الزهرة الذكيّة

الزهرة الذكيّة

فهرس الكتاب

 

المقدّمة.

توطئة.

1- بطرس زعيم الرسل. 2- أوديوس 3- اغناطيوس الأوّل 4- أرون الشهيد 5- قرنيل. 6- أروس 7- ثاوفيل 8- مقسيمس الأوّل 9- سربيون10- اسقلبياد 11- فيليطس 12- أزبينا 13- بابولا الشهيد 14- فابيوس الشهيد 15- ديمتريوس الشهيد 16- بولس الأوّل الشميشاطي 17- دمنوس الأوّل 18- طيمثاوس 19- قرلس 20- طورانس 21- بيطاليس 22- بلوجين 23- أوسطاثيوس 24- فولين 25- أولاليوس 26- أفرون 27- فيلاقلس الآريوسيّ 28- أسطفان الآريوسيّ الأوّل 29- لاونطيوس الآريوسيّ 30- أودكس الآريوسيّ 31- ميليطس 32- أوزيوس الآريوسيّ فولين 33- فلبيانس الأوّل 34- أوغريس 35- برفوريوس 36- إسكندر 37- ثئودُط 38- يوحنّا الأوّل 39- دمنوس الثّاني 40- مقسيمس الثّاني باسيل 41- أقاق 42- مرطور 43- بطرس الثّاني 44- مرطور 45- يوليان الأوّل 46- إسطفان الثّاني 47- إسطفان الثالث 48- قلندون 49- يوحنّا الثّاني 50- بلاديوسى51- فلبيانس الثّاني 52- ساويرا الأوّل 53- فولاأوبولس الثّاني 54- أفرسيوس 55- أفريم الأوّل الأمدي نظر 56- سرجيس التليّ 57- فولا أو بولس الثالث الحبشيّ 58- بطرس الثالث القلنيقيّ 59- يوليان الثّاني 60- أثناسيوس الأوّل 61- يوحنّا الثالث. 62- ثاودور 63- ساويرا الثّاني 64- أثناسيوس الثّاني 65- يوليان الثالث 66- إيليّا 67- أثناسيوس الثالث 68- ايونيس أو يوحنّا الرابع 69- اسحق 70- أثناسيوس الرابع 71- جورجي أو جرجس الأوّل 72- يوسف 73- قرياقس 74- ديونوسيوس الأوّل 75- يوحنّا الخامس 76- اغناطيوس الثّاني 77- ثاودسيوس 78- ديونوسيوس الثّاني 79- يوحنّا السادس 80- باسيل الأوّل 81- يوحنّا السابع 82- يوحنّا أو ايونّيس الثامن 83- ديونوسيوس الثالث 84- إبراهيم الأوّل 85- يوحنّا التاسع 86- أثناسيوس الخامس 87- يوحنّا العاشر 88- ديونوسيوس الرابع 89- يوحنّا الحادي عشر 90- أثناسيوس السادس 91- يوحنّا الثّاني عشر 92- باسيل الثّاني93- يوحنّا الثالث عشر 94- ديونوسيوس الخامس 95- ايونّيس أو يوحنّا الرابع عشر 96- ديونوسيوس السادس 97- أثناسيوس السابع 98- يوحنّا الخامس عشر 99- أثناسيوس الثامن 100- ميخائيل الأوّل الكبير 101- أثناسيوس التاسع 102- ميخائيل الثّاني 103- يوحنّا السادس عشر 104- اغناطيوس الثالث 105- ديونوسيوس السابع 106- يوحنّا السابع عشر 107- أغناطيوس الرابع 108- أغناطيوس فيلكسين 109- أغناطيوس الخامس 110- أغناطيوس اسمعيل 111- أغناطيوس شهاب 112- أغناطيوس إبرهيم الثّاني 113- أغناطيوس بهنام الأوّل 114- أغناطيوس خلف 115- أغناطيوس يوحنّا الثامن عشر 116- أغناطيوس نوح 117- أغناطيوس يشوع 118- أغناطيوس يعقوب 119- أغناطيوس داود 120- أغناطيوس عبد الله 121- أغناطيوس نعمة الله 122- أغناطيوس بطرس الرابع 123- أغناطيوس بيلاطس 124- أغناطيوس بطرس الخامس 125- أغناطيوس شكر الله الأوّل 126- أغناطيوس أندراوس 127- أغناطيوس بطرس السادس 128- أغناطيوس إسحق الثّاني المنوفستيّ 129- أغناطيوس شكر الله الثّاني 130- أغناطيوس جرجس الثّاني 131- أغناطيوس جرجس الثالث 132- أغناطيوس ميخائيل الثالث 133- أغناطيوس ميخائيل الرابع 134- أغناطيوس سمعان 135- أغناطيوس بطرس السابع 136- أغناطيوس أنطون 137- أغناطيوس فيلبس 138- أغناطيوس جرجس الرابع 139- أغناطيوس بهنام الثّاني 140- أغناطيوس افريم الثّاني

 

 

المقدّمة.

 

الحمد لراعي الرعاة الذي شيَّد على الأرض بيعة مثّلها بالحظيرة. وولّى عليها مدبّرين أمناء يقونها من الذئاب الخاطفة الشريرة. ويقودونها على رياض التعاليم الزاهية النضيرة. فيقوّون الضعيفة منها ويجبرون الكسيرة. وينشدون الضالّة ويرفقون بالفقيرة. غير مكترثين للمشقّات والأوصاب يسيرة أو كثيرة.

أمّا بعد فقد بعثت الحميَّة الطائفيّة في هذه السنين الأخيرة سيادة الحبر الفاضل الجليل مار ديونوسيوس افريم نقاشه مطران حلب وجناب الفيكنت فيليب أفندي دي طرّازي الوجيه الكريم أحد أعيان ملّتنا البيروتيّة على وضع تواريخ في أخبار الأمّة السريانيّة منذ نشأتها إلى عهدنا بيد أنّهما لم يتوفّقا بعد إلى نشرها على شدّة الحاجة إليها وقد أتى على ذلك فيما نعهد أعوام طوال لم يتصدّ فيها كاتب غيرهما إلى وضع تأليف في هذا الشأن.

على أنّ ما نحن فيه من الانقطاع إلى خدمة غبطة أبينا وسيّدنا العلاّمة الخطير مار اغناطيوس افريم الثّاني بطريركنا الإنطاكيّ الائيل لم يصرفنا عن أن نتقدّم كلا المؤرّخين المشار إليهما بوضع سلسلة وجيزة تشتمل على أخبار الأحبار الذين تبوّأوا العرش الإنطاكيّ منذ بطرس زعيم الرسل حتّى غبطة بطريركنا المثلّث الطوبى. وقد سمّيتها “الزهرة الذكيّة في البطريركيّة السريانيّة الإنطاكيّة” وليس هذا وقتًا أورد فيه ما تجشّمته من العناء في ترتيبها وتنسيقها وضبطها وتنميقها. ولا يخالجني شكّ في أنّها تلاقي قبولاً حسنًا من أبناء الطائفة السريانيّة العزيزة والربّ أسأل أن يمدّني بتوفيقه وهدايته ويؤازرني بأيده وعنايته وهو حسبي.

 

توطئة.

 

كانت البطريركيّة الإنطاكيّة في صدر النصرانيّة شاملة بلاد المشرق بأسرها من سواحل بحر الروم غربًا إلى أقصى المملكة الفارسيّة شرقًا ومن قيليقية وأرمينيا شمالاًً إلى حدود فلسطين جنوبًا. وكانت رئاسة البطريرك تعمّ قاطني تلك البلاد على اختلاف نحلهم وتشعُّب لسانهم كالسريان والكلدان والروم واليونان والعرب والأرمن والفرس وكان يراجع بطريرك رومة أبا المشورة في الأمور الدينيّة الخطيرة وفقًا لما سنّته القوانين الرسليّة والمراسيم البيعيّة. وكان يقام جاثليقان أو مفريانان خاضعان له يجلس أحدهما في أرمينيا والآخر في المدائن قاعدة بلاد الفرس وما لا اختلاف فيه أنّ هذا الكرسيّ كان أعظم الكراسي البطريركيّة اتّساعًا حتّى أنّه كان يخضع لصاحبه في وقت عزّه نحو مائتي أسقف أو مطران.

بيد أنّ جمال ذلك النظام الجليل أخذ منذ القرن الخامس يتشوّه ويتبلبل بحدوث البدع والشقاق خاصّة فتشعّبت من ثمّ ستّ بطريركيّات إنطاكية لكلّ طقس خاصّ بها. ولمّا أخذت تلك البطريركيّات تنضمّ إلى الكنيسة الجامعة منذ أواخر القرون المتوسّطة استمرّ لقب البطريرك الإنطاكيّ للسريان والروم والموارنة واللاتين.

وقد رأينا أن ندرج في هذه السلسلة نخبة من سِيَر بطاركة السريان الإنطاكيّين دون مَن سواهم حاذين هذو كَتبتهم موردين أصدق رواياتهم ملمعين بذكر أشهر مؤلّفيهم ممّا نحصّله من تواريخ ايمّتهم. وكان بودّنا لو افتتحنا كلامنا بساويرا أوّل البطاركة المنفصلين بيدَ أنّنا تعميمًا للفائدة آثرنا أن نستهلّ ببطرس زعيم الرسل حتّى ننتهي بحوله تعالى إلى غبطة مار اغناطيوس افريم الثّاني القابض على أزمة الكرسيّ الإنطاكيّ.

ولا يخفى أنّ المؤرّخين قاطبة اختلفوا في إثبات سني رئاسة البطاركة الإنطاكيّين ووفاتهم ولاسيّما مَن عاش منهم في القرون الخمسة الأولى. وقد طالعنا لذلك نيفًا وعشرين نسخة منها ستّ نسخ سريانيّة قديمة واعتمدنا على الأقرب إلى الصحة وأشرنا إلى ما كان هناك من فرق معتبر واتّبعنا في تعدادهم غالبًا جدول ميخائيل الكبير فأثبتنا ذكر البطريرك الأصيل مع الدخيل تباعًا. ولم نتجاوز في ذلك كلّه خطة التلخيص والإيجاز والله ولي التوفيق يعيننا في الإبتداء والإنتهاء.

 

1- بطرس زعيم الرسل.

هو الذي خوّله الربّ ملء الرئاسة على بيعته وبشّر أوّلاً في أورشليم واجترح الآيات الباهرة وهدى إلى النصرانيّة خلقًا كثيرًا. وعام 35 للتجسّد توجّه إلى إنطاكية ووطّد فيها دعائم النصرانيّة وبنى كنيسة الأمم الأولى وأقام فيها سبع سنوات ورسم لها أوديوس أحد تلامذته ثمّ قصد رومية وأقام فيها خمسًا وعشرين سنة واستشهد في 29 حزيران سنة 67 للتجسّد.

 

2- أوديوس

رقّاه إلى البطريركيّة بطرس الرسول عام 42 وساس المسيحيّين الأوّلين بالغيرة الرسوليّة ستًّا وعشرين سنة وانتقل إلى جوار ربّه عام 68 للتجسّد.

 

3- اغناطيوس الأوّل

هو اغناطيوس النوريّ تتلمذ ليوحنّا الحبيب ورقّاه إلى المنصب البطريركيّ بولس الرسول. وهو الذي عاين بالروح الملائكة ترنّم جوقتين فلقّن الكنيسة أن تنهج ذلك المنهاج. وعام 107 كُبِّل بالسلاسل محمولاً إلى رومة بأمر طريانس ودفع إلى الوحوش الضواري فنهشته ولم تبقِ منه غير بعض عظام كبيرة نُقلت إلى إنطاكية. وأكثر مفسّري الكتاب على أنّه الصبيّ الذي أقامه ربّنا في الوسط واحتضنه (مرقس 9: 35) وله الرسائل البليغة المشهورة في الكنيسة. وكنيستنا تحتفل بعيده مرّتين في السنة في 20 كانون الأوّل وفي 29 كانون الثّاني.

 

4- أرون الشهيد

تخرّج على يد سالفه وفي عهده كان طريانس ينغّص على المسيحيّين عيشهم ويعنتهم “ولمّا عجز فيلينس صاحب الشرط في إنطاكية من قتل النصارى لكثرتهم طالع قيصر أنّ أهل هذا المذهب عاملون بجميع سنن الفلاسفة غير أنّهم لا يكرّمون الأصنام. فأمر قيصر أن لا يجدّ في أذاهم إلاّ إذا وُجد منهم مَن يتفوّه بسبب الآلهة فليدَنْ[1] وكان أرون من جملة القتلى سنة 127 ومدّته عشرون سنة.

 

5- قرنيل.

لم ينبئنا عنه المؤرّخون السريان بشيء. وأغلبهم على أنّه قضى نحبه عام 154 وروى سعيد ابن البطريق أنّه دبّر الكرسيّ الإنطاكيّ سبعًا وعشرين سنة.

 

6- أروس

كذا روى اسمه أوسابيوس ومؤرّخوا السريان بأسرهم خلافًا لِمَن رووه أوديوس. دبّر الرعيّة الإنطاكيّة بالفطنة والرقّة ستّ عشرة سنة ولقي حتفه عام 170 وفي عهده ظهر مرقيون القنسريني. قال أغابيوس المنبجيّ “هذا كان من مدينة قنسرين ابن أحد أساقفتها. ولمّا نفاه أبوه من الكنيسة وطرده لما رأى من كفره وسوء معتقده سار إلى رومية وسأل البابا انيكطس وكافّة الرؤساء قبوله والصفح عن مرقه من الأمانة المستقيمة. فلم يقبلوه لعلمهم بروح القدس بأنّ ضميره في التوبة ليس منه عن نيّة صادقة. وأنّ في ضميره خلاف ما في ظاهره…” ولمّا تمادى في أباطيله وخزعبلاته فصله الآباء. وكان يزعم أنّ الآلهة ثلاثة عادل وصالح وشرير وزاد أصحابه على الإنجيل والرسائل البولسيّة ونقصوا منها ما لم يرق لهم وسمّوا ذلك الكتاب “كتاب الغاية والنهاية” ثمّ اخترعوا مزامير حديثة وأنكروا الانبعاث. ولم يسلّموا إلاّ بإنجيل متّى.

 

7- ثاوفيل

إنّ لثاوفيل سادس البطاركة مقالات شتّى وتصانيف دقيقة في صحّة النصرانيّة منها ثلاث مقالات ضدّ أطلقس ومقالة ضدّ هرموجانِس أورد فيها شهادة من رؤيا يوحنّا الحبيب وأخرى ضدّ مرقيون. وكان كاتبًا بارعًا قاوم أراتقة عصره بكلّ طاقته. وميامره معروفة إلى يومنا. وهو أوّل مَن قال بالثالوث للدلالة على الأقانيم الثلاثة الإلهيّة. ومدّة رئاسته سنة واحدة وتوفي عام 172.

 

8- مقسيمس الأوّل

ترأّس ثماني عشرة سنة بإجماع المؤرّخين وقام بالبطريركيّة أحسن قيام حتّى توفي سنة 190 وفي عهده كان يوستينوس الفيلسوف المسيحيّ. ذهب إلى رومة واحتجّ لدى أنطونينوس الملك بصحّة ديانة النصارى فحظي لديه وأبطل الاضطهاد. وعرف أيضًا ططيان تلميذ يوستينوس الذي مال إلى بدعة مرقيون وزاد عليها ووضع الإنجيل المخلوط الذي سمّاه ذياتسرون وحذف منه تسلسل القبائل مع كلّ ما يؤيّد أنّ المسيح من قبيلة داود. وأنكر كذلك رسائل الرسل. وكان ططيان هذا من بلاد ما بين النهرين[2].

 

9- سربيون

دبّر الكرسيّ الإنطاكيّ إحدى وعشرين سنة وفَنَّدَ ضلال مونطان وتباعه الفروجيّين الذين حلّلوا الطلاق واخترعوا نواميس للأصوام وأطلقوا اسم أورشليم على ببوزا وطميون وهما من مدن بلادهم وهموا بأن يجمعوا إليهما كلّ مَن قال بمقالتهم وكانوا يصلون كلّ مَن سعى في بثّ مزاعمهم. ومن رسالة بعث بها سربيون البطريرك إلى قرقس وفنطيقس يتّضح جليًّا تفنيد هذا الزعم إذ قال فيها ما نصّه وإنّما كتبت بذلك “لتعلما أن النبوءة الحديثة أو بالحريّ الارتقة الكاذبة مرذولة لدى كلّ مَن في الدنيا”.

وفي سنة 196 اجتمع أساقفة في أورشليم ورومة وقيصريّة وقورنثية وما بين النهرين ليتباحثوا في مسئلة عيد الفصح فخالفهم فليقرطس مطران أفسس مع أساقفة آسيا وأبوا إلاّ أن يحتفلوا عيد الفصح بعد عيد اليهود بأسبوع كما كان جاريًا في أغلب الكنائس وظلّوا على تلك الخطّة حتّى المجمع النيقاويّ. وانتقل سربيون عام 211.

 

10- اسقلبياد

قام بأعباء الرئاسة اثنتي عشرة سنة واشتهر بالغيرة على الديانة القويمة وفي أيامه نبغ برديصان بن توحاما الفارسيّ في الرها وهو من فحول علماء السريان بل أنّه أوّل شاعر سريانيّ على ما تعهّد. ولسوء سيرته وخبث نيّته انحاز إلى تعليم مرقيون وولنطين وجحد الانبعاث وزعم بالأهلين. وكان تباعه يتّشحون بالحلل البيضاء زاعمين أنّ الأبيض حصّة إلاه النور والأسود حصّة إلاه الظلمة وعمر ثماني وستين سنة. ولافريم السريانيّ الملفان اليد الطولى والرتبة الأولى في مقاومة بدعته السمجة وتفنيدها- وتوفي اسقلبياد البطريرك سنة 223.

 

11- فيليطس

تسنم ذروة الرئاسة ثلاث سنوات وكان الهدوء سائدًا على إنطاكية في أيامه وانتقل إلى جوار ربّه عام 226 واشتهر في زمانه أوريجان العلاّمة البليغ الذي برز في تفاسير الكتاب المقدّس وإيضاح غوامضه.

 

12- أزبينا

لم نعثر في التاريخ على شيء من آثاره واسمه سريانيّ معناه مشترَى وساس الكرسيّ الإنطاكيّ عشر سنوات وحلّت منيته عام 236.

 

13- بابولا الشهيد

في السنة الثامنة لرئاسته فاز بإكليل الشهادة وذلك أنّه منع على والي إنطاكية دخول الكنيسة لبغضه للمسيحيّين فأوعز عليه صدر مكسميان الملك تشفّيًا ففتك بهِ سنة 224 وبثلاثة من تلامذته وجماعة من المسيحيّين. ومذ ذاك عرفت الأديرة في بريّة الصعيد ومصر على يدي بولا وأنطون أبوي الرهبان وهما أوّل من أظهر لبس الصوف والتخلّي في البراري والقفار.

 

14- فابيوس الشهيد

كانت مدّة رئاسته إحدى عشرة سنة واستشهد سنة 255 وفي أيامه كان ناباطيس القسيس الذي اختلس الكرسيّ الرومانيّ عام 251 حال وجود قرنيل الحبر الشرعيّ يزعم أنّ لا مغفرة لِمَن أخطأ بعد العماد فوعظه الآباء كثيرًا فلم يدعو فاجتمع عليه في رومية أربعة وستون أسقفًا وأبعدوه عن البيعة وزيّفوا تعليمه.

 

15- ديمتريوس الشهيد

ويروى اسمه ديمترينوس تقلّد الرئاسة ثماني سنين وفي عهده كان القس سابيليوس في بوزنطيا يثبت معتقده الوخيم في الثالوث الأقدس فنبذه الآباء وحرموه. وكان استشهاد ديمتريوس سنة 263.

 

16- بولس الأوّل الشميشاطي

كان عالمًا تحريرًا ثاقب العقل توسّم القوم فيه صفات حميدة وخصالاً فريدة فنادوا به بطريركًا على إنطاكية وكان بادئ ذي بدء مكرّمًا معزّزًا لاستقامة معتقده ولكنّه ما عتّم أن استنبط ضلالة كانت السبب لتسميته جرثومة المارقين. وكان يحذو حذو العالميّين قولاً وفعلاً حتّى صار عثرة للنصارى ولعبدة الأوثان نفسهم. قيل أنّه أمر الناس في كنيسته أن يصفّقوا له استحسانًا. وكان خطابه أبدًا ثناء على نفسه أو تنديدًا بآباء الكنيسة الأقدمين حتّى أنّه اتصل إلى أن يأتي بنساء إلى الكنيسة لينشدن الأناشيد في مديحه وتقريظه. ولم يكتفِ بهذا بل زعم أنّ المسيح ربّنا إنسان بسيط تبرّر من أعماله وتألّه وأنّ كلّ مَن اقتفى أثره أضحى مثله فالتأم سنة 264 في إنطاكية ثلاثة عشر أسقفًا وقيل سبعون أسقفًا بسعي ديونوسيوس بابا رومية فأرشدوه ؟؟؟ فرُدّ إلى كرسيه. غير أنّه ما عتّم أن عاد إلى ضلاله فاجتمعوا ثانية وأسقطوا ذكره من الذبتيخا وقطعوه بالكلّية وسنّوا إذ ذاك خمسة وعشرين قانونًا. وكانت مدّته ثماني سنوات. وهو الزارع لجراثيم الشيعة الآريوسيّة والنسطوريّة وأوّل محرّفي القوانين الرسوليّة[3].

 

17- دمنوس الأوّل

كان مزدانًا بالمآثر الجليلة صارفًا الهمّة في تأييد وانتشار الديانة القويمة وكانت وفاته عام 274. وفي عهده ظهر ماني الثنوي “هذا كان أوّل أمره يظهر النصرانيّة وصار قسيسًا بالأهواز وكان يعلّم ويفسّر الكتب ويجادل اليهود والمجوس والوثنيّين. ثمّ مرق من الدين وسمّى نفسه مسيحًا واتّخذ اثني عشر تلميذًا وأرسلهم إلى بلاد المشرق بأسرها حتّى الهند والصين ووزّعوا فيها عِلم الثنويّة[4] وروى المنبجيّ أنّه كان أوّلاً مجوسيًّا وتبنّته امرأة أسيفيلس بعد موت بعلها فاستولى على أربعة كتب كان قد صنّفها ومنها استنبط اختراعاته وادّعى أنّه مصنّفها. وتتلمذ له ثلاثة تلامذة ادي الذي وجّهه إلى أرمينيا وتوما إلى بلاد الهند وطيبول جعله ملازمه. ولمّا خلعوا نير الطاعة له ادّعى بأنّه البارقليط واتّخذ اثنتي عشر تلميذًا كالسيّد المسيح. وزعم بالثنويّة والتناسخ وكان يفرط في تمجيد النار وجحد الانبعاث. وقيل أنّ سابور ملك الفرس قتله وسلخ جلده وحشاه تبنًا وصلبه على سور المدينة لأنّه كان يدّعي الدعاوي العظيمة وعجز عن إبراء ابنه من مرض عرض له.

 

18- طيمثاوس

ترأّس تسع سنين وحلّت وفاته سنة 283 وفي عهده كان جملة من الملافنة كأوسابيوس وأناطول الإسكندريّين وثاودط الطبيب الماهر بشفاء الأنفس والأجساد وغيرهم.

 

19- قرلس

قام بأعباء الرئاسة خمس عشرة سنة وقضى نحبه سنة 298 وفي عهده حاول سطرنينس حاكم إنطاكية التمرّد على فريوس قيصر وسعى بتجديد إنطاكية قاصدًا التملّك عليها فتعذّر عليه ذلك وقُتل في أوفاميا.

 

20- طورانس

كانت أيامه مشمولة بالهموم والغموم لأنّ ديوقلطيان قيصر أمر بدكّ الكنائس والمعابد وإحراق الكتب الدينيّة والتنكيل بالمسيحيّين فاستشهد خلق كثير منهم رومانس المشهور وعززائيل الشميشاطيّ صاحب الآيات وفي ذلك العهد شيّد نونا أسقف الرها كنيستها الكبرى وخلفه شيلوت فأكملها وسمّاها أجيا صوفيا وخلفه ايثالاها فابتنى جهّتها الشرقيّة وأقام بيتًا للغرباء سنة 324 ثمّ قام إبراهيم عام 346 فأسّس كنيسة المعترفين ثمّ برسا سنة 361 وشيّد بيت المعموديّة. أمّا طورانس فطالت رئاسته إحدى عشرة سنة وانتقل سنة 309.

 

21- بيطاليس

كانت مدّته ست سنين وحضر مجمع أنقرة وسعى بتشييد كنيسة في باليه بإنطاكية وتوفي سنة 315 وفي عهده ظهر أريوس المبتدع وعلا ذات يوم المنبر ليخطب فقال أنّ كلمة الله مخلوقة مباينة بالجوهر لذات الله.

 

22- بلوجين

في عنفوان رئاسته اشتدّت وطأة الشيعة الآريوسيّة في مصر والإسكندريّة فقاومها بلوجين بكامل قوّته. وهو الذي أنجز بناء الكنيسة التي باشرها سالفه وذكر بعض المؤرّخين أنّه بعد وفاة بلوجين خلفه بولين أسقف صور وكان ذا مآثر شريفة وفضائل جليلة. إلاّ أنّ مؤرّخي السريان كميخائيل الكبير وابن العبريّ أثبتوا أوسطا ثيوس قبله. وكانت مدّة بلوجين خمس سنوات واحتضاره عام 320.

 

23- أوسطاثيوس

كان راعيًا نشيطًا وإمامًا خبيرًا ولمّا استفظع ما أحدث آريوس من الفتن والقلاقل في بيعة الله انبعثت همّته لالتئام مجمع عامّ في نيقية عام 325 وكانت الكنيسة إذ ذاك راتعة في الأمن والسلام لتملّك قسطنطين الكبير القاهر واعتنائه بترميم البيع والمعابد والأديار. ومن جملة ذلك أنّه بنى بإنطاكية هيكلاً ذا ثماني زوايا على اسم السيّدة وساعد آباء المجمع النيقاويّ الثلاثمائة والثمانية عشر وحضره بنفسه. أمّا بابا رومية سلوستر فلكبر سنّه أرسل بدله أوسيوس أسقف قرطبة وكاهنين رومانيّين فنظروا فيما تفوّه به به آريوس فوجدوه مخالفًا لأصل المذهب فزيّفوا علمه الفاسد ورتّبوا الأمانة المشهورة واجتمعت الفرق المسيحيّة كلّها على صحتها إلى يومنا هذا[5] وممّا قالوه في البطريرك الإنطاكيّ في البند السادس ما نصّه “وكذا صاحب إنطاكية يكون مستوليًا على أصقاعه كلّها ويكون تحت يديه ماية وثلاثة وخمسون أسقفًا ومطرانًا لأنّه متولٍّ عمل فارس والمشرق أيضًا” وأورد ابن العبريّ نقلاً عن هذا المجمع أنّ لبطريرك إنطاكية سلطانًا على كلّ المشرق وأنّ البطاركة أربعة رئيسهم البطريرك الرومانيّ[6].

وكان في جملة الآباء مار يعقوب النصيبيني ومار افريم تلميذه. ومنذ ذلك العهد درج استعمال لفظة البطرك أو البطريرك لرئيس الأساقفة في الكنيسة[7].

أمّا الآريوسيّون فامتعضوا من  أوسطاثيوس البطريرك وأخذوا يشنعون ويضيّقون عليه فنفوه وأقاموا بدله بولين أسقف صور ثمّ أولاليوس وأفرون الدخيلين اللذين تحزّبا لآريوس وعضداه. وكان حقّنا ألاّ نورد أسماء هؤلاء الثلاثة في السلسلة غير أنّنا تبعًا لكتبة السريان أدرجناهم. وطالت مدّة نفي أوسطاثيوس ثماني سنوات وأغلب المؤرّخين على أنّه لقي ربّه عام 340 ودبّر الرعيّة بالمداراة والفطنة وصنّف مقالات ضدّ الآريوسيّين تحكي عن تضلّعه وخبرته بأنواع العلوم.

 

24- فولين

أُقيم لمّا نُفي أوسطاثيوس سنة 332.

 

25- أولاليوس

أُقيم سنة 337 ومدّته سنة واحدة.

 

26- أفرون

أُقيم سنة 338 ومات سنة 340.

 

27- فيلاقلس الآريوسيّ

بعد وفاة مار أوسطاثيوس تغلّب الأساقفة الآريوسيّون على الكرسيّ الإنطاكيّ ورسموا فيلاقلس بطريركًا وطالت مدّته أربع سنوات. فكانت الكنيسة من الجهة الواحدة تتعذّب من الآريوسيّين ومن الجهة الثّانية تتعزّى بأيمّة الملافنة والأبطال القدّيسين الذين جمّلوها بتآليفهم ومناقبهم كافريم السريانيّ المبرز في علمائنا والفاضل عليهم ويعقوب أفرهاط الفارسيّ ويوليان الشيخ وإبراهيم القيدونيّ وأهرون السروجيّ وأوجين رئيس النسّاك الشرقيّين الاثنين والسبعين الذين انبثّوا في بلاد المشرق وعملوا وعملوا وشيّدوا الأديار والمناسك وسلّموا إلينا آثار السلف.

 

28- أسطفان الآريوسيّ الأوّل

إنّ حزب الآريوسيّين كان يزداد وينمو حتّى أنّهم استولوا على كنائس إنطاكية بأسرها عدا كنيسة واحدة كان يخدمها فولين المستقيم الإيمان بالنشاط والكدّ. واتّفق أنّ قسطنس الملك سيّر أسقفين من رومية إلى أنطاكية ليرشد أسطفان البطريرك وحزبه إلى المعتقد الأرثوذكسيّ فحاول أسطفان خداعهما ولمّا درى الملك طرده من الكرسيّ وأغلب المؤرّخين على أنّه ترأّس خمس سنوات ومنهم مَن نقص سنة أو سنتين.

 

29- لاونطيوس الآريوسيّ

ترأّس ستّ سنوات وحلَّت منيّته عام 357 وفقًا لأغلب المؤرّخين ولم ينفكّ محاميًا وعاضدًا معتقد آريوس وتبّاعه حتّى موته.

