تجسد الكلمة تعريب و تعليقات دكتور جورج حبيب بباوي

مؤسسة القديس أنطونيوس

كتابات الآباء

تجسد ربنا يسوع المسيح

للقديس أثناسيوس الرسولي

تعريب و تعليقات

دكتور جورج حبيب بباوي

يناير1983


مقدمة تاريخية ولاهوتية

مقدمة تاريخية عن الكتاب:

قبل أن ينتقل القديس أثناسيوس إلى عالم النور في مايو 373، كان قد ترك مسودة كتاب بعنوان “تجسد ربنا يسوع المسيح” و هو الكتاب الذي ننشره الآن كآخر ما سجله العملاق العظيم.

والكتاب موجه ضد الذين ينكرون وجود نفس انسانية Human soul في المسيح وهو الاتجاه الذي صار يعرف بعد ذلك باسم هرطقة أبوليناريوس أسقف اللاذقية في سوريا (امتدت أسقفيته من 372-392).ونص الكتاب نشر في المجلد ( 26 : 1093-1166) من مجموعة الآباء اليونانيين و لم ينشر في السلسلة الانجليزية المعروفة آباء نقية وما بعد نقية. كما لم يترجم بعد إلى اللغات الأروبية الحديثة ماعدا ترجمة فرنسية للنص السرياني وهو نص غير كامل.

ويعود عدم الاهتمام بهذا الكتاب إلى أن بعض علماء اللاهوت وعلماء الآباء لم يعتبروه بقلم أثناسيوس الرسولي وانما كتب بعد وفاته وقد ظل هذا الموقف سائدا مدارس اللاهوت في الغرب حتى مطلع القرن العشرين عندما دافع عن صحة نسبة الكتاب إلى أثناسيوس الأستاذ اليوناني الأرثوذكسي CH.Demetropulos  وأستاذ الآباء في السوربون G.Barby وأخيرا أستاذ الآباء السابق في جامعة أدنبرة T.F.torrance وحجة النقاد هو اختلاف أسلوب هذا الكتاب عن أسلوب أثناسيوس المعروف به في سائر كتبه .و لما كانت هذه هي الحجة الوحيدة التي أستند عليها هؤلاء النقاد فقد حاولوا نسبة الكتاب إلى العلامة ديديموس الضرير أو تلميذه القس امبروسيوس الاسكندري. ولكن من الواضح أن الموضوع جديد جدا ويختلف تماما عن البدعة الأريوسية وعن الموضوعات الأخرى التي عالجها أثناسيوس في كتاباته. ومن الثابت تاريخيا أن أثناسيوس كتب هذا الكتاب قبل وفاته بأيام وان الجداول التي وضعت في عصر الآباء كانت تضع هذا الكتاب ضمن مؤلفات القديس أثناسيوس.

الترجمة العربية:

تعد هذه أول ترجمة للكتاب بعد الترجمة السريانية وقد اعتمدت على النص اليوناني والترجمة اللاتينية التي عرفت في العصور الوسطى. وقد احتفظنا برقم الفقرات كما ظهر في المجلد 26 من مجموعة الآباء اليونانيين. أما العناوين الجانبية فهي من وضع الناشر حتى تسهل قراءة الكتاب.

لماذا اهتم الآباء بوجود نفس انسانية في المسيح المتجسد:

يبدو لمن لا يؤمن بالتجسد أن الفرق بين وجود النفس الانسانية أو عدم وجودها هو فرق ضئيل وبلا أهمية، ولكن الذي يؤمن بأن “الكلمة صار جسد” (يو1 : 14) يدرك تماما أن عدم وجود نفس انسانية معناه ان المسيح لم يكن انسانا حقيقيا ومثلنا في كل شيء. وقد حصر الآباء جميعا عمل المسيح في الحقائق التالية:

أولا– أنه من جوهر الآب ومساوي له في كل الصفات

ثانيا– أنه انسان كامل له نفس وجسد وكل صفات الانسانية ما عدا الخطية.

ثالثا-ان اللاهوت الكامل وأقنوم الابن اتحد اتحادا كاملا بناسوت كامل.

بدون هذه العناصر الثلاثة معا يستحيل علينا أن نتكلم عن تجسد الكلمة. والنقطة الثالثة ذات أهمية خاصة ذلك أن وجود لاهوت كامل في ناسوت كامل بدون اتحاد حقيقي لا يخدم الانسانية في شيء.

لقد انزعج الآباء من انكار وجود النفس الانسانية وعبر القديس غريغوريوس النزينزي عن هذا بقوله “ما لم أتحد به الرب عندما تجسد هو ما بقي بدون شفاء. أما أتحد بألوهيته فقد خلص. اذا كان نصف كيان آدم فقط (الجسد) قد سقط فان ما أتحد به الرب هو نصف آدم وبالتالي خلص هذا النصف” (رسالة :101). فالخلاص تحقق باتحاد لاهوت ربنا بكل مكونات الإنسان وهذا يعني أن ما أخذه الرب قد نال الفداء بالاتحاد، لأن المسيح قدس الناسوت بالاتحاد ورفعه إلى شركة غير تلك التي كانت كائنة قبل التجسد. ولذلك يكمل القديس غريغوريوس عبارته السابقة ويقول “لقد حكم على عقلنا وهذا يعني أنه قد حكم على جسدنا أيضا. فاذا كان الرب قد اتحد بما هو وضيع (الجسد) لكي يقدسه، فهل لا يتحد بما هو سامي. لقد سقط آدم بعقله أولا ولذلك كان على المسيح أن يأخذ عقلا انسانيا لكي يقدس العقل الانساني” (المرجع السابق وراجع أيضا مقالة 22 : 13).

بالاتحاد بين اللاهوت والناسوت نال الإنسان الخلاص وهذا يعني أن ثمار وقوة وقداسة هذا الاتحاد تنقل إلى كيان كل انسان يشترك في المسيح، وهذا مايسجله معلمنا أثناسيوس مؤكدا أننا بدون الاتحاد “تفقد الانسانية الرجاء وتبقى في ضعفها. وتزول النعمة تماما” ‎(فقرة :4).

بالاتحاد تقدسنا لأن العنصر المشترك بين المسيح والبشرية هو الناسوت وليس اللاهوت، وبالتالي فناسوت المسيح كما يسميه أثناسيوس الأداة أو الوسيلة التي منها وبها تعبر الحياة الالهية وتصلنا وهي الحياة التي تستطيع أن تغلب الفساد والموت وتنهض الإنسان حيا إلى الابد (راجع المقالة الثالثة ضد أريوس:31 و35). بذلك نرى أن انكار كمال انسانية المسيح يؤدي إلى نتيجة مرعبة وهي انكار خلاص النفس الادعاء بأن الجسد هو الذي خلص وحده.

لماذا أنكر الهرطقة وجود نفس انسانية في المسيح:

من الآباء جميعا ولاسيما أثناسيوس ندرك أن المصدر الحقيقي لهذا الانكار ليس سوى المانوية والغنوسية بمدارسها المختلفة وعلى رأسها مدرسة مرقيان.

كانت المانوية والغنوسية تعتبران أن الشر موجود في المادة وأن الإنسان يجب أن يتخلص من جسده لكي يتطهر ويتقدس. ولكن كيف أدى هذا إلى انكار وجود النفس التي أعتقد هؤلاء الهراطقة بأنها من صنع اله الخير والنور وانها عكس الجسد الذي صنعه اله الشر. الجواب واضح جدا إذا تتبعنا النتائج المنطقية التي ينتهي اليها أي فكر متطرف. فقد انكر ماني ومرقيان أن المسيح ولد من العذراء وأن له جسدا حقيقيا بل أن جسده نزل من السماء (راجع فقرة : 12). ولما كان الفرق الجوهري بين الهراطقة والكنيسة الجامعة حول موضوع الشر هو فرق دقيق وخطير اذ يعتقد جميع الهراطقة بأن الشر هو جزء من الخليقة وأن له جوهر وكيان صنعه الخالق، أما الكنيسة الجامعة فتؤكد أن الشر بلا جوهر وبلا كيان بل اختراع العقل الانساني وان الإنسان ليس بالطبيعة شريرا وانما يصبح كذلك إذا مارس الشر. وحتى الطبيعة الانسانية بعد السقوط لم تعد طبيعة شريرة بل طبيعة مريضة ولم يحول سقوط الإنسان الطبيعة الانسانية إلى شر بل ادخل عليها الشر والفساد والموت فصارت محتاجة إلى الخلاص والحياة الابدية. ويؤكد أثناسيوس هذا بقوله “ما الذي حكم الله عليه في البدء ؟ هل على الخليقة التي صورها الخالق وصنعها ؟ أم على العمل الصادر من ارادة الخليقة ؟ فاذا دان الله الخليقة التي خلقها فقد دان نفسه وأصبح في هذه الحالة مثل البشر..فالله دان العمل الصادر من ارادة الخليقة التي كونها وصورها..” (فقرة : 11).

ولأن الكنيسة أكدت تجسد ابن الله وأن ناسوته هو ناسوت حقيقي جاء هراطقة آخرون أمثال الأسقف أبوليناريوس وأخذوا ذات المبدء المانوي والغنوسي على النفس الانسانية. ونقطة الحق الوحيدة عند الهراطقة هي أن النفس أو العقل هو مصدر الفكر وبالتالي هو الذي يحرك الجسد (فقرة : 20) .فكيف يمكن للمسيح أن يأخذ نفسا انسانية وأهم مايميزها هو العقل ولايخطيءمثلنا؟(راجع فقرة : 16) والجواب الواضح عند أثناسيوس وغيره من الآباء هو أن الصراع الداخلى الذي فينا هو”مااخترعناه نحن من شرور نبتت من غواية الشيطان الذي علمنا كيف نعصي الله وزرع هذه الغواية في طبيعتنا “(فقرة : 17) أما في حالة الرب المتجسد فلا يوجد فيه صراع داخلي بسبب اتحاد اللاهوت بالناسوت وهو ما يعني أن الرب لم يتخلى عن ألوهيته عندما تجسد وبالتالي فعدم الخطأ وانعدام الصراع الداخلي هو أمر مؤكد (فقرة : 17).

اتحاد اللاهوت بالناسوت كقاعدة أساسية للخلاص:

