الموت.

نوح، إذ آمن حُفظ من الطوفان.

إبراهيم، بإيمانه نال بركة وحُسب له برًا.

اسحق، بإيمانه صار محبوبًا.

يعقوب، بإيمانه حُفظ.

يوسف، بإيمانه جُرب في مياه النضال، وخُلص من تجربته، وأقام الرب معه عهدًا، إذ قال داود: “جعله شهادة في يوسف” (مز 81: 5).

موسى أيضًا بإيمانه تمم أعمالاً قوية عجيبة. بإيمانه أهلك المصريين بعشرة ضربات. وبالإيمان شق البحر، وعبر بشعبه، بينما غرق المصريون في وسطه. بالإيمان طرح خشبة في المياه المرة فصارت حلوة. بالإيمان انزل منًا أشبع شعبه. بالإيمان بسط يديه وهزم عماليق، كما كُتب: “كانت يداه ثابتتين في إيمان إلى غروب الشمس” (خر 17: 12 ترجمة بشيتو السريانية Pechito). أيضًا بالإيمان صعد إلى جبل سيناء عندما صام مرتين أربعين يومًا. أيضًا بإيمان هزم سيحون وعوج ملكي العموريين[5].]

أعمال الإيمان العجيبة!

[لتقترب، أيها الحبيب، من الإيمان لأن قدراته كثيرة جدًا. الإيمان أصعد (أخنوخ) إلى السماء، وغلب الطوفان. جعل العاقر تنجب. إنه نجىٌَ من السيف، وأصعد من الجب، أغنى الفقراء، وحلٌ الأسرى، وخلص المضطهدين، وأطفأ النار، وشق البحر، وزعزع الصخر، وأعطى العطاش ماءً للشرب، وأشبع الجياع. إنه أقام الموتى وأخرجهم من الجحيم، وهدٌأ الأمواج، وشفى المرضى. قهر الأعداء وحطم الحصون. سدٌ أفواه الأسود، وأطفأ لهيب النار. أنزل المتكبرين وكرَّم المتواضعين. كل هذه الأعمال القديرة صنعها الإيمان[6].]

بنود الإيمان

[هذا إذن هو الإيمان…

أن يؤمن الإنسان بالله، رب الجميع، خالق السماوات والأرض والبحار وكل ما فيها. خلق آدم على صورته، وأعطى الناموس لموسى، وأرسل روحه على الأنبياء، وبعد ذلك أرسل مسيحه إلى العالم.

أيضا يؤمن الإنسان بالقيامة من الأموات.

علاوة على هذا يؤمن بسرّ العماد.

هذا هو إيمان كنيسة الله[7].]

 

 

________________________________________

[1] Demonstrations, 1:2 (Of Faith).

[2] Demonstrations, 1:3 (Of Faith).

[3] Demonstrations, 1:4 (Of Faith).

[4] Demonstrations, 1:13 (Of Faith).

[5] Demonstrations, 1:14 (Of Faith).

[6] Demonstrations, 1:18 (Of Faith).

[7] Demonstrations, 1:19 (Of Faith).

 

المقالة الثالثة عن الصوم

 

يا لعظمة الصوم!

 

[ثمين هو الصوم الطاهر أمام الله، وهو محفوظ ككنزٍ في السماء.

الصوم سلاح أمام الشرير، وترس نقابل به سهام العدو[1].]

 

صوم روحي!

 

[يوجد من يصوم عن اللحم والخمر وبعض المأكولات، ويوجد من يصوم ليقيم سياجًا لفمه، فلا ينطق بكلمات شريرة.

ويوجد من يصوم عن الغضب، ويضبط شهوته فلا تغلبه.

ويوجد من يصوم عن المقتنيات، ليجرد نفسه من عبوديتها.

يوجد من يصوم عن النوم، فيكون ساهرًا في الصلاة…

يوجد من يصوم ليصير تائبًا، فيرضى ربٌه بندامته.

ويوجد من يجمع هذا كله، ويجعل منه صومًا واحدًا…

من يصوم عن هذا كله ويجيز لنفسه واحدة منها في وقت من الأوقات لا يُحسب له صومه… من نذر على نفسه أن يصوم عن هذا كله وأخذ يحلل لنفسه الواحدة بعد الأخرى تكون خطيئته عظيمة[2].]

 

 [إن لم توجد نقاوة القلب لا يُُقبل الصوم. تذكر أيها الحبيب أنه من الأفضل للإنسان أن ينقي قلبه ويحفظ لسانه ويحجم يديه عن الشر… إذ لا يليق بالإنسان أن يمزج العسل بالعلقم. فإن صام الإنسان عن الخبز والماء لا يمزج صومه بالتجاديف واللعنات. واحد هو باب بيتك الذي هو هيكل الله، فلا يليق أن يخرج منه الزبل والوحل في باب يدخل منه الملك.

 حين يصوم الإنسان عن القبائح ويتناول جسد المسيح ودمه فلينتبه إلى ابن الملك الذي دخل في فمه، فلا يجوز لك أن تخرج من فمك كلمات نجسة[3].]

 

 

________________________________________

[1] Demonstrations, 3:1 (Of Fasting).

[2] Demonstrations, 3:1 (Of Fasting).

[3] Demonstrations, 3:2 (Of Fasting).

 

 

المقالة الرابعة عن الصلاة

 

قوَّة الصلاة الصادرة عن قلبٍ نقيٍ

 

  1. تبعث نقاوة القلب صلاة أقوى من كل الصلوات التي تُتلى بصوتٍ عالٍ. فالصمت مع العقل الأصيل أفضل من الصوت العالي لمن يصرخ.

أعطني يا عزيزي الآن قلبك وفهمك، واسمع عن قوَّة الصلاة النقيَّة، وكيف أن آباءنا القدِّيسين اجتهدوا في صلاتهم أمام الله، وكيف قدَّموها كتقدمة طاهرة (مـل1: 11). فبالصلاة قُبلت التقدمات.

الصلاة هي التي نجَّت نوح من الطوفان.

الصلاة تكسي عرينا.

الصلاة تهزم الجيوش.

الصلاة تعلن الأسرار.

الصلاة تشقَّ البحر.

الصلاة شقَّت طريقًا عبر الأردن.

الصلاة أوقفت الشمس فلم تغرب.

الصلاة جعلت القمر يقف.

الصلاة حطمت الخطيَّة.

الصلاة أطفأت النار.

الصلاة أغلقت السماء.

الصلاة رفعت من الحفرة وأنقذت من النار والبحر.

قوَّة الصلاة عظيمة جدًا مثل قوَّة الصوم النقي. وكما شرحت وقلت لكم في المقال السابق عن الصوم لا أمل عن أن أتكلَّم معكم هنا عن الصلاة.

 

تقدمتا هابيل وقايين

 

  1. أول كل شيء قبل الله تقدمة هابيل بسبب نقاوة قلبه، ورُفضت تقدمة قايين (تك4: 4).كيف نعرف أن تقدمة هابيل قُبلت، بينما رُفضت تقدمة قايين؟ وكيف شعر هابيل بقبول تقدمته؟ وكيف تأكَّد قايين من رفض تقدمته؟ سأحاول قدر استطاعتي شرح ذلك.

أنت تعلم يا عزيزي أن علامة التقدمة المقبولة من الله هو نزول نار من السماء وحرق التقدمة. عندما قدَّم هابيل وقايين تقدماتهما معًا، نزلت النار الحيَّة التي تخدم أمام الله (مز 104: 4) والتهمت ذبيحة هابيل النقيَّة، بينما لم تمس ذبيحة قايين غير النقيَّة. وهكذا عرف هابيل قبول تقدمته، وقايين رفض تقدمته. لقد عُرفت ثمار قلب قايين بعد ذلك حين اُختبر ووجد أن قلبه مملوء غشًا، حين قتل شقيقة، وهكذا فما حبل به في فكره ولدته يداه. ولكن نقاوة قلب هابيل كانت أساس صلاته.

 

النار السماويَّة وقبول التقدمات

 

  1. سأوضح لك يا عزيزي كيف اُستخدمت النار في التهام التقدمات المقبولة. عندما قدَّم منوح والد شمشون تقدمة، نزلت نارًا حيَّة والتهمت التقدمة (قض 13: 20)، وكان داخل لظى اللهب الملاك الذي تكلم معه وهو صاعد إلى السماء.

كذلك إبراهيم عندما أكد الله له وعده بأنه سيُولد له ابن، قال له الله: “خذ لي عجلة وعنزة وكبشًا عمر كل منها ثلاث سنوات ويمامة وحمامة” (راجع تك 15: 9). وعندما قدَّم الذبيحة قطعها إلى أجزاء، ورصَّها شق كل واحدٍ مقابل صاحبهٍ. وقع عليه سبات وظلام، ونزلت نار ومرَّت على الأجزاء والتهمت تقدمة إبراهيم (تك 15: 17).

وكذلك التقدمات التي كانت تُقدم في خيمة الاجتماع، كانت تنزل نار حيَّة تحرقها.

وعندما قدَّم ناداب وأبيهو ابنا هارون التقدمة باحتقار، نزلت النار كالمعتاد عند تقديم التقدمة، لكنها لم تلمس التقدمة، لأن التقدمة لم تُقدَّم بنقاوة. وعندما رأيا أن النار لم تلمس التقدمة أحضرا نارًا من الخارج كي تلتهم التقدمة، حتى لا يتعرَّضا للومٍ من موسى عندما يسألهم لماذا لم تلتهم النار تقدمتهما. النار التي أتيا بها من الخارج فعلاً التهمت التقدمة، لكن نارًا من السماء نزلت والتهمت ناداب وأبيهو. وبذلك حُفظت قداسة الرب من أولئك الذين احتقروا خدمته (لا 10: 2).

وبالمثل عندما انشق المائتان وخمسون على موسى وقدَّموا بخورًا بدون تصريح، أُمرت النار أن تنزل من حضرة الرب، والتهمت المنشقِّين. وهكذا احتفظت مباخرهم بالقداسة على حساب حياتهم.

وعندما بنى سليمان الهيكل وقدَّم ذبائح وتقدمات كثيرة، ثم صلَّى نزلت النار من السماء والتهمت دهن المحرقة الموضوعة على المذبح (2 أي 1: 2).

وعندما قدَّم إيليَّا تقدمة نزلت النار والتهمتها (1 مل 18: 38)، وقُبلت تقدمته كما قُبلت تقدمة هابيل، في حين رُفضت تقدمة عبدة البعْل كما سبق أن رُفضت تقدمة قايين.

والغرض من كتابة كل هذه الأمثلة عن النار أن تتحقَّقوا بأن النار التهمت تقدمة هابيل.

 

قوَّة الصلاة

 

  1. والآن يا عزيزي اسمع عن هذه الصلاة الطاهرة، وما تحمله من قوةٍ واضحة فيها. عندما صلَّى إبراهيم أعاد الذين أسرهم الملوك الخمسة (تك 14: 16). كذلك صلاته جعلت العاقر تلد (تك 21: 2). وأيضًا بقوَّة صلاته استحق الوعد بأن من نسله تتبارك كل الأمم (تك 22: 18).

واسحق أيضًا أوضح قوَّة الصلاة عندما صلَّى عن رفقة فأنجبت أولادًا (تك 25: 21). وصلَّى من أجل أبيمالك، فأوقف الغضب الإلهي عنه (تك 25: 21).

 

الصلاة والسماء المفتوحة

 

  1. عندما صلَّى أبونا يعقوب أيضًا في بيت إيل رأى السماء قد انفتحت، وسُلَّم يصعد إلى أعلى (تك 28: 2). هذا الذي رآه يصعد هو رمز مخلِّصنا، وباب السماء هو المسيح. هذا يطابق قول السيِّد المسيح: “أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلُص” (يو 10: 9). وقال داود أيضًا: “هذا هو باب الرب، والصدِّيقون يدخلون فيه” (مز 118: 20).

السُلَّم الذي رآه يعقوب هو رمز مخلِّصنا، الذي بواسطته يصعد الصدِّيقون من المملكة السفلى إلى المملكة العُليا.

والسُلَّم أيضًا رمز صليب مخلِّصنا الذي رُفع مثل السُلَّم، والرب يقف فوقه…

والآن دعا يعقوب المكان بيت إيل (تك 28: 18)، وهناك أقام يعقوب عمودًا من الحجر كشهادةٍ،ٍ وصبَّ عليه الزيت. فعل أبونا يعقوب هذا كرمزٍ، متوقِّعًا تلك الحجارة أن تُمسح بالزيت، لأن الذين يؤمنون بالمسيح هم الحجارة التي تُمسح بالدهن، وكما يقول القدِّيس يوحنا (المعمدان) عنهم: “لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم” (لو 3: 8). هكذا كانت صلاة يعقوب رمزًا لدعوة الشعوب.

 

يا لاقتدار صلاة يعقوب!

 

  1. اُنظر يا عزيزي كم من الرموز كانت مخفيَّة في رؤيا يعقوب. رأى باب السماء الذي هو المسيَّا. ورأى السُلَّم رمز الصليب. ومسح الحجارة بالزيت كرمزٍ للشعوب. هناك أيضًا نذر يعقوب بأن يعطى العشور إلى اللاويِّين، ففيه اختفى الذين يعطون العشور والذين يتقبَّلون البكور (تك 28: 22).

في صلبه يهوذا جرو أسد (عب 7: 9-10؛ تك 28: 18)، المخفي فيه المسيَّا الملك، الذي به أشار إلى مسحة المعموديَّة. والأسباط التي كانت معه نذرت العشور إلى اللاويِّين. وكان الملوك الذين في صلبه يرفعون معنويَّاته… وبعصاه فقط عبر الأردن (تك 32: 10).

يا له من رمزٍ مدهشٍ عندما أمسك في يديه متنبَّأ عن علامة صليب النبي العظيم (تك 29: 1). “ثم رفع (يعقوب) رجليه، وذهب إلى أرض المشرق” (تك 29: 1)، لأنه من هناك “أشرق نور للأمم” (لو 2: 32).

 لقد انحنى عند البئر الذي كان على فمه حجر، والذي لم يقدر على رفعه عديد من الرجال، فإن كثيرين من الرعاة لم يقدروا على رفعه وفتح البئر، حتى جاء يعقوب (تك 29: 8-10) ورفع الحجر بقوَّة الراعي المخفي في أعضائه، وسقى غنمه.

جاء كثير من الأنبياء (الرعاة) دون أن يستطيعوا أن يكتشفوا المعموديَّة، حتى جاء النبي العظيم، وفتحها بنفسه وفيها اعتمد. ونادى بصوته الحنون معلنًا: “إن عطش أحد فليُقبل إليّ ويشرب” (يو 7: 37).

صلَّى يعقوب أيضًا عندما عاد من عند لابان، وعندما أُنقذ من أيدي عيسو أخيه. صلَّى هكذا معترفًا وقائلاً: “بعصاي عبرت هذا الأردن، والآن قد صرت جيشين” (تك 32: 10). يا له من رمز مدهش لمخلِّصنا! عندما أتى ربنا أولاً خرج (المسيح) العصا من جزع يسَّى، وذلك مثل عصا يعقوب (التي عبر بها الأردن)… وفي المجيء الثاني سوف يعود بجيشين، واحد من الشعب (اليهود) والآخر من الشعوب (الأمم)، مثلما عاد يعقوب إلى بيت أبيه اسحق بجيشين.

عاد يعقوب مع أبنائه الاِحدى عشر، وسوف يأتي مخلِّصنا ومعه اِحد عشر، لأن يهوذا لا يكون معهم. وبعد ذلك وُلد بنيامين، فأصبح ليعقوب اثني عشرة ولدًا، وبعد اختيار متياس أكمل الاثني عشر تلميذًا لمخلِّصنا.

 

يا لاقتدار صلاة موسى!

 

  1. ماذا نقول عن القدرة غير المحدَّدة لصلوات موسى؟

 بصلاته أُنقذ من أيدي فرعون.

 وترآى الله له في الشكيناه[1].