 

30- أودكس الآريوسيّ

كان أسقف مرعش وتولّى بطريركيّة إنطاكية بأمر الملك وسنة 360 نُقل إلى بوزنطيا فترأّس ثمّ عشر سنوات ثمّ مات. ورُسم بدله لإنطاكية ميليطس المعظّم تبعًا لمؤّرخي السريان أمّا ابن البطريق وغيره فخلّلوا أنيانس بينهما وكان أحد قسوس إنطاكية وقاومه تبعة آريوس ونفوه وقيل إنّ مدّته كانت أربع سنوات.

 

31- ميليطس

كان حميم الغيرة على الدين القويم كثير المحاسن جمّ المناقب تمطرن أوّلاً على سيسطيا ثمّ انتخب للكرسيّ الإنطاكيّ. ولمّا خطب يومًا وصرَّح بأزليّة ابن الله عزّ شأنه نهض الآريوسيّون ونفوه وسمّوا بدله أوزيوس. أمّا الأرثوذكسيّون فسمَّوا فولين الشيخ البطريرك[8] واتّخذوه رئيسًا بدل ميليطس ولمّا عُقد المجمع القسطنطينيّ سنة 381 حرم الآباء أوزيوس وأيّدوا ميليطس وما عتم أن توفّاه الله تلك السنة عينها.

كان ميليطس معلّم فم الذهب وهو الذي رسمه شمّاسًا وقلّده وظيفة الوعظ في الكنيسة وفي عصره كان أثناسيوس الإسكندريّ وباسيل القيصريّ وغريغوريوس النازينـزي وقرلّس الأورشليميّ وغريغوريوس النوسيّ وغيرهم من جهابذة الكنيسة وأبطالها المتواترة تآليفهم بين أيدي السريان.

وظهر في الرها عود الأرخدياقن المتقلّد آراء برديصان السخيفة فقاومه مار افريم الملفان وفنَّد أضاليه. وظهر كذلك قوم يُعرفون بالمصلّين وكانوا يقولون: كلّ مَن صلّى وصام اثنتي عشرة سنة يأمر الجبل أن ينتقل من مكانه فينتقل.

 

32- أوزيوس الآريوسيّ

سمّي بطريركًا حال وجود القدّيس ميليطس وهو الذي عمَّد قسطنطين عمّ يوليان الجاحد. وروى بعض المؤرّخين أنّ أدريانس خلف أوزيوس سنة 360 ثمّ دورتاوس سنة 370 ثمّ رُدّ فولين. أمّا مؤرّخو السريان فذكروا فولين بعد أوزيوس وأربعتهم دخلاء لأنّ ميليطس البطريرك الشرعيّ لم يزل حيًّا في زمانهم.

 

فولين

هو الذي سبق ذكره تحت عدد 24 وكان قد سُمّي بطريركًا في حياة مار أوسطاثيوس ومار ميليطس ولمّا أُعيد هذا إلى كرسيه حُطّ فولين بأمر القدّيس دمسوس الحبر الرومانيّ وبما أنّه لبث في قيد الحياة حتّى هذا العهد رُدّ تكرارًا إلى الكرسيّ البطريركيّ وكان مستقيم الإيمان.

 

33- فلبيانس الأوّل

ترأّس في حياة سالفه فولين ومن ثمّ حصل شغب في إنطاكية وذهب بعض القوم بأوغريس البنطيّ إلى فولين فرسمه بطريركًا ضدّ القوانين. وبعد ذلك توسّط الملك فبعث بفلبيانس إلى رومية[9] ثمّ توجّه الملك بنفسه إلى تلك المدينة مستصحبًا أقاق مطران حلب وبهمة الحبر الرومانيّ حصل الأمان وتقرّر فلبيانس على كرسيه. ويرجّح أنّه مات سنة 404 ومدّة رئاسته ثلاث وعشرون سنة متفرّقة.

 

34- أوغريس

قدّمنا أنّ فولين رسمه وبعد وفاة فلبيانس تأيّد على الكرسيّ الإنطاكيّ حتّى وفاته فخلفه برضى الشعب طرابرفوريوس. وهذا أوغريس رسم فم الذهب كاهنًا.

وفي ذلك العصر أعني سنة 397 شيّد دير قرتمين في طور عبدين واشتهر أبيفان القبرصيّ وماروثا الميافرقيني الطبيب الملفان. بعثه أرقاديوس ثمّ ثاودسيوس الملكان إلى يزدجرد فنال إعزازًا لديه وأذن له ببناء المعابد والكنائس في بلاد الفرس. وهو الذي عقد في المدائن سنة 414 مجمعًا حضره أساقفة المشرق وأيّدوا فيه قوانين المجمع النيقاويّ. واشتهر كذلك القسّ عبسميا ابن أخت مار افريم وصنّف المقالات البديعة في خروج الهونيّين. ومار أبحاي المارديني العجائبيّ مشيّد دير السلالم في بريّة سويرك. قيل أنّه تمطرن على نيقية بمشورة ثاودسيوس الملك ولمّا هاجر عنها إلى سويرك أُقيم بدله أندرنيقس.

 

35- برفوريوس

ترأّس عشر سنوات وممّا يذكر عنه أنّه بعث سنة 410 إلى القدّيس ماروثا مطران ميَّافارقين رسالة تُليت في المجمع على مسمعي الملك يزدجرد. وكان فحواها “1ً: أن لا يكون في مدينة واحدة أكثر من أسقف واحد. وألاّ يُرسم الأسقف إلاّ من ثلاثة أساقفة و2ً: أن نعيّد بالاتفاق عيد الميلاد والدنح ونصوم الصوم الأربعين ونعيّد عيد الفصح ويوم الصلب العظيم والقيامة ونقرّب لله في كنائسنا ذبيحة جسد المسيح ودمه لتقديس الأحيا وقيامة الأموات. 3ً: إذا شاء ربّنا وسمع دعاءنا وبرز أمر الملك بالتئام الأساقفة نبعث إليكم بالقوانين التي ثبّتها الآباء الثلاثماية والثمانية عشر في المجمع النيقاويّ” ووقّع على هذه الرسالة المطارنة أقاق الحلبيّ وفقيدا الرهاوي وأوسابيوس التليّ وأقاق الأمدي.

وفي ذلك العهد كان سويرنس أسقف جبله بإنطاكية ثمّ استدعي إلى بوزنطيا في رئاسة يوحنّا فم الذهب فقلّده وظيفة الوعظ ومع أنّه كان يخطب ثمّ باليونانيّة “كانت اللهجة السريانيّة تبيّن فيه لأنّ نغمته اليونانيّة لم تكن فصيحة[10] وكانت وفاة برفوريوس سنة 414.

 

36- إسكندر

كان محمود السيرة حريصًا على المعتقد القويم ولمّا أفضت إليه البطريركيّة سعى بإلقاء بذار الوفق والاتحاد ما بين الإنطاكيّين الذين كانوا متنازعين منذ خمس وأربعين سنة. على أنّه مضى باقليرسه وأتى بهم إلى كنيسته باحتفال وكبكبة ومن ثمّ تغيّرت القلوب النافرة واندثرت الشيعة الآريوسيّة وملك الحبّ والسكون. غير أنّه ما عتّم أن ظهر نسطور المرعشيّ الرخيم الصوت الفصيح اللهجة الذي تولّى بطريركيّة بوزنطيا سنة 428 واخترع بدعته المشهورة التي انبثّت في البلاد الشرقيّة القاصية- أمّا إسكندر البطريرك الإنطاكيّ فحلّت وفاته سنة 424 وإليه كتب أنوكنت الأوّل بابا رومية يذكّره بالبند السادس من قوانين مجمع نيقية الذي أثبت لبطاركة الإسكندريّة وإنطاكية امتيازاتهم القديمة ويضيف إلى ذلك “فترى من هذا البند المذكور أنّ كرسيك لم ينل هذا الامتياز الفاخر لعظم شأن إنطاكية بل الأحرى أن يُقال أنّه فاز به لأنّ إنطاكية كانت الكرسيّ الأوّل الذي جلس عليه هامة الرسل[11] وهذا ممّا يبرهن عن الامتياز العظيم الذي خوّلته إنطاكية بسبب زعيم الرسل.

 

37- ثئودُط

ترأّس ثلاث سنين وقُبض سنة 427 بإجماع المؤرّخين وفي عهده كان سمعان العموديّ المشهور بالزهد والنسك.

 

38- يوحنّا الأوّل

ترأّس سبع عشرة سنة وفي أيامه عُقد المجمع الأفسسيّ سنة 431 وتقدّم المجمع قلسطين بابا رومية بواسطة نوّابه وقرلس الإسكندريّ مع مائتي أسقف ونيّف. أمّا يوحنّا الإنطاكيّ فظلّ مدّة محالفًا لنسطور وتخلّف عن المجمع. إلاّ أنّه بعد ذلك قدِم إلى أفسس بستّة وعشرين من أساقفته وجرى بينه وبين قرلّس خلاف كونه حرم نسطور صاحبه في غيابه وانتصر يوحنّا أوّلاً لنسطور وعاد إلى إنطاكية حاقدًا حاردًا فبعث الملك في طلبه فرقّم صحيفة وقّع عليها مع أساقفته وفيها أيّد مقالة قرلّس وحرم نسطور فنُفي نسطور إلى مرعش وتتلمذ له برصوم النصيبيني ونرسى الأبرص وغيرهما كثيرون وأخذوا يبثّون زعمه في بلاد المشرق.

ومّمن انحاز إلى نسطور نذكر الأساقفة تاودريط القورشيّ وأندراوس الشميشاطيّ وإسكندر المرعشيّ وإيريناوس الصوريّ وغيرهم.

واشتهر بتزييف ضلالة نسطور وتفنيدها ربولا أسقف الرها كما يتّضح من خطبته البديعة. وطرد ايهيبا من الرها لميله إلى نسطور فلمّا ارعوى تأيّد على الرها بعد انتقال مار ربولا. وتوفي يوحنّا البطريرك سنة 544 ومن المؤرّخين من نقص سنة وسنتين.

 

39- دمنوس الثّاني

بما أنّه قاوم ديوسقورس الإسكندريّ المعتقد بالطبيعة الواحدة تبعًا لأوطيخا رئيس الدير حطّ عن كرسيه ظلمًا ونُفي سنة 449 بعد أن ترأّس خمس سنوات. وإذ ذاك جمع ديوسقورس مجمعًا في أفسس حضره 450 أسقفًا وقثرس دمنوس وأبطل مقالة فلابيانوس وقطعه وحرم أيضًا سبعة أساقفة لم ينثنوا عن اعتقادهم الوطيد بالطبيعتين. واصل ذلك العجب والاستبداد.

وكان إذ ذاك إسحق الملفان الإنطاكيّ صاحب المقالات الرائعة التي فيها فنّد أضاليل نسطور وأوطيخا معاصريه وتوفي سنة 460.

 

40- مقسيمس الثّاني

إنّ مؤرّخي السريان اليعاقبة في حبريّة مقسيمس الثّاني يتكلّفون نقل حكايات واهيه عن لاون الحبر الرومانيّ ومرقيان وبولخاريا وسببه إسقاط ديوسقورس وإبطال زعمه. ولا حاجة بنا أن ندرج قصصهم لِما انطوت عليه من التزوير فالخليق بنا أن نورد ما كتبه المؤرّخون الصادقون:

في 8 تشرين الأوّل 451 بوشر افتتاح المجمع الخلقيدونيّ المقدّس بمحضر من 630 أسقفًا تقدّمهم لاون البابا الرومانيّ بواسطة نوابه وتُليت فيه أوّلاً رسالته المعروفة بالطمس وهي جليلة القدر رفيعة الشأن قد اشتملت على أخصّ العقائد الأرثوذكسيّة بأفصح لهجة. ثمّ أيّد الآباء مقسيمس على إنطاكية إذ كان قد ارتقى إلى ذلك الكرسيّ بوضع يد أناطول بطريرك القسطنطينيّة. وطلبوا ديوسقورس ثلاثًا فلم يرضَ فقثرسوه ولصاحبه أوطيخا وبرصوم رئيس الدير الذي حضر الجلسة الرابعة. وفي الجلسة السادسة أقرّوا ثاودريط القورشيّ وايهيبا الرهاويّ على كرسيّهما لأنّهما نبذا معتقد نسطور. وفي غياب نوّاب الحبر الرومانيّ سنّ أغلب الأساقفة أن تكون الكرامة لصاحب القسطنطينيّة بعد صاحب رومة فعُذلوا.

وكانت رئاسة مقسيمس الثّاني أربع سنوات واحتضاره سنة 453.

 

باسيل

لم يورد ذكره مؤرّخو السريان وذهب ابن البطريق إلى أنّه ترأّس سنة 453 وبعد سنتين توفي.

 

41- أقاق

إنّ ابن العبريّ ذكر مرطور بعد مقسيمس وغيره ذكر باسيل ثمّ مرطور. ونحن أوردنا أقاق تبعًا لميخائيل الكبير وحلَّت وفاته سنة 460 وفي عهده أيّ سنة 458 صارت زلزلة قويّة بإنطاكية وخسف بها مواضع كثيرة.

 

42- مرطور

كان مستقيم الإيمان وسنة 470 نفاه زينون الملك وأقام بدله بطرس القصّار الذي أقلق الكنيسة زمنًا طويلاً. ثمّ رُدّ مرطور إلى البطريركيّة واستمرّ ثلاث سنين حتّى توفّاه الله سنة 473 وقيل بل أنّه توفي في المنفى.

 

43- بطرس الثّاني

هو بطرس القصّار فخر المنوفستيّين المشهور بزيادته على التقديسات الثلاث “يا مَن صُلبت لأجلنا” سعى بنفي سالفه مرطور وراق له الجوّ فترأّس على إنطاكية زورًا وطفق يفعل ما بدا له ولمّا استفحل شرُّه طرده الإنطاكيّون وردّوا مرطور سالفه فعمد إلى زينون فردّه ثانية إلى البطريركيّة بعد ثلاث سنوات. ولمّا أن مات مرطور كما قدّمنا خلفه يوليان الأوّل ولم يلبث أن توفي فرجع بطرس القصّار وأخذ يسعى بتأييد زعمه فأمر سمبلقيوس البابا بإبعاده وأقام بدله يوحنّا الثّاني عام 475 فنُفي هو أيضًا فترأّس إسطفان الثّاني ثمّ إسطفان الثالث ثمّ أُعيد بطرس القصّار للمرّة الثالثة. ثمّ أُقيم قلندون حتّى سنة 484 ثمّ يوحنّا الثّاني ثانية حتّى سنة 485 ثمّ ردّ القصّار فتمّ له الظفر بالبطريركيّة حتّى تصرّمت حياته سنة 486 ولا يسعنا أن نذكر ما أصاب الكنيسة من عظيم الأذى والقلق في عهده.

وهو الذي سقف على منبج فيلكسين اخسنايا سنة 485 وكان فيلكسين نابغة عصره في أصناف العلوم وناضل عن العقيدة المنوفستيّة أشدّ مناضلة وكان يكثر من مجادلة الأرثوذكسيّين قولاً وكتابة. مات مخنوقًا سنة 523 ونُقلت عظامه إلى مذيات بطور عبدين حيث لُحدت في البيعة المسمّاة باسمه إلى اليوم. أمّا ابن أخته ويُسمَّى فيلكسين أيضًا فخضع للمجمع الخلقيدونيّ بكامل الرضى فعيّن أسقفًا لقبرس وفيها توفي.

 

44- مرطور

ذكرناه في العدد الثالث والأربعين وقلنا أنّه رُدّ ثانية إلى الكرسيّ كما صرَّح ميخائيل الكبير. وقيل أنّه غير مرطور السابق الذكر.

 

45- يوليان الأوّل

نُصِّب بعد موطور وبطرس القصّار حيّ وما لبث أن مات فردّ القصّار.

 

46- إسطفان الثّاني

لمّا سُمّي بطريركًا كان بطرس القصّار بعيدًا عن إنطاكية وبعد زمان قليل توفي.

 

47- إسطفان الثالث

كان أرثوذكسيًّا قحًّا وتوفي سنة 482.

 

48- قلندون

قدّمنا أنّ الإنطاكيّين طردوا بطرس القصّار وانتخبوا قلندون سنة 484 وفي السنة التالية نُفي. وجعله ميخائيل الكبير قبل مرطور.

 

49- يوحنّا الثّاني

أُقيم بمشورة سمبليقوس بابا رومية كما قدّمنا سنة 485 وبعد مدّة وجيزة رجع القصّار.

 

50- بلاديوس

أفضت إليه البطريركيّة بعد موت القصّار فدبّرها عشر سنين وكان حسن السيرة سهل المعاملة. وفي عهده كان أنسطاس الملك المنوفستيّ ينغّص على الأرثوذكسيّين وألزمهم استعمال الزيادة على التقديسات الثلاث فلم يذعنوا لحكمه فقتل منهم خلقًا كثيرًا.

 

51- فلبيانس الثّاني

ساس الكرسيّ الإنطاكيّ بغيرة وشهامة وسعى بتوطيد الحقيقة الراهنة بالطبيعتين قولاً وعملاً وكتابة فحرّد أنسطاس الملك عليه ونفاه وحلّت وفاته سنة 512. وفي تلك الأثناء نبذ أساقفة البلاد الشرقيّة القاصية رئاسة البطريرك الإنطاكيّ لانحيازهم إلى مقالة نسطور وأقاموا لهم بطريركًا خاصًّا سنة 498 سمّوه جاثليق بطريرك المشرق. وكان اسم أوّل مَن جلس على ذلك الكرسيّ بأباي. هذا أوّل فرع من البطريركيّة الإنطاكيّة.

 

52- ساويرا الأوّل

ولمّا توفي فلبيانس الثّاني خلفه شرعًا على إنطاكية سنة 512 ساوير الشهير ببغضه للمجمع الخلقيدونيّ وتضييقه على تباعه رُسم في إنطاكية بوضع يد فيلكسين المنبجيّ مع عشرة أساقفة[12] وكان قد قرأ العلوم في دير ثاودورا الكائن في غزه بفلسطين ولمّا أرشده أغابيط الحبر الرومانيّ ولم يرعو حرمه سنة 519 وعزله وسمّى بدله بولس أوفولا.

واختصّ سويرا بالشهرة والذكر لدى السريان لتضلّعه في فنون العلوم اليونانيّة وحذقه في الطقوس البيعيّة والخطب الكنسيّة وصنّف كتبًا شتّى باليونانيّة نُقل أغلبها إلى السريانيّة منذ القرن السادس منها المعانيث[13] التي تمّمها يوحنّا ابن افتونيا رئيس دير قنسرين سنة 538 وغيرها من التصانيف الدالّة على غزارة فضلة وسعة مداركه وقضي تسع عشرة سنة بعد عزله عن الكرسيّ كان في أثنائها يطوف مع بعض الأساقفة متّشحًا بالإسكيم الرهبانيّ من دير إلى دير ومن مدينة إلى أخرى سرًّا وجهرًا كما روى ابن العميد وحلّت وفاته في سكوث بالإسكندريّة في 8 شباط سنة 538.

وعاصره شمعون الفارسيّ أسقف بيت ارشم الجدليّ المنوفستيّ المتوفّى في القسطنطينيّة. ويعقوب السروجيّ بحر العلوم والحكم الذي تغني شهرته عن الأطناب وكانت الطلبة تتقاطر إليه من كلّ صقع للأخذ عنه وُلد سنة 451 وانتقل سنة 521 وصنّف 760 مقالة بديعة عدا رسائله ومداريشه وأغانيه وشروحاته الوفيرة. وفسّر ميئات أوغريس إجابة لطلب جورجيّ تلميذه واشتهر أيضًا شمعون القوقيّ في قرية جشير بإنطاكية وصنّف معانيث عُرفت باسمه. ويوحنّا التليّ البليغ الذي حامى عن المنوفستيّة بجامع قواه وتوفي سنة 519.

 

53- فولاأوبولس الثّاني

بعد أن حُطّ ساويرا عن الكرسيّ الإنطاكيّ سمّي فولاأوبولس وكان يقاوم المنوفستيّين بجامع القوى ويبذل الوسع في تأييد المعتقد القويم في إنطاكية وغيرها. ومن جرّاء ذلك تبدّد الأساقفة المنوفستيّون كيوحنّا الأمدي وفلكسين المنبجيّ السابق ذكرهما وتوما الدمشقيّ وغيرهم. ولمّا رام فولا البطريرك أن ترقّم أسماء آباء المجمع الخلقيدونيّ الستمائة والثلاثين في الذبتيخا ناصبة بعض الأساقفة فتخلّى عن البطريركيّة طوعًا. ولم يبرح أن مات سنة 521.

 

54- أفرسيوس

كان كسالفه ينغّص على المنوفستيّين ويحثّهم على قبول المجمع الخلقيدونيّ وكانت رئاسته سبع سنوات وسنة 528 لقي حتفه عند حدوث زلزلة قويّة في إنطاكية. وقيل أنّه لم يبقَ في إنطاكية بعد تلك الزلزلة سوى زهاء ألف ومائتين وخمسين نسمة.

 

55- أفريم الأوّل الأمدي

كان ثاقب الرأي عالي الهمّة غيورًا على الأرثوذكسيّة وتآليفه أكبر شاهد بطول باعه وذكائه وحصافته. غير أنّ مؤرّخي السريان حشوا مؤلّفاتهم تلفيقات وتلزيقات عليه لكونه سعى بتنكيسهم وإبطال زعمهم. ترأّس ثماني عشرة سنة أنفقها في أعمال الغيرة. وفي السنة العاشرة لرئاسته وهي سنة 538 توفي سويرا البطريرك فقام تباعه ورسموا سرجيس التلّي سنة 539 بطريركًا إنطاكيًّا مع أنّ أفريم ظلّ في الحياة حتّى سنة 546 ومن سرجيس هذا تبدأ سلسلة بطاركة السريان اليعاقبة الإنطاكيّين إلى يومنا.

ورحل أفريم إلى بلاد المشرق وواجه الحارث بن جبلا ملك العرب وفاتحه بشأن الطبيعتين فلم يثنِ عن رأيه فخلاّه وشأنه. وعاد إلى إنطاكية وبعد زمان وجيز قدِم إليه إلى إنطاكية سرجيس الراس عينيّ الفيلسوف المشهور والطبيب الماهر يتشكّى على أسول أسقف وطنه فأوفده أفريم إلى رومة فتوسّل إلى أغابيط البابا الرومانيّ فحضر إلى القسطنطينيّة حيث حرم سويرا وثاودسيوس وأنتيموس البطاركة وزعورا الراهب الأمدي وكلّ مَن قال بمقالتهم. ولسرجيس هذا اليد الطولى بِعلم الطبّ والبراعة في كلتا اللغتين السريانيّة واليونانيّة توفي في القسطنطينيّة سنة 536.

وممّن يستحقّ الذكر بين علماء السريان حينئذ يوحنّا ابن أفتونيا رئيس دير قنسرين المتوفّى سنة 538 ضبط معانيث ساويرا وزاد عليها وكمّلها.

وفولا القلنيقي مفسِّر الكتب من اليونانيّة إلى السريانيّة. وزكريّا الملطي الفصيح والمؤرّخ المشهور- وكان إذ ذاك يوليان الخيالي يبثّ زعمه بأنّ ربّنا تألّم ومات خياليًّا ولا حقيقة. وأنّ جسده عديم الموت والألم.

 

نظر

غنيٌّ عن البرهان أنّ الطائفة السريانيّة بانتزاحها عن الكنيسة الكاثليكيّة الجامعة وهجرها تعليمها القويم بالطبيعتين خاصّة انفرطت فيها علائق الاتحاد والائتلاف وتضعضعت رويدًا رويدًا أركانها الدينيّة والمدنيّة. وغدتْ هدفًا للنوائب والمصائب على أنّ أسواق العلوم والعمران في عنفوان انفصالها لم تزل فيها نافقة بيد أنّ أمورها الداخليّة ومعاملتها الخارجيّة كانت مبلبلة سقيمة عقيمة. وزد عليه أنّها حصلت بعد دهر في البؤس والفاقة وانتابها من الشقاء والعناء ما قطعها عن أن تقصّ آثار السلف- فأخذت من ثمّ تتناسى لديها التقاليد الأبويّة والتعاليم الرسليّة وكان السبب في ذلك كلّه خلع ربقة الإيمان القويم.

 

56- سرجيس التليّ[14]

وُلد سرجيس في تلّ موزل وإليها يُنسب ودرس العلوم في دير الرمل على الفرات. وبعد وفاة سويرا عام 538 كما قدمنا سمّي خلفًا له ورسمه يعقوب البرادعيّ وثاودور مطران الحيرة في بوزنطيا مع جملة من الأساقفة[15] وكانت مدّة بطريركيّته ثلاث سنوات.

ولمّا كان أغلب الأساقفة المنوفستيّين قد درجوا وكان الأحيان منهم محصورين في قرية واحدة نتجت لهم فكرتهم أن يأتوا بيعقوب البرادعيّ أسقف الرها وكان سليم الطوية ساذج القلب ويرسموه مطرانًا مسكونيًّا ضدّ القوانين البيعيّة[16] وبعد رسامته أخذ يسوح في البلاد ويرسم كهنة وشمامسة. فما كان من المنوفستيّين إلاّ أن بدّلوا اسمهم الحقيقيّ باسم يعاقبة تباهيًّا بيعقوب هذا البرادعيّ وبلغ عدد الذين رسمهم ماية ألف نيغًا من كهنة وشمامسة. وطالت مدّة أسقفيّته ثلاثًا وثلاثين سنة وانقضت أنفاسه في 30 تموز 578 بالإسكندريّة. وسنة 622 نقل عظامه إلى دير فسيلتا[17] زخيا أسقف تلّ موزل أمّا المطارنة الذين رسمهم فعددهم 27.

ويطول بنا المجال لو تحرّينا ذكر القلاقل والمشاغب التي جرت بين يعقوب هذا وبين أهل الإسكندريّة تباع الأسقفين قانون الطرسوسيّ وأوجين السلوقي الزاعمين تبعًا ليوحنّا اسقصناغ[18] تلميذ شموئيل بطرس الراس عينيّ والأسقف أثناسيوس ابن بنت الملكة ثاودورا تلميذ سرجيس التلّي ويوحنّا النحويّ الإسكندريّ بان في ربّنا طبيعة واحدة وأنّ لكلّ من الأقانيم الإلهيّة الثلاثة طبيعة وكيانًا وألوهيّة وانصرمت أنفاس البطريرك سرجيس سنة 541 وورثه أثناسيوس تلميذه المذكور.

 

57- فولا أو بولس الثالث الحبشيّ

كان مولده في الإسكندريّة وتربيته في دير الجب الخارجيّ[19] حيث رقّاه إلى البطريركيّة توما أسقف الرها[20] والأصحّ على ما ذهب يوحنّا الأفسسيّ وابن العبريّ وغيرهما أنّ يعقوب البرادعيّ مطران الرها وثاودور مطران الحيره رسماه بحضور ثاودوسيوس بطريرك الإسكندريّة المنوفستيّ. وبعد أن تولّى بطريركيّة إنطاكية جرت بينه وبين أصحاب الطبيعتين مجادلات دينيّة فأقرّ مع زميله يوحنّا الأفسسيّ الكاتب البليغ والمؤرّخ المشهور بالمعتقد الأرثوذكسيّ لكنّه بعد مدّة وجيزة عاد إلى ضلاله. ثمّ إنّه حاول التخطّي من الكرسيّ الإنطاكيّ إلى الإسكندريّ فناصبه يعقوب البرادعيّ والأساقفة ولمّا لم ينل أربه توجّه إلى الحارث بن جبلا فرحّب به ولبث عنده زمانًا. ثمّ رجع إلى سوريا وقدّم الطاعة والخضوع ليعقوب البرادعيّ[21] وبعد ثلاث سنين رضي عنه يعقوب وأقرّه على كرسيّه. وبعد تلك المدّة توجّه يعقوب إلى الإسكندريّة وجدّد الحرم على فولا واجتمع الأساقفة ليقيموا بطريركًا بدله فلم يتّفقوا. وعلى أثر ذلك مات يعقوب فكتب دوميان بطريرك الإسكندريّة السريانيّ الأصل إلى أساقفة سوريا اليعقوبيّين رسالة تعزية فيها حرّضهم على قبول فولا. ثمّ قدِم إلى سوريا بأسقفين واختاروا سويرا الأشعث ومضوا به إلى كنيسة مار بطرس الكبرى بإنطاكية التي تُدعى كنيسة قوسيان ورشوا قيمها ليسهّل لهم أن يرسموه تحت الليل. فشعر البطريرك الأرثوذكسيّ فأرسل وقبض على ثلاثة رهبان أمّا دوميان وأسقفاه فاختفوا في الكنيف وغلسًا ركنوا إلى الفرار.

وكان فولا البطريرك يقطن مدينة القسطنطينيّة منـزويًا في دير إبراهيم وحصلت بينه وبين يوحنّا السرميّ بطريرك القسطنطينيّة الأرثوذكسيّ مجادلات دينيّة شديدة أسفرت عن انضمام الأسقفين أسطفان القبرسيّ وفطلماوس إلى المعتقد الأرثوذكسيّ. ونبذ فولا ومذهبه بالكلّية. وكان أسطفان مستشار الملك لفصاحته وخبرته أمّا فطلماوس فأضحى قيم إحدى كنائس القسطنطينيّة. وبقي فولا بطريركًا إلى سنة 571 التي فيها حطّوه ورسموا بدله بطرس القلنيقي كما سيأتي. وكانت وفاته سنة 575 وقُبر ليلاً في دير الراهبات بالقسطنطينيّة.

وكان في ذلك العهد أسطفان الصُدَيلي الراهب الرهاويّ الزاعم باتحاد الأبرار والأشرار واليهود والوثن سويّة بعد الدينونة. وزكّى الرهاويّ الذي اتّفق مع يوحنّا وزينوب القسيسين فرسماه أسقفًا فعاد ورسمهما هو أيضًا أسقفين.

ويوحنّا الراهب الأوفامي الذي أذاع في الإسكندريّة أنّ من فكر الله سبحانه تولَّد عشرة أفكار ومن الفكر العاشر نشأ هذا العالم.

