المقال 67 عن مريم العذراء والدة الإله

المقال السابع والستون

عن مريم العذراء والدة الإله

 

حينما اريد ان انظر الى العذراء والدة الإله وتجول فقط في خاطري الافكار المتعلقة بها، فعند اول بادرة يبدو لي ان صوتاً من جهة الله يأتي صارخاً بقوة في اذن لينبأني: ( لا تقترب ههنا. اخلع حذائك من رجليك. لان الموضع الذي انت واقف عليه ارض مقدسة) (خر3: 5).

في الواقع يجب ان نتخلص من كل تصور جسدي منحني، مثلما نخلع الحذاء من ارجلنا، حينما نحاول ان نصعد بروحنا الى التأمل في احد الاشياء الالهية. فأي موضوع لاهوتي يمكن نأمله اجل شأناً من والدة الاله، واي المواضيع يعلو عليه؟ ان الاقتراب منها هو الاقتراب من المكان المقدس او هو بلوغ السماء. كانت فعلاً تنتمي الى الارض لأنها كانت تشترك مع الانسانية بطبيعتها وكانت بشراً مثلنا، إلا انها كانت نقية طاهرة من كل دنس. واثمرت من احشائها ذاتها كما من السماء الاله المتجسد. حملت وولدت بطريقة الهية تماماً ليس انها اعطت المولود الطبيعة الالهية، لان هذه كانت له قبل كل بدء وقبل كل الدهور، اسكنها اعطته الطبيعة البشرية بدون استحالة، وذلك منها ذاتها ومن الحلول الذي لا ينطق به السري الذي الروح القدس. واذا كنت تريد ان تعرف كيف كان ذلك، فأنك تجد ابحاثك متوقفة بختم البتولية الذي لم ينقضه هذا الميلاد. وما يكون مختوماً يكون غير محسوس تماماً، هذا يبقى سراً ولا يمكن ان تتكلم عنه: لذلك يصرخ شخص كيعقوب عجباً فيقول: ( ما ارهب هذا المكان. ما هذا الا بيت الله وهذا باب السماء) (تك28: 17). ان الاله الذي على الكل نزل ايضاً قديماً، حينما اعلن الناموس على جبل سينا. ( كان منظر مجد الرب) كما يقول الكتاب المقدس، ( كنار اكله على رأس الجبل امام عيون بني اسرائيل) (خر24: 17). لم يكن ذلك مظهراً للجوهر او للذات، بل مظهر مجد الرب الازلي. وكان مصحوباً ايضاً بدخان وبسحابة مملوءة ظلاماً. وبصوت البوق القوي، وبعروق سريعة وبكل ما كان يمكن ان يثير الخوف ويبعد عن الجبل كل الذين كانوا يقفون حوله وهذا بينما كان هؤلاء الواقفون مقدسين ومطهرين، لان الحيوانات بطبيعتها كانت مهددة بالضرب بالحجارة والسهام، إذ يقول: ( لا تمسه يد بل يرجم رجماً او يرمي رمياً. يهمه كان ام انسانا لا يعيش) (خر19: 13).

كل ذلك حدث لكي يثير الخوف. كان الله يقترب من بني إسرائيل مثلما يقترب من اشخاص ما زالوا خاضعين لعبادة الاصنام المصرية تستبد بهم الاهواء الحيوانية، فكان في كل مكان يثير الخوف فيهم، ويلقي الرعب في قلوبهم بالأصوات، وبهذه الطريقة يجعلهم ضائعين جداً في مكان الناموس.

وكان بولس الرسول يشير الى هذا الفصل حينما كان يقول ايضاً للذين آمنوا بالإنجيل: (اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب) (رو8: 15). كان الله فعلاً يريدان بعلمهم سلفاً بالخوف ويصلحهم بالناموس، وبعد ان يرفعوا فوق درجة الخدام، يقترب منهم كما من اولاده بطريقة اكثر كمالاً واكثر محبة.

ومع ذلك لم يستفيدوا إطلاقاً من هذا الدرس، لكنهم بالعنف جرفوا بزيادة خطاياهم بتيار جارف فكانوا سبب غرق المعونة التي كانت تأتيهم من ذلك التعليم.