 بصلاته أتت العشرة ضربات على فرعون (خر 7-11).

 بصلاته انشقَّ البحر (خر 14: 21).

 بصلاته صار الماء المر ماءً عذبًا.

بصلاته نزل المن، وأعطيت السلوى (خر 16-17).

بصلاته انشقت الصخرة وخرج منها الماء (خر 17: 8-13)،

هزمت عماليق، وأعطت قوَّة ليشوع (عد 21: 21-35).

اقتلعت عوج وسيحون في الحرب (عد 16: 31).

أنزلت الأشرار إلى الهاويَّة (عد 16: 47-50).

رفعت غضب الله عن شعبه، وسحقت عجل الخطيَّة (خر 32: 20).

جلبت لوحي الحجر من الجبل، وجعلت وجه موسى يلمع (خر 34: 29).

كانت صلاته أقوى من صلاة يعقوب ويشوع ابن نون عندما اِرتفعت صلاته أمام الله شقَّت نهر الأردن أمامه (يش 6). وهدمت أسوار أريحا، واقتلعت عاخان (يش 7).

صلاته أرجعت الشمس، وجعلت القمر ثابتًا (يش 10: 12)، ممَّا هزم الملوك، وأخضع الأرض (يش 12) وأعطاها للإسرائيليِّين ميراثًا.

 

أمثلة لاقتدار صلوات الأبرار

 

  1. دعنا الآن نأتي إلى الصلاة الصامتة، صلاة حنَّة أم صموئيل. كيف صارت موضع سرور الله، وفَتحت رحمها العاقر، ونزعت عارها، وولدت نذيرًا أو كاهنًا (1صم 1).

وصموئيل أيضًا عندما صلَّى أمام إلهه، وأظهر شرّ الإسرائيليِّين، عندما طلبوا ملكًا. قدَّم صموئيل ذبيحة كاملة على المذبح (1 صم 12: 17-18)، ونزل المطر…

صلَّى داود أيضًا أمام إلهه، وأُنقذ من يدي شاول. وأيضًا صلَّى بعدما أحصى الشعب، وحوَّل عنهم الغضب والعقاب الإلهي، عندما نال المهلك سلطانًا عليهم (2 صم 24: 17).

آسا أيضًا صلَّى وأظهرت صلاته قوَّة عظيمة، عندما خرج إليه زارح الكوشي بجيشٍ قوامه مليونًا ضده. عندئذ صلَّى آسا وقال: “ستُعرف قوَّتك يا إلهنا عندما تبيد شعبًا ضخمًا بشعبٍ قليلٍ” (2 أي 14: 12-15). وهكذا هُزم هذا الجيش الكبير بقوَّة صلاة آسا.

ابنه يهوشافاط حطَّم جيش الأعداء بصلاته التي هزمتهم (2 أي 20: 3-30).

حزقيا أيضًا صلَّى وبصلاته تغلَّب على 185000 رجلاً حيث عمل الملاك كقائدٍ لجيشه (1 مل 19: 15، 35).

صلَّى يونان أمام إلهه من أعماق البحر، وسمعه الله (يون 2)، واستجاب صلاته، وأُنقذ بدون أيَّة أذيَّة. اخترقت صلاته الأعماق، وهزمت الأمواج، وكانت أقوى من العاصفة. لقد اخترقت الغيوم، وطارت في الهواء (سيراخ 35: 17)، فتَحت السماوات وقربت من عرش العظمة بواسطة جبرائيل الذي يقدِّم الصلاة أمام الله. نتيجة لذلك لفظت الأعماق النبي، وأوصل الحوت يونان بأمان على البر.

كذلك في حالة حنانيا وعزاريا وميصائيل، هزمت صلواتهم اللهيب، وخمدت قوَّة النيران، وغيَّرت من طبيعتها الحارقة. لقد أطفأت حنق الملك، وأنقذت الرجال الأبرار (دا 3).

 

صلاة دانيال

 

  1. عندما صلَّى دانيال أيضًا سدَّت صلاته أفواه الأسود (دا 6)، لقد انسدَّت الأفواه المفترسة أمام لحم وعظام إنسانٍ. لقد بسطت الأسود مخالبها، وتلقفت دانيال حتى لا يسقط على الأرض، احتضنته بين ذراعيها، وقبَّلت قدميه. وعندما وقف دانيال في الجب لكي يصلِّي رفع يديه إلى السماء وعلى مثال دانيال تبعته الأسود وقلَّدته.

ذاك الذي تقبَّل صلاته. نزل وسدَّ أفواه الأسود. وذلك لأن دانيال قال لداريوس: “إلهي أرسل ملاكه، وسدَّ أفواه الأسود، فلم تضرُّني”. (دا 6: 22)

وبالرغم من أن الجب كان مغطَّى ومختوم إلاَّ أن النور أشرق داخله، وسُرَّت الأسود عندما رأت النور الذي ظهر لأجل دانيال. وعندما غلب النوم دانيال وأراد أن ينعس ركعت الأسود حتى يمكنه أن ينام فوقها وليس على الأرض. لقد كان الجب أكثر استنارة من عُليَّة ذات نوافذ كثيرة. وفي الجب قدَّم صلوات كثيرة أكثر من عليَّته، حيث كان يصلِّي فقط ثلاث مرَّات في اليوم (دا 6: 10)، وعندما انتصر وفرح دانيال. وأُلقي الذين اتَّهموه في الجب بدلاً منه، فانفتحت أفواه الأسود والتهمتهم وسحقت عظامهم.

وبصلاة دانيال عاد المسبيِّين من بابل بعد سبعين سنة.

هكذا استخدم كل واحدٍ من آبائنا الأبرار سلاح الصلاة عندما كانت تقابله المحن، وبهذه كان يُنقذ من المحن.

الصلاة الخفيَّة

  1. بالمثل علمنا مخلِّصنا هذا النوع من الصلاة. يجب أن تصلِّي سرًا لذاك الذي هو في الخفاء وهو يرى الكل، هكذا قال السيِّد المسيح: “أدخل إلى مخدعك، وأغلق بابك، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية” (مت 6: 6).

أحبَّائي، لماذا يعلمنا مخلِّصنا قائلاً: “صلِّ إلى أبيك في الخفاء، والباب مغلق”؟

سوف أريكم ذلك على قدر استطاعتي. تعرِّفنا كلمات سيِّدنا أن تصلِّي بقلبك في الخفاء، والباب مغلق، لكن ما هو الباب الذي يجب أن تغلقه؟ إن لم يكن هو فمك، لأنه هو الهيكل الذي يسكن فيه المسيح، كما قال الرسول: “أما تعلمون أنكم هيكل الله؟” (1 كو 3: 16)، فلكي يدخل الله إلى إنسانك الداخلي في هذا المسكن، يجب أن يُنظِّف من كل شيء غير طاهر، بينما يكون الباب، أي فمك، مغلقًا.

إن لم يكن هكذا، فكيف نفهم هذه العبارة؟

اِفترض أنك كنت في الصحراء، حيث لا يوجد بيت ولا باب، كيف لا تستطيع أن تصلِّي في الخفاء؟

وإذا حدث أنك كنت فوق قمَّة جبل كيف لا تقدر أن تصلِّي؟

أوضح مخلِّصنا كذلك كيف أن الله يعرف إرادة القلب والفكر، كما قال الرب: “أبوكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه” (مت 6: 8).

وكما كُتب أيضًا في إشعياء النبي: “ويكون أني قبلما يدعون أنا أجيب، وفيما هم يتكلَّمون أنا أسمع” (إش 65: 24). مرَّة أخرى يقول إشعياء بخصوص الأشرار: “فحين تبسطون أيديكم، أستر عينيّ عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع” (إش 1: 15). كما قال حزقيال النبي: “إن صرخوا في أذنيّ بصوت عال لا أسمعهم” (حز 8: 18). قال هذا عن الصلاة الغاشة غير المقبولة، اِسمع كل كلمة بتمييز، وتمسَّك بمعناها.

 

أكون في وسطهم

 

  1. هنا يقول مخلِّصنا شيئًا آخر يجب أن نصغي إليه بفهمٍ: “لأنه حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم” (مت 18: 20). كيف يجب أن نفهم هذا يا أحبَّائي؟ هل هذا يعني أنه إن كنتَ وحيدًا لا يكون المسيح معك؟ إنه مكتوب فيما يخص المؤمنين بالمسيح أن السيِّد المسيح يسكن فيهم (يو 6: 56-57). بهذا نرى أنه حتى قبل أن يكون هناك اثنان أو ثلاثة فإن المسيح يكون معهم.

أكثر من ذلك أريكم موضعًا ليس فيه اثنان أو ثلاثة بل أكثر من ألف مجتمعين باسم المسيح، لكن المسيح ليس في وسطهم، وفي نفس الوقت يوجد إنسان واحد وحيد والمسيح معه.

كم هي عادلة وجميلة تلك الكلمات التي تفوَّه بها مخلِّصنا للذين يسمعون، لأنه قال: “لأنه حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم”…

 

لست وحدك!

 

  1. سأريك يا عزيزي الآن كيف كان الله موجودًا في كل واحد من أسلافنا الأبرار الذين كانوا يصلٌّون.

– عندما صلَّى موسى على الجبل كان وحده وكان الله معه. ليس حقيقيًا أن صلاته لم تُسمع لأنه كان وحده، بل على العكس، فإن صلاة موسى سُمعت بشدَّة ونزعت غضب الله.

– أيضًا إيليا كان وحده فوق جبل الكرمل، وأظهرت صلاته قوَّة مدهشة. إذ بصلاته أُغلقت السماء، وحلَّ الأربطة، وأنقذ الشعب من أيدي الموت، وأبعدهم عن الهاوية.

بصلاته أيضًا اقتلع دنس إسرائيل.

بصلاته نزلت النار في ثلاث مناسبات مختلفة. مرة على المذبح ومرَّتين على الشرفاء.

وكانت النار وسيلة انتقام له عندما نزلت وهو يصلِّي، وعندما ركع على ركبتيه وصلَّى سمعت صلاته على الفور، في حين أن الأربعمائة وخمسين صرخوا بأعلى صوت ولم تسمع صلاتهم، لأنها كانت توسلاً باسم البعل، لكن إيليا بالرغم من أنه كان وحده سُمعت صلاته.

– كذلك يونان النبي عندما صلَّى من أسفل الهاوية سُمعت صلاته بالرغم من أنه كان وحده، واُستجيبت صلاته فورًا.

– أيضًا صلَّى أليشع فأقام إنسانًا من الهاوية، وأُنقذ من أيدي الآثمة الذين أحاطوا به، وبالرغم من أنه في الظاهر كان وحده، ولكن جيشًا عظيمًا كان حوله، لأنه قال لتلميذه: “لا تخف لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم” (2 مل 6: 16). بالرغم من أنهما كانا وحدهما، ولكن حقيقة لم يكونا وحدهما.

لقد أعطيتكم هذه الأمثلة كي تقدروا أن تستوعبوا ما قاله ربنا: “لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم” (مت 18: 20).

 

تقدمة بلا عيب

 

  1. كما أكَّدْت عليك سابقًا أنه في اللحظة التي تبدأ فيها الصلاة اِرفع قلبك إلى أعلى واِخفض عينيك إلى أسفل وصلِّ في الخفاء إلى أبيك الذي في السماء. هذا كله كتبته إليك عن موضوع الصلاة وكيف أن الصلاة تُسمع عندما تكون نقيَّة، ولا تُسمع عندما لا تكون نقيَّة. لأنه يوجد بيننا أُناس يكرِّرون الصلاة ويطيلون التضرُّعات ويضاعفون في قامتهم، يرفعون أيديهم، ولكن عمل الصلاة الحقيقي بعيد عنهم، لأنهم يصلَّون الصلاة التي علَّمها لنا مخلِّصنا: “واغفر لنا ما علينا، كما نغفر نحن أيضًا لمن لنا عليهم”، ومع ذلك يفشلون في حفظ هذا الأمر وتنفيذه. اعلم أيها المصلِّي وتذكَّر أنه عندما تصلِّي تقدِّم تقدمة للرب.

لا تدع الملاك جبرائيل الذي يرفع الصلوات يخجل من أن يرفع تقدمة بها عيب.

عندما تصلِّي كي يغفر لك الله لابد أن تغفر أنت أيضًا أولاً في داخلك، هل حقًا أنت تغفر أم أنك فقط باللسان تصلِّي أنك تغفر؟…

يجب أن لا تكون مخادعًا للرب وتقول “أنا أغفر” وأنت عمليًا لا تغفر، لأن الله ليس مثلك بشر يمكن أن تخدعه. “إذا أخطأ إنسان إلى إنسان يدينه الله. فإن أخطأت إلى الرب، فمن يصلِّي من أجلك؟” (1 صم 2: 25)

اِستمع مرَّة أخرى لما يقوله الرب: “إن قدَّمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك فاُترك هناك قربانك قدَّام المذبح، واِذهب اِصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدِّم قربانك” (مت 5: 23-24).

عندما تبدأ صلاتك لا تعود تتذكَّر أي غضب أو حنق ضد أخيك. فإن وُجد تذكر أن صلاتك متروكة أمام المذبح وأن جبرائيل الذي يرفع الصلوات لا يريد أن يرفع الصلاة من الأرض، إذ فحص الصلاة ووجد عيب في تقدمتك. ولكن عندما تكون نقيَّة يرفعها أمام الله. إن وجد في صلاتك الكلمات: “اِغفر لي، وأنا أغفر للآخرين” عندئذ يقول جبرائيل رافع الصلوات: “أولاً أعفو عن المدينين لك، وأنا أرفع صلاتك إلى الذي أنت مدين له”.

سامح المدينين لك بمائة وزنة” (مت 18: 23-25) في حالتك الفقيرة، فيعفو عنك دائنك بالمقابل بمقدار عشرة آلاف وزنة حسب غنى عظمته. فلا يسألك عن رد الدين أو الفوائد.

وإذا رغبت في الغفران للآخرين، حينئذ يستقبل جبرائيل رافع الصلوات تقدَّمتك ويرفعها إلى أعلى. وإن لم تغفر حينئذ يقول لك: “إنني سوف لا أضع تقدمتك غير الطاهرة أمام المذبح المقدَّس”. وبدلاً من ذلك خذ تقدمتك معك، وعندئذ يترك جبرائيل تقدَّمتك ويذهب. اِسمع ما يقوله النبي: “ملعون الماكر الذي يوجد في قطيعه ذكر وينذر ويذبح للسيد عائبًا للأرض” (مل 1: 14). لأنه يقول أيضًا: “قربه لواليك أفيرضى عليك أو يرفع وجهك؟” (مل 1: 8) لذلك يجب أن تعفو عن مدينيك قبل صلاتك، وبعد ذلك فقط صلي، وحين تصلِّي ترتفع صلاتك أعلى أمام الله، ولا تبقى على الأرض.

 

راحة الله في إراحة المتعبين

 

  1. الآن يقول بالنبي: “هذه هي راحتي، أعطوا راحة المتعبين” (إش 28: 12 LXX). هذه راحة الرب. آه أيها الإنسان سوف لا تحتاج إلى القول: “اِغفر لي”؛ أعطِ راحة للمتعبين، آزر المرضى، وأعطِ الفقراء، فإن هذه الأعمال هي حقيقة صلاة.

كما سأشرح لك يا عزيزي، أنه في كل مرَّة تمارس راحة الرب هي صلاة. لأنه مكتوب أنه عندما زنا زمري مع المرأة المديانيَّة فلما رأى ذلك فينحاس بن ألعازار دخل وراء الرجل الإسرائيلي إلى القبَّة وطعن كليهما، الرجل الإسرائيلي والمرأة (عد 25: 6-8). هذا القتل اُعتبر كصلاة، لأن داود قال في المزمور: “فوقف فينحاس وصلى فامتنع الوباء، فحسب له برًا إلى دورٍ فدورٍ إلى الآن” (مز 106: 30- 31)، لأنه قتلهما كان لأجل الرب اعتبر ذلك كصلاة له.