ويوليان المنوفستيّ شماس ثاودسيوس البطريرك الإسكندريّ الذي تلمذ الحبشة وأذاع بينهم معتقده وزرع في قلوبهم البغض للمجمع الخلقيدونيّ. واستمرّ لديهم سنتين. قيل أنّه كان كلّ يوم يذهب إلى الصهاريج ويعمّد الناس من الساعة الثالثة إلى العاشرة وفي عهد هذا البطريرك عُقد المجمع الخامس المسكونيّ سنة 553 في القسطنطينيّة برئاسة بيجليوس الحبر الرومانيّ وفيه حرمت الصحف الثلاث التي لثاودريط القورشيّ وليهيبا الرهاويّ وثاودورس المصيصيّ.

 

58- بطرس الثالث القلنيقيّ[22]

كان خبيرًا بأصناف العلوم الدينيّة والمدنيّة وله رسائل مستبدعة تشهد بجدارته وكفاءته ولمّا كانت الفتن تنمو وتزداد بين السريان اليعاقبة اجتمع أساقفة سوريا في دير مار حنانيا بين بالس والرقة وأتوا ببطرس هذا سنة 571 على الأصحّ ورسموه بطريركًا بوضع يد يوسف الأمدى مع أنّ سالفه ظلّ مختفيًا أربع سنوات كما قدّمنا أيّ حتّى وفاته سنة 575 وكان بطرس هذا خليل يعقوب البرادعيّ الذي عرض عليه البطريركيّة فرفضها حتّى هذه السنة. وكانت رئاسته عشرين عامًا ودفن في دير الجبّ الخارجيّ.

واشتهر في عهده أحادامه (أخوامه) المفريان[23] الأوّل اليعقوبيّ الذي رسمه يعقوب البرادعيّ سنة 559 وذهب بعض المؤرّخين إلى أنّ خرسطفور جاثليق الأرمن رسمه أسقفًا ويعقوب البرادعيّ مفريانًا. وهو مؤسّس دير كويخات ودير عين قينا. وقُتل في 2 آب 575 وقُبر في المدائن وله الكتب العديدة الشاهدة بحذقه ومهارته.

وعرف كذلك في ما بين النهرين موسى الآجليّ مصنّف الميامر ومفسّر العهدين. وشمعون رئيس دير لَقبين[24] مفسّر الزبور عن السبعينيّة. وبولس الفارسيّ الخبير بالمعارف الدينيّة والمدنيّة مترجم فصاحة أرسطو ومهديها إلى كسرى ملك الفرس. وروى ابن العميد أنّه في تلك الغضون كانت الزلازل تنتاب إنطاكية فلم يستوطنها من ثمّ اليعاقبة.

 

59- يوليان الثّاني

كان كاتب البطريرك سالفه وعنه أخذ. وتربّى في دير قنسرين وفيه جرت حفلة رسامته بطريركًا بوضع يد يوحنّا مطران تل موزل. وطالت بطريركيّته ثلاث سنوات وخمسة أشهر وانصرمت حياته سنة 595.

 

60- أثناسيوس الأوّل

وُلد في شميشاط ولبس الإسكيم الرهبانيّ في دير قنَّسرين. ولمّا توفّي توليان سالفه اجتمع الأساقفة سنة 595 في أحد أديرة المغرب واعتكفوا ثلاثة أيام. وفي الصباح فتحوا باب الدير فألفوا أثناسيوس يقود جملاً محمّلاً ملحًّا إلى ديره في شميشاط فأتوا به ورسموه بطريركًا. ولم يبرح يشتغل أشغالاً يدويّة متعبة في عهد بطريركيّته التي طالت خمسًا وأربعين سنة وتوفي سنة 631 ودُفن في دير كرومايا. وهو الذي وثَّق عرى الاتحاد بين الكرسيّ الإنطاكيّ والإسكندريّ. ولمّا بلغه أنّ الإسكندريّين سمّوا أنسطاس بطريركًا فرح بذلك وحمل إليه الهدايا والتحف وأقام عنده أربعين يومًا مع بعض أساقفته وكهنته ورهبانه ثمّ عاد إلى كرسيّه.

وفي عهده طرد كسرى الأساقفة الأرثوذكسيّين من ما بين النهرين وسلّم إلى اليعاقبة الكنائس والأديرة التي كان ضبطها موريقي بواسطة دومطيان مطران ملطية الأرثوذكسيّ وأرسل يونان الأسقف اليعقوبيّ إلى الرها. ومن ثمّ تغلّب اليعاقبة على بلاد ما بين النهرين حتّى قدم هرقل إلى الرها فطرد لعازر أسقفها اليعقوبيّ وسلّم الكنيسة للخلقيدونيّين ولمّا ذهب إلى منبج واجهه أثناسيوس البطريرك واثنا عشر  من أساقفته وسلّموه صورة إيمانهم فاستطابها إلاّ أنّه أمرهم بقبول المجمع الخلقيدونيّ فلم يذعنوا له.

“وفي هذا الزمان كان يُعرف أهرون القسّ الإسكندريّ. وكناشه في الطبّ موجود عندنا بالسريانيّة وهو ثلاثون مقالة وزاد عليه سرجيس مقالتين أُخريين[25]. واشتهر كذلك توما الحرقليّ في دير ترعيل قرب حلب. قرأ العلوم في دير قنّسرين ثمّ سُقف على منبج وصلّح العهد الجديد[26] وألّف نافورًا مرتّبًا على الحروف الأبجديّة. وبولس رئيس الدير الذي فسّر في قبرس كتاب غريغوريوس النازينـزي. وماروثا المفريان التكريتيّ العلاّمة الذي درس في دير مار زكى بالرقّة وفي دير مار متّى فوق الموصل وارتسم مفريانًا سنة 640 وتُوفي 649. والقدّيس سهدونا الذي كان أوّلاً مطرانًا نسطوريًّا على المدائن ثمّ اعتنق المذهب الأرثوذكسيّ وذهب إلى هرقل الملك وألقى خطبة نفيسة في أورشليم وحرم نسطور وتباعه وقضى عمره الأخير في الرها وانتقل إلى جوار ربّه برائحة القداسة وله كتاب فصيح اللهجة في السيرة النسكيّة.

 

61- يوحنّا الثالث.

هو صاحب السذارات أو الحسايات[27] البديعة التي في فرضنا البيعيّ وهي أنيقة شائقة المعاني. كانت بطريركيّته عام 631 بوضع يد إبراهيم النصيبيني وبعد ثماني عشرة سنة توفي في دير زعورا بدياربكر في 14 كانون الأوّل 649 وكان منذ نعومة أظفاره ميالاً إلى مطالعة الكتب كمعلّمه وسالفه أثناسيوس البطريرك. وإليه طلب عمر بن سعد ترجمة الإنجيل إلى العربيّة وشرط أن لا يرقّم فيها اسم الله والمسيح والعماد والصليب فقال له يوحنّا ببسالة معاذ الله أن أنقص حرفًا واحدًا من إنجيل ربّي ولو كلّفني ذلك أمرّ العذاب فانذهل عمر من شجاعته وأمره بالترجمة كيفما شاء.

وعُرف آنئذ يحيى النحويّ اليعقوبيّ الإسكندريّ الذي رجع عن معتقده فأسقطه الأساقفة عن منـزلته ودخل على عمرو بن العاص فأكرمه وسمع من ألفاظه الفلسفيّة التي لم تكن للعرب بها أنسة ما هاله ففتن به ولم يفارقه[28] وساويرا سابخت مطران قنّسرين وكان طويل الباع في العلوم اللغويّة والمنطقيّة والكنسيّة وتفاسير الكتب.

 

62- ثاودور

كان ولاده في بريّة الصعيد ودرسه في دير قنّسرين وسنة 649 رُقّي إلى الكرسيّ الإنطاكيّ بواسطة إبراهيم أسقف حمص في كنيسة إنطاكية. ودبّر الكرسيّ ثماني عشرة سنة كسالفه وتوفي سنة  667 ودُفن في دير قنّسرين حيث تربّى.

 

63- ساويرا الثّاني

يلقّب بابن مشقا وتربّى في دير أسقولس براس العين وسُقِّف على آمد وسنة 668 رُسم بطريركًا بوضع يد يوحنّا الطرسوسيّ ضدّ القوانين[29] البيعيّة. ولم يكن محمود السيرة من حيث أنّه أوقد نار الشحناء والفتنة في الشعب محاولاً قضاء وطره بواسطة الجنود. وثارت خصومة بينه وبين المطارنة سركيس الزاخونيّ وجبرائيل الراس عيني وحنانيا القرتميني لأنّه أنكر عليهم أن يرسموا أساقفة لأبرشيّاتهم حسب القوانين القديمة وادّعى أنّ بطاركة اليعاقبة أبطلوها منذ انفصالهم في المجمع الخلقيدونيّ. ورام عقد مجمع فيه حرمه أساقفته وأسقطوا اسمه من الذبتيخا فقطعهم هو أيضًا ولبثوا هكذا أربع سنوات. ولمّا احتضر كتب إلى يوحنّا المفريان أن “حلّهم متى ارعووا” فصحّ ذلك بعد وفاته سنة 680 وقبلوا الرسامات التي جرَت بواسطته وبواسطة الأساقفة محاميه.

واشتهر إذ ذاك “ماسرجويه الطبيب البصريّ السريانيّ اللغة اليهوديّ المذهب. وهو الذي تولّى في أيام مروان تفسير كنّاش أهرون القسّ إلى العربيّ[30].

وأثناسيوس بن جوميا الرهاويّ حسنت منـزلته عند عبد الملك بأن استدعاه إلى الشام وسلّم إليه أخاه عبد العزيز ليعلّمه وذهب صحبته إلى مصر ثمّ وجّه ابنه فطرا إلى الرها وطنه ليهتمّ بأرزاقه الوافرة. وكان أثناسيوس كاتبًا مدقّقًا وحكيمًا غيورًا على الديانة مكرّمًا الرؤساء معتنيًا بالفقراء والأرامل وحصل على ثروة معتبرة منها ثلاثمائة دكان وتسعة فنادق في الرها وشيّد كنائس عديدة واعتنى بتصوير صورة وجه المسيح فأودع الصورة الأصليّة المرسلة إلى أبجر في بيته وجعل الصورة الجديدة في كنيسة شيّدها وسمّاها بيت الصورة المارانيّة.

 

64- أثناسيوس الثّاني

وُلد في بلد[31] وقرأ العلوم في قنّسرين مع زميله يعقوب الرهاويّ على ساويرا سابخت المذكور الساعة وسنة 684 وهي الرابعة لفراغ الكرسيّ سمّي بطريركًا في دير أسفولس براس العين بوضع يد حنانيا مطران ماردين وكفرتوت. وكانت مدّة رئاسته ثلاث سنوات وتوفي عام 688 واشتهر باضطّلاعه بأصناف العلوم وفسّر غريغوريوس النازينـزيّ وساويرا الإنطاكيّ وكتابًا في الفلسفة ورسائل مذكورة وصلوات جليله.

وكان في عهده دانيال الصلحيّ مفسّر الزبور وابن سيراخ وسرّ الميرون. وجورجي أسقف العرب مطران عقولا سنة 688 مفسّر أريسطو وميامر النازينـزي والكتاب المقدّس أورد فيه لمعة من مقالات يعقوب أفرهاط الفارسيّ.

غير أنّ أفضل العلماء المبرّزين في ذلك العصر بين اليعاقبة كان يعقوب الرهاويّ الإمام المذكور المشهور بلقب “محبّ الأتعاب” حاز قصبات السبق في العلوم الدينيّة والطقسيّة والفلسفيّة والأدبيّة وامتاز بغيرته الوقّادة على القوانين البيعيّة وكان مسقط رأسه في عيدابا[32] ودرسه في دير قنّسرين والإسكندريّة ثمّ تمطرن على الرها وبعد أربع سنوات تخلّى عنها غيرة منه على حفظ القوانين واستئصال شأفة العوائد الحديثة حتّى أنّه اتّصل إلى إحراق كتاب القوانين على باب الكنيسة ثمّ زايل كرسيّه واعتكف في دير خيشوم ثمّ في دير تلعدا في إنطاكية. وبعد وفاة حبيب أسقف الرها ألحّ عليه الرهاويّون فعاد إليهم واستمرّ فيما بينهم أربعة شهور ولمّا ذهب ليستصحب تلاميذه وكتبه وكان عائدًا إلى الرها انقضت حياته في 5 حزيران 708 وليعقوب اليد الطولى والفضل العميم على بيعتنا كونه ضبط طقوسها ورتّبها وحافظ عليها. وصنّف كتبًا وشروحات شتّى ورسائل منتخبة وعليه تخرج عدّة  من الرهبان.

 

65- يوليان الثالث

كان عسكريًّا روميًّا ولذا يدعى يوليان الروميّ ثمّ ترهّب في دير قنّسرين ورُسم بطريركًا في ديار بكر بوسطة أثناسيوس السروجيّ سنة 688 وأصابه دنحا المفريان وبعض المطارنة بعظيم أذى فتغلّب عليهم ودحض المفريان وسمّى باخوس بدله. ودبّر الطائفة إحدى وعشرين سنة وتوفي سنة 709.

 

66- إيليّا

تربّى في دير الجبّ الخارجيّ ثمّ تسقّف 18 سنة على فاميه[33] ثمّ نُدب إلى البطريركيّة سنة 709 وواجه الوليد وحظي لديه وتوجّه إلى إنطاكية بمعيّة بعض الإقليرس والرهبان ودشّن كنيسة كان شيّدها بسعيه وسنة 722 كرّس كنيسة أخرى في سرمدا بإنطاكية. وطالت مدّة رئاسته 14 سنة وتوفي في ديره 3 تشرين الأوّل 723 وعمره اثنتان وثمانون سنة.

 

67- أثناسيوس الثالث

تربّى في دير الجبّ الخارجيّ أيضًا وعام 724 خلف إيليّا في دير قرتمين بوضع يد ثاودسيوس الراس عيني وقيل بل تربّى في دير حرباز وارتسم في الرها بوضع يد جبرائيل مطرانها. وهو الذي هادن يوحنّا جاثليق الأرمن الغريغوريّين بعد ما حصلت بينهما في ميافاقين وغيرها مجادلات دينيّة وكان الفوز للسريان فذهب ستّة أساقفة سريانيّين عند يوحنّا الجاثليق فقدّسوا وقرّبوا الأرمن وعلى ذلك المنوال فعل الأرمن وقرّبوا السريان وكتب كلا الفريقين صكًّا بلغته فأودع الصكّ السريانيّ لدى الأرمن والصكّ الأرمنيّ لدى السريان عربونًا للاتحاد وتمّ ذلك سنة 726 وهي سنة 135 للأرمن وخدم أثناسيوس خمس عشرة سنة وتوفي عام 740.

 

68- ايونيس أو يوحنّا الرابع

انتُخب بقرعة جرت بخديعة أثناسيوس السندليّ مطران ميافارقين وكانت تربيته في دير زقنين بآمد وتسقّف على حرّان. وبعد أن أُقيم بطريركًا قدِم مروان الخليفة إلى حرّان فحمل إليه الهدايا فأنعم عليه بفرمان مشهور وبما أنّه فصل مرعيث دياربكر خبثت عليه نيّة أثناسيوس السندليّ فوشى به لدى مروان فحبسه في حرّان وغرّمه أربعة عشرة ألف دينار وبعد انكسار مروان في الحرب خرج البطريرك وانزوى في ديره. وكان السندليّ منفردًا برأيه مستبدًّا بفعله وكان يرسم أساقفة دون رضى البطريرك ولمّا حرم إيليّا أسقف سنجار الملفان الخبير مفسّر الجزء الأوّل من النازينـزيّ قام داود مطران دارا وحرم السندليّ.

واغتالت المنيّة ايونيس البطريرك في تشرين الأوّل سنة 755 وخدم ستّ عشرة سنة ودُفن في البادية على ضفّة الفرات وسنة 745 أباح مروان للملكيّين فنصّبوا ثاوفليط بن قنبره بطريركًا عليهم وكان ذلك بعد أربعين سنة لفراغ الكرسيّ.

 

69- اسحق

لم يدرجه ميخائيل الكبير في السلسلة كونه تقلّد البطريركيّة في راس العين بأمر أبي جعفر ووضع عليه اليد يعقوب الضرير أسقف راس كيفا. وكان اسحق من دير قرتمين وسُقِّف على حرّان بيد ايونيس سالفه وسكن زمانًا في دير البروج بالرها- ويُروى أنّه فتك غيلة براهب غريب وزَّجه في بئر عميقة. ولم تمرّ على بطريركيّته سنة حتّى أمر به أبو جعفر فخُنق وأُلقي في الفرات فصحّ فيه المثل “ردّ كيده في نحره”.

 

70- أثناسيوس الرابع

هو أثناسيوس السندليّ الذي أوردنا ذكره في حياة ايونيس الرابع وكان مطران ميافارقين وتهذّب في دير قرتمين وتقلّد زمام البطريركيّة بأمر أبي جعفر كسالفه. ولمّا حظي بالفرمان ورجع إلى حرّان همّ أن يرسم عبدني تلميذ اسحق سالفه مطرانًا للحرّانيّين فأبوا ودخلوا عليه ليلاً وخنقوه سنة 758 فأتى رهبان دير قرتمين وأخذوه ودفنون لديهم. وقال ابن العبريّ “لا يجمل أن نذكر هذين البطريركين في السلسلة لاختراقهما حرمة النواميس البيعيّة وارتسامهما غير الشرعيّ” وإنّما أدرجناهما نحن لأنّه لم يكن بطريرك غيرهما في عهدهما.

 

71- جورجي أو جرجس الأوّل

وُلد في بعلتان بحمص وقرأ العلوم في دير قنّسرين وارتسم شمّاسًا. وفي كانون سنة 758 اجتمع الأساقفة في منبج ورسموه بطريركًا. فضغن عليه الأسقفان داود الداري ويوحنّا الرقي لخبث طويّتهما وأغريا بعض أساقفة ما بين النهرين فرسموا أحدهما أيّ يوحنّا بطريركًا. وأقام أربع سنوات ومات فخلفه زميله داود الداري بطريركًا وتوجّه إلى الخليفة أبي جعفر وشنَّع على جورجيّ البطريرك الشرعيّ ودبَّر على هلاكه فأمر أبو جعفر بضربه فضُرب ثلاثًا وكان يستمنح القوّة من العذراء. وعلى أثر ذلك أقام ثلاثة أيام صائمًا في دار الخليفة ثمّ سرّحه وأمر بالمناداة باسم داود بطريركًا. أمّا اليعاقبة فدحضوه ورفضوه خفية.

وجورجي هذا حُبس تسع سنوات مع يعقوب جاثليق النساطرة وثاودريط بطريرك إنطاكية الملكيّ وبواسطة مطران نصيبين النسطوريّ فكّ منصور الخليفة أسرهم وكتب جورجي في حبسه ميامر ومداريش بديعة. ولمّا أُطلق توجّه إلى تكريت وجال في ما بين النهرين ووصل إلى إنطاكية ورسم فيها عشرة أساقفة ثمّ رحل إلى دير برصوما بملطية وفيه زايل الدنيا سنة 790 وله تفسير متّى الرسول.

وفي عهده كان ثاوفيل الرهاوي مفسّر أوميرس إلى السريانيّة الذي توفي سنة 785.

 

72- يوسف

وفي حزيران 79 عقد الأساقفة مجمعًا في الباديه بحرّان ورسموا الراهب يوسف بطريركًا وكان صفرًا من العلوم بليدًا إلاّ أنّه كان بهيّ الطلعة معتدل القامة. ولمّا عوّل على النـزول إلى بغداد لنيل الفرمان ووصل إلى تلبسم قرب ماردين وعَك ومات في كانون الثّاني سنة 792 ودُفن في دير أثناسيوس[34] ولم يرسم سوى أسقف واحد لبعلبكّ وهو أنتيما.

وإذ ذاك اشتهر “يوحنّا بن ماسويه النصرانيّ السريانيّ ولاّه هرون الرشيد ترجمة الكتب الطبيّة القديمة وخدم الرشيد ومَن بعده إلى أيام المتوكّل وكان معظّمًا ببغداد جليل القدر وله تصانيف جميلة. وكان يعقد مجلسًا للنظر ويجري فيه من كلّ نوع من العلوم القديمة بأحسن عبارة وكان يدرّس ويجتمع إليه تلاميذ كثيرون[35].

 

73- قرياقس

تربّى في دير العمود بالرقّة وقيل في دير بيزونا وتقلّد البطريركيّة في 8 آب 793 بواسطة ثاودسيوس البعلبكيّ. ورسم ستّة وثمانين مطرانًا أدرج ميخائيل الكبير أسماءهم واحدًا واحدًا. منهم حنانيا مؤسّس دير الزعفران سنة 811 وهو سادس المطارنة. وخدم قرياقس البطريركيّة أربعًا وعشرين سنة وتوفي في الموصل في 16 آب 817 ونُقلت جثّته إلى تكريت مسقط رأسه وكان حادّ المزاج يسرع إليه الغضب صنّف أربعين قانونًا كنسيّة وطقسيّة وميامر ورسائل وشرحًا للقدّاس.

وهو الذي عقد مجمعًا في بيت باتين بحرّان بشأن مقالة “إنّنا نكسر الخبز السمويّ” التي كانت تُتلى في القدّاس وكان يتوهّم أنّ أقنومًا رابعًا يُضاف إلى الأقانيم الثلاثة ومن بعد التدقيق خيّر قرياقس أساقفته في استعمالها. وضاغنه أساقفة دير مار متّى الشيخ ورهبانه فحرمهم وحرموه. وشبّت نيران الخصومة بينه وبين التكريتيّين والحلبيّين والشميشاطيّين بشأن أساقفتهم فأبطلوا اسمه من الذبتيخا ثمّ عمد الأساقفة الجوبيّون فأتوا بأبيرام الراهب القرتمينيّ ورسموه بطريركًا دخيلاً وطفق أبيرام يرسم أساقفة دون أبرشيّات كانوا يجولون في البلاد قائلين “إنّنا نقاتل من أجل مسئلة كسر الخبز السمويّ” ضدّ قرياقس الهرطوقيّ. والخلاصة أنّ سعير الفتن لم يخمد في عهد بطريركيّته.

 

74- ديونوسيوس الأوّل

هو ديونوسيوس التلمحريّ الرهاويّ درس في دير قنّسرين وأصاب من العلوم حظًّا وافرًا وبعد وفاة قرياقس اجتمع في الرقّه ثلاثة وأربعون أسقفًا واختاروا أوثانس الملفان أوّلاً فأبى أغلبهم وتقدّموا إلى ديونوسيوس ونادوا به بطريركًا في غرة آب 818 ووضع عليه اليد ثاودسيوس الرقيّ. وجال ديونوسيوس البطريرك في سوريا وما بين النهرين وأصاب حظوة لدى المأمون فاستصحبه وأخاه ثاودسيوس مطران الرها[36] إلى مصر ورأى عجائب وغرائب ؟؟؟ في التاريخ وبرع فيه ولقي أذيات من مطارنته وشعبه ولاسيّما من أبيرام البطريرك الدخيل الذي أقلق البيعة اليعقوبيّة جدًّا حتّى وفاته سنة 837 ورغب ديونوسيوس أن يعيد الرسامات التي أجراها فلم يرضَ الأساقفة فاكتفى بأن يتلو عليهم الطقس المرتّب للذين يرجعون من الأرتقة. وكانت مدّة بطريركيّته سبعًا وعشرين سنة وقبض في دير قنّسرين الذي جدّده[37] في 22 ب 845 ورسم مائة مطران مذكورة أسماؤهم واحدًا واحدًا.

واشتهر سنة 829 ثاودرس مطران حرّان الملقّب بأبي قرّه جادل المأمون في مسئلة الدين يوم قدِم إلى حرّان[38] وجداله هذا مذكور في الكتب مشهور.

وأنطون الراهب التكريتيّ المعروف بأنطون البليغ الفصيح. كان واسع النظر في عِلم البيان والخطابة ومؤلّفه أكبر دليل على ذلك وله كتاب في العناية الربّانيّة وميامر ورسائل وصلوات.

ونونا الارخدياقن النصيبيني. صنَّف وهو في الحبس كتابًا ضدّ توما أسقف مرجا النسطوريّ الفصيح وألّف رسائل في القواعد الكنسيّة.

ولعازر بن سبتا مطران بغداد صاحب المقالات الانتقاديّة في القدّاس والعماد وغيرهما من الأسرار. حطّه عن كرسيّ بغداد ديونوسيوس البطريرك في آذار سنة 829 وأقام غيره بدله.

ويوحنّا الداري الذي صنّف تاريخه إجابة إلى طلب ديونوسيوس التلمحريّ وله تصانيف حسان في اللاهوت والكهنوت والقدّاس والنشور والنفس. وتفسير ديونوسيوس الاريوفاغي الكبير وغيرها.

 

75- يوحنّا الخامس

وفي 15 تشرين الثّاني سنة 847 اجتمع الأساقفة في دير مار شيلا بسروج ورسموا يوحنّا هذا بوضع يد حبيب الطرسوسيّ. وكان يوحنّا من دير مار زكّى خارج الرقه وخدم سبعًا وعشرين سنة. وسنة 874 لثلاث مضين من كانون الأوّل تجرّع كأس المنون ودُفن في دير أسفولس براس العين ثمّ نُقلت عظامه إلى دير مار زكّى حسب وصيّته. وفي السنة الأولى لرسامته احترقت الكنيسة الكبرى في ديار بكر فاهتمّ كبراء الطائفة بتشييدها وبعد ثلاث سنوات أكملوها. ورسم ستّة وثمانين مطرانًا[39] وعقد مجمعًا في كفرتوت قرب ماردين في شباط سنة 869 ورتّب ثماني مسائل تتعلّق بالحقوق البطريركيّة والمفريانيّة[40].

 

76- اغناطيوس الثّاني

وبعد ثلاث سنوات ونيّف لوفاة يوحنّا اجتمع الأساقفة في دير مار زكّى بالرقه واتفقوا على يشوع الراهب الذي تربّى في دير شميشاط ثمّ في دير حرباز ورسم بطريركًا بوضع يد طيمثاوس الشميشاطيّ وسمّي أغناطيوس[41] وخدم أربع سنوات وعشرة أشهر ولقي حتفه يوم ثلاثاء الآلام في قرية مريبا القريبة من راس كيفا في 26 آذار 883 ورسم 26 مطرانًا وكان في عهده حنين الطبيب المشهور المتوفّى عام 876.

 

77- ثاودسيوس

وبعد أن ترمّلت البيعة السريانيّة أربع سنوات إذ لم يكن في ذلك العهد راهب أهل للبطريركيّة اجتمع الأساقفة في شباط 887 في دياربكر وتشاوروا فيمن ينصبون فرقّموا أسماء اثني عشر شخصًا ووضعوها على مائدة الحياه وفي الوقت خرج اسم رومانس الطبيب فرسموه بطريركًا بيد طيمثاوس الشميشاطيّ الذي رسم اغناطيوس سالفه ودُعي ثاودسيوس وكان درسه في دير قرتمين وبرع في الطب خاصّة وصنّف فيه كتابًا عُرف باسم “تأليف ثاودسيوس البطريرك” وطالت بطريركيّته ثماني سنين وأربعة أشهر. وتوفي في 4 حزيران 895 في دير قرتمين ورسم واحدًا وثلاثين أسقفًا وقيل ثلاثة وثلاثين أسقفًا.

 

78- ديونوسيوس الثّاني

وفي 23 نيسان 896 عقد الأساقفة مجمعًا في دير بيت باتين واختاروا نوحًا الراهب ورسموه بطريركًا في اشيت بسروج بوضع يد يعقوب الحمصيّ وسمّي ديونوسيوس وخدم ثلاث عشرة سنة وتوفي يوم الثلاثاء من أسبوع الراحة في 28 نيسان 909 ورسم اثنين وثلاثين أسقفًا.

وكان في عهده موسى بن كيفا أسقف بيت رمان والموصل المتوغّل في العلوم الإلهيّة والكتب المنـزلة والطقوس البيعيّة وله عدّة تآليف في التاريخ ومجادلة المارقين وشرح الستّة الأيام والعلل والنفس والفردوس وتراجم مارانية وطقس رسامة الرهبان والراهبات وغير ذلك ممّا يدلّ على براعته وغزارة علمه. وعمّر سبعين سنة وتوفي في 12 شباط سنة 903 وأخذ عنه كثير من العلماء منهم نصيحًا معلّم عبد يشوع بن عقرا النسطوريّ ولم يظهر بعده عند السريان علماء تذكر إلى عهد الربان يوحنّا مارون سنة 1017.

أمّا عند النساطرة فوجد عدّة علماء أدرجنا أسماءهم في كتابنا رغبة الأحداث ونكتفي بذكر أبي الحسن ثابت ابن قُرَّة الحرَّاني الذي اشتهر عام 896 وصنَّف مائة وخمسين كتابًا بالعربيّة وستّة عشر بالسريانيّة بغاية الاتقان والأحكام.

 

79- يوحنّا السادس

تربّى في دير قرزحيل[42] وارتسم في دير تلّ العصافير[43] يوم السبت 21 نيسان سنة 910 بواسطة يوحنّا المرعشيّ ودبّر البطريركية اثنتي عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام وتوفي يوم السبت آخر تشرين الثّاني سنة 922 وقُبر في دير أسفولس ورسم واحدًا وأربعين أسقفًا.

 

80- باسيل الأوّل

كان فاضلاً تقيًّا لطيف الشمائل مليح البشرة والهيئة ترهّب في دير أسفولس ولمّا أرسل الأساقفة في طلبه قال له أحدهم مبتسمًا “لحيتك تصلح للبطريركيّة” فدخل غرفته من ساعته وقصّها وبعث بها مع أحد الرهبان إلى الأساقفة فازدادوا غرامًا به وفي يوم الجمعة لخمس عشرة من آب سنة 923 رسموه بطريركًا بوضع يد حبيب مطران عين زربا إذ كان يوحنّا المفريان ميتًا وخدم إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر وقضى نحبه يوم الأربعاء من أسبوع الآلام في 25 آذار 935 ودُفن في دير الشرقيّ بالرها ورسم اثنين وثلاثين أسقفًا. وثارت فتن شديدة بينه وبين الأساقفة الشرقيّين لأنّهم لم يحضروا رسامته وكان الباعث لهم على ذلك توما مطران بغداد ولكنّ حلاوة كلام البطريرك وعذوبة رسائله أخمدت تلك النيران وفي أيامه كان “متّى بن يونس المنطقيّ النسطوريّ النحلة… قرأ على روفيل وبنيامين الراهبين اليعقوبيّين وإليه انتهت رئاسة المنطقيّين في عصره ومصره[44].