هكذا الله في وجوده المتناهي يعطيهم نعمته وروح التبني الذي له بكرم اكثر وبسخاء اوفر، يخضع بالمحبة هكذا اولئك الذين لم يجذبهم بالخوف. وبعد ان اظهروا انفسهم خداماً مبغضين، جعل منهم ابناء مختارين. فحتى عليهم قول بولس الرسول الحكيم: ( حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً) (رو5: 20).

هناك كانت روح العبودية. وكان الجبل يدخن لانه لم يأخذ سوى مظهر مجد الرب الازلي على هيئة نار آكلة، وكان موسى الخادم يقوم بدور الوسيط.

اما هنا، حيث نعمة التبني، فبالعكس، ذلكم الجبل الروحاني العذراء التي تتألق بالطهارة وتتلألأ بحلول الروح القدس. فليس هنا مظهر مجد الرب الازلي فحسب، بل هو الله نفسه، الابن، الكلمة. انه لا يسير فقط على قمة الجبل، ولكنه يتجسد ويولد من الجبل. بدون استحالة: (والكلمة صار جسداً وحل بيننا) (يو1: 14). انه يعمل بشخصه ويعطينا نعمته ولا يستخدم آخر، لان العبد لا يملك ان يعطي نعمه التبني لهذا السبب يتمجد بعظمته الالهية ويصرخ قائلاً: ( كما ان ابن الانسان لم يأتِ ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين) (مت20: 28).

انه يجعل نفسه اولا ابن الانسان، وهو بذاته ابن الله غير منظور، ثم يجعلنا نحن الارضيين ابناء للأب السماوي بحسب النعمة. انه يأخذ الصغير، لكي يعطي العظيم بتقييم الصغير به لانه مولود من تعرف الزواج.

هذا هو الحجر الذي رآه النبي دانيال  نازلاً من الجبل بدون معونة أي يد بشرية. أي انه بدون البذار وبدون معاونة رجل تجسد من العذراء. ماذا إذن يدهشني اكثر؟ هل هو الجبل؟ حسب المظاهر الخارجية يكون الجبل في الجزء الاسفل، لكن بسبب البتولية والسر الالهي الذي كمل فيه فهو عال ومرتفع. أهو الحجر؟ ان الحجر هو اعلى نقطة في الجبل، قمة القوة ورأس كل سلطان وكل مقدرة، لكنه اراد ان يصبح بالجسد قطعة من الجبل، لكي يوضع كأس للكنيسة الجامعة. وانه مكتوب: ( فإنه لا يستطيع احد ان يضع اساسا آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح) (1كو3: 11).

ولكون نزول الكلمة مثل نزول الحجر من الجبل يثبت محبة الله للبشر، وهو عربون السلام، والجبل بعيد عن إثارة الخوف، بالعكس يسهل الاقتراب منه، لذلك فيجب ان تتطهر. حينما يتجاسر وتتقدم من الواقع إذ يرى الجبل لا يستقبل الله كإله سينا بل يجده بلد الله، من لا يندهش حينما يرى الله نازلاً على هذا الجبل الذي ولد منه إنساناً بدون تغيير.

لذلك بعد ان هرعت عند سفح هذا الجبل، أي بعد ان بينت الحواس الخارجية الظاهرية، اخشى ان انظر الى الداخل، مثل قدس الاقداس.

لأني اسمع كتاب الناموس يقول بخصوص رئيس الكهنة الذي كان يدخل هذا المكان: (وياخذ ملء المجمرة جمر نار عن المذبح من امام الرب وملء راحتيه بخورا عطرا دقيقا ويدخل بهما الى داخل الحجاب. ويجعل البخور على النار امام الرب فتغشي سحابة البخور الغطاء الذي على الشهادة فلا يموت) (لا16: 12-13). يجب فعلاً ان الذي يدخل الى الداخل ان يكون مشتعلاً في ذاته بجمر النار المأخوذ من على مذبح الرب ثم بعد ذلك يجب ان تكون راحتيه مليئتين بالبخور ذي العطر الدقيق. ومن المعلوم ان قوام الفضائل طهارة الاعمال وان الصلاة تولد فهماً عميقاً حتى ان اختلاطه بالجمر يؤدي الى الاعلانات السماوية المعتدلة التي يمكن فهمها. اما تلك الاعلانات التي هي اعلى من قوانا، فإن الله يعطيها كالدخان للخلاص فوق ارواحنا، وهكذا لا يفرض علينا حملاً يفوق قوانا.

