المقال 68 عن الصوم الأربعيني المقدس

موعظة عن

الصوم الأربعيني المقدس

 

أ ألقى القديس ساويرس(512-538) هذا الخطاب أول الصوم الأربعين المقدس باللغة اليونانية وترجمها إلى السريانية في القرن السادس يعقوب الرهاوي ونشره وترجمه إلى الفرنسية موريس بريير سنة1941 Brière Maurice ولم تترجم هذه النفائس إلى العربية، فترجمنا هذا المقال عن الفرنسية من الكتاب الثامن من المجموعة :

Patrologia Orientales R. Graffin – F. Nau Les Homélies Cathédrales de Sévère d’Antioche

وقد تكلم وكتب كثيرون من القدامى والمتأخرين عن الصوم، لكن لم يأت أحد بمثل هذه الروائع الروحية والنغمات الطيبة تفيض من فم ذلك الأب كالماء الزلال يرتشفه العطشى فيرتوون              من أقصر الطرق وأفضلها، فيشعرون بالأنتعاش بعد الجذب. وكلمته قادرة أن تحمي العطاش وتوردهم موارد الخلاص لأن فيها قوة الروح وجمال النعمة فضلاً عن بلاغة الأسلوب براعة العرض التي أشتهر بها القديس ساويرس. ولا تزال مسحة هذا الجمال الأدبي ودقة هذه المعاني بارزة في النص العربي بالرغم من أنه لم يترجم عن النص اليوناني مباشرة بل إنتقل من اليونانية إلى السريانية إلى الفرنسية ومنها إلى العربية وان الألفاظ حاملة للمعاني محلقة  بها من إجراء بعيدة مختلفة.

وقد مهد للصوم يذكر حالة الإنسان الأول وسقوطه وأقامته بطريقة واضحة تبين الحكمة في الصوم وما فرضه الله إلا ليقبل الإنسان من عثرته فينهض وقد طرد من روحه الخوف والحزن على حد قوله وأصبح جذلا فرحاً. ثم يبين فضائل الصوم وفاعليته في حياة الرسل والقديسين، مع أنباء شيقة عن القديسين تجلو حقيقة الصوم.

 

مليكه حبيب يوسف                                                       يوسف حبيب

 

 

السمو بالنفس لاستقبال الصوم

كيف يستطيع أحد أن يتكلم عن الصوم كما يليق، ان لم يمارسه؟ وكيف نعدكم أن الصوم وليمة روحانية، إن لم تقم أمامكم مائدة غير مادية؟ وبالأحرى كيف لا تحسب أننا نختبر المرارة بالصوم خير من أولئك المهتمين ببطونهم، إذا كنا لا نظهر فرحنا في أقوال فيما نغذيكم به وتغذى أنفسنا حسب تعبير ربنا الذي قال في الأناجيل: “طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني واتمم عمله” (يو 4: 34). كان يقول هذا، بعد حديث طويل مع المرأة السامرية، حينما كان التلاميذ يلحون لكي يأكل خبزاَ.

إن الكلمة في الواقع هي طعام الروح الحقيقي؛ لذلك باقتباس كلمة صاحب المزامير “تَبْتَهِجُ شَفَتَايَ إِذْ أُرَنِّمُ لَكَ وَنَفْسِي الَّتِي فَدَيْتَهَا “(مز71: 23)، بل تبتهج شفتاي، إذ أصوم إكراماً لك لأنه ينتج عن صومنا، إننا نرتل بحكمة. كما أن الصوم نفسه يطهر فم الحكيم ويطهر آذان السامعين، ويملي على النفوس تقدير الأشياء السمائية ورفض كل ما هو جسدي وأرضي. ومع ذلك، يوحد أناس جسديون في فهمهم حتى أنهم يدعون “جسداً”. Il sont la chair même

يتركون غنى قلبهم ينساب كما يقول الكتاب المقدس:

“فأنه من فضيلة القلب يتكلم الفم” (مت12: 34). “اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ.(لو6: 45). أنهم يقولون في شراهتهم وجهلهم:”ماذا ينتفع الله بصومي؟. إذ لم أكن موجوداً، أوجدني فلماذا خلق لي أطعمة من كل نوع. إذ كان الصوم لزماً على؟ هل يسرؤ الخالق فأهلكه بالصوم والجوع وأرغمه على كسر الرباطات التي تربطه بالروح؟

أما أنا فيذهلني أن أسمع أولئك الذي يتكلمون بهذا الأسلوب وأنني بعيد عن عن موافقة هؤلاء المخادعين التعساء الجديرين بالسخرية. انني اسمو بنفسي ؟؟؟؟؟؟؟الصوم كملك آت من السماء وأحييه بكل احترام واكرام. اني أرتفع بنفسي إلى الذكريات القديمة وأتعلم منها، بقدر الامكان، ما هو سبب خلقني وكيف كانت روح الإنسان في كرامته الأولى.

لكنه يجب أن نبدأ من قبل ذلك قليلاً.

الله كلي الوجود:

Dieu, bienheureux et seul puissant pour parler comme Paul, qui apparait dans le Père, le Fils et le Saint Esprit, dans trois personnes distinctes et cependant dans une seule et même essence, qui seul sans Commencement, éternel, sujet à aucun besoin, en tant qu’il est parfait en tout par nature, dans une effusion suprême et remarquable de sa bonté, quant cela lui a semblé bon, a créé le monde supérieur et spirituel, je veux dire les anges et les esprits administrateurs et immatériels.