يبدو لكثير من المسيحيين أن موت المسيح على الصليب هو قضية أو نظرية عويصة وأنها تحتاج لشروح كثيرة وايضاحات وتشبيهات، ولكن موت المسيح على الصليب أبسط مما نظن، لقد قبل المسيح أن يأخذ طبيعتنا وأن يحول هذه الطبيعة المائتة والفاسدة إلى حياة وعدم فساد وقيامة. هذا التحول تم أولا بالاتحاد الذي نقل إلى الناسوت قوة اللاهوت مثل القداسة والحياة التي أقامت الموتى بلمسة من يده أو من طرف ثوبه، كما في حالة المرأة النازفة الدم. ولقد شرح أثناسيوس هذا بافاضة في كتاب “تجسد الكلمة” وخصص بعض الفصول الكاملة لشرح اتحاد اللاهوت بالناسوت (فصل 43-44) ولذلك لم يدخل في هذا الموضوع بالتفصيل أو الشرح الموسع كما فعل في تجسد الكلمة وانما لمس موضوع الاتحاد من خلال تأكيد أهمية كمال الناسوت. والنقطة الهامة عند القديس أثناسيوس أن الاتحاد لا يلغي صفات الجسد بالمرة وهو لذلك يؤكد أن الناسوت لم يصبح مثل اللاهوت بالمرة بل ظل ناسوتا ومن الخطأ أن نصف الناسوت بأنه غير مخلوق” فاذا قيل أن الناسوت غير مخلوق بسبب اتحاده بالكلمة غير المخلوق، فكيف نمت القامة، ولماذا لم نره انسانا كاملا وتاما منذ الاتحاد، فالذي ينمو ليس إلا مخلوقاً والادعاء بأن الذي ينمو في القامة هو غير مخلوق كفر وتجديف، لأننا نعني بغير المخلوق ماهو بالطبيعة الله، حيث لا مجال للنمو أو النقص في طبيعته” (فقرة :3). ويعود ليسأل من جديد “أما الادعاء بأنه بواسطة الاتحاد صارت طبيعة الناسوت غير مخلوقة، وصارت مساوية في الجوهر للاهوت، أي لها نفس الصفات، فهذا بدوره كفر” (فقرة :5) وبالطبع الكفر هنا يعود إلى أن هذا الادعاء يفتح باب الكلام بانضمام أقنوم رابع للثالوث وهو خطأ جسيم ضد الايمان المسيحي كله (راجع فقرة : 9). مايؤكده أثناسيوس هو أن التجسد يعني بقاء الناسوت كما هو طبيعة انسانية لا تتحول إلى طبيعة الهية بالمرة (راجع فقرة : 10) وان اضافة القداسة والحياة والقيامة هي بسبب الاتحاد وليس بسبب تحول الناسوت إلى لاهوت ولذلك في عبارة قصيرة موجزة يقول أثناسيوس أن التجسد هو “الكلمة صار جسدا وليس الجسد الذي صار الكلمة” (فقرة : 10-راجع ايضا فقرة : 12). وبسبب الاتحاد أمكننا أن نقول عن الناسوت انه “جسد مجده” (في 3 : 21-فقرة : 10) وأمكننا أيضا أن نقول المسيح رفع الصورة الآدمية إلى صورة إلهية فائقة بسبب الإتحاد فقد ولد ميلاداً طبيعياً كسائر البشر من العذراء لكي يؤسس بداية جديدة للجنس البشري عوضا عن البداية التي أخذناها من آدم (راجع فقرة : 12). وهكذا بالاتحاد نقل الكلمة إلى الناسوت ما فقده الناسوت بالسقوط وأضاف إليه الثبات وقوة الحياة الابدية. وهكذا حتى في موت المسيح على الصليب وبسبب الاتحاد بين اللاهوت والناسوت ورغم انفصال النفس عن الجسد بسبب الموت لم تخضع نفسه الانسانية لسلطان الموت ولا رأى جسده في القبر فسادا بسبب الاتحاد” (فقرة : 14) ويؤكد أثناسيوس حقيقة انتصار المسيح حتى في موته على الصليب “لأن الموت لم يستطع أن يقوى على نفس المسيح الانسانية التي اتحدت باللوغوس، بل عجز الموت عن أن يستعبدها ولا استطاع الفساد أن يذلها أو يأسرها، ومع أن الموت فصل النفس عن الجسد، الا أن الفساد لم يتجاسر على أن يقترب من أيهما لأن كل الذي حدث، انما كان تحت السيطرة الالهية وعنايتها” (فقرة : 14). وعندما مات المسيح على الصليب وانفصلت نفسه عن جسده وظلت نفسه متحدة بالكلمة كما يظل الجسد أيضا متحدا بالكلمة فقد أكمل الاتحاد قوة موت المسيح ذلك أن نفسه الانسانية قدمت إلى الآب عوضا عن نفوسنا وجسده أيضا قدم عوضا عن أجسادنا وهكذا حمل المسيح حكم الموت عنا بانفصال النفس عن الجسد وقدم الكفارة في نفس الوقت بسبب الاتحاد وأعادنا إلى الحياة بالقيامة (فقرة : 16). ويكرر أثناسيوس هذا في عبارات أبسط بكثير من العبارات الواردة في (فقرة : 16) حيث يؤكد الاتحاد بقوله “وهكذا حيث ساد الفساد على جسد الإنسان، قدم يسوع جسده، وعندما ربطت النفس الانسانية بقوة الموت قدم يسوع نفسه فاستطاع الذي لا يمكن أن يربطه الموت أن يكون حاضرا كانسان وان يفك رباطات الموت كإله” (فقرة : 17). فالاتحاد هو الذي جعل اللاهوت الذي هو”عديم الموت” و”عديم الفساد” حاضرا وفعالا في موت المسيح وقيامته. (فقرة : 17). ويصل أثناسيوس إلى اقصى وضوح ممكن عندما يؤكد أن “شخصا لايمكن أن يفتدي شخصا آخر إذا كان مختلفا عنه في الجوهر” (فقرة : 17). وهذا يعني أن يكون المسيح انسانا حقا مثلنا وهو ما يجعله يعطي “جسده من أجل أجسادنا ونفسه من أجل نفوسنا” (فقرة : 17). ولكن انسانية المسيح الحقيقية والكاملة لا تكفي ولذلك يؤكد أثناسيوس بعد ذلك مباشرة أن الخلاص تم بسبب الاتحاد وأنه إذا فارق اللاهوت الناسوت فان هذا يعني أن المسيح مات موتا خاصا به هو وحده وليس موتنا نحن (فقرة : 18). وهذا يعني بشكل واضح أن موت المسيح يجب أن يكون مثل موت الإنسان أي بانفصال نفسه عن جسده وليس بانفصال اللاهوت عن الناسوت لأن هذا يقضي تماما على امكانية القيامة ويظهر أن التجسد في حد ذاته كان عملا مؤقتا وبلا ثمار (راجع فقرة : 19).

الفروق الأساسية بين الأرثوذكسية والهرطقات:

أن القراءة الدقيقة لهجوم القديس أثناسيوس على البدعة الأبوليبارية تؤكد لنا أن المعلم العظيم عندما يربط بين انكار وجود عقل انساني أو نفس انسانية في الابن المتجسد وبين الهرطقات الأخرى مثل المانوية والغنوسية بل والأريوسية فقد كان يحرص أشد الحرص على اظهار ليس فقط العلاقة الفكرية بين هذه الهرطقات، وانما الفروق الأساسية بين هذه الهرطقات والعقيدة الأرثوذكسية ولعل الفارق الجوهري الذي يظهر بكل وضوح هو أن كل نقطة تنكرها الهرطقات يؤكد الآباء جميعا أن انكارها يلغي النقطة المقابلة في خلاص الإنسان، وبالطبع أفضل مثال يمكن أن نقدمه هو موضوع كتاب”تجسد ربنا يسوع المسيح” نفسه حيث يظهر بكل جلاء أن انكار وجود النفس الانسانية في يسوع المتجسد انما يعني انكار خلاص النفس الانسانية لكل البشر .هذا يؤكد لنا بشكل واضح أن اشتراك الابن الكلمة في حياتنا وطبيعتنا هو اشتراك حقيقي وأن هدف هذا الاشتراك هو أن ينقل الينا الكلمة حياته وقداسته وقيامته أي الاتحاد بين اللاهوت الكامل والناسوت الكامل .فاذا جاءت هرطقة وانكرت ألوهيته فقد حذفت اشتراك الله في خلاص الإنسان وهذا مافعلته الأريوسية، وإذا جاءت هرطقة وانكرت انسانيته فقد حذفت حصول الإنسان على النعمة الالهية وهذا مافعلته الأبولينارية ثم النسطورية من بعدها .

وهنا يبقى سؤال جوهري لابد أن نفهمه بكل دقة فما هو الفرق الجوهري بين هدف الأرثوذكسية وهدف الهرطقات متجمعة؟ والجواب ظاهر جدا:هدف الأرثوذكسية هو تجديد الطبيعة الانسانية وتقديس الإنسان وهدف الهرطقات هو اعلان مباديء أخلاقية فاضلة تتدرب عليها الارادة الانسانية بل يمكنها أن تراها في حياة المسيح وتتشبه به في السلوك الأخلاقي الحسن وهذا مايجعل قضية ألوهية المسيح وتجسده قضية ثانوية طالما أن الهدف تحسين أخلاق الإنسان وليس تجديد طبيعته.

أن بشارة الانجيل كما يقول القديس أثناسيوس”قائمة على دعامتين ألوهية الكلمة وتجسده” (فقرة : 10). وألوهية الكلمة تعني تدخل الله المباشر في خلاص الإنسان، أما الكلمة فتعني ضرورة اشتراكنا في المسيح”وهكذا الاله الكائن قبل كل الدهور، ظهر كانسان، ودعى المسيح. هذا وحده يجعلنا نحن”أعضاء المسيح “كما هو مكتوب “نحن من لحمه ومن عظامه ” (أف5 : 3) (فقرة : 13)ومعنى هذا أن الاشتراك في المسيح هو اشتراك حقيقي، ذلك اننا لانستطيع أن نتشبه بالمسيح حتى أخلاقيا مالم نشترك فيه وهذا يؤكده أثناسيوس بعبارة قاطعة”لأننا به تجددنا، وبه نتشبه وفيه نشترك في كمال المسيح الجديد” (فقرة : 21). ويقول أيضا أن انكار وجود نفس بشرية معناه أن “البشرية عاجزة من أن تجد ذاتها بدون المسيح، وتجديد النفس التي تقود الجسد لايتم بدون المسيح..” (فقرة : 20).

نزول المسيح إلى الجحيم:

هذا هو أكثر مؤلفات القديس أثناسيوس التي يشير فيها إلى عمل المسيح بعد موته على الصليب عندما ذهب إلى الجحيم. والنقطة الأساسية التي يريد أثناسيوس تأكدها خاصة بالتسليم الرسولي عن كرازة المسيح للراقدين “ذهب إلى الجحيم لكي يبشر النفوس التي كانت في سلاسل العبودية..” (فقرة : 20). وقد أشر أثناسيوس إلى الجحيم في الفقرات 5،7،12،13،14،17. ولعل أطول اشارة وردت في(فقرة :14) وبالنسبة لمعلمنا أثناسيوس يعتبر موضوع نزول المسيح إلى الجحيم من الأدلة التي تؤكد أن للمسيح نفسا انسانية وهذا يجعله يؤكد أن الميلاد من العذراء هو تجديد لميلاد الإنسان والموت وهو ابادة للفساد الذي ملك على الجسد وابادة لسلطان الجحيم وسلطان الموت على النفس (فقرة : 17) وان القيامة هي اعادة الإنسان إلى المصالحة والحياة الجديدة. وفي نص يشبه الصلاة “أزال من على الارض حكم الخطية، وعلى خشبة الصليب ازال اللعنة، وفي القبر أفتدى الفاسد وفي الجحيم اباد الموت .وهكذا افتقد كل مكان وكل حالة لكي يؤسس خلاص الإنسان ويعلن بذلك صورة جديدة لطبيعتنا ” (فقرة : 5). والقديس أثناسيوس لايعرف بالمرة شيئا عن اخفاء الكلمة لاهوته عن الشيطان وما إليه حتى عندما يقول”ان الجحيم لم يكن يستطيع أن يتحمل ظهور اللاهوت غير محجوب في النفس الانسانية ” (فقرة : 17) فهو لايشير بالمرة إلى القصص الشعبية التي ذاعت في القرون الأربعة الأولى عن اخفاء الابن في الجسد الانساني والقبض على الشيطان وانما يؤكد أثناسيوس أن عدم نزول الكلمة كإله إلى الجحيم لايعني سوى عجز الجحيم عن أن يتحمل ظهوره أما نزول الكلمة إلى الجحيم بواسطة نفسه الانسانية فمعناه القضاء على سلطان الموت بالنفس الانسانية المتحدة بلاهوت الكلمة وتحرر النفوس الانسانية من سلطان الموت وقدرة الهاوية.

 

الهنا الصالح الذي أحبنا حتى لأجل خلاصنا يعطينا أن نشترك في حياته وموته وقيامته ليكون لنا نصيب في الحياة الابدية التي وهبنا اياها مجانا ومن اجل مدح غنى محبته.

وللثالوث القدوس المجد والاكرام.الى الأبد.آمين.

رفاع صوم الميلاد 1982

جورج حبيب بباوي

تجسد

ربنا يسوع المسيح

الكتاب الأول

1-أيها الصديق العزيز، أن عادة الأتقياء الثابتة على الدوام، هي الخشوع أمام الخليقة كلها في صمت، وبفرح يصرخون شاكرين ومسبحين الله، صانع الخيرات للكل، وهذا ما قيل في الأسفار وبالذات في الكلمات التي تقول ” يجلس وحده ويصمت ” وأيضا ” في هدوء يهتم بأموره الخاصة “(مراثي3 : 28). وهذه الكلمات “وحده” و”يهتم باموره الخاصة” تعني أن يكون كل شيء بافراز وبيقظة واهتمام وحسب وصية الله.

عدم الثبات في الايمان:

لقد بدأت تهتم بالأمور الصعبة والشاقة الصادرة عن أناس يعترفون بنفس الايمان الذي نعترف به، واهتمامك بأن تعرف خطأ هؤلاء الذين يظنون أنهم ارثوذكسيون، ولكنهم يتهورون ولايتورعون عن النطق بأفكار وآراء غير مقدسة، تزعزع غير الثابتين في الايمان، هؤلاء لايعلمون، أنهم هم أنفسهم، قد ساروا بعيدا عن الطريق السليم، ولو كان هؤلاء والذين يسمعونهم ثابتين في الايمان، ماخدعتهم الكلمات والألفاظ المبهمة التي تستخدم. ولكن لأن عقولهم غير مدربة، صاروا يقبلون بسهولة هذه الأفكار الشائعة التي تولد منها هذه الشرور الكثيرة ،والأقوال الخادعة. لقد أصيب هؤلاء بالتبلد والعمى حتى أنهم غيروا إعلانات الأنبياء، وتعليم الرسل، والكلمات المحدودة التي وضعها الآباء، بل وأقوال الرب الواضحة، هي ذاتها قلبوا معانيها. وازاء كل هذا صار تفنيد آرائهم أمرا ضروريا، حتى يفيقوا ويعرفوا جرمهم وحتى يفقدوا قدرتهم على خداع الآخرين الذين وعدوهم بشرح واضح ومعقول لسر المسيح وهم في الحقيقة” لايفهمون ما يقولونه ولا ما يتمسكون به” (1تي1 : 7).