انتبهوا يا أحبَّائي لئلا عندما تحين لك الفرصة “لإعطاء راحة” حسب إرادة الله تقول: إن وقت الصلاة قد حلَّ، أقوم الآن بالصلاة ثم بعد ذلك أُمارس الأعمال، وبينما أنت تقبل إلى إتمام صلاتك تكون الفرصة التي يمكنك فيها ممارسة “أعمال الراحة” قد وّلت منك وسوف تعجز عن عمل الوصيَّة وعمل “راحة الرب”. وسوف تكون من خلال صلاتك قد ارتكبت خطيَّة كان بالأحرى أن تعمل “راحة الرب” فتُحسب صلاة.

 

الصلاة والحب العملي

 

  1. اسمعوا لما يقوله بولس الرسول: “لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا” (1 كو 11: 31).

اُحكم في داخلك كما أقول لك.

اِفترض أنك ذهبت إلى رحلة طويلة، وجف قلبك من العطش في الحر، وحدث أن مرَّ بك أحد إخوتك، وقلت له: بلِّل لساني فإني أموت من العطش، فأجابك: إنه وقت الصلاة. فإنني سوف أصلِّي ثم أعود لكي أقدِّم لك المساعدة، وعندما كان يصلِّي، وقبْل أن يعود متْ من العطش. أيهما أفضل أن يصلِّي أم أن ينقذك من الهلاك؟

وأيضًا لنفرض أنك ذهبت في رحلة أثناء الشتاء. وواجهك المطر والثلج وقاربت على الموت من البرد. وحدث أنك جريت إلى صديقٍ لك في وقت الصلاة. وأجابك على النحو السابق ومتْ أيضًا من البرد، ماذا سيكسب صديقك من صلاته؟ لأنه لم ينقذ شخصًا من ضيقته.

لذلك عندما وصف إلهنا وقت المجازاة، عندما يفصل بين من يجب أن يبقى عن يمينه ومن يبقى عن يساره، يقول لمن هم عن يمينه: “لأني جُعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني” (مت 25: 35). ثم يخاطب بنفس الطريقة الذين عن يساره، ولأنهم لم يفعلوا أي شيء ممَّا سبق يرسلهم إلى النار، وأما الذين عن يمينه فيرسلهم إلى الملكوت.

 

الصلاة المحبوبة

 

  1. الصلاة جميلة وأعمالها مستقيمة، الصلاة المقبولة تُشعر الإنسان بالراحة. تُسمع الصلاة عندما نشعر بالغفران فيها.

الصلاة المحبوبة هي الصلاة النقيَّة الخالية من كل غش. وتكون الصلاة قويَّة عندما تعمل قوَّة الله فيها.

عزيزي، كتبت إليك أن الإنسان عندما يلتزم أن يتمم مشيئة الله، وتكون المحور الأساسي لصلاته، يسمو الإنسان في صلاته. قلت لكم هذا لا تهملوا الصلاة.

يلزم أن تشتاقوا إلى الصلاة ولا تكلُّوا منها. كما قال ربنا وهو مكتوب: “انه ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُمل” (لو 18: 1)، يجب أن تتُوقوا إلى السهر، واِنزعوا عنكم الغفلة والنوم. يجب أن تكونوا مستيقظين في كل وقت بالنهار والليل ولا تفتروا.

 

استخدم كل أنواع الصلاة

 

  1. الآن أعرض لكم ظروف الصلاة المختلفة: الطلبة والشكر والتسبيح.

في الطلبة يسأل الشخص الرحمة لأجل خطايانا، وفي الشكر تقدِّم الشكر لأبيك السماوي. وفي صلاة التسبيح نسبِّح الله لأجل أعماله.

 عندما تكون في الضيق قدِّم طلبة لله.

 عندما يعطيك الله عطايا صالحة، فلتشكر العاطي.

 عندما يتهلَّل ذهنك، قدِّم لله التسبيح.

لذلك قدِّم هذه الصلوات بتمييز إلى الله. اُنظر إلى داود عندما كان يقول دائمًا: “في منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برِّك” (مز 119: 62). وفي مزمور آخر يقول داود: “هلِّلويا، سبِّحوا الرب من السماوات، سبِّحوه في الأعالي” (مز 148: 1). وفي مزمور آخر: “أبارك الرب في كل حين، دائمًا تسبحته في فمي” (مز 34: 1)، لذلك لا تستعمل نوعًا واحدًا من الصلاة، ولكن استخدم كل الأنواع في أوقات متفرِّقة.

 

اغتسلوا، تنقُّوا!

 

  1. إني أثق يا عزيزي أن كل ما يطلبه الناس من الله بمثابرة ينالونه. ولكن الله لا يُسر بالذي يقدَّم صلاته باستهتار، كما هو مكتوب أن هذا هو المطلوب ممن يقدم صلاة، أن يفحص تقدمته جيدًا، لئلاَّ يوجد فيها لوم، وبعد ذلك فقط يقدِّمها (راجع مت 5: 23-24). التقدمة هنا هو الصلاة وبهذا لا تبقى تقدمتك (صلاتك) على الأرض. فما هي هذه التقدمة إن لم تكن صلاتك كما كتبت لك قبلاً. لأن داود قال: “اِذبح لله حمدًا. وأوْفِ العليّ نذورك، وادعني في يوم الضيق، أنقذك فتمجِّدني” (مز 50: 14).

والصلاة النقيَّة هي أفضل التقدمات.

كن مجتهدًا يا عزيزي في الصلاة التي فيها تتحدَّث إلى الله لحسابك. فقد كُتب في إشعياء النبي أنه أعلم الإسرائيليِّين بخطاياهم، وسمَّاهم حكَّام سدوم (إش 1: 10) عوض قوله “ربَّيت بنين ونشَّأتهم” (إش 1: 2)، لأنهم استبدلوا المجد والكرامة بالخزي.

قال أولاً إشعياء: “ربَّيت بنين ونشَّأتهم”، لكنه قال بعد ذلك: “اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم. أصغوا إلى شريعة إلهكم يا شعب عمورة” (إش 1: 10). وعندما لم يستمعوا إلى رسالة النبي عندما قال لهم: “بلادكم خربة، مدنكم محرقه بالنار” (إش 1: 7) عندئذ دعاهم “قضاة سدوم، وشعب عمورة”. قدَّموا ذبائحهم لكي يغفر الله لهم، ولكن لم تُقبل منهم، لأن شرَّهم كان عظيمًا كما كان حال بيت عالي الكاهن، فقد قيل في الكتاب المقدََّس أن شر بيت عالي لا يُغفر بذبائح وتقدمات (1 صم 3: 14). وانطبق على الإسرائيليِّين نفس الجملة عندما قال إشعياء لهم: “لماذا لي كثرة ذبائحكم؟ يقول الرب: أُتخِمت من محرقات كباش وشحم مسمَّنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أُسر. حينما تأتون لتظهروا أمامي، من طلب هذا من أيديكم تدوسوا دوري؟” (إش 1: 11-12). وعندما سأله الشعب: لماذا طلبت الذبائح، ولماذا لم تقبل تقدماتنا؟ أجاب النبي: “أيديكم ملآنة دمًا” (إش 1: 15).

وعندما سأل الشعب: ماذا نفعل؟ أجابهم النبي: “اغتسلوا تنقُّوا اعزلوا شرّ أفعالكم من أمام عينيّ، كفُّوا عن فعل الشرّ، تعلَّموا فعل الخير، اطلبوا الحق، اَنصفوا المظلوم، اقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة” (إش 1: 16-17).

سأل الشعب النبي عندما نفعل هذا ماذا يحدث لنا؟ فقال لهم النبي: “هلُمَّ نتحاجج يقول الرب، إن كانت خطاياكم كالقُرمز تبيَضّ كالثلج، إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف” (إش 1: 18).

ولكن كيف يتكلَّم الإنسان مع الله إلاَّ بالصلاة بدون لوم، لأنه أي عيب في الصلاة لا يتوافق مع الله؟ كما هو مكتوب: “إن كثَّرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دمًا” (إش 1: 15). وقال لهم عندما تغتسلون نتكلم معًا. “إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج، إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف، وإن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض، وإن أبيْتم وتمرَّدتم تؤكلون بالسـيف، لأن فم الرب تكلَّم” (إش 1: 18-19).

 

أسرار مجيدة

 

  1. يا لها من أسرار مجيدة تنبأ عنها إشعياء عندما قال لهم: “أيديكم ملآنة دمًا” (إش 1: 15) وماذا يكون هذا الدم إن لم يكن دم المسيَّا الذي أخذوه على أنفسهم وعلى أولادهم، ودم الأنبياء الذين قتلوهم؟ هذا الدم كان قرمزيًا وأحمر قاني وهو علامة لهم (إش 1: 16). هذا الدم الذي لا يمكن أن يُنظف ألا بالاغتسال بواسطة ماء المعموديَّة، والاشتراك في جسد ودم المسيح. إن الدم لا يُغسل إلاَّ بالدم، والجسد لا ينظَّف إلا بجسد المسيح. الخطيَّة تُغسل بالماء، وبالصلاة تتحدَّث مع جلال الله.

اُنظر يا عزيزي كيف رُفضت الذبائح، واحتلت الصلاة مكان الذبائح. فلنحب من الآن الصلاة النقيَّة ولنتحدث في الطلبة، وفي بدأ كل صلاة يجب أن تصلي الصلاة الربانيَّة. لتشتهِِ كل ما كتبته لك عنه. وفي كل وقت تصلِّي، تذكَّر صديقك المخلص.

 

________________________________________

[1] لم ترد هذه الكلمة في الكتاب المقدس، لكن يستخدمها اليهود كما المسيحيون عن سكنى الله بين الكاروبين على غطاء تابوت العهد.

 

المقالة الخامسة عن الحروب

 

حرب بين الشر والخير

 

[لقد دُبرت الأزمنة مقدمًا بواسطة الله.

تتحقق أزمنة السلام في أيام الصالحين والأبرار، وتتحقق أزمنة الشرور الكثيرة في أيام الأشرار والآثمة. فإنه مكتوب: “الصلاح لابد أن يحدث، وطوبى لذاك الذي يعبر به الصلاح. والشر لابد أن يحدث، وويل لمن يعبر به الشر”[1].

 

يحل الصلاح بشعب الله، وينتظر الطوبى ذاك الذي من خلاله يحل الصلاح. والشر يثور كجيشٍ يجتمع معًا بواسطة الشرير المتعجرف المتعالي، والويل أيضًا محفوظ لذاك الذي به يُثار الشر.

لا تلُم يا عزيزي الشخص الشرير الذي ينزل بالشر على كثيرين، فإن زمان إتمام عملهم قد حلّ[2].]

 

نهاية الحروب

 

[سوف لا يُقتل الوحش (المقاوم للكنيسة) حتى يأتي قديم الأيام ويجلس على العرش، ويقترب إليه ابن الإنسان، ويُعطى له سلطان (دا 7: 9،13،14،22)، عندئذ يُقتل الوحش وتهلك جثته. وتتأسس مملكة ابن الإنسان، مملكة أبدية، وسلطانه من جيل إلى جيل[3].]

 

خيرات العالم ليست مصدرًا للسلام!

 

[اهدأ يا من تفتخر بنفسك، لا تتبجح! فإن كانت ثروتك ترفع قلبك، فهي ليست بأكثر من ثروة حزقيا، الذي تمادى وتشامخ بها أمام البابليين، فحُملت كلها إلى بابل.

إن كنت تفتخر بأبنائك، فسيُقادون من عندك إلى الوحش كأبناء حزقيا الملك الذين اقتيدوا بعيدًا، وصـاروا خصيان في قصر ملك بابل (2 مل 20: 18، إش 39: 7).

وإن كنت تفتخر بحكمتك، فإنك في هذا لا تفوق رئيس صور، إذ قيل له: “ها أنت أحكم من دانيال، سرّ ما لا يُخفي عليك” (خر 28: 3).

 

وإن ارتفع عقلك متكلاً على سنك أنك كثير السنوات، فعددها ليس بأكثر من سني رئيس صور الذي حكم المملكة خلال أيام 22 ملكًا من بيت يهوذا أي لمدة 440 عامًا. وإذ كانت سنوات ملك صور كثيرة لذلك قال في قلبه طوال هذا الوقت: “أنا إله، وفي كرسي الله أجلس في قلب البحار” (حز 28: 2). لكن حزقيال قال له: “أنت إنسان لا إله” (حز 28: 2). فبينما كان رئيس صور بين حجارة النار يتمشى (حز 28: 14) كانت الرحمة تحل عليه. ولكنه عندما تشامخ قلبه صار “الكروب المظلل (وقد) حطمه”[4].]

 

النصرة للأبرار

 

[حتى وإن كانت هذه القوى (الشريرة) ترتفع وتغلب، فلتعلم أن هذا تأديب الله، فإنهم وإن انتصروا لكنهم سُيدانوا في دينونة عادلة. لتكن متأكدًا من هذا، أن الوحش سيُذبح في الوقت المعين. وأما أنت يا أخي فلتكن غيورًا في التماس الرحمة لكي يكون سلام شعب الله[5].]

________________________________________

[1] Psedo-Clemen., Homily 12:29.

[2] Demonstrations, 5:1 (Of Wars).

[3] Demonstrations, 5:6 (Of Wars).

[4] Demonstrations, 5:7 (Of Wars).

[5] Demonstrations, 5:25 (Of Wars).

 

المقالة السادسة عن الرهبان

 

لنلبس ثياب العرس

 

[صادقة هي الكلمة التي أقولها ومستحقة القبول، لنستيقظ من نومنا (رو 13: 11). ولنرفع قلوبنا وأيادينا إلى الله نحو السماء، لئلا يأتي رب البيت فجأة، حتى متى جاء يجدنا ساهرين (لو 12: 37). لنترقب ساعة العريس المجيد (مت 25: 4، 10) لندخل معه في حجاله. لنعد زيت سراجنا، فنخرج إلى اللقاء معه بفرحٍ. لنُعد الزاد في مسكننا، لأن الطريق ضيق وعسر. لننزع كل نجاسة ونتركها، ونلبس ثياب العرس.

لنتاجر بالفضة التي نتسلمها، فنُدعى عبيدًا مجتهدين (مت 25: 21).

لنثابر في الصلاة.

لنعبر مكان الخوف.

لنطهر قلوبنا من الشر فنرى العلي في كرامته.

لنكن رحومين، كما هو مكتوب لكي يكون الله رحيمًا بنا (مت 5: 7).

ليكن السلام حالاً بيننا، فندُعى إخوة المسيح.

لنجوع للبٌر فنشبع (مت 5: 6) من مائدة ملكوته. لنكن ملح الحق، فلا نصير طعامًا للحية.

لننقي زرعنا من الأشواك، فنأتي بثمرٍ مئة ضعف (لو 8: 7-8).

لنُقم بنياننا على الصخرة (مت 7: 24)، فلا يتزعزع بسبب الرياح والأمواج.

لنكن آنية للكرامة (2 تي 2: 21)، فيطلبنا الرب لاستخدامنا له.

لنبع كل مالنا ونشتري لأنفسنا اللؤلؤة (مت 13: 46)، فنغتني.

لنضع كنوزنا في السماء (مت 6: 20) حتى حين نذهب نفتحها ونسُر بها. لنفتقد ربنا في أشخاص المرضى (مت 25: 33-35)، فيدعونا لنقف عن يمينه. لنبغض أنفسنا ونحب المسيح، كما أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا (يو 12: 25، أف 5: 2). لنكرم روح المسيح، فننال نعمة منه. لنتغرب عن العالم. (يو 17: 14) كما كان المسيح ليس من العالم.

لنكن متواضعين ولطفاء، فنرث أرض الأحياء (مت 5: 4).

لنكن أمناء في خدمته، فيجعلنا نخدم في مسكن القديسين.

لنصلي صلاته بنقاوة، فتدخل أمام رب الجلال.

