المقال 80 في الذكرى السنوية الرابعة لتنصيبه

المقال 80

عن اليوم الذي اقيم فيه على رأس المدينة، بسلامة من الله اخذ وضع الايدي. القى هذا المقال في صالة القديس الشهيد رومانوس في بدء السنة الرابعة. وهو اول مقال في هذه السنة.

اني اعتبر هذا اليوم جليلا جدا عندي، هذا اليوم الذي فيه وضعت في الرئاسة، الذي في مسحني الروح القدس انا الصغير بمسحة الرئاسة، هذا اليوم الذي فيه سلمتني الكنيسة وعهد بها كعروس مقدسة، بعد ان قادني الى الخدر الروحي إذ يتمم خطبتها فيكون احداهما من هذا النوع خاليا من الشوائب تدعمه ارثدوكسية الايمان وطهارة السلوك، وان تجتمع الكنيسة هو اول ما طالق عليها اسم ( المسيحيين) مقل رداء ملكي فاخر.

( فحدث انهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلما جميعا غفيرا. ودعا التلاميذ مسيحيين في انطاكية اولا) (اع11: 26). وقد ارتفعت هذه العروس تماما معه ومع الاقارب، حتى ان شهود هذا الاتحاد يقولون: حقا انه من جانب الرب اتفقت هذه الزوجة مع هذا الزوج، ورفضت اولئك الذين انشقوا، واظهرت انهم كانوا يقيمون على النفاق حتى ان الذين يحيون بالروح القدس مثل يوحنا المعمدان ينفون ويصرخون وهم يخدمون الرب: (لا يحل ان تكون لك) (مت14: 4)، وهذا بالحقيقة لانهم يعتبروننا وينظرون الينا وهم مملوئون غيرة للرب القادر على كلشيء.

لان من انشق وكان المفروض عليه ان يكون مع الكنيسة، فإنه في الحقيقة ليس معها، ولو تجاسر وجلس بالجسد على العرش البطريركي.

فلذلك في الماضي كان القرن المملوء بزيت الاسرار يمسح به رؤساء الكهنة والملوك بطريقة رمزية، لكي نتعلم ان هذه المسحة لا تأتي من اسفل ولا من هبة بشرية للذين يستحقونها ولكنها نازلة من فوق من عند ابي الانوار ومن راس كل رئاسة وكل سلطان وكل مقدرة، كما يقول الكتاب: ( كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند ابي الانوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران) (يع1: 17).

(وانتم مملوئون فيه الذي هو رأس كل رئاسة وسلطان) (كو2: 10).

(فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل ايضا) (اف1: 21)

لانه من الظاهر تماما ان القرن مرتفع يعلوا الرأس وهو وضعه في اعلى مكان، كما ان الله الذي يعطى المسحة هو فوق كل عرش وكل سلطان وهو اعلى من كل اولئك المرتفعين وفوق كل شيء. (فانه فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الارض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا ام سيادات ام رئاسات ام سلاطين الكل به وله قد خلق) (كو1: 16). لذلك فأن الذين سمحوا بمسحة البطريركية، قد اغتنوا بالروح القدس من جراء هذه المسحة كما يليق بالرؤساء وتقووا وتثبتوا به، وهم رأس كل الرؤساء. (رد لي بهجة خلاصك وبروح منتدبة اعضدني) (مز51: 13). فيجب ان يكونوا قرن خلاص للجيش المنتظم في المعركة من اجل جهاد الرب وللجنود الروحانيين الذين يجاهدون امام الشعب، ويقولون للذي مسحهم، (الرب صخرتي وحصني ومنقذي، إلهي صخرتي به احتمي ترسي وقرن خلاصي ولجأي (مز18: 2).

( بك ننطح مضايقينا، باسمك ندوس القائمين علينا (مز44: 5).

لذلك قال موسى وهو يبارك الشيخ يوسف والاسباط الذي خلفهم بالميلاد: (بكر ثوره زينة له وقرناه قرنا رئم بهما ينطح الشعوب معا الى اقاصي الارض هما ربوات أفرايم والوف منسى) (تث33: 17).