تعليم الآباء عن المسيح:

2-لقد علم الآباء أن الابن مساوي للآب في الجوهر وأنه” اله حق من اله حق” أي أنه كامل من كامل، ثم اضافوا مؤكدين” نزل من السماء لأجل خلاصنا وتجسد وتأنس” وبعد ذلك نعترف بأنه ” تألم وقام” وحتى لايخطيء احد إذا سمع أن الكلمة تألم ومات ويعتقد الله الكلمة قد تغير جوهره، أكد الآباء بكل وضوح أن الابن غير متغير ولا متألم وجكموا بالقطع من شركة الكنيسة على كل الذين يخالفون هذا التعليم الثابت.

ماذا يقول أصحاب هذه البدعة:…

أما هؤلاء الذين نفند آرائهم، فهم يتوهمون أن الكلمة متغير، أو يفترضون أن تدبير الآلام هو غير حقيقي ولم يحدث، لأنهم يطلقون على جسد المسيح أوصافا مثل” غير مخلوق” و” سمائي”، وأحيانا يقولون أن الجسد” من ذات جوهر اللاهوت”.

ويقولون أيضا أنه” في مكان الإنسان الداخلى الذي فينا، كان في المسيح عقل سمائي، لأن المسيح لبس الإنسان الخارجي فقط، ولبسه اللاهوت مثل ثوب واستخدمه كأداة فقط، ومن المستحيل أن يكون قد صار انسانا تاماً مثلنا، فحيث يوجد انسان تام توجد أيضا الخطية، وانه لا يمكن أن يكون المسيح الاله التام والإنسان التام، لأن اتحاد الانسانية الخاصة بنا أي الجسد والنفس باللاهوت يعني وجود خطية في المسيح، وبالتالي سوف يحتاج المسيح إلى ذات التجديد الذي نلناه نحن، لو كان الها وانسانا واتحد في واحد. ولو انه انسان تام وفيه” العقل الانساني” الذي فينا الذي يوجه الجسد ويحركه فكيف يكون بلا خطية؟”ويقولون أيضا” لقد أخذ جسدا بلا عقل، وصار اللوغوس نفس عقل ذاك الجسد لكي لايختبر الخطية طالما أنه فيه العقل الالهي فقط، وطالما أن جسده بلا عقل بشري، فالجسد لا يخطيء، الا إذا صار فيه العنصر الذي يوجه الجسد أي العقل، فهو الذي يدرك ويفكر ويعرف الخطية، لأن العقل يفكر ثم ينفذ الخطية بواسطة الجسد وبذلك تكتمل الخطية”. وحسب تفكير هؤلاء” صار الخلاص بأن يقدم لنا المسيح نمط حياة انسانية مما يجعل الجسد يتجدد، وبالتالي يتم الخلاص عندما يتشبه كل انسان بالمسيح على نحو معين ويقلد الفكر الانساني حياة المسيح وتجسده فيمتنع بذلك عن الخطية “. هذا هو كل ماقالوه مؤكدين أن المسيح بلا خطية.

ندعوهم لمعرفة الحق وترك الخطأ:

3-لكن كل مايقولوه ليس الا سفسطة فارغة وآراء عاطلة،ويحاولون أن يسندوها بأكثر من برهان. وما أكثر الآراء العاطلة التي تؤدي إلى انكار الايمان والتي يخترعها المنطق الانساني، ياليت هؤلاء يقيمون وزنا لارادة الله الصالحة، لأنه مكتوب عن كمال التدبير” أقسم الرب ولن يندم” (مز110 : 4). وهذا حق، فالنعمة التي تمت في التدبير كاملة في كل شيء. وهكذا علينا أن نسألهم عن أهدافهم من السفسطة، هل هي تتفق مع الاعلانات النبوية، وهل تتبع تعاليم الرسل، وتسير على نفس درب ما حدده الآباء وهل تتعارض مع الاعلانات الصريحة والواضحة للرب؟.فمن الاعلانات النبوية، وتعاليم الرسل، ومن الأمور التي أكملها الرب، ربما استعطنا اغراءهم بمعرفة الحق وبأن يتركوا الخطأ الذي وقعوا فيه.

جسد المسيح مخلوق ولاهوته غير مخلوق:

أخبرونا يامن أخترعتم انجيلا جديدا خاصا بكم، رغم أنه” لا يجد انجيل آخر” (غل1 :7). من أي مصدر أخذتم البشارة التي تجعلكم تقولون أن الجسد” غير مخلوق” ألا يجعلكم هذا تتخيلون أمرين لا ثالث لهما! اما أن لاهوت الكلمة قد تحول إلى جسد، واما انكم تعتقدون بأن تدبير الآلام والموت والقيامة خيال لم يحدث. وهذان التصوران كلاهما خطأ، لأن جوهر الثالوث هو وحده غير المخلوق، والأبدي، وغير المتألم وغير المتغير. أما المسيح حسب الجسد (رو9 : 5) فقد ولد من الناس الذين قيل عنهم” اخوته”، بل تغير بقيامته فصار بعد قيامته”باكورة الرقدين” (كو1 : 18). هذا سبق به الناموس (العهد القديم)قبل أن يحدث. فكيف تسمون الناموس الذي تغير من الموت إلى الحياة” غير مخلوق”؟. وكيف تفترضون العكس، عندما تسمون غير المخلوق بالمتغير؟. لأنكم عندما تسمون جوهر الكلمة غير المخلوق بالمتغير، فأنتم تجدفون على الوهية الكلمة. وعندما تصفون الجسد المتغير المكون من عظام ودماء ونفس انسانية، أي كل مكونات أجسادنا، والذي صار ظاهرا ومحسوسا مثل أجسادنا، عندما تصفون كل هذا بانه” غير مخلوق”، تسقطون سقوطا شنيعا في خطأين:أولهما انكم تفترضون أن الآلام التي احتملها هي مجرد خيال، وهذا التجديف المانويين، أو انكم تعتبرون أن اللاهوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم أنه جوهر غير مخلوق، وبالتالي فهو غير ظاهر ولامحسوس. وهذا التصور الأخير، يضعكم مع الذين يتصورون أن الله كائن في شكل بشري جسداني ([1]) فما هو اختلافكم عن هؤلاء، مادام لكم نفس الاعتقاد؟

4-أنتم تقولون بان الناسوت” صار غير مخلوق بسبب اتحاده بالواحد غير المخلوق”، ولكن خطأكم هذا سوف يظهر أنه متناقض مع نفسه، بل أن الرد عليه كامن فيما يدعيه.

لقد تم اتحاد الناسوت بلاهوت الله الكلمة في أحشاء القديسة مريم، عندما نزل الكلمة من السماء، أي أن الناسوت لم يكن له وجود قبل نزول الكلمة وتجسده، بل لم يكن للناسوت أي وجود حتى قبل وجود مريم والدة الاله التي ولدت من آدم، والتي تؤكد سلسلة الانساب أنها من ابراهيم ومن داود هي وخطيبها يوسف الذي خطبها وهما صارا واحدا عندما تكونا وخلقا جسدا واحدا (تك2 : 24)، وصارا واحدا ليس بسبب الزواج فهما لم يجتمعا، وانما هما جسد واحد لأنهما من واحد أي آدم، فالثابت انهما لم يعرف بعضهما البعض بل احتفظا بالبتولية ([2]). وهكذا ولد المسيح في بيت لحم اليهودية، ومن نسل داود، لأن يوسف ومريم كلاهما من داود، ولذلك دعى يوسف” أبوه”، والذي ولد في بيت لحم هو الذي أضجع في خرق المذود، وحمله سمعان على ذراعيه، عندما جيء إلى الهيكل، بل تم أختتانه في اليوم الثامن في جسده-حسب الناموس-وهو الذي نما في القامة(لو2 : 2). فاذا قيل أن الناسوت” غير مخلوق” بسبب اتحاده بالكلمة غير المخلوق، فكيف نمت القامة، ولماذا لم نراه انسانا كاملا وتاما منذ الاتحاد، فالذي ينمو ليس الا مخلوقا، والادعاء بأن الذي ينمو في القامة غير مخلوق كفر وتجديف، لأننا نعني بغير المخلوق ما هو بالطبيعة الله حيث لامجال للنمو أو النقص في طبيعته. اما الذي اشترك أو اتحد بغير المخلوق، فهو متحد باللاهوت، ويحسب معه واحدا، ولكنه مخلوق.

رجاء الانسانية في اتحاد المخلوق بغير المخلوق في المسيح:

وعندما نؤكد ذلك فإنا لانريد أن تفقد الانسانية الرجاء وتبقى في ضعفها معرضة دائما لليأس، فهي تبشر بأنها لم تعد لها صلة وثيقة بالله، وبذلك تزول النعمة تماما. وكل من يسمع أن جسد الرب غير مخلوق، بينما هو يعلم أن كل انسان مخلوق وان الطبيعة الانسانية مصنوعة، الا يدرك من يقول هذا الادعاء بعدم خلق الناسوت أن الأسفار الالهية زائفة وأنه لم تعد له شركة مع المسيح؟ ([3])واذا كان غير المخلوق قد أخذ جسدا غير مخلوق، ألا تصير الخليقة الأولى بلا خلاص، لاسيما آدم الأول الذي ولدنا نحن منه حتى اليوم بالولادة الجسدانية، ألا يعد هذا هلاكا لنا؟.وكيف جعلنا المسيح شركاء فيه؟-وكيف استطاع الرسول أن يقول” المقدس والمقدسين من واحد” (عب2 : 11).

الانسانية ليست من جوهر الله:

5-ولكن علينا الانتباه من التهور في التفكير بأننا نصير مثل الكلمة من جوهر الله الآب فهذا خطأ المجدفين الأريوسيين الذين حاولوا أن يجعلوا الكلام الخاص بالناسوت على أنه خاص بلاهوت الكلمة، وهذا الخطأ ظاهر لأن الذي وصف بأنه أخذ” صورة عبد” أي صار من آدم الأول، قد أتحد بصورة العبد وهو الكائن منذ الأزل في” صورة الله”، ولايعني هذا أن صورة العبد صارت الها. فبشكل عام يستخدم تعبير” غير المخلوق” لما لم يتكون من العدم ولم ينشأ مطلقا فهل تعتقدون أنتم أن الجسد لم ينشأ، ولم يتكون مطلقا، وأنه كان مع الكلمة منذ الأزل؟. هل تحاولون استخدام عبارات دقيقة وذات مضمون سليم في غير مكانها لكي تتستروا تحت عبارة” غير المخلوق” فلا تعترفون بالتجسد؟ أليس غير المخلوق هو جوهر اللاهوت فقط؟. وإذا وصفتم غير المخلوق بانه متغير، والمتغير بانه غير مخلوق، أليس هذا هو الكفر بعينه؟ أدا الادعاء بأنه بواسطة الاتحاد صارت طبيعة الناسوت غير مخلوقة وصارت مساوية في الجوهر للاهوت، أي لها نفس الصفات، فهذا بدوره كفر، لأن الرب أختبر الألم وهو في الجسد وكشف عن لحمه وعظامه ونفسه الانسانية التي تألمت وعانت الأحزان والضيقات.

تجديد طبيعتنا بتدبير تجسده:

ولا يمكن لأحد أن يدعي بأن آلام الناسوت هي أمور عادية وطبيعية بالنسبة للاهوت ولكنها صارت تنسب للاهوت لأن الكلمة سر أن يولد ميلادا انسانيا، لكي يعيد خلق الإنسان من جديد في ذاته صائرا صورة ومثال التجديد لكي تشترك فيه صنعة يديه التي فسدت بالشر والفساد والموت .فأزال من على الأرض حكم الخطية، وعلى خشبة الصليب أزال اللعنة، وفي القبر أفتدى الفاسد، وفي الجحيم أباد الموت. وهكذا افتقد كل مكان وكل حالة، لكي يؤسس خلاص الإنسان كله، ويعلن بذلك صورة جديدة لطبيعتنا. فما هي الحاجة التي تدعو الله الكلمة بأن يولد من امرأة، وأن ينمو خالق كل الدهور في القامة وأن يحسب عمره بالسنوات، أو أن يختبر الصليب، والقبر، والجحيم؟. اننا نحن البشر الذين خضعنا لكل هذا، ولكنه أجتاز كل ذلك لأنه يطلب أن يخلصنا، فأعطانا الحياة، في صورته التي هي ممثلة لصورتنا، ودعانا للاشتراك في صورته الكاملة لكي نتشبه به ولكن كيف يمكن أن نشترك ونتشبه بالكامل اذا لم يكن الكامل كائنا قبل كل الدهور، أي الكمال الذي لايعرف الخطية والذي دعانا الرسول إلى الاشتراك فيه قائلا” اخلعوا الإنسان العتيق، وألبسوا الجديد المخلوق حسب الله في القداسة وبر الحق” (كو3 : 9-أف4 : 24).