 

81- يوحنّا السابع

وُلد في جبل الأسود وفي 28 آب سنة 936 عقد أساقفة الشرق والغرب مجمعًا في دير تلعدا بإنطاكية ورسموه بطريركًا بوضع يد أثناسيوس الطرسوسيّ وكانت بطريركيّته سبع عشرة سنة وعشرة أشهر وتوفي يوم الأحد 2 تموز ودُفن في قبر يعقوب الرهاويّ بدير تلعدا ورسم ثمانية وأربعين أسقفًا.

“وسنة 942 أرسل ملك الروم إلى المتّقي يطلب منه منديلاً مسح به المسيح وجهه فصارت صورة وجهه فيها وأنّها في بيعة الرها[45] وذكر أنّه إن أرسلها إليه أطلق عددًا كثيرًا من أسارى المسلمين فاستفتى المتّقي القضاة والفقهاء فأنكر بعضهم تسليمها وأجاب بعضهم قائلاً أنّ خلاص المسلمين من الأسر والضرّ والضنك الذي هم فيه أوجب. فأمر المتّقي بتسليم المنديل إلى الرسل وأرسل معهم مَن يتسلَّم الأسارى[46].

 

82- يوحنّا أو ايونّيس الثامن

وبعد سنة لوفاة يوحنّا السابع اجتمع الآباء في دير تلعدا أيضًا يوم الأحد 6 تموز 954 ورسموا ايونّيس هذا بواسطة يعقوب القلنيقي. وكان ترهّبه في دير قرزحيل وحدثت قلاقل وفتن بين الأساقفة الشرقيّين والغربيّين لأنّهم لم يحضروا الرسامة وكادوا يرسمون لهم مفريانًا لولا حلول وفاة ايونّيس يوم الجمعة 29 كانون الأوّل 957 وقُبر في دير سليمن في دليك[47] ورسم عشرة أساقفة.

 

83- ديونوسيوس الثالث

وفي 28 تشرين الثّاني 957 اتّفق الأساقفة الشرقيّون والغربيّون واختاروا شمعون القرتميني ورسموه بطريركًا في تلعدا وسمّي ديونوسيوس بواسطة باسيليوس المفريان وفقًا للقوانين. وقيل يعقوب القلنيقي رسمه. وخدم سنتين وستّة أشهر وأربعة أيام وتوفي في 20 حزيران 961 ولحد في قبر ثاودسيوس رومانس البطريرك وفي عهده ابتنى دير سرجسيه بملطية رجل لص فارسيّ تاب وترهّب وسكنه سنة 958 وكان أصله من اشنو باذربيجان. وضاع عرف ذلك الدير حتّى اجتمع إليه ماية وعشرون قسًّا في برهة من الزمان وكان الربان يوحنّا مارون المتبحّر بفنون العلوم مستلمًا إدارته العلميّة.

 

84- إبراهيم الأوّل

تربّى في دير ثرعيل وفي غرة نيسان 962 ارتسم بطريركًا في تلعدا بوضع يد أيوب مطران زوغما[48]. ولم يغيّر شيئًا من عوائده النسكيّة ولم يركب خيلاً إلاّ أنّه لمّا توجّه إلى إنطاكية كان راكبًا على دابّة خاملة: ورسم سبعة أساقفة منهم قرياقس المفريان ومدّته تسعة أشهر وتسعة أيام وتوفي يوم الأربعاء 4 آذار وشيّعه ثلاثة أساقفة ونحو مائتي قسٍّ وراهب وشماس ودُفن في الدير الذي فيه تربّى.

“وفي هذا الزمان اشتهر يحيى بن عدي بن حميد بن زكريا التكريتيّ المنطقيّ نزيل بغداد. إليه انتهت رئاسة أهل المنطق في زمانه. قرأ على أبي ناصر الفاربيّ وكان نصرانيًّا يعقوبيّ النحلة… وكان يكتب في اليوم والليلة مائة ورقة وأكثر. وله تصانيف وتفاسير ونقول عدّة ومات ثالث عشر آب 974 ودُفن في بيعة لقطيعة ببغداد[49].

 

85- يوحنّا التاسع

لُقِّب بالحصيرة لاضطجاعه المستديم عليها تزهّدًا وكانت رسامته بطريركًا في كفر نيبا بسروج في 6 تموز 965 بواسطة سرجيس السروجيّ وقيل سرجيس البعلبكيّ وترأّس إحدى وعشرون سنة ورسم سبعة وأربعين أسقفًا ودُفن في دير البارد الذي أنشأه وكان بطاركة السريان في تلك الغضون يقطنون قرى إنطاكية وحلب وحرّان والرقه والرها ولمّا تغلّب الروم وملكوا ملطية استدعى الملك نيقافور يوحنّا البطريرك وألحَّ عليه في السكنى ببلاده فأذعن البطريرك وشيّد له ديرًا على نهر البارد بقرب ملطية وسمّاه دير البارد وسكنه. وعام 969 استدعاه نيقافور إلى بوزنطيا فاستصحب الأساقفة سركيس الفامي ويعقوب السيمنديّ وقسطنطين المرعشيّ واستمرّوا ثمانية أيام يتباحثون في مسئلة الطبيعتين ولمّا لم يذعنوا للحقيقة الأرثوذكسيّة رُدّوا إلى كراسيهم.

واشتهر إذ ذاك المطران اغناطيوس اسحق الملطيّ الملقّب بالساعي لأنّه كان يجول في جبال الرها ويوزّع البرشان على الرهبان. وهو مؤسّس دير والدة الله الذي يُدعى دير المطران في نواحي ملطية.

 

86- أثناسيوس الخامس

هو لعازر الذي تنسّك في دير مار أهرون بسنجار وفي يوم الخميس 21 تشرين الأوّل 987 ارتسم بطريركًا في قرية قطيني ببلاد جيحون بواسطة لعازر مطران عين زربه ولبث معتكفًا في دير البارد وطالت مدّته ستّ عشرة سنة وهو الذي رسم سنة 991 مفريانًا أغناطيوس بن قيقي الذي أسلم في بغداد ثمّ ارعوى وألّف ميمرًا جليلاً مؤثّرًا في توبته. ويوحنّا مطران قرتمين سنة 988 وهو الذي جدّد الكتابة الاسطرنجيليّة في طور عبدين إذ كانت قد بطلت منذ مائة سنة. وفي زمانه أرسل سبعة رهبان يعقوبيّون إلى القسطنطينيّة وحبسوا فيها حتّى موتهم واستولى اليونان على كنيسة يوحنّا الساعي بملطيه. وفي عهده كان “أبو علي عيسى ابن زرعه[50] النصرانيّ اليعقوبيّ ببغداد وهو أحد المتقدّمين في عِلم المنطق والفلسفة وأحد النقلة المجودين وله تصانيف مذكورة ونقول من السريانيّ والعربيّ وتوفي سنة 1007.

 

87- يوحنّا العاشر

هو المعروف بابن عبدون وُلد في ملطية وترهّب في دير يوحنّا الساعي وعمره ثماني عشرة سنة ولمّا بلغ الأربعين انتخب بالصوت الحيّ بطريركًا وفي 4 تموز 1004 رسم شماسًا وبعد يوم قسًّا وبعد مثله بطريركًا بوضع يد بطرس الحرّاني. وسلّم ما يتعلّق بالأمور الدنيويّة إلى الراهب داود فأفسد فيها فسادًا فاحشًا وأقام يوحنّا ستًّا وعشرين سنة ورسم تسعة وأربعين أسقفًا.

وذكر المؤرّخون أنّه توجّه إلى القسطنطينيّة بأمر نيقافور الملك فاستصحب ستّة أساقفة وعشرين راهبًا وقسًّا فوصلوا إليها في 15 حزيران 1029 وتحاور مع الأرثوذكسيّين بشأن الطبيعتين فذهبت مجادلتهم سدى. ونصحهم البطريرك القسطنطينيّ أن يعدلوا عن وضع الزيت بالبرشان والتصليب بالإصبع الواحدة فلم يذعنوا. فأرسل البطريرك يوحنّا عبدون إلى دير غايوس في بلغاريا فاستمرّ أربع سنوات وهناك انقضت أيامه في 2 شباط 1030.

 

88- ديونوسيوس الرابع

هو ديونوسيوس يحيى رئيس دير لعازر[51] ارتسم بطريركًا يوم الخميس 14 تشرين الأوّل 1032 بوضع يد إبرهيم القليسوري بمحضر ثلاثة أساقفة في دير مار ديمط[52] فحرد أثناسيوس المفريان الملطي وحاول أن يرسم بطريركًا آخر فانحدر إليه ديونوسيوس البطريرك راجلاً وقبّل يمينه وسأله أن يخدمه فأذعن وأحبّه البطريرك ورغب أن يرسمه شماسًا ثمّ قسًّا فتمنّع. وبعد تسعة شهور صمّم على رسامته مطرانًا. ولمّا كان يومًا يصبّ على يديه ماء قال له المفريان منذ الآن لا تخدم في القلاية فإنّ روح القدس يدعوك لتكون أسقفًا فاستعفى فأخبره المفريان فأخذ يبكي ولم يتمالك أن يهتف قائلاً: صلِّ لأجلي يا أبتِ فإنّي أنا هو تلميذك ديونوسيوس الخاطئ الذي أُقيم بدون استحقاق بطريركًا لإنطاكية فانذهل المفريان ومَن معه وجثوا وقبّلوا قدميه. ثمّ قام المفريان واستصحبه إلى دير برصوما وهكذا انطفأت الشرور. وهذا البطريرك رسم أن تكون ديار بكر وماردين مركزًا للكرسيّ البطريركيّ هربًا من الخلقيدونيّين. وأقام في دير الزعفران ودبَّر البطريركيّة عشر سنوات وخمسة أشهر وانتقل في 21 آذار 1042 ورسم اثنين وثلاثين مطرانًا.

 

89- يوحنّا الحادي عشر

هو ابن شقيق البطريرك يوحنّا بن عبدون تربّى في دير ابن جاجي بملطية وقلّد البطريركيّة في 2 آب 1042 في مدينة فرزمان بوضع يد إيليّا مطران زغما واتّخذ اسم يوحنّا تيمّنًا بعمّه وكان في رسامته أحد عشر أسقفًا دون المفريان مع انتظارهم إيّاه شهورًا فامتعض المفريان من جرّاء ذلك فتوجّه إليه البطريرك بأساقفة المغرب فتمّ الائتلاف في الجزيرة على شرط ألاّ يصنع مثل ذلك فيما بعد بل يُرسم البطريرك بحضور المفريان أو أخذ رضاه. ورقّموا ثلاثة صكوك حُفظ أحدها في تكريت والثّاني في دير قرتمين والثالث في الجزيرة. وزادوا نصيبين ودارا وقلث على أبرشيّة المفريان قصاصًا لمخالفتهم الصواب. واستوطن يوحنّا البطريرك آمد وترأّس أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وتوفي في أيار 1057 ودُفن في الكنيسة الكبرى ورسم ثلاثين أسقفًا.

 

90- أثناسيوس السادس

هو أثناسيوس عائش كان مطرانًا على أرشميشاط وصمحا[53] وارتسم ضدّ القوانين[54] بدير فاريس بحصنمنصور سنة 1058 بواسطة باسيل الحرّاني. فاستشاط المفريان غضبًا وسخطًا لعدم حضوره واتفق مع أساقفته ورسم في دياربكر الربان يشوع بن شوشان بطريركًا وسمّي يوحنّا باسم معلّمه يوحنّا بن عبدون البطريرك. ومن ثمّ جرّد قلمه ولسانه للذمّ والقدح في أثناسيوس البطريرك ولم ينثن عن ذلك مدّة خمسة أعوام أعني حتّى وفاة أثناسيوس. وفي عهده اهتمّ قسطنطين الملك أن يستميل اليعاقبة والأرمن إلى الأرثوذكسيّة فأرسل في طلب أثناسيوس وجعله في دير أبدوكس مطران ملطيه الأرثوذكسيّ ولمّا عوّل على الذهاب إلى القسطنطينيّة بأمر الملك ووصل إلى عرقا توفي فيها سنة 1094 ونُقل جثمانه إلى دير مار أهرون الذي تتلمذ فيه ورسم ثمانية عشر أسقفًا. وقيل عشرين من جملتهم بطرس ابن الطويل مطران عرقه[55] هذا نبذ المنوفستيّة طوعًا واعتنق الديانة الأرثوذكسيّة القويمة ومات فيها.

واشتهر إذ ذاك المطران اغناطيوس الملطيّ ابن أخت البطريرك أثناسيوس عائش وكان نابغة عصره في السريانيّة واليونانيّة والمنطق. ذهب إلى القسطنطينيّة بدل خاله وجادل الأرثوذكسيّين فأطلق إلى جبل غايوس بمقدونيا ثمّ رجع إلى مرعيثه بعد وفاة قسطنطين وتوفي في تشرين الأوّل 1090 وعمّر ديرًا في الرها على اسم سرجيس وباخوس.

 

91- يوحنّا الثّاني عشر

يُعرف بابن شوشان وبعد وفاة سالفه اتفق الأساقفة في دير مار أبحاي وأيّدوه في الكرسيّ الإنطاكيّ وتلوا رتبة الجلوس على الكرسيّ حسب الطقس. وبعد رسامته نظّم أربعة وعشرين قانونًا غاية في الدقّة وحتّم بحفظها. وجعل مركزه في دياربكر وقثرس خمسة أساقفة وأقام بدلهم. وكان شديد الذكاء مولعًا بالتأليف والكتابة وكان إذا سار في الطريق وجلس للراحة يأخذ القلم يسوّد ويبيّض وصنّف رسائل وخطبًا جمّة. وفي شيخوخته نسخ ميامر افريم واسحاق الملفانين العظيمين وجمعها في مجلّد واحد واخترمته المنيّة قبل أن يأتي عليها كلّها وذلك يوم الثلاثاء سادس تشرين الثّاني 1073 ودُفن في قبر رخام بكنيسة ديار بكر ومدّته بعد سالفه تسع سنوات ورسم سبعة عشر أسقفًا.

 

92- باسيل الثّاني

وبعد سنة عقد الآباء الشرقيّون والغربيّون مجمعًا في حصنمنصور وانتخبوا بالقرعة عبدون رئيس دير برصوما. فلم يسلِّم أغلب الأساقفة بانتخاب عبدون لما كان عليه من القحّة والعجرفة. فاختاروا باسيل العلاّمة الفاضل فلمّا علِم باسيل بانتخابه بطريركًا حلق لحيته تملّصًا إلاّ أنّ الأساقفة أجبروه ورسموه في كانون الثّاني 1074 بواسطة أثناسيوس الرهاويّ وخدم سنة ونصف سنة وانقضت أنفاسه في ميافارقين ورسم ستّة أساقفة منهم يوحنّا القرتميني المفريان.

 

93- يوحنّا الثالث عشر

هو يوحنّا بن عبدون أقامه باسيل سالفه مطرانًا على سيمندو بفروجيا ولمّا توفّي اجتمع أربعة أساقفة في ملطيه ورسموه بطريركًا ضدّ القوانين. وروى ابن العبريّ أنّ فلرطس رئيس العسكر الأرمنيّ رشى عشرة أساقفة فرسموه. فشغب عليه الأساقفة الغربيّون والشرقيّون واجتمعوا في دير برصوما وأتوا برئيسه لعازر ورسموه بطريركًا بوضع يد المفريان في أيار 1077 ودُعي ديونوسيوس الخامس. وقيل يوم جمعة الأربعين نهاية الصوم الكبير. أمّا يوحنّا بن عبدون فظلّ في قيد الحياة حتّى سنة 1095 ورسم أربعة أساقفة.

 

94- ديونوسيوس الخامس

استمرّ سنتين منـزويًا في دير برصوما ولم يرسم أحدًا على أثر بطريركيّته لاستظهار يوحنّا بن عبدون عليه وما عتّم أن توفي في 2 كانون الأوّل 1079 في حصنمنور ودُفن في كنيسة مار ثاودرس.

 

95- ايونّيس أو يوحنّا الرابع عشر

ولمّا توفي ديونوسيوس لعازر الخامس لم يرضَ الأساقفة المباركون بيوحنّا عبدون بل عقدوا مجمعًا في ملطيه ورسموا يوحنّا الراهب الكرشنيّ[56] عام 1086 في كنيسة مار جرجس بوضع يد أغناطيوس الملطيّ إذ كان المفريان يوحنّا غائبًا فتغلّب عليه ابن عبدون وهيج عليه فلرطس الأرمنيّ صاحب قبدوقيا فأذاقه عذابات مبرّحة حتّى توفي بعد سنة ونصف سنة لبطريركيّة ايونّيس وقُبر في دير البارد ورسم خمسة أساقفة.

وسنة 1085 افتتح سليمان بن أبي الفتح مدينة إنطاكية واستولى على كنيسة مار بطرس الكبرى التي كانت تُدعى قوسيان وجعلها مسجدًا أيّ جامعًا.

 

96- ديونوسيوس السادس

هو مرقس رئيس دير البارد لمّا توفي ايونّيس البطريرك اغتنم الفرصة ورشى فلرطس الأرمنيّ بثلاثة آلاف دينار واستمال إليه أسقفين فرسماه بطريركًا باسم ديونوسيوس. فأنكره يوحنّا المفريان ولم يؤيّده. ولمّا كان البطاركة الذين يرتسمون في حياة ابن عبدون تعاجلهم المنيّة أخذ يكتب ويقول بقحّة وجسارة “تركوني أنا ينبوع الحياة وذهبوا فحفروا لهم آبارًا مشقّقه لا ماء فيها” وكان المفريان ساخطًا عليه فاجتمع بالأساقفة وأيَّد ديونوسيوس مرقس ولم يلبث أن توفّاه الله بملطيه سنة 1090 ودُفن في دير زرنوق[57] الذي ضبطه الأرمن أمًّا يوحنّا عبدون فاستمرّ في قيد الحياة حتّى سنة 1095 كما قدمنا. وكان حقّنا ألاّ ندرج في السلسلة البطاركة الثلاثة الذين ارتسموا وهو حيّ إلاّ أنّنا اتّباعًا لغيرنا أثبتنا ذكرهم.

 

97- أثناسيوس السابع

هو أبو الفرج من آل خمّاره الآمديّين المشهورين تربّى في دير برصوما وفي غرّة كانون الأوّل سنة 1091 اجتمع الأساقفة في قراميس بملطيه واختاروه بطريركًا بالقرعة بوضع يد طيمثاوس التلفطريقي[58] فحاول ابن عبدون تنكيسه فنـزل أثناسيوس السابع إلى بغداد وفاز بفرمان بتأييده بالبطريركيّة وعزل ابن عبدون. ولمّا قفل راجعًا توفي ابن عبدون في حصنمنصور فدُفن بأمر البطريرك قدّام باب الكنيسة.

وكان إذ ذاك يوحنّا سعيد ابن الصابوني الكاتب البليغ مؤلّف الميامر البديعة الذي تمطرن على ملطية سنة 1094 ولمّا كان داخلاً إلى أبرشيّته طعن بحربة في هامته يوم العروبة رابع تموز من تلك السنة فمات ولم يلج مرعيثه. وبعد سبع سنوات استمدّ الرهاويّون من البطريرك أن يمطرن عليهم باسيل أبا غالب أخا يوحنّا الصابونيّ المشار إليه فأبى عليهم ذلك إذ كان مصمّمًا على أن يتولّى بنفسه تلك الأبرشيّة. فألزمه الرهاويّون فرسمه قسرًا. ولمّا انتهى إلى محلّ إقامته أساء السيرة في الرعيّة فاستشاط البطريرك غضبًا وقطعه وأبطل كنيسة الرها من الخدمة من نصف الصوم الكبير حتّى العنصرة. وأعاد كلّ الرسامات التي أجراها باسيل. وكان ذلك بفساد القسّ عبدون والقسّ صيبا وإبراهيم الأرخدياقن وغريغوريوس الضرير. فتعوّد الرهاويّون مذ ذاك الحين أن يعمّدوا أطفالهم في كنيسة الإفرنج وكان أبو غالب يقيم الطقوس البيعيّة دون مصنّفة وبطرشيل وعكاز. وتوسّط في الصلح برنردوس بطريرك إنطاكية الأرثوذكسيّ وبغدوين وجوسلى فحبط مسعاهم. فظعن البطريرك إلى دير الدواير وجدّد الحرومات على باسيل. ثمّ توجّه إلى دير قنقرت بآمد وابتنى ديرًا وقطنه ثمّ ذهب إلى جوسلى بلتباشر[59] وحاول إسقاط أبي غالب وخذله فلم يتمكّن فرجع إلى دير برصوما. وبينما كان يحتفل بالقدّاس في أحد العنصرة ووصل إلى دعوة الروح القدس تغيّرت سحنته وخولط في عقله فأمر طيمثاوس الجرجريّ[60] فكمّل القدّاس بدله. واستمرّ على تلك الحال ستّة أيام في خلالها رسم أسقفًا لسجستان. ويوم السبت ثامن حزيران 1129 لقي أجله ودُفن في دير برصوما وكان خبيرًا بالعربيّة وأغنى البطريركيّة بالحلل الجديدة الثمينة والصلبان الذهبيّة والفضيّة والعكازات. وكان يحمل معه كتبه أينما توجّه ورسم سبعة وستين أسقفًا منهم ديونوسيوس موسى المفريان وماية وأربعة وخمسين كاهنًا ومائتين وخمسين شماسًا. وخدم ثماني وثلاثين سنة.

وهو الذي عيّن لملطيه المطران ديونوسيوس بن موديانا فأنشأ فيها مدرسة معتبرة وكان متضلّعًا في درس الكتاب العزيز والفصاحة والخطابة.

وفي عهده اشتهر صديقه عبد المسيح الرهاويّ الفيلسوف الأرثوذكسيّ الخلقيدونيّ.

 

98- يوحنّا الخامس عشر

ولمّا توفي أثناسيوس السابع اجتمع خمسة عشر أسقفًا في خيشوم[61] بهمّة ديونوسيوس مطرانها وكتبوا إلى المفريان ديونوسيوس موسى فقدِم إلى ديار بكر واستدعاهم إليه فأبوا فجاء وإيّاهم إلى تلباشر بسعي جوسلي وانتخبوا موديانا رئيس دير الدوائر ورسموه في كنيسة الإفرنج الكاثليك الكائنة في قلعة تلباشر الحصينة ودُعي يوحنّا بوضع يد المفريان وكان ذلك في 17 شباط سنة 1129[62] بحضور جوسلي وعظمائه. أمّا باسيل أبو غالب مطران الرها المذكور الساعة فلمّا تأهّب ليأتي إلى المجمع أدركه المرض في شميشاط فعاد إلى الرها وتوفي بعد قليل. وكان يوحنّا الخامس عشر بعد رسامته قد رقّم رسالة مع أساقفته فيها حلّه من رباط وتُليت تلك الرسالة في جنازه. فقُبر مع سلفائه.

ثمّ توجّه يوحنّا موديانا البطريرك إلى دير برصوما وحمل أمتعته إلى دير الدوائر في خيشوم واستمرّ فيه حتّى وفاته في أيلول 1137 وضمّ جثمانه في قبر أخيه غريغوريوس مطران حلب. وترأّس ثماني سنوات ورسم اثني عشر أسقفًا. وكان جبانًا فاترًا في الأمور البيعيّة كثير الحقد والدهاء. قثرس يوحنّا بن أندراوس أسقف منبج المتوفّى عام 1156 لكونه لم يستقبله بحفاوة وكبكبة لمّا قدِم إليه. ولمّا أدّى له الطاعة عيّنه لطور عبدين ثمّ لبلاد أخرى وكان من أكابر الكتّاب صنّف مقالات طقسيّة شتّى منها مقالة ضدّ غريغور جاثليق الأرمن في رسم إشارة الصليب بالإصبع الواحدة بعث بها إليه فأحرقها.

وفي تلك الأيام كان افتتاح مدينة اطنه بواسطة الترك وكان مطرانها يُدعى ايونّيس ابن الطويل الرهاويّ. وكان سكّانها قاطبة من السريان اليعاقبة فدوّخها الأتراك سنة 1136 ونهبوها ودكّوا كنائسها وسبّوا مطرانها المسكين وقسّانه وشمامسته وجملة من الصبيان والصبايا ولمّا علِم بذلك ايونيّ ملك اليونان أتى بعسكره فرأى أنّ الأتراك قد برحوا المدينة[63].

 

99- أثناسيوس الثامن

وبعد وفاة يوحنّا الخامس عشر ترمَّلت البيعة السريانيّة سنة وأربعة أشهر ثمّ اجتمع أربعة أساقفة وانتخبوا الشمّاس يشوع ابن قطره الملطيّ وأتوا به إلى دير مقرونا ووشّحوه بالإسكيم  الرهبانيّ وللحال علموا بوصول ديونوسيوس المفريان إلى ديار بكر فذهبوا بالمنتخب إلى دير قنقرات[64] فرسم بيد مطران جرجر. ثمّ قدموا إلى ديار بكر حيث ارتسم بطريركًا بوضع يد المفريان في 4 كانون الأوّل 1139 وسمّي أثناسيوس الثامن. وأدب للأساقفة في ذلك اليوم مؤيّد الدين في ديار بكر مأدبة فاخرة.

وبعد رسامته تحزّب الأساقفة وشرطوا عليه شروطًا فقبلها ثمّ هاجر عن آمد إلى حصن زايد[65] حيث لبث ثلاث سنوات. وفي كانون الثّاني 1155 عقد أساقفة الشرق والغرب مجمعًا في دير برصوما ورتّبوا أربعين قانونًا لم يسلم بها البطريرك مع جملة من أساقفة الغرب إذ كانوا يرسمون كهنة بالرشوة. فأدّى ذلك بيوحنّا ابن أندراوس المذكور سابقًا أن يهجوه ويُشنّع عليه. وبعد زمان أُجبر البطريرك على قبول القوانين بهمّة المفريان وأساقفة ماردين وسنة 1165 أشار المطارنة على أثناسيوس الثامن أن يستوطن ماردين بدل ديار بكر فرضي. غير أنّ المرض أدركه فاستدعى ديونوسيوس يعقوب ابن الصليبيّ وعيّنه لديار بكر وكان ديونوسيوس هذا خبيرًا بأصناف العلوم توفي سنة 1171 واشتهر خاصّة بتفسير الكتاب المقدّس ودحض الارطقات وله تفاسير وخطب وصلوات وتاريخ وكان يوجّه تأليفه إلى صليبا الراهب العلاّمة المتوفّى سنة 1164. ولمّا رأى الماردينيّون أنّ حال البطريرك لا تساعده على المجيء إليهم كتبوا رسالة ينتخبون ميخائيل رئيس دير برصوما وهو ميخائيل الكبير خليفته إلاّ أنّ البطريرك توفي بعد قليل في عيد مار أبحاي 14 تموز 1166 ودُفن في دير برصوما وترأّس سبعًا وعشرين سنة وسبعة شهور ورسم مفريانين واثنين وثلاثين أسقفًا وفي عهده كان طيمثاوس مطران جرجر ذو الميامر البديعة المتوفّى سنة 1169 ويوحنّا مطران ماردين وكفر توت[66] الذي اشتهر بالرأفة والشفقة على الرهاويّين المنكوبين وكان خبيرًا بالعلوم البيعيّة ماهرًا في الهندسة استنبط ماء لدير برصوما وجدّد دير الزعفران وما جاوره من الأديرة وعزّز أرزاقه وأوقافه وله رسالة في شرح الأسرار البيعيّة جليلة القدر وغيرها. وعقد مجمعًا برئاسة المفريان اغناطيوس ورتّب فيه بعض القوانين الرسليّة. وسنة 1166 تهوّر عن ظهر الفَرس فمات.

واشتهر أيضًا أهرون السجستانيّ الذي رسمه أغناطيوس المفريان أسقفًا للحديثة[67] هذا نبذ معتقد السريان اليعاقبة ورحل إلى القسطنطينيّة حيث اعتنق الإيمان الأرثوذكسيّ ثمّ ذهب إلى أورشليم وفي آخر الأمر توجّه إلى جبل لبنان وفيه توفي عند السريان الموارنة.

 

100- ميخائيل الأوّل الكبير

وفي يوم الثلاثاء ثامن تشرين الأوّل 1167 التأم ثمانية وعشرون أسقفًا في دير برصوما وانتخبوا بالصوت الحيّ ميخائيل ابن القسّ إيليّا الملطيّ القينداسيّ رئيس الدير المذكور ورسمه يوحنّا السروجيّ المفريان. إلاّ أنّه تمنّع من قبول هذه الوظيفة السامية شارطًا على الأساقفة اتّباع القوانين البيعيّة والكفّ عن الرشوة في الرسامة وعن التخطّي من أبرشيّة إلى أخرى. وكان من أعوانه على ذلك ديونوسيوس ابن الصليبيّ المذكور سابقًا. فانقادوا إليه برمّتهم واختضعوا لمشورته وعلى أثر الرسامة رقم صكًّا بصورة إيمانه وبعث به إلى بطريرك الإسكندريّة وبلاد السريان ثمّ ظعن ميخائيل الكبير إلى دير الزعفران وسنّ تسعة وعشرين قانونًا وأيَّد أن تكون ماردين كرسيًّا للبطريركيّة الإنطاكيّة وأُقيمت ثمّ حفلة الجلوس على الكرسيّ فانبرى الخطيب المصقّع ديونوسيوس ابن الصليبيّ يصف ما تحلّى به البطريرك من المناقب. ثمّ ركب من ماردين إلى الرها وزار جبلها وأديرتها الشهيرة. ووصل إلى أورشليم يوم الخميس من أسبوع أوشعنا سنة 1168 وكرَّس الميرون في دير مريم المجدليّة الذي كان يخصّ السريان وفي عيد القيامة أقام يوحنّا مطرانًا لدمشق الشام وهو أوّل مطران رسمه. وفي 7 أيار ظعن إلى إنطاكية فأدخله الإفرنج إلى بيعة[68] مار بطرس الكبرى بأبّهة وكبكبة وسنة 1170 أرسل منوئيل الملك إليه وإلى نرسيس جاثليق الأرمن رسائل بشأن الاتحاد صحبة تاوريانس فأوفد ميخائيل بدلاً منه أوّلاً ايونّيس الخيشوميّ إلى رومي قلعة[69] ثمّ الراهب ثاودرس ابن وهبون وجرت بينهم مجادلات دينيّة شتّى. ثمّ كتب جاثليق الأرمن إلى ميخائيل يقول: إنّ الملك يطلب منّا عشرة أمور خمسة في الدين وخمسة في العرائد فالدينيّة أن نعتقد الطبيعتين والإرادتين والفعلين. والمجمع الرابع والخامس والسادس والسابع. ونعدل عن استعمال الزيادة في التقديسات الثلاث. والعاديّة أن يحتفل بعيد الميلاد في 25 كانون الأوّل[70] ونقدّس على الخمير ونمزج الخمرة بالماء[71] ونكرّس الميرون من زيت الزيتون. ونصلّي داخل البيع ونقيم القدّاس جهارًا. فكتب له ميخائيل: التسليم بالطبيعتين لا بأس فيه وأمّا حذف الزيادة من التريصاجيون  وإبسال قدّيسنا فوراؤه ما وراؤه ومع هذا فما تصنع أنت نحن له صانعون وكان ميخائيل يودّ الاتحاد من صميم الفؤاد.