وهذا قيل عن يوسف بطريقة تاريخية ورمزية، وهذا سبق ان قيل عنه بطريقة نبوية وتحقق بخصوص المسيح الذي كان يوسف رمزا له. فقد باعه إخوته كما باع يهوذا المسيح، وقد القى في الجب وصعد منه ثانية، كما وضع المسيح في القبر وقام من الاموات، وقد نزعوا عنه رداءه المتعدد الالوان، كما نزعوا عن مخلصنا القميص الذي كان ( بغير خياطة منسوجا كله من فوق) (يو19: 23). وقد وضع في السجن واخرج منه رئيس السقاة خادم فرعون الذي كان محبوسا، ولك على مصر، ورجع الى ارض الميعاد ونزل مرة اخرى الى مصر، كما ظهر ربنا في مناطق الجحيم، ( وكسر مصاريع نحاس وقطع عوارض حديد) (مز107: 15)، (انا اسير قدامك والهضاب امهد. اكسر مصارعي النحاس ومغاليق الحديد اقصف) ( اش45: 9)، وعاد بالجسد الى السماء وهو الذي يملأ الكون بطريقة غير جسدية بلا حدود، ولم يتركنا ايضا، بل قال لتلاميذه: ( لا اترككم يتامى اني آتي اليكم) (يو14: 18)، وها نا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر) (مت28: 20).

وان يسوع قد اكمل في ذاته للبركة التي اعطاها موسى العظيم ليوسف. دفعة واحدة وبنفس الطريقة، بواسطة وصايا الاناجيل وتعاليم الرسل، وقد قلب بقرون حادة لعبادة الاصنام التي كانت متأصلة في الامم الى اقاصي الارض ونزعها واقتلعها.

واطلق موسى بالضبط قرون وحيد القرن على البطاركة الذين مسحهم الله فكانت تتوفر فيهم انواع كثيرة من الفضائل بما اكتسبوا من اعمال النشاط والتزموا به من حياة النسك، فيكرسون انفسهم للعمل، ويحتفظون حتى النهاية بقرون الفضائل كاملة غير منقسمة، مثل قرون وحيد القرن القوي الذي لا يقهر. في سلوكهم لا ينقسمون الى اثنتين ولا يحاولون ان يخدموا الله والمال.

(لا يقدر احد ان يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد ويحتقر الاخر لا تقدرون ان تخدموا الله والمال) (مت6: 24).

(لا يقدر خادم ان يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يلازم الواحد ويحتقر الاخر لا تقدرون ان تخدموا الله والمال) (لو16: 13).

لا يقسمون الايمان ايضا بتعاليم فاحشة مشجوبة كما قسم اريوس الكافر الالوهية الوحيدة للاقانيم الثلاثة الاب والابن والروح القدس الى جواهر غريبة ومختلفة، لا يقطعون بسكين نسطور اليهودي التجسد الذي لا ينطق به غير المنقسم الذي لله الكلمة، القائل بازدواج الطبيعتين بعد الاتحاد، لا يظهرون خلاصنا كاذبا مثل انتيخوس الكافر، ولا ينزعونه بأسنان شريرة  من مخلصنا وطبيعتنا بإعطائه جسدا غريبا، او نوعا من شبه الجسد، وليس الجسد الحقيقي من نفس الجوهر مثلنا لكنه منزه عن كل خطية، لا يستبعدون العقل عن مجيئ المسيح في الجسد كما فعل أبوليناريوس الظالم عديم الفهم. لا يتركوننا بدون شفاء في هذا الجزء الذي به خلقنا الله على صورته، مثل المنسكبين الذين تجاوزوا كل حدود التجديف وكل استهزاء.

فكل هؤلاء قد تجاسروا فقسموا الايمان البسيط الوحيد الشكل الذي لا ينقسم، لانهم منقسمون في عقولهم بأفكار شريرة. امكن الذي مسحته النعمة من فوق، الذي حفظ هذا الايمان في طهارته الذي يتسلح بكلمة الحق كما بقرن وحيد القرن، يطرد اعداءه المهاجمين في المعارك، ويرتل مع داود النبي المرنم الالهي قائلا: (اما انا فاخبر الى الدهر ارنم لاله يعقوب. وكل قرون الاشرار اعضب قرون الصديق تنتصب) (مز75: 9-10).

انه يعترف ويؤمن بإله واحد لله الاب خالق ورب الكون، وبالكلمة الوحيد المولود من الاب قبل كل دهور حسب الجوهر، الذي في الايام الاخيرة بدون استحالة بموجب الاتحاد الأقنومي بفعل الروح القدس والعذراء والدة الاله تجسد آخذا جسدا من ذات الجوهر مثلما له نفس عاقلة، الذي هو واحد بعد التجسد، هو اله وانسان، وانه في ذلك من ذات الجوهر مثل الله الاب، ومن ذات الجوهر مثلنا، إذ يكون واحدا من اثنين بعد الاتحاد، دون ان يكون منقسما الى اثنين. يؤمن بالروح القدس الذي هو من ذات جوهر الاب والابن الابدي، هكذا يكون الثالوث كاملا، لم يفقد صفة الثالوثية لا بزيادة بسبب تجسد الابن، ولا ينقصان ولا تغيير، وهو يحفظ ويخلص المعترفين الذين يعترفون به اعترافا صحيحا.