جسد المسيح قابل للموت:

6-كيف أمكنكم أن تتصوروا أن الجسد غير مخلوق ؟. واذا تغيرت طبيعة مخلوقة وصارت غير مخلوقة، ألايعني هذا أنه يجب أن تصبح غير منظورة، بل تصبح أيضا عديمة الموت، ليس فقد بعد القيامة، بل تصبح غير قابلة للموت بالمرة؟ فاذا صح تصوركم فكيف يمكن أن نقول أن الرب مات مادام قد تغير ناسوته وصار غير مخلوق عندما ظهر على الارض؟ وكيف إذا تغير الناسوت وصار غير مخلوق أن يصبح منظورا، بل كيف أمكن لمسه، حسبما هومكتوب” الذي لمسته أيدينا من جهة الحياة” (1يو1 : 1).كيف تصرحون بأمور لم تكتب في الأسفار المقدسة؟ بل كيف تفكرون في أمور لايجوز أن نفكر فيها؟ انكم بهذا الشكل تساعدون الهراطقة على الحصول على براهين وأدلة تشبه التجاديف التي نشرها واحد منهم يدعي رتريوس Rhetrius ([4])الذي لايتجاسر أحد على أن يفكر في تجاديفه المخيفة.

امامكم طريقان لا ثالث لهما، اما أن تنكروا الأسفار المقدسة، واما أن تعترفوا بها، وبالتالي لا تفكروا في التفوه بما ليس في الأسفار الالهية، أي كلماتكم التي خداعها يقتل.

نعبد المسيح الواحد الاله المتجسد:

لقد انحدرتم إلى ما هو اسوأ بقولكم” نحن لانعبد غير المخلوق مع الخالق”، أيها الناس الذين بلا ادراك لماذا تقولون هذه العبارات، ولماذا تتصورون أن جسد ربنا رغم أنه مخلوق تقدم له عبادة على انفراد وانه يمكن أن تقدم هذه العبادة لأي مخلوق آخر؟ لقد اتحد الجسد بالكلمة غير المخلوق وصار معه واحدا، أليس إليه هو الواحد بعينه نقدم له الطلبات والصلوات؟ اننا بكل حق نعبده، لأن الكلمة تجسد وصار جسده هو جسد الله الكلمة، ولكننا لا نعبد الناسوت دون اللاهوت أو اللاهوت دون الناسوت، وهذا ظاهر من تصرفات الرب نفسه، لأن النساء أقتربن منه فقال لهن” لا تلمسيني لأنني لم أصعد إلى الآب” (يو20 :17)، معلنا بذلك أن صعوده أمر حتمي لأنه سيحمل جسده ويقدمه للآب، الا أنهن أقتربن وامسكن بقدمه وسجدن له”(مت20 : 17). وعندما أمسكن بقدميه فقد سجدن له كإله متجسد، دون فصل اللاهوت عن الناسوت. وفي موضع آخر قال الرب” جسوني وأنظروا لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي” (لو24 : 39). ومع أنه بالحقيقة روح لأن” الله روح” (يو4 : 24). الا انه عندما قال بان له لحما وعظاما أراهم لحمه وعظامه. وكيف قال” الروح ليس له لحم وعظام” وأضاف” كما ترون لي”؟ لم يقل أنه هو” لحم وعظام”. وقد قال ذلك لكي يعلمنا أن طبيعة الروح لا تلمس بينما يلمس جسده، مثلما نلمس نحن أجسادنا، لأن جسده الذي أخذه من العذراء مثل أجسادنا، لم يخلقه بقوته الذاتية بدون العذراء، بل تكون في أحشاء العذراء وولد ولادة انسانية طبيعية، فقد أراد أن يكون له جسد طبيعي يتحد بلاهوته. وهكذا أيضا تم الموت، ومات الجسد موتا طبيعيا في الوقت الذي كان الكلمة فيه ويمسكه بارادته لكي يقدم جسده بسلطانه الذاتي (يو10 : 18).فتألم طبيعيا ومات طبيعيا عوضا عنا، ولكنه قام لأجلنا الهيا.وهكذا كل ما عمله منذ البشارة إلى الموت، انما كان يهدف إلى هدف واحد وهو أن يخلصنا ويعيدنا اليه.

جسد المسيح لم ينزل من السماء:

7-هذا هو التعليم الذي تقبله كنيسة الله الجامعة تعترف به، أما أنتم فكيف تخالفون هذا التعليم وتدعون بان الجسد نزل من السماء؟ ولماذا يسمح المسيح بأن يكون له جسد سمائي؟ وما هي غاية نزول جسد سمائي إلى الارض، هل لكي يجعل ذلك الجسد السمائي غير المنظور منظورا، والذي لا يمكن صلبه يجعله خاضعا لآلام الصلب والذي لا يمكن أن يتغير قابلا للتغير والموت؟ يا أيها الناس الذين بلا فهم، ما هي الفائدة الحقيقية لكل هذا!!!واذا نزل المسيح من السماء فكيف يفيد هذا آدم الأول؟ انه لن ينتفع بشيء، فاذا لم يأخذ المسيح” شبه جسد الخطية” لكي” يدين الخطية في الجسد “(رو8 : 3) لن نتجدد مطلقا. ولكنه أكمل تجديدنا الذي لا يمكن مقارنته بشيء ولا حتى بالطبيعة التي سقطت في آدم ([5])الأول من أجل ذلك عاش بجسد مثل جسدنا على الأرض، وأعلن أن جسده غير قابل للخطية ومع أن الجسد الذي أخذه آدم في حالة عدم الخطية في حالة خلقه الأول، وصار بالسقوط قابلا للخطية، فسقط في الفساد والموت. هذا الجسد أقامه إلى حالة وطبيعة عدم الخطية، لكي يعلن لنا أن الخالق ليس هو سبب الخطية ([6])، ويثبت الطبيعة الانسانية ويجعلها حسب النموذج الأصلي والأول ([7])الذي خلقت عليه. ولذلك تجسد وعاش في عدم الخطية. هراء اذن خيالات أولئك الذين ضلوا، وقالوا أن جسد ربنا نزل من السماء. بل بالحري أن ما سقط من الحالة السمائية إلى الحالة الأرضية، هذا بذاته رفعه المسيح من الأرض إلى السماء، وما أسقطه آدم في الفساد ودينونة الموت، رغم أنه أصلا بلا خطية وغير محكوم عليه بشيء، هذا أظهره المسيح بلا فساد، بل صار يخلص من الموت، وأعلن عن ذلك فأظهر سلطانه وهو على الأرض بأن يغفر الخطايا (مت9 : 6)، وأعلن عدم فساده بقيامته من القبر، وبافتقاده الجحيم الذي نزل إليه لكي يدوس الموت ويبيده، ويبشر الكل بالبشارة المفرحة بالقيامة، لأن الله” خلق الإنسان خالدا وخلقه على صورة أزليته، ولكن بوسطة حسد الشيطان، دخل الموت إلى العالم” (حكمة2 : 23،24). هذا الجسد الذي ملك عليه الموت للفساد، لم يحتقره، وانما قبله واتخذه لذاته دون أن يتغير لاهوته إلى الشكل والصورة الانسانية. أنه لم يحتقر الوجود الانساني ولم يهمله فأخذ خيالا انسانيا بدلا من الجسد الانساني، وانما هو بذاته الاله ولد كانسان، لكي يصبح الله والانسان واحدا، كاملا في كل شيء، فولد ميلادا حقيقيا وطبيعيا. وهذا هو السبب في القول أن الآب” أعطاه اسما فوق كل اسم” (في2 : 9)، لكي يملك على السموات، ولكي يكون له سلطان لكي يدين (يو5 : 27).

آدم الأول وآدم الثاني:

8-لقد صار الكلمة الذي صنع السموات والأرض” ابن الانسان” ليس بالتغير، وانما صار آدم الثاني، ولكي ندرك الحق الذي يحتويه هذا الاسم بالذات شرح الرسول أن آدم القديم أو الأول كان نفسانيا وبعد ذلك جاء آدم الثاني الروحاني (1كو15 : 46). وعندما اكد أن آدم الأول نفساني والثاني روحاني، لم يكن يقصد من ذلك وجود جسدين مختلفين، وانما جسد واحد للاثنين، ولكن الأول تحت سلطان وطبيعة الروح ولذلك دعى روحانيا، لأن كلمة الله هو روح(يو4 : 24). ويمكننا أن نفهم ذلك من تأمل ما قيل عنا نحن في هذه الكلمات” الانسان الروحاني يفحص كل شيء، أن الإنسان النفساني ([8])لا يأخذ شيئا من الروح” (1كو2 : 14).ورغم أن طبيعة جسد الإنسان النفساني والإنسان الروحاني هي طبيعة واحدة، الا أن الذي يشترك في الروح القدس يصبح الروحاني، أما الذي يكتفي بقوة النفس وحدها فيظل النفساني. ومادام التعليم الصحيح الحق عندنا، صار من اللازم أن نسأل لماذا لم يدع المسيح” انسانا” فقط، وهو اسم، يمكن للبعض أن يتخيل أنه شخص قادم الينا من السماء، وسكن بيننا، وانما دعى-وهذا حق-“ابن الانسان” لأنه صار ابن الإنسان بميلاده من العذراء، صار ابن آدم الأول، ولا يوجد غير آدم الأول عاش على الأرض، كما لا يوجد آدم آخر جاء من السماء. وكل من يولد من آدم هو ابن الإنسان ولم يحصل على جسد سمائي من السماء هذا ما تؤكده الآناجيل، لأن متى يسجل في سلسلة الأنساب أنه ابن ابراهيم وابن داود حسب الجسد، أما لوقا فهو حسبه في سلسة الأنساب كابن آدم وابن الله.

لنتمسك بتعليم الانجيل:

وما دمنا تلاميذ الانجيل فلا يجب أن نتكلم بما هو ضد الانجيل أو بالكذب ضد الله، وانما نحتفظ بما جاء في الأسفار الالهية ونتمسك بما فيها من حقائق. فلماذا تحاربونا نحن الذين لا نقبل أن نسمع شيئا أو نقول شيئا ضد ما جاء في الأسفار بل نتمسك بما قاله الرب” اذا ثبتم في كلمتي تصيرون حقا احرارا” (يو8 : 31،32)

الشرح السليم للتجسد:

9-كيف لنا أن نحسبكم مؤمنيين أو مسيحيين وأنتم لا تتمسكون بكلمات الأسفار ولا تؤمنون بما تعلنه من حقائق، بل تغامرون بالكلام عما هو فوق الادراك وتحددونه حسب أهوائكم. وان كان من السهل عليكم أن تحاربوا انسانا، فكيف يمكنكم أن تحاربوا الله” (أش7 : 13)، وإذا كان الذين لم يصدقوا الأنبياء قد أدينوا، فكم بالحري تكون دينونة الذين لا يصدقون الرب نفسه؟ كيف تتجاسرون على التفكير والنطق بأمور مختلفة وأفكار غريبة عن تلك التي أعلنها وسر بها الرب نفسه والتي بها أباد الخطية والموت؟ إذا اعترفنا به، اعترف هو بنا، وإذا انكرناه، فهو سينكرنا، إذا لم نكن أمناء فهو يبقى أمينا لن يقدر أن ينكر نفسه (2تي2 : 12-مع مت10 : 32) فما معنى تهوركم وتطرفكم الذي يجعلكم تقولوا ما ليس في الأسفار وتفكرون فيما هو ضد العقيدة؟ لماذا تحاولون أن تجعلوا الجسد من ذات جوهر اللاهوت؟ ألا تدركون ان هذا كفر مزدوج؟ فانكم بهذا تسقطون في هذا الاثم المزدوج وهو اما أن تنكروا التجسد أو تجدفوا على جوهر الله .وهكذا حسب كلماتكم التي تقولونها” نحن نعترف بأن الذي ولد من العذراء مريم هو مساوي الآب في الجوهر”. لكن هذه العبارة التي تعتبرونها دليلا على صحة الايمان والاحترام سوف نشرحها لكي يظهر لكم انكم لا تفهمون معناها، بل صار معناها حماقة بالنسبة لاستعمالكم. ان جميع المؤمنيين يعترفون بأن الله الكلمة الذي ولد وعاش بالجسد بيننا، قد ولد كانسان من العذراء القديسة مريم وأنه مساو للآب في الجوهر، وأنه تجسد وصار من نسل ابراهيم وبذلك صار ابنا لابراهيم. فالكلمة الذي من الله والذي هو مساو للآب في الجوهر،صار ابنا لابراهيم حسب الجسد. وهذا ما يعترف به الأنبياء والرسل والانجيليون فالمسيح حسب سلسلة الأنساب وحسب الجسد هو من نسل داود. فكيف لا تخجلون من الادعاء بأن الجسد الذي سجل في سلسلة الأنساب من نسل داود يصبح مساويا لجوهر الكلمة؟ ألستم كما ذكرت تستعملون هذه العبارة بلا مضمون بل وبحماقة أيضا، لأنكم لا تعتبرون أن الذي يتساوى جوهره مع جوهر آخر له ذات الطبيعة والصفات والكمال. وهذا ما يجعلنا نعترف بأن الابن مساو للآب في الجوهر، أي انه كامل مثل الآب في كل شيء([9])، وكذلك الروح القدس، لأن الثالوث له جوهر واحد، فكيف يمكنكم أن تنسبوا صفات وكمال اللاهوت إلى الجسد مدعين أنه مساو للكلمة في الجوهر وبذلك يضاف إلى كمال الكلمة، كمال آخر هو الناسوت، وحسب خيالكم لا يعود الله ثالوثا بل يصبح رابوعا، وهذا ايمان آخر غير الايمان الذي نبشر به. وهل بعد هذا يمكن أن يضاف شيء آخر إلى هذا الكفر؟