لذلك. بما اني لست مستعداً ولا متطهراً وليس لي هذا الجمر ولا هذا البخور، فإني ابقى في الخارج. ولن افحص بالتفصيل ما هو بالداخل.

فبينما نأمل في هذه الامور. لا ازال ارى ذكرى العذراء والدة الاله تثير قلبي وتشعله مثل النار وتملأه مثل البخور وبرائحة خاصة زكية وحينئذ كأني قد نسيت نفسي وغشيتي دهشة، مأخوذاً برغبتي مبهوراً كلية في الداخل بالجمال والرؤى الرمزية الموضوعة داخل قدس الاقداس، اتأمل ذلك في عمانوئيل بطرق كثيرة.

يشير الى ان عمانوئيل اولا بالفلك المصنوع من الذهب الخالص ومن الاخشاب الغير قابلة للتلف، لان الذهب يغطي الواح الخشب من كل ناحية في الداخل وفي الخارج ولا يترك مطلقاً اي مكان مكشوف وظاهر بتألفه الذاتي. أليس المسيح يظهر هكذا؟ انه واحد من اثنين، من اللاهوت مثل الذهب ويتألق ببريق قوي، ومن الناسوت المستثنى من الفساد مثل الاخشاب، بسبب ولادة الله الكلمة الطاهرة بدون بذار، بفعل الروح القدس والعذراء مريم، فلم يتحد هو ذاته فقط بالجسد الذي لا نفس فيه، بل بجسد حي بنفس عاقلة. وهذا هو المقصود في قوله: كان الذهب يغطي الاخشاب في الداخل وفي الخارج. (وتغشيه بذهب نقي. من داخل ومن خارج تغشيه. وتصنع عليه إكليلاً من ذهب حواليه) (خر 25: 11). (وتصنع المذبح من خشب السنط طوله خمس اذرع وعرضه خمس اذرع مربعا يكون المذبح وارتفاعه ثلاث اذرع. وتصنع قرونه على زواياه الاربع منه تكون قرونه وتغشيه بنحاس. 3 وتصنع قدوره لرفع رماده ورفوشه ومراكنه ومناشله ومجامره جميع انيته تصنعها من نحاس. وتصنع له شباكة صنعة الشبكة من نحاس وتصنع على الشبكة اربع حلقات من نحاس على اربعة اطرافه. وتجعلها تحت حاجب المذبح من اسفل وتكون الشبكة الى نصف المذبح. وتصنع عصوين للمذبح عصوين من خشب السنط وتغشيهما بنحاس. وتدخل عصواه في الحلقات فتكون العصوان على جانبي المذبح حينما يحمل. مجوفا تصنعه من الواح كما اظهر لك في الجبل هكذا يصنعونه. وتصنع دار المسكن الى جهة الجنوب نحو التيمن للدار استار من بوص مبروم مئة ذراع طولا الى الجهة الواحدة) (خر27: 1-9).

لاحظ ايضاً في ذلك صحة الرمز. كما ان الخشب الغير قابل للتلف يكون خشباً هو في مادته مثل كل الاخشاب التي يدركها الحطب، ولكن من خواصه ان يكون غير قابل للتلف، هكذا جسد المسيح ذو النفس العاقلة كان ايضاً من نفس النوع ومن نفس الطبيعة كجسدنا. لكن كان له هذا بالإضافة. اي انه الوحيد الذي كان حراً من فساد الخطية ومستثنى منها لانه حبل به من الروح القدس ومن مريم العذراء وانه اتحد بالكلمة ( الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر) (1بط2: 22).

وايضاً كما ان اخشاب الفلك كانت لا يأتيها الانحلال ومع ذلك من الممكن قطعها واحراقها، هكذا الجسد كلي الطهارة الذي المسيح إلهنا لم يشترك ايضاً في الخطية او في الفساد الذي ينتج عنها، لكنه مع ذلك يتحمل الآلام والضربات والموت والاوجاع من نفس النوع. لانه ان لم يكن كذلك، ما اقتبل الموت الذي به كسر ذاك الذي له سلطان الموت، ( فاذا قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضاً كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت اي ابليس) (عب2: 4). ولما جاء الى القبر ونزل الى الجحيم، لم يعرف الفساد الذي يتأنى عنه، بسبب قيامته الالهية من بين الاموات: لانه ( لم يترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً) (اع2: 31). كما هو مكتوب.