لنكن شركاء في آلامه، فنقوم في قيامته (2 تي 2: 11-12).

لنحمل علامته على أجسادنا، فنخلص من الغضب الآتي. فإنه مخيف هو يوم مجيئه، من يقدر أن يحتمله؟ (يوئيل 2: 11) غضبه شديد وملتهب، سيهلك الأشرار. لنضع على رؤوسنا خوذة الخلاص، لكي لا نُجرح ونموت في المعركة. لنمنطق أحقاءنا بالحق، فلا نوجد ضعفاء في القتال.

لنقوم ونوقظ المسيح، فيهدئ الأمواج عنا.

لنأخذ الترس تجاه الشرير، كاستعدادٍ لإنجيل مخلصنا (أف 6: 15-16).

لنقبل من ربنا السلطان أن نسود على الحيات والعقارب (لو 10: 19).

لنلقي عنا الغضب مع كل حدةٍ وشرٍ.

لا تخرج تجاديف من أفواهنا التي بها نصلي لله.

لا نلعن حتى ننجو من لعنة الناموس. لنكن عاملين مجتهدين، فنحصل على مكافأتنا مع الأولين.

لنحمل ثقل اليوم، فنطلب أجرًا أوفر. لا نكون عمَّالاً بطالين بعد أن استأجرنا ربنا لكرمه (مت 20: 1).

لنُغرَسْ ككرومٍ وسط كرمه، فإنها الكرمة الحقة (يو 15: 1). لنكن كرومًا مثمرة فلا نُقتلع من الكرمة.

لنكن رائحة طيَّبة، فتفوح الرائحة على كل المحيطين بنا (2 كو 2: 15).

لنكن فقراء في العالم، فنُغني الكثيرين بتعاليم ربنا.

لا ندعو أحدًا أبانًا على الأرض (مت 23: 9)، فنكون أبناء الآب الذي في السماوات.

وإن كنا لا نملك شيئًا، لكننا نملك كل شيء (2 كو 6: 9-10). وإن كان لا يعرفنا أحد، لكننا معروفين لكثيرين.

لنفرح في رجائنا في كل وقتٍ (رو 12: 12)، حتى يفرح بنا ذاك الذي هو رجاؤنا ومخلصنا.

لندين أنفسنا بالحق، ونحكم عليها حتى لا نحني وجوهنا أمام القضاة الذين سيجلسون على الكراسي ويدينون الأسباط (مت 19: 28).

لنأخذ لأنفسنا سلاحًا للمعركة (أف 6: 16)، هو الاستعداد للإنجيل.

لنقرع باب السماء (مت 7: 7)، فيُفتح أمامنا وندخل فيه.

لنسأل الرحمة باجتهاد، فننال ما هو ضروري لنا. لنطلب ملكوته وبره (مت 6: 33).

لنتأمل في ما هو فوق، في السماويات، حيث المسيح صاعد وممجد. لكن لننسي العالم الذي هو ليس لنا، حتى نبلغ الموضوع الذي نحن مدعوون إليه. لنرفع أعيننا إلي العلا لنرى الضياء المتجلي. لنرفع أجنحتنا كالنسور، لنرى حيث يكون الجسد (مت 24 28).

لنُعد القرابين للملك ثمارًا شهية هي الصوم والصلاة.

لنحفظ بالنقاوة عربونه لكي ما يأتمنا على كل كنزه. لأن من يغش في عربونه لا يُسمح له بالدخول في خزانته.

لنهتم بجسد المسيح، فتقوم أجسادنا عند صوت البوق.

لننصت إلي صوت العريس فندخل معه في خدره. لنعد هدية العُرس في يوم عرسه، ونخرج للقائه بفرحٍ. لنرتدي الثوب المقدس فنتكئ في الموضع الرئيسي للمختارين. من لا يرتدي ثوب العرس يُطرح في الظلمة الخارجية (مت 22: 13). من يستعفي من العرس لا يذوق الوليمة (لو 14: 18).

من يحب الحقول والتجارة يمُنع من مدينة القديسين. من لا يحمل ثمرًا في الكرمة يُقتلع ويُطرح في العذاب. من ينال وزنات فليردها إلي معطيها مع زيادة (مت 25: 16)…

من تربى على القتال فليحفظ نفسه من العالم؛ من رغب في نوال الإكليل، فليركض في الجهاد كمنتصرٍ (1 كو 9: 24)…

من أخذ شبه الملائكة يصير غريبًا عن البشر…

من وضع على عاتقه نير القديسين فليبُعد عنه الأخذ والعطاء (التجارة)…

من أحب البيت السماوي، فلا ينزل ليعمل بناءً من طين.

من ينتظر أن يُخطف في السحاب، لا يصنع لنفسه مركبات مزينة.

من ينتظر وليمة العريس، لا يحب ولائم هذا العالم…

من يحب السلام، فليتطلع إلي سيده كرجاء الحياة[1].]

 

حرب مع عدو الخير

 

[عدونا حاذق يا عزيزي، ومحتال ذاك الذي يقاتلنا. يُعد نفسه للهجوم على الشجعان الظافرين، ليجعلهم ضعفاء. أما الواهون الذين له فلا يحاربهم، إذ هم مسبيون مُسلمون إليه.

من له جناحان يطير بهما عنه، فلا تبلغ إليه السهام التي يقذفها نحوه؟ يراه الروحيون يحارب، ولا يتسلط سلاحه على أجسادهم. لا يخافه كل أبناء النور، لأن الظلمة تهرب من أمام النور. أبناء الصالح لا يخشون الشرير، لأنه أعطاهم أن يطأوا عليه بأقدامهم (تك 3: 15)[2].]

 

الهروب من السكنى مع راهبة

 

[يا إخوتي، إن كان إنسان ما راهبًا أو قديسًا يمارس حياة العزلة لكنه يرغب في امرأة مرتبطة بالنذر الرهباني مثله لتسكن معه، فخير له في هذه الحالة أن يأخذ امرأة علانية (كزوجة) ولا يسقط في الشهوة…

لتسكن المرأة مع امرأة، والرجل مع رجلٍ. وأيضًا إذا رغب رجل (راهب) أن يستمر في القداسة، لا يسمح لزوجته أن تسكن معه (إن نذرا الرهبنة معًا)، لئلا يعود إلي حاله السابق[3].]

تحذير للعذراء البتول

[يا أيتها العذارى اللواتي خطبتن أنفسكن للمسيح، عندما يقول راهب ما لإحداكن: “سأسكن معكِ وتخدمينني” يلزمها أن تقول له: “أنا مخطوبة لرجل ملوكي، وإياه أخدم. فإن تركت خدمته لأخدمك، يكتب كتاب طلاقي، ويطردني من بيته. وبينما تطلب أنت أن تكرمني، وأطلب أنا أن أُكَّرم منك، فلنحذر لئلا يصيبني ويصيبك جرحًا خطيرًا. لا تأخذ نارًا في حضنك (أم 4: 27)، لئلا تحرق ثيابك. لكن لتكن وحدك مكرمًا، وأثبت أنا في كرامتي. أما بخصوص تلك الأمور التي يُعِّدها العريس للأبدية، وليمة عرسه، فلتعد هدية العرس، ولتهيئ نفسك للقاء معه. أما عني فإني أعد الزيت حتى أدخل مع العذارى الحكيمات ولا أبقى خارج الباب مع العذارى الجاهلات[4].]

 

سمات البتوليين

 

[لتسمعوا إذن يا أحبائي الذين أكتب إليكم، أعني ما يخص المتوحدين والرهبان والبتوليين والقديسين.

قبل كل شيء يليق بالإنسان الذي وُضع عليه النير أن يكون ثابتًا في إيمانه. وكما كتبت إليكم في الرسالة الأولى أنه يجب أن يكون غيورًا في الصوم والصلاة، حارًا في محبة المسيح، متواضعًا وديعًا وحكيمًا. ليكن حديثه هادئًا مبهجًا، وفكره مخلصًا مع الجميع. ليزنْ الكلمات التي ينطق بها، ويصنع سياجًا لفمه يصرفه عن الكلمات المضرة، ويبتعد تمامًا عن الضحك الطائش.

ليته لا يحب بهرجة الثياب، ولا يليق به أن يطيل شعره ويزينه ويدهنه بعطور.

ليته لا يجرى وراء الولائم، ولا يرتدي ثيابًا فاخرة.

لا يتجاسر ويشرب المزيد من الخمر.

ليطرد عنه أفكار العظمة وينزع عنه اللسان الماكر.

ليطرد عنه الحسد والحنق، وينزع الشفاه المخادعة[5].]

 

 [ليته لا يحتقر إنسانًا يتوب عن خطاياه، ولا يستخف بأخيه الصائم، ولا يستخف بمن لا يستطيع الصوم…

في الوقت المناسب لينطق بكلمته وإلا فليصمت.

لا يجعل نفسه محتقرا بسبب بطنه بأن يشحذ…

ليته لا ينطق في مداهنة مع شرير أو مع عدوه. وليجاهد ألا يكون له عدو على الإطلاق[6].]

 

يا لعظمة البتولية!

 

[إذ أكتب هذا أذكر نفسي وأذكرك أنت أيضًا يا عزيزي أن تحب البتولية، النصيب السماوي، الشركة مع حارسي السماء، فليس من أمرٍ يُقارن بها. والمسيح يسكن في مثل هؤلاء. الصيف قريب، وشجرة التين أخرجت البراعم، وأخرجت أوراقها (مت 24: 32). لقد تحققت العلامات التي أعطاها مخلصنا. إذ قال: “تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون… مجاعات وأوبئة، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء” (لو 21: 10-11)[7].]

 

________________________________________

[1] Demonstrations, 6: 1 (of Monks).

[2] Demonstrations, 6: 2 (of Monks).

[3] Demonstrations, 6: 4 (of Monks).

[4] Demonstrations, 6: 7 (of Monks).

[5] Demonstrations, 6:8 (Of Monks).

[6] Demonstrations, 6:8 (Of Monks).

[7] Demonstrations, 6: 19 (of Monks).

 

المقالة السابعة عن التائبين

 

بالصليب سُمرت الخطية

 

[بين كل المولودين الذين لبسوا جسدًا واحد هو البار، إنه يسوع المسيح، كما يشهد عن نفسه، إذ قال: “أنا قد غلبت العالم” (يو 16: 33). وشهد عنه النبي أيضًا: “لم يعمل ظلمًا، ولم يكن في فمه غش” (إش 35: 9). وقال الرسول الطوباوي: “لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا” (2 كو 5: 21). كيف جعله خطية؟ حمل الخطية دون أن يرتكبها، وسمرها على الصليب (كو 2: 14). يقول الرسول أيضًا: “الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحدًا يأخذ الجعالة” (1 كو 9: 24).

أضف إلي هذا أنه ليس من بين البشر من نزل إلي المعركة ولم يُجرح أو يُضرب، لأن الخطية سيطرت منذ تعدى آدم الوصية (رو 5: 14)، فضربت الكثيرين، وجرحت الكثيرين، وقتلت الكثيرين. ولم يقتلها أحد من بين الكثيرين حتى جاء مخلصنا على صليبه. كان لها شوكة توخز الكثيرين، حتى جاءت النهاية، وتحطمت شوكتها حين سُمرت على الصليب[1].]

 

التوبة دواء الجرحى

 

الذين جرحوا في الجهاد لهم دواء التوبة، يضعونه على جراحاتهم فتُشفي.

يا أيها الأطباء، تلاميذ طبيبنا الحكيم، خذوا هذا الدواء الذي به تشفون جراحات المرضى… هذا هو حال من يتعب في الجهاد يا عزيزي. فإن جاء عدوه عليه وجرحه، يلزم أن نقدم له دواء التوبة، مادامت ندامة الجريح قوية. لأن الله لا يرذل التائبين. فقد قال في حزقيال: “لا أُسر بموت الشرير، بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا” (حز 33: 11)[2].]

 

لا تستحي من جراحاتك

 

[من أُصيب في الحرب لا يستحي من تسليم نفسه إلي يد طبيب حكيم، لأنه غُلب على أمره وأُصيب. وإذ يُشفى، لا يرذله الملك بل يحسبه مع جيشه. هكذا يليق بالإنسان الذي جرحه الشيطان ألا يستحي من الاعتراف بجهالاته، وأن يبتعد عنها، طالبًا التوبة دواءً لنفسه.

فمن يستحي من إظهار جرحه يمتد الضرر إلي جسده كله.

من لا يستحي من ذلك يُشفى جرحه، ويعود إلي المعركة[3].]

 

قدموا دواء التوبة!

 

[أيها الأطباء تلاميذ المجيد، يليق بكم ألا تمتنعوا عن تقديم الدواء للمحتاجين إليه. من يظهر لكم جرحه قدموا له دواء التوبة. ومن يستحي من أن يظهر مرضه حثوه على ألا يخفيه عنكم، وعندما يعترف به، لا تعلنوه خشية أن يظن المنتصرون أنهم مغلوبون من الأعداء والخصوم[4].]

 

الكلاب المُخلصة!

 

[عظيم يا عزيزي هو السرّ الذي سبق فأظهره الله لجدعون قال له: “كل من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب يذهب إلي القتال” (راجع قض 7: 5). فبين كل الحيوانات التي خُلقت مع الإنسان ليس من يحب سيده مثل الكلب. فهو يحرسه دومًا نهارًا وليلاً. وإن ضربه سيده وأكثر ضربه لا يبارحه، وإذا خرج مع سيده للصيد وصادف سيده أسدًا شرسًا، يسلم الكلب نفسه للموت عن سيده. هكذا يكون البواسل الذين عُرفوا في الماء. يسيرون كالكلاب على خطى سيدهم، ويبذلون نفوسهم للموت من أجله. يحاربون بشجاعة ويحرسونه ويضعونه على عيونهم ويلحسونه بألسنتهم كما يلحس الكلب سيده. والذين لا يلهجون في الشريعة يُسمون كلابًا صماء، لا تستطيع أن تنبح. وكل الذين يجتهدون في طلب الرحمة، يحصلون على خبز الأبناء فيُلقى لهم (مت 15: 26)[5].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 7: 1.

[2] Demonstrations, 7: 2.

[3] Demonstrations, 7: 3.

[4] Demonstrations, 7: 4.

[5] Demonstrations, 7: 21.

 

المقالة الثامنة عن قيامة الموتى

 

ما تزرعه إياه تحصد!

 

[لن تزرع قمحًا وتحصد شعيرًا، ولن تزرع كرمة تنتج تينًا، إنما كل شيء ينمو حسب طبيعته. هكذا أيضًا الجسد الذي أُلقي في الأرض يقوم ثانية.

وأما أن الجسد قد فسد وانحل، فيلزمك أن تتعلم من مثل البذرة، فهي أيضًا عندما تُلقي في الأرض تنحل وتفسد، وبانحلالها تثبت وتأتي ببرعم وتحمل ثمرًا. فالأرض التي تُحرث والتي لا تُلقي فيها بذار لا تنتج ثمرًا، حتى وإن ارتوت الأرض بالأمطار دائمًا. فالقبر الذي لا يُدفن فيه ميت لا يخرج منه أحياء من الأموات، حتى عندما يضرب البوق بصوتٍ كاملٍ[1].]

 

الجسد الروحاني!

 

[يقول الرسول: “وأما الروحي فيحكم في كل شيء، وهو لا يُحكم فيه من أحدٍ” (1 كو 2: 15). أيضًا قال: “الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون، ولكن الذين حسب الروح فبما للروح” (رو 8: 5). مرة أخرى قال: “لما كنا في الجسد كانت ضعفات الخطايا تعمل في أعضائنا لكي نثمر للموت” (راجع رو 7: 5). وأيضًا: “إن كان روح المسيح ساكنًا فيكم، فأنتم روحيون” (راجع رو 8: 9).

قال الرسول هذا كله بينما كان ملتحفًا في الجسد، لكنه كان يمارس أعمال الروح. هكذا أيضًا في قيامة الأموات سيتغير البار، ويُبتلع الأرضي بالسماوي، ويُدعى جسدًا سماويًا. وأما الذي لا يتغير فسيُدعى أرضيًا[2].]