10-تقولون أن الجسد صار مساو في الجوهر للكلمة. أخبروني كيف حدث ذلك؟ تقولون “لقد صار الجسد الكلمة بل صار أيضا روحا” ولكن إذا كان الجسد ليس بالطبيعة لاهوتا ولا هو من جوهراللاهوت، فكيف يمكن أن يتحول إلى لاهوت؟ وإذا قلتم انه تحول فبأي وجه تختلفون عن الأريوسيين الذي قالوا نفس الكلام عن الكلمة، ثم ألا تقول الأسفار عكس ذلك، لأنها تقول” الكلمة صار جسدا” وليس” الجسد صار الكلمة”، وتقول الأسفار ذلك لأن” صار” تخص الجسد، وفعلا” صار” الجسد خاصا بالكلمة، وليس خاصا بانسان، فالله تأنس، ولذلك قيل انه” صار جسدا” حتى لا يخطيء أحد في فهم حقيقة التجسد، ويغفل اسم” الجسد”.فاذا كنتم غير مستعدين لقبول هذا الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والجسد الذي صار جسدا خاصا به وفيه حل، وإذا كنتم لا تقبلون الاعتراف الصريح بأن الله تأنس، فلم يعد امامكم الا أمرين: اما أنكم لا تؤمنون بما تسمعون وهو ما نسبح الله عليه كسر فائق الادراك، وأما أنكم لا تريدون عطية الدهر الآتي لأن ناسوت الله الكلمة هو الذي قيل عنه في كلمات الرسول” الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده” (في25 : 31)وهو يعني بذلك ابن الله الذي صار ابن الإنسان، وصار بذلك ديان الأحياء والأموات والملك والاله الحق.

أنتم تريدون حذف كلمة” جسد”، أو أي اشارة إلى كلمة” انسان”، وتمنعون استخدامها للمسيح. فكيف يمكن لكم أن تستمروا في قراءة الأسفار الالهية، خصوصا ما يكتبه متى”كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود، ابن ابراهيم” (مت1 : 11). وما كتبه يوحنا” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله” (يو1 : 1). فكيف تفهمون هذه الكلمات الواضحة” الكلمة” و” ابن داود”. هل هي كلمات منفصلة ليس لها علاقة بذات الشخص؟ لو أنكم تتعلمون من الأسفار الالهية لعرفتم أن الكلمة الله، صار ابن الإنسان، ولعرفتم أن المسيح واحد، وهو نفسه ([10])الله والإنسان .وهكذا البشارة قائمة على دعامتين،ألوهية الكلمة وتجسده، وهذا ما يشرح ويفسر لنا الآلام، وأيضا عدم تألم الكلمة .ونرى ذلك في كلام الرسول بولس” الانسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع” و “الكائن على الكل الها مباركا إلى الأبد”(1تي2 : 5،6-رو9 : 5)، وكتب إلى تيموثاوس يقول أيضا” أذكر يسوع المسيح الذي من نسل داود والذي قام من بين الأموات” ونفس الرسول يقول” ونبشر بموته إلى أن يجيء” (2تي2 : 8-1كو11 : 26).

11-ان تعبير” المساوي في الجوهر” هو تعبير قوي، ياليتكم لا تحاولون افساد قوته بحذف الاشارة إلى” الجسد” او” الانسان” وتمنعون استخدام هذه الكلمات الهامة في الكلام عن المسيح .فأنتم بذلك تقدمون على أمرين:اما أنكم تمنعون أن تبشرون بموته إلى أن يجيء، وبهذا تبطلون ما تبشر به الأسفار أو أنكم تبشرون بموت” المساوي” للآب والروح القدس في الجوهر دون أن تعترفوا بأن المسيح ” تألم في الجسد” (1بط4 : 1) وبهذا تجعلون اللاهوت هو الذي تألم. واذا تألم لاهوت الكلمة ([11])فقد تألم معه الآب والروح، بل لقد مات الآب والروح القدس أيضا. وهذا يجعلكم أكثر كفرا من جميع الهراطقة. أما عن الموت فقد كان موت جسد ذاك” المساوي في الجوهر” وليس موت اللاهوت، كما أن الآب والروح القدس لم يتجسدا حسب التعليم الفاسد الذي يتمسك به أتباع فالنتينوس، وانما التعليم الصحيح هو أن” الكلمة صار جسدا”.

المسيح اله انسان دون أن ينقسم إلى اثنين:

وأيضا عندما نعترف بأن المسيح هو اله وانسان، لا نقول هذا بقصد تقسيمه إلى اثنين حاشا لله، وانما العكس، نحن نؤكد بتمام ما تعلنه الأسفار، لأن آلامه وموته التي حدثت هي التي “نبشر بها إلى أن يجيء “. ونحن نعترف بأن موته وقيامته قد حدثا في جسد الكلمة، وفي نفس الوقت نؤمن بأن الكلمة نفسه غير متألم ولا متحول .وانما هو الذي تألم دون أن يتألم، لأنه غير المتغير وغير المتألم كإله، ولكن “تألم في الجسد”(1بط4 : 1)، وأراد أن يذوق الموت لأنه صار “وسيطا بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي قدم ذاته فدية عن كثيرين” (1تي2 : ). وأيضا لأنه صار وسيطا بين الله والإنسان “والآن الوسيط لا يكون وسيطا لواحد، ولكن الله واحد([12])“(غل3 : 20).

12-ومما سبق يظهر لنا خطأ كل الذين يقولون أن الابن الذي تألم هو آخر غير الابن الذي لم يتألم، الا انه لا يجد ابن آخر غير الابن الواحد وهو بذاته الكلمة الذي عبر الآلام والموت. فهو غير المتغير وغير المتجسد، الكلمة بذاته، قبل أن يولد في الجسد الانساني أراد أن يكمل كل الأشياء وأراد أن يكون له ذبيحة يقدمها (عب1-4). فالذي قيل أنه صار أعظم من الملائكة، ليس الكلمة خلق الملائكة، لئلا يظن أحد أنه عندما خلق الملائكة كان أقل من الملائكة، وانما الذي “صار”هو”صورة الجسد” التي أخذها الكلمة وجعلها صورته عندما ولد ميلادا طبيعيا من العذراء .هذه الصورة هي التي رفعها إلى مرتبة أعظم من مرتبة الميلاد البشري الآدمي الذي يخص آدم الأول، لأنه أتى بهذه الصورة إلى علاقة فائقة ووثيقة، حتى اننا بسبب ذلك قيل عنا نحن “مواطنون مع كل القديسين وأعضاء في بيت الله “(أف2 : 19).

معنى الكلمة صار جسدا:

بذلك صار الجسد هو جسد الاله، ليس كمساوي له في الجوهر، لأنه ليس أزليا مع الكلمة، وانما “صار “معه بالطبيعة جسده دون أن ينفصل عن اللاهوت بسبب قوة الاتحاد، وظل جسدا من نسل داود وابراهيم وآدم اللذين تناسلنا منهم جميعا ولو كان الجسد مساويا لجوهر الكلمة وأزليا معه لصار من المحتم عليكم أن تتقدموا خطوة أخرى على طريق ضلالكم وتتفق مع منطقكم وهي :أن تصبح كل الخلائق مساوية في الجوهر لله خالق كل الأشياء. وازاء هذا كيف يمكنكم أن تظلوا مسيحيين، إذا سقطتم هذه السقطة الشنيعة وربطتم بسلاسل هذا الضلال؟

أن المساوي في الجوهر له في الحقيقة ذات صفات الجوهر أي أنه غير متغير وغير قابل للموت، وهنا لا يجوز الكلام عن الاتحاد، مادام الناسوت مساويا في الجوهر لأقنوم الكلمة، بل لا يبقى مجال للاتحاد الأقنومي، حيث لا يصح الكلام عن اتحاد اثنين متساويين في الجوهر لأن اتحادهما هو في الواقع وحدة طيبعية .واذا وصلتم إلى هذه النتيجة فأنتم تقولون بوجود أقنومين في الابن([13]).وهكذا أخترعتم ماتخيلتم انه مقدس ونافع ولكنه قادكم إلى احتمالين:اما انكم ستضطرون إلى انكار الجسد المولود من العذراء والدة الاله، واما انكم ستجدفون على الله لأن وحدة جوهر الآب والابن والروح القدس تجعل أي كلام عن آلام الجسد المساوي للثالوث في الجوهر هو اعتراف بأن الثالوث تألم، وبذلك أضفتم رابعا إلى الثالوث فأي نقد يمكنكم أن توجهوه بعد ذلك إلى الهراطقة وما هو اللوم الذي يمكن أن توجهوه لنا نحن الذين نؤمن بالثالوث. هكذا رغم عنكم قادكم المنطق السقيم، وأصبحتم تؤمنون برابع مع الثالوث، عندما جعلتم الجسد مساويا للكلمة في الجوهر. وهكذا أيضا صار ايمانكم باطلا، لانكم صرتم تفكرون مثل الأريوسيين وسقطتم في ضلالهم ولم تفهموا معنى الكلمات “الكلمة صار جسدا “.والآن علينا أن نشرح ما هو معنى الكلمات “الكلمة صار جسدا “؟ انه لا يعني أن الكلمة ان لم يعد الكلمة، وانما يعني أن الكلمة هو دائما الكلمة حتى عندما أتخذ لذاته جسدا وفيه قبل الآلام والموت أي في الصورة البشرية، وبها ذهبت إلى ابعد الأماكن أي القبر والجحيم، وبذلك صار الكلمة الاله سببا لقيامة الأموت، وأعلن بذلك أن له لحما وعظاما ونفسا، باعلان جسده الذي لم ينفصل عنه والذي أخذه كما هو مكتوب “من نسل داود”.فاذا لم تؤمنوا بذلك فأي فرق بينكم وبين مرقيان؟ ألم يقل مرقيان بأن جسد الكلمة ظهر ونزل من السماء في شكل انساني، وانه لم يكن جسدا حقيقا؟ وماذا قال ماني؟ ألم يقل أن الجسد لم يكن جسدا بشريا بل له صورة الهية وان ملامحه كانت فقط انسانية ولكنه لم يكن جسدا بشريا بل غريبا عن الطبيعة الانسانية تماما؟ لقد أخترع هؤلاء كل هذه التصورات، لأنهم يعتقدون أن مصدر الخطية هو الجسد وليس الانحراف الذي أصاب الارادة لقد أحدر هؤلاء إلى هذا الكفر فهل أنحدرتم أنتم أيضا إلى هذا الدرج الأسفل.