إذن صدق ما قلت اني استفيد فائدة عظيمة حينما آتى الى مثل هذا اليوم، وذلك ليس لأني صمدت  الى درجة عالية من المجد والسلطة المقدسة، ولكن لانه ينقصني الكثير من صفات الرئاسة، وازحف في الاعمال الارضية في اسفل بينما اجلس عاليا، يلزمني ان ارتفع نحو السماء هل اجنحة الفضائل.

حينما اجدد في ذاكرتي تلك العهود التي قطعتها مع الله في ذلك الوقت، واذا افكر بأني ملزم بإتمامها، فإني ليعروني خوف ورعب حتى يكاد يأخذ مني الخوف كل مأخذ لا يبقى في سوى القليل حتى افقد انفاسي، لان الكلمات التي تقال في النص الطقسي وتتلى على رأسي الممسوح بكلمات لها قوة المعاهدات، ولهذا تسمى الرسامة وضع مثل التوقيع على عقد.

فهذه الملابس الروحية التي يأخذها حينما يرتقي الى الكهنوت بالنعمة، يجب ان يلبسها بالحق، دون ان يقنع بالافتخار فقط بالأسماء المقدسة فيكون له منها المظاهر الخادعة من الخارج، بينما تكون ميوله الى الداخل شريرة اولى بأن تجعل الدموع تسيل.

لانه من ذا الذي يمكنه ان يصف شدة الخزي الذي يعتري اولئك الذين هم على هذه الحال في اليوم الاخير. يقول اشعياء النبي: ( لان كل سلاح المتسلح في الوغى وكل رداء مدحرج في الدماء يكون للحريق مأكلا للنار) (اش9: 5). اي انه يتركهم رداء الشرف يخزون لانهم لم يكرموه، فيعطون الحساب عن السبب الذي من اجله اتخذوا الباطل بدلا من الحق، وفي الاناجيل من جهة اخرى يصرخ بوضوح في الوليمة الطوباوية: ( يا صاحب كيف دخلت الى هنا وليس عليك لباس العرس) (مت22: 12).

فلا يفتخر احد بمسحته وبتعيينه المقدس وبمركزه، بل ينظر الى اين تجره عظمة هذا الشرف، وليفكر حينما يكون قد تصرف بطريقة غير لائقة، في العذاب العظيم المدخر له، ويقول الحكيم (لان الحقير المتضع يسامح عن طريق الرحمة، واما الاقوياء فيعذبون عذابا شديدا) (سفر الحكمة6: 7).

ان حزقيال النبي يقول ايضا ان الذين خولوا السلطة من هذا الفريق على الارض سوف يتعذبون جزاء كبرياء تجبرهم ويقادون الى الجب السفلي، إذ يقول:

(هناك اشور وكل جماعتها. قبوره من حوله. كلهم قتلى ساقطون بالسيف) (حز32: 22).

(هناك عيلام وكل جمهورها حول قبرها كلهم قتلى ساقطون بالسيف الذين هبطوا غلفا الى الارض السفلى الذين جعلوا رعبهم في ارض الاحياء فحملوا خزيهم مع الهابطين في الجب) (حز22: 24).

(هناك ماشك و توبال وكل جمهورها حوله قبورها كلهم غلف قتلى بالسيف مع انهم جعلوا رعبهم في ارض الاحياء. ولا يضطجعون مع الجبابرة الساقطين من الغلف النازلين الى الهاوية بأدوات حربهم وقد وضعت سيوفهم تحت رؤوسهم فتكون آثامهم على عظامهم مع انهم رعب الجبابرة في ارض الاحياء) (حز32: 26-27).

يليق إذن بمن تشرف بالسلطة والرئاسة، لا سيما الرئاسة الروحية، ان يقيس ذاته كل يوم تبعا لعظمة الموهبة التي اخذها، دون ان يرتبك بالقصور الظاهري، بل ليأخذ في الاعتبار ان هناك سيفا مسلطا فوق رأس من يسلك بطريقة غير لائقة تجلب عليه غضب الله، وقبل كل شيء ينظر الى اليوم الاخير المملوء رهبة، والى الاتعاب والعذابات التي تأتي فيه، ولا يستطيع احد ان يهرب منها بشفاعة احد، وبعد ذلك النار التي لا تطفأ والاموال التي لا نهاية لها التي لا يستطيع احد ان يتحملها.