وفي تلك الغضون ذهب البطريرك إلى آمد ورمّم دير قنقرات ثمّ توجّه إلى ماردين وناله ضيم من يوحنّا المفريان بشأن أهل حصص[72] ومن ايونّيس دنحا أسقف الرقه والقسّ حسن كوليب الماردينيّ فغلبهم بحزمه وحكمته وحجر على الأساقفة والبطاركة الذين سيخلفونه التصرّف بأرزاق دير برصوما.

وعام 1180 كتب ميخائيل من إنطاكية إلى مرقس بطريرك الإسكندريّة رسالة فيها فَنَّدَ ضلال مرقس بن قنبر الضرير ثمّ عاد إلى دير برصوما وشبّت إذ ذاك نار البغضاء في قلب تلميذه ثاودرس بن وهبون فكفر نعمته وجنح إلى العصيان واتّفق مع أربعة أساقفة فرسموه بطريركًا دخيلاً في ديار بكر سنة 1180 وبعد العناء والخسائر أتى به إلى دير برصوما وخلع عنه الحلّة الحبريّة وحلق لحيته وألبسه طربوشًا وثوبًا علمانيًّا فزاد ابن وهبون تصلّبًا ومكابرة وتوجّه عند جاثليق الأرمن فنادى به بطريركًا حتّى موته سنة 1193 وكان ابن وهبون خبيرًا بالعربيّة والسريانيّة وله نظم عربيّ يهجوا به ميخائيل الكبير.

وفي تلك الأيام شاخ البطريرك وطعن فاستقدم ابن أخيه غريغوريوس المفريان إلى دير برصوما وكتب له وصيّة جليلة مفعمة حلاوة ورقّة وأوصاه بالمحافظة على أرزاق الدير[73] وفي سابع تشرين الثّاني 1200 انتقل إلى دار البقاء وعمّر ثلاثًا وسبعين سنة. ومدّة بطريركيّته ثلاث وثلاثون سنة ورسم ستين أسقفًا ودُفن في دير برصوما في القبر الذي أعدّه وهو حي. وكان أتعب البطاركة خاطرًا وأشغلهم فكرًا وأشدّهم حرصًا على القوانين وأكثرهم اختبارًا وكان بهيّ المنظر طويل القامة رخيم الصوت جهيره تفرَّغ زمانًا للكتابة والتآليف. وحسبه تاريخه الكبير العجيب الذي منه اقتطفنا أكثر نبذتنا هذه.

وفي عهده ضبط الإسلام سنة 1170 الدار البطريركيّة بماردين وجعلوها مسجدًا وسنة 1172 استولوا كذلك على كنيستها التي شيّدها برصوما الماردينيّ على اسم توما الرسول وافتتح الأكراد سنة 1170 دير مار متّى الشيخ بالموصل وقتلوا خمسة عشر راهبًا كانوا فيه وخرّبوا كذلك دير مار سرجيس الذي فيه كان قد تربّى موسى بن كيفا ودكّوا أربع كنائس كبيرة في الرها. وهذا البطريرك رسم يوحنّا موديانا الرهاويّ مطرانًا على ماردين ليسوسها بدله فتوجّه موديانا إلى القسطنطينيّة بعد مدّة وصار أرثوذكسيًّا أيّ ملكيًّا وأُقيم مطرانًا على الملكيّين في ميا فارقين[74] فطلب الماردينيّون من البطريرك فأرسل إليهم ابن أخيه غريغوريوس المفريان ليرعاهم بدله وسلّمه رسالة معلنة بذلك مسطّرة في تشرين الأوّل 1195 موقّعة بإمضاء البطريرك وسبعة أساقفة.

 

101- أثناسيوس التاسع

هو الراهب صليبا رئيس دير برصوما ارتسم بطريركًا في 19 كانون الأوّل 1200 في دير ماديق بقلوذيا[75] بحضور خمسة عشر أسقفًا فامتعض المفريان لرسامته دون حضوره وقدم إلى آمد ورام أن يرسم غيره فقاومه مينا مطرانها فرجع إلى ماردين بيشوع سفتانا وهو ابن أخي ميخائيل الكبير  ؟؟؟. واتّفق مع أساقفة الشرق والغرب ورسمه بطريركًا يوم الأربعاء من أسبوع الراحة وقيل يوم جمعة المعترفين. ومن ثمّ قامت البغضاء والشحناء على قدم وساق إذ كان كلّ من البطريركين يحرم رفيقه ويرشي الحكّام ليستظهر عليه. وبعد مدّة أرسل ميخائيل الثّاني إلى دارا فسكن دير الأبيض. أمّا أثناسيوس فترتّبت عليه ديون جمّة للحكّام فنهب أمتعة ميخائيل الكبير فاستشاط عليه غضبًا القسّ إبراهيم أخو ميخائيل الكبير وقدِم إلى ماردين واستدعى ابن أخيه ميخائيل الثّاني والمفريان وعادوا إلى ملطية وأقنعوا ركن الدين حاكمها فنودي بميخائيل بطريركًا فهرب أثناسيوس سنة 120 إلى طور عبدين حيث أقام سنتين ثمّ رحل إلى بلاد الروم وأبطل المناداة باسم ميخائيل وذهب فأخرجه من دير برصوما. فانزوى إذ ذاك في بيت آبائه بملطية صامتًا ورجع المفريان إلى مرعيثه حاقدًا. وسنة 1204 طلب الماردينيّون المفريان فذهب وأبطل مناداة أثناسيوس وجدّد رسامة القسوس والشمامسة الذين كان رسمهم. وأمسى اسم ميخائيل في تكريت والموصل ونصيبين وماردين والخابور. وأثناسيوس في سوريا وبلاد الروم وطور عبدين حتّى وفاته سنة 1207 وقُبر في دير برصوما وترأّس سبع سنوات وكان خبيرًا بالأمور الدنيويّة صفرًا من العلوم البيعيّة. وفي عهده جدّد شمعون الطبيب المشهور دير مار قرياقس في حصن زايد وقطنه نحو ستين راهبًا كانوا يغتذون على مائدة واحدة كعادة رهبان قليقيا. إلاّ أنّه خرب بالكلّية سنة 1257 بدهاء الراهب ميخائيل الذي أُسلم. أمّا كتبه فاشتراها ديونوسيوس مطران حصن زايد.

 

102- ميخائيل الثّاني

وفي آب 1208 قدِم غريغوريوس المفريان إلى دير برصوما وجمع الأساقفة الغربيّين فأيّدوا ميخائيل الثّاني ثمّ كتب إليه أساقفة آمد والرها وطور عبدين وحصنمنصور يطلبون إيفاء الديون المتوجّبة عليهم للحكّام بواسطة سالفه فأنكر عليهم ذلك فأدّى بهم الأمر إلى أن خلعوه واختاروا بدله يشوع الكاتب الرومانيّ بطريركًا وأرسلوا مطرانين إلى نصيبين ومعهما مصنّفه وقالوا لهما حيثما وجدتماه وشّحاه بالمصنّفة وهلمّا به فصنعا كذلك فأتوا به إلى دير شير ونصبوه بطريركًا قسرًا سنة 1208 وسمّوه يوحنّا السادس عشر. ولمّا راموا أن يذهبوا به إلى آمد وماردين وطور عبدين انساب خفية إلى دير الباقسماط بقليقيا حيث انقطع إلى العبادة سنة كاملة ثمّ توجّه إلى دير كويخات[76] ثمّ مضى إليه مطران آمد وأصحابه الأساقفة وأخرجوه عن قيليقيا إلى قيصاريه فواجه السلطان عزّ الدين فأهدى إليه قطعة أطلس فاخر خاطها حلّة حبريّة وكتب له فرمانًا منطوقه المناداة باسمه في بلاده. ثمّ دخلوا ملطيه وكان ميخائيل الثّاني فيها ولمّا وصلوا إلى باب مار ثاودرس بالأبّهة والتراتيل. أمر الأساقفة أن يصمت المرتّلون العلمانيّون فاندفع ثاودرس أسقف الرها وكان رخيم الصوت يرتّل القاثسم الذي بدؤه “أين أنت اليوم يا يهوذا المكّار هلمّ انظر زملاءك” ولم يحيدوا عن دار ميخائيل الثّاني حتّى أتى عليه برمّته. وكان ميخائيل يسمع ذلك آسفًا. ثمّ طاف الأساقفة المباركون بيوحنّا البطريرك العائل في الرها وماردين وآمد وطور عبدين وهو في زيّ المكدّين وكان الناس يبذلون له الصلات لوفاء الديون. وذكر داود مطران قرتمين أنّ البطريرك يوحنّا كان يتنفّس الصعداء ويتأوّه قائلاً: “ويلي فإنّي لديكم أيّها الأساقفة كدبّة لُفَّت أمعاؤها. أنتم وربّكم” ولمّا أكملوا سياحتهم هذه ردّوه إلى دير كويخات فسكنه حتّى سنة 1215 التي فيها توفي غريغوريوس المفريان وميخائيل الثّاني البطريرك ودُفن في دير برصوما إذ كان قد ردّ إليه بمساعدة الحكّام وكان فاضلاً خبيرًا بأصناف العلوم.

 

103- يوحنّا السادس عشر

ولمّا درى الأساقفة بموت ميخائيل الثّاني شخصوا إلى قيليقيا وأتوا بيوحنّا السادس عشر إلى دير برصوما وأجلسوه على الكرسيّ وفي 27 تموز 1215 رسم الربان داود الخيشومي مفريانًا وسمّاه أغناطيوس. ثمّ رحل البطريرك إلى دير ماذيق بعد أن حرم شمعون طابقان رئيس دير برصوما. فازدرى شمعون بالبطريرك واتّشح بالبدلة وولج قدس الأقداس وأقام القدّاس مع أنّه كان له أربع سنوات لم يطأ المذبح وبعد مدّة طعنه فوتيغ العبد بخنجر في بطنه فخرّ ميتًا. أمّا يوحنّا البطريرك فقضى آخر أيامه بالسكينة والهدوّ حتّى وفاته سنة 1220 وكان قصير القامة ضعيف البُنية نحيف الجسم. وكان حزب ميخائيل الثّاني يدعونه (جندافول) أيّ فلسًا مزيّفًا لأنّه لم يكن يصنع ما يشاء بل ما يشاء أساقفته.

وكان في ذلك الزمان داود بن بولس الذي فسّر العتيقة والحديثة وصنّف مجادلة بين ملكيّ ويعقوبيّ وغرماطيقًا ومقالة في الزيادة على التقديسات الثلاث. وساويرا يعقوب البرطليّ الذي قرأ على ابن زعبيّ النسطوريّ وألّف كتاب الكنوز ورسائل وميامر وتفاسير جليلة واختصر كتاب أنطون التكريتيّ[77] البليغ وزاد عليه فوائد جمّة.

 

104- اغناطيوس الثالث

وبعد سنتين عقد الأساقفة مجمعًا في دير ماذيق وانتخبوا للكرسيّ البطريركيّ المفريان[78] أغناطيوس داود الخيشومي وأتوا به إلى دير برصوما حيث صلّوا رتبة الجلوس على الكرسيّ وتلوا صلاة اقليميس الحبر الرومانيّ وسلّموه عصا الرعاية في أحد العنصرة 1222 وانصرف كلّ إلى أبرشيّته. وبعد زمان توجّه البطريرك إلى دير زنقرات في حصن زايد ثمّ إلى دير أبي غالب[79] ثمّ واجه في ملطيه السلطان عزّ الدين وتلا أمامه خطبة نفيسة بالعربيّة والفارسيّة وطلع إلى دير برصوما ورمّمه وبعد مدّة استعرت نيران الخصومة بينه وبين ديونوسيوس مطران ملطيه ورهبان دير برصوما فذهبوا يشتكون عليه محتجّين بأنّه بذّر أرزاق الدير فلقيهم البطريرك في الطريق وأراهم الذهب والفضّة التي لديه فاستغفروه وعدلوا عن فعلتهم المذمومة.

ثمّ توجّه البطريرك مع عدّة أساقفة إلى إنطاكية وطرابلس وعكا وقوبل بالترحاب والعظمة. ولمّا وصل إلى أورشليم استقبله الرهبان الفرنسيسيّون وحملوه على أيديهم من باب العمود إلى دير المجدليّة وكان يقطنه حينئذ سبعون من الرهبان السريان فأتاه توماس الراهب الحبشيّ فرسمه أسقفًا كما طلب خلافًا للقوانين المرعيّة بين الكرسيّ الإسكندريّ والإنطاكيّ لكون علائق الاتحاد كانت قد انصرمت منذ زمان. فامتعض الرهبان الفرنسيسيّون وأقبل رئيسهم يعنّف البطريرك على فعلته فاعتذر بأنّه بعث يستشيره[80] فلم يجبه. ثمّ ظعن البطريرك إلى إنطاكية وصاف بها وفي الخريف توجّه إلى ملطيه وأقام المطران ديونوسيوس صليبي العالِم المدقّق نائبًا عنه ثمّ رسم لها القسّ أهرون عنجور في بيعة يوحنّا الساعي في أحد قانا الجليل وسمّاه ديونوسيوس.

وشيّد البطريرك كنيسة فخيمة في رومي قلعة وأخرى في ملطيه وفندقًا بالقرب من دير الساعي واشترى في إنطاكية دارًا في الجهة العليا منها وابتنى فيها كنيسة على اسم يوحنّا الرسول وقبّة لسكناه وكرسيًّا للبطريركيّة. وأسّس كنيسة في سيس. وسنة 1240 أرسل صورة اعتقاده بالإيمان الكاثوليكيّ إلى أنوكنيتوس الرابع الحبر الرومانيّ وجدّد سنة 1247 عهوده مع المفريان باسيل يوحنّا ابن المعدنيّ واشترط أن يستمرّ محافظًا على طقسه ولغته وعوائده وأن لا يخضع لبطاركة اللاتين ولا يؤدّي لهم الريشيت[81] وأن لا يجبر ملّته على أخذ سرّ التثبيت تكرارًا.

وشاخ البطريرك وكان داء النقرس يذيقه ألوانًا من العذاب فحمله الأساقفة والرهبان تلاميذه على أكتافهم بالأخشاب وأوصلوه إلى دير برصوما فكشف عن رأسه اتّضاعًا وشكر للأساقفة بكلام رقيق حملهم على البكاء. ثمّ غصبه بعض الأساقفة ولاسيّما مطران ملطيه على مبارحة الدير فحمله الرهبان بعد صلاة الستار إلى حصن كورّيس ونزلوا به إلى قرية مردا فثوى في بستان رجل سريانيّ ثمّ ظعن إلى الرها فرومي قلعة وسكن الكنيسة التي شيّدها وحظي لدى قسطنطين جاثليق الأرمن ولبث على ذلك المنواع حتّى وافته منيّته في 14 حزيران 1225 فشيّعه قسطنطين الجاثليق وأساقفة عديدون وقُبر في كنيسة الأرمن وورث الجاثليق ماله.

وخلَّف يوحنّا البطريرك تركة معتبرة لدير برصوما منها كتاب سياميذ خطّه ميخائيل الكبير بيده. وترأّس ثلاثين سنة ورسم عدّة أساقفة ومفريانين. وكان جلدًا صبورًا على الأمور رؤوفًا بالمحتاجين وقورًا رصينًا يستشير غيره ويحثّ الجميع على تحصيل الحكم والعلوم الكنسيّة. وصرف الهمّة فشيّد الكنائس والمعابد وأقام المدارس ونصّب المعلّمين الأفاضل وبذل لهم النفقات الطائلة. وعلى الجملة أنّه أنعش الطائفة اليعقوبيّة لكنّه نكث بالعهود التي أقرّ بها للكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ.

وهو الذي رسم غريغوريوس أبا الفرج ابن العبريّ مطرانًا لجوباس بملطيه في 14 أيلول 1246 وله من العمر عشرون سنة وهو الفيلسوف الكبير والمؤرّخ الخطير والعلاّمة الشهير الذي طبّق الآفاق ذكره وطار في الأصقاع نشره.

ومن الأطباء المشهورين سنة 1228 “الحكيم أبو سالم النصرانيّ اليعقوبيّ الملطيّ المعروف بابن كرابا خدم السلطان علاء الدين كيقباذ صاحب الروم وتقدّم عنده وكان قليل العِلم بالطبّ إلاّ أنّه كان أهلاً لمجلسه لفصاحة لهجته في اللسان الروميّ ومعرفته بأيام الناس وسير السلاطين[82] والحكيم ثاذري الإنطاكيّ اليعقوبيّ النحلة الذي أحكم اللغة السريانيّة واللاطينيّة بإنطاكية وشدا بها شيئًا من علوم الأوائل وأتقن عِلم الطب وقيّد أوايده وتصيّد شوارده[83].

 

105- ديونوسيوس السابع

وبعد وفاة البطريرك حاول ديونوسيوس أهرون عنجور مطران ملطيه المذكور أن يخطف البطريركيّة فسوّل لستّة أساقفة أن يرسموه فكتب أحدهم ديونوسيوس مطران قلوديا إلى المفريان باسيل يوحنّا ابن المعدنيّ يقول: إنّ بلاد المشرق توافقك لما عندك من الغناء والكفاءة بتدبيرها وإذا رمت وهبناك أبرشيّات أخرى علاوة فأخّر المفريان الجواب لئلاّ يرتسم غيره ثمّ كتب لهم أن أجلوا المجمع إلى عيد الصليب ولمّا لم يحضر في الأجل المضروب قام الأساقفة المباركون ورسموا عنجور بطريركًا باسم ديونوسيوس السابع في 14 أيلول 1252 ضدّ القوانين كرسامة أثناسيوس السادس فثقل ذلك على المفريان فأرسل إلى أساقفة الشرق وجبل الطور وأقبل بهم إلى الرها كي يرسموه بطريركًا فكتب له ديونوسيوس السابع وأساقفته كتابًا حمله غريغوريوس ابن العبريّ يستغفرونه فيه ويسترضونه وقبل وصوله إلى الرها كان ابن المعدنيّ بلغ إلى حلب حيث تمّت رسامته في 4 كانون الأوّل 1253 بوضع يد باسيل الحلبيّ عدوّ ديونوسيوس ولمّا ارتسم ابن المعدنيّ أقام باسيل المذكور مفريانًا للمشرق وسمّاه أغناطيوس وأرسله إلى دمشق فاستحصل له فرمانًا يؤيّده بالبطريركيّة. ثمّ رحل إلى إنطاكية وتبوّأ الكرسيّ البطريركيّ بغية أن تتأكّد بطريركيّته وزاره مطرانا عكّا وطرابلس اليعقوبيّان المتخاصمان. فحامى ابن المعدنيّ عن أثناسيوس يشوع مطران عكا فغضب عليه يشوع ابن فرسون ومطران طرابلس ووشى به لدى رؤساء الإفرنج فسقط اعتباره في عيونهم لكنّهم بعد ثلاثة شهور أدخلوه إلى كنيستهم[84] الكبرى وجلس على الكرسيّ أمّا أهل الرها فتعصّبوا لديونوسيوس وكتبوا إلى ملك الناصر سلطان دمشق ونادوا باسمه بطريركًا في كلّ بلاد ما بين النهرين وبعد مدّة أرسل الملك أحد فرسانه فاستصحب البطريرك وبعض الأساقفة ورؤساء الأديرة إلى دمشق وحلّوا ضيوفًا في كنيسة السريان وكان القوت يجري عليهم من بلاط الملك مدّة الصوم الأربعينيّ كلّه ثمّ استدعي للمثول بين يديه فعانقه السلطان وأمسك كلاًّ من أساقفته الأربعة بيمينه وأجلسهم أمامه وكان ترجمان البطريرك غريغوريوس ابن العبريّ. ثمّ دفع البطريرك إلى السلطان رسالة باشونين قائد عسكر التتر فلمّا فضّها ؟؟؟ لونه وأطرق. فركن البطريرك والأساقفة إلى مغادرته مخجولين مخذولين فذهب مكين ابن العميد القبطيّ رئيس كتبة السلطان إلى البطريرك قائلاً: لقد عرانا العارّ بسببكم والإسلام يسخرون من تباغضكم وتقاطعكم فلا يمكنكم أن تستعطفوا خاطر السلطان إلاّ بالمال. فتمّ القرار على أن يدفع البطريرك في حلب سبعة وعشرين ألف ريال. وبعد هذا رقّم الملك الناصر فرمانًا بديعًا فخرج البطريرك إلى حلب فرومي قلعة حيث كان ينادى اسم ابن المعدنيّ بطريركًا ثمّ ما كذّب وزير حلب أن سيّر إليه جنديًّا يطالبه بالذهب الموعود فمضى البطريرك إلى حلب وعيّن لها غريغوريوس ابن العبريّ مطرانًا على أن يؤدّي هو المبلغ.

وبعد مدّة بغت ابن العبريّ المفريان باسيل واغناطيوس صليبا نصيرا ابن المعدنيّ وشتا عنده ثمّ انطلق إلى دمشق فاستحصل فرمانًا بعزل عنجور وتأييد ابن المعدنيّ وعاد فقطن قلاّية حلب ولزم ابن العبريّ بيت والديه ثمّ توجّه المفريان إلى بالش وأتى بابن المعدنيّ إلى حلب حيث استدان ذهبًا لوفاء ديونه من رجل حبشيّ يقال له ميثقال فمضى ابن العبريّ بإشارة عنجور إلى دمشق واستحصل فرمانًا بضبط الكنيسة الحلبيّة. ولمّا سمع المفريان قدِم إلى طرابلس متعاطيًا مهنة الطبّ حتّى موته سنة 1258 وقُبر في بيعة مار بهنام بطرابلس وشيعة كهنة الإفرنج والسريان وكان خبيرًا بالفلسفة والطبّ.

أمّا ديونوسيوس البطريرك فسعى به ابن خاله صليبا ريّس الدير إلى ملك الناصر فلمّا طرق ذلك مسمعيه ذهب في حزيران 1259 ليستغيث بالتتر فحظي بفرمان من ملكهم منطوقه أن ليس لولاة الروم سلطة عليه وبعد مدّة رخّص له ملك الملوك فعاد إلى دير برصوما. وأخذ يعسف ويتجبّر على الرهبان ويعنّتهم فاغتاظوا منه ونقموا عليه ولاسيّما ثلاثة منهم. وليلة السبت من سابوع نينوى 17 شباط 1261 إذ كان أحد الرهبان الثلاثة يتلوا سذر الخدمة الأولى وثب الراهبان الآخران على البطريرك فأثخنوه جراحًا قدّام درج المذبح ثمّ خلّوه وطلعوا إلى غرفته ونهبوها وأمسكوا تلميذه فجندلوه على الصخر. هكذا انقضت أنفاس ديونوسيوس السابع.

 

106- يوحنّا السابع عشر

وبعد قتل ديونوسيوس السابع تولّى البطريركيّة يوحنّا ابن المعدنيّ حتّى الصوم الأربعينيّ من سنة 1263 وفيها توفي ودُفن في دير الباقسماط وبعده بسبعة أيام توفي شماسه رضي الماردينيّ كمدًا عليه. وكان ابن المعدنيّ موقّرًا كبيرًا لدى اليعاقبة متضلّعًا بالعربيّة والسريانيّة وصنّف خطبًا وأشعارًا جليلة وكان في عهده جبرائيل الطبيب الرهاويّ الذي صنّف كتابًا سريانيًّا في الطبّ والفلسفة.

 

107- أغناطيوس الرابع

ولمّا توفي ابن المعدنيّ اجتمع عشرة أساقفة في دير كويخات وبعد العناء الجسيم أقاموا الربّان يشوع رئيس دير كويخات بطريركًا وساموه في سادس كانون الثّاني من سنة 1264 وتلقّب باسم أغناطيوس الرابع وبعد رسامته بثلاثة عشر يومًا أقام ابن العبريّ مفريانًا للمشرق[85] بحضور أساقفة السريان والأرمن في سيس حيث واجه هولاون (حاتم) ملك قيلقية. غير أنّ الملّة اليعقوبيّة وبعض أساقفتها حصلوا في شقاق من جرّاء رسامة البطريرك والمفريان وراموا رسامة غيرهما فسيّر البطريرك ابن العبريّ أوّلاً ثمّ تبعه بنفسه متوجّهًا إلى هولاخو قائد المغول فسُرّ بهما وأنال البطريرك برأة تثبت حقوقه. ثمّ ظعن البطريرك من أردو وأتى إلى ماردين ثم ّإلى ملطيه وطلع إلى دير برصوما. أمّا الأساقفة الذين لم يواجهوا هولاخو فرسموا ديونوسيوس مطران حصن زايد مفريانًا. فالتزم البطريرك أن يذهب إلى أباقا بن هولاخو ونال منه براءة أخرى بالبطريركيّة والتولّي على دير برصوما ولكنّ القسّ شمعون الطبيب ناصبه واحتجّ أنّ الدير وقف أجداده فأخرجه منه مدّة وبعد ذلك انتصر بواسطة براءة رابعة نالها في ذلك الشأن. واستمرّ ثلاث سنوات معزَّزًا مكرّمًا من الرفيع والوضيع وقدّم له الخضوع الربان شمعون خصمه. وبعد زمان قدِم ابن العبريّ بأسقفين إلى قيلقيا عند البطريرك وكان بصحبتهم الشماس نمرود ابن أخي الربان شمعون المذكور فرسمه البطريرك مطرانًا لملطيه يوم الأحد في غرّة تشرين الأوّل 1274 وسمّاه فلكسين وهكذا انعقد الصلح. وعام 1282 عرض للبطريرك داء الاستسقاء ولم يبرح يؤلمه حتّى قضى نحبه يوم الثلاثاء 17 تشرين الثّانيّ 1283 ودُفن في دير الباقسماط.

 

108- أغناطيوس فيلكسين

ولمّا توفي اغناطيوس الرابع أسرع يعقوب قسّ رومي قلعه وجمع في أيام الشتاء ثلاثة أساقفة في دير برصوما وعرض عليهم أن يختاروا ابن أخيه فيلكسين نمرود الملطيّ بطريركًا. ففعلوا ذلك في 2 شباط 1283 بمعزل عن المفريان[86] خلافًا للقوانين البيعيّة. ونال له عمّه القسّ المذكور منشورًا يؤيّده بالبطريركيّة. وناصبه ابن العبريّ إلاّ أنّ مساعيه ذهبت أدراج الرياح. وأقام فيلكسين في دير برصوم حتّى أدركه أجله في غرّة تموز 1292.

 

109- أغناطيوس الخامس

وفي افتتاح سنة 1293 جمع قسطنطين مطران ملطيه ثلاثة أساقفة وسوَّل لهم أن يرسموه بطريركًا وعلى أثر رسامته هذه غير القانونيّة ارتسم برصوما رئيس دير كويخات بطريركًا بوساطة أساقفة المغرب وجعل كرسيّه في قيلقيه واتّخذ له اسم أغناطيوس ميخائيل برصوما[87] وكانت رسامة كليهما في تشرين الثّاني في ساعة واحدة. وما عتّم أن انقضت أنفاس قسطنطين بعد سنة فاستولى ميخائيل على مكانه.

وفي تلك الغضون قام يوسف ابن وهيب مطران ماردين الشهير وعقد مجمعًا حضره أربعة أساقفة من طور عبدين فرسموه بطريركًا في 2 شباط 1293 وسُمّي اغناطيوس الخامس ووضع عليه اليد أغناطيوس القرتمينيّ. فأمست الأمّة اليعقوبيّة يرأسها ثلاثة بطاركة أعني بطريرك قيليقيا وبطريرك طور عبدين وبطريرك ماردين وهو البطريرك الشرعيّ الأصيل.

وُلد ابن وهيب ويُدعى بدرزخيا في قرية كورنشا بهيتم[88] ولمّا تبوّأ الكرسيّ البطريركيّ توجّه إلى الملك المنصور صاحب ماردين فأنعم عليه بصكّ يؤيّده في البطريركيّة. وبعد خمس سنين لرسامته رقّم له أيضًا صكّ التأييد الكنسيّ برصوما المفريان الصفي شقيق ابن العبريّ المتوفّى عام 1308.

وسنة 1317 رسم البطريرك أغناطيوس الخامس الربان متّى حنوّ مفريانًا للمشرق وسمّاه غريغوريوس[89] فكان الغربيّون ينادون باسم ميخائيل برصوما بطريركًا. والشرقيّون باسم أغناطيوس الخامس. وطالت مدّة بطريركيّة ابن وهيب أربعين سنة. وفي أسبوع الآلام من سنة 1333 قضى نحبه.

وكان ابن وُهَيب ذكيًّا خبيرًا بأصناف العلوم متضلّعًا بالفلسفة واللاهوت معزّزًا لدى الحكّام مرموقًا بالإجلال والتعظيم ومن آثار قلمه تفسير الألف با بالسريانيّة والعربيّة وشرح القدّاس ونافور وغير ذلك.

ومنه أخذ البطاركة اليعقوبيّون يضيفون إلى اسمهم الأصليّ اسم أغناطيوس تيمُّنًا بأغناطيوس الإنطاكيّ الشهيد واشتهر في أيامه حبيب بن قسطنطين المنبجيّ الذي صنّف تاريخًا شاملاً لأخبار السلف. وديوسقورس جبرائيل أسقف الجزيرة ويوحنّا مطران دير مار متّى اللذان صنّفا كتابي نافور للقدّاس.

