لرؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في الشرق الأوسط
دير القديس مار أفرام السرياني ـ معرة صيدنايا
دمشق ـ سوريا 9ـ 10 كانون الأول/ ديسمبر 2005
بــيـــان مــشــترك
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
نهديكم جميعاً تحياتنا، في روح المحبة المسيحية والشركة.
نحن البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والبطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والكاثوليكوس آرام الأول، كاثوليكوس الأرمن في بيت كيليكيا… نشكر ربنا يسوع المسيح الذي أعطانا أن نجتمع مرّة أخرى، لنصلّي معاً ونتدارس الأمور ذات الاهتمام المشترك في دير القديس مار أفرام السرياني، بمعرة صيدنايا، دمشق، سوريا. وهذا هو اجتماعنا الثامن كرؤساء لكنائسنا، وبعضوية اللجنة الدائمة التي عيّناها في إطار شركتنا التي بدأت منذ عام 1996.
وفي اجتماعنا هذا، أعدنا تأكيد وحدتنا في الإيمان، على مدى التاريخ، الأمر الذي كان أساساًَ لمواقفنا المشتركة في التعاليم اللاهوتية والعقائدية. تلك المواقف المتجذّرة في الكتاب المقدس، والإيمان الرسولي، والتقليد الكنسي، والمجامع المسكونية الثلاثة (نيقية 325م، القسطنطينية 381م، أفسس 431م)، وتعاليم آباء الكنيسة، مما أعطى وحدتنا قدرة الحياة والشهادة ضمن عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، لتكون كنائسنا نبعاً حيّاً للقوة الروحية، والعمل الكرازي. وتتجلّى وحدتنا الظاهرة، كعائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، من خلال شركتنا الأفخارستية، وسائر أسرار الكنيسة.
نحن مسؤولون أن نحفظ ونحمى كتابنا المقدس كمصدر إعلان، في مواجهة مدارس النقد، والبيانات المنحرفة، التي تظهر من آن لأخر، في بعض مناطق العالم، وتنشر في بلادنا، مُحدثةً بلبلة وأذى متجاهلة قدسية وسلطان وتكامل ووحدة النصوص الكتابية. لقد تسلمنا الأسفار المقدسة، من خلال الأنبياء القديسين، وربنا يسوع المسيح، والرسل الأطهار، والآباء الأبرار، والتقليد المقدس. وهذا ما قاله بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: “احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا” (2تي1: 14). ونحن مدعوون أيضاً، أن نسير على نفس هذا النهج الرسولي.
إن وحدة إيماننا يجب أن تظهر بطريقة ملموسة، في حياة شعوبنا، بالشهادة الأمينة، والالتزام المشترك، وخدمة الدياكونيا. ولقد قدمت كنائسنا إنجازات ملموسة فى هذه المجالات، ونحن نؤمن أننا مدعوون – بقوة روح الله – لمواصلة إلتزامنا الكرازى. وفي خضمّ المتغيرات السريعة في العالم نحو العلمانية والعولمة، وبخاصة في بعض الدوائر المسيحية، التي لم تحترم القيم الأخلاقية في الكتاب المقدس، ينبغي أن نؤكد على أصالة التعليم المسيحي، في مواجهة الموضوعات الأخلاقية. وقد حذّرنا القديس بولس قائلاً: “ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة، ستأتي أزمنة صعبة، لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين” (2تي3: 1 و2). وعلينا كمسيحيين أن تكون حياتنا وسلوكياتنا فى توافق تام مع قيم الكتاب المقدس.
ولا ينبغي أن تحصرنا وحدتنا وتضامننا داخل ذواتنا، بل يجب أن نجتهد في سبيل وحدة جميع الكنائس سواء في منطقتنا أو في كل أنحاء العالم. ولهذا فنحن سنظل ملتزمين تماماً بالحركة المسكونية، سواء في مجلس الكنائس العالمي، حيث نحيا (الشركة المسيحية العالمية) أو في مجلس كنائس الشرق الأوسط، حيث شركتنا في هذا الإقليم. وسوف نواصل أداء دورنا النشط فى مجلس الكنائس العالمى. إن مجهودات اللجنة الخاصة (الأرثوذكسية)، والتى توصلت إلى اتخاذ القرارات بالإجماع، سوف تدفع إلى الأمام الإسهام الأرثوذكسى فى حياة وشهادة المجلس. وبنفس هذه الروح وذاك الالتزام، نشارك بنشاط في حوارات لاهوتية مشتركة، مع الكنائس الأرثوذكسية، والكاثوليكية والأنكليكانية، والمُصلحة. وهذه الحوارات اللاهوتية سوف تظهر بجلاء أصالة وسلامة تعليم كنائسنا الشرقية الأرثوذكسية حول طبيعة السيد المسيح. إن اللاهوتيين في تلك الكنائس، والذين كانوا يدعوننا “المونوفيزايت”(Monophysites) (أصحاب الطبيعة الواحدة)، أدركوا أننا “ميافيزايتز” (Miaphysites) (أصحاب الطبيعة المتحدة) تابعين تعاليم أبينا المشترك القديس مار كيرلس الإسكندري. وتحتاج الخلافات العقائدية الأخرى القائمة حتى الآن، إلى مزيد من الحوار مع كنائس هذه العائلات، حواراً قانونياً، ما أمكن ذلك. ولا شك أن استقبال كنائسنا لاتفاقات أي حوار، سوف يحتاج إلى وقت وصبر.
وسوف نستمر في أداء دورنا النشط، في المحافل المسكونية، مرحبين بالتوجه الجديد، لمجلس الكنائس العالمي، الذي نتوقّع أن يُسفر عن مشاركة أقوى لكنائسنا في حياة المجلس، من خلال تبنّي فكرة “الإجماع” عند اتخاذ القرارات.