فإن الذي مسح شاول كان يقول ايضا فيما بعد: ( ندمت على اني جعلت شاول ملكا لانه رجع من ورائي ولم يقم كلامي) ( 1صم15: 11). وهذه الكلمة (ندمت) كتبت لكي تبين ان نداءات وعطايا الله ليست إجبارية وإلزامية، وإنها لا تدفع بالحرية. فإنه ليس لان الله قد مسح شاول ملكا، كان يلزم ضرورة ان يجعله بارا، هذا في الواقع من شأن شاول وهو حر الارادة. وقد شهد بولس الرسول في رسالته الى اهل رومية ان الله لا يندم ويعرف كل الاشياء قبل حدوثها، إذ قال: ( لان هبات الله ودعوته هي بلا ندامة) (رو11: 29). لذلك يسمح ايضا للتائب ان يرجع الى الكرامة التي سقط منها حتى تبقى عطايا الله ثابتة، لك ان تمتلكها بالفضيلة او ان تفسدها بالخطية.

ومنذ البدء بعد ان خلق الانسان وجعله سيدا على كل ما على الارض، كان الشر يزيد ـ مع إنه منذ البدء قد عرف ما سوف يحدث ـ فقال بنفس الطريقة مبنياً ان حرية الارادة هي المسئولة عن ذلك والانسان له السيطرة الكاملة على ما يأتيه: (فقال الرب امحو عن وجه الارض الانسان الذي خلقته الانسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء لأني حزنت اني عملتهم) (تك6: 7).

وبدلا من هذه الكلمة حزنت، نقل مترجم اخر: (ندمت) هذه الكلمات الي قيلت بطريقة ينقلها البشر لكي تنزل الينا وتمد الى ضعفنا ايدي المعونة، يجب ان نطبقها بمعاني لائقة بالله جديرة به، فإن هذه الكلمة: (ندمت) تظهر في الواقع ايضا محبة الله الكثيرة لنا، وكأنه يقول: ( انه بسبب ازدياد شركم اندم، بينما اميل نحو الشعور المضاد، لان كلمة العدل منذ ذلك الحين ترجح وفرة الجود الذي اظهرتم انفسكم غير مستحقين له).

ولماذا اتكلم عن شاول؟ فداود كان اخذ شهادة حسنة في الحكم الذي جاء من فوق القائل: ( وجدت داود بن يسّى رجلا حسب قلبي الذي سيصنع كل مشتهي)(اع13: 22). وبعد ان ارتكب اخطاء ماذا كان يسمع؟ يقول الكتاب: (فقال ناثان لداود انت هو الرجل هكذا قال الرب اله اسرائيل انا مسحتك ملكا على اسرائيل وانقذتك من يد شاول. واعطيتك بيت سيدك ونساء سيدك في حضنك واعطيتك بيت اسرائيل ويهوذا وان كان ذلك قليلا كنت ازيد لك كذا وكذا. لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه قد قتلت اوريا الحثي بالسيف واخذت امراته لك مرأة واياه قتلت بسيف بني عمون. والان لا يفارق السيف بيتك الى الابد لانك احتقرتني واخذت امرأة اوريا الحثي لتكون لك امرأة. هكذا قال الرب هئنذا اقيم عليك الشر من بيتك واخذ نساءك امام عينيك واعطيهن لقريبك فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس. لانك انت فعلت بالسر وانا افعل هذا الامر قدام جميع اسرائيل وقدام الشمس) (2صم: 7-12).

واذا كان داود النبي باعترافه بخطيئته وندامته التي كانت بمعنى الكلمة لم يتوقف عنف غضب الله، فإن الشهادة الاولى والمسحة الملكية ما كانت لتنفعه إزاء القسوة التي تبعها.

ليسمع هذا بالخوف والارتجاف اولئك الراغبون في الرسامات او محبة الملذات المخزية، الذين يسعون فقط وراء الكرامة والطعام عن طريق الرسامة، وليس وراء العمل، الذين يجعلون لنا السمعة الجديدة المنتشرة اننا نجمّع طعام حياة الدنيا، كما لو كان ذاك غير مسموح به عن طريق آخر بممارسة مهنة حداده او صناعة العربات او مهنة اخرى يدوية كانت او عقلية.