 

وقت الولادة على الأبواب!

 

[إذ لم يكن آدم موجودًا أوجده (الله) من العدم، فكم بالأسهل الآن أن يقيمه.

هوذا يُزرع كبذرة في الأرض! فلو أن الله يفعل ما هو سهل بالنسبة لنا فإن أعماله لا تظهر قديرة لنا…

آدم الذي لم يُغرس نبت، وُلد دون حبل به. لكن هوذا الآن نسله يُغرسون وينتظرون المطر وسينبتون. هوذا الأرض تحبل بكثيرين، ووقت الولادة على الأبواب[3].]

 

إخفاء قبر موسى

 

[حقق إلهه نفعين لموسى بإخفاء قبره عن بني إسرائيل. لقد فرح أن أعداءه لا يعرفونه حتى لا يطرحوا عظامه خارج قبره. ومن جانب آخر أن أبناء شعبه لا يعرفونه ويستخدمونه موضع عبادة، إذ حُسب كإله في أعين بني شعبه[4].]

 

الموت رقاد!

 

[مثل هذا الموت هو رقاد، وكما قال داود: “أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت” (مز 3: 4). أيضًا قال إشعياء: “استيقظوا يا سكان التراب” (إش 26: 19). وقال ربنا عن ابنة رئيس المجمع: “الصبية لم تمت، لكنها نائمة” (مت 9: 24). وبخصوص لعازر قال لتلاميذه: “لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه” (يو 11: 11). وقال الرسول: “لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغير” (1 كو 15: 51). وأيضًا قال: “من جهة الراقدين لا تحزنوا” (1 تس 4: 13)[5].]

 

رقاد الأبرار، ورقاد الأشرار

 

يليق بنا أن نخاف الموت الثاني (رؤ 2: 11، 20: 14، 21: 18) المملوء بالبكاء وصرير الأسنان والتنهدات والبؤس، هذا الذي يليق بالظلمة الخارجية. لكن طوبى للمؤمنين والأبرار في تلك القيامة، التي ينتظرون أن يستيقظوا فيها، ويقبلوا الوعود الصالحة المقدمة لهم.

أما الأشرار غير المؤمنين فويل لهم في القيامة مما ينتظرهم. كان الأفضل لهم ألا يقوموا، حسب عقيدتهم. فإن العبد الذي تتهيأ له العذابات والقيود عند سيده، عندما يرقد لا يريد أن يوقظه أحد. إذ يعرف أنه عندما يحل الفجر ويوقظونه سيعذبه سيده بالجلدات ويقيده.

أما العبد الصالح، الذي يعده ربه بالهبات الموعود بها، فيترقب حلول الفجر، لينال العطايا من ربه. حين ينام، يرى في حلمه كيف يعطيه سيده ما وعده به، فيفرح في حلمه ويرقص مبتهجًا. أما الشرير فلا يستعذب نومه، لأنه يتصور أن الفجر قادم إليه، وينسحق قلبه في حلمه.

ينام الأبرار وتكون غفوتهم موضع سرورهم في النهار وبالليل الطويل، بل يحسبون كأنه في أعينهم ساعة واحدة. وفي هجعة الفجر يستيقظون فرحين. أما الأشرار فالنوم بالنسبة لهم ثقيل عليهم، يشبهون إنسانًا مصابًا بحمى ثقيلة جدًا. يتقلب الشرير على فراشه هنا وهناك، ويحوط الرعب بليله الذي يطول، فيخاف من الفجر الذي سيدينه فيه ربه[6].]

 

المكافأة في يوم الرب العظيم!

 

[يعلمنا إيماننا هكذا أنه إذ يرقد البشر ينامون مثل هذا النوم، ولا يميزون الخير من الشر.

فلا ينال الأبرار ما وعُدوا به، ولا الأشرار عقاب الشر قبل مجيء الديان، حيث يُفصل الذين موضعهم عن يمينه عن أولئك الذين موضعهم على شماله.

لتتعلم مما كُتب، أنه عندما يجلس الديان، وتُفتح الأسفار أمامه، وتُقرأ الأعمال الصالحة والأعمال الشريرة، يقبل الذين عملوا الصالحات ما هو صالح من الصالح، وينال الذين فعلوا الشرور العقوبات الشريرة من الديان العادل… في ذلك العالم ستحل العدالة محل النعمة، فيكون الله عادلاً للجميع…

من اقتربت إليه النعمة (في هذه الحياة) سوف لا تسلمه إلي يد العدالة لتحكم عليه… ومن ابتعدت عنه النعمة، تدخله العدالة إلي المحكمة وتدينه فيذهب إلي العذاب[7].]

 

لم تتحقق المجازاة بعد!

 

[من كل هذه الأمور افهم يا عزيزي، فقد تأكد لك أنه حتى الآن لم يقبل أحد بعد جزاءه. فلم يرث الأبرار الملكوت، ولا ذهب الأشرار إلي العذاب.

لم يفصل الراعي بعد قطيعه. ولم يقبل العمّال الذين تعبوا في الكرم أجرهم حتى الآن… والعذارى اللواتي ينتظرن العريس يرقدون حتى الآن، وهن ينتظرن الصيحة فيستيقظن. والأولون الذين تعبوا في الإيمان لا يكملون حتى يأتي الآخرون[8].]

 

[أما بالنسبة لك يا عزيزي فلا تشك في قيامة الأموات، لأن فم (الله) الحي يشهد: “أنا أميت وأنا أحيي” (تث 32: 39). وكلاهما صادران من فم واحد. وإذ نحن واثقون أنه هو يميت ونحن نرى ذلك فبالتأكيد وهو مستحق للإيمان به أنه يحيي.

من كل ما قد شرحته لك، اقبل وآمن أنه في يوم القيامة سيقوم جسدك بتمامه، وستقبل من ربنا مكافأة إيمانك، وستفرح وتبتهج بكل ما آمنت به[9].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 8: 3 (of the Resurrection of the Dead).

[2] Demonstrations, 8: 5.

[3] Demonstrations, 8: 6.

[4] Demonstrations, 8:9.

[5] Demonstrations, 8: 18.

[6] Demonstrations, 8: 19.

[7] Demonstrations, 8: 20.

[8] Demonstrations, 8: 22.

[9] Demonstrations, 8: 25.

 

المقالة العاشرة فى الرعاة

 

لرعاة الأولون

 

[يُقام الرعاة على القطيع، ويعطون القطيع طعام الحياة.

من كان ساهرًا ويتعب لأجل قطيعه يهتم برعيته، ويكون تلميذًا للراعي الصالح الذي بذل ذاته عن خرافه (يو 10: 11 الخ). من لا يهتم بقيادة القطيع حسنًا يشبه الأجير الذي لا يبالي بالقطيع.

يا أيها الرعاة تشبهوا بهؤلاء الرعاة الأبرار الأولين.

رعى يعقوب قطيع لابان، وحفظه، وتعب، وسهر، ونال المكافأة، إذ قال يعقوب للابان: “الآن عشرين سنة أنا معك. نعاجك وعنازك لم تُسقط. وكباش غنمك لم آكل. فريسة لم أحضر إليك. أنا كنت أخسرها. من يدي كنت تطلبها… كنتُ في النهار يأكلني الحر، وفي الليل الجليد، وطار نومي من عيني” (تك 31: 38-40).

تأملوا يا أيها الرعاة كيف اهتم ذاك الراعي برعيته[1].]

 

أمثلة للرعاية

 

[رعى يعقوب قطيع لابان وتعب وسهر وقادهم حسنًا، عندئذ رعى بنيه وقادهم حسنًا، وعلّمهم أصول العمل الرعوي.

اعتاد يوسف أن يرعى القطيع مع إخوته، وفي مصر صار قائدًا لشعبٍ كثيرِ، وقادهم كما يقود الراعي الصالح قطيعه.

قاد موسى قطيع يثرون حميه، وأُختير من رعاية الغنم إلي رعاية شعبه، وكراعٍ صالحٍ قادهم. حمل موسى عصاه على كتفه، وتقدم شعبه الذي يقوده، ورعاهم أربعين عامًا، وكان ساهرًا يتعب من أجل قطيعه، كان راعيًا صالحًا. عندما أراد ربه أن يهلكهم بسبب خطاياهم، إذ عبدوا العجل، صلى موسى لأجلهم وطلب من ربه قائلاً: “والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت” (خر 32: 32). هذا هو الراعي الساهر للغاية، يسلم نفسه لحساب قطيعه. هذا هو القائد الممتاز الذي يبذل ذاته من أجل قطيعه. هذا هو الأب الرحوم الذي يحتضن بنيه ويربيهم.

موسى الراعي العظيم والحكيم، الذي عرف كيف يرعى قطيعه علَّم يشوع بننون، الإنسان المملوء بالروح، والذي قاد الرعية كل حشد إسرائيل…

بعد ذلك رعى داود قطيع أبيه، فأُخذ من القطيع ليرعى شعبه. “فرعاهم حسب كمال قلبه، وبمهارة يديه هداهم” (مز 78: 72). وعندما أحصى داود عدد قطيعه، حلّ الغضب عليهم وبدأوا يهلكون. عندئذ سلم داود نفسه لحساب قطيعه عندما صلى، قائلاً: “ها أنا أخطأت، وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا؟ فلتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي” (2 صم 24: 17).

هكذا أيضًا اعتاد كل الرعاة الساهرين أن يبذلوا أنفسهم لحساب قطيعهم[2].]

 

[“الراعي الصالح يبذل نفسه عن خرافه” (يو 10: 11). مرة أخرى قال: “ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد. لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي من أجل القطيع” (راجع يو 10: 16-17)…

يا أيها الرعاة تشبهوا بذاك الراعي الساهر، رئيس القطيع كله، الذي يهتم هكذا بقطيعه. لقد أتي بالذين كانوا بعيدين. لقد ردّ الضالين، وافتقد المرضى، وقوىَّ الضعفاء. وربط المكسورين. رعى السمان، وسلم نفسه عن القطيع. اختار قادة ممتازين ودرَّبهم، وسلمهم القطيع في أيديهم، ووهبهم سلطانًا عليه. قال لسمعان بطرس: “ارع غنمي وحملاني ونعاجي” (راجع يو 21: 15-17)…

هل ترعونهم، حسنًا وتدبرون أمورهم؟ لأن الراعي الذي يهتم بقطيعه لا ينشغل بشيء آخر مع القطيع. لا يغرس كرمًا ولا حدائق ولا ينشغل باهتمامات هذه العالم. لم نرَ قط راعيًا يترك قطيعه في البرية ويصير تاجرًا، أو يترك قطيعه يجول ويصير مزارعًا. لكن إن هجر قطيعه ومارس هذه الأمور يسلم قطيعه للذئاب[3].]

 

[أسالكم يا أيها الرعاة ألا تقيموا على القطيع قادة أغبياء، حمقى، طماعين محبين للقنية…

أيها الرعاة، تلاميذ راعينا العظيم، لا تكون كالأجراء، فإن الأجراء لا يبالون بالقطيع. بل كونوا كراعينا الحلو، الذي لم تكن حياته ثمينة عنده أكثر من قطيعه. ارعوا الشباب وهذبوا العذارى. أحبوا الحملان، دعوها ترعى في أحضانكم، حتى متى أتيتم إلي الراعي الرئيسي تقدمون له كل قطيعكم كاملاً، فيهبكم ما وعدكم به: “حيث أكون أنا هناك أيضًا تكونون” (راجع يو 12: 26)[4].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 10: 1.

[2] Demonstrations, 10: 2.

[3] Demonstrations, 10: 4.

[4] Demonstrations, 10: 6.

 

المقالة الحادية عشر فى الختان

 

[الله حق هو، وعهوده ثابتة جدًا. وكل عهد هو حق في وقته وثابت. المختونون في قلوبهم هم أحياء، ويختنون مرة ثانية على الأردن الحقيقي، من أجل معمودية غفران الخطايا[1].]

 

[ختن يشوع بن نون الشعب مرة ثانية بسكاكين من صوّان حين عبر الأردن هو وشعبه. وختن يسوع مخلصنا الشعوب الذين آمنوا به بختان القلب مرة ثانية، وغطّسهم في المعمودية. ختنهم بالسكين التي هي كلمته، والتي هي أحد من سيف ذي حدين (عب 4: 2).

أعبر يشوع بن نون الشعب إلي الأرض الموعد. ووعد يسوع مخلصنا بأرض الحياة كل الذين يعبرون الأردن الحقيقي ويؤمنون، ويختنون غُرلة قلوبهم.

أقام يشوع بن نون حجارة للشهادة في إسرائيل، ودعا يسوع مخلصنا سمعان الحجر الحقيقي، وأقامه شاهدًا مؤمنًا بين الشعوب.

أقام يشوع بن نون الفصح في سهل أريحا، في أرض ملعونة، وأكل الشعب من خبر الأرض. وأقام يسوع مخلصنا الفصح مع تلاميذه في أورشليم المدينة التي لعنها، وقال إنه لن يُترك فيها حجر على حجر (مت 24: 2)، وهناك وهب السرّ بواسطة خبز الحياة[2].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 11: 11.

[2] Demonstrations, 11: 12.

 

المقالة الثانية عشر فى الفصح

 

[أكل مخلصنا مع تلاميذه الفصح في ليلة الرابع عشر المحفوظة. وضع لتلاميذه بالحق علامة الفصح. وبعد أن خرج يهوذا من عندهم، أخذ خبزًا وبارك وأعطى تلاميذه، وقال لهم: “هذا هو جسدي. خذوا كلوا منه كلكم”…

قبل أن يُقبض على ربنا قال هذه الكلمات، ثم قام ربنا من المكان الذي أقام فيه الفصح، فأعطي جسده ليؤكل ودمه ليُشرب، وذهب مع تلاميذه إلي المكان الذي سيُقبض فيه عليه، فمن أكل جسده وشرب دمه يُحسب من الأموات[1].]

 

الثلاثة أيام وثلاث ليالٍ

 

[قال مخلصنا: “كما كان يونان بن أمتاي في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض” (راجع مت 12: 40). فمن الوقت الذي وهب فيه جسده ليؤكل ودمه ليُشرب، هذه هي الأيام الثلاثة والليالي الثلاث.

فقد كان ليل حين خرج يهوذا من عندهم وأكل التلاميذ الأحد عشر جسد مخلصنا وشربوا دمه. إذًا هناك الليلة التي بها تضيء الجمعة، وحتى الساعة السادسة التي فيها أدانوه. ها نهار واحد وليلة واحدة. وثلاث ساعات كان فيها ظلام، من الساعة السادسة إلي الساعة التاسعة، وثلاث ساعات بعد الظلمة. ها نحن أمام نهارين وليلتين. والليلة الكاملة التي يضيء السبت ونهار السبت كله. فتمت لمخلصنا الإقامة بين الأموات ثلاثة أيام وثلاث ليال، وفي فجر الأحد قام من بين الأموات[2].]

 

بين الفصح القديم والفصح الجديد

 

[فصح اليهود هو اليوم الرابع عشر بليله ونهاره. وفصحنا هو يوم الآلام العظيم، يوم الجمعة الخامس عشر بليله ونهاره.

بعد الفصح أكل إسرائيل الفطير سبعة أيام حتى اليوم الحادي والعشرين من الشهر، ونحن نحفظ الفطير كعيد مخلصنا.

هؤلاء أكلوا الفصح على أعشاب مرة، ومخلصنا رذل كأس المرارة هذه وانتزع كل مرارة الشعوب حين ذاقها، ولم يرد أن يشرب.

يذكر اليهود خطاياهم زمنًا بعد زمنٍ، ونحن نتذكر صلب مخلصنا وإهانته.

بالفصح خرج هؤلاء من عبودية فرعون، ونحن في يوم الصلب نخلص من عبودية الشيطان.