وبهذا نستنتج ان جسد المسيح كان غير قابل للفساد في كل شيء لانه لم يخضع بتاتاً للانحلال الذي يأتي من الخطية، وبينما كان يمكن ان يتحمل ما يأتي من الموت ومن القبر، فإنه دفع بالفساد جانباً دون ان يتأثر به، بسبب اتحاده بالكلمة، لانه بطبيعته غير قابل للفساد والالام والموت.

ولندع هنا مقارنة الملك والتشابه الخاص به. فليس في الواقع كصورة الذهب المشغول يلتصق بالخشب، كان الله الكلمة متحداً بالجسد، لان الظل الذي في الرمز ضعيف ولا يستطيع ان يمثل الحقيقة كاملة، ويكون بعيداً عن الدفة، ولو انه يصور بعض اوجه التشابه.

وبولس الرسول يعطينا صورة اخرى للاتحاد الالهي الذي تحقق في عمانوئيل، حينما يقول: (فاذ قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت اي ابليس) (عب2: 14). هكذا اشترك الله الكلمة بنفس الطريقة مثلنا في الدم واللحم، ونعلم ان روحنا تتحد بالجسد بدون اختلاط في اجتماع الطبيعة والجوهر.

واذا نواصل التأملات في الفلك، نرى الإناء الذهبي الذي كان فيه المر ينادي ويجذبني اليه، باعثاً اشعة منيرة ومقدماً الى صورة اخرى لعمانوئيل إلهنا وكمثل رسام بصور الخدمة الالهية بصور متعاقبة كما على لوحة ويبيّن بها مجيء السيد المسيح  في الجسد. وان كتّاباً كثيرين قد جمعوا في ذلك اعتبارات مختلفة لأن واحداً فقط لا يكفي تبيان الكل.

فالمن النازل من السماء مثل المطر بداخل إناء مصنوع على الارض كان يشير الى كلمة الله النازل من السماء فهو لم يحضر الجسد من فوق، لكنه تجسد من الارض ومنا بدون استحالة. اما بخصوص من الفلك، فكانت الاخشاب رمزاً للجسد والذهب رمزاً للاهوت. اما هنا فيكون العكس، كما ان المن يرمز الى الله الكلمة والاناء الذهب الى الجسد، والمقصود بهذا التشبيه ان المسيح بعد ان ( اسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة الله رائحة طيبة) (اف5: 2). وقام من الاموات وبذلك اعطى نفسه منذ ذلك الوقت اسم خبز السماء لحياتنا ولشركتنا، ما كان لجسده ان يخضع للأمراض البشرية او ان يكون قابلاً لاحتمال الضعفات  من نفس النوع، اعني الجوع، والتعب والعطش والالام، لان التدبير الالهي الذي لأجله تحمل ذلك بإرادته. كان قد تم. لكن بمثل هذا الاناء الذهبي. يكون الجسد مقدساً ولا يمكن اهلاكه. ولا يمكن ان يتألم لان جسد الله الكلمة الذي هو الحياة بطبيعته والذي هو مزين بالمجد اللائق بالله، لم يتغير او يتحول الى طبيعة اللاهوت، لكنه يبقى على ما كان، كما هو مكتوب: (فينظرون الى الذي طعنوه) ( زكريا12: 10). حينما يأتي ثانية من السماء. هذا ما كان يقوله بولس الرسول: ( اذا نحن من الان لا نعرف احداً حسب الجسد وان كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد) (2كو 5: 16).

لكن حينما اجول بنظري في الفلك اجد فيه لوحا الناموس موضوعين وكذلك عصا هارون التي ازهرت، بعد ان يبست، بطريقة عجيبة، وانتجب ثمار اللوز، (وفي الغد دخل موسى الى خيمة الشهادة واذا عصا هرون لبيت لاوي قد افرخت اخرجت فروخا وازهرت زهرا وانضجت لوزا) عدد17: 8). هذا يعني ان المسيح بعد حوى في ذاته الناموس والكهنوت اللاوي، خبأها وحينما ضعفت ويبست جعلها تأتي مثمر بنبات الحياة الانجيلية. ولذلك كان يقول ايضاً: (لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لأكمل) (مت5: 17).