لكن هل من الضروري ان يندفعوا نحو الوظائف المقدسة دون ان تتوفر فيهم النية المقدسة؟ بالحقيقة اننا لا نرى ابدا جنديا اعور او اعرج يقف امام الملك او يدخل في خدمته، إلا اننا مع ذلك بينما تكون اعضاء انساننا الداخلي بجروحه، فإننا نتجاسر ونتقدم امام الملك السمائي امام الله ونخدمه، وذلك في حين اننا نعرف ان الناموس يقول بوضوح: (وكلم الرب موسى قائلا. كلم هرون قائلا اذا كان رجل من نسلك في اجيالهم فيه عيب فلا يتقدم ليقرب خبز الهه. لان كل رجل فيه عيب لا يتقدم لا رجل اعمى ولا اعرج ولا افطس ولا زوائدي. ولا رجل فيه كسر رجل او كسر يد. ولا احدب ولا اكشم ولا من في عينه بياض ولا اجرب ولا اكلف ولا مرضوض الخصى. كل رجل فيه عيب من نسل هرون الكاهن لا يتقدم ليقرب وقائد الرب فيه عيب لا يتقدم ليقرب خبز الهه. خبز الهه من قدس الاقداس ومن القدس يأكل. لكن الى الحجاب لا يأتي والى المذبح لا يقترب لان فيه عيبا لئلا يدنس مقدسي لأني انا الرب مقدسهم. (لا21: 16-23).

ففي الكهنوت اللاوي كانوا يبحثون عن هذه الامراض الجسدية، ولكن في الخدمة الإنجيلية الروحية، يبحث عنها في الروح، فيجب على من يختص بممارسة الكهنوت ان يكون (كاملا متأهبا لكل عمل صالح) (2تي3: 17) كما يقول بولس الرسول.

يجب ان تكون عينيه الروحية سليمة ولا تغشاها ظلمات العالم، يثبت نظره بطهارة على الحسنات وعلى الافكار السماوية.

يجب ان تكون الخطوات نحو الاعمال الحسنة مستقيمة وصحيحة، دون ترنح او تعرج، فيستطيع ان يقف بثبات دون تزعزع على صخرة الاميان، ويتقدم في طريق الوصايا، ويسير بموجبها جميعا فلا يسمح لنفسه ان يتم إحداها وبتعثر بالأخرى، يجب ان يتحمل الصعوبات التي تعوق البشارة بالإنجيل والايمان الأرثودوكسي، او توقفها، وبعد ان يقوى بالرجاء المستقيل، يركض بدون تأخير قائلا مثل بولس الرسول: ( إذا انا اركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين، هكذا اضارب كأني لا اضرب الهواء) (كو9: 26). وبعد نهاية الاعمال: (قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا) (2تي4: 7-8).

يجب ايضا ان لا يكون احدب، بل يكون له القدرات اللازمة من الناحية العقلية، ( الى ان ننتهي جميعنا الى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله، الى انسان كامل، الى قامة ملء المسيح) (اف4: 13).

ويجب الا يقوم بأي عمل باطل، او يسعى نحو مالا يليق. بهذا المعنى فعلا، يجب ان نفهم المقصود بكسر اليد او الرجل، فإنه يجب ان يكون الانسان الداخلي غير ناقص في شيء من جهة السمع او من جهة الذوق بل يحس فعالية الدعوة الروحية الذكية والالهام الالهي، كما قال إسحق: ( رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب) (تك27: 27).

ومثل صموئيل حينما اتته الدعوة من فوق، فيرد في الحال على من يناديه قائلا: (تكلم لان عبدك سامع) (1مل3: 10).

يجب ان يقتني عمل الخير ليس فقط امام الله، لكن ايضا امام الناموس: (لا تجازوا احدا عن شر بشر، بأمور حسنة قدام جميع الناس) ( رو12: 17).

( مهتمين بأمور حسنة ليس قدام الرب فقط بل قدام الناس ايضا) (2كو8: 21).

كما يجب ان يكون المظهر الخارجي ايضا في الملبس وطريقة السير موضوع مديح له، ولا يكون مستوجبا للسخرية كأولئك الذين على وجوههم زوائد شبه بالسلطة او الذين تكون عيونهم منتفخة، والا يكون له صلة ايضا بتابعي التعاليم الهرطقية ويبتعد عنهم ابتعاده عن المصابين بالجرب والامراض الجلدية.

( اناس فاسدي الذهن وعادمي الحق يظنون ان التقوى تارة، تجنب مثل هؤلاء) (1تي6: 5).