هم ذبحوا حملاً من القطيع، وبدمه نجوا من المفسد، ونحن خلصنا بدم ابن مختار من أعمال الفساد التي عملناها.

كان لهم موسى قائدًا، ونحن لنا يسوع هاديًا ومخلصًا.

شق لهم موسى البحر وأجازهم، وأما مخلصنا فشق الجحيم وحَّطم أبوابه، ودخل إلي الداخل وفتحها. ورسم الطريق أمام كل الذين يؤمنون به.

وهبهم موسى الماء من الصخرة، وأجرى لنا مخلصنا الماء الحيّ من صدره.

وعدهم موسى بأرض الكنعانيين ميراثًا، ووعدنا ربنا بأرض الحياة ملكًا.

رفع موسى حية نحاسية، كل من ينظر إليها يبقى حيًا بالرغم من لدغة الحية. وعلق يسوع نفسه وكل من يتطلع إليه ينجو من جرح الحية التي هي الشيطان.

صنع لهم موسى الخيمة الوقتية ليقدموا فيها الذبائح والقرابين، فيطهروا من خطاياهم. وأقام يسوع خيمة داود الساقطة (عا 9: 10؛ أع 15: 16) وقام. وقد قال لليهود: “انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه” (يو 2: 19). وقد فهم تلاميذ إنه تحدث عن جسده الذي يقيمه بعد ثلاثة أيام حين يقتلونه. ففي هذه الخيمة وعدنا بالحياة وبها تطهر خطايانا.

دعا خيمتهم خيمة وقتية، لأنها تخدم زمنًا قصيرًا، ودعا خيمتنا هيكل الروح القدوس الذي يدوم إلي الأبد (1 كو 3: 16؛ 6: 19)[3].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 12: 6.

[2] Demonstrations, 12: 7.

[3] Demonstrations, 12: 8.

 

المقالة الرابعة عشر عن البراهين المقنعة

 

خطايا الرؤساء!

 

[قام الرؤساء في شعبنا، فتركوا الشريعة وافتخروا بالإثم.

اقتنوا خيرات، فغلبهم الطمع.

يقرضون بالربا ويأخذون الفائدة. ليس من يذكر ما قد كُتب: “لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة” (لا 25: 36). وقيل: “من أراد أن يسكن في خيمته الرب لا يعطي فضة بالربا” (راجع مز 15: 1، 5). كما قيل عنه لا يعمل النجاسات التي يعددها حزقيال فيرضي الرب عنه: “ولم يعط بالربا، ولم يأخذ مرابحة” (حز 18: 8).

يوجد في هذا الزمن أناس يتصرفون بعنفٍ ويعوجون الحكم، ويحابون الوجوه ويبرئون المذنب، ويُجَّرمون البريء؛ يحبون الأغنياء ويبغضون الفقراء، ويرعون أنفسهم ويبدون الخراف. أعماهم العالم، فأحبوا الرشوة، ورفضوا الحق[1].]

 

الحب الصادق

 

[إن التقى أخ بأخيه يميل بوجهه ويرفض أن يسلم عليه (ربما خشية أن يصيبه أذى أو يخسر مركزًا). وإن التقى بوثني شرير يقترب منه ويبادره السلام.

إن التقى بنا رجل إثم شرير وغني، ركعنا أمامه وبادرناه بالسلام. ولكن لا نسلم على إخوتنا وأعزائنا. فالشرير (إبليس) بحسده يمنعنا من ذلك. بينما يأمرنا ربنا: أحبوا بعضكم بعضًا. ويحثنا الرسول الطوباوي على الحب[2].]

 

تحذير للكهنة والخدام!

 

[أعزاؤنا، كان من الضروري لنا أن نكتب هذه الأشياء لنُذَكر أنفسنا ونُذَكركم أيضًا، لأننا أهملنا خدمة القدوس، فحصل لنا هذا كله في الزمن الحاضر. ولأننا لا نكرمه صرنا للهزء أمام أعدائنا، واُحتقرنا، وذلك كما كُتب: “الذين يحتقرونني يصغرون” (1 صم 2: 30)[3].]

 

خطورة الطمع في حياة الكهنة!

 

[كل هذه الأرض وكل الفردوس لا يكفيان الطمع الذي دخل على آدم. كان يحترق بالشهوة فأخذ وأكل من الشجرة التي أُمر ألا يأكل منها…

رُجم عاخان من أجل شهوة الطمع؛ رُجم بالحجارة، وهلك من وسط شعبه.

والكاهنان الشريران ابنا عالي أفقدهما الطمع الحياة.

طمع الملك شاول ـ مختار الشعب ـ بما حرمه الرب عليه عند أبيمالك، فسقط من عظمته، ونُزعت عنه مملكته.

اشتهى آخاب بن عمري، ملك إسرائيل، كرم نابوت وأخذه، فسقط في الحرب في راموت جلعاد.

وجيحزي، تلميذ إليشع، ألبسه الطمع البرص.

قتل الطمع كثيرين وحرمهم الحياة.

لم يُشبع الطمع يهوذا الإسخريوطي، أحد الاثني عشر، فسرق، بل وبلغ به إلي أن يأخذ (ثمن) دم الكريم. بطمعه انفصل عن زملائه التلاميذ.

وقهر الطمع حنانيا، فظهرت الأعجوبة حين سقط عند أقدام الرسل (أع 5: 1-11)[4].]

 

[الطمع لا يشبعه العالم كله.

فبالنسبة للملوك لا تشبعهم كلّ شعوبهم وألسنتهم، ولا يكتفي كل واحد منهم بمنطقته. إنهم يجمعون الجيوش يعلنون الحرب، ويدمرون المدن، ويسلبون المناطق الأخرى. يسبون السبايا ويمتلكون، ولا شيء يكفيهم. يتعبون ويشقون ليتعلموا الحروب. يقتلعون الحصون، ويقومون بتصيد الناس. يصعدون ويبلغون القمم، وينزلون إلي الوديان، ولا يشبع الطمع فيهم ولا يمتلئ.

حين يكثر الغنى يزداد الطمع، وحين تفيض الخيرات يتقوى الطمع.

المسكين يكتفي بالخبز اليومي، أما الغني فيهتم بالسنين التي لا يكون فيها على قيد الحياة.

يكفي المساكين لباس به رقع، بينما لباس من كلّ زهو ومن كل منطقة يجعل الطماع وكأنه عريان.

يُوضع فراش الفقير على الأرض، وهذا يكفيه. ومرقد الغني أسِرة زاهية وفرش من كل نوع، وهذا قليل من أجل الطمع.

شراب المسكين ماء فيرويه، ويشرب الغني النبيذ المُعتق ولا يزال ظمأنًا.

قنية الأغنياء الذهب والفضة، بهما يعثرون ولأجلهما يتقاتلون.

يهرب النُعاس من كل محبي الطمع، أما مرقد الفقير فهادئ مريح.

يفكر المسكين أن يكسر من خبزه للمحتاج، ويتطلع الغني كيف يضرب من هو أضعف منه.

طوبى لمن لا يخدم سيادة البطن. طوبى للرجل الذي لم يقهره الطمع. طوبى للإنسان الذي يتأمل في المعرفة التي بها تُقطع أصول الطمع[5].]

 

[أعزاؤنا، تعرفون مما كتبنا لكم، أنه بعلة الطمع ظهر البغض والحسد عند المتمسكين بالشريعة والمتسلطين في شعبنا[6].]

 

مخلصنا رأس الرعاة!

 

[يسوع مخلصنا هو رأس الرعاة. هو نور في الظلمة، وسراج على منارة، ينير العالم، ويطهر الخطايا.

هو اللؤلؤة الحسنة، ونحن التجار، نبيع ما لنا ونشتريها.

هو الكنز في حقل، حين نجده نفرح ونشتريه.

هو ينبوع الحياة، نحن العطاش نشرب منه.

هو المائدة المملوءة دسمًا وشبعًا، ونحن الجياع نأكل ونتلذذ.

هو باب الملكوت المفتوح أمام كل الداخلين.

هو الخمر المفرح التي يشرب منها الباكون فينسون أمراضهم.

وهو اللباس والثوب الممجد الذي يرتديه كل الغالبين.

هو البرج الذي عليه بُني الكثيرون. نحسب النفقة ونكمّل.

هو العريس، والرسل هم أصدقاؤه، ونحن عروسه. لنهيئ هدية العرس.

هو السلم التي تصعد إلي العلا، لنعمل ونجاهد بها نحو أبيه.

هو الطريق الصغير الضيق، لنسرع على خطاه ونبلغ الميناء.

هو الكاهن وخادم القدس، ونحن نعمل لنكون أبناء بيته.

هو الملك العظيم النبيل، الذي ذهب ليأخذ مُلكه (لو 19: 14).

لنكرم ضعفه ليشركنا في عظمته…

هو المحبة التي تعطي الثمار العديدة، حين زُرعت كانت صغيرة، وصارت شجرة قوية.

هو الابن البكر وابن مريم لنقبل ضعفه فيفرحنا بعظمته.

هو الذي تألم وعاد إلي الحياة وصعد إلي العلا. لنؤمن به حقَا، فنقبل مجيئه. هو ديان الأموات والأحياء الذي يجلس على عرش ويدين القبائل[7].]

 

كرامة الكهنوت: الأقدمية أم مخافة الرب؟

 

[لا نجد في زمننا مَن يسأل: من هو الذي يخاف الرب؟ بل: من هو الأقدم بوضع الأيدي؟

فإن قالوا: فلان أقدم، قالوا له: يليق بك أن تجلس على رأس المائدة. وليس من يتذكر كلام المخلص حين أعطى الويل للكتبة والفريسيين[8].]

 

لا تنجينا الألقاب من الموت

 

[يا إخوتنا، لا تُدخلنا الألقاب إلي الحياة، ولا تنجينا من الموت، كما لم تنجِّ ناداب وأبيهو (الكاهنين)…

فمع الألقاب تطلب الأعمال الصالحة، لأن الأعمال بدون ألقاب تنجي الذين يعملون بها. والألقاب بدون أعمال صالحة لا تفيد ولا تنفع شيئًا[9].]

 

أيها الراعي، لا تتشامخ!

 

[يا أيها الراعي الذي لا يعرف كرامته، من أنت حتى تدين عبدًا ليس لك؟ فإنه إن ثبت فلربه يثبت، وإن سقط فلربه يسقط، لكنه سيثبت ثباتًا. فإن كنت لا تقدر أن تبرر نفسك، فلماذا تخطئ باستمرار؟

إن كنت تتشامخ عليَّ بضميرك وتقول: “أنا معلم وملك عليك، فإن لم أقبل ذلك تضعني في القيود، كيف تعلمني التواضع، وأنت تتشامخ وتتباهي وتنتفخ؟

كيف تعلمني، قائلاً: “أحبوا بعضكم بعضًا، وأنت مملوء بغضًا وغضبًا؟

كيف تعلمني، قائلاً: “إن أخذ أحد مالك فلا تطالبه به”، وأنت تطلب ما هو لك وتأخذ فائدة؟

كيف تعلمني العفة، وأنت فاسد وثرثار ومتجَّبر؟

كيف تعلمني أن أترك هذا العالم، وأنت ساقط فيه ومختنق؟…

كيف تعلمني أن أغفر ما في قلبي، وأنت تحتفظ في داخلك بالخميرة العتيقة؟

كيف تعلمني أن أسالم أخي، وأنت تبلبل العالم المتسع؟[10]]

________________________________________

[1] Demonstrations, 14: 3.

[2] Demonstrations, 14:14.

[3] Demonstrations, 14: 21.

[4] Demonstrations, 14: 23.

[5] Demonstrations, 14: 24.

[6] Demonstrations, 14: 25.

[7] Demonstrations, 14: 25.

[8] Demonstrations, 14:25.

[9] Demonstrations, 14: 25.

[10] Demonstrations, 14:26.

 

المقالة السابعة عشر فى المسيح ابن الله

 

غاية المقالة

 

[هذا رد على اليهود الذين يكَّفرون الشعب المجتمع من بين الأمم، قائلين: “تعبدون وتخدمون إنسانًا مولودًا، ابن إنسان قد صلب، وتدعون ابن البشر الله. وإذ ليس لله ابن تقولون عن هذا المصلوب، يسوع، أنه ابن الله”. ويقدمون الحجة بأن الله قال: “أنا هو الله، وليس إله معي” (راجع تث 32: 19). وأيضًا: “لا تسجد لإله آخر” (خر 34: 14). يقولون: إنكم تقاومون الله بدعوتكم لإنسانٍ أنه الله[1].]

 

أسماء الله بالعبرية

 

[يُعطى اسم اللاهوت للكرامة الأسمى في العالم، والذي به يُسر الله، ويطبقه على نفسه. لكن على أي الأحوال أسماء الله كثيرة ومكرمة، وقد سلم أسماءه لموسى، قائلاً له: “أنا إله آبائك، إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب” هذا هو اسمي إلى الأبد، وهذه هي تذكار عبر الأجيال”. ودعا اسمه أهيه الذي هو أهيه Ahiyah ashar Ahiya، الشاداي El-Shaddai، وأدوناي صباؤوتAdonai Sabaoth (تك 17: 1؛ خر 3:14؛ إر 32: 18). بهذه الأسماء دُعي الله[2].]

 

نبوات عن المسيح

 

[يلزمنا أن نقدم برهانًا أن يسوع قد وُعد به مقدمًا بالأنبياء منذ عصور قديمة، وأنه دُعي ابن الله.

قال داود: “أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك” (مز 2: 7). وأيضًا: “من بهاء المقدس، من الرحم ولدتك صبيًا منذ القدم” (مز 110: 3 الترجمة السريانية بشيتا أو البسيطة).

قال إشعياء: “يُولد لنا ولد، ونُعطي ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعي اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام. لنمو رياسته ولسلامة لا نهاية” (إش 9: 6-7).

لذلك أخبرني يا معلم إسرائيل الحكيم من هو هذا الذي وُلد واسمه ولد، وابن عجيب ومشير، وإله كل الأجيال القدير، ورئيس السلام، والذي لرئاسته نمو ولسلامه ليس من نهاية؟ فإن دعونا المسيح ابن الله، فإن داود هو الذي علمنا هذا، وإن دعوناه الله فقد سمعنا هذا من إشعياء. أما الرئاسة التي على كتفه، فلأنه حمل صليبه وخرج من أورشليم. وأما أنه وُلد كطفل، فقد قال إشعياء أيضًا: “ها العذراء تحبل وتلد ابنًا، وتدعو اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا” (إش 7: 14؛ مت 1: 23)[3].]

 

[وإن قلت أن المسيح لم يأتِ بعد، أقدم لك هذا من أجل عنادك. مكتوب أنه إذ يأتي تتوقعه الأمم (تك 49: 10 LXX والترجمة السريانية البيشيتا Peshitto). ها أنا واحدٍ من الأمم قد سمعت أن المسيح آت. وقبل أن يأتي آمنت به مسبقًا، وخلاله أعبد إله إسرائيل. عندما يأتي هل سيلومني لأني آمنت به مقدمًا قبل مجيئه؟

لكن أيها الغبي، لا يتركك الأنبياء تقول المسيح لم يأتِ بعد إلي الآن.

فدانيال يوبخك قائلاً: “وبعد اثنين وستين أسبوعًا يأتي المسيا ويُقتل، وفي مجيئه تخرب المدينة المقدسة، وتكون نهايتها الجرف، وإلي أن تتم هذه الأقوال تبقي في دمارها (دا 9: 26-27). وأنت تنتظر وترجو أن المسيح عندما يجيء يجمع إسرائيل معًا من كل مكانٍ، فتُبني أورشليم وتسكن مرة أخرى. لكن دانيال يشهد بأنه إذ يأتي المسيح ويُقتل، تخرب أورشليم وتبقى على خرابها إلي الأبد، حتى تتم هذه الكلمات.

أما عن آلام المسيح فقال داود: “ثقبوا يديّ ورجليّ، فصرخت كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون فيّ. اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا القرعة” (مز 22: 17-19).