 

110- أغناطيوس اسمعيل

ولمّا توفي ابن وُهيب التأم سنة 1333 ستّة أساقفة في دير الزعفران ومعهم مطران الأرمن ورسموا ايونّيس مطران آمد بطريركًا وهو ابن الشماس حنّا المجد الماردينيّ فبدّل اسمه بأغناطيوس اسمعيل وتلوا عليه رسامة الأساقفة خلافًا للقوانين فنجم عن ذلك فتن شديدة بينه وبين المفريان متّى لأنّه لم يحضر الرسامة فأبطل المناداة باسم اسمعيل في أبرشيّاته مدّة أربع سنوات وكان يراجع ميخائيل بطريرك قيليقية. غير أنّهما لم يلبثا أن اتفقا وتصالحا.

ثمّ أنّ اسمعيل البطريرك ابتغى أن يورث كرسيه لأخيه نور الدين كما ورث هو كرسيّ ابن وُهيب عمّه وذلك تأسّيًا بالأرمن إلاّ أنّ الأساقفة ناقضوه وفي تلك الأثناء جرت فتنة بينه وبين سابا ابن القسّ أبي حسن مطران صلح فقثرسه البطريرك وعلى أثر ذلك قدِم إلى ماردين أساقفة طور عبدين بجمهور من المشايخ والشعب واستمنحوا البطريرك العفو عن المطران سابا فلم يرضَ البطريرك فعادوا إلى جبلهم مقهورين ساخطين عليه ونادوا أوكسيوس أوكسيوس أوكسيوس لسابا المذكور وسمّوه عليهم بطريركًا وبعثوا به إلى الملك العادل في حصن زايد فنال منه صكًّا بتأييده وفي عودته رسموه بطريركًا في 6 آب 1364 وسمّوه أغناطيوس وهو أوّل بطاركة طور عبدين[90] فامتعض اسمعيل البطريرك وندم على ما فعل ولات ساعة ندامة. وزجى أواخر عمره بالحسرات والهموم حتّى قضى نحبه في 4 حزيران 1366 وكانت مدّة رئاسته ثلاثًا وثلاثين سنة.

 

111- أغناطيوس شهاب

هو ابن أخت سالفه وكانت رسامته في دير الزعفران بحضور ثلاثة أساقفة خدم البطريركيّة ستّ عشرة سنة وحلَّت منيّته في كانون الثّاني 1381 ودُفن في ضريح خاله البطريرك اسمعيل.

 

112- أغناطيوس إبرهيم الثّاني

هو قرلّس إبرهيم مطران ديار بكر ويُعرف بابن غريب ارتسم بطريركًا في دير الزعفران بحضور بعض الأساقفة. وعلى أثر رسامته أقام يوسف شقيقه مطرانًا لديار بكر وسمّاه ديونوسيوس ورسم أيضًا بهنام الحدليّ مفريانًا سنة 1404 وسمّاه باسيليوس وكانت مدّة رئاسة إبرهيم الثّاني إحدى وثلاثين سنة وتوفي في دير الزعفران سنة 1412 ودُفن في ضريح سالفه.

وفي عهده كان الربان أشعيا القسّ السبيرنيّ ابن الربّان دنحا جاجيم المتضلّع بأصناف العلوم وله بعض التآليف.

 

113- أغناطيوس بهنام الأوّل

ولمّا توفي إبرهيم الثّاني حاول الأساقفة أن يرسموا بهنام العربيّ بطريركًا بغتهم بهنام الحدليّ المفريان فرحّبوا به وتصافقوا على تسليمه مقاليد الرعاية ثمّ مضوا به عند حاكم ماردين فقبل رسالته وخلع عليه حلّة جديدة دلالة على رضاه فرجعوا به إلى الدير وأجلسوه على العرش البطريركيّ سنة 1412 ودُعي أغناطيوس بهنام الأوّل.

ولهذا البطريرك فضل في إبطال بطريركيّة قيليقيا والشام التي طالت مائة واثنتين وخمسين سنة كما قدَّمنا في حياة أغناطيوس الخامس وكان له اعتبار سام لدى السريان قاطبة لتضلّعه بأصناف العلوم وحلّت وفاته سنة 1455 ودُفن في دير الزعفران. وهو الذي أرسل عبد الله أسقف الرها سفيرًا من قبله إلى المجمع الفلورنتينيّ فصرّح ثمّ باعتقاده بالطبيعتين فأثنى عليه الحبر الأعظم أوجانيوس الرابع في الجلسة التي عقدت في آخر أيلول 1444.

وألّف بهنام الأوّل ميامر بديعة خشوعيّة ورتّب نافورًا للقدّاس على الحروف الأبجديّة كنافور توما الحرقليّ وميخائيل الكبير.

 

114- أغناطيوس خلف

هو أثناسيوس خلف مطران الجزيرة ارتسم بطريركًا في دير الزعفران يوم أحد العنصرة سنة 1455 بوضع يد المطران برصوما العربيّ ابن أخي المفريان بهنام شتيّ على غير عِلم من أساقفة طور عبدين. وبعد رسامته بمدّة وجيزة أُقيم يشوع العينورديّ بطريركًا لطور عبدين في 14 أيلول 1455 كما قدّمنا. قيل أنّه لو استشار خلف مع أساقفة طور عبدين لكانوا سمّوه بطريركًا عامًّا وأبطلوا بطريركيّتهم. غير أنّ أغناطيوس عزيز ابن العجوز خليفة يشوع العينورديّ عقد الصلح مع البطريرك خلف فكانا متّفقين. وتوفي أغناطيوس خلف سنة 1484 وكانت مدّة رئاسته تسعًا وعشرين سنة. ورسم يوسف بن نيسان مفريانًا باسم قرلّس فسكن حمص وفيها توفي.

 

115- أغناطيوس يوحنّا الثامن عشر

وبعد وفاة أغناطيوس خلف انقسم الماردينيّون إلى فرقتين اختارت إحداهما المفريان عزيز ابن أخت البطريرك والفرقة الثّانية انتخبت يوحنّا بن شيله الماردينيّ مطران الصور[91] لكنّ الفرقة الثّانية تغلّبت على الأولى وبواسطة حاكم ماردين رسم يوحنّا بطريركًا سنة 1484 وهي السنة الثالثة عشرة لأسقفيّته وسمّي أغناطيوس يوحنّا الثامن عشر فتنمّرت الفرقة الأولى غيظًا ومضوا فأتوا بالمفريان إلى قرية القصور تحت ماردين ليرسموه بطريركًا. فلمّا طرق ذلك مسمعي يوحنّا البطريرك نزل إليهم بعدد من وجهاء الطائفة وتذلّل بين يدي المفريان مستغفرًا ومصرّحًا بأنّه إنّما رقّي إلى البطريركيّة على كره منه وخيَّر المفريان في السكنى في ماردين على أن يتوجّه هو إلى الموصل فأبى المفريان وكرّ راجعًا إلى المشرق حردًا. وسنة 1486 تمّ الوفق بينهما إذ نزل المفريان إلى ماردين وكرّس الميرون وذهب البطريرك إلى الموصل وفعل كذلك. وحلّت وفاة أغناطيوس يوحنّا الثامن عشر في غرّة تشرين الأوّل 1494 وترأّس عشرة أعوام ودُفن في دير الزعفران في ضريح أسلافه ومن مآثره أنّه شيّد كنيسة جميلة في نصيبين أتحفها المفريان وبطريرك طور عبدين والأساقفة بهدايا تذكر.

 

116- أغناطيوس نوح

أصله من بقوفا قرية في جبل لبنان ورُسم مطرانًا يعقوبيًّا لحمص وقطنها حتّى سنة 1490 فاستقدمه سالفه يوحنّا الثامن عشر إلى ماردين ورسمه مفريانًا على المشرق فقام بمهمّته خير قيام. وفي السنة الرابعة لمفريانيّته طلب إلى البطريرك أن يرخّص له بالحجّ إلى القدس الشريف وزيارة أهله وذويه في جبل لبنان. أمّا البطريرك فكتب له أن ألبث ريثما ينقضي الصيف فنذهب كلانا إلى القدس الشريف ثمّ تعود أنت لزيارة ذويك وأتوجّه أنا إلى مصر لزيارة السريان الذين فيها. فما كاد ينقضي الصيف حتّى برح المفريان كرسيّه ووصل إلى الجزيرة فاستقبله رسول قادم إليه من ماردين حامل صكًّا مختومًا من رؤساء أبرشيّات ماردين يطلعونه على وفاة سالفه وينتدبوه لأن يحضر فيتسلّم عصا الرعاية البطريركيّة فتوجّه نوح إلى باسبرينا بطور عبدين واستشار كوركيس مطرانها وقسوسها وأخذ رضى الجميع ثمّ انحدر إلى ماردين وارتسم بطريركًا يوم أحد تقديس البيعة عام 1494 فسرّ الشعب قاطبة.

غير أنّ البطريرك الجديد ما عتّم أن قدِم إلى حمص واتّخذ دير الزنار مركزًا له وكرّس الميرون مرّتين في دير مار موسى الحبشيّ بالنبك وفي دير الزنّار. وانصرمت حياته في 28 تموز 1509 ودُفن في التلّ بمدينة حماه.

ولنوح الفضل الجزيل على الطائفة كونه سعى بإبطال بطريركيّة طور عبدين التي طالت مائة وثلاثين سنة ونيّف وكان أوّلهم أغناطيوس سابا وآخرهم مسعود الزازيّ. وكيفيّة الخبر: أنّ أهل طور عبدين كتبوا لقاسم بك حاكم ماردين يصرّحون بأنّهم لا يستعرفون بطريركًا سوى نوح فأخبر بذلك نوحًا وأهدى إليه حلّة فاخرة وأناله فرمانًا بالبطريركيّة فتوجّه نوح إلى طور عبدين وحصل كذلك على فرمان بتأييده وحده. ثمّ جال في قرى طور عبدين واستعطف خواطر السريان اليعاقبة فأجمعوا طرًّا على قبوله وكان ذلك سنة 1496.

وكان نوح متفنّنًا بالتاريخ متّصفًا بجودة الخط والكتابة متضلّعًا بالسريانيّة والعربيّة ومن آثار قلمه ميمر في عيد بشارة مريم العذراء ألّفه قبل ارتقائه إلى السدّة البطريركيّة بسنتين. وفي مكتبة دير الشرفة نسخة سريانيّة من العهد الجديد بخطّ يده وله غير ذلك من التآليف والميامر.

 

117- أغناطيوس يشوع

وُلد في قلَّث قرية بطور عبدين وكان والده قسًّا اسمه يوحنّا وسنة 1487 ارتسم يشوع مطرانًا على الصور ودُعي سويرا يشوع. وعام 1509 خلف نوحًا البقوفاويّ في الكرسيّ البطريركيّ وما كادت تنصرم السنة حتّى أكره على الإسلام فأسلم ثمّ ندم وهرب إلى قبرس حيث تاب توبة عظيمة منسحقة قيل أنّه كان يجلس يوميًّا قدّام باب البيعة مادًّا عنقه ليطأه الداخلون والخارجون تكفيرًا عمّا اجترحه. واستمرّ على تلك الحال حتّى توفّاه الله ودُفن في كنيسة بقبرس.

 

118- أغناطيوس يعقوب

هو يعقوب المزوق وُلد في الشام ثمّ رسم مطرانًا ولمّا جرى لسالفه ما جرى انتُدب سنة 1510 إلى ماردين حيث رقّي إلى الدرجة البطريركيّة في دير الزعفران وخدم تسع سنوات وتوفي سنة 1519. وقبل وفاته بثلاثة أعوام هجم الروم والأكراد على دير الكرسيّ ونهبوا ما فيه وأخربوه.

 

119- أغناطيوس داود

وُلد في معدن بديار بكر وعليها ارتسم مطرانًا ثمّ خلف سالفه في البطريركيّة عام 1519 وطالت رئاسته سنتان ومات ودُفن في ضريح البطاركة بدير الزعفران.

 

120- أغناطيوس عبد الله

وُلد في قلعثمرا قرية بين ماردين ودير الزعفران ويُعرف بعبد الله بن أسطفان تقلّد زمام البطريركيّة سنة 1521 وجعل مقرّه في ديار بكر وشيّد رواقًا قدّام مذبح الكنيسة على عواميد من رخام وكانت رئاسته ستًّا وثلاثين سنة وتوفي عام 1557 ودُفن في دير الزعفران.

وهو الذي أوفد القسّ موسى الماردينيّ الخبير بالسريانيّة إلى يوليوس الثالث الحبر الرومانيّ فقرّر قدّامه صورة إيمانه وإيمان بطريركه بصحّة الديانة الكاثوليكيّة واستمال له قلب الحبر الأعظم فبعثه إلى ﭬﻴﻨﺎ حيث طبع سنة 1555 بعناية فردينند ملك النمسا العهد الجديد ورسائل مار بولس. وهي أوّل طبعة سريانيّة ظهرت في العالم وقد عزّ وجودها جدًّا وفي مكتبة دير الشرفة نسخة كاملة منها.

 

121- أغناطيوس نعمة الله

هو ابن الوجيه يوحنّا بن نور الدين أبصر النور في ماردين وعليها تسقّف ثمّ قلّد مفريانيّة المشرق سنة 1555 وبعد سنتين ارتقى إلى السدّة البطريركيّة. وكان بهيّ الصورة شريف النفس طيّب المحاضرة أحبّه والي ديار بكر وشغف به ولمّا كان يومًا حاضرًا بين يديه رفع الوالي عمامته وألبسها البطريرك وقال لِمَن عنده “هوذا بطريرك النصارى أسلم” فحار البطريرك في أمره ولجأ إلى التملّص من بين يديه ثمّ فرّ بحيلة إلى عاصمة الكثلكة حيث أدّى التوبة على يد غريغوريوس الثالث عشر الحبر الرومانيّ. قيل أنّه لكثرة دموعه وندامته تعطّفت عليه العذراء مريم وظهرت له وطيّبت قلبه وسرّت له بمغفرة زلّته فصوّر صورة مثل تلك وبعث بها إلى ديار بكر مع جزء من ذخيرة عود الصليب الكريم فوضعت في كنيسة مريم الكبرى ورسم أن تكون وقفًا لكلّ بطريرك سريانيّ يخلفه.

وكانت مدّة بطريركيّته تسع عشرة سنة وتوفي في رومة سنة 1576 وكان متضلّعًا بأصناف العلوم قيل أنّه اشتغل مع غريغوريوس الثالث عشر بتصحيح الحساب اليوليّ وهو أوّل مَن سلّم بصوابه وفي عهده توجّه يوحنّا إبراهيم قاشا الأسقف اليعقوبيّ إلى رومة وعند رجوعه إلى المشرق بعث الحبر الرومانيّ بمعيّته رسالة إلى البطريرك فيها يحثّه على اعتناق الإيمان الكاثوليكيّ المقدّس.

 

122- أغناطيوس بطرس الرابع

هو داود شاه ابن الشماس قسطنطين شقيق البطريرك نعمة الله ابن الوجيه يوحنّا بن نور الدين كان مفريانًا على المشرق وفي الشهر الثامن لمفريانيّته انتدب إلى البطريركيّة وارتقى إليها سنة 1576 وكانت مدّته خمس عشرة سنة وتوفي عام 1591 ودُفن في كنيسة مار توما الرسول في قرية قطر بل بديار بكر. وإليه أرسل غريغوريوس الثالث عشر سنة 1583 سفيرًا يُقال له ليونرد هابيل مطران صيدا حاملاً إليه درع التثبيت أملاً بأنّه يعتنق الإيمان الأرثوذكسيّ فأجاب بطرس الرابع إلى ذلك وكتب صورة إيمانه إلى الحبر الرومانيّ وهي محفوظة في المصحف الواتكانيّ نومرو 169 وكان ذلك بسعي البطريرك نعمة سالفه غير أنّه ما عتّم أن عاد إلى معتقده الأوّل.

ومن مآثره أنّه شيّد كنائس كثيرة واشترى في أورشليم كنيسة الأقباط وأسعف الرهبان السريان القاطنين دير والدة الله في بريّة الصعيد بمصر.

 

123- أغناطيوس بيلاطس

وُلد في المنصوريّة قرية شمالي ماردين وكان أبوه قسًّا يُسمّى أسطفان وسنة 1591 انتخب للكرسيّ البطريركيّ وطالت مدّته ستّ سنوات وتوفي في حلب سنة 1597 ودُفن في بيعة والدة الله.

ومن أعماله المغايرة القوانين الكنسيّة أنّه رسم بيده عبد الغنيّ شقيقه بطريركًا سنة 1595 قصد أن يخلفه. إلاّ أنّه لمّا توفي بيلاطس رفض عبد الغنيّ بالكليّة وفقًا لما سنّته القوانين من أنّه “إذا أُقيم بطريركان لكرسيّ واحد فالحقّ للأوّل والثّاني يُبطل”[92] إلاّ أنّه أنعم عليه بحقوق المفريانيّة حتّى وفاته فدُفن في ضريح أخيه بحلب سنة 1597.

 

124- أغناطيوس بطرس الخامس

هو بطرس هدايا ينتمي إلى عشيرة الوجيه يوحنّا نور الدين والد البطريرك نعمة الله الماردينيّ وارتسم مفريانًا سنة 1597 وبعد خمسة شهور لوفاة البطريرك بيلاطس سمّي بطريركًا سنة 1598 بوضع يد المفريان عبد الغنيّ شقيق بيلاطس. وكانت مدّة رئاسة بطرس الخامس اثنتين وأربعين سنة وحلّت منيّته سنة 1640.

 

125- أغناطيوس شكر الله الأوّل

ولمّا قضى أغناطيوس بطرس الخامس قام بالأمر سنة 1640 شكر الله بن نعمة الله الدبّاغ من آل صنيعه. ومسقط رأسه قرية بماردين تُدعى الهليلي[93] وما كاد يستقرّ على الكرسيّ حتّى قام المطران شمعون[94] الطور عبديني وذهب إلى ديار بكر وخطف البطريركيّة واتّصل بعد مدّة إلى أن يرسم الراهب عبد المسيح الرهاويّ مطرانًا ويسلّمه العكاز قائلاً لِمَن كان بالقرب منه: “أريد أن يخلفني هذا في البطريركيّة” بيد أنّه في السنة الثالثة عشرة لبطريركيّته اعتدى عليه المطران يشوع ابن قمشه الآمديّ فأُبعد سنة 1653 إلى جزيرة قبرس على شرط أن يتبع الإيمان الكاثليكيّ المقدّس ويعضد الكاثليك فرضي بذلك وتوجّه إلى حلب ولم يوف عهوده للقنصل. ثمّ انصرف إلى بلاد الهند وأُلقي سنة 1653 في البحر فمات.

ولمّا علم الشعب اليعقوبيّ أقرّوا البطريرك شكر الله عى الكرسيّ البطريركيّ فنهض يشوع ابن قمشه المذكور آنفًا وحاول خطف البطريركيّة ولم يقرّ قراره حتّى حاز مرامه سنة 1655 ثمّ قدِم إلى حلب ورسم ثلاثة أقسّة واثني عشر شماسًا. ولمّا قضى نحبه سنة 1661 أفضت البطريركيّة سنة 1662 إلى عبد المسيح الرهاويّ الدخيل الذي كان شمعون البطريرك قد رسمه مطرانًا كما قدّمنا. فجعل البطريرك شكر الله بمنـزلة مفريان سنة 1666 وهكذا حصل الوفق بينهما على أن يسوسا السريان اليعاقبة كبطريركين حتّى سنة 1670 كما يتّضح من تاريخ كنيسة والدة الله ببتليس. وطالت مدّة رئاسة البطريرك عبد المسيح خمسًا وعشرين سنة وانقضت أنفاسه في 2 تشرين سنة 1686. أمّا شكر الله البطريرك الشرعيّ فمجهول زمان وفاته ومكان قبره.

 

126- أغناطيوس أندراوس

ولمّا كانت آثار الجهل قد ظهرت في الأمّة السريانيّة اليعقوبيّة وشوّهت ما كان لها من المحاسن تعطّف عليها الربّ العليّ في آخر الأزمان ومَنَّ عليها بأندراوس أخيجان فأعاد إليها نضارتها القديمة وهداها إلى مناهج الحقّ المستقيمة وأقبل بها إلى حجر البيعة الأرثوذكسيّة التي كانت قد هجرتها كالولد العقّ منذ القرن السادس.

وُلد أندراوس أخيجان بن عبد الغال مربّى في ماردين ثمّ قدِم مع والديه إلى حلب لمعاطاة التجارة. وسنة 1642 اعتنق الديانة الكاثليكيّة بإرشاد الأب نوّ اليسوعيّ. ولمّا استكمل بها أوفده إلى جبل لبنان فرسمه السيّد يوسف بطرس العاقوريّ بطريرك الموارنة قسًّا سنة 1649 بعث به إلى رومة فأكمل فيها العلوم الكهنوتيّة وأتقنها غاية الاتقان. ولمّا عاد إلى حلب أخذ يضاعف المجهود في اجتذاب بني أمّته إلى الإيمان الأرثوذكسيّ ثمّ أوفده السيّد فرنسيس بيكات قنصل فرنسا إلى غبطة يوحنّا بطرس الصفراويّ بطريرك الموارنة فرسمه أسقفًا في قنوبين في 29 حزيران 1656 ولمّا عاد إلى حلب همّ القنصل الفرنساويّ والرهبان المرسلون الإفرنج فحصلوا له من إبراهيم باشا والي حلب أن يقبض على مفاتيح الكنيسة ويتولّى أمورها.

ولمّا توفي يشوع ابن قمشه كما قدّمنا اغتنم الفرصة فرنسيس بارون القنصل الفرنساويّ والرهبان الإفرنجيّون وأقاموا السيّد أندراوس بطريركًا شرعيًّا في كنيسة حلب في 20 آب 1662 بوضع يد مقاريوس بطريرك الملكيّين[95] وصليبا

[[ ص 81 إلى 88 مطبوعة مرّتين من بعد ص 88]]

بطريرك الأرمن وفي آخر الرسامة حُمل البطاركة الثلاثة على الكراسيّ وطيف بهم في الكنيسة بأبّهة عظيمة. وكان الشعب يصرخ قائلاً: ” اليوم حلّ الروح القدس في كنيسة السريان”. وفي 22 كانون الثّاني 1664 ورده الفرمان الشاهاني يؤيّده في منصبه.

غير أنّ اليعاقبة لم يذعنوا لأندراوس بل انصرفوا فأقاموا عبد المسيح الآمديّ بطريركًا دخيلاً فناصبه بكلّ قواه لكنّه لم يقوَ عليه. وبعد مدّة توجّه البطريرك الجديد إلى مسقط رأسه ليؤيّد المهتدين في الإيمان الكاثليكيّ فوفّق الربّ مسعاه. ثمّ عوّل على النـزول إلى الموصل لكنّه ما عتّم أن ورده الخبر يلحّ عليه بالعود إلى حلب فعاد إليها كئيبًا أسيفًا على فوات الفرصة. وزجّى أواخر العمر فيها حتّى انطفى سراج حياته الوهّاج في 14 تموز 1677 ودُفن في كنيسة حلب التي ترأّسها عشرين سنة. وكانت مدّة بطريركيّته خمس عشرة سنة ورسم مطرانين أحدهما أخوه السيّد بهنام روحيجان مربّى والآخر السيّد ديونوسيوس رزق الله أمين خان. ولدى احتضاره وصّى الأساقفة والشعب أن يقيموا خلفًا له السيّد غريغوريوس بطرس شاهبادين فكان كما رسم.

وامتاز أغناطيوس أندراوس المغبوط بحبّه للفقر والقناعة خاصّة وقد دُعي بكلّ حقّ وصواب “البطريرك القدّيس” وكان يكتفي لقوته كما شهد من راه وعاشره بقليل من الزيت والعشب حتّى أنّه لولا فقره المدقع لما خلاه أعداؤه يستريح البتّة[96] ومع هذا فغيّرته على اهتداء بني أمّته كانت تتضرّم في فؤاده حتّى أنّه كان يحسب الحوادث المزعجة المكربة التي كانت تدهمه أكبر تسلية وعزاء. وبواسطة خطبه وتعاليمه سوّل للأمّة السريانيّة أن تعقد الآمال بأنّها لا تتأخّر عن اعتناق الإيمان الكاثليكيّ برمّتها[97].

ومن مآثره العلميّة كتاب دحض الهرطقات ورسائل انتقاديّة على الطقوس البيعيّة. ونسخ كتبًا سريانيّة شتّى منها رتبة الجنانيز حسب طقسنا وهي محفوظة بكلّ إجلال في مكتبة دير الشرفه ومنها كتاب العب بحسب طقس السريان الموارنة نسخه في قنوبين سنة 1656 وهو محفوظ في مكتبة الموارنة بحلب. وكان في مكاتيبه ومناشيره يوقّع باسمه هكذا “بطريرك السريان واليعاقبة”.

 

127- أغناطيوس بطرس السادس

هو ابن الشماس عبد الحي شاهبادين وُلد في الرها سنة 1636 وارتسم كاهنًا لدى اليعاقبة سنة 1658 وبعد مدّة تمطرن على أورشليم بيدي خاله عبد المسيح بطريرك اليعاقبة وسمّي غريغوريوس بطرس ثمّ أرسله إلى حلب يجمع الصدقات من السريان اليعاقبة. فلمّا لمحه مار أغناطيوس أندراوس أخيجان توسّم فيه خيرًا وأخذ يلقي في قلبه زرع التعليم الكاثليكيّ ويحثّه على اقتباله. وما عتّم أن توفي سالفه فعقد سنة 1678 مجمع في حلب بمحضر يشوع مصرشاه الأورشليميّ ورزق الله أمين خان الحلبيّ وبشاره الحمصيّ وانتخبوه للكرسيّ الإنطاكيّ قيامًا بوصيّة سالفه الطيّب الذكر وكان يعينهم السيّد جبرائيل البلوزاويّ مطران الموارنة بحلب ومطرانان آخران أرمنيان وعلى أثر رسامته أوفد إليه أنوكنتيوس الحادي عشر درع التثبيت في 12 حزيران 1680 فاتّشح به في 28 آب لتلك السنة بكبكبة عظيمة.

غير أنّ خاله عبد المسيح بطريرك اليعاقبة تميّز غيظًا وحقدًا وأثار عليه اضطهادًا شديدًا بواسطة إسحق عازار مفريانه فتجلَّد البطريرك المغبوط على احتماله بقلب طيّب ووجه باشّ. ولمّا مات خاله سنة 1686 وخلفه البطريرك جرجس ورث منه البغضة والضغينة لمار بطرس السادس فقدِم إلى حلب وطرده فانصرف البطريرك إلى لبنان ثمّ ما عتّم أن قفل راجعًا إلى حلب وضبط الكنيسة بمساعي المفريان إسحق جبير ولكنّه لم يكد يرتاح حتّى ألجئ إلى مبارحة حلب مع المطران يشوع وتسليم الكنيسة إلى اليعاقبة. فقام البطريرك بطرس السادس وأخرج رفات سالفه ومضى بها إلى رومة إذ علم أنّ بطريرك اليعاقبة مزمع أن ينتهك حرمتها ولمّا بلغ إلى رومة دفنها في كنيسة مار يوحنّا لاتران في 28 تشرين الثّاني 1696. وفي 5 حزيران 1699 بسعي انوكنتيوس الثّاني عشر صحب سفير النمسا إلى الأستانة فنال خطًّا شريفًا يؤيّده على كرسيّ حلب ثمّ ظعن إلى طرابلس ووطّد السريان في الديانة لكنّه ما كاد يخطو مدينة حلب حتّى تنمّر عليه المفريان اليعقوبيّ غيظًا وطار إلى الأستانة يشكو البطريرك المغبوط أنّه إفرنجيّ يهتمّ بانتماء الناس إلى حزب الإفرنج. وفي 14 آب 1701 نال قضاء وطره إذ أمر مصطفى أفنديّ قاضي حلب غبطة البطريرك أن يبارح الكنيسة ثمّ زجّه في الحبس في باب قنّسرين هو والمطران رزق الله مع ستّة أقسَّة فلبثوا مصطبرين على تلك الحال حتّى 12 تشرين الثّاني فورد الأمر بنفيهم قاطبة إلى قلعة اطنه فسيقُوا مكبّلين بالسلاسل صابرين على الضيم والألم محتملين الأعذبة بقلب مسرور. ولمّا حيوا إسكندرونة رحّب بهم فوغاس القنصل الفرنساويّ وهيَّأ لهم بعض المرطّبات وأنال الجنود مائتي غرش علّهم يرأفون بهم فأركبوا البطريرك السعيد الذكر والمطران رزق الله في هودج حتّى بلغوا قلعة اطنه في 21 تشرين الثّاني منهوكين من الأتعاب والأوجاع. وبعد ساعتين انتقل المطران رزق الله إلى الأخدار السماويّة مفعمًا آلامًا ودُفن في مقبرة الأرمن الغريغوريّين أمّا البطريرك وحاشيته البارّة فزجّوا في القلعة ونالوا ضيمًا جسيمًا. وفي 28 شباط 1702  عيد أبينا مار افرام نحلت قوى البطريرك المغبوط فاقتبل الأسرار الرهيبة في ذلك الحبس المظلم ثمّ صلّوا تشمشت العذراء مريم. وفي 4 آذار وصّى البطريرك وصيّته الأخيرة المفعمة حلاوة ورقّة ونصائح أبويّة وحثّ كهنته خاصّة على المحافظة على العقيدة الأرثوذكسيّة الراهنة. وبعد ذلك بزمن وجيز طارت روحه إلى السما[98] وذهبت تنال الجزاء المهياء للرعاة الأمينين. ونُقل جثمانه إلى مقبرة الأرمن الغريغوريّين حيث دُفن حذاء قبر المطران رزق الله في بيعة مار أسطفانس.

على هذا الأسلوب انقضت حياة هذا البطل المسيحيّ المقدام والحبر الإنطاكيّ المهمام الذي يعجز القلم عن تسطير مناقبه ومآثره. وكان بارعًا في السريانيّة والعربيّة ورتّب كتابًا في الطقوس البيعيّة ورسم مفريانًا واحدًا والسيّد أثناسيوس سفر أسقفًا لماردين وكانت مدّة بطريركيّته أربعًا وعشرين سنة.