ماذا كانت هذه الثمار؟

اللوز ثمرة العصا القانونية، قشرة اللوزة الخارجية الظاهرة مرة وملحة جداً، لكن التي بعد القشرة الاولى صحيحة وثابتة، وهاتان القشرتان نحويتان الجزء اللين طعام والتفوق. وحسب قول بولس: ( ولكن كل تأديب في الحاضر لا يرى انه للفرح بل للحزن. واما اخيراً فيعطي اللذين يتدربون به ثمر بر السلام) (عب12: 11). وكل عقاب يكون اولاً مراً قليلا بما يسببه من الضيق، وفيما بعد له جمال وتقويم.

العصا التي ازهرت وحدها بسبب غنى ووفرة العطايا الروحانية تنشأ بطريقة اخرى بالمسيح الذي من يسى ومن داود حسب الجسد وعظم به جنسنا الذي كان قبلاً محكوماً عليه بالهلاك بسبب الخطية، فأنبت وازهر ونمى. وتنبأ اشعياء بهذه العبارات: ( ويخرج قضيب من جزع يسّى وبنت غصن من اصوله) (اش11: 1).

المذبح الذي كان موضوعاً فوق الفلك، وبين الخدام الكهنوت من اكمل خدمته عليه، او اعرق دماً عليه، وكان مغطّى من الناحيتين بأجنحة الشاروبيم، يشير ايضاً بوضوح الى المسيح ( الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من اجل الصفح عن الخطايا السالفة بإهمال الله) ( رو3: 25). كما يقول بولس الرسول.

كان موضوعاً فوق الفلك. بهذا يشير ان سبب مجيء السيد المسيح في الجسد إنما في نفس الوقت لإتمام الذبيحة الكفّارية عن خطايانا. لم يكن ممكناً للكهنة ان يصلوا اليه. لانه لم يكن من حق اي انسان، بل له وحده. ان يقدم ذاته: وهذا ما قد صنعه ايضاً حينما ( قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين) (عب9: 28). وعندما نقوم الآن بخدمة القداس.. فإننا لا نقدم شكلياً ذبيحة المسيح سلفاً، لكننا يإتمام الطقوس السرية نصنع ذكر آلامه التي قدمها هو نفسه.

كان الشاروبيم يغطونه. كيف لا نبيّن هذه الكلمة بوضوح انه حتى بعد إتمام الذبيحة الكفارية حسب التدبير الالهي. فهو ايضاً الله في الجسد الذي تألم لأجلنا، وانه مخوف ولا تستطيع القوات العليا ان تصل اليه، لا قبل ولا بعد الالام، وانه بالأكثر مبجّل ومعبود. لانه اظهر حكمته بأشكال شتّى كما كان يقول بولس الرسول في خلاصنا؟ (لكي يعرف الان عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة) (اف3: 10).

لكن حينما اقول هذه الاشياء وأتأمل دخان البخور وهو يرتفع ويعلو الى فوق أراه يحجب عني بريق الغار ويملأ عيني ظلاماً، ويمنعني عن التقدم الى الامام حتى لأتقهقر بطريقة هادئة، رائعاً رافعاً رجلاً ومؤخراً الاخرى، واخرج بحرص. ان الزينة الخارجية لوالدة الاله وغيره مثل الغني الداخلي. فهما في الواقع خميرة الخليقة الجديدة، جذر الكرمة الحقيقية التي اصبحنا اغصانها بالمعمودية.

هنا نهاية صلح الله مع الناس، الذي فيه كانت الملائكة ترّنم: ( المجد لله الأعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرّة) (لو2: 14). لذلك كانت ذكرى العذراء تنبه نفوسنا الى ان اية عداوة هي غير الصلح وهي حالة حرب، واننا اصبحنا في سلام في المقدسات وفي شركة الله قد دعينا.