وقال إشعياء: “يعرف عبدي ويتجلى ويرفع ويندهش منه كثيرون. أما هذا الإنسان فمنظره كان مفسدًا أكثر من الرجل، وصورته أكثر من بني آدم” (إش 52: 13-14). كما قال: “يُطهر أممًا كثيرين، فيذهل منه أجله ملوك” (إش 25: 15). كما قال في هذا المقطع: “صـعد كولدٍ أمامي، وكعرقٍ (جذعٍ) من أرض يابسة” (إش 35: 2). وفي نهاية العبارة قال: “هو مجروح (مقتول) لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحُبره شفينا” (إش 35: 5).

بأية جراحات شُفيت البشرية؟ داود لم يُقتل، فقد مات في شيخوخة صالحة، ودُفن في بيت لحم.

وإن قالوا أنه يتحدث عن شاول بقوله أن شاول قُتل على جبال جلبوع في معركة مع الفلسطينيين (1 صم 31: 4). وإن قالوا ثقبوا يديه ورجليه حين علقوا جسمه على سور بيت شأن (1 صم 31: 10)، فهذا لم يتم في شاول. عندما ثقبوا أعضاء شاول لم تشعر عظامه بالألم لأنه كان قد مات. بعد موته علقوا جثته وجثث بنيه على سور بيت شأن. حين قال داود: “ثقبوا يديّ ورجليّ، فصرخت عظامي”، قال بعدها العبارة التالية: “أما أنت يا الله أسرع إلي معونتي، أنقذ من السيف نفسي” (مز 22: 19-20).

الآن المسيح خلص من السيف، وصعد من الجحيم، وقام حيًا في اليوم الثالث، وبقي الله (الآب) في عونه، أما شاول فدعا الله ولم يستجب له. سأله خلال الأنبياء ولم يُعطَ له جواب. تخفى وسأل العرافين عندئذ عرف أن سيُغلب من الفلسطينيين، ويقتل نفسه بسيفه، إذ أدرك أن المعركة قد بلغت به إلي الهزيمة. أضف إلي ذلك قال داود العبارة التالية: “أخبر باسمك إخوتي، في وسط الجماعة أسبحك” (مز 22: 2). كيف يمكن أن تتحقق هذه الأمور في شاول؟ مرة أخرى قال داود: “لن تدع قدوسك يرى فسادًا” (مز 16: 10). هذه كلها تنطبق على المسيح.

عندما جاء إليهم لم يقبلوه، إنما حكموا عليه بطريقة شريرة بشهود زورٍ. وعُلق على خشبة بيديه، وثقبت يداه ورجلاه بالمسامير التي ثبتوها، فصرخت عظامه. وفي ذلك اليوم تمت أعجوبة عظيمة أن النور صار ظلامًا في وسط النهار كما تنبأ زكريا: “ويكون يوم معروف للرب،لا نهار ولا ليل، بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور” (زك 14: 7). ما هو اليوم الذي يتميز بأعجوبة، والذي ليس بنهارٍ ولا ليلٍ، وفي وسط المساء كان نور؟ حتمًا الذي فيه صلبوه، ففي وسط هذا اليوم حلت ظلمة، وفي المساء نور[4].]

 

[نسجد لتلك المراحم، وننحني بركبنا أمام عظمة أبيه الذي أعاد عبادتنا له. ندعوه الله كما دُعي موسى (إله)، والبكر، والابن كما إسرائيل، ويسوع مثل يشوع بن نون، والكاهن كهرون، والنبي العظيم ككل الأنبياء، والراعي مثل الرعاة الذين رعوا إسرائيل وقادوه… لقد قال لنا: “أنا هو الراعي الصالح، الباب ، الطريق، الكرمة، الزارع، العريس، اللؤلؤة، الحمل، النور، الملك، الله، المخلص والفادي”، وبأسماء كثيرة يفوق هو الاسم[5].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 17: 1.

[2] Demonstrations, 17:5.

[3] Demonstrations, 17: 9.

[4] Demonstrations, 17: 10.

[5] Demonstrations, 17: 11.

 

المقالة العشرون فى مساعدة المساكين

 

[(في مثل الغني ولعازر المسكين) المسكين الذي كان ملقيًا عند بابه يشبه مخلصنا. كان يشتهي أن يأخذ ثمارًا يوصلها إلي مرسله، فلم يهبه أحد. وقيل: كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. الكلاب التي أتت هي الشعوب التي لحست جراحات ربنا، وأخذت جسده ووضعته على عيونها. أما هم فكلاب شرهة لا تعرف أن تشبع، ولا تقدر أن تنجو. تأمل هذه الكلاب التي تلحس جراحات هذا المسكين لم تكن طماعة وإلا لرغبت في مائدة الغني، لا أن تلحس الجراحات. قال النبي عن اليهود: هم كلاب طماعة، لا يعرفون أن يشبعوا. وقال داود: “يهرون مثل الكلب ويدورون في المدينة” (مز 59: 7).]

[الغني هو الشعب (اليهودي)، والمسكين هو مخلصنا، وكما كُتب عنه: “أما الرب فُسر بأن يسحقه بالحزن” (إش 35: 10). وقال الرسول: “أنه من أجلكم افتقر وهو غني، لكي تستغنوا أنتم بفقره” (2 كو 8: 9). وقال أيضًا: “أخلى ذاته وأطاع حتى الموت، موت الصليب” (في 2: 8)[1].]

 

________________________________________

[1] Demonstrations, 20: 9.

 

المقالة الحادية و العشرون عن الاضطهاد

 

سبب المقالة

 

[حدث ذات يوم أن إنسانًا يدعي حكيمًا بين اليهود سألني: يسوع الذي يُدعي معلمكم، كتب أنه إن كان أحد منكم له إيمان مثل حبة خردل تقولون لهذا الجبل انتقل، فينتقل من أمامكم، ويرتفع ويسقط في البحر، وهو يطيعكم (مت 17: 19؛ 21: 22). وواضح أنه ليس في كل شعبكم حكيم واحد تُسمع صلاته، فيسأل الله أن يُبطل المضطهدين لكم. فمن البيَّن أن هذا كتُب لأجلكم: “ليس شيء غير مستطاع لديكم[1]”.]

 

[وإذ رأيته يجدف وينطق ضد الطريق، اضطرب ذهني، وأدركت أنه لم يعرف تفسير الكلمات التي اقتبسها وقالها لي. عندئذ من جانبي سألته عن أقوال من الناموس والأنبياء، وقلت له: هل تثق أنه حتى عندما تشتتم فإن الله معكم؟… إذ قال لإسرائيل: “حتى في أراضي أعدائكم لا أنساكم، ولا أنكث ميثاقي معكم” (راجع لا 26: 44).

أجبته: “حسنًا ن أسمع هذا منكم أن الله معكم. لكنني أنطق أيضًا بكلمات ضدكم”، إذ يقول النبي لإسرائيل كما من فم الله: “إذا جزت في البحر فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت في النار فلا تلدغ واللهب لا يُحرقك، لأني أنا الرب إلهك معك” (راجع إش 43: 2-3). هكذا أما يوجد حكيم واحد بينكم بار وصالح من كل الشعب حتى يعبر البحر ويحيا دون أن يغرق، ويجتاز النهر دون أن يغمره، ومن يقدر أن يسير على النار فلا يُلدغ، واللهيب لا يحرقه. وأن قدمت لي شرحًا لا أقبله منك، كما أنت لا تقبل تفسير الكلمات التي سألتني عنها[2].]

 

[كتبت لك هذا المقال يا عزيزي منذ البداية بسبب تعيير يهودي لأبناء شعبنا (أننا مُضطهدون)، لكن الآن أظهر لك قدر إدراكي إن المُضطَهدين ينالون مكافأة عظيمة، بينما يصير المضطهِدون في احتقارٍ وخزيٍ[3].]

 

يعقوب المُضطهَد

 

 [كان يعقوب مُضطَهدًا، وعيسو مضطهِدًا.

نال يعقوب البركات والبكورية، بينما حُرم عيسو من الاثنين[4].]

 

مقارنة بين يسوع المُضطهَد ويوسف

كان يوسف مضطَهدًا، وكان إخوته هم المضطهِدِين. يوسف تمجد، ومضطِهدوه سجدوا له، فتحققتِ أحلامه ورؤياه.

كان يوسف المُضطَهد رمزًا ليسوع المُضطَهد.

يوسف ألبسه والده قميصًا بألوان كثيرة، ويسوع ألبسه أبوه جسدًا من البتول.

يوسف أحب أبوه أكثر من إخوته، ويسوع هو العزيز المحبوب لدي أبيه.

رأي يوسف رؤى وحلم أحلامًا، وتحققت الرؤى والأنبياء في يسوع.

كان يوسف راعيًا مع إخوته، ويسوع هو رئيس الرعاة.

عندما أرسله أبوه ليفتقد إخوته رأوا يوسف قادمًا وخططوا لقتله، وعندما أرسل الآب يسوع ليفتقد إخوته قالوا: “هذا هو الوارث، هلم نقتله” (مت 21: 38).

ألقي إخوة يوسف أخاهم في الجب، ويسوع أنزله إخوته ليسكن بين الموتى.

يوسف صعد من الجب، ويسوع قام من بين الأموات.

يوسف بعد أن قام من الجب صار له سلطان على إخوته، ويسوع بعد أن سكن بين الأموات أعطاه أبوه اسمًا عظيمًا ممجدًا (في 2: 9) ليخدمه إخوته ويخضع أعداؤه تحت قدميه.

يوسف بعد أن عرفه إخوته خجلوا وخافوا واندهشوا أمام عظمته، وعندما يأتي يسوع في آخر الزمان، ويعلن عظمته سيخجل إخوته ويخافون ويرتعبون أمامه لأنهم صلبوه.

علاوة على هذا فإن يوسف بيع إلي مصر بناء على مشورة يهوذا، ويسوع سُلم لليهود بيدي يهوذا الإسخريوطي.

عندما باعوا يوسف لم يجب إخوته بكلمة، ويسوع أيضًا لم ينطق ولا أجاب على القضاة الذين حاكموه.

يوسف سلمه سيده للسجن ظلمًا، ويسوع أدانه أبناء شعبه ظلمًا.

سلم يوسف ثوبيه، واحد في أيدي إخوته، والآخر في يد زوجة سيده، ويسوع سلم ثيابه وقسمت بين الجند.

يوسف إذ كان في الثلاثين من عمره وقف أمام فرعون وصار سيد مصر، ويسوع إذ بلغ الثلاثين جاء إلي الأردن ليعتمد وقبل الروح وخرج يكرز.

يوسف عال مصر بالخبز، ويسوع عال العالم كله بخبز الحياة.

يوسف أخذ ابنة الكاهن الشرير النجس زوجة له، ويسوع خطب لنفسه الكنيسة من الأمم النجسين.

مات يوسف ودُفن في مصر، ومات يسوع ودُفن في أورشليم.

عظام يوسف أصعدها إخوته من مصر، ويسوع أقامه أبوه من مسكن الموت ولبس جسده وارتفع به إلي السماء في غير فساد[5].

 

مقارنة بين يسوع المُضطهَد وموسى

 

[أُضطهد موسى أيضًا كما أُضطهد يسوع.

حين وُلد موسى أخفوه من مضطهديه لئلا يقتلوه، وحين ولد يسوع هربوا به إلي مصر لكي لا يقتله هيردوس مضطهِده.

في الأيام التي وُلد فيها موسى كان يغرقون الأطفال في النهر، وعند ميلاد يسوع قُتل أطفال بيت لحم وما جاورها.

لموسى قال الله: “مات الرجال الذين يطلبون نفسك” (خر 4: 19). وليوسف قال الملاك في مصر: “قم وخذ الصبي وأمه وأذهب إلي أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي” (مت 2: 20).

أخرج موسى شعبه من خدمة فرعون، وخلّص يسوع الشعوب من خدمة الشيطان.

ترَّبي موسى في بيت فرعون، وتربي يسوع في مصر حين هرب به يوسف إلي هناك.

وقفت مريم على حافة النهر حين طاف موسى فوق الماء، وحملت مريم بيسوع حين بشرها الملاك جبرائيل.

حين ذبح موسى الحمل قتل أبكار المصريين، وصار يسوع الحمل الحقيقي حين صلبوه، وبموته مات الشعب القاتل.

أنزل موسى المن لشعبه، ووهب يسوع جسده للشعوب.

بالخشبة حلَّى موسى المياه المرة، وبصليبه حلَّى يسوع مرارتنا بخشبة شجرة صليبه.

أنزل موسى الناموس لشعبه، ووهب يسوع عهوده للشعوب.

قهر موسى عماليق عندما بسط يديه، وقهر يسوع الشيطان بعلامة الصليب.

أخرج موسى لشعبه مياه من الصخرة، وأرسل يسوع سمعان صفا ليحمل تعليمه بين الشعوب.

رفع موسى البرقع عن وجهه وتكلم مع الله، وأنتزع يسوع البرقع عن وجه الشعوب ليسمعوا تعليمه ويقبلوه.

وضع موسى يده عل رسله فقبلوا الكهنوت، ووضع يسوع يده على رسله فنالوا الروح القدس.

صعد موسى الجبل، ومات هناك، وصعد يسوع إلي السماء، وجلس عن يمين الآب [6].]

 

مقارنة بين يسوع المُضطهَد ويشوع

 

[أُضطهد يشوع بن نون كما أُضطهد يسوع مخلصنا.

أُضطهد يشوع بن نون بواسطة الشعوب النجسة، وأضطهد يسوع مخلصنا بواسطة الشعب الجاهل.

أخذ يشوع بن نون الميراث من مضطهديه وأعطاه لشعبه، ويسوع مخلصنا أخذ الميراث من مضطهديه ووهبه لشعوبٍ غريبةٍ.

أوقف يشوع بن نون الشمس والقمر وانتقم من الشعوب التي اضطهدته، ويسوع مخلصنا جعل الشمس تغيب في وسط النهار، ليخزى الشعب المضطهِد الذي صلبه.

وزع يشوع بن نون الميراث على شعبه، ووعد يسوع مخلصنا أن يعطي الشعوب أرض الحياة.

منح يشوع بن نون الحياة لراحاب الزانية، وجمع يسوع مخلصنا الكنيسة الزانية ومنحها الحياة.

ضرب يشوع بن نون أسوار أريحا ودمرها في اليوم السابع، وفي اليوم السابع ليسوع مخلصنا، في بيت راحة الله، سيحل العالم ويسقط (عب 4: 8).

رجم يشوع بن نون عاخان الذي سرق ما هو مُحرَّم، وفصل يسوع مخلصنا يهوذا عن التلاميذ رفقائه، لأنه سرق من كيس المساكين.

مات يشوع بن نون وسلَّم الشهادة إلي شعبه (يش 24: 22، وحين صعد يسوع المسيح مخلصنا سلم الشهادة إلي رسله (مر 16: 14؛ مت 28: 18)[7].]

 

غاية المقالة

 

[هذه الذكريات التي أكتبها إليك يا عزيزي بخصوص يسوع الذي أُضطهِد، والأبرار الذين اُضطهِدوا هي من أجل الذين يُضطهدون اليوم من أجل يسوع المُضطهَد، فيستريحون. فقد كتب لنا وأراحنا بنفسه: “إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم أيضًا. يضطهدونكم لأنكم لستم من العالم كما أني أنا لست من العالم” (راجع يو 19:15، 20؛ 14:17)[8].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 21: 1.

[2] Demonstrations, 21: 2.

[3] Demonstrations, 21: 8.

[4] Demonstrations, 21: 9.

[5] Demonstrations, 21: 9.

[6] Demonstrations, 21: 10.

[7] Demonstrations, 21: 11.

[8] Demonstrations, 21:21.

 

المقالة الثانية و العشرون عن الموت و الازمنة الاخيرة

 

رجاؤنا بعد الموت!