إن العائلة هي المؤسسة المقدسة، التي أرساها الرب يسوع المسيح، ولهذا يجب أن نحافظ على قدسيّة وتماسك الأسرة المسيحية. ولهذا فنحن نشجُب كل الممارسات والسلوكيات المتصلة بالزواج، والميول الجنسية التي تتعارض مع ما أوصانا به الكتاب المقدس، والتعليم الأخلاقي. ولهذا فنحن نهيب بشعوبنا أن يتمسّكوا بهويتهم المسيحية، وأمانتهم لرسالة الإنجيل، في مواجهة التوجهات والتحديات المعاصرة، التي تتعارض مع قداسة المسيحية، وتعاليمها الأخلاقية.
ونحن نهيب بمجتمعاتنا في مختلف أنحاء العالم، أن يظلّوا متمسكين بثبات بأوطانهم الأصلية، من خلال دعم كل المبادرات والأفعال، التي تهدف إلى نشر السلام والعدالة، في ربوع الشرق الأوسط، والاحترام والفهم المتبادل بين مختلف الأديان والشعوب.
وبجوار التعاون المشترك بين كنائسنا، يجب أن نهتم وبشكل أساسي بالحوار بين الأديان. ونحن في الشرق الأوسط، نحيا في حوار دائم مع الإسلام، كما يظهر في تاريخنا وحضاراتنا وثقافاتنا. ويجب أن يستمر هذا الحوار، المبني على الفهم المتبادل والثقة والاحترام، بل وأن يمتد إلى آفاق أوسع، وبخاصة على المستوى الشعبي.
ونحن مدعوون أن نحافظ على علاقات المحبة والسلام بين المسيحيين والمسلمين، في منطقتنا وفي العالم كلّه، كما أننا نحتاج إلى جهود إضافية ومستمرة بسبب الظروف الحادثة في منطقتنا، وبخاصة في العراق وفلسطين، لنطوّر روح الثقة المتبادلة بين معلّمي الإسلام والمسيحية. إن من حق كل إنسان أن يدافع عن إيمانه، دون أن يجرح أو يهاجم الآخرين. إن الحوار المسيحي الإسلامي لا يمكن أن يمارس خارج كنائس الشرق الأوسط، ولهذا نوصي بأن تبذل هذه الجهود من خلال لجنة الحوار في مجلس كنائس الشرق الأوسط، والمناقشات والعلاقات مع المسؤولين.
إن كنائسنا الأرثوذكسية: القبطية والسريانية والأرمنية، تقوم بمبادرات وأعمال هامة، سعياً إلى عدالة أفضل، وسلام وازدهار فنحن لا يمكننا أن ننفصل أو نقف صامتين وغير مبالين بالأوضاع الحالية في الشرق الأوسط.
يجب أن تزداد عملية السلام في الشرق الأوسط قوةً وتجدداً حتى يحصل إخوتنا الفلسطينيون على دولتهم المستقلة وعودتهم إلى ديارهم. ويجب على إسرائيل أن تنفذ كافة مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فتنسحب من كل الأراضي العربية المحتلة بما فيها مزارع شبعا في جنوب لبنان، ومرتفعات الجولان والقدس. إن السلام الحقيقي والدائم والشامل في الشرق الأوسط، لن يتحقق إلا بالعدالة الكاملة.
يجب أن يستعيد العراق استقلاله وسيادته ووحدة أراضيه، ويجب أن ترحل قوات الاحتلال بسرعة منه، وأن تتسارع عملية إعادة إعماره بمشاركة من كل أطيافه.
إن إقليمنا يحيا اليوم مُنعطفاً حساساً، ولهذا فنحن ندين كل أشكال العنف في منطقتنا وفي كل العالم. إن الدين ـ في فهمه السليم ـ كطاعة حقيقية لله، يحفزنا على نشر الحب والرجاء والمصالحة، وعلى العدالة والسلام وحقوق الإنسان، ونحن نهيب بالجميع أن يحلِّوا مشاكلهم وصراعاتهم بالوسائل السليمة، والحوار والفهم المتبادل. كما ندعم عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب.
ونحن نُحيّ بحرارة السيد رئيس الجمهورية السورية فخامة الدكتور بشار الأسد، ومعه كل القيادات الدينية والشعب السوري، كما أننا نلحظ ونقدّر كيف يمارس المسيحيون في سوريا دورهم فى مسيرة التجديد، وممارسة حريتهم الدينية فيقيمون الكنائس والأديرة الجديدة، ويؤدون دورهم الفاعل في حياة المجتمع ويسهمون في ازدهار الوطن.
ونحن نهيب بكنائسنا أن تظل أمينة للإنجيل، تحيا قيمه وتمارسها في مجمل الحياة اليومية، وتسهم في أداء الشهادة الأمينة في حياة المجتمع. ويجب أن تستمر شهادتنا وتعاوننا بتجدد وحيوية، وبخاصة في المجالات التعليمية، والأخلاقية، واللاهوتية، والعقائدية، والكرازية، والمسكونية. وبقدوة حسنة ومثال صالح منا كمسيحيين نحمل أمانة ورسالة ربنا يسوع المسيح.
وقبل أن نختم بياننا المشترك يسعدنا أن نهنّئ قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص في مناسبة العيد الخامس والعشرين للتويج قداسته بطريركاً ورئيساً أعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في كل العالم، ونصلّي أن يهبه إلهنا العظيم المعونة في مهمته الجليلة، كما أننا نشكر قداسته على ضيافته الكريمة للقائنا.
فليكن لكم السلام في ربنا يسوع المسيح، آمين.
الكاثوليكوس آرام الأول البطريرك إغناطيوس زكا الأول البابا شنودة الثالث