كيف لا نقدر العذارى اللواتي يجرين نحو كرامة والدة الاله مريم والاكليل والثواب اللذين هما نتيجة لها؟ واللواتي قد ارتبطن بالزواج كيف لا يعطين العلاقة الجسدية حقها من الطهارة والقداسة؟ ومن لم يكن في البتولية عليهن ان يتبعن هذه الكلمة: (الدعوة التي دعي فيها كل واحد فليلبث فيها. دعيت وانت عبد فلا يهمك بل وان استطعت ان تصير حرا فاستعملها بالحري. لان من دعي في الرب وهو عبد فهو عتيق الرب كذلك ايضا الحر المدعو هو عبد للمسيح. قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس. ما دعي كل واحد فيه ايها الاخوة فليلبث في ذلك مع الله) (1كو7: 20-24). هذا قانون الروح. كيف لا نسلك جميعاً ونعيش لمجد الله تجسد والذي حسبنا مستحقين لمحبة عظيمة كهذه؟

لهذا السبب، حينما سمعتم اني سميت والدة الاله قدس الاقداس (وهو خيمة الموجودة داخل الحجاب الثاني). قد امتلأت قلوبكم ايضاً غيرة وحماساً نحو الزمن الذي تتوسع فيه الخيمة الاولى ( بيت الصلاة). ماذا ينقص؟ من جانبنا علينا ان نشرع في العمل ونبتدئ، ومن جانبكم عليكم ان تتمثلوا بإرادة الله الصالحة الكريمة مثل الذين كانوا عند بناء خيمة الشهادة يحضرون بفرح كل المواد وعطية خيراتهم؟ لم يرفض الله حتى شعر الماعز وكانت صناعة الحبال من الشعر. هو فعلا الذي اخذ ايضاً فلسي الارملة ووضعهما علناً قبل اية عطية اخرى اكثر منهما اهمية، لان فيهما كل معيشتها. فلا يعفي احد من الفقراء نفسه ان يقدّم تقدمة ولا يستحي من فقره، بل ليتقدم ما استطاع لأن الله يقبل مثل هذه الذبيحة ويعرف من اين تقدم.

ونحن نصرخ الى العذراء القديسة مريم والى الكنيسة ايضاً فرحين بالغيرة الروحانية التي لهذا الجمع المقدس ومبتهجين بكرامة السيدة العذراء القديسة مريم.

وقد وردت نصوص كثيرة عن هذه الخيمة وبالأخص في نبوات إشعياء التي حيث يقول: (اوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك لا تمسكي اطيلي اطنابك وشددي اوتادك. لانك تمتدين الى اليمين والى اليسار ويرث نسلك امما ويعمر مدنا خربة) (إش54: 2-3).

وجاء في سفر الخروج تفصيلاً عن هذه الخيمة الآيات الآتية: (فكمل كل عمل مسكن خيمة الاجتماع وصنع بنو اسرائيل بحسب كل ما امر الرب موسى هكذا صنعوا. وجاءوا الى موسى بالمسكن الخيمة وجميع اوانيها اشظتها والواحها وعوارضها واعمدتها وقواعدها. والغطاء من جلود الكباش المحمرة والغطاء من جلود التخس وحجاب السجف. وتابوت الشهادة وعصويه والغطاء. والمائدة وكل انيتها وخبز الوجوه. والمنارة الطاهرة وسرجها السرج للترتيب وكل انيتها والزيت للضوء. ومذبح الذهب ودهن المسحة والبخور العطر والسجف لمدخل الخيمة. ومذبح النحاس وشباكة النحاس التي له وعصويه وكل انيته والمرحضة وقاعدتها. واستار الدار واعمدتها وقواعدها والسجف لباب الدار واطنابها واوتادها وجميع اواني خدمة المسكن لخيمة الاجتماع. و الثياب المنسوجة للخدمة في المقدس والثياب المقدسة لهرون الكاهن وثياب بنيه للكهانة. بحسب كل ما امر الرب موسى هكذا صنع بنو اسرائيل كل العمل) (خر39: 32: 42).

لذلك ونحن نشكره تعالى ونكلمكم ببركات الروح، نقول: ( الرب إله آبائكم يزيد عليكم مثلكم الف مرة ويبارككم كما كلكم) (تث1: 11).

نقدم له ايضاً المجد والاكرام للآب والابن والروح القدس الان وكل اوان والى دهر الدهور امين.