 

[الأبرار والمستقيمون والصالحون والحكماء لا يخافون عند الموت ولا يرتعبون منه، من أجل عظم الرجاء الموضوع أمامهم. وهم في كل حين يفكرون في الموت، وفي خروجهم، وفي اليوم الأخير الذي فيه يُدان بنو آدم[1].]

 

سلطان الموت قبل موسى

 

[يعرف (الصالحون) أنه إذ صدر الحكم بسبب عصيان آدم ملك الموت، وكما يقول الرسول: “ملك الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا. هكذا اجتاز الموت إلى بني آدم” (رو 14:5، 12)[2].]

 

موسى كرز بالقيامة

 

[اجتاز الموت إلى جميع الناس (رو 12:5)، اجتاز من موسى حتى نهاية العالم. غير أن موسى كرز بأن مملكته تبطل.

فعندما تعدى آدم الوصية اجتاز حكم الموت إلى بنيه. وترجى الموت أن يقيد كل بني الإنسان ويملك عليهم أبديًا. ولكن إذ جاء موسى يعلن عن القيامة عرف الموت أن مملكته تبطل. لقد قال موسى: “ليحيىَ رأوبين ولا يمت…” (تث 6:33).

وعندما دعا القدوس موسى من العليقة قال له: “أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب” (خر 6:3). وإذ سمع الموت هذا النطق ارتعد وخاف وارتعب وقلق، وعرف أنه لا يكون ملكًا على أبناء آدم إلى الأبد. منذ الساعة التي سمع الموت الله يقول لموسى: “أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب” صار يضرب بيديه، وتعلم أن الله هو ملك الأموات والأحياء. وأنه قد عُين لبني آدم أن يخرجوا من ظلمته، ويقوموا بأجسادهم. لاحظ أن يسوع مخلصنا قد ردد ذات المنطوق في حوار الصدوقيين معه عن قيامة الأموات، قائلاً هكذا: “ليس هو إله أموات، لأن الجميع عنده أحياء” (لو 38:20)[3].]

 

الكرازة بإبطال سلطان الموت!

 

[ولكي يعَّرِفْ الله الموت بأن سلطانه لن يدوم إلى الأبد على بني العالم، نقل أخنوخ إليه (تك 24:5)، إذ سُر به، وجعله لا يموت.

مرة أخرى أصعد إيليا إلى السماء، ولم يكن للموت سلطان عليه.

وأيضًا حنة قالت: “الرب يميت ويُحي” (1 صم 6:2). علاوة على هذا قال موسى كما على فم الله: “أنا أُميت وأحيي” (تث 39:32).

مرة أخرى قال إشعياء: “تحيا أمواتك، تقوم الجثث. استيقظوا، ترنموا يا نائمين في التراب” (إش 19:26).

إذ سمع الموت هذا كله حلت به الدهشة وجلس حزينًا[4].]

 

بالموت داس يسوع الموت!

 

[إذ جاء يسوع قاتل الموت، والتحف بجسدٍ من نسل آدم، وصُلب بجسده، وذاق الموت، وعندما أدرك الموت أنه قد جاء إليه ارتعب في موضعه، وارتبك إذ رأى يسوع. لقد أغلق أبوابه ولم يرد أن يلتقي به. عندئذ فجر أبوابه ودخل إليه وسلبه غنائمه.

وعندما رأى الأموات نورًا في الظلمة، رفعوا رؤوسهم من عبودية الموت وتطلعوا ورأوا سمو المسيا الملك. عندئذ جلست قوات الظلمة في حدادٍ، إذ سُلبت سلطة الموت منه.

ذاق الموت الدواء القاتل له، وسقطت يداه، وتعلم أن الأموات سيقومون ويهربون من سلطانه. وإذ أصاب (يسوع) الموت بسلبه ممتلكاته ولول وصرخ عاليًا في مرارة، قائلاً: “ابعد عن مملكتي، لا تدخلها. من هو هذا الحي الذي يدخل عالمي؟”

وإذ كان الموت يصرخ مرتعبًا (إذ رأى الظلمة بدأت تزول وقام بعض الأبرار الراقدين ليصعدوا معه) أدرك أنه عندما يأتي في كمال الزمن، سيخرج كل المحبوسين من تحت سلطانه، ويذهبوا ليروا النور.

لذلك عندما أكمل يسوع خدمته بين الموتى، أخرجه الموت من مملكته، ولم يسمح له بالبقاء فيها. وحسب أن افتراسه له كبقية الموتى ليس فيه مسرة، إذ ليس له سلطان على القدوس، ولا يقدر أن يحل به فساد[5].]

 

الوعد الإلهي القاتل للموت

 

[إذ أخرجه (الموت) بلهفة، خرج (يسوع) من مملكة الموت، وترك معه سمًا، وهو الوعد بالحياة، حتى يزول سلطانه شيئًا فشيئًا.

وكما أن الإنسان متى أخذ سمًا في الطعام الذي يُعطى للحياة، ويدرك في نفسه أنه أكل سمًا في الطعام، يتقيأ الطعام المختلط بالسم من بطنه، لكن تبقى فاعلية السم عاملة في أعضائه، حتى ينحل كيان الجسم قليلاً قليلاً ويفسد. هكذا موت يسوع أبطل الموت، إذ به تملك الحياة، ويبطل الموت، هذا الذي يُقال له: “أين غلبتك يا موت؟” (1 كو 55:15)[6].]

 

فكروا في الموت، وتذكروا الحياة!

 

[لذلك يا أبناء آدم، يا من ملك الموت عليكم، فكروا في الموت وتذكروا الحياة، ولا تتعدوا الوصية مثل أبيكم الأول.

أيها الملوك المتوجون بالأكاليل، تذكروا الموت الذي سينزع الأكاليل الموضوعة على رؤوسكم، سيكون مَلكًا عليكم حتى يأتي الوقت الذي فيه تقومون للدينونة.

يا أيها المتعالون والمتكبرون والمتعجرفون، تذكروا الموت، الذي سيحطم تعاليكم ويحل أعضاءكم ويفك المفاصل ويحل الفساد بالجسم وكل أشكاله. بالموت ينحط المتعالون، والعنفاء القساة يُدفنون في ظلمته…

يا أيها الجشعون المغتصبون والسالبون لزملائكم تذكروا الموت، ولا تضاعفوا خطاياكم. ففي ذلك الموضع لا يتوب الخطاة، ومن سلب ممتلكات رفيقه لا يملك حتى ماله، بل يذهب إلى الموضع الذي لا تُستخدم فيه الثروة، ويصير بلا شيء، تعبر عنه كرامته، وتبقى خطاياه لتقف ضده يوم الدينونة[7].]

 

الأبرار ما بعد الموت!

 

[في ذلك المكان ينسى (الأبرار) هذا العالم. هناك لا يكونوا في عوزٍ؛ يحبون كل واحدٍ الآخر بشدة.

ليس من ثقلٍ في أجسامهم، بل يطيرون بخفة مثل الحمام إلى كواهم (إش 8:60).

لا يتذكرون الشر إطلاقًا في أفكارهم، ولا يثور دنس في قلوبهم. في ذلك المكان ليس من شهوة طبيعية، إذ يُفطمون من كل الشهوات. لا يثور غضب ولا فسق في قلوبهم، منزوع عنهم ما يمكن أن يوًّلد خطايا…

هناك لا يُقًّسم الميراث، ولا يقول أحد لرفيقه: “هذا لي، وهذا لك”…

هناك لا يتزوجون نساءً ولا ينجبون أطفالاً، ولا تمييز بين ذكر وأنثى، بل يصير الكل أبناء أبيهم الذي في السماوات، وكما يقول النبي: “أليس أب واحد لكلنا؟ أليس إله واحد خلقنا؟” (مل 10:2)[8].]

 

ليس من جنس بعد الموت!

 

[أما بخصوص ما قلته أنه سوف لا تكون زوجات، ولا تمييز بين ذكر وأنثى، فقد علمنا ربنا ورسله هذا. “الذين حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يكون لهم نساء ولا يصير للنساء رجالاً، إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضًا، لأنهم مثل الملائكة في السماء، وهم أبناء الله” (راجع لو 35:20 – 36). وقال الرسول: “ليس عبد ولا حر؛ ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع” (غل 28:3)[9].]

 

ما لم تره عين!

 

[هناك “ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب إنسان” (راجع 1 كو 9:2)، الأمور غير المنطوق بها التي لا يقدر إنسان أن يتكلم عنها. قال الرسول: “ما أعده الله للذين يحبونه” (1 كو 9:2). إذ يكثر الناس الحديث لكنهم عاجزون عن التعبير عنه. لا يقدرون أن يقصون ما لا تستطيع العين أن تراه. ولا يحق الحديث عما لم تسمعه الأذن حتى تقارنه بما تسمعه الأذن وتراه العين وما لا يخطر على القلب. من يجسر ويتكلم عنه كما لو كان مثل أي شيء يخطر على القلب؟

لكن يليق بالمتحدث أن يستخدم التشبيه ويدعو ذلك الموضع مسكن الله، وموضع الحياة، وموضع الكمال، مكان النور، مكان المجد، سبت الله، يوم الراحة، راحة الصديقين، فرح الأبرار، مسكن الأبرار والقديسين، موضع رجائنا، بيت اتكالنا الآمن، موضع كنزنا، الموضع الذي يمحو قلقنا وينزع أحزاننا، ويطفئ تنهداتنا. يحق لنا أن نشبهه هكذا، وهكذا ندعو ذاك الموضع[10].]

 

أسرى الموت!

 

[مرة أخرى، يقتاد الموت ملوكًا ومؤسسي مدنًا، قد تشددوا بالأبهة، ويأخذهم إليه. إنه لا يترك سادة الدول. يقود الموت لنفسه ويأسر الطماعين الذين لا يشبعون ولا يقولوا “كفي”. إنه يطمع فيهم أكثر من طمعهم هم![11]]

 

سيأتي محطم الموت!

 

[سيأتي واهب الحياة، محطم الموت، ويبطل سلطانه على الأبرار والأشرار. وسيقوم الأموات بصرخة قهرية، ويفرغ الموت ويُسلب منه كل الأسرى.

فسيجتمع كل بني آدم معًا للدينونة، ويذهب كل واحدٍ إلى المكان المُعد له. الأبرار القائمون يذهبون للحياة، والخطاة القائمون يُسلمون إلى الموت[12].]

 

درجات المجد!

 

[اسمع الرسول القائل: “كل واحدٍ سيأخذ أجرته بحسب تعبه” (1 كو 8:3). من تعب قليلاً ينال حسب كسله، ومن كان مُسرعًا يُكافأ حسب سرعته. قال أيوب (أليهو): “حاشا لله من الشر، وله من الخطية! لأنه يجازي الإنسان على فعله، ويُنيل الرجل كطريقه” (أي 10:34 – 11). ويقول أيضًا الرسول: “لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد، هكذا أيضًا قيامة الأموات” (1 كو 41:15 – 42).

لذلك فلتعرف أنه حتى إن دخل الإنسان الحياة، فإن مكافأة تسمو على مكافأة، ومجدًا يعلو على مجدٍ، ونورًا أفضل من نورٍ. الشمس تفوق القمر، والقمر أعظم من النجوم التي معه. ولتلاحظ أن القمر والنجوم أيضًا تحت سلطان الشمس، وتُبتلع أنوارهم أمام بهاء الشمس[13].]

 

درجات العقوبة

 

[أيضًا بالنسبة للعقوبة أقول أنه لا يكون كل الناس متساوين. من صنع شرورًا أعظم يُعذب أكثر. ومن لم يعصِ كثيرًا عذاباته أقل. البعض يذهبون إلى الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان (مت 12:7). وآخرون يُلقون في النار حسب استحقاقهم، إذ لم يُكتب عنهم أنهم يصرون بأسنانهم، ولا أنه توجد ظلمة هناك. والبعض يُلقون في موضع آخر حيث دودهم لا يموت، ونارهم لا تنطفئ، ويصيرون دهشةً لكل ذي جسد (إش 24:66). وفي وجه آخرين يُغلق الباب، ويقول لهم الديان: “لست أعرفكم” (مت 12:25).

تأمل إذن إنه كما أن مكافأة الأعمال الصالحة ليست متساوية لدى كل البشر هكذا بالنسبة للأعمال الشريرة. ليس الكل يُدان بشكلٍ واحدٍ، بل كل واحدٍ حسب أعماله ينال جزاءه، لأن الديان ملتحف بالبرّ، ولا يحابي الوجوه[14].]

 

خاتمة

 

[كُتبت هذه المقالات الأثنتي عشرة حسب الحروف الأبجدية (السريانية) [15].]

 

[كتبت هذه الأمور حسبما بلغت إليه. ولكن إن قرأ أحد هذه المقالات ووجد كلمات لا تتفق مع أفكاره يلزمه ألا يحتقرها. لأن ما كُتب في هذه الفصول لم تُكتب حسب فكر إنسانٍ واحدٍ، ولا لإقناع القارئ، وإنما حسب فكر الكنيسة كلها، وللحث على كل الإيمان[16].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 22:1.

[2] Demonstrations, 22:1.

[3] Demonstrations, 22:2.

[4] Demonstrations, 22:3.

[5] Demonstrations, 22:4.

[6] Demonstrations, 22:4.

[7] Demonstrations, 22:6.

[8] Demonstrations, 22:12.

[9] Demonstrations, 22:13.

[10] Demonstrations, 22:13(Of Death and the Latter Times).

[11] Demonstrations, 22:14 (Of Death and the Latter Times).

[12] Demonstrations, 22:15 (Of Death and the Latter Times).

[13] Demonstrations, 22:19 (Of Death and the Latter Times).

[14] Demonstrations, 22:22 (Of Death and the Latter Times).

[15] Demonstrations, 22:25 (Of Death and the Latter Times).

[16] Demonstrations, 22:26 (Of Death and the Latter Times).

 

المقالة الثالثة و العشرون عن خصلة العنب

 

باب قد انفتح

 

[بالحقيقة إذ أعطى الإنسان الأول أذنه وأنصت للحية، صدر عليه حكم اللعنة، به صار طعامًا للحية، واجتازت اللعنة إلى كل نسله… لكن بابًا قد انفتح لطلب السلام، به رُفعت الغشاوة عن عقل الجموع، وبزغ النور في العقل، وأثمرت الزيتونة المتلألئة، التي حملت علامة سرّ الحياة. هذه التي بها صار المسيحيون كاملين، كما الكهنة والملوك والأنبياء. إنها تنير الظلمة، وتمسح المرضى، وتقود التائبين إلى سرها الخفي[1].]

 

عظيمة هي العطية التي قدمها لنا الصالح!

 

[عظيمة هي العطية التي قدمها لنا الصالح. بينما لم يُلزمنا قهرًا، بالرغم من خطايانا يريد أن يبررنا. وبينما لا يستعين بأي حال بأعمالنا الصالحة يشفينا لكي نكون في نظره موضع سرور. وعندما لا نريد أن نسأله يغضب منا. إنه يدعونا على الدوام: “اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا” ( مت 7: 7؛ لو 11: 9)[2].]

 

لنعترف بعظمته!

 

[الله واحد، يلزمنا ان نعترف بعظمته، ونعبده ونسبحه ونعليه ونكرمه ونقدسه ونمجده. فإننا بالحق نعرف ذلك بيسوع ابنه، مخلصنا، الذي اختارنا، وقربنا إليه. به نعرفه ونصير عابديه وشعب وكنيسة واجتماع مقدس. مجدًا وإكرامًا للآب ولابنه ولروحه الحي القدوس، من أفواه كل مسبحيه سواء في العلا أو أسفل. ليكن هذا إلى الأبد في الأبدية ويكون[3].]

 

الإلحاد العملي

 

[إن اعترف إنسان بأن الله واحد، وتجاوز وصاياه، ولم يعمل بموجبها، فاعترافه ليس حقيقيًا[4].]

________________________________________

[1] Demonstrations, 23:3.

[2] Demonstrations, 23:48.

[3] Demonstrations, 23:61.

[4] Demonstrations, 23:62.