 

128- أغناطيوس إسحق الثّاني المنوفستيّ

بعد وفاة مار بطرس السادس أقام الحبر الأعظم في عاصمة الكثلكة جنازًا حافلاً لراحة نفسه دلالة على أسفه الشديد على فقد هذا البطل الصنديد ثمّ عهد تدبير الطائفة السريانيّة إلى المفريان باسيليوس إسحق جبير الموصلي الذي أدرجنا سيرة حياته على صفحات مجلّة المشرق سنة 11 صفحة 286 على أنّه في 16 آب 1704 وفدت إلى المفريان براءة رسوليّة من إقليمبس الحادي عشر بسعي فيريول السفير الفرنسويّ فيها يسمّيه بطريركًا إنطاكيًّا ويحرّضه على اقتبال تلك الدرجة السامية فاستقال المفريان بجامع قواه وتوجّه إلى رومة فوصلها في 26 نيسان 1706 فأقام مع السيّد أثناسيوس سفر في ديرنا حتّى توفّاه الله في 18 أيار 1721 وكانت مدّة نيابته على الطائفة سبع عشرة سنة.

وله اليد الطولى في التصانيف والترجمات فإنّه وضع كتابًا سمّاه “مدرك النجاة ومحجّة الفوز بالحياة في صدق الكنيسة المصطفاة” فيه فنّد بحجج قاطعة مزاعم السريان اليعاقبة. وأنشأ مائة وخمسين خطبة في كتاب سمّاه “العلل لدفع الملل” ووضع كتابًا ضمّنه “الردّ على اعتراضات كوركيس الأوّل بطريرك اليعاقبة” وصُنّف غرماطيقًا سريانيًّا. وترجم كتاب الخلاصة اللاهوتيّة والفلسفيّة للقدّيس توما الأقوينيّ. وترجم كذلك كتاب الاقتداء بالمسيح إلى السريانيّة. إلى غير ذلك من التآليف التي تذكر.

بيد أنّ السريان اليعاقبة أبوا إلاّ أن يستبدّوا برأيهم فأقاموا في ديار بكر إسحق مطران حلب بطريركًا في 8 شباط 1709 خلفًا لخاله البطريرك جرجس الثّاني اليعقوبيّ. وعلى أثر رسامته قدِم إلى دير الزعفران ورسم بعض القسّان والشمامسة وفي 20 تموز استدعى شكر الله مطران حلب تلميذه وسلّمه عصا البطريركيّة بمحضر اثني عشر أسقفًا خلافًا للقوانين المرعيّة كما قدّمنا في حياة اغناطيوس بيلاطس. وعلى أثر ذلك انطلق البطريرك إسحق إلى الموصل حيث توفي في 18 تموز 1724 وله من العمر 77 سنة.

 

129- أغناطيوس شكر الله الثّاني

قام بأمر الطائفة بعد جرجس سالفه وهو من آل صنيعه الماردينيّين وكانت رسامته مطرانًا سنة 1709 وبطريركًا سنة 1722 كما قدّمنا ووفاته في 14 أيلول 1745 وخدم البطريركيّة ثلاثًا وعشرين سنة. وهو الذي شيّد دير مار قرياقس في الأبشيريّة بديار بكر. وأنال القسّ إيليّا ابن الكزير الماردينيّ أعذبة فادحة لأنّه كان أرثوذكسيًّا وكان إذا أقام القدّاس في دير مار إيليّا[99] نزل معه الكاثليك وحضروا قدّاسه فأدّى ذلك باليعاقبة إلى أن شكوه لحاكم ماردين فأنزل به عذابات مريعة وزجّه في الحبس أربعين يومًا وألقى في عنقه ويديه ورجليه السلاسل الحديديّة فتجلّد على احتمالها ثمّ سرّحه الحاكم على أن لا يجادل اليعاقبة.

وكان في عهده السيّد أثناسيوس سفر العطار الماردينيّ[100] الذي ارتسم أسقفًا سنة 1684 ورحل إلى بلاد الفرس ترجمانًا للسيّد فرنسيس بيكات وشيّد لنا ديرًا في عاصمة الكثلكة سنة 1696. وبعد أن توفي المفريان إسحق جبير أُقيم مديرًا للسريان الكاثليك حتّى وفاته في 4 نيسان 1728 وكان فاضلاً مجيدًا ريان من العلوم الشرقيّة قديرًا على إلقاء الخطب بالعربيّة والتركيّة. وطبع كتاب الفرض اليوميّ وسعى باستكتاب الطقوس البيعيّة وتنقيحها وألّف كتابًا بالتوبة وآخر ضمّنه أخبار السيّد فرنسيس بيكات ورحلته إلى بلاد الفرس.

 

130- أغناطيوس جرجس الثّاني

هو جرجس الرهاويّ مطران حلب ابن أخي البطريرك جرجس اليعقوبيّ وعلى أثر وفاة سالفه قدِم إلى ديار بكر صحبة مطرانين وفي 13 تشرين الأوّل 1745 ارتسم بطريركًا بوضع يد توما مطران أورشليم بحضور أربعة أساقفة وحلّت وفاته في تموز 1768.

وعرف في عهده غريغوريوس نعمه قدسي الحلبيّ مطران دمشق الذي شاطر مار أغناطيوس بطرس السادس المشقّات والأوصاب في نفيه كما قدّمنا ولمّا كان محبوسًا في قلعة اطنه صنّف كتابه “شرح الأجروميّة للملَّة النصرانيّة” وقد ألمعنا بذكر فقرة منه صفحة 92 وكانت رسامته مطرانًا في غرّة كانون الثّاني 1730 بيد قرلّس السادس بطريرك الملكيّين وحضر المجمع اللبنانيّ المنعقد سنة 1736 في دير لويزه. وافتتح مدرسة في دمشق نبع منها علماء مشهورون منهم غريغوريوس جبرائيل فيزون خليفته في مطرانيّة دمشق وغيره. ونسخ بيده كتبًا عديدة بخطّ قاعدي ظريف منها كتاب الخلاصة اللاهوتيّة والفلسفيّة لتوما الأقوينيّ ترجمة المفريان إسحق جبير.

 

131- أغناطيوس جرجس الثالث

ولمّا مات جرجس الثّاني اجتمع ثمانية أساقفة من السريان اليعاقبة في دير الزعفران وفي 17 آب 1768 رسموا جرجس الثالث الموصلي بطريركًا بوضع يد جرجس الحلبيّ مطران أورشليم. وحلّت وفاته في 21 تموز 1781 وخدم البطريركيّة ثلاث عشرة سنة ودُفن في دير الزعفران.

 

132- أغناطيوس ميخائيل الثالث

لم يتهيّأ للكنيسة السريانيّة الإنطاكيّة الأرثوذكسيّة مدّة إحدى وثمانين سنة أن تقيم لها بطريركًا يرعاها لكثرة النوائب والشدائد التي دهمتها من اليعاقبة حتّى أتاح لها المولى بطلاً همامًا وهو السيّد ديونوسيوس ميخائيل جروه مطران حلب فأناط به أمرها وحازت بجاهه قصبات  السبق على أختها[101].

“وُلد ميخائيل في 3 كانون الثّاني 1731 وتعمّد يوم عيد الغطاس وقرأ العلوم في دير الزعفران. ولمّا بلغ الرابعة عشرة انضوى إلى الطغمة الرهبانيّة. وفي 15 تموز 1757 وهي السادسة والعشرون من عمره ارتضى أن يصير كاهنًا ويترأّس على كنيسة حلب بيد غريغوريوس جرجس الحلبيّ مطران أورشليم. فأصاب القسّ ميخائيل اضطهاد أغلقت الكنيسة من جرّائه أربعين يومًا. وبعد سبعة أعوام ونصف عام لكهنوته انتدبه البطريرك اليعقوبيّ جرجس الثّاني وقلّده وظيفة الخورفسقفس. وفي 23 شباط 1766 رقّاه إلى مطرانيّة حلب إجابة إلى طلب أساقفته وكاثليك حلب ويعاقبتها وسلّمه صكًّا به قلّده رعاية طرابلس وحمص وحماه والنبك وصدد والقريتين. ودير مار موسى الحبشيّ ودير مار يوليان. وكانا كرسيّي مطرانيّة. وابتغى البطريرك اليعقوبيّ أن يقلّده مطرانيّة أورشليم فلم يرض”[102].

وفي 16 كانون الأوّل 1774 تلا دستور إيمانه الكاثليكيّ قدّام أغناطيوس مطران حلب الملكيّ الوكيل الناموسيّ ليوسف قدسيّ مطران أوشليم وبعث به إلى بيوس السادس الحبر الرومانيّ. فأجابه برسالة مسطّرة في 22 حزيران 1775 فيها يمثّله ببولس رئيس السليحيّين. وفي 23 أيار 1778 وكّل إليه رعاية السريان الكاثليك. فتنغّص البطريرك اليعقوبيّ وطار إلى حلب لينفي السيّد ميخائيل أو يفتك به ففرّ في 21 آب 1778 إلى الإسكندريّة وفي 12 آب السنة المقبلة عاد إلى حلب فسعى البطريرك اليعقوبيّ أيضًا بنفيه. فاقتحم عليه الأعداء وساقوه صحبة أقسته الكاثليك إلى الراموسه فأقاموا ثلاثة عشر يومًا تحت السماء ليل نهار والسلاسل في أيديهم.

ولمّا تصرّمت حياة جرجس الثالث كما قدّمنا كتب إليه جماعة ماردين قاطبة يلتمسون حضوره ليستلم أزمة البطريركيّة إذ أنّ أمرها كان متوقّفًا على رضى أهلها[103] فاستشار السيّد ميخائيل برؤساء المجمع المقدّس وصرّح بصعوبة المسئلة: لأنّه سيشترك مع اليعاقبة ويرتسم من يد أساقفتهم ويحضر قدّاسهم ويحرم ما يحرمون ويسلّم بما يسلّمون في صورة الإيمان. فقال له المجمع “اسعَ بأن تصير بطريركًا ونحن نعضدك” فظعن مار ميخائيل إلى ماردين ونزل في كنيسة القدّيسة شموني التي كانت في حوزة الكاثليك. وفي 27 كانون الثّاني سنة 1782 انطلق به الشعب إلى بيعة الأربعين الكبرى حيث تلا أربعة مطارنة صورة اعتقادهم بالإيمان الكاثليكيّ وهمّ إبراهيم نعلبند مطران حمص وحماه ونعمة الله الصدي مطران دمشق وبشارة مطران القدس وأثناسيوس موسى صبّاغ مطران طرابلس ثمّ مضوا به إلى دير الزعفران حيث توّجوه بطريركًا إنطاكيًّا باسم أغناطيوس ميخائيل الثالث. وكان في رسامته السيّد بطرس عازر الأرمنيّ وشمعون مطران الكلدان. وأغناطيوس الراهب الكرمليّ وألوف ألوف من الشعب وبعد يومين رجعوا به إلى ماردين[104] وفي 4 أيلول 1783 أنعم عليه بيوس السادس بدرع التثبيت.

غير أنّه بعد ثلاثة عشر يومًا لتكريسه بطريركًا ؟؟؟ يعاقبة طور عبدين المباركون في قرية قلث وأقاموا لهم بطريركًا دخيلاً يُقال له متّى[105] وعلى أثر رسامته انقلب راجعًا إلى ماردين وجرّد العزيمة على مناصبة ميخائيل الثالث فحبسه أربعين يومًا. ولمّا نوى أن يفتك به فرّ إلى الموصل وبعد شهرين قذف به إلى بغداد وبعد سبعة شهور وردته الرسائل من الأستانة وفيها استعجلوه على الهرب فاتّشح البطريرك المغبوط بثوب إعرابيّ وانهزم من بغداد مستصحبًا الشماس زكريا القطربليّ[106] وتوما الآمديّ وما برحوا يطوون الصحاري ويحيون الليالي حتّى أفضوا بعد خمسة عشر يومًا إلى قرية بلبنان تُدعى بيت شباب يوم سبت النور. فلاذوا بدير مار أنطونيوس النبع مجهودين منهوكين. وبعد أربعة شهور انتقلوا إلى منـزل رجل فلاّح مصطبرين على شظف العيش وبؤسه. ثمّ إنّ البطريرك قدِم إلى دير بزمّار سنة 1784 لزيارة باسيليوس بطرس الرابع بطريرك الأرمن. وتمّ القرار بينهما على أن يقطن البطريرك في شرفة درعون. فاستأجر مدرسة بعشرين قرشًا في السنة. وفي 15 أيلول 1786 ابتاع المحلّ المذكور مع الكرم والحقل والغاب المحتاط به بقيمة ألفين وستماية واثنين وثلاثين قرشًا. وبمساعدة الكرسيّ الرسوليّ وملكة إسبانيا خاصّة والقسّ الياس دبّ الحلبيّ تمكّن من إيفاء ديونه الوافرة وتشييد بعض غرف في المدرسة واستمرّ يعلّم ويسوس الطائفة بكتاباته وتعاليمه حتّى تجرّع كأس المنون في 16 أيلول 1800 بحضور صديقه غريغوريوس بطرس الخامس بطريرك الأرمن. وكانت مدّة بطريركيّته سبع عشرة سنة. ورسم مطرانين وهما السيّد قرلّس بهنام بشاره للموصل والمطران يوليوس أنطون الأسقف العامّ وهو الشماس زكريا القطربليّ المذكور الساعة.

وكان رحمه الله أحرص البطاركة على آثار السلف وأعزّهم للطقوس البيعيّة وأجزلهم تفانيًا في اهتداء المنفصلين. شرّفت به الطائفة وعمّت في أغلب البلاد. ويضيق بنا المقام عن استيعاب أخباره ومآثره وحسبه فخرًا مدرسة الشرفة التي شيّدها ومكتبتها وأثاثها. وتشاغل زمانًا بالتآليف فصنّف مقالات في التجسّد وانبثاق الروح القدس وحقيقة المطهر. والزيادة على التقديسات الثلاث وترجمة القدّاس والخدمة. ورتّب صلوات سريانيّة سنة 1768 لعيد الجسد وللستّة الأيام السابقة لانتقال العذراء. وغير ذلك من الصلوات لقدّيسين وقدّيسات لم يكن لها وجود في الطقس القديم وسعى بطبع الإشحيم للمرّة الثّانية. واستكتب النوافير السريانيّة ونقّحها للطبع.

ودلالة على ذكائه وجدارته نورد قبل أن نختم سيرته فقرة من رسالة كتبها إلى المجمع المقدّس سنة 1775 قال “إنّي أعرف كلّ الطقوس: وإنّي بنعمة الله مدرّب في كلّ شيء ومواظب منذ صغر سنّي على قرأة الكتب الإلهيّة والكنسيّة وأقوال الآباء القدّيسين وتفاسيرهم وكم من الرسائل بعثتُ وأرشدتُ بها كلّ المؤمنين في ما بين النهرين لأجل اقتبال الإيمان”.

 

133- أغناطيوس ميخائيل الرابع

وبعد وفاة مار ميخائيل الثالث عقد الأسقفان يوليوس أنطون القطربليّ وايونّيس نعمة الله مطران دمشق مجمعًا في الشرفة وانتخبا السيّد قرلّس بهنام أخطل مطران الموصل بطريركًا. فاستعفى لأسباب داعية فاجتمع الرأي على انتخاب الخوري ميخائيل ضاهر الحلبيّ فكتبا له بالحضور من حلب وفي 4 أيار 1802 رسم أسقفًا وفي اليوم التالي نصّب بطريركًا إنطاكيًّا بيد يوليوس أنطون القطربليّ. وحضر الرسامة يوسف بطرس تيان بطريرك الموارنة وغريغوريوس بطرس الخامس بطريرك الأرمن وأغناطيوس صرّوف مطران بيروت الملكيّ وكانت ولادة البطريرك في حلب في 27 نيسان 1761 وعماده بعد ستّة عشر يومًا. ودرس العلوم في دير الشرفة وارتسم كاهنًا في 3 تموز 1788 خورأسقفًا في 26 تشرين الثّاني 1799.

وعلى أثر رسامته بطريركًا توجّه إلى رومية فنال من بيوس السابع درع التثبيت في 20 كانون الأوّل 1802. ولمّا عاد إلى دير الشرفة حصلت بينه وبين المطران أنطون الأسقف العامّ والخوري بطرس جروه منازعات وفتن شديدة بشأن وصيّة سالفه. ورفعت العرائض إلى الكرسيّ الرسوليّ فثقل ذلك على البطريرك وانحرف عن دير الشرفة في 11 أيار 1808 وأقام بدير الرغم ريثما تنفذ الأجوبة من رومية. وفي 15 آب 1810 تألّفت جمعيّة في حريصا للفرنسيّين فأقرّ البطريرك بما هو ملتزم به فأسفر الاجتماع عن تسوية الخلاف بالحبّ والوفق. ولكنّه في 7 أيلول تنازل عن البطريركيّة من تلقاء نفسه وتوجّه إلى حلب وساس تلك الأبرشيّة كمطران[107] حتّى قضى نحبه في 22 كانون الثّاني 1822 وكانت مدّة بطريركيّته ثماني سنوات.

 

134- أغناطيوس سمعان

ولمّا تنازل السيّد ميخائيل الرابع أُنيطت النيابة الرسوليّة بالسيّد يوليوس أنطون القطربليّ الأسقف العامّ حتّى افتتاح سنة 1814 فاتفق النائب المُشار إليه مع السيّد غريغوريوس بطرس جروه مطران أورشليم بعد أخذهما التفويض من أسقف الموصل على رسامة السيّد غريغوريوس سمعان زوره مطران دمشق بطريركًا إنطاكيًّا وفي 2 كانون الثّاني 1814 رُقّي إلى ذلك المنصب الساميّ بوضع يد يوليوس أنطون الأسقف العامّ وحضر الرسامة غريغوريوس بطريرك الأرمن وبعض أساقفة السريان الموارنة.

وُلد البطريرك عام 1760 وتوشّح بالإسكيم الرهبانيّ في دير مار بهنام ثمّ رسم كاهنًا باسم الربّان هندي وتقلَّد رئاسة الدير المذكور. وسنة 1804 اعتنق الكثلكة فلمّا شعر اليعاقبة احتدموا عليه غيظًا وأذاقوه أمرّ العذاب وربطوه في الحبال وجرّوه في الأزقّة مدّة نصف نهار بلا شفقة ثمّ حبسوه خمسة أسابيع. وكان يتجلَّد على احتمال ذلك بوجه طلق وثغر باسم. ولمّا حاولوا شنقه أنجده أحد أعيان المسلمين وأركبه فرسًا وطاف به في الشوارع توقيرًا وإعزازًا لفضيلته. وبعد زمان يمّم دير الشرفة فرسم خورأسقفًا في غرّة أيار 1812. ومطرانًا على دمشق في 10 حزيران 1812. ثمّ نصّب بطريركًا كما قدّمنا.

بيد أنّه لخوضه في عباب الاتضاع اعتزل البطريركيّة كسالفه في 20 حزيران 1818 وصرف اهتمامه بقيّة حياته إلى أعمال التقى والبرارة وحرص على المكث في دير الشرفة ووقف له كلّ ما نالته يداه. وما برح على تلك الحال حتّى اخترمته المنيّة في 21 آب سنة 1838 ودُفن في ضريح مار ميخائيل الثالث. وكانت مدّة بطريركيّته أربع سنوات ورسم ثلاثة مطارنة وهم ميخائيل هدايا لديار بكر وجبرائيل حمصيّ لحمص وأنطون الآمديّ لبيروت.

وبرهانًا على اتّضاعه وفضيلته وتضلّعه بالكتب المقدّسة نورد لمعة من رسالة أنفذها إلى إبراهيم خليل روميّ إلى ماردين سنة 1814 وفيها قال ما نصّه “بلغنا أنّكم فرحتم برسامتنا بطريركًا… وبيّنتم لنا جزيل اضطهادكم وكيف اضمحلّ كنسيج العنكبوت فالله من عادته أن يستخرج خيرًا من أمور كهذه… أمّا نظرًا لحضرتكم وحضرة أولادنا مسيحيّي ماردين فيقول لكم السيّد المسيح: “وأنتم الذين ثبتم معي في تجاربي فأنا أعدّ لكم الملكوت كما أعدّه لي أبي” لأنّ الثبات حتّى الانتهاء في حفظ الإيمان والفضيلة هو عين الخلاص…”.

وكتب كذلك في 28 نيسان 1815 منشورًا ممزوجًا بالرقّة واللطف إلى آل شيحا وأبرشيّة دمشق افتتحه بقول الرسول “الويل لي إن لم أبشّر” وبعثه مع القسّ توما الماردينيّ. وفيه حثّهم على قبول القسّ المذكور بالترحاب والثبات في المعتقد القويم حتّى الانتهاء. ومَن طالع رسائله هذه قضى بأنّه كان إمامًا روحانيًّا طيّب النفس وديعًا طويل الباع بمعرفة الأسفار المقدّسة واللغتين العربيّة والسريانيّة.

 

135- أغناطيوس بطرس السابع

وفي 25 شباط 1820 اجتمع الأساقفة الثلاثة في دير الشرفة يتقدّمهم مار أغناطيوس سمعان البطريرك المتنازل واختاروا للبطريركيّة غريغوريوس بطرس جروه وتمّت حفلة رسامته بيد سالفه في 3 آذار 1820 بحضور غريغوريوس بطرس الخامس بطريرك الأرمن ولويس غندلفي القاصد الرسوليّ.

وُلد البطريرك في حلب في 9 تموز 1777 وقرأ العلوم على عمّه الصالح الذكر في دير الشرفة وارتسم كاهنًا في 12 حزيران 1802 وفي 14 أيلول 1810 رقّاه السيّد يوليوس أنطون القطربليّ إلى مطرانيّة أورشليم فتوجّه عام 1815 إلى أوربا واستجلب مطبعتين لنشر الكتب السريانيّة خاصّة. بيد أنّه بعد ارتقائه إلى البطريركيّة تحكّم عليه المطرانان ميخائيل هدايا وجبرائيل حمصيّ وتعصّب لهما القسّ نيقولا اللعازاريّ فكتبوا رسائل شكوى عليه إلى المجمع المقدّس أنّه جلب مطبعتين لينشر بهما كتبًا هرطوقيّة. ولذلك انعاق ورود درع التثبيت إليه مدّة ثماني سنوات ففترت همّة البطريرك الجديد ورحل إلى رومية لتبرئة ساحته. وفي 28 كانون الثّاني 1728 قضى لاون الثّاني عشر بصحّة انتخابه ووشّحه بدرع التثبيت.

وفي عهد هذا البطريرك انتمى إلى الكثلكة غريغوريوس زيتون بطريرك طور عبدين ثمانية مطارنة يعقوبيّين وهم: يوليوس أنطون سمحيري وغريغوريوس يعقوب حليانيّ وغريغوريوس عيسى محفوظ وإيونّيس متّى نقّار وغريغوريوس عمنوئيل الموصلي وغريغوريوس عبد المسيح مطران حمص وحماه والياس شهوان ويوسف سمنه المطرانان المتنازلان. وقطن البطريرك دير الشرفة ودير الرغم زمانًا. وفي 20 تموز 1844 توجّه إلى الأستانة بشأن كنائس الموصل وعاد فائزًا منصورًا وفي 8 أيار 1845 حصل على الإنعام بانفصال طائفتنا مدنيًّا عن طائفة اليعاقبة ثمّ توجّه إلى حلب وأقام فيها.

وفي 16 تشرين الأوّل 1850 ثارت فتنة حلب الشهيرة فأهرع رعاع الشعب إلى كنيستنا الكاتدرائيّة فألفوا البطريرك موسومًا بالنيشان العثمانيّ فلم يعبأوا به بل جندلوه على الحضيض وجرّوه كالبهائم واستلّ أحدهم السيف ليفتك به. وفي تلك الأثناء تعطّف عليه الحاج عثمان الحمصانيّ وأنقذه. وزجّى البطريرك أواخر العمر بالعذاب والشجون من جرّاء ذلك. وفي 16 تشرين الأوّل 1851 قضى نحبه على أثر فالج فاجأه. ودُفن في كنيسة حلب ورسم ثلاثة مطارنة وهم: ميخائيل يوحنّا للموصل ويوسف حائك لبيروت وبولس صعب لطرابلس. وكان في عهده لطائفتنا اثنا عشر مطرانًا وكانت مدّة رئاسته إحدى وثلاثين سنة.

ولبطرس السابع الفضل العميم على الطائفة. فإنّه رمّم دير الشرفة ودير الرغم وكنيسة حلب وأنشأ لها أوقافًا. وصنّف كتبًا نفيسة منها خطبه عن الله والكنيسة نسّقها بأجود عبارة. وترجم اللاهوت النظريّ لتوما دي شرمز وكتاب مرشد الكاهن وحياة مريم وشرح القدّاس لابن الصليبيّ وغير ذلك وطبع الإشحيم للمرّة الثالثة. ونافور القدّاس وكان على جانب عظيم من الذكاء والحصافة خبيرًا باللغات السريانيّة والإيطاليّة والعربيّة.

 

136- أغناطيوس أنطون

كان أصله يعقوبيًّا من آل سمحيري الموصليّين وُلد سنة 1801 وانقطع إلى دير مار بهنام فأحرز العلوم الضروريّة للدعوة الإقليرسيّة. وفي 15 آب 1822 رُسم كاهنًا. وفي افتتاح سنة 1826 انتدبه البطريرك جرجس سيّار اليعقوبيّ إلى ديار بكر وكرّسه مطرانًا على ماردين. ولمّا كان يومًا يقرأ بعض الأوراق المتبعثرة في مكتبة دير الزعفران عثر على صورة إقرار بعض البطاركة اليعقوبيّين بالإيمان الأرثوذكسيّ ورئاسة الحبر الرومانيّ فلم يقرّ قراره حتّى قدِم إلى ديار بكر وأطلع بطريركه عليها فمنعه عن أن ينضمّ إلى الكثلكة وعرض عليه المفريانيّة. أمّا المطران أنطون فأبى إلاّ أن يهجر اليعقوبيّة ويقرّ بالكثلكة غير وجل ولا هيّاب. وتمّ ذلك في 17 نيسان 1827 بين يدي يواقيم طازباز مطران الأرمن بماردين. وتبعه جمّ غفير في ماردين مع أربعة قسوس واثني عشر شماسًا. فسخط عليه البطريرك اليعقوبيّ وأتى بأوامر بحبسه في قلعة ماردين مع رفيقه عيسى محفوظ الموصليّ مطران أورشليم ولا يتّسع لنا الوقت لنصف الأعذبة المبرّحة التي نالتهما فتجلَّدا عليها بقلب مسرور ووجه باشّ مدّة ثمانية شهور. وسنة 1831 توجّه إلى الأستانة وأعتق المطران عيسى وقسوسه الثلاثة من حبسهم في دير الزعفران. وعاد إليها أيضًا سنة 1837 وسعى بردّ الكنائس التي خطفها الياس عنكز بطريرك اليعاقبة من الكاثليك في الموصل وماردين.

ولمّا انتقل سالفه مار بطرس السابع أناط به الكرسيّ الرسوليّ تدبير الطائفة جمعاء. وفي 30 تشرين الثّاني 1853 عقد الأساقفة السريان مجمعًا في دير الشرفة وكرّسوه في 8 كانون الأوّل بطريركًا إنطاكيًّا بوضع يد غريغوريوس يعقوب حليانيّ مطران دمشق وكان في الرسامة ايونّيس متّى نقَّار مطران حمص وحماه والنبك وكوراطس يوسف حايك مطران بيروت والقاصد الرسوليّ بلانشه. وفي 7 نيسان 1854 نال درع التثبيت وعلى أثر رسامته بطريركًا توجّه إلى أوروبا وتقلّب في بلادها فانثالت عليه الصلات من أيمّة الدين الكاثليكيّ. واقتبس حظوة لدى نابليون الثالث إذ انتدبه من بلجكا إلى باريس سنة 1856 ليحضر عماد نجله الوحيد. واحتفى به احتفاء وسيمًا وشمله بالهدايا الفاخرة. وفي 8 نيسان 1857 نال الفرمان الشاهانيّ ثمّ انصرف راجعًا إلى ماردين حيث الكرسيّ البطريركيّ[108] وشيّد كنيستها الكبرى. وافتتح رسالات عديدة وأغاث الطائفة في الموصل وبغداد خاصّة. وقصارى الكلام أنّها انتعشت ونمت بهمّته. وفي 16 حزيران 1864 غادر هذه الحياة الفانية على أثر فالج اعتراه ودُفن في مقبرة الآباء تحت مذبح أبينا مار افريم في الكنيسة الكبرى وعرّجت نفسه النجيبة النـزيهة إلى السماء تنال الأجر المهيّأ للأحبار الصالحين.

وكان إمامًا جليلاً عالي الشأن غزير الفضل والمكارم واسع النظر طويل الباع في العلوم الشرقيّة ولاسيّما السريانيّة ولا زال ذكره كالمسك والعنبر تضوّع رائحته في كلّ الأصقاع. وكانت مدّة بطريركيّته إحدى عشرة سنة ورسم خمسة أساقفة وهم: ديونوسيوس جرجس شلحت لحلب وقرلّس بهنام بني للموصل وأثناسيوس رافائيل جرخي لبغداد وفلابيانس بطرس متاح للجزيرة ويوليوس فيلبس عركوس لديار بكر.

 

137- أغناطيوس فيلبس

وفي 21 حزيران 1866 عقد الأساقفة الخمسة المذكورون مجمعًا في حلب بمعيّة السيّد أوسطاتيوس افريم نكمجي مطران خربوط والمطران ايونّيس إيليَّا عتمه والخوري أنطون قندلفت بدل السيّد غريغوريوس زيتون مطران مذيات وكان في مقدّمتهم القسّ نقولا الذي صار قاصدًا وانتخبوا للكرسيّ الإنطاكيّ مار يوليوس فيلبس عركوس ونادوا به بطريركًا بوضع يد مطران حلب. وعلى أثر رسامته توجّه إلى رومية حيث نال في 8 آب درع التثبيت من الحبر الرومانيّ داخل البلاط ثمّ ظعن إلى بلاد أوروبا وفي 20 أيلول للسنة المرقومة حظي بمواجهة جلالة السلطان عبد العزيز خان وتلا أمامه خطبة باللغة التركيّة فأعجب بمنطقه وفصاحة لهجته وسلَّمه بيده الفرمان الشاهاني فشكر له البطريرك وانصرف مستبشرًا إلى ماردين كرسيّه وفي 6 آب 1869 استصحب ستّة أساقفة إلى رومية لحضور المجمع الفاتكانيّ المسكونيّ ثمّ رجع إلى ماردين. وفي 7 آذار 1874 اهتصر غصن حياته الرطب وله من العمر سبع وأربعون سنة ودُفن في ضريح سالفه في مقبرة الآباء بعد أن قضى من الآلام المبرّحة ما لا يوصف.