13-ان التقوى الحقيقية تمنع من المغامرة والخوض في هذه الاختراعات، بل هي بذاتها تجعل كل تقي يعترف استقامة(أرثوذكسية)بأن الكلمة الكائن قبل كل الدهور، والمساوي للآب في الجوهر، جاء في الأيام الأخيرة وتجسد من والدة الاله العذراء مريم، لكي يجدد ما خلق وصور في آدم الأول، أي الطبيعة التي فينا، والتي جعلها له بالاتحاد. وهكذا الاله الكائن قبل كل الدهور ظهر كانسان ودعى المسيح. هذا وحده يجعلنا نحن “أعضاء المسيح”وكما هو مكتوب”نحن من لحمه ومن عظامه”(أف5 : 30). فما معنى الاختراعات والخيالات السابقة؟ هل أنتم تستعملون الحكمة الانسانية محاولين الوصول إلى صياغات لأمور تقع خارج مجال قدرات الفكر الانساني؟ ما معنى كلامكم”بدلا من الإنسان الداخلي الذي ينتمي الينا، وجد في المسيح عقل سمائي يا للفكر الدنس!!. وما أضعف هذه الكلمات الفارغة من المضمون والصادرة عن بشر لا يفهمون أساسات الايمان.

اسم “المسيح “يعني اللاهوت والناسوت معا:

فالحقيقة الأولى من هذه الأساسات هي أن نعرف أن نعبر عن المسيح بأكثر من أسلوب، اذ لا يجد أسلوب واحد فقط، بل أن اسم “المسيح”يعلن حقيقتين، اللاهوت والناسوت. وهكذا يدعى المسيح”انسانا”وهو ذاته يدعى الله، وأحيانا يسمى الاله المتأنس، ورغم كل هذه الكلمات المختلفة، هو المسيح الواحد. باطلة إذا هذه السفسطة التي تقودكم إلى شيء آخر غير المسيح. وحتى الذين دعوا”مسحاء”فان المعنى الكامل للاسم لا يخصهم وانما معناه الجزئي فقط، لأن هؤلاء لا يمكن أن نصفهم أو أن نعتقد أنهم مثل المسيح الحق، والمتهاورون فقط هم الذين يتجاسرون على أن يخضعوا المسيح للمنطق الانساني المحدود القائم على التحليل والدراسة. أن ما ذكرتموه وأخبرتمونا به لم يخبر به نبي ولا رسول ولا انجيلي من الانجيليين .هذه أمور يجب أن يخجل المرء من التفكير فيها، فهل صرتم تخجلون من التفكير فيها؟

لو كان المسيح آخر غير “العقل السمائي” الذي جاء وسكن فيه، و”العقل السمائي” كامل، فحسب كلامكم أنتم يصبح المسيح في اثنان كاملان، وبذلك تعتقدون بما تحاولون هدمه ([14]).اما العقل السمائي فان الأنبياء نالوه، لأنهم تكلموا عن أمور سمائية وأمور مستقبلة كـأنها حاضرة امامهم.ولماذا تفترضون أنتم أن “الانسان الداخلي” غير موجود في المسيح؟ وماذا تقولون عن النفس الانسانية”؟أليست النفس هي حياة الجسد مثل الدم بالنسبة للحم؟ فهل ستقولون بالعكس، بأن النفس والجسد هما ” الإنسان الخارجي “؟ وما دمنا نلمس اللحم والعظام، فهل سنلمس النفس أيضا مادامت قد صارت منظورة، وبالتالي يصبح من الممكن ذبحها وقتلها، مع أن ربنا قال :ان النفس لا يمكن

أن تقتل (مت10 : 28) فعليكم أن تعتقدوا بان النفس هي الإنسان الداخلي، حسبما نرى في الخلق الأول ومن تأمل الانحلال الذي حدث بعد السقوط. هذا نراه فقط ليس من تأمل موتنا نحن، وانما نراه أيضا في موت المسيح نفسه عندما وضع الجسد في القبر، وذهبت النفس إلى الجحيم. وما أعظم الفرق بين القبر والجحيم، فقد رقد الجسد المحسوس في القبر، أما هو فقد كان غير المحسوس في الجحيم.

عمل نفس المسيح الانسانية في الجحيم:

14-فكيف حسب الرب في عداد الموتى وهو في الجحيم؟ انه لم يذهب إلى الجحيم بجسده بل ذهب إلى الجحيم لكي يبشر النفوس التي كانت في سلاسل العبودية، وذهب وبشر بصورة انسانيته ()التي لم تخضع لسلطان الموت، بل غلبت الموت ودحرته، وهكذا كان حاضرا مع الموتى لكي يصور أساس القيامة ويحطم السلاسل التي كانت تربط النفوس الأسيرة في الجحيم. وهكذا أعلن أنه خالق الإنسان ومصوره، والذي حكم على الإنسان بالموت، جاء وبحضوره في الصورة الانسانية ([15])، وبارادته وحده حرر الإنسان من حكم الموت، لأن الموت لم يستطع ان يقوى على نفس المسيح الانسانية التي اتحدت باللوغوس، بل عجز الموت عن أن يستعبدها، ولا استطاع الفساد أن يذلها أو يأسرها .ومع أن الموت فصل النفس عن الجسد، الا أن الفساد لم يتجاسر على أن يقترب من أيهما لأن كل الذي حدث، انما كان تحت السيطرة الالهية وعنايتها .وأي فكر آخر ذلك هو ضلال.

ادراك الجسد والنفس من السقوط والعقوبة:

أما من يتأمل التعدي الأول والعقوبة التي نفذت وهي عقوبة مزدوجة سوف يدرك معنى ما نقول، فقد قيل للعنصر الأرضي “تراب أنت والى التراب تعود”(تك3 : 10). وبعد أن صدر حكم الرب بدأ الفساد يدرب في الجسد، أما عن النفس فقد قيل لها “موتا تموت “(تك2 : 8) وتم هذا بتقسيم الإنسان إلى قسمين، وحكم عليه بأن يعاني من مكانين، القبر والجحيم .وبعد أن أصدر القاضي حكمه، كان هو وحده القادر على أن يلغي حكمه بنفسه فظهر في صورة من يحكم عليه (آدم). دون أن تكون هذه الصورة تحت جكم الدينونة بل بلا خطية، وبذلك صالح الله والإنسان، الإنسان كله جسدا ونفسا، وتمت حرية الإنسان بواسطة انسان وبتجديد صورة ابنه يسوع المسيح ربنا.

المسيح أخذ انسانية كاملة بما فيها العقل الانساني:

فهل تفهمون أن العقوبة قسمت الإنسان إلى ثلاثة أجزاء وكان حكما بأن يذهب إلى ثلاثة أماكن؟ لقد أفتقد الرب القبر والجحيم فما هو المكان الثالث الذي ذهب اليه، وما هو العنصر الثالث الذي كان تحت عبودية الموت ([16]). فاذا لم يكن في امكانكم أن تخبروا عن مكان ثالث لأنه لا يوجد سوى القبر والجحيم وهما اللذان تحرر منهما الإنسان لأن المسيح نزل اليهما بصورة حقيقية تشبه صورتنا واكنها كاملة .فاذا تم هذا بواسطة المسيح فكيف يمكنكم أن تقولوا بعد ذلك أن الله لم يصالح الإنسان كله (جسدا ونفسا). وكيف تجسد المخلص وحل بيننا؟ هل أخذ جزء من الإنسان أي الجسد فقط؟ وهل هذا يعني انه كان عاجزا عن أن بخلص النفس أي يخلص الإنسان كله؟ هل اشمأز من العقل الانساني لأنه أخطأ أم انه كان يخاف أن يخطيء هو أيضا؟ وكيف يخاف وهو الاله الذي إذا تجسد وصار انسانا استمر في صلاحه وكماله. أن الذين يفكرون بهذا الأسلوب هم بلاشك مملؤون بالكفر.

الخطية لسيت جزءا من تكوين الطيبعة البشرية:

وكيف تفهمون الطيبعة الانسانية بشكل سليم وأنتم تعتقدون أن الخطية جزء من تركيبها وتكوينها، وإذا وصلتم إلى هذه النتيجة، أليس هذا هو ذات تجديف المانويين؟.

15-اذا تمسكتم بهذه الآراء، فأنتم بذلك تنسبون الخطية إلى خالق الطبيعة وكأن الله عندما خلق الإنسان الأول آدم قد خلقه بطبيعة خاطئة.

الإنسان لم يخلق بطبيعة خاطئة:

وإذا صح هذا فلماذا حكم على آدم عندما أخطأ؟ وكيف قيل انه لم يعرف الخير من الشر فبل سقوطه؟ ألم يخلق في البدء كصورة الله في عدم فساد وجعله الله على صورة أزليته (حكمة2 : 24) أي خلقه بطبيعة غير خاطئة وبارادة حرة ولكن بحسد ابليس دخل الموت إلى العالم بعد أن وجد الوسيلة التي أدت إلى المعصية، وهكذا بسبب عصيان وصية الله صار الإنسان مجالا بذر فيه العدو الزوان (مت13 : 25) وتسلطت الخطية بواسطة الاهواء على الإنسان ورغم كل هذا لم يكن الشيطان هو الذي خلق وكون طبيعة ساقطة في الإنسان حاشا لله أن نعتقد بذلك لأن الشيطان عاجز عن الخلق ([17])، وكفر المانويين الذي نرفضه هو الذي ينسب الخلق للشيطان ولكن التعليم الصحيح هو أن المعصية أدت إلى فساد الطبيعة الانسانية وبسبب ذلك “ملك الموت على كل البشر” (رو5 : 11و14) ولنفس السبب قيل “جاء ابن الله لكي يبيد أعمال الشيطان “(1يو3 : 8). وما هي أعمال الشيطان التي جاء ابن الله ليبيدها؟ انها غواية الشيطان لأن الله لم يخلق الإنسان خاطئا بل خلقه في عدم خطية ولكن غواية الشيطان جعلته يعصي وصية الله فأخطأ للموت، ولذلك أخذ كلمة الله هذه الطبيعة وجددها وجعلها في حالة لا تقبل الغواية ولا تخطيء، وهذا ما يجعل الرب يقول”رئيس هذا العالم آت وليس له فيه شيء”(يو14 : 30). أن رئيس العالم لم يجد شيئا يخصه في المسيح لان المسيح لم يتخل عن عمل يديه ولم يتركه لرئيس العالم، ولذلك السبب أيضا عجز رئيس العالم عن أن يجد فيه شيئا. وهكذا أظهر المسيح التجديد وأسس الكمال وحقق خلاص الإنسان كله، أي النفس العاقلة والجسد لكي تكمل أيضا القيامة.

المسيح لم يأخذ جسدا فقط بدون نفس عاقلة:

باطلة أيضا سفسطة الأريوسيين القائلة بأن المخلص أخذ جسدا فقط، وهم بذلك يكفرون لأن هذا معناه أنهم ينسبون الآلام إلى اللاهوت غير المتألم. وباطل أيضا رأيكم النابع من مصدر آخر غير الأسفار الالهية والذي يجعلكم تتفقون مع الأريوسيين لأن ادعائكم هو أن الابن استخدم الصورة الانسانية التي لبسها، أي انها كانت مجرد “أداة ” فقط، لأنه في مكان الانساني الداخلي الذي فينا، كان في المسيح “عقلا سمائيا”. فكيف تألم وحزن وصلى كما هو مكتوب”اضطراب بالروح” (يو14 : 21). هذه  افعال لا تمت لجسد بلا عقل، ولا تمت إلى اللاهوت غير المتألم، وانما إلى نفس عاقلة لها شعور وتتألم وتضطرب وتحزن وتحس بالآلام فكريا.

16-أما اذا قررتم الاستمرار في التفكير بهذا الشكل، صار من المحتم عليكم أن تختاروا بين ثلاثة اعتقادات باطلة وهي:انكار التجسد-التجديف على اللاهوت-انكار الخلاص، فأي من هذه الثلاثة تختارون؟ واذا افترضتم أن الآلام والموت كانت مجرد خيالات فهذا يعني أن ما قيل عن التجسد في الاسفار ليس حقيقيا. واذا افترضتم أن اللوغوس صار العقل الانساني للنفس الانسانية في الرب.

المسيح له عقل انساني:

فهذا يعني أن نفسه لم تكن نفسا بشرية ولم يكن لها ادراك بشري لأنها كانت تفكر بواسطة اللوغوس الذي صار عقلا لها. وهذا تجديف لأن من يتصور بأن عديم التغير قد تغير فصار يشعر بالآلام والحزن والثقل هو كافر. وإذا كانت الأناجيل تقول أن يسوع “اضطراب بالروح” فقد أعلن الرب نفسه بكلمات أخرى أنه يعني عقله الانساني بقوله”نفسي قد اضطربت” (يو12 : 27). وإذا كشف الرب بهذا عن عقله الانساني فقد أعلن بذلك أن فيه ذات العنصر الذي فينا وهذا ما جعله يترفق بنفوسنا، لأنه في الوقت الذي يتألم والآلام هي آلامه، فاننا نعترف بأنه غير متألم كإله. وكما فدانا بدم جسده، هكذا فدانا بفكره ونفسه فأعلن انتصار نفوسنا قائلا “أنا قد غلبت العالم”(يو16 : 33). وكما أن الدم عند المؤمنيين ليس دما بشريا وانما هو القوة القادرة على خلاصنا، هكذا نفسه وعقله وليسا بشريا ضعيفا ينتمي إلى الانسانية وانما يعلن طبيعة اللاهوت ([18]).