 

(إن الله الواحد القدير العزيز، كقول بولس الرسول “المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب ” (1تي 6: 15).أي الآب والابن، والروح القدس، ثلاثة أقانيم متميزة لكنهم جوهر واحد، ليس له بداية ، أزلي، لا يخضع لشيء، إذ هو كامل في كل شيء بطبعه، مظهراً جوده بطريقة فائقة تسمو فوق الكل، حينما سر بذلك، خلق العالم العلوي والروحاني، أعني الملائكة ورؤساء الملائكة الروحانيين غير المادييـن، أراد أن يشركها في السعادة وفي النعيم الفائق العظمة الذي ينبع نه بوفرة بسبب سخائه للذين يملكون فيض النعمة حتى يمتلئوا بالنور الباهر الذي ينبثق منه كما من ينبوع فيمجدونه بغير انقطاع دون أن يشبعروا مطلقاً بتسابيح سمائية وترانيم البهجة كما يقول النبي في المزامير:” هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا. نَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِحَمْدٍ وَبِتَرْنِيمَاتٍ نَهْتِفُ لَهُ” (مز95: 1-2). لأنه بالحقيقة عيد ووليمة دائمة أن نسبح الله بدون توقف.

أراد أيضاً، كما كتب الرسول بولس الرسول، “لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ” (اف3: 10)، أن يظهر على التوالي إلى تنوع حكمته السرمدية وأن يمنح السرور بصفة خاصة للقوات السماوية ويبين لهم أنه يستطيع ان يخلق، ليس فقط الطبائع الروحانية غيرالمادية التي تحسب بذلك كأنها قريبة منه، بل أيضاً بل أيضاً تلك التي تكون غريبة تماماً عنه، بعيدة عنه ومحرومة من قربه وليس لها أطلاقاً أي شبه أو شركة معه، فاخرج من العدم هذا العالم المادي المنظور. أعطي السماء نجومها المختلفة، زين الأرض بالأشياء الجميلة التي نراها على سطحها، أكل كل ما هو موجود بداخلها، ألجم البحر… جمع المياه في مجمع واحد كما هو مكتوب: “وقال الله لتجتمع المياه تحت الأرض غلى مكان واحد ” (تك 1: 9)، أحاط بالبحر ونظمها بحيث يمكن للمياه أن تنزل عليها تتدفق حولها: ” لأنه على البحار أسسها وعلى الأنهار ثبتها”(مز24: 2). رتب العناصر، الأرض والنار والماء والهواء، وأمرها بحكمة حتى يمكنها أن تختلط ببعضها ببعض وهكذا وضع جمالاً مزيداً بإنسجام كل هذه الأشياء وأختلاطها بعضها ببعض دون أي فوضى، ويمكن القول بأنه أراد أن يظهر مجداً خاصاً من كل خلقه (على حدة) ومجداًعاماً من أجتماعها كلها معاً. ومع ذلك فهو كامل ولا يحتاج لأن يمجده أحد، لكنه هكذا يميز أولئك الذين يمتدحون العلم الوفير والتأمل ويعظمونه تعالى.

Mais et tire de là l’avantage de grandir chez ceux qui louent l’abondance de la Science et de la Comtemplation.

  لقد شهد بالفعل أن خلق السماء والأرض وباقي العالم الذي يقع تحت الحواس المنظورة، كان سبباً في الملائكة زدوا التمجيد والتسبيح الختصين بالله. وقد تبين الكل ؟؟؟؟؟؟؟، حينما قال أيوب: “عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعاً وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟” (أيوب38: 7).

ولما كانت هذه الآفاق بعيدة جداً ومنفصلة، أعنى العالم الروحاني والعالم المنظور، ولا يوجد بينهما اختلاط أو شراكة، فقد خلق الإنسان بشكل بفعل عجيب ووضعه بين الأثنين. شكل اولاً جسداً من الطين، كما يقول هو نفسه أيضاً لأيوب في هذه العبارات: “تتحول كطين الخاتم وتقف كأنها يابسة” (أيوب38: 14). ثم وضع في هذا الجسد نفساً عاقلة روحانية غير مادية. أنت الذي بعد أن أخذت طيناً شملت من التراب كائناً حياً، ووهبته النطق ثم وضعته على الأرض.

هكذا يذكر الإنسان حقاً بالعالم المنظور بجسده وبالعالم غير المادي الغير منظور بروحه؛ وبرؤيته ذاك (العالم المنظور) بعين الروح، يكتشف حكمة الخالق الظاهرة في كل منهما، ويشعر بالفرح والتهليل، عند تفكيره في أنه يسكن على الأرض مثل ملاك آخر، فيكون في نفس الوقت منظوراً وغير منظور، ويظهر في ذاته أكثر من الملائكة بالعقل الذي لا يمكن ؟؟؟؟؟؟ الذي لله الحكيم وحده.

هو ذاته في الواقع روح وجسد وهو منظور؛ وليس منقاداً في عقله على الأطلاق بسبب الأتحاد بالجسد، وأنه أيضاً ليس منحنياً أو مائلاً إلى أسفل من جراء حركات الروح العاقلة: لأن له جسداً ضعيفاً ؟؟؟؟؟؟؟، متجهاً إلى فوق، يتبع لأرادة المستقلة للروح كأنها سلطان يستعد منها التوجيه.

لذلك في الواقع نتج عن اتحاد العنصرين كائن واحدن وما كان ذلك ليتسلط من هو أدنى، بل الأعلى.