وكان رحمه الله طيّب النفس ليّن العريكة مخفوض الجناح خطيبًا مصقعًا وكاتبًا بليغًا. ومن مآثره أنّه أنشأ مكتبة للكرسيّ البطريركيّ ورمّم بعض الكنائس وافتتح رسالة في دير الزور. وكانت مدّة رئاسته ثماني سنوات ولم يرسم أساقفة.

ويُنسب هذا البطريرك الحميد الأثر إلى سلالة عركوس الماردينيّة الموصوفة بأعمال الخير والرحمة[109] وكان والده أنطون قد نزح إلى ديار بكر للتجارة. فاتّلد فيلبّس في 30 نيسان 1827 واعتمد في 13 أيار ولمّا بلغ الرابعة عشرة من العمر هزّه الارتياح إلى الإنضواء في سلك الإقليرس فقدِم إلى دير الشرفة وتشاغل بالعلوم واقتبس منها حظًّا وافرًا وفي افتتاح سنة 1850 رسمه سالفه كاهنًا على ديار بكر فخدمها اثنتي عشرة سنة. وفي 28 أيلول سنة 1862 استدعاه إلى ماردين ورفعه إلى الدرجة الأسقفيّة وما لبث يستفرغ الجهد في رعاية أبرشيّته الجديدة حتّى انتخب إلى البطريركيّة كما قدّمنا.

 

138- أغناطيوس جرجس الرابع

وفي 7 تشرين الأوّل سنة 1874 عقد الأساقفة مجمعًا في دير الشرفة وبعد أربعة أيام نصبوا مطران حلب بطريركًا إنطاكيًّا باسم أغناطيوس جرجس الرابع ووضع عليه اليد مار يعقوب حليانيّ مطران دمشق. وكان في رسامته السيّد يوحنّا الحاج مطران بعلبك على الموارنة والسيّد يوحنّا حاجيان مطران الأرمن. والخوري ميخائيل أزرق رئيس دير الشرفة بدل المطران ايونّيس إيليّا عتمه. والمطران الياس شهوان المتنازل بدل المطران جرجس شاهين. والقسّ لودفيكس بيافي بدل القاصد الرسوليّ. وفي 21 كانون الأوّل لتلك السنة انتهى إليه درع التثبيت.

ويُنسب هذا البطريرك إلى عائلة شلحت الحلبيّة وكان ولاده في 11 تشرين الأوّل سنة 1818 وفي 2 شباط سنة 1843 رقّي إلى القسوسيّة بيد مار أغناطيوس بطرس السابع. وفي 25 أيار سنة 1862 رقّاه إلى مطرانيّة حلب مار أغناطيوس أنطون سمحيري. وسنة 1864 تولّى نيابة الملّة برمّتها. وسنة 1874 أُقيم نائبًا رسوليًّا للمرّة الثّانية حتّى ارتقى إلى البطريركيّة كما قدّمنا. وفي 6 أيار سنة 1878 وهي السنة الرابعة لحبريّته نال البرآة الشاهانيّة. وسنة 1887 أنعم عليه جلالة السلطان بالطغراء الهمايونيّة التي نقلها خلفه إلى ماردين سنة 1892 وسنة 1888 سعى بعقد مجمع الشرفة المشهور. وفي 8 كانون الأوّل 1891 استأثرت به رحمة الله في حلب ودُفن في كنيستها الكبرى وكانت مدّة رئاسته سبع عشرة سنة ورسم خمسة مطارنة وهم: يعقوب متّى احمردقنه لنصيبين وإقليميس يوسف داود لدمشق وثاوفيلس أنطون قندلفت لطرابلس وربّولا افريم رحماني للرها وماروثا بطرس طوبال لديار بكر.

وله الفضل في إنعاش الألحان السريانيّة والسعي: بتشييد دير مار افريم بماردين سنة 1884 وإنشاء مكتبة وأوقاف في حلب.

وكان رحمه الله ناصع اللون دمث الأخلاق رخيم الصوت لطيف المعاشرة.

ومن جملة علمائنا المبرّزين إذ ذاك نذكر السيّد إقليميس يوسف داود الموصلي الذي تمطرن على دمشق سنة 1879 ومصنّفاته أقوى دليل على حصافة فكره واتّساع نظره وطول باعه في أصناف العلوم والمعارف ولا نبالغ إذا أطلقنا عليه لقب “بحر العلوم المتلاطمة أمواجه” وهو اللقب الذي أطلقه السريان على سويرا الأوّل البطريرك الإنطاكيّ. وكانت وفاته في 4 آب 1890.

 

139- أغناطيوس بهنام الثّاني

انتهت إليه النيابة العامّة على الطائفة سنة 1891 وفي 12 تشرين الأوّل 1893 عقد الأساقفة مجمعًا في الموصل وانتخبوه للكرسيّ الإنطاكيّ وبعد ثلاثة أيام كرّسوه بطريركًا في كنيسة الطاهرة بوضع يد إقليمس يوحنّا معمار باشي مطران دمشق وكان في رسامته المطارنة يعقوب متّى أحمر دقنه وثئوفيلس أنطون قندلفت وربّولا افريم رحماني وماروثا بطرس طوبال.  وقرّلس بولس دانيال يتقدّمهم السيّد هنري التماير القاصد الرسوليّ.

ويُنسب هذا البطريرك إلى أسرة بني الموصليّة الكريمة العريقة في القدم واتّلد في 15 آب 1831 ودرس العلوم في مدرسة انتشار الإيمان برومية وفي 16 آذار 1856 ارتقى إلى الدرجة القسوسيّة. وفي 9 آذار 1862 انتدبه مار أغناطيوس أنطون سمحيري إلى ماردين ووشّحه بمصنّفة المطرانيّة على الموصل فأبدى أعمالاً تدلّ على الغيرة والنشاط ولاسيّما عند حدوث المشاغب بشأن كنائس الموصل وكان الفوز لطائفتنا في حزيران 1887 بهمّة الكرسيّ الرسوليّ وسعي هذا الحبر الإنطاكيّ. وفي 11 كانون الأوّل 1893 نال الفرمان الشاهانيّ وانطلق إلى رومية. وفي 18 أيار 1894 حاز درع التثبيت. وما كادت تمرّ على حبريّته خمس سنوات حتّى فاجأته المنيّة في 13 أيلول 1897 ورُتّب جثمانه في كنيسة الطاهرة ولم يرسم سوى مطرانين وهما إقليميس يوحنّا معمار باشي لدمشق وأثناسيوس أغناطيوس نوري لبغداد.

وكان رحمه الله طويل القامة مليح الهيئة بعيد الهمّة شديد البأس رحب الصدر كريم النفس رفيعها رؤوفًا بالفقراء والإعلاء واتّصل سنة 1880 إلى بيع الأثاث البيعيّة لإغاثة شعبه وقت المجاعة وتشاغل دهرًا بالتصانيف فألّف كتبًا شتّى منها “الدرّة النفيسة”. “ورئاسة بطرس الرسول” بالإنكليزيّة. وقوانين تبلغ مائة وثلاثة وسبعين لكهنة الموصل مطبوعة سنة 1872 وكلندارًا سنويًّا وغير ذلك.

 

140- أغناطيوس افريم الثّاني

وقام بعده بالنيابة إقليميس يوحنّا معمار باشي فعقد مجمعًا في 9 تشرين الأوّل سنة 1898 في دير مار افريم بماردين بمحضر من السادات هنري التماير القاصد الرسوليّ وأثناسيوس أغناطيوس نوري مطران بغداد ويعقوب متّى أحمردقنه مطران الجزيرة وماروثا بطرس طوبال مطران ديار بكر ويوليوس باسيل قندلفت مطران يافا وقرلّس بولس دانيال مطران دارا وغريغوريوس عبد الله سطّوف مطران حمص وحماه[110] واختاروا للكرسيّ الإنطاكيّ ديونوسيوس افريم رحماني الموصلي مطران حلب وفي 16 تشرين الأوّل نادوا به بطريركًا إنطاكيًّا في الكنيسة الكبرى ووضع عليه اليد إقليميس يوحنّا معمار باشي مطران تكريت.

وُلد غبطته أيّده الله في الموصل في 9 تشرين الثّاني سنة 1849 وعام 1863 أُرسل إلى رومية فنبغ في العلوم وجاز الملفنة في الفلسفة واللاهوت. وفي 12 نيسان سنة 1873 سيم كاهنًا وعاد إلى وطنه. وفي 2 تشرين الثّاني سنة 1887 رقّاه مار أغناطيوس جرجس الرابع مطرانًا على الرها. وسنة 1890 عُيّن نائبًا على بغداد. وفي غرّة أيار سنة 1894 نقله سالفه إلى مطرانيّة حلب ولبث يرعاها بالعزم والحزم حتّى تسنّم الذروة الإنطاكيّة كما قدّمنا. وفي 28 تشرين الثّاني سنة 1898 ورد إليه درع التثبيت من لاون الثالث عشر وبعد شهر كامل فاز بالبراءة الشاهانيّة وسنة 1903 أنعم عليه جلالة السلطان بالنيشان المرصّع وهو أوّل بطريرك شرقيّ حصل على ذلك.

ورسم ثلاثة مطارنة وهم إقليميس ميخائيل بخّاش لدمشق وغريغوريوس بطرس هبرا للموصل وديونوسيوس افريم نقاشه لحلب.

على أنّ ذرعنا ضيّق عن تعداد مآثر هذا الحبر الإنطاكيّ الإمام. ونحن أدرى بها من غيرنا لتشرّفنا بخدمة غبطته الأثيلة منذ أعوام ووقوفنا على ما تجمّلت به نفسه الزكيّة من كريم المناقب. وما لم تبرح همّته نازعة إليه من شريف المطالب. بيد أنّنا لا نطيق أن نضرب صفحًا عن ذكر ما تذرّع به من الذرائع المتنوّعة في سبيل توسيع نطاق طائفتنا السريانيّة التي أخصّ ما نذكر منها إنشاؤه رسالات شتّى في سوريا وفونيقى. وتشييده كنائس ومعابد في بلاد مختلفة ككنيسة ديار بكر وقلعتمرا. وبذّله النفقات الطائلة على مهدنا في القدس الشريف وحمص وحماه ومعمورة العزيز وكنيسة البصرة وزيدل وغيرها وترميمه دير مار بهنام ووقفه العقارات عليه. وابتناؤه ديرًا للراهبات الافريميّات في جوار دير الشرفة وقلاّية لسكنى مطران الموصل.

وضف إلى ذلك أنّه أتى بمطبعتين معتبرتين وضع إحداهما في حلب والأخرى في دير الشرفة ونشر بها عدّة كتب مصنّفة أو منقّحة أو مترجمة بقلمه. منها الإشحيم للمرّة الرابعة وخدمة القدّاس وفهرس الرسائل والأناجيل وتاريخ سريانيّ كبير ومداريش وميامر جليلة كثيرة الفوائد مصنّفة من مار افريم أمام ملافنتنا. ومقالات لمشاهير السريان وغير ذلك من الآثار السريانيّة الحريّة بالاعتبار والإجلال.

ثمّ إنّ غبطته حرسه الله شديد الولع بآثار السلف في حوزته عدد وافر من الكتب العتيقة. وله قدم راسخة في العلوم الشرقيّة والغربيّة والطقوس البيعيّة ومن آثار قلمه أيضًا كتاب التواريخ القديمة والمتوسّطة وكتاب إقليميس الحبر الرومانيّ المعروف بعهد ربّنا وغيره.

أمّا الطائفة السريانيّة الكاثليكيّة فمنتشرة في بلاد عديدة وفي يومنا هذا تكاد تبلغ السبعين ألفًا وكان لها مطرانيّات وأسقفيّات شتّى أخنى عليها الدهر[111] غير أنّه في مجمع الشرفة المنعقد عام 1888 انحصرت في أربع مطرانيّات وهي حلب والموصل ودمشق وبغداد وتوابعها. وستّ أسقفيّات وهي القاهرة وطرابلس وحمص وحماه والرها ونصيبين والجزيرة وتوابعها. أمّا ماردين وديار بكر وما جاورهما فاختصّت بالكرسيّ البطريركيّ. ولها إحدى وأربعون كنيسة. وسبعة أديرة. واثنا عشر مصلّى وثمانون قسًّا يتعلّقون بالكرسيّ البطريركيّ. وأربعة وستّون بسائر الكراسي.

نسأل الحقّ سبحانه وتعالى أن يصون غبطة بطريركنا المثلّث الطوبى والسادة المطارنة الأجلاّء بعين عنايته. ويقرّ عيونهم برعوى أخوتنا السريان المنفصلين حتّى تكون الرعيّة واحدة والكلمة مجتمعة فتنهض الهمم وتتكاتف العزائم وتتوحّد الوجهة إلى ما فيه شرف الأمّة وزهوها على أثر خمولها وذبولها. فإنّ الجهل والخمول من تبعات الخلاف كما أنّ العِلم والكرامة نتيجة الائتلاف. والحمد لله الكريم أوّلاً وآخرًا.

انتهى.

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش :


[1]  تاريخ الدول لابن العبريّ صفحة 119 طبعة الأب أنطون صالحاني اليسوعيّ.

[2]  أوسابيوس القيصريّ الكتاب الرابع فصل 25 ومنارة الأقداس لابن العبريّ أصل 4 الفصل 3.

[3]  المشرق (1: 991).

[4]  تاريخ الدول (129).

[5]  تاريخ الدول (136).

[6]  الهدايا (7: 1).

[7]  قيل بل إنّ آباء المجمع الخلقيدونيّ أطلقوه أوّلاً على الحبر الرومانيّ سنة 451 إذ هتفوا قائلين (ليحَ لاون البطريرك زمنًا مديدًا) إلاّ أنّ سقراط المؤرّخ المتوفّي سنة 440 ذكره قبل هذا العهد. ولُقِّب به أيضًا نسطور المبتدع. وكان غريغوريوس الثاولوغس استعمله سنة 382. وخصّصه قرلّس الإسكندريّ بفلسطين الحبر الرومانيّ في خطبته على أنّ مريم والدة الله (المشرق 5: 439 و588).

[8]  راجع هنا عدد 24.

[9]  من هنا تتّضح جليًّا رئاسة الحبر الرومانيّ على البطاركة.

[10]  راجع المنتخبات السريانيّة لغبطة بطريركنا مار اغناطيوس افريم الثّاني جزء ثالث صفحة 8.

[11]  المشرق 5 صفحة 43.

[12]  ورد في كتاب سريانيّ قديم خاصّة دير الشرفة يشتمل على أخبار المجامع ما نصّه: “المجمع الثامن عشر اجتمع في إنطاكية في أيام أنسطاس الملك ؟؟؟ فيلكسين المنبجيّ وحرموا المجمع الخلقيدونيّ وطومس لاون وقبلوا كتاب زينون ورسموا مار سويرا بطريركًا سنة 512 في تشرين الثّاني ورؤساؤه فيلكسين المنبجيّ وعشرة أساقفة أسماؤهم معروفة.

[13]  معناها أغاني ترتّل في الحفلات البيعيّة وهي تنيف على 370 معنيثًا مدرجة في كتاب بيتكاز الشيخ القديم العهد خاصّة دير الشرفه

[14]  نسبة إلى تلّ موزل بناها قسطنطين الملك سنة 357 وسمّاها قسطنطين الصغيرة وتسمّى اليوم ويران شهر وهي تخصّ ولاية ديار بكر.

[15]  يوحنّا الأفسسيّ ق 50.

[16]  يتّضح ذلك من رسالة سريانيّة بعث بها إليه أنتيموس البطريرك المنوفستيّ القسطنطينيّ وفيها يعنِّفه على فعلته المغايرة للقوانين (راجع “كتاب المنتخبات” لغبطة بطريركنا مار اغناطيوس أفريم الثّاني جزء 3: 33).

[17]  ويسمّى دير أسطرطليس وهو عند تلّ موزل ويوجد دير آخر باسمه في جوار إنطاكية.

[18]  اسقصناغ معناها: مداس الظرف

[19]  دير في نواحي إنطاكية

[20]  ميخائيل الكبير

[21]  من غرائب الأمور أنّ يعقوب البرادعيّ كان يحرم ويقطع ويرفع ويضع حتّى البطاركة. ولا ندري أحدًا سبقه بذلك. فياما أعجب وأغرب ما تفتعله الهرطقة والاستبداد.

[22]  نسبة إلى قلنيقس وهي الرقة.

[23]  كان الجثالقة الخاضعون للكرسيّ الإنطاكيّ أربعة اثنان في آسيا وبنطس واثنان في المشرق. واندرس ذكر الأوّلين منذ أجيال فلم نذكرهما في التوطئة. وحفظ الآخران في بطريركيّة النساطرة والأرمن حتّى اليوم. والسريان بعد خروجهم آثروا ذلك فأقاموا لهم مفريانًا أو جاثليقًا سمّوه مفريان المشرق.

[24]  لقبين مدينة في ملطية

[25]  تاريخ الدول 157.

[26]  لهذا الكتاب نسخة جليلة في مكتبة دير الشرفة رقّمها بيده البطريرك نوح البقوفاوي اليعقوبيّ.

[27]  السذرات أو الحسايات صلوات استغفاريّة ودعاء يتلوها الكاهن عند السريان والموارنة.

[28]  تاريخ الدول 175.

[29]  إنّ أمثال هذه الرسامة مذموم محسوب كعماد ثانٍ. والحجّة أنّ رسامة البطريرك والمطران واحدة لا تختلف. وعليه فأغلب البطاركة كانوا ينتخبون من الرهبان توًّا. ورسامة كهذه (أيّ أنّ أسقفًا يرسم بطريركًا) تتطلّب ثلاثة شروط. أوّلاً تصلّى رتبة الجلوس على الكرسيّ ثانيًا تُتلى صلاة إقليميس ثالثًا تُسلّم إليه العصا وتكون يده فوق أيدي الأساقفة (راجع الهدايا لابن العبريّ ق 7 فصل 3).

[30]  تاريخ الدول صفحة 192.

[31]  وتسمّى شهر أباذ هي على دجلة فوق الموصل بينها سبعة فراسخ وتبعد عن نصيبين ثلاثة وعشرون فرسخًا.

[32]  قرية في الراوندان قرب إنطاكية.

[33]  فامية أو أفامية مدينة في ما بين النهرين وهي غير أفامية التي أُطلقت على حماه.

[34]  هذا الدير أسّسه أثناسيوس السندليّ البطريرك عند تلبسم ودُعي باسمه (راجع هنا صفحة 41).

[35]  تاريخ الدول صفحة 227.

[36]  كان عالمًا خبيرًا باليونانيّة والسريانيّة ترجم الثاولوغس أعني النازينـزي.

[37]  احترق دير قنّسرين الشهير سنة 815.

[38]  راجع التاريخ الذي طبعه غبطة بطريركنا مار اغناطيوس افريم الثّاني صفحة 237.

[39]  ميخائيل الكبير ثلاثة وثمانين.

[40]  المدايا: ق 7 فصل 1.

[41]  منذ ذلك العهد أخذ بطاركة اليعاقبة يغيّرون أسماؤهم وقت الرسالة وذلك كان ضدّ الأصول.

[42]  يسمّى دير عمود قرزحيل وهو في ضواحي إنطاكية على ساحل نهر عفرين.

[43]  دير واقع في بريّة حرّان.

[44]  تاريخ الدول صفحة 285

[45]  راجع هنا صفحة 38

[46]  تاريخ الدول صفحة 287

[47]  ذليل أو دلوك مدينة تبعد عن شميشاط اثنا عشر ميلاً

[48]  مدينة على الفرات قريبة من شميشاط

[49]  تاريخ الدول 296.

[50]  تاريخ الدول صفحة 315

[51]  هو في جوباس بملطية

[52]  هو في قرية طامنين بقلوذيا الواقعة بين قستمونيه وألقره

[53]  بلدة من مقاطعة ملطية

[54]  راجع هنا ترجمة سويرا الثّاني عدد 64

[55]  اسم لمدينتين الأولى في ملطية والثّانية في فونيقي شرقيّ طرابلس على ساحل البحر المتوسّط

[56]  كرشنا مدينة بالقرب من منبج كانت تحت حكم ملوك قيليقيا الأرمن.

[57]  هو في نواحي ملطيه

[58]  نسبة إلى تلفطريق بلدة في  ملطيه

[59]  قلعة عظيمة واقعة بين حلب والبيره وفيها مياه وبساتين كانت مركز جوسلى.

[60]  جرجر قرية كبيرة في ولاية ديار بكر.

[61]  بلدة بين حلب وأورفا

[62]  ميخائيل الكبير في 2 شباط

[63]  التاريخ القديم طبع غبطة بطريركنا العلاّمة صفحة 101.

[64]  دير قرب ديار بكر.

[65]  تسمّى اليوم خرتبرت بين آمد وملطيه

[66]  مدينة قرب ماردين كانت أكبر من دارا محاطة بالأشجار والأنهار

[67]  الحديثة اسم لمدينتين الواحدة في ما بين النهرين على الفرات غير بعيدة عن الأنبار والثّانية على دجلة حيث يختلط به نهر الفرات.

[68]  كان سليمان ابن أبي الفتح قد ضبطها (هنا وجه 44)

[69]  قلعة حصينة غربيّ الفرات فوق البيره بينها وبين شميشاط كانت كرسيّ بطريرك الأرمن.

[70]  كانت العادة جارية عند الأرمن والسريان سابقًا باحتفال عيد الميلاد والغطاس في 6 كانون الثّاني.

[71]  لم يكن الأرمن يمزجون ماء بالخمر

[72]  حصص بلدة في مقاطعة تكريت

[73]  احترق الدير المذكور سنة 1183 فرمّمه ميخائيل الكبير

[74]  المشرق 10: 996.

[75]  قلوذيا حصن بقرب ملطيه وهي وطن بطليموس صاحب المجسطي والدير المذكور أحرقه يوم أحد الشعانين سنة 1257 عساكر شرف الدين أحمد بن بلاس.

[76]   شيّده أحو دامه المفريان الأوّل 575 بالقرب من المصيصه بقيليقيا

[77]  هنا صفحة 45.

[78]  هو أوّل مفريان صار بطريركًا.

[79]  يُسمّى دير مائدة الملوك وهو في ولاية ديار بكر.

[80]  وعندنا أنّ السبب في ذلك تديّنه بالكثلكة وانضمامه إلى الكنيسة البطرسيّة وإلاّ فليس له حقّ على تعنيفه بتاتًا وأنّنا نعجب من ابن العبريّ كيف لم يأت بذكر ذلك في تاريخه.

[81]  الريشيت كلمة سريانيّة تطلق على باكورة كلّ شيء ويُراد بها تأدية العشور

[82]  تاريخ الدول صفحة 444.

[83]  تاريخ الدول صفحة 477

[84]  لأنّه كان قرّر صورة إيمانه بالكثلكة بين يدي أنوكنتيوس الرابع سنة 1247 ويظهر بأنّه أيّد إقراره فأُدخل إلى كنيسة الإفرنج.

[85]  المشرق 1: 367

[86]  المشرق 1: 417

[87]  توفي يوم الجمعة 7 كانون الأوّل 1313 فخلفه يشوع بن شوشان وسمّي ميخائيل كسالفه ومات سنة 1349 فاجتمع أساقفة الغرب في سيس ورسموا باسيل جبرائيل مطران ملطيه خلفًا له بوضع يد فيلكسين مطران دمشق الكاتب البليغ وتوفي سنة 1387 ودُفن في دير كويخات. فخلفه فيلكسين المذكور ووضع عليه اليد شمعون الجرجريّ ابن زبدا سنة 1387 وتوفي سنة 1421 فخلفه شمعون المذكور وكان أصله من قرية ما نمعم بطور عبدين وتوجّه إلى بطريرك الأقباط فرسمه بطريركًا وتوفي في القدس الشريف سنة 1445 وبموته بطلت بطريركيّة سوريا وقيليقية بهمّة أغناطيوس بهنام الأوّل الحدليّ.

[88]  هيتم وتُدعى بيت ما نمعم إقليم من طور عبدين.

[89]  هذا المفريان أنكر الطاعة للبطريرك أغناطيوس اسمعيل لأنّه ارتسم بطريركًا دون رضاه وعام 1333 أرسل إليه الكرسيّ الرسوليّ رسائل توصية بالمطران اللاتينيّ الذي كان في تبريز.

[90]  ومات سنة 1389 ودُفن في دير مار يعقوب بصلح فخلفه أغناطيوس يشوع المذياتي برموطا سنة 1390 وبعد ستّ سنوات توفّي ورسم تسعة أساقفة وكان يسكن دير القطرة الواقع فوق دير الزعفران. وخلفه مسعود بأمر وزير حصن كيفا ومات سنة 1420 بدهاء الوزير المذكور. فقام بعده أحنوخ العينورديّ مطران قرتمين سنة 1421 وتوفي في صلح سنة 1445 فخلفه سنة 1446 قوما السبيريتي ابن جفل وكان مطرانًا على قرتمين وتوفي سنة 1455 فخلفه يشوع العينورديّ في 14 أيلول 1455 ومات عام 1466 ودُفن في ضريح أسلافه بصلح. وخلفه فيلكسين مطران حاح وهو عزيز ابن العجوز من قرية باسيلا بماردين وكانت رسامته يوم خميس الأسرار سنة 1466 ومات في حصن كيف سنة 1488 فخلفه البطريركان شابا العربيّ ثمّ يوحنّا الجرجريّ بن قوقر العينورديّ ومات الأوّل سنة 1489 والثّاني سنة 1493 وخلفه مسعود الزازيّ سنة 1495 وبما أنّه رسم اثني عشر قسًّا تحت الليل غضب عليه أهل جبل طور عبدين وحبسوه في الكنيسة أربعة أيام ثمّ هرب إلى قرية كليبين بماردين وكتب رسالتين إلى سكان طور عبدين فيهما حرم وقثرس كلّ مَن يرسم قيّمًا بعد بطاركة لطور عبدين إذ لا بطريرك إلاّ بطريرك ماردين. وبموت هذا البطريرك ؟؟؟ وتلاشت بطريركيّة طور عبدين وذلك بهمّة البطريرك نوح البقوفاويّ كما سترى.

[91]  الصور قرية في طور عبدين مركز قائمقاميّة

[92]  يؤيّد ذلك القانون الثالث الذي سنّه آباء المجمع القسطنطينيّ المائة والخمسون ضدًّا لمقسيما الذي خطف بطريركيّة القسطنطينيّة مع أنّ بطريركها الناموسيّ وهو غريغوريوس الثاولوغس كان حيًّا وجرى مثل ذلك لاورسانوس الذي نُصّب على الكرسيّ الرومانيّ حال وجود دمسوس الحبر الشرعيّ “راجع الهدايا لابن العبريّ ق 7 فصل 1 صفحة 78 من طبعة الأب بيجان”.

[93]  قرية غربيّ ماردين بعيدة عنها نحو 18 ساعة.

[94]  إنّ المؤرّخين المعاصرين اعتمدوا على إثبات شمعون في السلسلة لحصوله على الفرمان البطريركيّ أمّا نحن فلم نثبته لوجود شكر الله الشرعيّ في قيد الحياة.

[95]  الآثار الخطّية للأب أنطون رياط صفحة 465- 466.

[96]  الآثار الخطيّة صفحة 468

[97]  الآثار الخطيّة صفحة 96.

 

[98]  من جملة المنفيّين كان القسّ نعمة قدسي الذي سيأتي ذكره وقد ورد في مقدّمة كتابه العربيّ “شرح الأجروميّة” ما نصّه: ولمّا بقي ثلاثمائة لتمام الألفين من تاريخ سنيّ سيّد الكونين أوقدوا (اليعاقبة) نار هواهم: حتّى أنّهم أقاموا البطريرك بطرس السعيد. وكهنته  أمام القضاة والموالي والعبيد وأسلموهم للجلد والسجن المظلم: وأوثقوهم إلى حصن مدينة اطنه متفقين فانطلق بهم الجند بالذلّ والإهانة مأسورين وأودعوهم القيود والأغلال بين المجرمين في سوء حال. في حبس مظلم كالليل البهيم ليس لهم خل ولا حميم وفي تلك الليلة نفسها توفي المطران رزق الله… وبعد مدّة قليلة… انتقل إلى رحمة ربّه البطريرك المنتخب. فأضحنا رعيّة بغير راشد يرعانا الخ.

[99]  هذا الدير في لحف الجبل الجنوبيّ لماردين.

[100]  المشرق 11: 563

[101]  المشرق 3: صفحة 913- 926

[102]  رسالته إلى المجمع المقدّس سنة 1775

[103]  رسالة البطريرك ميخائيل إلى المجمع المقدّس سنة 1781

[104]  رسالة البطريرك ميخائيل إلى المجمع المقدّس سنة 1781

[105]  هذا أقرّ بالكثلكة سنة 1815 وعندنا صورة إقراره هذا

[106]  قطربل قرية صغيرة قريبة من ديار بكر

[107]  رسالة البطريرك بطرس جروه المؤرّخة في 28 حزيران 1814.

[108]  إنّ البابا بيوس التاسع حتّم بتاريخ 29 آذار 1852 أن تكون ماردين مركزًا للكرسيّ البطريركيّ حيث البطريرك اليعقوبيّ وأيّد ذلك مجمع الشرفة سنة 1888.

[109]  راجع رسالة البطريرك أغناطيوس سمعان زوره المسطّرة في 9 شباط سنة 1815.

[110]  هذا عاد إلى المعتقد المنوفستيّ وارتسم بطريركًا دخيلاً في دير الزعفران في 28 آب 1906 حال وجود عبد المسيح البطريرك الشرعيّ.

[111]  راجع مجمع الشرفة المطبوع باللاتينيّة سنة 1896 في رومية الباب 8 فصل 4. وذيل المجمع المذكور صفحة 358.