المسيح هو الاله الكامل والإنسان الكامل بلا انفصال:

وهكذا يدعى المسيح الاله الكامل والإنسان الكامل، ليس لأن الكمال الالهي قد تغير إلى كمال انساني فهذا كفر محض ولا يعني هذا أننا نعترف باثنين كاملين كل منهما منفصل عن الآخر، لأن هذا ضد الايمان القويم. كما أننا لا نقول بأنه تقدم ونما في الفضيلة والبر -حاشا لله-.

اللاهوت والناسوت صارا واحدا كاملا هو الاله المتأنس:

وانما بالاتحاد الكامل صار الاثنين (اللاهوت والناسوت) واحدا كاملا في كل شيء، هو نفسه الاله المتأنس. لذلك عينه قال الرب “الآن نفسي قد أضطربت” أي أنها كانت تتألم. و”الآن” تعني عندما أراد. وهذا يوضح حقيقة تجسده، لأنه لم يكن يتكلم عن أمر لا وجود له، كما لو كان يتكلم عن شيء خيالي، وانما كان يعني أنه تألم فعلا وما حدث له كان حقيقيا.

انسانية المسيح بلا خطية وهي الإنسان الجديد لنا:

17-وحيث أن الرب صار انسانا وأخذ طبيعة انسان ولم يكن هذا مجرد خيال، فلا معنى لاثارة موضوع الخطية كاعتراض على التجسد، لأن الذي تجسد هو خالق الجسد .أما عن الصراع الكامن في طبيعتنا فهو ما أخترعناه نحن من شرور نبتت من غواية الشيطان الذي علمنا كيف نعصي الله وزرع هذه الغواية في طبيعتنا .هذا الصراع لا يزال في داخلنا بسبب ضعفنا. أما الرب فقد تجسد دون أن يتخلى عن ألوهية، وهو ما يعني أنه لا يوجد فيه صراع داخلي صادر من الطبيعة القديمة أي انساننا القديم. هذا يجعلنا نتعلم منه كيف”نخلع الإنسان القديم، ونلبس الإنسان الجديد”(أف4 : 22و24). وهذا في حد ذاته سر عجيب فقد صار الرب انسانا ولكن “بلا خطية”، وصار بذلك الإنسان الجديد الكامل فكشف عما يقدر أن يفعله من أجلنا. وما يستطيع أن يفعله الرب بارادته، أعلنه في طبيعته، ودبر أن يأخذه عندما تجسد أي ميلاده من امرأة، والنمو في القامة حتى صارت حياته تحسب بالسنين، والجوع والعطش والنوم والألم والموت والقيامة. وهكذا حيث ساد جسد الإنسان، قدم يسوع جسده، وعندما ربطت النفس الانسانية بقوة الموت، قدم يسوع نفسه، فاستطاع الذي لا يمكن أن يربطه الموت أن يكون حاضرا كانسان وان يفك ربطات الموت كإله .وحيث زرع الفساد، ينمو عدم الفساد، وحيث ملك الموت على الصورة الانسانية أي النفس، يحضر عديم الموت والذي يعطي الخلود وبذلك يجعلنا شركاء في عدم فساده وعدم موته بالرجاء في القيامة من الموت، وهكذا تم الخلاص عندما “لبس الفساد عدم الفساد والمائت عدم الموت “، “وكما بانسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، هكذا بانسان واحد يسوع المسيح تملك النعمة بالبر للحياة الآبدية “(1كو15 : 53-رو : 12).

وبعد كل هذا ماذا تقصدون بقولكم “بدلا من الإنسان الداخلي الذي فينا، كان المسيح عقل سمائي“هل توافقون على تقسيم الإنسان الواحد إلى اثنين، واحد داخلي والثاني خارجي، ألم يفعل المسيح ذلك عندما رقد الجسد في القبر وذهبت النفس إلى الجحيم؟ هنا يجب أن نقرر أن شخصا آخرا إذا كان الآخر مختلفا عنه ([19]) في الجوهر، ولذلك أعطى جسده من أجل أجسادنا، ونفسه من أجل نفوسنا، وكان هذا الفداء كاملا للانسان كله، فهل سوف تهزأون مثل اليهود أعداء الحياة الذين سخروا من الصليب، فكانوا يمرون أمام صليبه يهزون روؤسهم سخرية (مت27 : 39). أن الجحيم لم يكن يستطيع أن يحتمل ظهور اللاهوت غير محجوب في النفس الانسانية، وهذه الحقيقة هي التي شهد بها الرسل والأنبياء.

التأمل في تدبير الصليب:

18-وبالاضافة إلى ما ذكرناه، فان الحقيقة سوف تظهر بوضوح أكثر إذا دققنا النظر في تدبير الصليب الذي أعلن عن حقيقة جسده عندما سال دمه وانسكب معه ماء فأعلن بذلك عن قداسة ناسوته ([20]) وأنه بلا عيب لأنه جسد الكلمة الله. وعندما صرخ بصوت عال “وأحنى رأسه ولفظ روحه ” (مت27 : 50-19 : 30)، أعلن بذلك عما في داخل جسده أي نفسه الانسانية التي قال في مناسبة أخرى “أنا أضعها عن خرافي “(يو10 : 15). ولا يمكن لمن يفهم تدبير الصليب بشكل سليم أن يفهم أنه عندما لفظ أنفاسه كان هذا بمثابة مفارقة اللاهوت له، وانما خروج نفسه ([21]) فقط. ولو كان الموت أي موت الجسد-كما يقولون هو مفارقة اللاهوت لجسده، لكان هذا موتا خاصا به فقط، وليس الموت الذي يخصنا نحن. وكيف يمكن للاهوت أن ينزل إلى الجحيم علانية بدون حجاب يستتر به؟ وفي هذه الحال علينا أن نسأل أين النفس الانسانية التي وعد الرب بان يضعها عن خرافه؟ ألم تكن هي نفسه التي سبق وأخبر الأنبياء عنها باعلانات نبوية؟ أما إذا كان موته هو خروج نفسه منه فاننا في هذه الحالة يمكن أن نقول أنه مات الموت الذي يخصنا نحن، أي انه قبل وأحتمل تقسيم الإنسان إلى نفس وجسد، كما سبق وأحتمل ميلادنا الجسداني.

          19-باطلة هي سفسطتكم، كيف يتم الموت إذا كان الكلمة لم يأخذ لنفسه “الانسان الخارجي والإنسان الداخلي “اي الجسد والنفس؟ وكيف دفع الفدية عن الكل (1تي2 : 6)؟ وكيف حل سلاسل الموت تماما؟ كيف استطاع المسيح ذلك، إذا لم يكن قد أخذ لنفسه، وبلا خطية ذات الذي أخطأ بالفكر أي النفس .فاذا لم يأخذ نفسا انسانية يظل الموت “يملك” على الإنسان الداخلي .وعلى أي شيء ملك الموت أليس إلى النفس التي أخطأت فكريا والتي قيل عنها “النفس التي تخطيء تموت” (خر18 : 4). من أجل ذلك أسلم المسيح نفسه عوضا عن كل نفس، وقدم نفسه فدية عن الكل.

الله لم يحكم صورته بل على ارادة الخليقة:

وما الذي الله عليه في البدء؟ هل على الخليقة التي صورها الخالق وصنعها أم على العمل الصادر من ارادة الخليقة؟ فاذا دان الله الخليقة فقد دان نفسه وأصبح في هذه الحالة مثل البشر. واذا كان كفراً في أن الله مثل البشر، فالله دان العمل الصادر من ارادة الخليقة التي كونها وصورها([22]). وفي هذه الحالة قد أدان العمل نفسه ونتائجه وجدد الخليقة التي صورها ويتم القول “لأننا نحن خليقته التي خلقها لأعمال صالحة “(أف2 : 10).

الذي من العذراء هو اله:

20-لكن يبقى اتهامكم لنا بأننا نقول”ان الذي ولد من العذراء مريم هو اله “. ونحن نسألكم لماذا تستخدمون ذات لغة مرقيان الذي أدعي بأن الله جاء وأفتقدنا نشكل غير محسوس فقط، لأن طبيعة الله لا تقبل الاتحاد بالجسد البشري؟ ولماذا تتكلمون عن الله مثل بولس الساموساطي؟ ألم يكن مثل هذا الأسلوب الغامض هو الأسلوب الذي حاول أن يستر به كفره وقال بأنه يعترف بأن المولود من مريم هو اله بمعنى خاص، أي انه أخذ بدايته من مريم، رغم أنه كائن قبل الدهور. وكان يعترف بأن في المسيح كلمة (لوغوس) وحكمة من السماء تحرك المسيح وتعمل بواسطته. كانت هذه هي نظرته الكفرية، وهل تختلف هذه اللغة عن اللغة والمعاني التي تستخدمونها في الكلام عن المسيح كمن حل فيه عقل سمائي. أما الحقيقة فهي أن الجسد الحي بلا نفس، ليس انسانا كاملا ولا من له عقل سمائي يمكن أن يكون الها.

الجسد غير النفس والنفس هي روح الانسان:

وعندما نقول الإنسان الحي فاننا نقصد بكل وضوح الإنسان الذي له نفس عاقلة. كما أن جسد الإنسان يدعى جسدا ولا يدعى نفسا، وأيضا نفس الإنسان تدعى نفسا ولا تدعى جسدا بالمرة. أما عن علاقة النفس بالجسد وبسبب اختلاف طبيعتها عن طيبعة الجسد فهي تدعى “الروح” ([23]). ولولا ذلك لما قيل “من يعرف فكر الرب”(1كو2 : 16). وفكر الرب أي عقله هو ارادة ومشورة الرب، وليس الرب نفسه. لماذا تغشون كلمة الرب (2كو2 : 17) باضافة كلماتكم اليها؟ أن الكنيسة لم تقبل ولا تسلمت ولا سلمت لنا هذه التصورات، وانما حسب ما هو مكتوب أن الله الكلمة الكائن قبل كل الدهور مع الآب (يو1 : 1) قد جاء في الأزمنة الأخيرة (عب9 : 26) وولد من العذراء القديسة مريم والروح القدس وانه ابن الإنسان الذي كتب عنه أنه البكر “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” (مت1 : 25). وأيضا “لكي يكون بكرا بين لأخوة كثيرين “(رو8 : 21). هو نفسه الاله الحق، تألم لأجلنا كانسان وفدانا من آلام الموت كإله.

البشرية عاجزة عن تجديد ذاتها بدون المسيح:

باطل تصوركم الذي يوحي بأنه في استطاعتكم أن تنالوا تجديد النفس التي تحرك الجسد وتفكر، بتصوركم أن التجديد يتم بمجرد التشبه ومحاكاة المسيح. هذا باطل لأن المحاكاة تعني أن نتشبه بمن هو مثلنا، ويجب في هذه الحالة أن يكون النموذج كائن فعلا وألا استحال تقليده. هنا وفي غياب النفس الانسانية، يصبح تجديد الجسد هو ما تم وتحقق فعلا، وهكذا تضلون وتجدفون لأن البشرية عاجزة عن أن تجدد ذاتها بدون المسيح، وتجديد النفس التي تقود الجسد لا يتم بدون المسيح، لأن المقود يتبع قائده. وما دمنا قد وصلنا إلى هذا الحد صار من حقنا أن نسألكم ما هي منفعة مجيء المسيح وتجسده([24]

أهمية مجيء المسيح وتجسده:

21-أما الذين يقولون كلاما لا أساس له بالمرة، مدعين بأن الله الكلمة جاء كما جاء من قبل للأنبياء نقول لهم أنه ولا واحد من هؤلاء عندما جاء إليه الكلمة قيل عنه أن الله تجسد .وعن هذا التصور الفاسد نسأل أيضا، لماذا لم يكن تكمل الناموس شيئا (عب9 : 19). ولماذا ملك الموت على الذين لم يخطئوا مثل آدم الأول (رو : 14). وأيضا لماذا قال الرب “اذا حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون احرارا “(يو8 : 36).أليس هذا اعلانا عن التجديد الذي تم به والكمال الذي نؤمن بأننا نلناه فيه ؟لأننا به تجددنا، وبه نتشبه وفيه نشترك في المسيح الجديد. أما أنتم فقد أخترعتم ما هو باطل وبذلك فقدتم الخلاص. هذا الباطل يدفعكم لعدم استخدام كلمة “نفس” ويصور لكم أن تستخدموا عبارات مثل هذه:”العقل المضطرب”، “انسان الخطية “، وأحيانا بكل جرأة “فاعل الاثم”، يمكن أن يحل محل كلمة واحدة وهي “النفس” وباطل أيضا قولكم عن الجسد “غير المخلوق” وأحيانا “السمائي”وأيضا “المساوي للكلمة في الجوهر “.ان هدفكم من كل هذا وبوضوح هو انكار التجسد. وكما عثر الأريوسيون وسقطوا في عدم فهم ميلاد الابن الفائق والأزلي من الآب، وخترعوا كلمات وعبارات لكي يتفادوا الاعتراف الصحيح مثل هذه الكلمات المضادة لميلاد الابن الأزلي “الميلاد يعني الشهوة “و”تقسيم جوهر الله “و”رخاوة الطيبعة الالهية”والهدف من هذه الكلمات غير المقدسة هي أن يسقطوا غير الثابتين في حفرة المعصية، لأن “فم العاصي هو حفرة أثم عميقة”(أم22 : 14). وهكذا حاول سابليوس نفس الشيء وأفترض أن الابن بلا جوهر وان الروح القدس غير كائن، وأتهم الذين قاموا بأنهم يقسمون جوهر الله إذا صرحوا بايمانهم بالاقانيم الثلاثة. وتوهم سابليوس بأن العلة الخالفة تظهر في أشكال متتابعة معينة، ولكن ذلك أدى إلى الايمان بعدة آلهة([25])بعد ذلك، فسقط سابليوس في كفر اليهودية وانكار أزلية الابن ([26]).وأيضا المانويون الذين لم يؤمنوا بتجسد الرب ولا بتأنسه وكفروا بقولهم بأن الإنسان خاضع لالهين واحد شرير وآخر خير. أما أنتم فأردتم أن تقاوموا الحق واخترعتم هذه الشعارات التي توجهونها ضدنا، لأنكم تتهموننا بأننا نقول بأننا نؤمن بابنين، وتدعونا “عابدين الانسان” وتثيرون موضوع علاقة الخطية بالعقل ليس لكي تصلوا إلى الخلاص والايمان الحق وانما تصلوا إلى التناقض التام مع أنفسكم خصوصا عندما تستخدمون كلمات صالحة بقصد نشر مبادئكم السيئة .ولكن هذا يؤدي إلى أن تبعدوا غير الثابتين عن الايمان بما تضيفونه من كلمات كفر. أما نحن فان اساسنا ثابت لأن الله قد ختمه (2تي2 : 19).

ياصديقي العزيز، لقد كتبت هذا حسب الحق أي حسب التسليم الانجيلي الذي هو كاف والذي لا يجب أن يكتب أحد غيره أو يضيف إليه شيئا آخر لقد كتبت لأنك سألتني عن الايمان الذي فينا وطلبت أن نرد على الذين يتكلمون حسبما يحلو لهم وعن اختراعاتهم، ومن يتكلم من نفسه يكذب (يو8 : 24)، لأن العقل البشري لا يستطيع أن يعبر عن جمال مجد تجسد المسيح، ولكن علينا أن نعترف بما تم ونعلنه حسبما جاء في الأسفار، وان نثبت على الدوام عابدين الله إلى الأبد، وأن نمجد محبته التي إذا أعترفنا بها ننال الخلاص في المسيح يسوع ربنا آمين.

 

الهوامش :


([1]) Anthro-Morphism هي بدعة وهرطقة تقول أن الله مثل الإنسان له جسم ويدان وقدمان ووجه الخ..(سقراط تاريخ الكنيسة 6 : 7-أثناسيوس. مقالة 1 : 61 ضد الأريوسيين -ثيؤدوريت تاريخ الكنيسة 4 : 10).

([2]) يؤكد القديس أثناسيوس وحدة الطبيعة الانسانية بسبب تناسل الكل من واحد وهو آدم وهو ما يجعل لنص(تك2 : 24)عدة معاني الكل من واحد في كتابات الآباء أهمها المعنى الذي ذكره أثناسيوس هنا. أما عن دوام بتولية العذراء فهو تسليم ثابت عند كل الآباء -راجع أثناسيوس مقالة 2 : 70ضد الأريوسيين.

([3])عدم بقاء الطبيعة الانسانية في حالة الاتحاد معناه -كما يرى أثناسيوس -هو زوال كل رجاء للانسانية. فالرجاء قائم على بقاء الناسوت، أما إذا زال الناسوت لم تعد الإنسان صلة بالله في المسيح.

([4] )احد هراطقة القرن الثالث لا نعرف عنه الا القليل جدا ويبدو انه جمع كافة انواع البدع في قصائد شعرية حسية.

([5]) يؤكد أثناسيوس أن الطبيعة الانسانية نالت في المسيح ما لم تأخذه في الخلق الأول.

([6]) هذا هو تعليم ماني ومدارس الغنوسية.

([7]) صورة الله (تك1 : 26).

([8]) وتترجم أحيانا “الطبيعي” والكلمة اليونانية YucicoV أصلها من Yuch أي نفس وتعني الحياة الطيبعية العادية.

([9]) كلمة Homoousion  يمكن ترجمتها إلى “من ذات الجوهر “او “مساو في الجوهر” والمساواة في الجوهر تعني أن الابن له ذات صفات الآب، وهكذا شرحها أثناسيوس نفسه في المقالة المشهورة عن المجامع De Synod:45

([10]) من التعبيرات الدقيقة الهامة التي تؤكد الاتحاد الكامل بين الكلمة والجسد تعبير “هو نفسه أو هو بذاته “، ويعود هذا التعبير إلى اثناسيوس نفسه (الى الانطاكيين: 7-مقالة 4 : 36ضد الأريوسيين ). وقد أستخدم القديس كيرلس الاسكندري هذا التعبير الدقيق بوفرة. وهكذا إذا قلنا أن المسيح اله وانسان أن نؤكد-ان شئنا الدقة -الاتحاد بقولنا هو نفسه.

([11]) بسبب وحدة الجوهر للثالوث فأي أمر ينسب لأي أقنوم معناه اشتراك الأقنومين الآخرين.

([12]) يقوم الوسيط عادة بالوساطة بين طرفين، ولكن لأن الذي قام بالوساطة هو الله الذي في نفس الوقت انسانا أيضا، وبسبب وحدة الثالوثن لا يمكن أن نعتبر أن الابن الاله الذي من ذات جوهر الآب هو وسيط لدى طرف ثان هو الله.

([13]) هنا يصل أثناسيوس إلى أحد أعماق التعليم الاسكندري الذي يؤكد أن الأشياء والأشخاص التي لها طيبعة واحدة تجعل تعدد الاقانيم هو اشتراك في هذه الطيبعة. واذا كان جسد المسيح مساويا في الجوهر لأقنوم الكلمة أصبح الكلام عن الاتحاد باطلا، كما يبطل الكلام عن الجسد، ويصبح في الابن أقنومان لهما ذات الصفات أحدهما من الآب والآخر من العذراء.

([14]) انكار وجود عقل انساني، معناه عدم كمال الانسانية وانكار العقل الانساني مصدره الأساسي الخوف من الخطية باعتبار أن العقل هو الذي يحرك الجسد، ولذلك أفترض الهراطقة أن المسيح حل أو سكن فيه عقل سمائي حتى لا يفكر مثلنا كبشر. وهنا يعتمد أثناسيوس على منهج الآباء وهو أبراز تناقض الهراطقة مع أنفسهم فهم لا يريدون الاعتراف بوجود كاملين معا في اتحاد كامل لان الاتحاد بين أثنين كاملين غير منطقي وبالتالي عندما يفترض هؤلاء أن المسيح حل فيه عقل سمائي غير عقله الالهي فهذا يعني أن له عقلين كاملين وهو ما حاول الهراطقة انكاره.

([15]) صورة أو Morfh تعني الصفات والمميزات والخصائص التي تكون الكائن ولذلك قيل أن المسيح كان في صورة الله أي له ذات صفات وخصائص الله، ولكنه أخذ صورة العبد أي أخذ الحياة الانسانية الكاملة (في2 : 5-6). وبالاتحاد بين اللاهوت والناسوت صارت الصورة الانسانية في المسيح غير قابلة للموت وهو ما يجعل بشارة المسيح في الجحيم أساسية لكي ينزل إلى مجال الموت بنفسه الانسانية وهناك يصور أو يخلق القيامة ويطاق سراح الأسى من البشر.

([16]) واضح أن النفس هي الروح، ولذلك عندما مات الإنسان ذهبت النفس أي الروح إلى الجحيم وأستقر الجسد في القبر. ومن هنا يؤكد أثناسيوس أن المسيح حقق الخلاص بافتقاده القبر والجحيم.وهذا يؤكد بشكل حاسم أن أثناسيوس وكيرلس الاسكندري لم يقعا تحت تأثير الثلاثية اليونانية التي شاعت في كتب الفلسفة وهي النفس-الجسد-الروح أو ما يعرف باسم Trichotomy  وانما حتى الثنائية Dichotomy فهي بسبب السقوط وعقوبة الموت.

([17])الفرق الجوهري بين المسيحية والمانوية، هو الاعتقاد بأن الطبيعة نفسها شريرة لانها من صنع اله شرير، فالمسيحية ترى بأن الشر هو من سوء استخدام حرية الارادة في الإنسان أي أن مصدره الإنسان، بالتالي تحتاج الارادة إلى تجديد وتحتاج الطبيعة الانسانية إلى تقديس.

([18]) بسبب الاتحاد الكامل صار للدم والنفس الانسانية وللعقل الانساني قوة الألوهية .ويشرح القديس كيرلس هذا في رسالته الى أكاديوس”ان ما يساعدنا على فهم أكمل للمسيح الاله الحق هو أن نفكر فيه على الدوام على أنه الاله الحق الذي صار دمه فعالا وقادرا على خلاصنا من خلال ألوهيته”.

([19]) تعتبر هذه العبارة من أقوى عبارات القديس أثناسيوس عن الفداء، لأنه يؤكد فيها بشكل قاطع أن الفداء مستحيل بدون اشتراك الابن في طبيعتنا الانسانية، كما أنه مستحيل أيضا بدون اشتراكنا نحن في طبيعة الابن المتجسد (راجع المقدمة).

([20]) هذا واحد من ضمن التفاسير الرمزية لخروج الماء والدم من جنب المخلص.

([21]) واصح هنا أن القديس أثناسيوس يستخدم كلمة “نفس “حسب معناها العبراني القديم أي الحياة والتنفس كتعبير عن الحياة .

([22]) الفرق بين أدانة الخليقة وأدانة العمل النابع من الخليقة هو فرق جوهري لأن الحكم على الخليفة يعني رفض الله التام بأن يتدخل لعلاج الفساد الذي دب في الخليقة وهذا يعني في النهاية استحالة الخلاص. بهذا يميز أثناسيوس بين الطبيعة كما خلقها الله وهي موضوع محبة الله، والطيبعة كما افسدها الإنسان وهي المحتاجة إلى التجديد ، وعلى هذا الاساس يجب أن نعيد النظر في فهم هذه النقطة الهامة عند دراستنا لعقيدة الفداء .وكما هو ظاهر من كلام أثناسيوس ظل الله يحب الخليقة لأن السقوط ليس من جوهر الخليقة وانما هو اختراع نابع من سوء استخدام الحرية ، وبالتالي عندما جاء وتجسد كان يعبر عن محبته وصلاحه واهتمامه بما قد خلقه (راجع المقدمة ).

([23]) يؤكد أثناسيوس ما سبق وأشار إليه من أن الإنسان مكون من جسد ونفس فقط. راجع فقرة14 من هذا الكتاب.

([24]) تظهر هنا نقطتان أساسيتان: أولا:ان الهرطقات مدارس أخلاقية فقط بلا أساس لاهوتي لأن التجديد الذي يتم بالتشبه والتقليد هو تجديد بلا نعمة.

ثانيا: أن الاقلال من ألوهية المسيح مثل الاقلال من انسانيته يؤدي في النهاية إلى ضياع الخلاص أو غموضه. وفي مصر أكدنا عبر التاريخ ألوهية الرب دون أن نؤكد بنفس القوة انسانيته أيضا.

([25]) قاوم سابليوس الايمان بالثالوث وأدعى بأن الآب والابن والروح القدس هم مجرد ظهورات لاله واحد وبالتالي أعتبر أن العلة الخالقة واحدة ولكن لها أشكال مختلفة متتابعة وقد أدى هذا في مرحلة لاحقة إلى الايمان بتعدد الالهة.

([26]) كفر اليهودية هو تعبير شائع عند الآباء وأحيانا يكتب “تجديف اليهودية ” لأن أنكار أزلية الابن هو بمثابة البقاء في اطار العهد القديم.فقط.