يجب الا تكون كلمة التعليم التي يلقيها ليست لها قدرة ان تشعر، فلا يكون مثل اولئك الذين بهم مرض يجعلهم غير قادرين على الانجاب، بل تكون في كلمته تنمية لعدد الخراف، كقول بولس الرسول: (لان جميع الاشياء هي من اجلكم لكي تكون النعمة وهي قد كثرت بالأكثرين تزيد الشكر لمجد الله) (2كو4: 15).

لا يفتكر احد انه يخلو من العيوب لأننا لا نراها، فإذا نظرنا في مرآة الضمير، فسوف نجدها كلها فينا او نجد عددا كبيرا منها، فمن ذا الذي لا يبكي ولا يتن عليها حتى يمحو عيوب هذه الامراض المشينة.

بهذه الكلمات وهذه المعاني، اريد في هذا اليوم فحسب، بل كل يوم ان اغسل واطهر واجدد مسحتي وكهنوتي ولا اترك ابدا تذكار هذه الاحداث بقدم ويضيع. ويبين الكتاب المقدس تجديد المسحة ايضا، ويعرفنا صموئيل مرة انه مسح شاول ملكاً، وكان يقول من جديد: (وقال صموئيل للشعب هلمّوا نذهب الى الجلجال ونجدد هناك المملكة. فذهب كل الشعب الى الجلجال وملكوا هناك شاول امام الرب في الجلجال وذبحوا هناك ذبائح سلامة امام الرب وفرح هناك شاول وجميع رجال اسرائيل جدا) (1صم11: 14-15).

وقد فعل ذلك لانه كان يريد ان يقدمه للشعب، وفي الوقت نفسه لاهتمامه بأن يبين بأكثر وضوح هذه الكرامة ويعبر عنها في نفسه حتى لا ينسى حالته إذا مال عنها.

وبأمر الله كل الكنائس بإعلان واضح بواسطة النبي إشعياء: (انصتي الي ايتها الجزائر ولتجدد القبائل قوة ليقتربوا ثم يتكلموا لنتقدم معا الى المحاكمة) (اش41: 1).

يصرخ الى الجزائر ويسميها هكذا لأنها تقوم وتتألق بين الامم من خضم عبادة الاصنام المرة، وتقدم موانئ الدين الهادئة الآمنة للذين في الضلالة يهيمنون فهمي بحق تشبه الجزائر، لان من كل ناحية تضربها البحار العالمية وتقصف بها زوابع التجارب، لكنها مزقتها وجعلتها ترغي بالصبر والجهاد والإقدام في رجاء الصخرة، المسيح ذراع الاب المتعالى، كقول إشعياء النبي: (إياي ترجو الجزائر وتنتظر ذراعي) (اش 51: 5).

يجب إذن ان نتجدد كل حين، وان ننسى ما هو وراء ونمتد الى ما هو قدام، (ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت ولكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام) (في 3: 13).

هذا ما يعلمنا إياه بولس الرسول ايضا بقوله: ( إذا ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة، الاشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا) (2كو5: 17).

بذلك يعني ان من يملكه المسيح يجب ان يبين ذلك بأعمال جديدة، مظهراً نفسه كما لو كان خلق من جديد واصبح إنسانا جديداً، وهذا ما يثبتنا به ايضا بقوله: (الاشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً) (2كو5: 17).

بعد هذه التوجيهات اشار القديس مار ساويرس الى احد القديسين المعروفين لحث المؤمنين فيقول: كان القديس رومانوس الذي امتاز بين الشهداء بالصبر والحكمة، يزداد باستمرار في هذا التجديد، ولا يكتفي بالفضائل التي اكتسبها بأعماله العديدة، بل كان يتعجل الشهادة كما لو لم يكن له زاد للخلاص، فبعد ان اطفأت الامطار التي هطلت بالصلاة الذي كان معدا له، سلم لسانه للسيف، وحرص ان يبين ان المعركة الواحدة تتضمن الوانا كثيرة من الاستشهاد، فقدم كل عضو من اعضائه، وفي ذلك لم يكن ليتوقف عن السير قدما ابتغاه ما هو اعظم.

اني اعرف جيدا انه حتى بعد نيله إكليل الشهادة، لا تزال صلواته ترتفع لأجلنا حتى لا نكون بعيدين عن ملكوت السموات بالمسيح يسوع ربنا الذي يليق له المجد مع الاب والروح القدس الآن وكل اوان والى دهر الداهرين امين.